المادة: أصول الفقه
الملف: Microsoft Office document icon 004.doc

العودة الى المدرسة النقلية

وكان هذا بالثورة النقدية التي أحدثها الميرزا محمد أمين الاسترابادي الاخباري (ت 1033هـ) على الاصوليين القائلين بالاجتهاد من خلال تطبيق أصول الفقه المستمدة من العقل.

فقد حاول أن يلغي دور العقل كمصدر للقاعدة الاصولية, بالغائه حجية ظواهر الكتاب وظواهر السنة لان الدليل على هذه الحجية هو سيرة العقلاء,أو قل هو (دليل العقل) كما عبر عنه غير واحد من علماء الاصول, وبهذا التعبيرتكمن المفارقة التي اشير اليها والتي أدت الى أمثال موقف الميرزاالاسترابادي.

جاء في كتابه (الفوائد المدنية)(1): (( لا يجوز استنباط الاحكام النظرية من ظواهر كتاب الله ولا ظواهر السنن النبوية ما لم يعلم أحوالهما من جهة أهل الذكرعليهم السلام, بل يجب التوقف والاحتياط )).

وقد حاول بعض أتباع طريقته أن يؤكدوا على أن أصول الفقه لا تؤخذ الا من أحاديث أهل البيت عليهم السلام, كما لا تؤخذ الاحكام الشرعية الا عنهم عليهم السلام, فكانت المؤلفات التالية:

 هداية الابرار الى طريق الائمة الاطهار, للشيخ حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي 1076هـ .

 الاصول الاصلية.

 نقد الاصول الفقهية.

وكلاهما للفيض الكاشاني 1091هـ .

 الفصول المهمة في أصول الائمة, للحر العاملي 1104هـ .

 الحدائق الناضرة (المقدمات) ومبحث (الاجماع) عند بيان حكم صلاة الجمعة في زمن الغيبة.

 الدرة النجفية.

وكلاهما للشيخ يوسف البحراني 1186هـ .

 الاصول الاصلية والقواعد المستنبطة من الايات والاخبار المروية, للسيد عبدالله شبر 1242هـ .

وكلها تؤكد على ما ذكرت وتنقد طريقة مدرسة القديمين العقلية في منهجها الاصولي, ومدرسة المفيد في الجانب العقلي من منهجها التكاملي.

ومن هذا ما جاء في كتاب (الحدائق الناضرة)(2) عند كلام المؤلف على بطلان الاستدلال بالاجماع: (( المقام الثاني في الاجماع, وقد تقدم في مقدمات الكتاب نزر من القول في بيان بطلان القول به والاعتماد عليه في الاحكام الشرعية وعدم كونه مدركا لها, وان اشتهر في كلامهم عدة من المدارك القطعية كالكتاب العزيز والسنة النبوية.

ونزيده هنا بمزيد من التحقيق الرشيق والتدقيق الانيق فنقول:

قد عرفت ما قدمنا في المقام الاول دلالة خبر الثقلين على أن ما يعمل به أو عليه من حكم فرعي أو مدرك أصلي يجب أن يكون متمسكا فيه بكتاب الله تعالى وأخبار العترة على ما مر من البيان لتحقق الامن من الضلال والنجاة من أهوال المبدأ والمال, والزاعم لكون ذلك مدركا شرعيا زائدا على ما ذكره صلى الله عليه وآله وسلم يحتاج الى اقامة البرهان والدليل, وليس له الى ذلك سبيل الا مجرد القال والقيل.

ومن الظاهر عند التأمل بعين الانصاف وتجنب العصبية للمشهورات الموجبة للاعتسافات أن عد أصحابنا (رضوان الله عليهم) الاجماع مدركا انما اقتفوا فيه العامة العمياء لاقتفائهم لهم في هذا العلم المسمى بعلم أصول الفقه, وما اشتمل عليه من المسائل والاحكام والابحاث, وهذه المسألة من امهات مسائله ولو أن لهذا العلم من أصله أصلا أصيلا لخرج عنهم عليهم السلام ما يؤذن بذلك, اذ لا يخفى على من لاحظ الاخبار انه لم يبق أمر من الامور التي يجري عليها الانسان في ورود أو صدور من أكل وشرب ونوم ونكاح وتزويج وخلاء وسفر وحضر ولبس ثياب ونحو ذلك الا وقد خرجت الاخبار ببيان السنن فيه, وكذا في الاحكام الشرعية نقيرها وقطميرها, فكيف غفلوا عليهم السلام عن هذا العلم, مع أنه كما زعموه مشتمل على أصول الاحكام الشرعية, فهو كالاساس لها لابتنائها عليه ورجوعها اليه هذا, وعلماء العامة كالشافعي وغيره في زمانهم عليهم السلام كانوا عاكفين على هذه العلوم تصنيفا وتأليفا واستنباط اللاحكام الشرعية بها, وجميع ذلك معلوم للشيعة في تلك الايام, فكيف غفلواعن السؤال منهم عن شيء من مسائله?

ومع غفلة الشيعة كيف رضيت الائمة عليهم السلام بذلك لهم ولم يهدوهم اليه ولم يوقفوهم عليه?, مع كون مسائله اصولا للاحكام, كما زعمه اولئك الاعلام )).

ويبدو أن هذه الثورة بلغت ذروتها في عصر المحدث البحراني فاتخذت منكربلاء مركزا علميا لها.

وكان القرنان الحادي عشر والثاني عشر ظرفا مهيئا لاكتمال متطلبات نموها واستقرارها.

وقد أطلق على المدرسة النقلية منذ حركة الميرزا الاسترابادي اسم الاخبارية نسبة الى الاخبار, وعلى مقابلتهم اسم نسبةالى علم الاصول.

كما اطلق على الاخباريين عنوان المحدثين نسبة الى الحديث وعلى الاصوليين عنوان المجتهدين نسبة الى الاجتهاد.

ومن الان سوف نستعمل المصطلحين المذكورين فنطلق على المدرسةالنقلية اسم (المدرسة الاخبارية) وعلى المدرسة التكاملية اسم (المدرسة الاصولية).

  •  استمرارية المدرسة الاصولية:

وفي مقابلة الحركة الاخبارية وانتشارها في العراق وتمركزها في كربلاء, وصدور أكثر من مؤلف لها في أصول الفقه المستمدة من أحاديث أئمة أهلال بيت عليهم السلام كانت في ايران حركة اصولية تمد المدرسة الاصولية بقوة الاستمرار وحيوية الانتاج, والتأكيد على الجانب الكلامي والفلسفي فيها.

تمثلت هذه الحركة بالاعلام الثلاثة المتعاصرين, وهم:

1- الفاضل التوني: الملا عبدالله بن محمد البشروئي الخراساني (ت1071هـ), له: الوافية في الاصول, وحاشية على المعالم .

2- الميرزا محمد بن الحسن الشيرواني (ت 1098هـ), له: حاشيتان على المعالم, احداهما بالعربية والاخرى بالفارسية.

3- المحقق الخونساري: السيد حسين بن جمال الدين محمد الاصفهاني(ت1098هـ), له في الاصول: حاشية المعالم, وفي الفقه: مشارق الشموس في شرح الدروس (دروس الشهيد الاول), واخرى في الكلام والفلسفة ذكرهاالشيخ آل نعمة في (فلاسفة الشيعة)(3) .

ولان المحقق الخونساري كان من أعلام الفلسفة وعلم الكلام انعكس هذاعلى بحوثه ونتائجها في الاصول, بما جعل المقابلة طويلة الذيل طافحةالكيل بين أتباع المدرسة الاخبارية وأتباع المدرسة الاصولية المتعاصرين.

وكان هذا التأكيد على الاستفادة من معطيات علم الكلام والفلسفةالاسلامية من قبل هؤلاء الاعلام الثلاثة ومعاصريهم قد أوجد ثقلا علميا ذاضغط شديد في التوازن بين المدرسة الاصولية من جانب هؤلاء,والمدرسة الاخبارية من جانب الميرزا الاسترابادي ومن بعدة من الاخباريين.

ان هذا التوازن بين الحركتين وبما تملك كل منهما من ثقل علمي أدىالى تفجير الصراع الفكري وفي مدينة كربلاء المقدسة مركز الثقل العلمي الاخباري بين المدرسة الاصولية برئاسة الوحيد البهبهاني, والمدرسةالاخبارية برئاسة المحدث البحراني.

  •  الصراع بين المدرستين:

نشب هذا الصراع بين المدرستين في مدينة كربلاء المقدسة حيث تتمركزالحركة الاخبارية العلمية وتحت اشراف رئيسها المحدث البحراني, وحيث شن الوحيد البهبهاني (المولى محمد باقر بن محمد أكمل 1208هـ) رأس المدرسة الاصولية آنذاك, هجوما علميا على ما وجهه الاخباريون من اتهامات وطعون للاصوليين, وبكل ما اوتي من قوة فكرية, وما يمتلك من ثقل ديني واجتماعي.

ومن المفيد أن المع وباختصار الى العوامل التي أدت الى ثورةالاخباريين ضد علم أصول الفقه, فكانت السبب في ثورة الوحيد البهبهاني,وكان علم الاصول ومعطياته محور الصراع ومدار النقد العلمي.

ان هذه العوامل تتلخص بالتالي:

1- ان الاصوليين, ومنذ عهد الشريف المرتضى ألمحوا الى أن أدلةالاحكام الشرعية أربعة هي: الكتاب والسنة والاجماع والعقل.

ثم صرح بهذا الشيخ ابن ادريس الحلي في مقدمة كتابه (السرائر) وأكد عليه.

ولم يوضحوا مفهوم العقل والمعنى المقصود منه كدليل على الحكم الشرعي, وكان أهل السنة من قبلهم ربعوا أدلة الاحكام فقالوا: هي الكتاب والسنةوالاجماع والقياس .. ثم قالوا بعد ذلك: هي الكتاب والسنة والاجماع والعقل,ليدخلوا الادلة العقلية الاخرى التي تساوق القياس كالاستحسان والمصالح المرسلة وفتح الذرائع وسدها .. ثم عادوا فقالوا: هي الكتاب والسنةوالاجماع والقياس, بما يفهم منه أن العقل والقياس مترادفان, بماأوحى للاخباريين بأن الاصوليين يريدون من العقل القياس (وليس من مذهبناالقياس).

وربما أكد هذا لديهم ما نسب الى ابن الجنيد من أخذه بالقياس.

وهو من غير شك توهم من الاخباريين لان الشريف المرتضى الذي لمحب التربيع, والشيخ ابن ادريس الذي صرح به وسائر الاصوليين حتى يومنا هذاينفون وبكل صراحة اعتبار القياس دليلا شرعيا, ويؤكدون على حرمةالاخذ به.

ان هذا التوهم أو قل الاتهام عامل من العوامل التي مهدت لانبثاق ثورةالوحيد البهبهاني ضد المدرسة الاخبارية.

2- عدم التفرقة بين النظرية والتطبيق في واقع توظيف العقل كدليل شرعي, فالاخباريون قالوا: اننا نختلف عن أهل السنة الذين أعوزتهم النصوص فالتجأوا الى العقل واتخذوا منه دليلا شرعيا, وذلك لاننا نملك من النصوص من آيات وروايات الكمية الكافية لتغطية ما يحتاجه الفقيه الامامي في مجال استنباط الاحكام فلا تصل النوبة الى اللجوء الى العقل.

وبهذا يقول الاصوليون أيضا لانهم لم يستخدموا العقل دليلا على حكم شرعي البتة, فذكرهم له وبحثهم فيه كان نظريا, وقد أوضح ذلك الشريف المرتضى في (جوابات المسائل الموصليات الثالثة), قال في جواب سؤال ورد اليه من الموصل عن حكم ما لا دليل عليه من الكتاب والسنة: (( فان قيل:فما تقولون في مسألة شرعية اختلف فيها قول الامامية, ولم يكن عليها دليل من كتاب أو سنة مقطوع بها, كيف الطريق الى الحق فيها?

قلنا: هذا الذي فرضتموه قد أمنا وقوعه, لانا قد علمنا أن الله تعالى لا يخلي المكلف من حجة وطريق الى العلم بما كلف.

وهذه الحادثة التي ذكرتموها, وان كان لله تعالى فيها حكم شرعي, واختلف الامامية في وقتنا هذا فيها, فلم يمكن الاعتماد على اجماعهم الذين تيقن بأن الحجة فيه لاجل وجود الامام في جملتهم, فلابد من أن يكون علىهذه المسألة دليل قاطع من كتاب أو سنة مقطوع بها, حتى لا يفوت المكلف طريق العلم الذي يصل به الى تكليفه.

اللهم الا أن يقال: أن نفرض وجود حادثة ليس للامامية فيها قول على سبيل اتفاق أو اختلاف, فقد يجوز عندنا في مثل ذلك ان اتفق أن لا يكون لله تعالى فيها حكم شرعي, فاذا لم نجد في الادلة الموجبة للعلم طريقاالى علم حكم هذه الحادثة, كنا فيها على ما يوجب العقل وحكمه )).

ان هذا البحث للمسألة نظريا أوهم الاخباريين بأن الاصوليين يدعون الى التطبيق في مقابل وجدان النصوص الشرعية الكافية التي تغني بوفرتهاحاجة الفقيه في مجال الاستنباط.

وأوهم أن الاصوليين يؤيدون الاخذ بالقياس لان العقل هنا معناه القياس كماتوهموا.

وتحول هذا الوهم الى اتهام أيضا.

3- الخلط بين العقل دليلا على الحكم الشرعي, وبينه دليلا على القاعدةالاصولية, وهو ما احتدم فيه الصراع بين الطرفين في تحديد الموقف من الشبهة الحكمية التحريمية, هل هو البراءة التي استمدها الاصوليون من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان, أو الاحتياط, أو التوقف الذي استمده الاخباريون من الروايات المروية عن أهل البيت عليهم السلام .

ذلك أن التطبيق هنا ليس تطبيقا على حكم فقهي, وانما هو على قاعدةاصولية, والفرق بينهما واضح.

4- غموض مفهوم العقل آنذاك حتى عند الاصوليين كما ألمحت فما هوالمراد به?

 العقل الفطري (المدركات الوجدانية) ?

 العقل النظري (المدركات البرهانية) ?

 سيرة العقلاء (سلوك أبناء المجتمع البشري) ?

5- الخلط بين مفهوم الاجتهاد كعملية استنباط, ومفهومه كدليل علىالحكم الشرعي, وهو ما عرف في الاصول السني باجتهاد الرأي.

وقد رأينا علوق هذه المفارقة واضحا في ذهن الفيض الكاشاني قال في مقدمة (الوافي): (( وأول من أحدث الجدال في الدين واستنباط الاحكام بالرأي والتخمين في هذه الامة أئمة الضلال خذلهم الله تعالى ثم تبعهم في ذلك علماء العامة, ثم جرى على منوالهم فريق من متأخري الفرقة الناجية بخطأ وجهالة )).

والامر بعكس ما ذكرة تماما فالاصوليون اذا استثنينا ما نسب الى ابن الجنيد من ميله الى اجتهاد الرأي ينفون ذلك وينكرون على العمل به أشد الانكار.

فالمسألة مجرد وهم وشبهة اتهام .

هذه الاتهامات من قبل الاخباريين للاصوليين مضافا اليها اسلوب النقدالاخباري فقد كان عنيفا على ألسنة بعض الاخباريين تجاوز حدود أصول النقدالعلمي, يقول المحدث البحراني في (لؤلؤة البحرين)(4) وهو يؤرخ لسيرةالمولى الاسترابادي: (( وهو أول من فتح باب الطعن على المجتهدين وتقسيم الفرقة الناجية الى أخباري ومجتهد, وأكثر في كتابه (الفوائد المدنية) من التشنيع على المجتهدين, بل ربما نسبهم الى تخريب الدين.

وما أحسن وما أجاد, ولا وافق الصواب والسداد, لما قد ترتب على ذلك من عظيم الفساد )).

هذا الاسلوب وتلك الاتهامات كانت العامل القوي في دفع الوحيد البهبهاني لمقابلة الثورة بالثورة.

وانتهى أمر الصراع الفكري بينهما لصالح المدرسة الاصولية, فكانت نتيجته أن ثبت المنهج التكاملي ركائز وجودة أكثر من ذي قبل, وأرسى قواعدبنائه بأقوى مما كان عليه.

  •  التطور في عهد الانصاري:

ان أهم عمل قام به الشيخ الانصاري (ت 1271هـ) في مجال التطويرالاصولي هو أن عمق الفكر الاصولي الاصولي, فأعطاة السمة الفارقة بينه وبين الفكر الاصولي الاخباري, ذلك بميله الى اثراء الجانب العقلي في المنهج التكاملي, مع محاولة الشمولية في دراسة الجانب النقلي ليوازن بين الكفتين وليبقي على المنهج تكامليا يجمع بين النقلية والعقلية, الا أن ميله الى الجانب العقلي جعله يبقي على طغيان المبادي والمفاهيم الكلاميةوالفلسفية التي مني بها علم الاصول ثانية منذ عهد الاعلام الثلاثةالمتعاصرين التوني والخونساري والشيرواني.

وقد أدى هذا الميل الى الجانب العقلي من قبل المدرسة الاصولية وبسبب غياب المدرسة الاخبارية عن ميدان الصراع أن توسعت المدرسةالاصولية افقيا بما خرج بها عن حدود المطلوب في علم الاصول, وعن مسافات حريمه في البحث والدراسة.

ومن شواهده: ذلكم التوسع في دراسة القطع حتى جعلته دليلا علىالحكم الشرعي, مع أنه حالة نفسية تحصل للانسان بسبب أو آخر وبتعبير آخر: أن الدليل الشرعي قد يفيدنا القطع بالحكم بمعنى انه تحصل لنا حالة القطع بأن هذا الحكم المستفاد من دليله هو حكم الله في حقنا, فالقطع ليس دليلاعلى الحكم, وانما هو حالة نفسية ومستوى من مستويات دلالة الدليل.

وعلى أساس من هذا لو حصلت هذه الحالة النفسية (القطع) للانسان عن غير دليل شرعي لا يعتبر الحكم المقطوع به حكما شرعيا.

وجاء هذا نتيجة الخلط بين مستوى دلالة الدليل الشرعي ومستوى الدليل الشرعي نفسه.

فقد تكون الاية أو الرواية نصا في المعنى المدلول عليه, وقد تكون ظاهرة فيه.

وهذا ما نعنيه بمستوى الدليل الشرعي, ففي الاول مستواه النصية, وفي الثاني مستواه الظهور.

وفي الاول تكون الدلالة مقطوعا بها من حيث الحالة النفسية, فنقول:دلالة نصية ونريد به مستوى الدليل, ونقول: دلالة قطعية ونريد به مستوى الدلالة من زاوية نفسية.

وفي الثاني تكون الدلالة مظنونا بها من حيث الحالة النفسية, فنقول:دلالة ظهورية, ونريد به مستوى الدليل, ونقول: دلالة ظنية, ونريد به مستوى الدلالة من ناحية نفسية.

فالتعبير عن المستويين بالدلالة هو الذي أوهم بأن القطع دليل من أدلةالحكم الشرعي, ولان حجية القطع دليلها العقل يكون العقل دليل الحكم الشرعي.

والامر ليس هكذا, وانما هو كما ذكرت.

نعم, يمكن أن يكون القطع دليلا على الموضوع فيلزم المكلف باتباعه حتى في حالة الخطأ لئلا يكون متجريا ومتحديا.

الى أشياء اخرى سوف نقف عليها في غضون الكتاب.

وازداد الميل الى الجانب العقلي (الكلامي والفلسفي) من قبل الملا الاخوند(ت 1329هـ) فقد أغرق في ذلك وأدخل مسائل كلامية واخرى فلسفية فيعلم الاصول, وذلك في كتابه المعروف (الكفاية) لم تكن موجودة فيالمقررات الدراسية قبله كالقوانين والفصول والرسائل.

ولكنه في الوقت نفسه استبعد من الدرس الاصولي موضوعات تخص الاصول السني, ولا علاقة لها بالاصول الامامي.

وبهذا اختص علم الاصول الامامي بالموضوعات التي لها علاقة بالاجتهاد الفقهي الامامي.

وبعد صاحب الكفاية برز في عالمي التدريس والتأليف الاصوليين تلميذه المبرز الشيخ محمد حسين الاصفهاني (ت 1361هـ), ولانه كان من أكابرالفلاسفة الاماميين عمق ما عمقه استاذة صاحب الكفاية من حيث التأثرالواضح بالفلسفة, وتجلى هذا في حاشيته على الكفاية الموسومة (نهاية الدراية).

كما برز معاصرا له تلميذ صاحب الكفاية الاخر وهو الميرزا محمد حسين النائيني (ت 1355هـ), وأيضا كان هو الاخر متأثرا الى حد بعيد بالفكرالفلسفي والكلامي, وانعكس هذا وبوضوح على محاضراته الاصولية التي قررها تلامذته أمثال: السيد الخوئي والشيخ الكاظمي.

ومعاصرا لهذين العلمين النائيني والاصفهاني ومزاملا لهما في التلمذة على صاحب الكفاية كان الشيخ آقا ضياء الدين العراقي.

تعاضد هؤلاء الثلاثة على تثبيت المنهج العقلي الذي عاد الى عالم التأليف وعالم التدريس, وتجذر فيهما منذ عهد الشيخ الاعظم الانصاري.

  •  محاولات التطوير في المنهج:

وكرد فعل لهذه العودة الى الاغراق في استخدام المنهج الكلامي والفلسفي في البحث الاصولي تدريسا وتأليفا قامت محاولات للتطوير في المنهج تمثلت في حدود اطلاعي في المؤلفات التالية:

 أصول الفقه, للشيخ المظفر.

 الاصول العامة للفقه المقارن, للسيد الحكيم .

 دروس في علم الاصول (الحلقات), للسيد الصدر.

 تهذيب الاصول, للسيد السبزواري.

حيث قامت بمحاولة تخليص المادة الاصولية مما لا علاقة له بالاستنباط, ومحاولة الاستفادة من المنهج العلمي الحديث في معالجة المادة الاصولية.

ولاني كنت قد تناولت بالبحث (منهج دراسة النص عند الاصوليين ودورالسيد محمد تقي الحكيم في تطويرة), وأشرت فيه الى شيء من تجديد شيخناالمظفر, وتناولت أيضا (علاقة علم الاصول بالعلوم الاخرى ودور السيد الصدرفي تطويرها), لا أراني بحاجة الى الافاضة في الموضوع لامكان الرجوع اليهما والاطلاع عليهما.

أما ما قام به السيد السبزواري فانه استبعد الفضول من علم الاصول, واقتصرعلى ما يدخل منه في عملية الاستنباط.

ـــــــــــــــــ

الهامش

- الفوائد المدنية ص47 .

2- الحدائق الناضرة 9 / 361 362 .

3- فلاسفة الشيعة ص286 287 .

4- لؤلؤة البحرين ص117 118 .