من صفحة: 263
إلى صفحة: 272
النص الكامل للبحث: PDF icon 170712-110011.pdf
خلاصة البحث:

توجه البحث نحو رصد مظاهر القرآنية ( وهي التناص القرآني ) في منجز لغوي قديم هو من الحقبة الأولى من حقب الاستشهاد الفصيح، كما أنه منجز ذو مستوى بليغ في صياغته، وذلك هو دعاء عرفة للإمام الحسين7، وقد لحظ البحث أن مظاهر العلائقية مع القرآن الكريم تمثّلت في نوعين من الأنواع الثلاثة للقرآنية. كما لحظ البحث في رصد مظاهر القرآنية في هذا الدعاء أن بعضها اتّخذت مسلكا كأنها بؤرة يتعالق بها الدعاء مع مواضع متعددة من القرآن الكريم، وهو أمر يمكن أن يفهم من وجهة دلاليّة كون هذا التعالق عمل على جمع كل تلك الدلالات بحسب سياقاتها، لتكون التناص معها محتملا لكل تلك الدلالات.

البحث:

التمهيد:

نال التناص  اهتماما واسعا من المحدثين حتى قيل في سعته وأثره إن كل نص تال هو تناص لما سبق ؛ وهناك من ذهب إلى عدّ (( التناصّ "بعدا ضروريا وجوهريا في جميع أنواع الخطاب: المحادثة اليومية، القانون، الدين، العلوم الإنسانية" بينما يتضاءل دوره في العلوم الطبيعية)) ([1]). ويظهر لنا أنّ التأسيس المعرفي للتناص بهذا المفهوم الواسع يعود إلى حقبة مبكرة، فقد ذكر صاحب العمدة أنه جاء عن أمير المؤمنين عليّ7 قوله:     (( لولا أن الكلام يعاد لنفد))([2]). فالمعرفة البشرية تستند على التكرار المعرفة ما بين من سلف ومن تلا، وبذا فإنّ التناصّ من ناحية ثقافية يمثل خيوط ربط مع المرجعيات المعرفية لاستعادة العلم وإعادة صياغته، واستحداث جديد مرتكز عليه. ومن هنا نفهم تلك النظرة العامة للتناص التي قدمها ميشيل فوكو بأنه: (( لا وجود لما يتولد من ذاته بل من تواجد أصوات متراكمة متسلسلة ومتتابعة))([3]).

   وقد شغلت مجموعة من المفاهيم التي تقارب التناص مساحة مهمة من التراث النقدي في الأدب العربي، واستعملوا له مصطلحات متعددة، إلا أن غلبت التعامل مع ما هو شعري كالسرقة الشعرية، حال أن يتم ّ فهم هذه الظاهرة بوصفها جزءا من منظومة مرتكزات المبدع الجديد. وكان التناص قد أعيد الاهتمام به في العصر الحديث في جهود مجموعة من النقاد أبرزهم الناقد الروسي باختين وجوليا كريستيفا، وجماعة " تيل كيل " بمجلتها التي تأسست سنة 1960([4]).

المبحث الأول: التناصّ والتعالق مع القرآن

يعرّف التناصّ بأنّه:(( كلّ نص يقع عند ملتقى مجموعة من النصوص الأخرى؛ يعيد قراءتها ويؤكدها ويكثفها ويحولها ويعمقها في نفس الوقت))([5]). وتقدّم جوليا كريستيفا في: [ مسألة بنائية النص] وهو عنوان لواحدة من مقالاتها ما يجب أن يكون عليه مفهوم التناص، فعندها أنّه:(( تفاعل نصي يحدث داخل نص واحد ويسوّغ تناول مختلف متتاليات أو رموز بنية نصية ما باعتبارها جملة تحولات لمتتاليات ورموز مأخوذة من نصوص أخرى))([6]).

وجرت محاولات متعددة لتعريف أكثر تحديدا للتناص؛ ولكنها (( ظلت تحوم حول النقطة الجوهرية التي طرحتها كرستيفا المتعلقة بإنتاج النص وعلاقته مع النصوص التي سبقته))([7]). وعند دومنيك مانجينو في دراسته (مدخل إلى مناهج تحليل الخطاب 1976) هو:   (( مجموع العلاقات التي تربط نصّا ما بمجموعة من النصوص الأخرى وتتجلى من خلاله،   [ لـ] يغدو مفهومه أكثر رسوخا وسهولة في الاستعمال لكون حقل تطبيقاته غير بعيد عن المجال التقليدي لـنقد المصادر))([8]).

وهو تعريف يبرز فيه الجانب العلائقي للنصّ بالتناص مع النصوص الأخرى. وهو بذا يمثّل الصلة التي تربط النصوص بمرجعياتها السابقة.

وبعد ؛ فالتناص قديم في النتاج الأدبي عامة؛ بل هو جزءٌ من القانون الطبيعي للإبداع و لا مفر منه للنصوص اللاحقة، إذ هو واحد من شروط العمل الأدبي ؛ وعدّه بعض الباحثين: (( تبادل التأثر، والعلاقات بين نص أدبيّ ما ونصوص أدبية أخرى، ويؤكد بأن هذه الفكرة كان النقد العربي قد عرفها بصورة تفصيلية تحت باب السرقات الشعرية. فالتناص عنده عبارة عن "حدوث علاقة تفاعلية بين نص سابق ونص حاضر لإنتاج نص لاحق))([9]).

لكن التناص يجب ألاّ يخرج بصاحبه عمّا يجعله آلية من آليات التواصل التاريخي والفني مع النصوص وألاّ يقع الأديب تحت هيمنة تلك النصوص:(( ففي هذه الحالة يفقد النص رؤيته الإبداعية والجمالية ويظل–النص- اتباعيا مكررا، يفقد مصداقيته– كنص- له قيمته الإبداعية والجمالية))([10]) ؛ بمعنى أن التناص يجب أن يبقى في دائرة التواصل المعرفي والتأصيل الثقافي لا أن يوقع بصاحبه في خانة الاجترار والتكرار والإتباع، المفتقرة للقيمة الإبداعية. وذلك هو الذي يذهب إليه طائفة من النقاد عندما يدرجون التناص  بـ:(( أنه إشكالية الكتابة بكتابات أخرى - أي- التعويل على غيره في الكتابة، ولكن بقليل من التوسع والإضافة))([11]).

ولعل تلك النظرة إلى التناص التي ظهرت عند النقاد العرب على نحو قاسٍ بما عبر عنه بالسرقة وكان هذا العنوان - في ظل  الأثر الاجتماعي والديني- عاملا فاعلا في غياب النظرة الإيجابية إلى التناص الأدبي، وكونه لبنة من لبنات الإبداع لا أن يكون سرقة وعجزا.

التعالق مع القرآن:

لا يغيب عن الباحثين ما للقرآن من أثر في مجمل العمل البياني بمستوياته: اللغوي، والأدبي، والفلسفي، والكلامي، والسياسي، والاجتماعي، والتاريخي فضلا على المستوى  العقيدي والتشريعيّ. ويأتي أثره في مستوى الإبداع الأدبي والبلاغي في مناجاة الله تعالى، عبر تراث واسع من الأدعية، ذات النمط الخاص من التعبير، والصياغة اللغوية التي ارتقى بها مبدعها إلى درجة سامقة في صياغة  الكلام.

ويظهر من النصوص الشرعية المتمثلة بالنصّ القرآني وأحاديث السنة النبوية ووصايا العلماء أنّ هناك دعوة نحو التناصّ مع القرآن الكريم؛ من نحو استعمال الألفاظ القرآنية في الدعاء بذكر أسماء الله الحسنى؛ قال تعالى:) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( (الأعراف180). فهي دعوة صريحة نحو التناص مع القرآن، فهذه الأسماء مذكورة في القرآن الكريم من نحو ما جاء في قوله تعالى: ) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ*هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ*هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( (الحشر22-24).

وتأتي الأحاديث الشريفة في هذا السياق للحثّ على الدعاء بتوظيف كثير من الآيات القرآنية أو طائفة من تركيباتها، من ذلك قول رسول الله 9: (( لا يُرَدُّ دعاءٌ أوّله بسم الله الرحمن الرحيم ))([12]).ومنه ما جاء في الصلاة على رسول الله9(( قلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك ؟ قال 9: قولوا: اللهمَّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد ))([13]). وتأتي في هذا السياق نصوص كثيرة لتعمل على جعل القرآن وألفاظه طريقا يسلك في مجالات في مخاطب الله تعالى والتضرّع له تعالى، وهذه النصوص تظهر في سياق العلاقة مع الله التي تشمل جميع مرافق الحياة ونشاطاتها ما يعنى أن مفهوم التناص مع القرآني متّسع على قدر اتساع الحياة البشرية وتشعب مظاهرها ليكون العلاقة مع الله هي التناص الحياتي مع كل ألفاظ القرآن ودلالاتها ومقاصدها ومقاصد آياته.

ويبدو المنجز الدعائي حريصا على توسّم كل ذلك وبوضوح شديد حتى ليكاد الدعاء ومنه دعاء الإمام الحسين موضع البحث متناصّاً مع القرآن في كل لفظة من ألفاظه، وبكل تركيب من تركيباته، بله في مقاصده ومعانيه العامة.

وفي الحق فإنّ النظم والنسج الذي يظهر في الأدعية هو من أرفع الصياغات اللغوية التي تأتي في مستوى رفيع من التعبير والبيان المعبّر عن مناح متعددة في الحياة وعلى الأخص العلاقة الوجدانية التي تربط العبد بخالقه؛ وكيف تكون تلك الصياغة ومبدع الدعاء ربيب جدّه9 الذي يمثل كلامه أعلى ما يمكن أن يأتي على لسان البشر، وقد قال تعالى بحقه:) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى( (النجم3-5).وهو أيضا ابن عليّ بن أبي طالب7،وهو من قال:(( وإنّا لأمراء الكلام، وفينا تنشّبت عروقه، وعلينا تهدّلت غصونه))([14]). وهو الإمام الحسين وارث جدّه وأبيه علما وفصاحة، والإناء ينضح بما فيه فدعاء عرفة وأدعيته الأخرى شاهد على ذلك.

ونظرة عجلى لدعاء الإمام الحسين 7 في عرفة يتّضح بها مدى الأثر القرآني في صياغة الدعاء ومعانيه. علما أنّ هذا الدعاء هو من أوائل النصوص الإبداعية التي توسّم مبدعها امتداداً قرآنيّاً في داخل منتجَه، الذي يتوجه به نحو الله. وهو ما يظهر أصالة التناصّ القرآني في التراث العربي القديم، وأنه آلية من آليات المبدعين، ويظهر أن هذه النظرة الإيجابية في توظيف الآيات القرآني لم تتوسع لتشمل غيره من أنماط التناص مع النصوص البشرية: شعرا ونثرا؛ بل غلب على هذا التناص الأخير أن يوصم بكونه سرقة مع ما لهذه الكلمة من أثر يسيء للعمل الأدبي في ظل قيم المجتمع الإسلامي وأعرافه الذي تعد فيه السرقة اعتداء يعاقب عليه السارق. 

وبذا يظهر أن التناص مع القرآن وهو نص لغوي أعلى لم ينظر إليه على نحو يثير حفيظة احد ليوصم بكونه سرقة أو نحوها من النص القرآني؛ بل الأمر من محاسن الإبداع، ومن فضائل النصوص أن تشتمل على شيء من هذا النصّ المقدس. ولاسيما أنّ مثل هذا النص له سماته التي تطبع النص المتناص معها بطابع بلاغته وسمو بيانه. ولقد كوّن النص القرآني بلغته وتعبيره وألفاظه، ودلالاته سلطة فكرية وإبداعية ومازالت سطوته إلى وقتنا هذا فاعلة على نحو لم يرقَ إليه أي نص آخر. ولأهل البيت عليهم السلام تراث مغيّب عن الساحة اللغوية والبلاغية والأدبية، وقد جاء من أحاديثهم وخطبهم ورسائلهم، وأدعيتهم ما ملأ بطون الكتب، وفيه الغناء على نحو لم يكن لغيرهم مثله؛ وكانوا في كل ذلك يعمدون إلى إحداث علائقية مع القرآن بمختلف مستوياته من المفردة إلى التركيب المتسع الضامّ للآية والآيات.

القرآنية والتعالق مع النص القرآني:

يأتي استعمال مصطلح القرآنية ليمثل بها تلك الآلية التي يتوسل بها المبدع في تشكيل نصوصه الإبداعية، من جهة الرؤى والأنساق، بنية وإيقاعا بحسب سياق القرآن الكريم([15]) ليستعاض بها عن استعمال[ التناص القرآني أو التضمين ونحو ذلك] مما يستعمل في التعالق مع القرآن. وقد رأينا الأخذ بمصطلح [ القرآنية ] للدلالة على ما عرف بالتناصّ القرآني أو تضمين الآيات. ونحن مع تبني هذا المصطلح لكونه الأجدر بالقبول والشيوع، إذ كان اعتراض د.مشتاق عباس الذي طرح هذا المصطلح قائما من جهة كون مصطلح التناصّ يدلّ ((على ثنائية مفاهيمية من جهة (الأخذ، والمأخوذ) الأمر الذي يحدث لبسا عند بعض المتلقين لو أضفناه [يعني التناص] إلى القرآن، إذ يدلل على أنّ المأخوذ هو القرآن، كما يصح أن يكون الآخذ أيضا ؛ ولاستحالة الاتفاق مع الغرض الثاني، أعرضنا عن هذا الاصطلاح، وأن نستبدل به مصطلحا جديدا))([16]).

وعلى هذا فإنّ هذه اللفظة تخلو دلالتها من مثل هذا اللبس، ونحن مع الباحث في استعمال هذا المصطلح وشيوعه أنسا بدلالته على الغرض وعدم اللبس.

ولقد كان سعى الباحث لإتمام صورة مقترحه لتداول مصطلح القرآنية إلى حصر مظاهرها في ثلاثة محاور(( تراوحت من إبقاء الكتلة(البنية) النصّيّة محافظة على علاقتها الداخليّة، أو محاولة انتزاعها في إطارها الأوّل ووصلها بعلاقة نصّيّة جديدة، أو الإفادة من المفهومات القرآنيّة والمصاحبات الدلاليّة في إقامة نسق جديد من العلاقات ضمن المنجز الشعريّ، وهذا الأخير من أشدّها جذباً للمتلقي المتفاعل المبدع))([17]).

والمحاور الثلاثة([18])؛ هي:
  1. القرآنيّة المباشرة غير المحوّرة: وتكون البنية التناصية فيها محافظة على وضعها الأول من غير تغيير يطرأ في التعامل مع اللفظ، أو البنية.
  2. القرآنيّة المباشرة المحوّرة: يتعامل المبدع مع البنية التناصية لفظا ودلالة وبنية ليحيل النص المستقى ببنائه إلى نص قلق البناء يفقد نسقه وبنياته الأولى. وهذا المنحى من توظيف القرآنية هو الشائع في النصوص الإبداعية قديما، وحديثا.
  3. القرآنيّة غير المباشرة المحوّرة: يكون المبدع في هذا المنحى من القرآنية ضالعا في (النص الجديد ) على نحو يكون فيه النص القديم مغيّب في طيات النص الجديد وتلمح القرآنية من بعض الإشارات التي لا تفوت القاريء الفطن.

ويمكن أن يكون هذا المنحى الأخير من القرآنية الموطن الأكثر تأصيلا للنص وإبرازا للأخذ الإبداعي كما يراه الباحث؛ وإن كنا نعتقد أن مثل هذا التقويم للتعامل مع القرآنية يحتكم به إلى موردها في النص، وتفاعلها مع بنياته ودلالاته وألفاظه. (( وتكون السلطة المنتجة للنصوص وفقاً لهذه التقنيّة [ يعني القرآنيّة غير المباشرة المحوّرة ] مناطة بالمبدع الجديد، أمّا النصّ القديم فمغيّب عن التلقي غياباً قد يفقده حق الملكيّة الإبداعيّة التي ورِثها المبدع الجديد، إذ لا تكاد تقف على صرح النصّ القديم إلا بعض الإشارات قد يقوى ضوؤها  أو يخبو بحسب مقدرة المبدع الأخذ ويصعب على القارئ اللانموذجيّ رصد هذا الأخذ الإبداعيّ،إذ لا يتهيّأ له الكشف إلا بعد لأْيٍ ))([19])

وسيتّضح لاحقا أنّ القرآنية المباشرة غير المحورة والقرآنية المباشرة المحورة هما المحوران لتوظيف الإمام الحسين7 النص القرآني في دعائه فهما النمطان اللذان وقفنا عند أمثلتهما؛ ولم نعثر على مثال للقرآنية غير المباشرة المحورة ؛ وهو ما سيتّضح لاحقا ؛ بل لعل  ذلك أيضا الحال في مجمل التراث الدعائي.

المبحث الثاني: القرآنية المباشرة غير المحوّرة في دعاء عرفة

تكون البنية التناصية فيها محافظة على وضعها الدلاليّ، واللفظي،وذلك بالأخذ المباشر للنص القرآني، وعلى هذا يمكن أن نصف هذه القرآنية بأنها قرآنية متناصة لفظا ومعنى على نحو تبدو فيه البنية القرآنية غير خافية على القاريء. فهي أمّا آية قرآنية كاملة وأما شطرا من آية لكنه شطر ظاهر في استقلاله البنيوي داخل محيطه الجديد. وتبدو ألفاظ القرآن واضحة،لم يغيّر ترتيبها فهي على ما هي عليه في بنيتها السابقة.وهذه القرآنية أكثر استعمالا في التراث العربي البياني، وكذلك هي الأوسع في هذا الدعاء. ومن مظاهر هذه القرآنية في دعاء عرفة:

قول الإمام الحسين 7 في وصف الله تعالى: )وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ، وَهُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ، اللَّطيفُ الْخَبيرُ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَىء قَديرٌ( ([20]) فهي بنية متناصّة لقوله تعالى:     )... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ( (الشورى11) وكذا الحال مع اسمي الله (اللطيف الخبير) اللذين جاءا مقترنين في موضعين في القرآن: الأنعام103، وسورة الملك14.

أما تركيب:على كل شيء قدير؛ فقد جاء ذكره في الدعاء متناصا مع (33) موضعا قرآنيا. أنّ مثل هذه القرآنية المباشرة غير المحورة ترسم خطوطا ترجع هذه الفقرة إلى أساس قرآني متنوع المواقع في النص القرآني ما يتناسب ومعنى هذه الجملة الدالة على قدرة الله تعالى غير المحدودة باتجاه أو مكان أو زمان. وبذا فإنّ مثل هذا التناص يوظّف ليكون بؤرة لغوية-دلالية تترابط عندها كل تلك الموارد القرآنية لتكن امتدادا للدعاء في مفاصل الدلالة التي يشتمل عليها هذا التركيب القرآني.       

وينتمي إلى هذا الضرب أيضا قوله7: )...لا اِلهَ إلاّ أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ، لا اِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الْمُسْتَغْفِرينَ، لا اِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الْمُوَحِّدينَ، لا اِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الْخائِفينَ، لا اِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الْوَجِلينَ، لا اِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الَّراجينَ، لا اِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الرّاغِبينَ، لا اِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الْمُهَلِّلينَ، لا اِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ السّائِلينَ، لا اِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الْمُسَبِّحينَ، لا اِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الْمُكَبِّرينَ، لا اِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ رَبّى وَرَبُّ آبائِي الاَْوَّلينَ ( ([21]) فقد ضم دعاء الإمام في هذه الفقرة بنية قرآنية كررها أربع عشر مرة، وجاءت في قوله تعالى: )وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ( (الأنبياء87). ويظهر أنّ البنية القرآنية للشطر الأخير من الآية اتخذت عاملا لتوليد عدد من المنزلات النحوية تمتد بها نحو معان أخرى تابعة للمعنى القرآني المتمثل في الإقرار بالظلم بين يدي البارئ تعالى بعد نفي الألوهية عن غيره وإثباتها له تعالى، لتشغل تلك المنزلات ألفاظ:( الْمُسْتَغْفِرينَ، الْمُوَحِّدينَ، الْخائِفينَ، الْوَجِلينَ، الَّراجينَ، الرّاغِبينَ، الْمُهَلِّلينَ، السّائِلينَ، الْمُسَبِّحينَ، الْمُكَبِّرينَ، رَبّى وَرَبُّ آبائِىَ..)؛ مع تناص لقرآنية مباشرة في الجملة الأخيرة لقوله تعالى: ) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ( (الشعراء26)و(الصافات 126،الدخان8)

أما قول الإمام الحسين7: (( اَللَّهُمَّ اِنَّكَ تُجيبُ الْمُضْطَرَّ إذَاْ دَعَاكَ، وَتَكْشِفُ السُّوءَ، وَتُغيثُ الْمَكْرُوبَ))([22]) فقرآنيته واضحة لقوله تعالى: ) أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أإله مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ( (النمل 62).

ولا يبتعد قوله7: (( يا رآدَّ يُوسُفَ عَلى يَعْقُوبَ بَعْدَ اَنِ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظيمٌ))([23])؛ فالشطر الأخير من هذه الفقرة هو قرآنية لفظية لقوله تعالى واصفا حال النبي يعقوب7 بعد امتداد غيبة ولده يوسف الصديق7عنه.

ويأتي قوله 7: (( مُنْزِلَ التَّوراةِ وَالاِْنْجيلَ، وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقان ))([24]) في الدعاء موضوع التحليل ببناء ذي قرآنية واضحة لطائفة من الآيات القرآنية، تلك التي ذكرت فيها هذه الكتب السماوية أو ذكر بعضها. ويبدو واضحا أن كل لفظة قرآنية في الدعاء تسلك مسلك التأثر البالغ بالبناء القرآني.

ونادى الإمام 7: (( يا مَنْ هُوَ قآئِمٌ عَلى كُلِّ نَفْس بِما كَسَبَتْ ))([25]) فقد نادى الإمام الحسين7 ربّه بقرآنية هي بعض ما جاء في قوله تعالى: ) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ( (الرعد33).

المبحث الثالث: القرآنية المباشرة المحوّرة في دعاء عرفة

ويمكن أن نصف هذا النمط من القرآنية بتسمية أخرى، هي) القرآنية المباشرة معنى)، منقوصا عن النمط الأول بركن اللفظ،   كما سبق في النوع الأول وهو:القرآنية المباشرة لفظا ومعنى، ونعنى بهذه تلك القرآنية التي يحافظ فيها على بنية المقطع القرآني على نحو تبقى فيه محتفظة ببنائها الخاص،اما هذه القرآنية فهي قرآنية تعمل إحداث بنية جديدة أو نسق بنائيّ ذي صياغة جديدة وتلمح القرآنية فيه عبر استعمالها بعض ألفاظ البنية المتناصة لتكون بؤرة لربط النص الجديد مع النص القرآني. ومظاهر هذه القرآنية كثيرة في دعاء عرفة،لذا سنحاول ذكر أبرز تلك المواد،مع اظهار وجه الربط مع البناء السابق في النص القرآني.

قول الإمام الحسين 7:(( يا مَنْ لا تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبادِهِ، وهُوَ الَغَنِىُّ عَنْ طاعَتِهِمْ، وَالْمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ صالِحاً بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِه))([26])؛ فهي قرآنية مأخوذة ولاسيما في قوله: (لا تضرّه... والغني...) من آيات متعددة منها قوله تعالى: ) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( (آل عمران177) ) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( (التوبة 39)، )...وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ( (آل عمران 97) وقوله تعالى: ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(النمل15) وقوله: ) وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ( (محمد38).

أمّا تركيبية قول الإمام الحسين 7:(( اَللّهُمَّ لا تَمْكُرْ بى، وَلا تَسْتَدْرِجْنى، وَلا تَخْذِلنى، وَادْرَأ عَنّى شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ والإنْس))([27]). فواضحة في الدلالة على ما جاء في مواضع قرآنية متعددة، وهي وإن اختلفت عن ألفاظ القرآن إلاّ أنّها تشترك في الإحالة إلى تلك الألفاظ؛ من نحو إحالتها الى قوله تعالى:)...وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ((الأنفال30)

ويلحظ في القرآنية التي تظهر في مثل هذه النماذج أنّ الإمام يستكمل بها عمله الإبداعي الذي هو أشبه ما يكون بعملية تكثيف لعدّة معان قرآنية دلّت عليها الآيات في عبارات دعائه.

ويستدعي قوله 7: (( أَمْ اَىُّ عَطاياكَ أَقُومُ بِها شُكْراً، وَهِىَ يا رَبِّ اَكْثرُ مِنْ اَنْ يُحْصِيَهَا الْعآدّوُنَ، أَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِهَا الْحافِظُون))([28])، بلا ريب الفقرة الواردة في قوله تعالى:) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ( (النحل18) ولما جاء في(إبراهيم34).

وجاء في الدعاء قوله:(( يا مُقَيِّضَ الرَّكْبِ لِيُوسُفَ فِى الْبَلَدِ الْقَفْرِ، وَمُخْرِجَهُ مِنَ الْجُبِّ وَجاعِلَهُ بَعْدَ الْعُبودِيَّةِ مَلِكاً... يا كاشِفَ الضُّرِّ وَالْبَلْاء عَنْ اَيُّوبَ، وَيامُمْسِكَ يَدَىْ اِبْرهيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ كِبَرِ سِنِّهِ، وَفَنآءِ عُمُرِهِ، يا مَنِ اسْتَجابَ لِزَكَرِيّا فَوَهَبَ لَهُ يَحْيى، وَلَمْ يَدَعْهُ فَرْداً وَحيداً، يا مَنْ اَخْرَجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ، يا مَنْ فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنى اِسْرآئيلَ فَاَنْجاهُمْ، وَجَعَلَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ مِنَ الْمُغْرَقينَ،....))([29])

فهذه الفقرة جرى فيها تتبع ستة من المواقف التي يأتي فيها الفرج من عند الله إنقاذا لأنبيائه مما حلّ بهم، وعصمتهم من أخطارها، وكل هذه المواقف مذكورة في القرآن الكريم في تفاصيل لم يجر ذكرها في الدعاء،واكتفى بذكر الموقف من دون التقيد بالألفاظ القرآنية عينها، فكان التناصّ ههنا تناصاً قرآنيا في المعنى. إذ يتم في هذه القرآنية استحضار هذه المواقف لتكون مدعاة لجلب رحمة الله وفرجه.

ومن فقرات الدعاء قوله:(( يا مَنْ أرْسَلَ الرِّياحَ مُبَشِّرات بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ، يا مَنْ لَمْ يَعْجَلْ عَلى مَنْ عَصاهُ مِنْ خَلْقِهِ([30])[ يا مَنِ اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْجُحُودِ، وَقَدْ غَدَوْا فى نِعْمَتِهِ يَأكُلُونَ رِزْقَهُ، وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، وَقَدْ حادُّوهُ وَنادُّوهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ]))([31]).

فمع التداخل بين استعمال القرآنية المباشرة المحورة وغير المحورة؛ تظهر القرآنية المباشرة في موقف الرحمة الإلهية في قصة السحرة مع كليمه موسى7 عندما أراد فرعون أن يتحدى المعجزة الإلهية التي ظهرت على يد نبيه فادّعى بأنها سحر وجمع سحرته مع موسى 7  في يوم الزينة، ليتحداه بالسحر، تظهر القرآنية في الدعاء من قوله تعالى:  ) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى* قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى* قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى( (طه70-75).

قال 7 يصفه سبحانه وتعالى:(( وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ، وَلِلدَّرَجاتِ رافِعٌ،  وَلِلْكُرُباتِ دافِعٌ، وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ ))([32]). إذ يتضح أن دلالة هذه التركيبات مما ورد في القرآن الكريم في أكثر من موضع.

وجاء في دعاء الإمام الحسين7 وهو يعرض أولى نعم الله تعالى عند أول الخلقة، فقال:(( فابْتَدَعْتَ خَلْقي مِنْ مَنِىّ يُمْنى، وَاَسْكَنْتَنى فى ظُلُمات ثَلاث، بَيْنَ لَحْم وَجِلْد وَدَم، لَمْ تُشْهِدْنى بخَلْقي، وَلَمْ تَجْعَلْ إليّ شَيْئاً مِنْ أَمْري))([33]).

ومن المعلوم أن مثل هذا قد أتى القرآن على ذكره. وإن لم يستعمل الإمام الألفاظ عينها؛ قال تعالى: )... يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ( (الزمر6).

الخاتمة:

عمد البحث إلى محاولة التوقف عند بعض مظاهر التناص القرآني في ظل تبنيه مصطلح القرآنية ليكون مصطلحا دالا على العلائقية مع القرآن الكريم، وذلك في منجز لغوي قديم هو من الحقبة الأولى من حقب الاستشهاد الفصيح، كما أنه منجز ذو مستوى بليغ في صياغته، وذلك هو دعاء عرفة للإمام الحسين7، وقد لحظ البحث أن مظاهر العلائقية مع القرآن الكريم تمثّلت في نوعين من الأنواع الثلاثة للقرآنية، والنوعان هما: القرآنية المباشرة غير المحورة، وهي العلائقية مع الآيات القرآنية بذكر ألفاظها عينها، والثانية: القرآنية المباشرة المحورة، وهي العلائقية مع الآيات القرآنية من دون الألفاظ القرآنية عينها بل باستعمال ألفاظ قريبة منها ولهذا وصفنا هذه العلائقية بكونها علائقية معنى. ولعل غياب النمط الثالث ( القرآنية غير المباشرة المحوّرة) الى ان الامام 7 في وضع قربه من الله سبحانه وتعالى، ومثل هذه المواقف وهي الغالبة في الأدعية والأذكار، يستدعي وضوح عبارات تتعلق به سبحانه وتعالى ؛ لأنّ الموضع ليس موضع صياغة أدبية القصد منها الإبداع والتنافس الإنشائي، بل يراد منها الثاثير بالمتلقي بالبناء الأدبي الجميل لبلوغ حالة االقربة فالصياغة الأدبية هنا وسيلة لا غاية.

ولو دققنا في هذا التعليل سنجد أن القرآنية غير المباشرة المحورة تحتاج الى كدّ ذهن لربط النصّ الأخذ(الدعاء) بالنصّ المأخوذ منه(القرآن) وهو ما لا ينسجم مع الموقف الذي يكون فيه الداعي. 

ولحظ البحث في رصد مظاهر القرآنية في الدعاء أن بعض مظاهرها اتّخذت مسلكا كأنها بؤرة يتعالق بها الدعاء مع مواضع متعددة من القرآن الكريم، وهو أمر يمكن أن يفهم من وجهة دلاليّة أن هذا التعالق عمل على جمع كل تلك الدلالات بحسب سياقاتها، لتكون التناص معها محتملا لكل تلك الدلالات ؛ كما في التناص بالمقطع ( وهو على كل شيء قدير ) و كذا ذكره أسماء الله تعالى.

وبعد، فإنّ هذا البحث قد وقف على جوانب من القرآنية المتعددة على نحو يصعب التعامل معه عبر ما يقدّمه النقد الأدبي من آليات؛ وقد نوّهنا إلى أنّ التناص في الدعاء ينبغي أن ينظر إليه من وجهة علم الدلالة، التي تقيم الظاهرة فيظل أن ما ذكر من ألفاظ القرآنية، أو تركيباتها هي بؤرة لفظية لتجميع كل الدلالات القرآنية التي تحتملها تلك القرآنيات، وهي في بيئتها الأولى النصّ القرآني.

مصادر البحث:

  1. القرآن الكريم.
  2. اقبال الأعمال/رضي الدين علي بن موسى بن طاووس / تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني/نشر مكتب الإعلام الإسلامي/ قم/ط1/1415هـ.
  3. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار/ محمد باقر المجلسي/مؤسسة الوفاء/ بيروت/ ط2/ 1403هـ - 1983 م.
  4. تأصيل النص قراءة في أيديولوجيا التناص/د.مشتاق عباس معن/ مركز عبادي للدراسات والنشر/صنعاء/2003م.
  5. التناص" في رأي ابن خلدون/ محمد طه حسين/ ع2س12/ 2005م.
  6. العمدة في محاسن الشعر وآدابه: ابن رشيق القيرواني/مصدر الكتاب: موقع الوراق
  7. ماهية التناص: قراءة في إشكاليته النقدية/عبد الستار جبر الأسدي/مجلة فكر نقد/ ع28 س 15/2005م.
  8. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد/نور الدين علي بن أبي بكر الهيثميّ/ دار الفكر/ بيروت/1412.
  9. المدوّنة الرقميّة الشّعريّة: التفاعل/ المجال/ التعالق/ د.حسن عبد الغني الأسدي/ مطبعة الزوراء /الطبعة  الأولى/ العراق /2009.
  10. نظرية التناص ب.م.دوبيازي Pierre Marc de  Biazi/ تعريب:المختار حسني/ ع28س15/ 2005م.
  11. نهج البلاغة /اختيار الشريف الرضي من كلام سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب7/ شرح محمد عبده / دار المعرفة للطباعة والنشر/ بيروت.
 

[1] - ماهية التناص: قراءة في إشكاليته النقدية: وهو قول لباختين.

[2] - العمدة في محاسن الشعر وآدابه/ باب بين القدماء والمحدثين. والصناعتين في الشعر والنثر: الفصل الأول من الباب السادس في حسن الأخذ.

[3] - التناص" في رأي ابن خلدون:4.

[4] - ينظر: تأصيل النص، قراءة في ايديولوجيا التناص: المدخل.

[5] - نظرية التناص ب.م.دوبيازي Pierre Marc de Biazi تعريب: المختار حسني:1.

[6] - نظرية  التناص: 1.

[7] -  ماهية التناص: قراءة في إشكاليته النقدية/عبد الستار جبر الأسدي

[8] - نظرية التناص: 4.

- [9] ماهية التناص: 2.

[10]- التناص" في رأي ابن خلدون: 2.

[11] - المصدر السابق.

- [12] بحار الاَنوار: 93/ 313.

[13] - مجمع الزوائد: 10 / 163، ينظر: سورة هود /73.

[14] - نهج البلاغة :الخطبة 233.

[15] - تأصيل النصّ:170.

[16] - تأصيل النص:170.

[17]- المدوّنة الرقميّة الشّعريّة: التفاعل/ المجال/ التعالق: 87- 88.

[18] - ينظر: تأصيل النص قراءة في أيديولوجيا التناص:182-183.

[19] - تأصيل النص قراءة في أيديولوجيا التناص: 183.

[20] - اقبال الأعمال: 2/ 74.

[21] - اقبال الأعمال: 2/ 84.

[22] - اقبال الأعمال: 2/84.

[23] - اقبال الأعمال.: 2/81.

[24] - اقبال الأعمال:2/ 80. 

[25] اقبال الأعمال: 2/ 81.

[26] - اقبال الأعمال: 2/ 83.

- [27] اقبال الأعمال: 2/ 87.

[28] - اقبال الأعمال: 2/ 76.

[29] - اقبال الأعمال: 2/ 74.

[30] - اقبال الأعمال: 2/ 74.

[31] - بحار الأنوار: 95/ 227.

[32] - اقبال الأعمال: 2/ 74. وينظر: بحار الأنوار: 95/ 216.

[33] - اقبال االأعمال: 2/ 75.