المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 025.doc

الفاسق

كلمة ( فاسق ) اسم فاعل من الفعل الثلاثي ( فسق ) .. وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم في موضعين هما :

- آية الحجرات المذكورة في أعلاه.

- الآية الثامنة عشرة من سورة السجدة ( أفمن كان مؤمناً كمن كان‏فاسقاً لايستوون ).

وورد بألفاظ اُخرى من نفس المادة في موارد اُخرى.

وكلمة ( فاسق ) بالمعنى الديني الذي حمّله إيّاها القرآن تعدّ من الألفاظالإسلاميّة ، إذ لم يعهد استعمالها في الجاهليّة بالمعنى الديني الذي‏استعملها فيه القرآن.

جاء في ( معجم ألفاظ القرآن الكريم ) : (( من الحسّي ( فسقت الرطبة من‏ قشرها )إذا خرجت ، و ( فسق فلان ماله( إذا أهلكه وأنفقه ، ومنه يمكن إخراج ‏معنى المادّة الذي أكسبه إياها الإسلام ، فقد نقل انّه لم يسمع قطّ في كلام‏الجاهلية، في شعر ولا كلام ( فاسق ) ، وجاء الشرع بأنّ الفسق : الافحاش‏ في الخروج عن طاعة الله تعالى ، وعدّت الكلمة من الألفاظ الإسلاميّة التي‏ نقلت عن موضعها إلى موضع آخر بزيادات زيدت وشرائع شرّعت‏ وشرائط شرطت، وهو مثل من التطور اللغوي لدلالة الكلمات.

والفعل منه - كضرب ونصر وكرم - على خلاف في الأخيرة - ، والمصدرالفسق والفسوق .

وبهذا المعنى الإسلامي للفسق استعمل في القرآن مقابلاً للإيمان ، كفراً(وما يكفر بها إلّا الفاسقون ) ، ونفاقاً ( انّ المنافقين هم الفاسقون )، وضلالاً (فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) ، وعلى أنواع من العصيان ، وبهذا كان ‏الفسق أعمّ من الكفر )).

ونستفيد من هذا : أنّ كلمة ( فاسق ) لم تستقرّ كلفظ إسلامي أو مصطلح ‏شرعي على المعنى المحدّد فقهيّاً ، وهو المقابل لمعنى كلمة ( عادل ) إلا بعد صدور الروايات التي فهم منها تحديد معنى العادل بذلك المسلم الذي ‏يظهر منه الإلتزام بتطبيق الأحكام الشرعيّة على سلوكه بحيث يأتمر بأوامر الله وينتهي بنواهيه.

وتلك الروايات هي أمثال صحيحة عبدالله بن أبي يعفور : (( قلت لأبي ‏عبد الله‏ عليه السلام : بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل‏ شهادته لهم وعليهم؟

فقال عليه السلام : أن تعرفوه بالستر والعفاف وكفّ البطن والفرج‏ واليد واللسان ، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها النار، من شرب الخمر ، والزنا، والربا ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف ،وغير ذلك.

والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه ، حتّى يحرم على‏المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه )).

ومن هنا لا نقوى على حمل كلمة ( فاسق ) في الآية الكريمة إلاّ على القدرالمتيقّن وهو ( الكاذب ) بقرينة سبب النزول، فانّ ابن أبي معيط كذب في‏ ادّعائه امتناع القوم من دفع الزكاة.

ولازم هذا أن نحمل معنى كلمة ( عادل ) التي تردّدت على ألسنة الفقهاء في مقام تفسير الآية على ( الصادق ) أي الثقة.

فالفاسق في الآية تعني الكاذب ، وهو معنى يلتقي مع المعنى اللغوي‏ في مبدأ الخروج عن الاستقامة.

  • ( النبأ ) :

فسّرت كلمة ( النبأ ) بالخبر ذي الشأن ، والقصّة ذات البال ، وفسّرت‏بمطلق الخبر ، أي أنّ النبأ يرادف الخبر في معناه ، وهو الأكثر استخداماًفي الاستعمالات اللغوية الاجتماعية.

ومنه ما في ( معاني القرآن وإعرابه )للزجّاج فقد جاء فيه : ((.. ( إن جاءكم‏ فاسق بنبأٍ ) أي بخبر )).

  • ( التبيّن ) :

تستعمل كلمة ( تبيّن ) في اللغة العربية بمعنى الإيضاح والإظهار ،يقال : ( تبيّن فلان الشي‏ء ) إذا أوضحه وأظهره.

وتستعمل بمعنى التريّث والتثبّت ، أي تدبّر الأمر والتأمّل فيه حتّى‏يتضّح واقعه وتظهر حقيقته.

وعليه حمل معنى ( فتبيّنوا ) في الآية الكريمة ، ويؤيّده قراءة ( فتثبّتوا).

ففي ( معاني القرآن ) للفراء : 00( ياأيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتثبّتوا ) قراءة أصحاب عبدالله ( يعني ابن مسعود ) ، ورأيتها في مصحف ‏عبدالله منقوطة بالثاء.

وقراءة الناس ( فتبيّنوا ) ، ومعناهما متقارب ، لأنّ قوله ( فتبيّنوا ) أمهلوا حتّى تعرفوا ، وهذا معنى ( تثبّتوا ).. )).

وقال الطبرسي في ( مجمع البيان ) - تفسير الآية 94 من سورة النساءحيث وردت فيها عبارة ( فتثبّتوا ) :

(( هنا ( يعني في سورة النساء ) في‏ الموضعين بالثاء والتاء ، وفي الحجرات ( يعني في آية النبأ ) ، وقرأ الباقون

( فتبيّنوا) بالتاء والنون في الجميع )).

وقال في تفسير آية النبأ : (( وقد ذكرنا في سورة النساء اختلافهم في‏قوله (فتبيّنوا) والوجه في القراءتين .

والمروي عن الباقر عليه السلام : ( فتثبّتوا )بالتاء والثاء )).

وقال ابن الجزري في ( النشر ) - في قراءات سورة النساء - : (( واختلفوافي (فتبيّنوا ) في الموضعين هنا ( يعني في سورة النساء ) وفي الحجرات : فقرأ حمزة والكسائي وخلف في الثلاثة ( فتثبّتوا )من التثبّت ، وقرأ الباقون في الثلاثة (فتبيّنوا)من التبيّن )).

  • ( الجهالة ) :

الجهالة مصدر الفعل ( جهل ) ، يقال : جهل يجهل جهلاً وجهالة. وجاء في(لسان العرب ) : (( قال شمر(1) : والمعروف في كلام العرب ، جهلت الشي‏ء إذالم تعرفه )).

وفي مجعم ( ألفاظ القرآن الكريم ): (( الجهل :

أ - الخلو من المعرفة.

ب - الطيش والسفه )).

فمن الأوّل قوله تعالى : ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف ). أي‏الخالي من المعرفة بهم.

ومن الثاني قوله تعالى : ( قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذأنتم جاهلون ) ، أي طائشون سفهاء .

وفي المعجم المذكور أيضاً : (( بجهالة : ) ( إنّما التوبة على الله للذين‏ يعملون السوء بجهالة ) - 17 / النساء - ، أي الطيش.

وبمعناها ما في 54 / الأنعام و 119 / النحل.

وأمّا في قوله تعالى : ( فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة ) - 6 / الحجرات -فمعناها : بعدم معرفة ))

  • فقراتها :

1 - أن تصيبوا :

تعرب هذه الجملة مصدراً مؤوّلاً تقديره ( إصابة ) ، وبإضافته إلى‏ضمير المخاطبين يقدّر ب( إصابتكم ).

اختلف في موقعه من حيث الاعراب :

- فالمشهور اعرابه مفعولاً له ، بتقدير (( كراهة أن تصيبوا كما في (معاني القرآن واعرابه ) للزجّاج ( ت 311ه ) ، وكما في ( الكشّاف )للزمخشري ( ت 538هـ ) ، قال : ( أن تصيبوا ) مفعول له ، أي كراهة اصابتكم )).

أو بتقدير : ( حذر أن تصيبوا ) كما في ( الميزان ) للطباطبائي ، أو بتقدير: ( لئلّا تصيبوا ) أو ( خشية أن تصيبوا ) أو ( حذار أن تصيبوا ) عند آخرين.

- وأعربه اُستاذنا المظفّر في كتابه الاُصولي مفعولاً به للفعل ( تبيّنوا ) ،قال : - بعد أن نقد القول باعرابه مفعولاً له -: (( والذي اُرجّحه أنّ مقتضى‏سياق الكلام ، والاتساق مع اُصول القواعد العربية أن يكون قوله ( أن‏تصيبوا قوماً ) مفعولاً لتبيّنوا ، فيكون معناه : فتثبّتوا واحذروا إصابة قوم‏ بجهالة )).

غير أنّ المعنى العامّ للآية الكريمة لا يساعد على اعرابه مفعولاً به ، ذلك ‏أنّ الأمر بالتبيّن أو التثبّت كان لغاية ، وهي لئلاّ يصيب السامع للنبأ الآخرين بمجرّد سماعه بما لا يجوز أو بما لا ينبغي.

أو قل بلغة نحوية : انّ المفعول لأجله هو ما كان سبباً لوقوع الفعل ،وعدم الإصابة - هنا - هو سبب وقوع التبيّن ، أنّ السامع انّما يتبيّن حذرالإصابة ، أو قل لئلاّ يصيب الآخرين عن جهل منه بحقيقة الواقعة.

وسوف نتبيّن هذا ونتثبّت منه بأكثر وأجلى عند بياننا لمعنى الآية فيما يليه.

2 - بجهالة :

أعربوا هذه الفقرة أو شبه الجملة حالاً ، كما في ( الكشّاف ) وغيره ، ففي (مجمع البيان ) : هو في موضع نصب على الحال ، والعامل فيه الفعل (تصيبوا )، أي هو حال من فاعل الفعل ( تصيبوا ).

والتقدير : لئلاّ تصيبوا القوم بما لا يستحقّونه وأنتم جاهلون بواقع‏الواقعة وحقيقتها.

  • معناها :

حاول الاُصوليون فهم معنى الآية عن طريق تطبيق القواعد الاُصوليّة عليها لإثبات دلالتها على حجيّة خبر الثقة.

وسنأتي على وجه استدلالهم المتضمّن لهذا كي نتبيّنه ونتبيّن دلالة الآية من خلاله.

ولكن بعد محاولة أن نفهم معنى الآية من خلال ربط النصّ بقصّته التي ‏تلقي الضوء الكاشف له ، وربط الفكرة بواقعها الذي يقرنها بما يساعد على فهم المقصود منها.

وهذا النمط من الفهم يتوقّف على فهم واقع حياة الناس عند نزول الآية الكريمة ، وبخاصة انّها في معرض التشريع ، ولكن بنحو التهذيب.

والتشريع كما يكون تأسيساً لسلوك جديد يكون - أيضاً - تهذيباً لسلوك قائم بحاجة إلى أن يهذّب.

والآية الكريمة في تشريعها هي من النمط الثاني ، أي انّها جاءت لتهذّب‏ سلوكاً قائماً وجعله يتواءم مع مصلحة الإنسان في مجال تنظيم حياته‏ في هذه الدنيا.

فمن الأمر بالتبيّن أو التثبّت الذي يعني التوقّف عند سماع خبر الفاسق‏ نفهم أنّ الناس كانوا عندما يسمعون الخبر لا ينظرون إلى حال المخبر ، وإنّما يقومون بتصديقه وترتيب الآثار عليه ثقة كان المخبر أو غير ثقة.

وهذا ما لمسناه في قصّة النزول حيث أكثر المسلمون على النبي صلى‏الله عليه وسلم بغزو القوم ثانيةً بمجرد سماعهم خبر منعهم الزكاة من‏ابن أبي معيط ..

ولولا توقّف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتثبّته في الأمر لوقعت ‏الواقعة. وكانت الغزوة الثانية.

فالآية الكريمة عندما نزلت كانت تهدف إلى تهذيب هذا السلوك المضرّ بالمصلحة ، إلى سلوك نافع يحقّق المصلحة ، فنهت عن قبول خبر الفاسق‏ بمجرّد نقله الخبر وسماعه منه لأنّ احتمال الكذب في خبر الفاسق هو بمستوى يوجب عدم الأخذ به ذلك أنّ نسبة احتمال الصدق في خبره‏ ضيئلة بالنسبة لاحتمال الكذب.

ثمّ أمرت الآية بالتثبّت حتّى يتبيّن ويتّضح واقع الواقعة فتحصل لدى ‏السامع المعرفة التي يمكنه الاستناد إليها والاعتماد عليها.

ذلك أنّه إذا لم يصل إلى هذه المعرفة وقام بالفعل وهو جاهل بحقيقة الواقعة استناداً إلى خبر الفاسق فانّه يندم على فعله عندما لا يصيب‏ الواقع حيث لا ينفع الندم.

وبهذا فسّر اُستاذنا المظفّر الآية الكريمة قال : (( انّها ( يعني الآية ) تعطي‏أنّ النبأ من شأنه أن يصدّق به عند الناس ،ويؤخذ به من جهة أنّ ذلك من‏سيرتهم ، وإلاّ فلماذا نهى عن الأخذ بخبر الفاسق من جهة أنّه فاسق.

فأراد تعالى أن يلفت أنظار المؤمنين إلى أنّه لا ينبغي أن يعتمدوا كلّ‏ خبر من أي مصدر كان ، بل إذا جاء به فاسق ينبغي أن لا يؤخذ به بلا تروٍّ ،وإنّما يجب فيه أن يتثبّتوا أن يصيبوا قوماً بجهالة ، أي بفعل ما فيه سفه‏ وعدم حكمة قد يضرّ بالقوم.

والسرّ في ذلك أنّ المتوقّع من الفاسق ألاّ يصدّق في خبره ، فلا ينبغي أن‏ يصدّق ويعمل بخبره.

فتدلّ الآية بحسب المفهوم على أنّ خبر العادل يتوقّع منه الصدق فلا يجب فيه الحذر والتثبّت من إصابة قوم بجهالة ، ولازم ذلك أنّه حجّة.

والذي نقوله ونستفيده وله دخل في إستفادة المطلوب من الآية : أنّ‏ النبأ في مفروض الآية ممّا يعتمد عليه عند الناس ، وتعارفوا الأخذ به بلا تثبّت ، وإلاّ لما كانت حاجة للأمر فيه بالتبيّن في خبر الفاسق ، إذا كان النبأمن جهة ما هو نبأ لايعمل به الناس.

ولمّا علّقت الآية وجوب التبيّن والتثبّت على مجئ الفاسق يظهر منه ‏بمقتضى مفهوم الشرط أنّ خبر العادل ليس له هذا الشأن ، بل الناس لهم‏أن يبقوا على سجيّتهم من الأخذ به وتصديقه من دون تثبّت وتبيّن لمعرفةصدقه من كذبه من جهة خوف إصابة قوم بجهالة.

وطبعاً لا يكون ذلك إلاّ من جهة اعتبار خبر العادل وحجيّته ، لأنّ المترقّب‏ منه الصدق ، فيكشف ذلك عن حجيّة قول العادل عند الشارع والغاء احتمال‏الخلاف فيه )).

ولازم الغاء العمل بخبر الفاسق شرعاً جواز العمل بخبر الثقة وصحّةالركون إليه ، إذ لا واسطة بينهما ولا خيار ثالثاً في مقام العمل الاجتماعي.

  • وجه الإستدلال :

وكما ألمحت ، انّ الاُصوليين اتّبعوا في الإستدلال بالآية على حجيّة خبرالثقة تطبيق القواعد الاُصوليّة ، وعلى نحوين :

- النحو الأوّل : تطبيق قاعدة مفهوم الوصف الذي يدور الحكم مداره‏وجوداً وعدماً.

ومن هؤلاء الذين طبّقوا هذه القاعدة المحقّق الحلّي ، قال في كتابه(المعارج) : (( ووجه الدلالة : أنّه أمر بالتبيّن عند كونه فاسقاً ، فوجب ألاّ يحصل وجوب التبيّن عند عدمه ، وإلاّ لما كان لتعليق التبيّن على الفسوق‏فائدة ).

- النحو الثاني : تطبيق قاعدة مفهوم الشرط.

وهو ما رأيناه في بينا اُستاذنا المظفّر لمعنى الآية.

  • والخلاصة :

انّ الآية الكريمة تمنع من قبول خبر الفاسق بطريقة تهذيب واقع‏السلوك القائم عند الناس آنذاك.

وتجوز قبول خبر الثقة بطريقة عدم الردع ، وهو نوع من إمضاء السيرة، لأنّ لازم عدم الأخذ بخبر الفاسق الأخذ بخبر الثقة ، حيث لا يوجد عمليّاًغير هذا.

واستدلّوا من السنّة الشريفة بطوائف من الأخبار المتواترة والمستفيضة التي يطمئن إلى صدورها عن المعصومين.

وهي بمجموعها تفيد أنّ العمل على وفق خبر الثقة مطلقاً إماميّاً كان أوغير إمامي من القضايا المفروع من ثبوتها.

وما هو إلاّ البناء على تباني العقلاء والأخذ بسيرتهم ، فيكون شأنها - هنا - شأن آيتي النفر والنبأ من حيث الإمضاء من قبل المعصوم لما قامت ‏عليه سيرة العقلاء ، فهي - الاُخرى - تعطي بهذا الحجيّة لخبر الثقة بجواز التعبّد به والعمل على وفقه.

وهي :

1 - الأخبار الواردة في بيان المرجّحات عند تعارض الخبرين أمثال :

- مقبولة عمر بن حنظلة : ( الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهمافي الحديث ).

- مرويّة عوالي اللئالي عن العلّامة الحلّي ، المرفوعة إلى زرارة : ( قال :يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيّهما نأخذ؟

قال : خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذّ النادر.

قلت : فانّهما معاً مشهوران.

قال : خذ بأعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك ).

- رواية الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه السلام قال : ( إذا سمعت‏من أصحابك الحديث ، وكلّهم ثقة ، فموسع عليك حتّى ترى القائم ).

قال الشيخ الأنصاري في ( الرسائل ) : (( نعم ، رواية ابن المغيرة تدلّ‏على اعتبار خبر كلّ ثقة.

وبعد ملاحظة ذكر الأوثقيّة والأعدليّة في المقبولة والمرفوعة يصيرالحاصل من المجموع اعتبار خبر الثقة بل العادل.

لكن الإنصاف ، انّ ظاهر مساق الرواية أنّ الغرض من العدالة حصول‏الوثاقة فتكون العبرة بها «.

2 - الأخبار الدالّة على إرجاع الأئمّة بعض أصحابهم إلى أشخاص‏ معينين من رواة حديثهم أمثال :

- ( إذا أردت حديثاً فعليك بهذا الجالس - مشيراً إلى زرارة ).

- ( وأمّا ما رواه زرارة عن أبي عليه السلام فلا يجوز ردّه ).

- قوله عليه السلام لابن أبي يعفور بعد أن سأله عمّن يرجع إليه إذا احتاج إلى مسألة :

( فما يمنعك عن الثقفي؟ - يعني محمّد بن مسلم - فانّه سمع من أبي‏ أحاديث ، وكان عنده وجيهاً ).

- وقوله عليه السلام لسلمة بن أبي حبيبة : ( ائت أبان بن تغلب ، فانّه قدسمع منّي حديثاً كثيراً ، فما روى لك عنّي ، فاروه عنّي ).

- وقوله عليه السلام لشعيب العقرقوفي بعد سؤاله عمّن يرجع إليه :

( عليك بزكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا ).

- وقوله عليه السلام لمّا قال له عبدالعزيز بن المهتدي : ( ربّما أحتاج ،ولست ألقاك في كلّ وقت ، أفيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم‏ديني؟

قال : نعم ).

يقول الشيخ الأنصاري : (( وظاهر هذه الرواية أنّ قبول قول الثقة كان‏أمراً مفروغاً عنه عند الراوي ، فسأل عن وثاقة يونس ليرتّب عليه أخذالمعالم منه.

ويؤيّده في إناطة وجوب القبول بالوثاقة ما ورد في العمري وابنه‏ اللذين هما من النوّاب والسفراء ، ففي ( الكافي ) - في باب النهي عن التسمية- : (عن الحميري عن أحمد بن إسحاق قال : سألت أبا الحسن عليه السلام‏وقلت له : من أُعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟

فقال عليه السلام له : العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي ، وماقال لك عنّي فعنّي يقول ، فاسمع له ، وأطع ، فانّه الثقة المأمون )).

( وأخبرنا أحمد بن إسحاق : أنّه سأل أبا محمّد عليه السلام عن مثل ذلك ،فقال له : العمري وإبنه ثقتان ، فما أدّيا إليك عنّي ، فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك‏ عنّي ، فعنّي يقولان ، فاسمع لهما ، وأطعهما ، فانّهما الثقتان المأمونان ).

وهذه الطائفة - أيضاً - مشتركة مع الطائفة الاُولى في الدلالة على‏اعتبار خبر الثقة المأمون (2).

3 - الأخبار التي تحمل الذمّ للكذب على المعصوم ، وتحذّر الكذّابين من‏مغبّة الكذب ، (( مثل الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من‏كذّب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار ) ، ممّا يدلّ على المفروغية عن‏ حجيّة خبر الآحاد ، إذ لو كانوا مقتصرين في مجال الحجيّة على خصوص‏الخبر المتواتر لما كان مجال للكذب عليهم ، ولما كان أثر لاُولئك الكذّابين ‏يخشى منه )) (3).

4 - الأخبار الدالّة على وجوب الرجوع إلى الرواة الثقات والعلماءوالفقهاء ، مثل قول الحجّة عليه السلام لاسحاق بن يعقوب على ما في كتاب ‏الغيبة للشيخ وإكمال الدين للصدوق والاحتجاج للطبرسي : ( وأمّاالحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فانّهم حجّتي عليكم ، وأناحجّة الله عليهم ).

يقول الشيخ الأنصاري : (( فانّه لم سلم أنّ ظاهر الصدر ( يعني صدرالرواية ) الاختصاص بالرجوع في حكم الوقائع إلى الرواة أعني الاستفتاء منهم ، إلاّ انّ التعليل بانّهم حجّته عليه السلام يدلّ على وجوب قبول‏خبرهم )).

ومثل الرواية المحكيّة عن ( العدّة ) من قوله عليه السلام : (( ( إذا نزلت‏ب كم حادثة لاتجدون حكمها فيما روي عنّا ، فانظروا إلى ما رووه عن علي‏ عليه السلام ).

دلّ على الأخذ بروايات الشيعة وروايات العامّة ( يعني أهل السنّة ) مع‏ عدم وجود المعارض من رواية الخاصّة ( يعني الإماميّة ) ... ))(4).

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- هو شمر بن حمدويه الهروي ( ت 255هـ ) ، له المعجم المعروف ب ( كتاب الجيم ) ، وهو من‏ اللغويين الثقات.

2- الرسائل : خبر الواحد.

3- الاُصول العامّة السند.

4- الرسائل خبر الواحد.