المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 049.doc
  • امكانه مع وقوعه:

ومن القائلين به صاحب الكفاية, واستدل له بالنق لوالتبادر وعدم صحة السلب.

ويريد بالنقل: (( ان أهل اللغة نقلوا الاشتراك في جملةمن الالفاظ ك(القرء) للطهر والحيض, و (المولى) للسيدوالعبد, و (العين) للباكية والجارحة وغيرهما, و (البيع) و (الشراء) لفعل الموجب والقابل, الى غير ذلك من الالفاظالمذكورة في الكتب اللغوية, وكما يكون نقل اللغويين متبعا في الالفاظ المتحدة المعاني, كذلك في الالفاظ المتعددة المعاني ))(1).

ويريد بالتبادر: تبادر وانسباق المعنيين أو المعاني الى الذهن من اللفظ عند سماعه أو قراءته, فانه يدل على أن اللفظ موضوع لذينك المعنيين أو تلك المعاني.

وبعدم صحة السلب: (( انه لا يصح سلب المعنيين أوالمعاني عن اللفظ, فلا يصح أن يقال: الذهب والفضة ليسا بعين, أو الطهر والحيض ليسا بقرء ))(2) وهكذا.

والتبادر وعدم صحة السلب من علائم الحقيقة, أي انهما يعنيان أن اللفظ المشترك يدل على معانيه على نحوالحقيقة, وهو معنى الاشتراك.

 

عوامل وقوعه

ذكر الرازي عاملين لوجود المشترك اللفظي في اللغات,هما: (( السبب الاكثري: هو أن تضع كل واحدة من القبيلتين  تلك اللفظة لمسمى آخر, ثم يشتهر الوضعان فيحصل الاشتراك )).

(( والاقلي: هو أن يضعه واضع واحد لمعنيين ليكون المتكلم متمكنا من التكلم بالمجمل, وقد سبق في الفصل السالف أن التكلم بالكلام المجمل من مقاصد العقلاءومصالحهم )).

ومثال الاول ما جاء في (المزهر(3)): (( قال في (الغريب المصنف):

قال أبو زيد: الالفت في كلام قيس: الاحمق, والالفت فيكلام تميم: الاعسر.

وقال الاصمعي: السليط عند عامة العرب: الزيت, وعندأهل اليمن: دهن السمسم )).

ومثال الثاني: ما نقله السيوطي في (المزهر) أيضا عن كتاب (الملاحن) لابن دريد .. ومنه:

(( قال ابن دريد: تقول: (والله ما سألت فلانا في حاجة قط), والحاجة: ضرب من الشجر له شوك, والجمع حاج.

و (ما رأيته) أي ما ضربت رئته.

و (لا كلمته) أي جرحته.

و (لا أعلمته) أي ما جعلته أعلم, أي ما شققت شفته العليا )).

أما اللغويون المحدثون فقد ذكروا من عوامل وقوع المشترك اللفظي مايلي:

1- اختلاف اللهجات:

كان العرب قديما يسمون اللغة لسانا Tongue ولغةLaxgucge , ويسمون اللهجة Dialect لغة.

أما اليوم فيفرق علماء اللغة العرب بينهما حيث يطلقون اللغة على اللسان فقط, ويطلقون على ما كان يعرف قديما باللغة داخل اللسان كلغة قريش ولغة تميم لهجة Dialect.

ومر أن الاصوليين أشاروا الى هذا العامل حيث نقلنا قول الرازي, وأمثلته من كتاب المزهر للسيوطي.

2- التغير الدلالي:

ويتمثل هذا التغير أكثر ما يتمثل في الحقيقة والمجازحيث يوضع اللفظ لمعنى ويستعمل فيه على نحو الحقيقة, ثم يستعمل في معنى آخر على نحو المجاز, ويشتهراستعماله في المجاز الى المستوى الذي يستغني فيه عن القرينة, ويشيع استعماله في المجاز الى المستوى الذي تنسى معه مجازيته فيتحول الى حقيقة, ويتحول الى حقيقة, ويتحول معه اللفظ الى مشترك بينهما.

ومن التغير الدلالي (( ما ينتج عن قصد في مصطلحات العلوم, وفي مصطلحات الشرع, حيث يكتسب اللفظ في البيئة الخاصة مدلولا مغايرا عن أصل مدلوله اللغوي وانكان متصلا به بسبب .

بيد أن هذا المدلول الاخير قد يصبح أكثر شيوعا واستعمالا, كما هو ملاحظ في مصطلحات الشرع, ولذلك سماهاالاصوليون بالحقيقة الشرعية ))(4).

3- التغير الصوتي:

وذلك بأن يتطور الصوت في الكلمة (( بحيث يتحد مع لفظ آخر يختلف عنه في معناه أو مدلوله, أي أن الكلمتين في أصل وضعهما مختلفتان صوتا ومعني, وحصل لاحدهما تطوروتغير في صوتها جعلها تماثل الاخرى في صوتها وتختلف عنها في معناها, فرويت لنا متحدة الصوت مختلفة المعنى, يقول أولمان: (والمشترك اللفظي ينشأ عن اتفاق كلمتين مستقلتين أو أكثر في الصيغة اتفاقا بطريق الصدفة مثل صيغة Sound في اللغة الانجليزية, وأقل ما تمثل أربع كلمات, فهذه الكلمات الاربع بعد أن اشتقت من اصول مختلفة أخذت تتقارب بعضها من بعض في الصيغةحتى اتحدت وتماثلت, فكلمة Sound بمعنى (صحيح البدن)متطورة عن كلمة جرمانية قديمة, وأما بمعنى (صوت)فترجع الى الفرنسية Sonوحرف (d) ما هو الا تطور متأخرالحدوث.

وتعني (سبر الغور) امتدادا للفعل الفرنسي Sondr, وقدتعني (مضيق الماء) فعن الفرنسية Sound التي تحمل المعنى نفسه بالاضافة الى وجودها في لغات جرمانيةقديمة) ... ))(5).

(( ومن هذا القبيل التشابه الصوتي بين كلمتي Pen (قلم),و Pin (دبوس), أدى الى الاشتراك اللفظي بينهما على مايحكيه ستر تفنت في كتابه (مقدمة في علم اللغة), حي يقول: (في الولايات المتحدة en أصبحت تلفظ مثل |in, ومنجراء ذلك صارت كلمتا pen و pin مشتركين لفظيين, حتى أن طالبه في السابعة طلبت من مدرستها أن تعطيها قلما penولكنها نطقت الكلمة بلفظ  pin(دبوس) فبحثت لهاالمدرسة عن دبوس, وأعطته اياها, ولكن الطالبة قالت لمدرستها: انها تريد دبوسا يكتب, ونشأ سوء الفهم, لان المدرسة تتكلم بلهجة تفرق بين pin و pen).

وهكذا أدى التشابه الصوتي في نطق pen و pin عندالطالبة الى عدم التفريق بينهما الا باضافة كلمةاخرى ))(6).

4- التشابه في الصورة:

ويأتي هذا عن طريق ما نسميه في لغتنا العربية ب(التعريب), وهو أن تنقل كلمة من لغة الى لغةاخرى بلفظها ومعناها, وفي اللغة المنقول اليها توجد نفس اللفظة الا أنها تدل على معنى آخر غير المعنى الذي تدل عليه اللفظة في اللغة الاخرى, وتستعمل اللفظة في المعنيين فيتولد من هذا الاستعمال اشتراك لفظي بينهما.

يقول الدكتور أنيس (في اللهجات العربية): (( وهنانرى كلمتين متحدتين في الصورة, مختلفتين في المعنى,ولكن كلا منهما ينتمي في الاصل الى لغة مستقلة.

ومثل هذا النوع من الكلمات نادر وهو وليد المصادفة,ولكنه قد يولد لنا المشترك اللفظي ))(7).

ومثل له بكلمة (البرج) فانها في اللغة العربيةبمعنى الجميل الحسن الوجه, وفي اللغة اليونانية بمعنى الحصن, وحين انتقلت هذه الكلمة من اليونانيةالى العربية حملت معها معناها اليوناني فأضافه العرب لمعاني كلمة (البرج) عندهم .

وبكلمة race فانها في اللغة الانجليزية بمعنى سباق انتقل اليها من الجرمانية, وبمعنى جلس انتقل اليها من اللاتينية.

  •  كيف تكتسب الكلمة أكثر من معنى:

يقول أولمان في كتابه (دور الكلمة في اللغة): (( هناك طريقتان رئيستان تتبعهما الكلمات في اكتساب معانيهاالمتعددة: الطريقة الاولى منهما يمكن توضيحه ابالكلمة الانجليزية operation (عملية) خير توضيح.

هذه الطريقة تبدأ بمجرد حدوث التغيير في تطبيق الكلمات واستعمالها, ثم يعقب ذلك شعور المتكلمين بالحاجة الى الاختصار في المواقف والسياقات التي يكثر فيها تكرار الكلمة تكرارا ملحوظا. ومن ثم يكتفون باستعمالهاوحدها (أي من غير قرينة) للدلالة على ما يريدون التعبيرعنه.

أنه ليس من الضروري مثلا بل لعله مما يوجب التندر أن تنص وأنت في مستشفى على أن العملية المشار اليها في الحديث عملية جراحية, وانها ليست عملية استراتيجيةأو صفقة تجارية في سوق الاوراق المالية.

فاذا ما تبلورت الكلمة وتحدد معناها الجديد في البيئةالفنية الخاصة, كان لابد لها في الوقت المناسب من أن توسع في حدود دائرتها الاجتماعية الخاصة, حتى تصبح مقررة ثابتة في الاستعمال اللغوي العام .

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- منتهى الدراية 170/1.

2- منتهى الدراية 170/1.

3- المزهر 1 / 381 .

4- دراسة المعني عند الاصوليين / 87 88 .

5- الدلالة اللغوية عند العرب 119.

وانظر: دور الكلمة في اللغة 127.

6- م . ن, وانظر:  Cu  lntroduction  to Linguitic science : P. 127..

7- ص196.