المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 018.doc

محور البحث

والمهم في المسألة الوقوف على التالي:

 - ما هو المراد بالعقل عند الاصوليين?

 - وما هو مجال ومدى الرجوع اليه في الاحكام الشرعية الفرعية?

يقول استاذنا المظفر في (اصول الفقه): (( ان علماءنا الاصوليين من المتقدمين حصروا الادلة على الاحكام الشرعية في الاربعة المعروفةالتي رابعها الدليل العقلي )).

و (( لم يظهر لي بالضبط ما كان يقصد المتقدمون من علمائنا بالدليل العقلي, حتى ان الكثير منهم لم يذكره من الادلة, أو لم يفسره, أو فسره بما لا يصلح أن يكون دليلا في قبال الكتاب والسنة )).

(( وأول من وجدته من الاصوليين يصرح بالدليل العقلي الشيخ ابن ادريس المتوفى 598, فقال في السرائر ص2: (( فاذا فقدت الثلاثة يعني الكتاب والسنة والاجماع فالمعتمد عند المحققين التمسك بدليل العقل فيها )), ولكنه لم يذكر المراد منه.

ثم يأتي المحقق الحلي المتوفى 676, فيشرح المراد منه, فيقول في كتابه (المعتبر)(1) بما ملخصه: (( وأما الدليل العقلي فقسمان:

أحدهما: ما يتوقف فيه على الخطاب, وهو ثلاثة: لحن الخطاب,وفحوى الخطاب, ودليل الخطاب.

وثانيهما: ما ينفرد العقل بالدلالة عليه ويحصره في وجوه الحسن والقبح, بما لا يخلو من المناقشة في أمثلته.

ويزيد عليه الشهيد الاول المتوفى 786 في مقدمة كتابه (الذكرى)فيجعل القسم الاول ما يشمل الانواع الثلاثة التي ذكرها المحقق, وثلاثةاخرى, وهي: ((مقدمة الواجب, ومسألة الضد, وأصل الاباحة في المنافع,والحرمة في المضار )) ويجعل القسم الثاني ما يشمل ما ذكره المحقق وأربعة اخرى, وهي: (( البراءة الاصلية, وما لا دليل عليه, والاخذ بالاقل عند الترديد بينه وبين الاكثر, والاستصحاب )).

ومن بعد الشهيد الاول نقرأ في رسالة (طرق استنباط الاحكام) للمحقق الكركي قوله: (( وأما أدلة العقل فأقول: اما أدلة المنطوق, ثم تتبعها دلالة مفهوم الموافقة, وبعدها مفهوم المخالفة, على القول بالعمل بدليل الخطاب.

ومنها: البراءة الاصلية, يعتمد عليها ما لم يجد ما ينقل عنها من الادلةالسمعية.

ومنها: الاستصحاب على القول بحجيته والتمسك بالبراءة فانه يستصحب الحال الاول ما لم يجد من الادلة ما تحيل عنه.

ومنها: اتحاد طريق المسألتين, وهو فرع من فروع الاستصحاب,يخالفه في بعض الاحكام (كما هو) مقرر في الاصول.

ومنها: تعدية الحكم من المنطوق الى المسكوت الذي هو (القياس),وقد وقع فيه الخلاف )).

ومن المنقولات المذكورة في أعلاه عن المحققين الحلي والكركي والشهيد الاول (( يظهر أنه لم تتجل فكرة الدليل العقلي في تلك العصور,فوسعوا في مفهومه الى ما يشمل الظواهر اللفظية مثل لحن الخطاب,وهو أن تدل قرينة عقلية على حذف لفظ, وفحوى الخطاب, ويعنون به مفهوم الموافقة, ودليل الخطاب ويعنون به مفهوم المخالفة.

وهذه كلها تدخل في حجية الظهور, ولا علاقة لها بدليل العقل المقابل للكتاب والسنة.

وكذلك الاستصحاب, فانه أصل عملي قائم برأسه, كما بحثه المتقدمون في مقابل دليل العقل ))(2).

ثم يقول شيخنا المظفر: (( وكيفما كان, فالذي يصلح أن يكون مرادا من الدليل العقلي المقابل للكتاب والسنة هو:

 كل حكم للعقل يوجب القطع بالحكم الشرعي.

وبعبارة ثانية هو:

 كل قضية عقلية يتوصل بها الى العلم القطعي بالحكم الشرعي.

وقد صرح بهذا المعنى جماعة من المحققين المتأخرين ))(3). وقالوا ان ايضاح التعريف المذكور يتطلب الرجوع الى ما ذكر في تعريف العقل علميا وفلسفيا من تقسيمه الى نظري وعملي لمعرفة أن المراد بالعقل هنا العقل النظري.

غير أن الواقع أننا لا نحتاج هنا لننص على أن المراد بالعقل العقل النظري لان التقسيم كما قدمنا ليس للعقل وانما هو للغاية التي يهدف اليها العقل أثناء عملية الادراك أو التفكير, ومن الواضح أن الغايةهنا هي المعرفة, فالمجال مجال النظر.

والمسلمون جميعا متفقون على أن الحكم لله تعالى, وأنه وحدة الذي له حق التشريع كما تقدم .

وعليه: فالعقل هنا ليس له القدرة على جعل الحكم .

كما أن ليس له القدرة على الاستقلال بنفسه لادراك الاحكام الشرعية ((لان أحكام الله توقيفية فلا يمكن العلم بها الا من طريق السماع من مبلغ الاحكام المنصوب من قبله تعالى لتبليغها, ضرورة أن أحكام الله ليست من القضايا الاولية, وليست مما تنالها المشاهدة بالبصر ونحوه من الحواس الظاهرة بل الباطنة, وليست أيضا مما تنالها التجربة والحدس, واذا كانت كذلك فكيف يمكن العلم بها من غير طريق السماع من مبلغها,وشأنها في ذلك شأن سائر المجعولات التي يضعها البشر كاللغات والخطوط والرموز ونحوها.

وكذلك ملاكات الاحكام كنفس الاحكام, لا يمكن العلم بها الا من طريق السماع من مبلغ الاحكام, لانه ليس عندنا قاعدة مضبوطة نعرف بهاأسرار أحكام الله وملاكاتها التي انيطت بها الاحكام عنده, والظن لا يغني عن الحق شيئا))(4).

ونخلص من هذا كله الى أن المقصود من دليل العقل هنا ما يلي:

1- قدرة العقل على كشف الملازمة بين الحكم العقلي أو الحكم الشرعي وحكم شرعي آخر.

ويجري هذا في الموضوعات الاصولية التالية:

 - الاجزاء.

 - مقدمة الواجب.

 - مسألة الضد.

 - اجتماع الامر والنهي.

 - دلالة النهي على الفساد.

وهي التي تعنون بالملازمات العقلية غير المستقلة.

ويتم كشف العقل للملازمة بأحد طريقين:

أ- اما بالبداهة:

وذلك لان القضايا التي يكشف عنها العقل في الملازمات المذكورة هي من نوع الاوليات والفطريات التي قياساتها معها.

ب- وأما عن طريق الاكتساب.

لقضايا تنتهي الى الاوليات والفطريات.

والاوليات أو القضايا الاولية: هي التي (( يصدق العقل بها من غيرتوقف على أمر خارج عن تعقل مفرداتها, كالعلم بأن الواحد أقل من الاثنين ونحوه ))(5).

والفطريات أو القضايا الفطرية: هي (( عبارة عما أوجب التصديق بها قياس حدة الاوسط معلوم بالبديهة, كالتصديق بزوجية الاربعة لعلمنا بكونها منقسمة بمتساويين, وأن كل منقسم بمتساويين زوج ))(6).

وكلا النوعين من هذه القضايا (الاوليات والفطريات) هما من البديهيات التي لا تحتاج في اثباتها الى قضايا أبسط منها, ذلك أن مثل هذه المعارف البديهية يجدها الانسان في نفسه من غير اعمال للفكر ولاعلم بسببها, فهي من الامور المسلم بها.

2- قدرة العقل على الكشف عن لزوم تقديم الاهم على المهم في موردالتزاحم بين الحكمين المستنتج منه حكم الاهم عند الله.

4- قدرة العقل على الكشف عن وجوب مطابقة حكم الله لما حكم به العقلاء في الاراء المحمودة(7)..

والاراء المحمودة كما يعرفها الامدي في (المبين) هي القضاياالمشهورات التي يوجب التصديق بها اتفاق الكافة عليها كحسن الشكروقبح الكفر. (يعني الكفران).

أو هي كما يعرفها شيخنا المظفر القضايا التي تطابقت عليها آراءالعقلاء كافة بما هم عقلاء.

وفي النهاية: أن جميع الموضوعات أو المسائل التي ذكرت هي مسائل اصولية, احفظ هذا وانتظر ما يأتي.

  •  حجية العقل:

ترجع حجية العقل الى أن النتائج التي ينتهي اليها العقل في كشوفاته المذكورة في أعلاه هي بديهية أو ترجع الى البديهية, وهذا يعني انها يقينية, أو قل هي قطعية كما يعبر الاصوليون وليس وراء اليقين أوالقطع حجة, لان حجيته نابعة من ذاته, واليه ترجع جميع الحجج.

  •  التطبيق:

يتمثل مجال تطبيق النتائج العقلية سواء كانت من الملازمات العقلية غير المستقلة أو الاصول العملية أو التزاحم يتمثل في القواعدالكلية المستفادة منها, وتطبيقها على مواردها العملية في سلوكات المكلفين.

ومن هذه القواعد على سبيل التمثيل قاعدة: (كل ما لا يتم الواجب الابه فهو واجب).

فاننا نستفيد من هذه القاعدة في تطبيقها على مقدمات الواجب التي يتوقف أداء الواجب على تحصيلها, ولم يرد في وجوبها نص شرعي أواجماع كاشف.

فبتطبيق هذه القاعدة على المورد نكتشف من حكم العقل بالملازمة هنا حكم الشارع بوجوب مثل هذه المقدمة .. وهكذا.

هذا ما يرمي اليه الاصوليون.

  •  التعليق:

ولكن لنا أن نعلق على هذا بالتالي:

ان ما أسماه الاصوليون بالملازمات العقلية مستقلة وغير مستقلةهي مما يدركه العقل بالبداهة.

والشارع المقدس عندما لم ينص على حكمها بنص لفظي, كان هذا منهاعتمادا على أنها من البديهيات العقلية واحالة الى العقل في فهم حكمها.

وفي ما يعرف بالاصول العملية, عندما نستصحب مثلا الحالةالسابقة عند الشك في بقائها وعدمه, فانها من الظواهر الاجتماعيةالعامة التي اصطلح عليها بسيرة العقلاء, وهي مما يعرفه الانسان بأدنىتفاعل مع ما حوله من قضايا حياتية.

وعليه: لا ضرورة لاعتبار العقل دليلا فقهيا .. وأيضا لان العقل هنا هو دليل على القاعدة الاصولية التي تسهم كمقدمة كبرى في قياس استنباط الحكم, وليس هو دليلا على الحكم بشكل مباشر, فلا يساوق في طريقة دلالته على الحكم الشرعي طريقة الكتاب والسنة حيث يعطيانا الحكم مباشرة.

وكذلك هو دليل على الاصل العملي الذي ينتج الحكم الظاهري أوالوظيفة العملية التي تقوم مقام الحكم الواقعي عند الجهل به, لرفع حيرة المكلف رحمة به ولطفا من المولى تعالى, فهو ليس دليلا علىالحكم الظاهري أو الوظيفة العملية بشكل مباشر.

وفي ضوئه: نعود فنقول: كما ان الاجماع المدركي لا دليل على اعتباره أصلا فقهيا ومصدر تشريع سوى اتباع المنهج السني في التأليف الاصولي والاجماع الكاشف ان وجد فهو داخل في عنوان السنة لانه طريق اليها, كذلك العقل لا دليل على اعتباره دليلا فقهيا سوى السبب المذكور في اعتبار الاجماع.

لهذا: تنحصر أدلة الفقه عندنا في الكتاب والسنة.

وفيهما أعني الكتاب والسنة وفاء واف لتغطية كل احتياجات الفقيه في مجال الاستنباط.

ودل على هذا: الروايات وتجارب الفقهاء.

اما الروايات فمنها:

 - عن الامام الصادق عليه السلام: (ما من شيء الا وفيه كتاب وسنة).

 - عن الامام الكاظم عليه السلام: انه قيل له: أكل شيء في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون فيه?

قال: (بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه).

 - في حديث عن الامام الصادق عليه السلام يصف فيه (الجامعة) التي تضم أحكام الشريعة, يقول: (فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج اليه الناس حتى الارش في الخدش).

 - عن سماعة عن العبد الصالح عليه السلام, قال: سألته فقلت: ان اناسا من أصحابنا قد لقوا أباك وجدك, وسمعوا منهما الحديث, فربما كان الشيء يبتلي به بعض أصحابنا, وليس عندهم في ذلك شيء يفتيه, وعندهم مايشبهه, يسعهم أن يأخذوا بالقياس?

فقال: لا, انما هلك من كان قبلكم بالقياس.

فقلت له: لم تقول ذلك?

فقال: (انه ليس شيء الا وقد جاء في الكتاب والسنة).

ومن نتائج تجارب الفقهاء:

 ما جاء في كتاب (مسائل وردود) طبقا لفتاوي استاذنا السيدالخوئي

(ت 1413 هـ)(8) تحت عنوان (مسائل في التقليد).

(( مسألة (4): هل اعتمدتم في فتوى من فتاواكم أو مسألة من مسائلكم على دليل العقل فحسب?

بسمه تعالى: لا ريب في أن الاحكام الشرعية مجعولة طبق المصالح والمفاسد الواقعية, وليست مجعولة جزافا, الا أن عقولنا القاصرة لمالم يسعها أن تدرك تلك المقتضيات, ودين الله لا يصاب بالعقول, فلاجله يتعين علينا أن نتعبد بالادلة الشرعية السمعية من الكتاب والسنة.

نعم, قد يدرك العقل البشري امورا ضرورية واضحة لا يعتريها أي شك أو شبهة كحسن العدل والاحسان وقبح الظلم والعدوان, لكن الظاهران كل ما هو من هذا القبيل قد ورد فيه شاهد ومعاضد من الادلة السمعية.

وهناك أحكام عقلية اخر يستفاد منها في بعض المباني الاصولية والقواعد العامة الاستنباطية في بعض أبواب علم الاصول كباب اجتماع الامر والنهي وغيره, لكنها أيضا تنتهي الى قضايا عقلية ضرورية كاستحالة اجتماع النقيضين أو الضدين وأمثالهما والله العالم .

مسألة (5): هل للاجماع حجية أم لا?

وهل هو من الكتاب والسنة أم لا?

بسمه تعالى: لا حجية في قول غير المعصوم واحدا أو جماعة, الا أن يكون الاتفاق كاشفا قطعيا عن دخول المعصوم في جملتهم أو بموافقة قوله قولهم قطعيا, فحينئذ يدخل في السنة, والله العالم )).

ويقول استاذنا الشهيد الصدر (ت 1400هـ) في مقدمة رسالته العملية(الفتاوى الواضحة)(9): (( واما ما يسم ى بالدليل العقلي الذي اختلف المجتهدون والمحدثون في انه هل يسوغ العمل به أو لا?

فنحن وان كنا نؤمن بانه يسوغ العمل به, لكنا لم نجد حكما واحدايتوقف اثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى, بل كل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنة.

وأما ما يسمى بالاجماع فهو ليس مصدرا الى جانب الكتاب والسنة,ولايعتمد عليه الا من أجل كونه وسيلة اثبات للسنة في بعض الحالات.

وهكذا كان المصدران الوحيدان هما: كتاب الله والسنة )).

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- المعتبر ص‏6 .

2- اُصول المظفّر 109/2.

3- اُصول المظفّر 11/2.

4- اُصول المظفّر 112 - 111.

5- المبين للآمدي 91.

6- المبين للآمدي 91.

7- اُنظر : اُصول الفقه للمظفّر 112 - 11/2.

8- من إعداد محمّد جواد رضي الشهابي ط2 .

9- الفتاوى الواضحة ص‏15