المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 003.doc

المدارس الاصولية

ولكي نتبين تاريخ وتطور ما أشرت اليه من مناهج اصولية, علينا أن نوطيء لها بتعريف المدارس الفقهية الاولى عند أهل السنة وذلك لان مدارسنا الاصولية تأخرت في ولادتها عن المدارس الاصولية لاهل السنة, فربما دفعها هذا التأخر الى التأثر بها في بدء نشوئها ولو بالجوانب الفنية منها.

ولدت مدارس أهل السنة في الاوساط العلمية السنية بسبب الاختلافات الفقهية التي قامت بين مجتهدي الصحابة والتابعين والتي تمخضت عما عرف عندهم ب(مدرسة الحديث) و (مدرسة الرأي).

(( نشأت مدرسة الحديث في المدينة, وسبب نشوئها في المدينة توافرالسنة فيها بشكل كبير, مما دفع علماء المدينة للاعتماد الكلي على ماورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مما كان محفوظا لديهم من سنة قولية,وشائعا بينهم من سنة فعلية)).

(( وتمثل مدرسة الرأي الاتجاة الفقهي الثاني الذي بدأت معالمه تتضح في العراق تحت تأثير عوامل مختلفة دفعت اليه.

وتؤكد الروايات التاريخية أن الصحابة الذين اشتهروا بالرأي قد تأثروا بالمنهج المتميز الذي كان عمر بن الخطاب يعتمد عليه في اجتهاداته وآرائه.

ويعتبر عمر بن الخطاب من أكثر الصحابة تأثرا بالرأي وأشجعهم عليه وأقدرهم على استجلاء العلل وقياس الفروع على الاصول )).

(( وكان لكل مدرسة شيوخها وعلماؤها ومناهجها وأدلتها, وبالرغم من ظهور فجوة واسعة بينهما في بداية الامر, فان تلك الفجوة ما لبثت أن ضاقت وتلاقت المدرستان في اتجاة فقهي متكامل ظهر فيما بعد على يد العلماء الذين استطاعوا أن يجمعوا بين الحديث والرأي في منهجهم الفقهي ))(1).

وقد تبلورت هاتان المدرستان وبشكل واضح في اخريات القرن الاول الهجري عند انقراض آخر جيل من أجيال علماء الصحابة الذين كان أخرهم الصحابي الفقيه جابر بن عبدالله الانصاري المتوفى سنة 78هـ, وتوجه التابعين الى تدوين السنة وكتابة الفقه, ومحاولة استخلاص اصوله منه.

وظهر في الاوساط الفقهية الامامية ما يماثل هذا الذي حدث عند أهل السنة, ولكن في المنتصف الاول من القرن الرابع الهجري, أي في فترةالغيبة الصغرى, حيث توفى آخر وكيل ديني للامام المهدي عليه السلام وهوعلي بن محمد السمري المتوفى سنة 329هـ, فكانت أيضا مدرستان تشبهان الى حد مدرستي الحديث والرأي عند أهل السنة, وهي:

1- مدرسة الصدوقين:

علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (ت 323هـ) وابنه محمد بن علي بن بابويه القمي الشهير بالصدوق (ت 381هـ).

اعتدمت هذه المدرسة الحديث مصدرها الاساسي في الدرس الفقهي.

ويرجع هذا الى أنها انبثقت في مدينة (قم) عش آل محمد, وملتقىالوفرة الوافرة من رواة حديثهم, فقد ذكر المجلسي الاول في كتابه الموسوم ب(اللوامع): (( أنه كان في زمان علي بن الحسين بن موسى بن بابويه في (قم) من المحدثين مائتا ألف رجل ))(2).

وكان فيها أيضا الوفرة الوافرة من نصوص الاحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام ما يغطي كل احتياجات الفقهاء في مجال الفتوى, ولا أدل على هذا من كتاب علي بن بابويه الفقهي المعروف ب(الرسالة) الذي يقول في فاتحته: (( ان ما فيه مأخوذ عن أئمة الهدى, فكل ما فيه خبر مرسل عنهم )),وكتاب (من لايحضرة الفقيه) لابنه الصدوق الذي ضمنه فتاواه الفقهية وكلها نصوص أحاديث.

وقد ابتعد أقطاب هذه المدرسة عن الرجوع الى العقل حتى في المعتقدات.

ونرى هذا واضحا في الكتاب الاخر الذي ألفه الشيخ الصدوق في (التوحيد), فقد اعتمد فيه اعتمادا أساسيا على المنقولات الشرعية, فلم يتجاوزها الا فيشرحها حيث استخدم في بعض ذلك المعطيات العقلية.

وفي ذهاب الشيخ الصدوق الى القول بسهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة مستندا على بعض الروايات في ذلك, لدليل واضح على اعتمادةعلى الحديث في مقابل العقل الذي يستدل به الامامية على نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (3).

ولنطلق على هذه المدرسة اسم (المدرسة النقلية).

2- مدرسة القديمين:

الحسن بن علي بن أبي عقيل الحذاء العماني (معاصر علي بن بابويه), ومحمد بن أحمد بن الجنيد الاسكافي البغدادي المتوفى سنة 381هـ (معاصرالشيخ الصدوق).

فقد كان لوجودهما في بغداد أثر قوي في انطلاقهما نحو التأكيد على الاجتهاد عن طريق تطبيق القواعد الاصولية, كذلك ميل ابن الجنيد الى اجتهاد الرأي, واعطاء الاعتبار للقياس الشرعي المصدرين المعروفين لدى أهل السنة, وبخاصة فقهاء مدرسة الرأي منهم, فقد كانت بغداد المركز الثاني بعدالكوفة لفقهاء مدرسة الرأي السنية.

يقول النجاشي(4) في ابن الجنيد: (( سمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه: انه كان يقول بالقياس )).

وفي (الكنى والالقاب)(5) عن السيد بحر العلوم أنه قال في ابن الجنيد:(( وهذا الشيخ على جلالته في الطائفة والرئاسة وعظم محله قد حكي عنه القول بالقياس, واختلفوا في كتبه, فمنهم من أسقطها, ومنهم من اعتبرها )).

ومن كتبه المشار اليها:

 كتاب كشف التمويه والالباس على أغمار الشيعة في أمر القياس.

 كتاب اظهار ما سترة أهل العناد في الرواية على أئمة العترة في أمرالاجتهاد.

والذي يظهر من موقف الشيخ المفيد الذي ساشير اليه أن ثمة مقابلة سافرة كانت بين أنصار الاتجاهين بالمستوى الذي انتهى بهما الى أن يكونا مدرستين متقابلتين, تماما كالذي حدث عند أهل السنة.

ويسلمنا هذا الى أن فقه الامامية في القرن الرابع الهجري كان يتحرك في اطار هاتين المدرستين, وأن اصوله (أصول الفقه) كانت تستمد من الحديث في مدرسة الصدوقين, ومن العقل في مدرسة القديمين.

ولنطلق على هذه المدرسة (مدرسة القديمين) المدرسة العقلية.

ويسلمنا أيضا الى أن حركة الفقه الامامي بعد غيبة الامام المهدي عليه السلام الصغرى لصعوبة الوصول اليه أخذت نفس المسار الذي أخذته حركة الفقه السني, حيث سارت باتجاهين:

 خط الحديث.

 خط الشرع.

وسمي هذان الخطان في لغة غير واحد من فقهاء الامامية بـ:

 خط الاجتهاد.

 وخط العقل.

بما أدى الى أن يكون وضع المقابلة بينهما مقابلة بين الشرع والعقل.

وجاء هذا نتيجة حدة الصراع وشدة التعصب.

3- مدرسة المفيد:

وكان مجي الشيخ المفيد, محمد بن محمد بن النعمان الحارثي البغدادي(ت314هـ) عامل توازن بين المدرستين عن طريق الجمع بينهما, وسلوك الخط الوسط أو طريقة البين بين.

(( بسبب ما كان يتمتع به الشيخ المفيد من شخصية علمية عالية ومنزلة قيادية مرموقة, واهتمام كبير بأمر التشيع, وعناية فائقة بحركة الفكرالتشريعي الاسلامي, في اطار مذهب أهل البيت, والعمل باحتياط واع, على تهيئة الجو العلمي النظيف الذي يوفر له أصالته وجديته, ويفتح الطريق أمامه لعطاء مثمر مفيد.

وبسبب ما رآه من بوادر لانشقاق الصف الشيعي العلمي الى هذين الاتجاهين بما يحمل أولهما من جمود قد يعوق مسيرة التطور الفكري التشريعي,وما يحمل ثانيهما من انطلاق تجاوز حدود الدائرة المذهبية.

لهذا وذاك رأى أن يسلك طريق البين بين,? فلا جمود ولا انطلاق ولكن أمربين أمرين, يحفظ للتشريع أصالته, ويعطيه المجال للتطور داخل اطار تلكم الاصالة.

فجمع أمره وحشد كل ما يملك من طاقات فكرية وقيادية للقيام بالمهمة.

وتجسد عمله بالتالي:

1- ألف رسالته الفتوائية المعروفة بـ(المقنعة) في أصول الدين وفروعه, ولم يلتزم في كتابتها وعرضها متون الاحاديث.

وأقام فتواه فيها على ما ذكرة من مصادر للتشريع في كتابه (أصول الفقه),وهي: الكتاب.

 السنة.

 أقوال الائمة من أهل البيت عليهم السلام .

فيكون بهذا قد رفض القياس, ولم يجمد على حرفية التعبير بمتون الاحاديث.

2- ألف رسالته (التذكرة في أصول الفقه) التي اختصرها تلميذة الشيخ أبوالفتح الكراجكي وأدرج المختصر ضمن كتابه (كنز الفوائد).

وحصر فيها مصادر التشريع بما ذكرته أعلاة, قال (6):

(( اعلم أن أصول أحكام الشريعة ثلاثة أشياء:

 كتاب الله سبحانه.

 وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم .

 وأقوال الائمة الطاهرين من بعده )).

ويعني بأقوال الائمة فتاواهم في أجوبة الاسئلة التي كانت ترفع اليهم,ويحسون عنها بمضمون حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا بمتنه ولفظه,ذلك أن أجوبتهم, وما أعطوه من أحكام كانت على نوعين:

أ - ما التزموا فيها متن حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولفظه.

ب- ما ضمنوها معنى الحديث وعبروا عن الحكم بلفظهم لا بلفظ الحديث.

كما أشار فيه الى (دليل العقل) باعتباره الطريق الموصل الى معرفةحجية القرآن ودلائل الاخبار, قال في الصفحة نفسها: (( والطرق الموصلةالى علم الشرع في هذه الاصول الثلاثة (يعني الكتاب والسنة وأقوال الائمة).

أحدها: العقل, وهو سبيل الى معرفة حجية القرآن ودلائل الاخبار.

الثاني: اللسان, وهو السبيل الى المعرفة بمعاني الكلام .

وثالثها: الاخبار, وهي السبيل الى اثبات أعيان الاصول من الكتاب والسنة وأقوال الائمة ))(7). فهو بهذا حصر مصادر التشريع بالكتاب والسنة,ووضع العقل في موضعه, وهو اعتباره دليلا على حجية الظاهرة الاصولية.

فمدرسته تستمد القاعدة الاصولية من العقل, وتستمد الحكم الفقهي من الكتاب والسنة.

وألف مختصرة الاصولي نموذجا يسير عليه الخط الاصولي الامامي الجديد,وخطة للتأليف فيه يحتذيها طلابه الذين أعدهم لذلك ووجههم اليه.

ولنطلق على هذه المدرسة عنوان المدرسة التكاملية.

ونخلص من هذا الى أنه كانت عندنا حتى القرن الخامس الهجري ثلاث مدارس بثلاثة مناهج, وهي:

1- المدرسة الاصولية النقلية, ومرجعها النقل.

2- المدرسة الاصولية العقلية, ومرجعها العقل.

3- المدرسة الاصولية التكاملية, التي جمعت بين الرجوع الى العقل دليلا على حجية القاعدة الاصولية, والرجوع الى النقل (الكتاب والسنة) مصدرا للحكم الفقهي ودليلا عليه.

وكما تقدم, يرسم الشيخ المفيد رأس هذه المدرسة الخطوط العامة للمنهج الاصولي التكاملي في مختصرة الاصولي بقوله: (( اعلم أن أصول أحكام الشريعة ثلاثة أشياء:

 كتاب الله سبحانه.

 وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم .

 وأقوال الائمة الطاهرين من بعده صلى الله عليه وآله وسلم .

والطرق الموصلة الى علم الشرع في هذه الاصول الثلاثة:

أحدها: العقل, وهو سبيل الى معرفة حجية القرآن ودلائل الاخبار.

والثاني: اللسان, وهو السبيل الى المعرفة بمعاني الكلام .

وثالثها: الاخبار, وهي السبيل الى اثبات أعيان الاصول من الكتاب والسنة وأقوال الائمة ... )).

فهو بهذه الوثيقة العلمية يقرر:

1- أن الطريقة لاثبات حجية أدلة الفقه من الكتاب والسنة هو العقل.

والذي يحتاج الى الاثبات بالنسبة للقرآن الكريم ليس هو السند اذ لاخلاف في أنه من الله تعالى, ولا في دلالته النصية لان المعنى متعين بذاته,وانما هو دلالة الظهور لانها ظنية, والطريق لاثبات حجية الظهور هو العقل.

وتشترك السنة مع الكتاب في الدلالة, وتختلف عنه في السند فما كان متواترا أو مقرونا بما يفيد القطع, فالعقل يحكم بحجيته أيضا, لان اليقين لايستفاد من الدليل الا اذا كان في أعلى مراتب حجيته .. وان كان خبر ثقة فهومظنون, والطريق الى اثبات حجيته هو العقل.

فالخط العام هو: أن الطريق لاثبات الحجية هو العقل.

والخط العام الاخر لاستخلاص الحكم الشرعي من النص الشرعي (آية أورواية) بعد ثبوت حجيته هو تطبيق قواعد اللغة العربية في الصرف والنحو والبلاغة والدلالة والمعجم .

وفي ضوئه: نقول:

 عندنا كليات وهي القواعد الاصولية, والطريق لاثبات حجيتها هو العقل.

 وعندنا جزئيات وهي النصوص الشرعية (الايات والروايات), والطريق لمعرفة معناها هو تطبيق قواعد اللغة العربية.

وسنتبين في موضعه أن المراد بالعقل هنا هو سيرة العقلاء (سلوك أبناءالمجتمع البشري) أي الظواهر الاجتماعية العامة.

والمنهج الذي ينبغي أن يتبع لدراسة الظاهرة الاجتماعية هو المنهج الاجتماعي, ويأتي له زيادة ايضاح.

ويلاحظ هنا أن الشريف المرتضى عندما أراد وضع كتابه الاصولي(الذريعة) لم يجد أمامه ما يرجع اليه في دراسة المادة الاصولية الا كتاب شيخه المفيد, وهو مختصر جدا, والى جانبه. الكتب الاصولية السنية, وهي كثيرة وكاملة في مادتها ومتكاملة فيما بينها.

وهذا الواقع بطبيعته يفرض عليه الرجوع الى الكتب السنية من ناحية فنية على الاقل.

وعليه أن يقارن ويوازن حتى تنتهي المسيرة الاصولية الامامية بعد حين من الزمن الى الاصول الامامي المستقل.

وفي الوقت نفسه نعى على المؤلفات السنية المتوافرة آنذاك اغراقها واسرافها في التعامل مع معطيات علم الكلام بما يصعب معه التمييز بين علم الكلام وعلم الاصول من حيث المنهج, قال: (( أما بعد, فاني رأيت أن أملي كتابامتوسطا في أصول الفقه, لا ينتهي بتطويل الى الاملال, ولا باختصارالى الاخلال, بل يكون للحاجة سدادا, وللتبصرة زيادا, وأخص مسائل الخلاف بالاستيفاء والاستقصاء, فان مسائل الوفاق تقل الحاجة فيها الى ذلك.

فقد وجدت بعض من أفرد لاصول الفقه كتابا, وان كان قد أصاب في كثير من معانيه وأوضاعه ومبانيه قد شرد عن قانون أصول الفقه واسلوبها, وتعداها كثيرا وتخطاها, فتكلم على حد العلم والظن, وكيف يولد النظر العلم, والفرق بين وجوب المسبب عن السبب, وبين حصول الشيء عند غيره على مقتضى العادة, وما تختلف فيه العادة وتتفق, والشروط التي يعلم بها كون خطابه. تعالى دالا على الاحكام وخطاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, والفرق بين خطابيهما بحيث يجتمعان أو يفترقان, الى غير ذلك من الكلام الذي هو محض صرف خالص للكلام في أصول الدين دون أصول الفقه ))(8).

ويرمي بهذا الى نقد احتواء علم الكلام لعلم الاصول, وليس استخدام العقل مصدرا اصوليا.

وبالقاء نظرة على مراجع كتابه (الذريعة) نجدة قد رجع الى الاعلام التالية أسماؤهم:

1- أبو علي: محمد بن عبدالوهاب الجبائي المعتزلي (ت 303هـ), ومن المظنون قويا أنه أخذ آراءه الاصولية والكلامية من كتابه (تفسير القرآن),ومما نقل عنه في الكتب الاصولية والكلامية التي وقف عليها.

2- أبو هاشم: عبدالسلام بن محمد بن عبدالوهاب الجبائي (ت 321هـ), له كتاب (العدة في أصول الفقه), وأخال قويا أنه رجع اليه, والى ما نقل عن أبي هاشم من آراء كلامية واصولية في الكتب التي هي تحت متناوله.

3- أبو الحسن الكرخي: عبيدالله بن الحسن البغدادي الحنفي (ت 340هـ),له رسالته في أصول الفقه التي عليها مدار فروع فقه الاحناف, ربما رجع اليها,والى ما نقل عنه في غيرها من رسائل وكتب.

4- أبو بكر الفارسي: أحمد بن الحسن بن سهل الشافعي (ت حدود 350هـ) له: الذخيرة في أصول الفقه.

5- القفال: أبو بكر محمد بن علي الشاشي الشافعي (ت 365هـ), له: كتاب أصول الفقه.

6- أبو عبدالله: الحسين بن علي البصري المعتزلي (ت 367هـ), له: كتاب التفضيل في الامامة.

كما رجع (أعني المرتضى) الى كتابيه (الذخيرة) وهو في علم الكلام,و(الشافي) وهو في الامامة.

وأمر طبيعي أن تكون نسبة المراجع السنية فيه أكثر من المراجع الامامية, لعدم وجود مؤلفات في أصول الفقه الامامي غير مختصر استاذه الشيخ المفيد, فلا غنى له حينئذ عن أن يستفيد في التبويب لمواد أصول الفقه, ومسالك البحث فيها فنيا من تجارب سابقيه.

وأيضا لا غرابة أن نجدة يتأثر بالجو الفكري المهيمن آنذاك على المؤلفات الاصولية حيث طبعت بطابع احتواء علم الكلام لعلم الاصول, وبخاصة أنه من أعلام المتكلمين والمؤلفين فيه.

ومع هذا كان له فضل السبق في محاولة التخفيف من غلواء هيمنة علم الكلام على علم الاصول بالاكثار من استعراض آراء الفقهاء الى جانب آراءالمتكلمين ليمهد لمن يأتي بعده الطريق الى استقلال علم الاصول بمنهجه الخاص به عن منهج علم الكلام واستقلال أصول الفقه الامامي في خطوطه وطبيعة مراجعه عن أصول الفقه السني.

وقد شمل هذا التأثر بكتب الاصول السنية من حيث المنهج في سيرها وفق المنهج الكلامي, وفي المادة من حيث احتواء علم الكلام لعلم الاصول ما كتب في القرنين السابع والثامن الهجريين كمؤلفات الفاضلين (المحقق والعلامة)الاصولية:

وأوضح مثال لذلك كتاب (معارج الاصول) للمحقق الحلي (ت 676هـ), فان مراجعه الاصولية التي رجع اليها هي:

1- الشيخ المفيد في مختصرة الاصولي المعروف, فقد نقل عنه بعض عبائره كما في ص187.

2- الشريف المرتضي.

3- الشيخ الطوسي.

هؤلاء هم مراجعه من الامامية, ومن المظنون قويا استقاؤة آراءالمرتضى من (الذريعة), والطوسي من (العدة), وان لم يذكر الكتابين في كتابه لا تصريحا ولا بالاشارة اليهما.

وكذلك صنع هذا الصنيع مع المراجع الاصولية السنية, فقد كان يذكر اسم العالم السني, ولا يذكر الكتاب الذي أخذ رأيه منه, فمن المحتمل أن يكون قد أخذه من (الذريعة) أو (العدة) ومن المحتمل أيضا أن يكون قد أخذه من كتاب العالم السني مباشرة.

ويرجح الاحتمال الثاني لان الكتب السنية الاصولية المشار اليها كانت موجودة في عصره, وفي متناول المؤلفين.

وهاهي أسماء العلماء المذكورة في كتابه:

1- الامام الشافعي (ت 204هـ), له: الرسالة.

2- أبو علي الجبائي.

3- أبو هاشم الجبائي.

4- أبو الحسن الكرخي.

5- القفال الشاشي.

6- أبو عبدالله البصري.

7- القاضي: عبدالجبار بن أحمد الهمداني المعتزلي (ت 415هـ).

8- أبو الحسين: محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي (436هـ), له: المعتمد في أصول الفقه.

ورجع الى آخرين عن طرق غير مباشرة, أي نقلا عن المصادر التي بين يديه, وهم:

 ابن قبة: أبو جعفر محمد بن عبدالرحمن الرازي من أصحابنا الامامية ومن متقدميهم في علم الكلام, له: كتاب (الانصاف) في الامامة, نقل منه الشيخ المفيد في كتابه (العيون والمحاسن).

نقل المحقق رأيه المعروف في استحالة التعبد بخبر الواحد, قال(9): ((المسألة الثانية: يجوز التعبد بخبر الواحد عقلا, خلافا لابن قبة من أصحابنا, وجماعة من علماء الكلام )).

كما أشار الى هذا قبله السيد المرتضى في (الذريعة), فربما قد نقله عنه.

 أبو الهذيل العلاف المعتزلي(10) . ابن سريج البغدادي الشافعي (11) .

 النظام ص41.

 الاشعرية ص36.

 أصحاب الشافعي ص7.

 بعض الحنفية ص99.

 بعض العراقيين ص801.

 الحشوية ص991.

 المعتزلة ص41.

 أهل الظاهر ص31.

والملحوظ كما هو واضح أن نسبة المصادر السنية تزيد على نسبةالمصادر الامامية بالضعف ونصف الضعف.

وأن أكثر المصادر السنية هم معتزلة وعلماء كلام .

ويبدو لي أن المحقق أفاد كثيرا من ذريعة السيد وعدة الشيخ.

ربما كانتا هما الطريقين الى آراء علماء أهل السنة, لان كتابه (المعارج)يكاد يكون صدي مختصرا لذريعة المرتضى, لولا ما أضاف من مصادراخرى لم يذكرها المرتضى لانها ما كانت على عهده.

أما ظاهرة احتواء علم الكلام لعلم الاصول فتتمثل بالمبدأ الكلامي العام الذي ارسيت عليه جميع نظرياته ومعطياته الاخرى, وهو مبدأ التحسين والتقبيح,الذي يراد به تقسيم أفعال الانسان الى حسنه يمدح فاعلها ويثاب عليها,وقبيحة يذم فاعلها ويعاقب عليها.

وهو بالنسبة لعلم الكلام مبدأ سليم لان علم الكلام يبحث في المبدأ والمعاد,فالله تعالى لا يأمر الا بالفعل الحسن ولا ينهي الا عن الفعل القبيح, هذا من حيث المبدأ.

وهو في المعاد يجازي على الحسن بالثواب وعلى القبيح بالعقاب.

أما بالنسبة لاصول الفقه فلا مجال لان يكون هذا المبدأ الكلامي هو المعيار, ذلك أن أصول الفقه هي أصول تشريع, والتشريع يتعلق بفعل الانسان بما فيه من مصلحة أمرا, وبما فيه من مفسدة نهيا.

وبتعبير آخر: أن التشريع هو مجموعة أوامر ونواهي, اصدرت لتنظيم علاقة الانسان بالاخر, على أساس من جلب المصلحة له ودفع المفسدة عنه,والثواب والعقاب ليسا على الفعل, وانما على الطاعة وعدمها المتمثلين بالامتثال من العبد وعدمه.

فان لا ينظر الى هذا المبدأ العام للتشريع عند البحث عن قواعده واصوله,وينظر الى المبدأ العام الاخر, وهو المبدأ الكلامي لهو دليل واضح على احتواءعلم الكلام لعلم الاصول.

واليك بعض الشواهد على هذا من كتاب (المعارج):

 (( يقسم الفعل الى حسن وقبيح )).(12)

(( ويعرف الواجب: ما للاخلال به مدخل في استحقاق الذم )).

 (( يعرف المكروه: ما الاولى تركه, وليس لفعله تأثير في استحقاق الذم )).(13)

(( الاول: أن الامر يقتضي كونه حسنا, والنهي يقتضي كونه قبيحا, فيلزم كونه حسنا قبيحا معا )).(14)

(( والثاني: أن الفعل الواحد اما أن يكون حسنا واما أن يكون قبيحا, فبتقدير أن يكون حسنا يلزم قبح النهي عنه, وبتقدير أن يكون قبيحا يقبح الامر به )).

 (( والجواب عن الرابع: أن الامر والنهي يتبعان متعلقهما فان كان حسنا كاناكذلك والا قبحا.(15)

على انه لو كان الامر كذلك, لم يكن متعلق الامر مرادا, فلا يكون مأمورا به, فلا يكون النسخ متناولا له )).

وقد مهد صنيع الحليين الفاضلين ومن سواهما بما ألفوا من كتب ورسائل في أصول الفقه الى استقلال علم الاصول في مراجعه عن الاصول السني, وتم ذلك في اخريات القرن العاشر وأوليات القرن الحادي عشر الهجريين.

وتجلى هذا واضحا في كتاب (معالم الدين) للشيخ حسن العاملي(ت1011هـ) فقد رجع الى:

 الشريف المرتضى في (الذريعة) و (الشافي) و (المسائل التبانيات).

 الشيخ الطوسي في (العدة).

 القاضي ابن البراج.

 السيد ابن زهرة في (الغنية).

 الشيخ ابن ادريس في (السرائر).

 السيد ابن طاووس في (البهجة لثمرة المهجة).

 المحقق الحلي في (المعارج) و (المعتبر).

 العلامة الحلي في (التهذيب) و (النهاية).

 فخر المحققين عن طريق الشهيد الثاني.

 الشهيد الاول في (الذكرى) و (الدروس).

 الشهيد الثاني في (فوائد الخلاصة).

 الشيخ المفيد, رجع اليه عن طريق الفاضلين المحقق والعلامة.

 الشيخ سديد الدين الحمصي عن طريق السيد ابن طاووس.

 وذكر آخرين قليلين من علماء أهل السنة, رجع اليهم عن طريق علماء الامامية.

وهو (أعني صاحب المعالم) بصنيعه هذا استقل باصول الفقه من حيث المرجعية.

وبقي أصول الفقه الامامي حتى عصره يبحث في موضوعات لا علاقة له بها مثل موضوع القياس.

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- المدخل للتشريع الاسلامي, د. محمد فاروق نبهان, ط1 سنة 1977م . ص150 و152.

2- أنظر: تاريخ التشريع الاسلامي, للمؤلف ص250.

3- يراجع لمعرفة التفصيل في المسألة كتاب (بحار الانوار) المجلد 17, الباب16 (سهوه ونومه صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة).

4- النجاشي 2 / 13 .

5- الكني والالقاب 2 / 62 .

6- كنز الفوائد ص81 من ط لبنان .

7- أنظر: تاريخ التشريع الاسلامي للمؤلف ص263 263.

8- تاريخ التشريع الاسلامي للمؤلف ص311.

9- العيون والمحاسن ص141 .

10- الذريعة ص311 .

11- الذريعة ص421 .

12- المعارج ص74 .

13- ص84 .

14- ص168 .

15- ص169 171 .