المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 044.doc

الترادف

الترادف من الظواهر اللغوية التي ساهم في بحثها ودراستها الفلاسفة الاغريق, وعلى رأسهم أرسطو, فقدعالجها في كتابيه (فن الشعر) و (فن الخطابة),وفلاسفة الهند لوجودها في اللغة السنسكريتية (( فقدعرف عن مؤلف بوذي اسمه (أمارا سنها Amara|Sinha) أنه ألف معجما في المترادفات في ثلاثة أبواب, وألحق به فصلا عن المشترك اللفظي, ويعد هذا المعجم من أقدم المعجمات الكاملة في تلك اللغة اذ يعود ظهوره الى القرن السادس الميلاي أو قبله ))(1) وعلماء اللغة العرب القدامى والمحدثون,وعلماء اصول الفقه, وعلماء اللغة الغربيون المحدثون.

  •  تعريفه:

لغة: يقال: ترادف الرجلان يترادفان ترادفا, اذا ركب أحدهما وراء الاخر على ظهر الدابة أو الدراجة.

والترادف: التتابع, يقال: رادف بين الشيئين, جعل احدهما يتبع الاخر.

وفي المصطلح العلمي: استعير معنى الترادف منمعنى التتابع, حيث تتبع الكلمة المرادفة اختها فيحملها معناها وحلولها محلها.

وعلى هذا الاساس عرف علميا بأنه: دلالة أكثر من لفظ على معنى واحد, بحيث يمكن لاي لفظ منها أن يحل محل الاخر, مثل: أسد وليث وهزبر.

وفي المعجم المزدوج (عربي انجليزي): (( ترادف الكلام: تشابه المعنى synonymy, وكلمة مترادفة: تشابه غيرها في المعنى Synonym )).

وعقد البروفسور ستيفن أولمان في كتابه (دور الكلمة في اللغة) الفصل الثاني للمعنى المتعدد الذي يتحقق كمايقول في صورتين اثنتين: فقد يرتبط عدد من الالفاظ بمدلول واحد أو العكس, أي قد يكون الارتباط بين مدلولات عدة ولفظ واحد.

وعرف الترادف لاندراجه تحت الصورة الاولى بقوله: ((الترادف Synonymy, والمترادفات هي ألفاظ متعددة لمعنى (واحد): وقابلة للتبادل فيما بينها في أي سياق )).

وعرفه الفخر الرازي في (المحصول) بقوله: (( الالفاظ المترادفة: هي الالفاظ المفردة الدالة على مسمى واحد باعتبار واحد )).

واحترز بقوله (باعتبار واحد): (( عن اللفظين اذا دلاعلى شيء واحد باعتبار صفتين: ك(الصارم) و (المهند),أو باعتبار الصفة وصفة الصفة:

  كـ (الفصيح) و (الناطق) فانهما من المتباينة )).

وفرق بينه وبين التوكيد (( أن المترادفين يفيدان فائده واحدة من غير تفاوت أصلا.

وأما المؤكد بانه لا يفيد عين فائدة المؤكد, بل يفيد تقويته )).

وعرفه العطار في حاشيته على جمع الجوامع بقوله: ((هو تعدد اللفظ مع اتحاد المعنى مفهوما ومصداقا, كبروحنطة, وانسان وبشر )).

  •  شروطه:

يقول الدكتور ابراهيم أنيس في كتابه (في اللهجات العربية)(2): (( يجمع المحدثون من علماء اللغات علىامكان وقوع الترادف في أي لغة من لغات البشر, بل ان الواقع المشاهد ان كل لغة تشتمل على بعض تلك الكلمات  المترادفة.

ولكنهم يشترطون شروطا معينة لابد من تحققها حتى يمكن أن يقال ان بين الكلمتين ترادفا, (وهي):

1- الاتفاق في المعنى بين الكلمتين اتفاقا تاما, علىالاقل في ذهن الكثرة الغالبة لافراد البيئة الواحدة.

ويكتفي اللغوي الحديث بالفهم العادي لمتوسطي الناس حين النظر الى مثل هذة الكلمات, فاذا تبين لنا بدليل قوي أن العربي كان حقا يفهم من كلمة (جلس) شيئا لايستفيده من كلمة (قعد) قلنا حينئذ ليس بينهما ترادف.

2- الاتحاد في البيئة اللغوية, أي أن تكون الكلمتان تنتميان الى لهجة واحدة أو مجموعة منسجمة من اللهجات.

يجب اذن أن لا نلتمس الترادف من لهجات العرب المتباينة, فالترادف بمعناه الدقيق هو أن يكون للرجل الواحد في البيئة الواحدة, الحرية في استعمال كلمتين أوأكثر في معنى واحد, يختار هذه  حينا, ويختار تلك حيناآخر, وفي كلتا الحالتين لا يكاد يشعر بفرق بينهما الا بمقدارما يسمح به مجال القول أو الاسلوب.

ولم يفطن المغالون في الترادف الى مثل هذا الشرط, بل اعتبروا كل اللهجات وحدة متماسكة, وعدوا كل الجزيرةالعربية بيئة واحدة.

ولكنا نعتبر اللغة النموذجية الادبية بيئة واحدة,ونعتبر كل لهجة أو مجموعة منسجمة من اللهجات بيئة واحدة.

3- الاتحاد في العصر, فالمحدثون حين ينظرون الى المترادفات ينظرون اليها في عهد خاص وزمن معين,وتلك هذة النظرة التي يعبرون عنها بكلمة Synchronic, لاتلك النظرة التاريخية التي تتبع الكلمات المستعملة في عصور مختلفة, ثم تتخذ منها مترادفات, وهذه النظرةالاخيرة هي التي يسمونها Dicchronic.

فاذا بحثنا عن الترادف يجب أن لا نلتمسه في شعر شاعرمن الجاهليين, ثم نقيس كلماته بكلمات وردت في نقش قديم يرجع الى العهود المسيحية مثلا.

فالمتنبي حين استعمل (الصارم والبتار والهندي واليماني) لم يكن يعمد الى كلمة (الهندي) وفي ذهنه صفات خاصة تصل ببيئة الهند التي صنع فيها, ولم يكن يعهدالى كلمة (الصارم) وفي ذهنه اعتبار آخر لا يراه في كلمةاخرى كالبتار مثلا.

4- أن لا يكون أحد اللفظين نتيجة تطور صوتي للفظ آخر,فحين نقارن بين (الجثل والجفل) بمعنى (النمل), نلحظ أن احدى الكلمتين يمكن أن تعتبر أصلا والاخرى تطورا لها, فاذاكان الاصل هنا هو الكلمة الاولى, قلنا ان (الجفل) صيغةحضرية نشأت في بيئة تراعي خفوت الصوت والتقليل من وضوحه, اما اذا كانت الثانية هي الاصل رجحنا أن (الجثل)قد نشأت في بيئة بدوية تميل الى الاصوات الاكثر وضوحا في السمع.

فاذا طبقت هذه الشروط على اللغة العربية اتضح لنا أن الترادف لا يكاد يوجد في اللهجات العربية القديمة, وانمايمكن أن يلتمس في اللغة النموذجية الادبية)).

  •  معيارة:

والمعيار لمعرفة الترادف في نظر اللغويين المحدثين هومبدأ الاستعاضة ((الذي يعني استبدال الكلمة بما يرادفها في النص اللغوي دون أي تغيير في المعني.

فقد جعلوا من هذا مقياسا للتحقق من الترادف في الالفاظ, وهذا هو المفهوم الدقيق للترادف في فقه اللغة   المعاصر))(3).

  •  انكاره:

ولان مسألة الترادف درست فلسفيا ومنطقيا واصوليا,وبسبب التلاقح بين هذه المعارف المذكورة وفقه اللغةالعربية, تأثر الجميع بمعطيات المنهج العقلي, فبحثوابدءا عن امكان وقوع الترادف من ناحية عقلية,واستحالة وقوعه.

فذهب بعضهم الى القول بانكار وقوعه في اللغةالعربية, منهم:

1- ابن الاعرابي (ت 231هـ) فقد حكي عنه انه قال: (( كل حرفين أوقعتهما العرب على معنى واحد (أي مسمى واحد), في كل واحد منهما معنى ليس في صاحبه, ربماعرفناه فأخبرنا به, وربما غمض علينا فلم نلزم العرب جهله)).

2- ابن فارس (ت 295هـ), قال في (الصاحبي): ((ويسمى الشيء الواحد بالاسماء المختلفة نحو: (السيف) و (المهند) و (الحسام), والذي نقوله في هذا: ان الاسم واحد هو (السيف), وما بعده من الالقاب صفات, ومذهبنا ان كل صفة منها فمعناها غير معنى الاخرى).

ومن أدلة المنكرين ما ذكرة السيوطي في (المزهر) عن بعضهم من أن الترادف خلاف الاصل, والاصل هو التباين,وعقبه بقوله: (( وبه جزم البيضاوي في منهاجه)).

ويظهر ان السر في انكار الترادف كما يقول الدكتوررانيس: (( أن أصحاب هذا الرأي كانوا من الاشتقاقيين الذين أسرفوا في ارجاع كل كلمة من كلمات اللغة الى أصل اشتقت منه, حتى الاسماء الجامدة والاسماء الاجنبية عن اللغةالعربية, أبوا الا أن يجعلوا لها أصلا اشتقت منه, فنراهم يقولون: ان (ابليس) مشتق من كيت, و (جهنم) مشتقة من كذا )).

وواقع الاستعمال اللغوي الاجتماعي حيث يرادف العر ب في حواراتهم ومحاوراتهم بين (الاسد) و (الليث) مثلا من دون أن يلمس أو يحس أي فرق في المعنى عند تبادل هذه الالفاظ على مسمى واحد أقوى شاهد لرد مقالةالمنكرين, فانا نقول في (لا ريب فيه): (لا شك فيه)والمعنى واحد, وكما جاء في قول الحطيئة:

                    ألا حبّذا هند وأرض بها هند        وهند أتى من دونها النأي والبعد

فالنأي هو البعد:

ونقول: (هند حامل) و (هي حبلى) والمعنى واحد,ونقول (قرب زيد مني) و (دنا مني) والمعنى واحد ..وهكذا.

يقول الدكتور ابراهيم أنيس: (( أما هؤلاء المؤيدون لفكرةالترادف فكانوا يرون أن الاستعمال يؤيدهم, فمثلا: (لاريب) لاتعني شيئا أكثر من (لاشك) ... )).

القائلون به:

ومن اللغويين القائلين بوقوع الترادف في اللغة العربية:

1- ابن خالويه (ت 370هـ).

2- أبو بكر الزبيدي (ت 379هـ).

3- الرماني (ت 384هـ).

4- ابن جني (ت 392هـ).

5- الباقلاني (ت 403هـ).

6- ابن سيدة (ت 458هـ).

7- حمزة الاصفهاني (ت 460هـ).

8- الفيروزآبادي (ت 817هـ).

9- السيوطي (ت 911هـ) .. وغيرهم (4).

وواقع الاستعمال العربي كما أوضحت في أعلاة الى صف هؤلاء القائلين به يشهد لهم بوقوعه ويؤيدهم فيواقعه.

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- الترادف في اللغة 276 عن البحث اللغوي عند الهنود وأثرة علي اللغويين العرب 43, 94 95.

2- اللهجات العربية ص138 / ط5 .

3- الترادف في اللغة 67 عن: 108 The principles of Semantics p..

4- انظر: الترادف في اللغة 220.