من صفحة: 124
إلى صفحة: 150
النص الكامل للبحث: PDF icon 180528-225533.pdf
خلاصة البحث:

اصبحت قضايا البيئة تحتل المرتبة الاولى من اهتمام المجتمعات الحديثة نظرا ‏للدراسات التي ‏تشير يوما بعد يوم الى علاقة مظاهر التلوث البيئي بظهور الامراض عند ‏الانسان، وتدهور ‏الأحياء البحرية والبرية على كوكب الارض، ومع تطور الحياة والتقدم ‏الصناعي والتكنولوجي ‏اصبحت البيئة بكافة عناصرها الماء، والهواء، والتربة تتعرض ‏لملوثات جديدة لم تكن معروفة ‏سابقا.‏

ولما حرص الاسلام على انشاء تصور خاص بنظام خاص ومجتمع خاص تكون بيده ‏القيادة البشرية، تتشكل  بنموذج وفق قواعد ثابتة لا تتغير مع تغير المكان والزمان، وفقا لما  ‏تفرضه كل الثوابت من الاستقرار الديني والفكري والسلوكي والاجتماعي، وغير ذلك من ‏مستلزمات التنمية المستدامة الشاملة في المجتمع المنشود.‏

فكل قواعد الاسلام وقوانينه تستطيع من خلالها تكوين صورة واقعية للبيئة الاسلامية ‏التي تعبر عنها المبادئ والاحكام الشرعية في الكتاب والسنة الشريفة للعلماء المسلمين في ‏مختلف انواع العلوم والممارسات للدولة الاسلامية.‏

فالرسالة الاسلامية التي هي خاتمة الرسالات السماوية الى البشرية اهتمت بالبيئة اهتماما ‏كبيراً، لان الله تعالى قد خلق البيئة وسخرها لخدمة الانسان، فمن المؤكد ان يشرع القوانين ‏ويضع النواميس التي تكفل حفظ التوازن البيئي، وترشد الانسان الى طريقة حماية البيئة، ‏وكيفية التعاطي مع انظمتها وقوانينها.‏

فالغرض الاساس من المحافظة على البيئة هو المحافظة على الانسان وسعادته ورفاهيته ‏في هذه الدنيا، ولهذا نجد ان جميع الاديان تدعو الى اتخاذ خطوات فعالة في هذا المجال. وكما ‏ان الاخلال بالنسق الكوني الذي خلقه الله للسماوات والارض يؤثر سلبا على الحياة الدنيا وعلى ‏ما فيها من عناصر الماء والهواء والارض التي تخدم الانسان وتحقق له سعادته.‏

Abstract

Environmental issues have become occupies first place of interest in modern societies due to studies that indicate the day to do with aspects of environmental pollution, the emergence of diseases in humans, and deterioration of the marine life and wildlife on the planet, and with the evolution of life and progress industrial and technological environment has become all the elements of water, air, soil and exposed to new pollutants were not previously known.

Since Islam is keen to establish a perception of a special system of special and private community be hand leadership of mankind, forming a model according to fixed rules do not change with the change of time and place, according to impose all the constants of stability, religious, intellectual, behavioral, social, and other Accessories overall sustainable development in the community desired.

All the rules and laws of Islam through which you can configure a realistic picture of the environment expressed by the Islamic principles and legal provisions in the book and the Sunnah of the Association of Muslim Scholars in different kinds of science and practice of the Islamic state.

The message, which is the finale of the Islamic divine messages to the human environment focused considerable attention, because God has created the environment and marshalled to serve man, it is certain that the prescribed laws and puts the norms that ensure keeping the ecological balance, and to guide the human way of protecting the environment, and how to deal with regulations and laws.

The purpose of the foundation is the preservation of the environment and preservation of human happiness and well-being in this world, and for this, we find that all religions calls to take effective steps in this area. As the cosmic breach format which God created the heavens and the earth adversely affect the life of the world and what the elements of water, air and land that serve man and bring him happiness

البحث:

مقدمة

الحمد لله رب العالمين حمدا يليق بجلاله وكماله وسلطانه واحسانه, فاطر السماوات, موجد المخلوقات، ومسير الموجودات, والصلاة والسلام على أشرف المخلوقات وأطهر الموجودات، النبي الاكرم وآله الاطياب الميامين, ينابيع المعرفة ومصابيح الهدى وسفينة النجاة, وعلى صحبه الأخيار المنتجبين وعلى من والاهم الى يوم الدين.

وبعد :-

اتخذت البيئة وعلومها مكانا مهما بين اهتمامات الباحثين والمؤسسات والانظمة, فكانت مجالا رحباً للنظر والاهتمام لقضايا البيئة، من التفاعلات والتأثيرات الناتجة عن المشاكل والأخطار التي تهدد العالم باسره.

ويوجد عشرات الالاف من المواد الكيمياوية التي تستخدم في الصناعة والزراعة والمنازل ‏والمستشفيات والمدابغ والمزارع الحيوانية والمسابك وغيرها، ويقدر عدد المواد الكيمياوية ‏العضوية التي تستخدم في الدول النامية بحوالي 50000 مركب والاف المبيدات التي ‏تستخدم لإبادة الاعشاب والحشرات مما يزيد الامر صعوبة في تناول موضوع الملوثات ‏الكيمياوية من ناحية البحث او المعالجة هو طبيعة هذه المواد.

فهذه المواد لا تقع ضمن ما ‏يتناوله العلماء بالدراسة من حيث احوال المادة المختلفة ودرجة تفاعلها مع غيرها ونواتج ‏تحللها وتأثيرها على الكائنات بصورة مستفيضة، وبالرغم من ان هذه المركبات لها صفات ‏عضوية الا انه لا يمكن تحليلها بالأنزيمات مثلا, لأن معظمها مركبات عضوية الاصل تم ‏احلال ذرات الهيدروجين فيها بمجموعات كيمياوية، وبالتالي فقدت خاصية المواد ‏العضوية الأصلية ان كان اصلها سكريات أو أحماض امينية وغيرها، ولهذا لا ينطبق ‏عليها قوانين المواد العضوية المعروفة من حيث التفاعل والتحلل وغيرها.‏

فلذلك اصبحت قضايا البيئة تحتل المرتبة الاولى من اهتمام المجتمعات الحديثة نظرا ‏للدراسات التي تشير يوما بعد يوم الى علاقة مظاهر التلوث البيئي ظهور الامراض عند ‏الانسان، وتدهور الأحياء البحرية والبرية على كوكب الارض، ومع تطور الحياة والتقدم ‏الصناعي والتكنولوجي اصبحت البيئة بكافة عناصرها الماء، والهواء، والتربة تتعرض ‏لملوثات جديدة لم تكن معروفة سابقا.‏

ولما حرص الاسلام على انشاء تصور خاص بنظام خاص ومجتمع خاص تكون بيده القيادة البشرية, تتشكل بنموذج وفق قواعد ثابتة لا تتغير مع تغير المكان والزمان, وفقا لما تفرضه الثوابت كلها من الاستقرار الديني والفكري والسلوكي والاجتماعي, وغير ذلك من مستلزمات التنمية المستدامة الشاملة في المجتمع المنشود.

فكل قواعد الاسلام وقوانينه تستطيع من خلالها تكوين صورة واقعية للبيئة الاسلامية التي تعد عنها المبادئ والاحكام الشرعية في الكتاب والسنة الشريفة للعلماء المسلمين في مختلف انواع العلوم والممارسات للدولة الاسلامية.

فالرسالة الاسلامية التي هي خاتمة الرسالات السماوية الى البشرية اهتمت بالبيئة اهتماما كبيراً, لان الله تعالى قد خلق البيئة وسخرها لخدمة الانسان, فمن المؤكد ان يشرع القوانين ويضع النواميس التي تكفل حفظ التوازن البيئي, وترشد الانسان الى طريقة حماية البيئة, وكيفية التعاطي مع انظمتها وقوانينها.

فقد حافظ الإسلام على البيئة بالنهي عن الإضرار بها، والأمر بالمحافظة عليها، ومن ‏الأمور التي نهى الله عنها لحفظ البيئة، الإفساد في الأرض عموماً، كما في قوله تعالى(‏وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)(الأعراف/56)،ونهى عن إهلاك الحرث ‏والنسل بذم من فعل ذلك، كما في قوله تعالى)وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ((البقرة/205).‏

فالغرض الاساس من المحافظة على البيئة هو المحافظة على الانسان وسعادته ورفاهيته في هذه الدنيا, ولهذا نجد ان جميع الاديان تدعو الى اتخاذ خطوات فعالة في هذا المجال. وكما ان الاخلال بالنسق الكوني الذي خلقه الله للسماوات والارض يؤثر سلبا على الحياة الدنيا وعلى ما فيها من عناصر الماء والهواء والارض التي تخدم الانسان وتحقق له سعادته.

الفصل الاول : مفهوم البيئة واسباب التلوث

المبحث الاول : البيئة لغة

جاءت كلمة البيئة من باء يبوء ومصدرها بَوَءَ, وبوَّء بتضعيف الواو من باب التفعيل بمعنى سدد، ولذا يقولون بوَّء الرمح اي سدده نحو هدفه, ويقال تبوَّء بمعنى نزل واقام, وهو فعل لازم ويتعدى بحرف الخبر, واستعمل في القرآن واللغة العربية متعديا, لقوله تعالى )وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا  ‏(([1])اي اتخذوا بيوتاً([2]). وقد يستعمل بباب الافعال من آباءه منزلا, اي :هيء له وانزله فيه لقوله تعالى)وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ.......(([3]) اي الذين سكنوا في المدينة واستقرت قلوبهم على الايمان بالله, فالدار منزل مادي والايمان منزل معنوي([4]).

واستعملت ايضا في جملة من الاحاديث, فعن الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله  (من كذّب عليّ متعمدا فليتبوّء مقعده من النار) ([5]), أما الراغب الاصفهاني فيذكر ان اصل البواء مساواة الأجزاء في المكان, فيقال مكان بواء اذا لم يكن نابيا بنازله, وبوّأت له مكانا: سويته فتبوّأ، لقوله تعالى )وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ‏( ([6]), وبوّأت الرمح : هيأت له مكانا([7]).

وأصله الرجوع, منباء اذا رجع, وسمي المنزل (مباءة) لكون صاحبه يرجع اليه اذا خرج منه([8]), والباءة تأتي بمعنى النكاح وسمي بالباءة لان الرجل يتبوأ من اهله, اي يتمكن من اهله كما يتبوأ من داره لحديث الرسول  صلى الله عليه وآله  (من استطاع منكم الباءة فليتزوج) ([9]).

والمباءة : معطف القوم للابل حيث تناخ, ومباءة الغنم : منزلها الذي تأوي اليه, والمباءة من الرحم المكان الذي يكون فيه الجنين([10]).

ومن خلال ما مر لتعريفات البيئة لغة نلاحظ انها تأتي بالمعاني الاتية : النزول, والحلول في المكان, ويمكن ان تطلق مجازا على المكان الذي يتخذه الانسان لنزوله وحلوله اي على (المنزل, الموطن, الموضع الذي يرجع اليه الانسان فيتخذ فيه منزله ومبيته) ([11]). وقد وضعت مفردات بجميع الفاظ البيئة اللغوية في الموسوعات منها (الوسيط, المحيط, المكان, الظروف المحيطة او الحالات المؤثرة) ([12]).

وان الاشتقاق اللغوي لهذه الكلمة يذكره الزبيدي في شرح تاج العروس حول معنى كلمة (باء) التي اشتق منها كلمة البيئة, فيقال : باء اليه, رجع ومنه قوله تعالى )وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ( اي رجعوا وصار عليهم او انقطع. والباء, بحذف الهاء والباهة بإبدال الهمزة هاء والباه بالألف والهاء فهذه اربع لغات بمعنى النكاح. ولغة من الباءة ومن باء فهو يبوء بوا اذا أقرّ به, وقال غيره باء بذنبه اي أحتمله أو اعترف به, لقوله تعالى )وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ( اي احتملوا. وبوّأه منزلا نزل به الى سند جبل, وبوأه له بمعنى هيأه له وأنزله ومكّن له فيه, وبوّأ الروح نحوه اي قابله به, وبوّأ المكان حِله وأقام به والبيئة بالكسر والباءة : بليت النمل في الجبل, والمباءة متبوأ الولد من الرحم, والبيئة بالكسر : الحالة, يقال أنه لحسن البيئة([13]).وهذا مجمل ما ورد في كتب اللغة حول كلمة البيئة.

المبحث الثاني : البيئة في الاصطلاح

تعددت تعريفات البيئة من حيث الاصطلاح العلمي لها فكانت ضمن حدود هذا العلم واستيعابه لقضايا البيئة والمسائل التي ظهرت حولها, فكان من موسع لهذه التعريفات ومنهم من جعلها ضمن اطار معين وسنورد بعض هذه التعريفات :-

(البيئة هي الاطار الذي يعيش فيه الانسان ويؤثر فيه ويتأثر به, وتتمثل البيئة بما يحيط بالإنسان من هواء وماء وتربة وضوء الشمس والمعادن في باطن الارض والنبات والحيوان على سطحها وفي بحارها ومحيطاتها وانهارها) ([14]).

الملاحظ على هذا التعريف انه شامل لكل الموارد الطبيعية الموجودة على سطح الارض وباطنها ويشمل ايضا كل الكائنات الحية عليها بما فيها الانسان.

وعرفت ايضا : (الاطار الذي يعيش فيه الانسان ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى ويمارس فيه علاقاته مع اقرانه من بين البشر) ([15]). ومنهم من عرفها : (هي الارض بما فيها من مختلف الابعاد, والتي قدّر لها أن يعيش فيها مع غيره من كائنات ودواب وجماد), أو (هي مجموعة العوامل البيولوجية والكيمياوية والطبيعية والجغرافية والمناخية المحيطة بالإنسان والمحيطة بالمساحة التي يقطنها والتي تحدد نشاط الانسان واتجاهاته وتؤثر في سلوكه ونظام حياته)([16]).

وربما يكون التعريف الاول هو الاقرب إلى محل البحث، فإن المعنى المبحوث عنه ‏للبيئة يشمل كل الموجودات التي تحيط بالإنسان من ماء وهواء وتراب وحيوانات ‏ونبات، وهي بهذا المعنى الشمولي شديدة الإلتصاق بالإنسان يؤثر فيها ويتأثر بها ‏مباشرة ويستمد منها عناصر السلامة لبقائه وإستمراره. ‏

ونلاحظ على هذه التعريفات ان الوسط البيئي الطبيعي هو مجموعة من عناصر متنوعة تربطهم عوامل لها علاقة بين الانسان والمحيط الذي يعيش فيه تبعا لقدرته ومستواه الاقتصادي ومكوناته الشخصية  وفق النظام الذي يعيشه.

وهي (المحيط او المكان الذي تعيش فيه الكائنات الحية, والذي يتضمن بمعناه الواسع العوامل الطبيعية والاجتماعية والثقافية والانسانية التي تؤثر على افراد وجماعات الكائنات الحية, وتحدد شكلها وعلاقاتها وبقائها) ([17]). ومما جاء في تعريف البيئة وهو اقل التعريفات عبارة واكثر شمولاً هي (كل شيء يحيط بالإنسان) ([18]).

فالبيئة بالمعنى العام عبارة عن مجموعة الظروف والمؤثرات الخارجية والداخلية,فالبيئة المحيطة بأي كائن من انسان أو حيوان أو نبات تشمل الظروف السلبية وتشمل الأثار الطبيعية والكيمياوية والصحراوية والبحرية والجوية والنباتية والاجتماعية([19]).

فالبيئة كمفهوم عام هي الاطار او الظروف المحيطة التي تؤثر في حياة الكائنات الحية ونموّها وتحصل منها على المقومات الاساسية لحياتها. ويأتي الانسان على رأس هذه الكائنات الحية, كما تشمل ايضا علاقة الانسان بالإنسان التي تنظمها المؤسسات الاجتماعية والعادات والاخلاق والقيم والأديان([20]).

وعلى ضوء التعريفات المتقدمة للبيئة وتحديد المعنى المراد منها يمكن القول بانه اذا كان الغرض من دراسة البيئة تسخير امكانات الطبيعة ومقدراتها لبني البشر, وكل المقدرات الموجودة فيها لأجل حماية الانسان وحفظه من العوامل والمؤثرات الضارة بحياته فان مفهوم البيئة يحدد بناءً على ذلك في كونها الوسط الذي يعيش فيه الانسان يتأثر ويؤثر فيه من خلال التفاعل بينهما, فما يحيط بالإنسان من ظاهرات حية وغير حية يتأثر بها الانسان, وفي نفس الوقت يمكن للإنسان ان يؤثر في مكونات البيئة فيطوعها ويشغلها كيفما يشاء([21]).

فالبيئة اذن هي وحدة متكاملة تتجمع فيها كثير من العلوم التي اكتشفها الانسان من سياسة واجتماع واقتصاد وغير ذلك([22]).

ولما كانت البيئة تدل على جميع الاشياء التي تحيط بالكائنات الحية في هذا العالم, فلا تحصر بشكل كامل ودقيق, ونظرا لأهمية هذه العوامل وتأثيراتها المختلفة على الاحياء جميعا  وفي مقدمتها الانسان, فقد اصبحت الحاجة ماسة الى دراستها ومن هنا نشأ لذلك ما يعرف بعلم البيئة (Ecology), ويُعد هذا العلم أحد أقسام العلوم الاحيائية الرئيسة, حيث يختص بدراسة العلاقات والتفاعلات المشتركة التي تحدث بين الكائنات الحية بعضها ببعض, وبينها وبين مختلف ظروف البيئة المحيطة بها([23]).

وقد نشأ هذا العلم نشأة متواضعة تمثلتثيراتها

 في تلك الملاحظات الدقيقة التي تمكّن رواد التاريخ الطبيعي من التوصل اليها بالنسبة لسلوك الحيوان وتصرفاته تجاه عوامل البيئة التي يقطنها, وقد مرّ هذا العلم بسلسلة من التغيرات والتطورات, لم تقتصر فقط على اسسه ومبادئه  بل تعدت ذلك الى اسمه الاصطلاحي([24]).

ولاشك ان علم البيئة وان لم يكن له هذه البحوث والتعريفات في القرون الماضية لكن لابد من القول بأن الاهتمام بالبيئة المحيطة بالبشر قديم قدم الانسان نفسه, فالإنسان لاينفك عن الاحتياج الى بيئته والتفاعل معها.

والحفاظ على البيئة وتوازنها بالاستخلاف والعمارة وميزان مقاصد الشريعة من الشواغل المهمة في الفقه الاسلامي, ولهذا فصّلت الأحكام الشرعية تقييدا لسلطة الانسان وحركته باطار الخلافة لله وأمانه الإصلاح في الأرض وعمارتها, وهكذا دخلت علاقة الانسان بالبيئة في مراتب الضروريات والحاجيات والتحسينات في مقاصد الشرع من حفظ للدين والنفس والعقل والمال والعرض([25]).

المبحث الثالث : البيئة والاسلام :

لاشك ان الاسلام ينظم علاقة الانسان بخالقه وينظم علاقته بالمجتمع والطبيعة من حوله, والقرآن الكريم والسنة الشريفة وضعتا الاسس والقواعد وارسيا ركائزها, فانهما وضعا قواعد التشريع وتفاصيله, بحيث لا يبقى مجال لأي فراغ تشريعي, فكل واقعة الا ولله فيها حكم، حتى يرث الله الأرض ومن عليها, فلابد ان يستجيب لكل القضايا المستحدثة ويضع لها الحلول بما يمتلكه من قواعد مرنة, ومبادئ يمكنه التكيف مع تطور الزمن, وتقدم الحياة, ولكن ذلك رهن بقدرة الفقيه على استنطاق النصوص, ومدى فهمه لدور الدين في الحياة وإمساكه بآليات الاجتهاد كقوة محركة للإسلام تجعله دائما مواكبا للأحداث والتطورات.

وعندما برز الاسلام في الجزيرة العربية لم يكن بمنأى عن هذا الواقع اذ ان الثقافة والحضارة التي انتجها الدين الاسلامي ابرزت مجموعة من العلماء والباحثين الذين استقوا معارفهم وعلومهم من الاسلام وساهموا في علم البيئة من خلال استفادتهم من ترجمة علوم اليونان والهند والفرس وغيرهم في ميدان علم النبات والحيوان وطوّروا كثيراً من النظريات والآراء العلمية, وكان عصر الحضارة الاسلامية مشرقا في علم الحيوان والنبات والبيئة وسائر العلوم الاخرى([26]).

ومن العلماء الذين تناولوا المعنى الاصطلاحي لهذه الكلمة هو ابن عبد ربه الاندلسي (ت328هـ) في كتابه (العقد الفريد) في القرن الثالث الهجري, الذي يعد اقدم من تناول هذه الكلمة اي الاشارة الى الوسط الطبيعي الجغرافي, المكاني والاحيائي في كتابه (الحكمة) وكذلك الاصمعي (740هـ) الذي درس بعض اصناف الحيوانات البرية والبحرية والمتوحشة. أما الجاحظ فهو اول من تحدث عن اسس المكافحة الحيوية في كتابه (الحيوان). أما ابو حنيفة الدينوري (ت894م) فقد صنف النباتات وشرح بيئتها وأماكن وجودها وقدر قيمتها الاقتصادية في كتابه (النبات), وصولا الى ابن سينا (1149م) في كتابه (الشفاء) الحيوانات المائية والبرمائية([27]).

لم ترد كلمة (بيئة) في القرآن الكريم او السنة المطهرة, وانما أخذ مفهومها من خلال الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لما لها علاقة بالبيئة, فالأرض وما تضمنته من مظاهر على سطحها من جبال وسهول ووديان وباطنها من صخور ومعادن وتربة وموارد مياه, ومكونات حية ممثلة في النباتات والحيوانات برية النشأة سواء كانت على اليابسة او في الماء وما يحيط بالأرض من عناصر اساسية لوجود الحياة على سطح الارض([28]), وقد وردت في هذا المفهوم (الأرض ومن عليها وما حولها) في آيات من القرآن الكريم بما يقارب (199) اية في سور مختلفة.

والعقيدة الإسلامية تحدد بدقة علاقة الإنسان بالكون, فالإنسان خليفة الله في ‏الأرض: )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ( (البقرة: من الآية 30.‏ ). وهذه الخلافة ‏تقتضي إقامة الحق والعدل وعدم اتباع الهوى: )يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ( (ص/ 26.‏)،وهذه الخلافة ‏تستلزم التعامل مع البيئة باعتبارها نعمة من الله تعالى، سخرها للإنسان ليستخدمها ‏فيما خلقت له, ويستمتع بهافي حدود حاجته من غير إسراف ولا تقتير: )أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً( ‏‏(لقمان: من الآية20‏).‏

فالإيمان بهذه العقيدة تحرر الإنسان من الخوف من الظواهر الطبيعية، وقد ضل قوم ‏حين عبدوا الشمس أو القمر أو الكواكب، وعندما قربوا القرابين للأنهار أو الرياح أو ‏البرق والرعد، كما ضل قوم ظنوا أنهم سادوا الكون وقهروا الطبيعة، فجاء الإسلام ‏يكشف للناس أن عناصر الكون وظواهر الطبيعة من آيات الله سخرها لنفع البشر، ‏وجعلها دليلاً على قدرته ومادة للتذكر والتدبر والتفكير: )وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ( (النحل: 12-13‏).‏

‏العقيدة الإسلامية -إذن- تفرض على المسلم أن يتعامل مع عناصر البيئة ومكوناتها ‏بحب وتعاون وتمازج، فيحافظ عليها وينميها ويحذر من إفسادها حتى لا يتعرض ‏لسخط الله وغضبه: )وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ( (الأعراف: 56.‏).‏

‏‏ان مفهوم البيئة في التصور الاسلامي يعني جملة الاشياء التي تحيط بالإنسان, بدءا من الارض التي تقله, وصعودا الى السماء التي تظله, وما بينهما من العوامل والمؤثرات المختلفة, كما انها تتعمق داخل النفس البشرية تضبط مافيها, مستعلية على غرائز الشر, وساعية الى تهذيبها, وذلك لأن شريعة التوحيد لاتقف بالإنسان عند حدود الماديات وشكلها, وانما تجعلها وسيلة لبلوغ الهدف الأسمى, والمقصد الأسنى, ألا وهو تزكية النفس وتطهيرها, واعادة صياغتها على نحو خال من العقد والانفصامات, وهو ما تنفرد به الحنيفية السمحة عما سواها من شرائع البشر وقوانينهم الوضعية([29]).

ولأن الرسالة الاسلامية كونها خاتمة الرسالات السماوية الى البشرية كافة اهتمت بالبيئة اهتماما كبيرا من منطلق انها ميراث الاجيال المتلاحقة حيث اودع الله فيها كل مقومات الحياة للإنسان المستخلف فيها كما ارسى الاسلام الاسس والقواعد والمبادئ التي تضبط وتقنن الانسان ببيئته لتحقق من خلالها العلاقة السوية والمتوازنة التي تصون البيئة من ناحية, وتساعدها على اداء دورها المحدد من قبل الخالق العليم في اعالة الحياة من ناحية اخرى([30]).

ولعل نقطة الانطلاق نحو فهم طبيعة الدين الاسلامي في تعامله مع الانظمة البيئية تتمثل في النظرة القرآنية لهذه الانظمة التي يعتبرها القرآن الكريم والروايات الشريفة انها مسخرة للإنسان من جهود, وانها من صنع الله له وتدبيره من جهة اخرى.

فالشريعة الاسلامية هي حاكمة على جميع افعال العباد, بحيث لا يخلو فعل من الافعال عن حكم من هذه الاحكام الشرعية, سواء على مستوى تنظيم العلاقة بين الخالق والمخلوقين, او تنظيم علاقة الانسان بنفسه, وعلاقة الانسان بأسرته ومجتمعه التكليفية الخمسة وهي : الوجوب, والاستحباب, والحرمة, والكراهة, والاباحة.

وان القوانين الاسلامية كفيلة بحماية البيئة من التلوث وحفظ التوازن البيئي اكثر مما تساهم القوانين الوضعية, لا لأن القانون الشرعي, ينتهي في نهاية المطاف الى الله سبحانه  وهو المشرع الأعلم بما يصلح عباده, لا لذلك فحسب, بل لأن الدين ايضا يزوّد ويشفع قوانينه بعدة حوافز تساهم في عملية تطبيقها وتنفيذها الى حد كبير, وهو ما يفتقده القانون الوضعي, ومن اهم هذه الحوافز احساس المتدين برقابة الله سبحانه وشعوره بانه عندما يراعي القوانين البيئية لا ينطلق في ذلك من مجرد الخوف من العقوبة الجزائية الدنيوية التي يجعلها ويقدرها المقنن لمن يخالف قوانينه, بل انه قبل ذلك يستشعر الرقابة الالهية التي تمنعه من مخالفة القوانين البيئية, خوفا من الله تعالى ولهذا لا يجرأ على هذه المخالفة([31]).

لذا عالج القرآن الكريم بناء الانسان بما يتفق مع طبيعة هذا الكون ونواميسه الالهية حتى لا يعدم الانسان بطبيعة هذا الكون من حوله بل يتعرف عليه ويكتشف اسراره ويستخدم نواميسه لخدمته.

 

المبحث الرابع : اسباب التلوث البيئي

تتعرض البيئة التي يعيش فيها الانسان الى مخاطر جمة لا تخفى على أحد ولا نحتاج الى تخصص مختبرات لاكتشافها, بل تراها العين المجردة ونعيشها لأنها كثيرة وواضحة وقد ملئت اصقاع الارض. مما دفع عشرات المؤسسات العلمية والبحثية والجمعيات الكثيرة ومؤسسات المجتمع المدني الى التحذير من هذه الكوارث وايجاد العلاج لها منها بغير الانسان والحيوان والنبات والمياه وغيرها.

ومن أهم هذه المخاطر ([32])-

  1. خطر التلوث البيئي وما يتركه من اضرار تظهر بصماتها على كل الكائنات والمخلوقات, وفي شتى انحاء العالم ولو بنسب متفاوتة.
  2. خطر استنزاف موارد الطبيعة وكنوزها وطاقاتها, بحيث اصبح الخبراء يخافون من يوم لا تعود فيه هذه الموارد كافية لبني البشر, نتيجة لسوء تصرف الانسان واسرافه الزائد لها هذا من جهة, ومن جهة اخرى نتيجة افساده واعتدائه المستمر على الطبيعة من خلال الحرائق المتعمدة أو الاسلحة الفتاكة التي تحرق الأخضر واليابس ولا تبقى للحياة عينا ولا اثراً.

ويرجح بعض الباحثين الى ان اسباب التلوث الى عاملين رئيسيين أحدهما : عامل التقدم والتطور الصناعي, فان الحياة المعاصرة وما افرزته وسائلها الصناعية والتقنية من آثار سلبية ضارة, كالإشعاعات الذرية والمؤثرات الكيمياوية ونفايات المصانع وابخرة السيارات والآلات الاخرى مما لها الأثر البالغ في التلوث البيئي. وثانيهما العامل الاجتماعي, وهو ما تعانيه كثير من المجتمعات من الفقر والمرض والجهل, مما يعد أهم المعوقات التي تعترض حماية البيئة وحفظها من التلوث([33]).

ويقسم الخبراء اسباب التلوث البيئي الى قسمين([34]):-

  1. الاسباب البيئية التقليدية.
  2. السباب البيئية الحديثة.

وما تضمنته الأسباب التقليدية عدم وجود المياه الصالحة للشرب والأواني وكذلك انعدام الصرف الصحي في المساكن والمجتمعات, وتلوث الهواء داخل البيوت, واستعمال المخصبات ومبيدات الحشرات, والكوارث الطبيعية من فيضانات وجفاف واعاصير وانتشار الجراد والتصحر ونواقل الجراثيم والطفيليات والفيروسات, المسببة للأمراض السارية, والاطعمة الملوثة.    

وهذه كلها مخاطر ما عدا الكوارث الطبيعية, فالفقر والتخلف هما اساسا قيام هذه المخاطر البيئية وفي اساس مكافحتها والحد من آثارها الضارة.

أما الأسباب الحديثة : تتعلق بالتنمية السريعة وفقدان الضوابط الحافظة لصحة البيئة والمحافظة على سلامتها ومنها تلوث المياه من الازدحام السكاني والصناعة والزراعة, تلوث الهواء من محطات الطاقة والمصانع والآلات, النفايات الصلبة المتجمعة, المخاطر الكيمياوية, والامراض السارية القديمة والحديثة, تدهور التربة وتغير المناخ والطقس ونقص الاوزون حول الارض وغيرها([35]).

وبملاحظة اسباب التلوث البيئي ندرك ان أخطرها واشدها فتكا بالبيئة والانسان ولا علاقة لها بالتطور والتقدم, فان تطور الحياة لا يتوقف على صنع اسلحة الدمار الشامل التي تهلك الحرث والنسل, وتذر الرياح بلاقع, كما ان بعض الاسباب ناشئة عن سوء التنظيم وسوء الاستفادة والاستعمال,فتقدم الحياة لا يفرض على اصحاب السيارات استعمال المحروقات الرديئة التي تبعث على التلوث الخطير, لان هناك بدائل اقل ضررا وخطرا وان كان تطور الحياة يفرض وجود المصانع لكنه لا يحتم انشاء هذه المصانع في المناطق السكنية وغيرها التي بالإمكان وضع البدائل التي ترفع من خطر التلوث البيئي([36]).

الفصل الثاني : التلوث بالمواد الكيمياوية

رغم ما تقدمه الصناعات الكيمياوية من خدمات جليلة للبشرية تتمثل في انتاج العديد من المواد المختلفة كيمياويا, والضرورية لحياة الانسان, وانتاج بعض الكيمياويات التي تستخدم في المعالجة, الا ان التأثيرات السلبية التي بدأت تظهر نتيجة لاستخدام المواد الكيمياوية, جعلت الباحثين يحذرون من الأضرار الواقعة والمتوقعة للمواد الكيمياوية. وسوف نتناول ثلاثة انواع من الملوثات الكيمياوية لدراستها لما لها تأثير على حياة الانسان والبيئة.

 

المبحث الاول :- التلوث الكيمياوي في الغذاء.

منذ ان اكتشف الانسان التفاعل الكيميائي, وعرف كيفية حدوثه وتكوين الروابط بين العناصر الكيميائية المختلفة, وهو يحاول ان يستفيد من تلك التفاعلات ويستخدمها في حياته في نواح مختلفة.

ولما كان الانسان في بداية تعامله مع المواد الكيمياوية لا يدرك السلبيات المحتواة في تلك المواد, لكنه عندما استمر في استخدام هذه المواد لفترة زمنية طويلة لاحظ ظهور بعض الجوانب السيئة الناتجة عن استخدامها, ومع التقدم العلمي في علوم الكيمياء, بدأ الانسان يعد تفسيرات عديدة لحدوث الآثار السيئة لاستخدام المواد الكيمياوية, وقد قادته تلك التفسيرات الى الحقيقة العلمية التي لا جدال فيها([37]). وان هناك عددا كبيرا من الاسباب التي تسهم في تفاقم مشكلة التلوث الكيمياوي للغذاء مثل استخدام المبيدات الحشرية على نطاق واسع لقتل الحشرات او التي تستخدم في الزراعة وكذلك الخضروات, وقد تظل هذه المبيدات عالقة بالتربة الزراعية فترة من الزمن قد تصل الى (15)سنة ([38]).

والتلوث الغذائي عبارة عن احتواء المواد الغذائية على جراثيم مسببة للأمراض او مواد كيمياوية او طبيعية او مشعة, تؤدي الى حالات تسمم غذائي بسبب الامراض الحادة الخاصة بالمعدة والامعاء. وان التلوث الكيمياوي للغذاء يكون بالتراكم والتكاثر في الخلايا الحية حيث يزداد تركيز الملوثات الكيمياوية خلال مرورها عبر السلاسل الغذائية وذلك يسبب حدوث اصابات بأنواع شتى من مرض السرطان نتيجة تناول الانسان مواد غذائية ملوثة بالكيمياويات وغيرها([39]).

وفي كثير من المواد تضيف الشركات مواد كيمياوية للطعام والشراب من اجل اعطائه نكهة جيدة او لونا جيدا او رائحة طيبة, بينما ضرر هذه المواد الغذائية اكثر من نفعها.

فمثلا مادة (السايكلاميت) التي تستعمل لتحلية المواد الغذائية والخمائر منعت نتيجة لاحتوائها على السموم. ومادة (السكارين) التي تستعمل للتحلية منعت ايضا لاحتوائها على سموم سرطانية, ومادة (الاستروجين) التركيبي الذي استعمل كمشجع للنمو في الاغنام والماشية ثبت انه أحد المسرطنات البشرية. وكذا مادة (الاسبس) التي تستعمل في مجففات الشعر, وكذا مادة (الفورمالديهايد) التي تستعمل في بعض المواد المنزلية العازلة ثبت انها مواد مسرطنة ايضا([40]).

أما المواد الكيمياوية الحافظة, وهي المواد المستعملة في صناعة التعليب تكاد تكون اشد خطرا على الغذاء عندما تتجاوز الحد المطلوب.

فعلى سبيل المثال, صبغة النعناع الاخضر الصناعية شديدة الخطورة وكذلك بالنسبة لأصباغ الرمان والفواكه الاخرى الصناعية والصبغات المستعملة في صبغ بعض انواع الحلوى السكرية, وصبغات رقائق البطاطس, والحساء المحتوي على عصير الطماطم الذي اضيف اليه لون صناعي([41]).

 

المبحث الثاني: التلوث بالأدوية:

من المشاكل التي يواجهها الانسان في هذا العصر هي مشكلة التلوث بالأدوية الكيمياوية التي لها مضاعفات وآثار جانبية خطيرة. ويؤدي الاسراف في تناول المواد الكيمياوية الدوائية بإجهاد الكبد والكلية على سبيل المثال, مما يؤثر على العمليات الحيوية التي تتدخل الجسم بعد ذلك. قال الطبيب العربي ابو بكر الرازي : (اذا قدرت ان تعالج بالأغذية فلا تعالج بالأدوية, واذا قدرت ان تعالج بدواء مفرد قلا تعالج بدواء مركب) ([42]).

وقد كثرت اسباب التلوث التي تصيب الانسان بالأذى فلم تعج تقتصر على ما يستنشق من هواء, أو ما يشرب من ماء, وما يتناول من غذاء وانما امتدت لتشمل حتى ما يتعاطى من دواء.

والتلوث هو دخول شيء في غيره بما من شأنه الاضرار به, وذلك كدخول المخدرات الى جسم الانسان بسبب الادمان على تعاطيها, مما يترتب عليه اتلاف الجهاز العصبي أو الكبد او غيرهما من اجهزة الجسم([43]).

أما الدواء أو العقار فهو مادة مؤثرة في الخلايا الحية, تستخدم في تشخيص الامراض او علاجها او الوقاية منها, وذلك سواء تمثلت هذه المادة في مركب كيمياوي كالسلفا, ام في هرمون حيوي كالأنسولين, أن في كائنات دقيقة كاللقاحات, أم في مواد مخدرة كالأفيون – الى غير ذلك من صنوف الدواء([44]).

وهناك ثلاثة انواع من الطب العلاجي وهي :-

  1. طب العقاقير: فيقوم اساساً على استخدام الكيمياويات والمواد المصنعة في علاج الأمراض وهو الطب السائد الان رغم مآخذه.
  2. طب الأعشاب : ويعتمد على التداوي على الاعشاب والنباتات الطبية وهو أقل ضرراً من المواد الكيمياوية, وهو اليوم له رواجاً واسعا في كثير من الدول.
  3. الطب الطبيعي أو البديل ويقوم على استعمال الغذاء والرياضة.

وقد تؤدي الزيادة المفرطة في تناول المواد الكيمياوية الدوائية الى سرطنة بعض الخلايا, فالأفراط في تناول الأدوية المعالجة لمرض (هودجكين) يؤدي الى الاصابة بسرطان (ابيضاض الدم), وتناول ادوية المناعة لفترات طويلة, دون الرجوع الى الطبيب يؤدي للإصابة بسرطان الخلايا اللمفية, مما يدمر الجهاز المناعي, ويترك الجسم فريسة للغزو الميكروبي([45]). والأمثلة كثيرة على ذلك في المجال الدوائي, فاستخدام بعض المسكنات يقلل من عدد كريات الدم البيضاء, ويضعف من مقاومة الجسم للكائنات الدقيقة المسببة للأمراض, فيسهل تمكنها منه, وايضا تعاطي بعض المهدئات كالفاليوم يتبع الاصابة بالاكتئاب والرغبة في الانتحار, فضلا عن زيادة احتمال الاصابة بالسرطان, وخلق نوع من الإدمان يشبه ادمان المخدرات او يزيد سوءاً([46]). وان المصابين بإدمان العقاقير المهدئة تكون حالاتهم اصعب في علاجها من مدمني المخدرات.

وأصبح سوء استخدام العقاقير الطبية في العصر الحديث خطرا يهدد صحة الانسان بل وحياته بدلا من الحفاظ عليهما, وذلك سواء تمثل سوء الاستخدام في الاسراف في الكم أم في التهاون في الكيف. فالإسراف في كمية الدواء التي يتعاطاها المريض حالة خطيرة قد تفتك به او يكون ضررها اكبر كثيرا من نفعها. وقد يترتب على هذا الاستخدام من حيث المقدار او النوع وفاة المريض او اصابته بمر... اشد خطورة من ذلك الذي اراد التخلص منه, كحالة الاصابة بقرحة المعدة نتيجة لتعاطي عقار (الفولتارين) كمسكن لبعض الآلام([47]).

ويرجع هذا الاسراف في استخدام الدواء أو العقاقير الى القصور التعليمي وقلة التقوى لدى كثير من الأطباء, والدعاية المضللة وغير النزيهة التي يمارسها منتجو الأدوية وتجارها لتحقق مزيد من الربح, وكذلك انخفاض وعي مستهلكي الأدوية لمجرد شعورهم بألم خفيف يتناول الدواء الخطير للتخلص منه وهو استخدام عشوائي دون استشارة اصحاب الاختصاص, واستخدام بعض العقاقير بدلاً من المخدرات لرخص اسعارها نسبياً, كبعض ادوية السعال أو الصداع وقد تؤخذ هذه الأدوية عن طريق الحقن واستخدام الإبر الملوثة, وأخيرا قصور القوانين الطبية نصاً وتطبيقاً, والنص هو السماح بشراء اغلب الأدوية من الصيدليات بغير اذن طبي, أما التطبيق فهي تمكن عصابات العقاقير من تهريب الكثير من الأدوية المحظورة وبيعها بأغلى الأسعار([48]).

وينبغي ان يكون واضحا الأن ان مقيّمي الأخطار لا يعلمون كيف يرسمون خطاً فاصلاً ما بين التعرضات مأمونة العاقبة وغير المأمونة بالنسبة لأية مادة كيمياوية([49]). وقد حث الإسلام الناس على الاعتدال في تناول الطعام والشراب, لقوله تعالى )وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ( ([50]) وللحديث النبوي الشريف (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه, يحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه, فان كان لا محالة فثلث لطعامه  وثلث لشرابه وثلث لنفسه) ([51]). وحث ايضاً على مزاولة انواع الرياضة وترك الكسل لقوله (ع) (علموا اولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل) ([52]).

ومن أمثلة الأغذية التي استخدمها الأطباء العرب كعلاج عسل النحل الذي قال تعالى بشأنه )يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( ([53]), وقد ثبت أخيرا أنه مفيد حتى في علاج الحروق والجروح المستعصية. كما استخدموا زيت الخروع والتين كملينات طبيعية للأمعاء, وايضا من الأدوية العشبية التي استخدمها وتأكدت فعاليتها حبة البركة التي قال فيها الرسول  صلى الله عليه وآله  (الحبة السوداء علاج لكل داء) وقيل انها تتعامل مع جهاز المناعة في الجسم فتقويه وتزيد من مقاومته لمختلف الأمراض. كما استخدموا نبات البقدونس في علاج الكلى والزعتر في علاج الجهاز الهضمي, وغيرها. ([54])

 

المبحث الثالث: التلوث بالمبيدات الحشرية

المبيدات الحشرية هي عبارة عن مواد كيميائية مخلّقة لقتل الآفات التي تصيب النباتات كمركب (D.D.T) والذي ثبت تماما انه من المسببات السرطانية الخطيرة.

تؤثر المبيدات الحشرية على النباتات كما تؤثر على الحشرات, ويمثل ذلك مشكلة كبيرة للنظام البيئي, وبخاصة في المنظومة الحيوية (الكائنات الحية) التي تعيش في البيئة.

وتستخدم هذه المبيدات الكيمياوية لمقاومة الآفات والحشرات التي تصيب النباتات, وتسبب خسارة كبيرة للمحاصيل, كما تستخدم بعضها في مقاومة الحشرات المنزلية. ([55])

ورغم ان استخدام المبيدات الحشرية يخلصنا من العديد من الحشرات الضارة, الا انه يسبب اضراراً للمنظومة الحياتية لا تقل خطورة عن الاضرار التي تسببها المبيدات الحشرية واكثر هذه المبيدات تؤثر على معدل النمو الخلوي, وعلى كفاءة سير العمليات الحيوية داخل الجسم, مما قد يؤدي في النهاية الى تدمير البنية الحيوية للعديد من الكائنات الحية. ([56])

وتختلف المبيدات الحشرية في تركيبها الكيمياوي وفي تأثيراتها السامة, كما تختلف في شدة تلويثها للبيئة, بالإضافة الى تباينها في الخصائص المميزة لها مثل ميلها للذوبان في الماء او قابليتها للتبخر او التطاير او مقاومتها لعمليات التحلل الكيمياوي المختلفة أو الصورة العامة التي تكون عليها اذ يمكن ان تكون بصورة مسحوق او بصورة حبيبات او بصورة محلول او بصورة ابخرة او بسائر الصور الاخرى. وهناك عدة مشتقات لـ (D.D.T) تؤدي نفس المفعول وهي تتصف بثباتها الشديد وبطأ تحللها في التربة, الى غير ذلك من المبيدات المختلفة, والتي لها اثار جانبية بالنسبة الى الانسان والحيوان والنبات بل والتربة ايضاً. ([57])

والمبيدات لها أقسام منها : المبيدات العشبية والمبيدات الحشرية والمبيدات الكيمياوية. فالعشبية منها تستعمل لإزالة الاعشاب الضارة التي تنمو في المزروعات المختلفة, أما المبيدات الحشرية فتعد المنفذ الفعال في الآفات الحشرية ولها نتائج خطيرة خاصة وان تحللها يتم بشكل بطيء. أما المبيدات الكيمياوية تسبب في قتل كثير من الاحياء الدقيقة التي تستوطن التربة, والتي تسهم في تحلل المواد العضوية والمخلفات النباتية التي ينتج عنها العناصر الحية المكونة للتربة الزراعية. ([58])

ومن الواضح ان استعمال بعض المبيدات يؤدي الى حدوث اضرار في النباتات الخضراء وبخاصة للمحاصيل الحساسة والضعيفة النمو. واذا ما استخدمت المبيدات بتركيز عال من العناصر المشابهة لها او بتوقيت غير مناسب ادى ذلك الى حدوث اضرار كبيرة جدا, والتي منها حروق للأوراق او حدوث تحوّر في اشكالها مما يؤدي الى جفافها ثم سقوطها ثم موت النبات في نهاية الأمر. ([59])

وتتجه الدول المتقدمة اليوم الى تقليل استخدام المبيدات الكيمياوية, منعا لحدوث الاثار الخطيرة التي تقع على النباتات. فمن البدائل الجيدة والمقترحة للاستخدام على نطاق واسع استخدام الاعداء الحيوية للآفات والحشرات, والتي تتمثل في استخدام ميكروبات مدمرة للآفات والحشرات الضارة, أو من الممكن استخدام كائنات حية غير الميكروبات (الفيروسات, البكتيريا, الاوليات الحيوانية) ومن امثلة ذلك : الحشرات, القواقع, الطيور, والنيماتودا (لمهاجمة بعض افراد النيماتودا).

تمثل الميكروبات احد أهم الاسلحة التقنية لاستخدام الاعداء الحيوية لمكافحة انتشار الآفات الضارة, ومن احدث الوسائل للاستعاضة عن استخدام المبيدات الكيمياوية استخدام وسائل التحوير الجيني للأطقم الوراثية, حيث تكمن قدرة الخلايا الحية على مقاومة الآفات التي تغزوها – بهدف تدمير الانسجة والخلايا –اي وجود جينات معينة في جينوم الخلايا يؤدي تعبيرها الوراثي لتكوين مواد معينة تدمر خلايا وانسجة الآفات. ([60])

 

علاج التلوث البيئي في الاسلام

لقد اهتم الاسلام بالمحافظة على مكونات البيئة, لان الله خلق الكون وسخر للإنسان كل ما في الكون من ارض وسماء وماء وحيوان ونبات وانهار وثروات وغيرها من النعم, وهذا التسخير يشمل مكونات البيئة التي امرنا بالإفادة منها بما يتفق ومنهج الله سبحانه وتعالى ونهى عن افساد البيئة حتى تتحقق رسالة الاستخلاف على هذه الارض.

وقد حث الاسلام على النظافة (الجسم والثياب) وتطهيرها ليكون الانسان في اجمل وانقى صورة, واهتم بالمكان, فأمر النبي  صلى الله عليه وآله  بتنظيف البيوت والساحات, ونهى عن القاء النفايات والقاذورات في الطرقات, ودعا الى ازالة الاذى عنها فقال : (الايمان بضع وسبعون او بضع وستون شعبة افضلها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الايمان).

وقد حذر النبي  صلى الله عليه وآله  من مسببات انتقال الامراض, ونهى عن تلويث المياه وارشدنا النبي  صلى الله عليه وآله  الى قواعد صحية في الشرب حيث قال : (اذا شرب احدكم فلا يتنفس في الاناء), ودعا ايضا الى تغطية انية الطعام والشراب وحفظهما وأمر بتطهير الانية من الملوثات حتى لا تكون سبب للعدوى فقال  صلى الله عليه وآله  (طهروا اناء احدكم اذا ولغ به كلب, ان يغسله سبع مرات اولهن بالتراب) ([61]).

وقد عد الاسلام اي اخلال بمكونات البيئة ضرر ينبغي ازالته واتخاذ الوسائل الوقائية التي تمنع وقوعه, او تخفيف آثاره كمخلفات المصانع والآلات والسيارات او الغازات التي تنبعث منها.

وان اهتمام الاسلام بالبيئة ينطلق من اهتمامه بصحة الانسان وراحته وسعيه الى اسعاده وابعاده عن كل ما يؤثر على استقراره الجسدي والروحي, وذلك انسجاما مع المبدأ القرآني الذي يجعل الانسان محور الخلق وخليفة الله على الارض وحامل الأمانة الذي سخرت له السماوات والارض.

والاحكام التي وردت بهذا الموضوع كثيرة جدا واستقصائها يحتاج الى كتاب موسع, وانما نؤكد على الاهمية البالغة التي يوليها الاسلام لصحة الانسان, ويمكن اعتبار كل تصرف سلبي في البيئة يؤثر سلبا على صحة الانسان.

 

الفصل الثالث: القواعد الفقهية المستفادة في حماية البيئة

يتحرك الفقه الإسلامي في دائرة فعل المكلف لتحديده واجبه تجاه الله تعالى والإنسان والابتعاد عن نواهيه, فهو يستوعب جميع القضايا والمسائل الطارئة على الإنسان في كل زمان ومكان فقد وردت في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وأحاديث اهل البيت : من قواعد كلية واحكام تفصيلية في كل المسائل للمجتمع ومن ضمنها مشاكل البيئة التي يواجهها المكلف اليوم وان لم تكن...موردت لأبحاث الفقهاء المتقدمين باعتبار عدم وجودها امامهم كوقائع تحتاج الة فتاوى وتشريعات.([62]) اضف الى ذلك تولية الاسلام لجميع الاحكام ومنها احكام البيئة  ومجالات الرعاية والحماية.

 

أولا :قاعدة ﻻ ضرر وﻻ ضرار في الإسلام

هذه القاعدة من القواعد المهمة التي يمكن من خلالها الاستدلال على أهمية حماية البيئة و المحافظة عليها في النظام الفقهي و التشريعي  للإسلام .هذه القاعدة اخذت الحديث الشريف (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) ([63]) وهي من الأحاديث التي يدور عليها الإسلام و اشاعة استدلال الفقهاء بها في كل المذاهب الإسلامية ومضمون القاعدة يدل على حرمة الأضرار بالنفس او الغير وتوضيح دائرة البحث الفقهي و شموليته لحرمة الضرر البيئي.

وعلى وفق هذه القاعدة حرمت كثير من التشريعات التي ترتب عليها ضرر للإنسان وان كانت في ذاتها واجبة.فاذا كان التشريع الإسلامي قد الغى بعض الواجبات الدينية في حال ترتب الضرر عليها. الا يمكن ان نستدل ونستكشف من ذلك ان الاسلام يحرم كثيراً من القضايا التي يترتب على فعلها ضرر كبير بالمجتمع وبالعالم العام للامة. ([64]) والمراد من هذه القاعدة امرين هما : ان كل حكم شرعي في الاسلام ثابت ما دام لا يلزم من ثبوته ضرر على المكلف او ان المقصود هو النهي عن الاضرار بالأخرين وتحريم ذلك. ([65])

وقاعدة عدم الضرر هي وضع الشيء في غير محله, والضرر ان يدخل شخص او اشخاص ضررا على غيره, وهذه القاعدة تسهم في ارساء مفاهيم بيئية سليمة من خلال مدى معالجتها للقضايا والمشاكل في الحياة, سواء بتصرف الانسان مع نفسه او مع غيره, ويلحق بذلك ما ذكره العلماء في الوقت الحاضر مثل غبار الكسارات والمناشير والادخنة المتولدة عن الافران والمصانع بأنواعها المختلفة, والديدان  المتولدة في الازبال المتراكمة مع الروائح الكريهة المنبثقة من مزارع الاغنام والابقار والدواجن ومكبات النفايات السائلة والصلبة ومصبات مياه المجاري في البحار او التكرير وغيرها. ([66])

ومن الفقهاء من استعمل هذه القاعدة وطبقها على موارد في البيئة هو الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, حيث قال (كل أحد له حق التعّلي على حائط ملكه وبناء ما يريد, وليس لجاره منعه) والضابطة العامة في تصرف الانسان بملكه ان كل واحد له ان يتصرف كيف ما شاء بملكه بشرطين : ان لا يكون ملكه متعلق حق الغير, وان لا يكون موجبا لضرر الغير وماعدا ذلك فجميع تصرفاته مباحة له, ويذكر ايضا في موضع آخر فيقول : ولهذا لا يجوز رفع صوت الراديو او التلفاز في منزله بما يزعج الاخرين ويقلق راحتهم ويسلبهم نعمة الراحة والنوم وان لم يكن قاصدا لذلك, ولا ان يلقي النفايات السامة في الانهار او الينابيع, وان لم يكن قاصدا للإيذاء احد ولا ان يترك كنيفه بدون اصلاح رغم انبعاث الروائح الكريهة منه التي تضر جيرانه, وربما نشرت الامراض بينهم, ولو كان غير قاصد للإضرار بهم, ولا يتردد اهل العرف في القول لمثل هذا الانسان انك رجل مضر. ([67])

وهذه القاعدة تفرض على الدولة او الجهة صاحبة الاختصاص منع التدخين في الاماكن العامة وفي وسائط النقل العام والاسواق ونقلها الى اماكن مخصصة بذلك, حتى لاينتقل الضرر الى الغير قسراً من غير ارادة الطرفين.

ثانيا :- قاعدة النهي عن الفساد

حرصت الشريعة الاسلامية على تحقيق الخير, وذلك لكون المصلحة مأخوذة من الصلاح الذي هو سلوك طريق الاستقامة على ما يدعو اليه العقل والشرع والصالح العام بالمحافظة على حقوق الله تعالى.

وقد اتفق العلماء على ان المصالح ما تؤدي الى اقامة الحياة والى ربح الحياة الاخرى, والمصالح انما تعتبر من حيث تقام الحياة وتبنى لا من حيث الهدم والخراب,وقد خصت الشريعة الاسلامية عقل الانسان وعمله وطلبت صلاح مابين يديه من مقومات الحياة الدنيا ويمكن بعد هذه المقدمة القول ان الاسلام جاء لينظم شؤون الناس جميعهم فاهتم بتنظيم علاقة الانسان بالله سبحانه وتعالى, ونظم علاقة الانسان بالكون من حوله,ودعا الى استغلال الامثل للموارد البيئية والمحافظة عليها والابتعاد عن افسادها. ([68])

ومن الآية الكريمة )أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (([69]) يُلاحظ ان الكون وما فيه بعد هذا التسخير يصبح أمانة في يد الانسان, وهو من النعم الالهية الكبرى التي وضعها الله تعالى في خدمة هذا المخلوق, وهذا ما يفرض عليه واجبا ومسؤولية كبيرة وهي التعمير والصلاح وهو ما عبر عنه الاسلام في الجانب السلبي بالنهي عن الفساد والافساد لان الفساد بمعناه الشامل ضد التعمير والصلاح. ([70])

والفساد هو كل سلوك بشري يفسد نعم الله ويحيلها من مصدر منفعة وحياة الى مصدر ضرر وخطورة على الحياة فالفساد اذن سلوك بشري على غير ما أمر به الله سبحانه وتعالى وعلى مقدار تمرد الانسان على حركة الحياة يحدث الفساد والافساد ومن ثم فقد نهى الاسلام عن الفساد والافساد لما فيهما من ضرر كبير. ([71])

وقوله تعالى )ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏(. ([72]) والفساد المذكور في هذه الآية ليس الفساد المعنوي من المنكرات وعمل السيئات, انما هو النتيجة والثمرة السيئة كما كسبت ايدي الناس من المعاصي والمفاسد الاخلاقية ولهذا فسروا الفساد في (البر والبحر) المذكور في الآية الكريمة هو الجدب وكثرة الحرق والغرق, واخفاق الصيادين ومحق البركات من كل شيء وقلة المنافع في الجملة, وكثرة المضار, والفساد في البر يكون بفقدان منافعه وحدوث مضاره, مثل حبس الأقوات من الزرع والثمار والكلأ, وفساد البحر هو تعطيل منافعه من قلة الحيتان واللؤلؤ والمرجان, وكثرة الزوابع الحائلة عن الأسفار في البحر ونضوب مياه الانهار وانحباس فيضانها الذي يسقي به الناس. ([73])

والفساد هو اي شيء يسيء الى التطبيق السليم للأنظمة (الطبيعية) في الحياة الدنيا بصرف النظر عما اذا كانت الاساءة مبنية او غير مبنية على اساس خيار جماعة من الناس, والفساد يؤدي الى اختلال في حياة البشر الهانئة, وفكرة الفساد لا ترتبط بزمان او لذلك فهي شاملة ودائمة. ([74])

فالنهي من الفساد من القواعد والانظمة التي اتفقت على تحريمها كل الشرائع من اجل توفير الحماية والأمن للبيئة والمحافظة على فطرتها, ونقائها ووجودها, ونموها, وللانتفاع بها دون اضرار او افساد لمظاهرها وخصائها وتنوعها والاسلام جعل الانسان هو المسؤول الاول عن الامن البيئي عند الحديث عن استخلافه في الارض وأمره له بالاهتداء بأوامر الله ونواهيه. ([75])

 

ثالثا :- قاعدة النهي عن الاسراف

وهي من القواعد الكلية التي يمكن تطبيقها في مجالات متعددة وتنطبق على حماية البيئة والمحافظة عليها وتسمى ايضا قاعدة (حرمة الاسراف).

فقد حرم الاسلام في منظومته الفقهية الاسراف بكل انواعه, وهناك كثير من النماذج والمسائل التي نهى القرآن الكريم والسنة الشريفة في احاديث كثيرة ومتواترة حول النهي عن الاسراف.

والسرف مأخوذ من السرفة وهي دويبة تأكل الورق, وسميت بذلك لتصور معنى الاسراف منه, وقد ذكرت موارد كثيرة للإسراف في كتب اهل اللغة ومنهم ابن منظور فيذكر من اسرف في ماله : عَجِل من غير قصد, وأما السّرف الذي نهى الله عنه, فهو ما أنفق في غير طاعة الله, قليلا كان او كثيراً. والاسراف في النفقة : التبذير, وأسرف في الكلام وفي القتل : أفرط, وسرَفُ الماء : ما ذهب منه في لا غير سقي ولا نفع, يقال : اروت البئر النخيل وذهب بقية الماء سرفاً. والسّرف : الخطأ. وسرِف الشيء, بالكسر,سرفا : أغفله وأخطأه وجهله. ([76])

ومن خلال ما تقدم نلاحظ ان الاسراف هو الوجه الاخر للفساد لقوله تعالى )... كلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين( ([77]) وفي هذه الآية دلالة واضحة في ان الاسراف هو تجاوز الحد في موضوع الاكل والشرب, وقال تعالى )والذين اذا انفقوا ليسرفوا ولم يقتروا..( ([78]) ن فيها دلالة على ان الاسراف هنا هو تجاوز الحد في انفاق المال. وتأتي حرمة الاسراف واضحة في الآية الكريمة (... وان المسرفين هم اصحاب النار) ([79]).

وما ورد في القرآن الكريم حول المصدر الاساسي الذي يحتاج اليه البشر في حياتهم اليومية هو (الماء) وهو من اهم الموارد الطبيعية التي شدد على اهميتها وضرورتها للحياة. هو وكونها من المصادر التي يمكن ان تضيع بواسطة الانسان فقد نص القرآن الكريم بان مصادر المياه ثابتةومحدودة وهي بالتالي معرضّة للزوال ولن تدوم الى مالا نهاية. ([80])

ومن الاحاديث الشريفة الدالة على ذلك هي روي عنه صلى الله عليه وآله  انه مرّ بسعد وهو يتوضأ فقال (ماهذا السرف ياسعد ؟ قال افي الوضوء سرف ؟ قال : نعم وان كنت على نهر جار). ([81]) وايضا في حديث آخر قال : (خيار امتي يتوضؤون بالماء اليسير). ([82])

اذن ينبغي ان نعتبر ان تحريم الاسلام للإسراف بكل انواعه ومظاهره من القواعد والانظمة التي تدخل في اطار الحفاظ على البيئة.

 

رابعا: قاعدة الاتلاف

وهي من القواعد الفقهية التي تعد في مضمونها ودلالتها بالأمر الأول ذات مساس في قضايا البيئة, ومعناها هو استهلاك مال المسلم بدون الاذن والرضا, وهذا اعم من ان يكون عن عمد او عن خطأ, ومفادها (الضمان على من يتلف مال الغير) وبعبارة اخرى (من اتلف مال الغير فهو له ضامن) وهذا ما ذكر في كتب المتقدمين والمتأخرين منهم. فاذا تحقق اتلاف مال الغير بدون اذنه ورضاه يكون المتلف هو الضامن حتى يؤدي ما اتلفه الى مالكه قيمة او مثلا.

والتعدي على عناصر  البيئة ومكوناتها والاعتداء عليها واتلافها من ابرز موارد ومصاريف اتلاف مال الغير, بل هو اشد من ذلك لأنه ليس اتلافا يتعلق بفرد بل هو اتلاف لموارد هي ملك لعموم المسلمين, لذا يمكن اعتباره اشد حرمة, لأن الاتلاف اذا كان يتعلق بمال شخص محدد يمكن تعويضه ودرؤه, اما اذا كان يتعلق بمال الامة ومواردها فكيف يمكن تعويضه. ([83])

وقد وردت آيات قرآنية كثيرة في الاستدلال على هذه القاعدة منها )فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم..( (البقرة-194) واخرى )وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ماعوقبتم به( (النحل/126). اما الروايات الواردة فيها منها : صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله 7 قال : (سألته عن شيء يوضع على الطريق فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره, فقال : كل شيء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه). ([84]) وروايات اخرى كثيرة وردت في هذا الباب.

وللفقهاء اراء في هذه المسألة قال الشيخ الطوسي : (الماشية اذا أفسدت زرعاً لقوم فان كانت يد صاحبها عليها فعليه ضمان ما أتلف لأن جنايتها كجنايته, وفعلها كفعله). ([85])

ويذكر العلامة الحلي بهذا الموضوع (اذا كان لرجل كلب عقور فلم يحفظه فأتلف شيئا كان عليه ضمانة لأنه مفرّط في حفظه) ([86]) ولا شك ان هذه القاعدة لها مصاديق منها وجوب الضمان على من اتلف اي مورد من موارد البيئة العامة, كأن يحرق زرعاً او يتلفه أو يتعدى على الطرقات, أو يقوم بعمل يلوث الهواء او الماء وغيرها مما يتعلق بالبيئة او ابقاء ميتة الحيوانات يسبب في فساد البيئة وتدهور الصحة العامة. ([87])

خامسا: قواعد اخرى

هناك قواعد اخرى سوف نجملها بالذكر لما لها خصوصية  لموضوع البيئة في بعض مصاديقها منها :-

  • قاعدة احترام مال المسلم وعمله : والمقصود بهذه القاعدة احترام مال المسلم عن التصرف فيه والتعدي عليه, بمعنى ان مال المسلم محترم لا يجوز الاعتداء والتجاوز عليه وكذلك كان عمل العامل المسلم محترماً ومأجورا فليؤد اجرته. ولا يخفى ان الموارد البيئية هي موارد عامة يملكها المسلمون على سبيل الاجتماع وتدخل في اطار المنافع العامة التي يستفيد منها كل افراد المجتمع, فالهواء النظيف حق للجميع ولا يحق لاحد تلويثه, والماء حق للجميع ولا يحق تلويثه او الغصب منه وأخذ اكثر من حاجته وكذلك الحال بالنسبة للمزروعات والاشجار والحدائق العامة والشوارع والغابات لا يجوز لاحد التصرف او العبث فيها أو قطعها. ([88]) وتدل على ذلك موثقة ابي بصير عن ابي جعفر 7 قال : (قال رسول الله  صلى الله عليه وآله  : سباب المؤمن فسوق... الى ان قال وحرمة ماله كحرمة دمه) ([89]), فهذه الرواية دلت على ان مال المسلم محترم, وبالتشبيه بينه وبين دم المسلم وهي في غاية الاهمية. وهي ضرورة احترام العناصر البيئية لأي مجتمع واضح وصريح لكون هذه العناصر هي اموال عموم المسلمين فيجب احترامها ولا يجوز التعدي عليها.
  • قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع : ويستفاد من هذه القاعدة من القول المشهور لدى الفقهاء (كل ما حكم به العقل حكم به الشرع), فاذا حكم العقل بوجوب شيء مثلا حكما قطعيا مستقلاً لابد من حكم الشرع به ايضا, لعدم الانفكاك بين الحكمين, وبحسب الحقيقة حكم العقل الذي كان مورد اتفاق العقلاء بما هم عقلاء نفس حكم الشرع بلا فعل, وعليه يكون وجوب اطاعة المولى, الذي هو من المستقلات العقلية, هو الوجوب الشرعي بعينه والامر به قوله تعالى )اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم(. ([90])يحمل على الارشاد لتمامية البعث عقلاً. وذكرت هذه القاعدة في عدة مجالات منها علم الكلام لإتيان عدالة الله, وفي اصول الفقه لبحث الملازمات وفي الفقه لإثبات الحكم الشرعي, ومورد تطبيقها على البيئة, فان من اوضح وأهم الاحكام العقلية ضرورة حفظ العناصر البيئية لان عدم ذلك ينتج عنه اضرار خطيرة يحكم العقلاء بقبحها ([91]).

ويذكر السيد الصدر ان المراد من حكم العقل هذا هو كشفه عن الحكم البشري لا استثناء الحكم, كما قال : (ودور العقل بالنسبة اليه دور المدرك لا دور المنشئ والحاكم).([92])وبناءا على ماتقدم فان الملازمة بين حكم العقل القاضي بوجوب دفع الضرر عن البيئة ومكوناتها وعناصرها لأنه ضرر يتعلق بالنفوس والاموال والاعراض, وبين حكم الشرع ينبغي ان يكون من الاحكام التي يتسالم عليها اهل الشرع والعرف وكل العقلاء. فالعقل هو الحاكم اولا واخراً بوجوب حفظ البيئة من الضرر ولا شك بان ذلك يتوافق مع احكام الشريعة ومقاصدها.

  • قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل : اي انه اذا احتمل الضرر في عمل من الاعمال يجب دفعه (بحصول المؤمن) والواضح ان الضرر الناتج من تلوث البيئة الذي يشكل في عالمنا المعاصر أحد أهم وابرز الأخطار التي تهدد المجتمع البشري وكما ذكر في قاعدة الملازمة فان العقل يحكم بوجوب دفع هذا الضرر والخطر الكبير الذي يهدد المجتمعات البشرية.

لاشك ان هذه القواعد الفقهية التي تقول بانه (لاضرر ولاضرار) وان درء المفاسد مقدم على جلب المصالح والنهي عن الاسراف والتبذير وعدم الاتلاف والمحافظة على الاموال العامة والخاصة والضمان لها واحترام مال المسلم وعدم التعدي عليه وحكم العقلاء بعدم الضرر على كل مايتعلق بالأمور الحياتية في المجتمع هي من اهم القواعد التي تؤدي الى المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية ولما تفاقمت قضايا البيئة واصبحت الشغل الشاغل للعالم في الوقت الحاضر فان ذلك يستدعي ضرورة ممارسة التربية البيئية في نفوس النشء والشباب ليشبوا عليها, وقد اصبحت لديهم سلوك معتادٌ, يحسون بالبيئة ومشاكلها, ويحافظون عليها, ويتحملون مسؤولياتهم الشخصية تجاهها.

 

الخاتمة واهم النتائج

ان الاهتمام بالبيئة يهدف الى حماية الانسان والمحافظة عليه, ودفع كل اشكال الخطر عنه, ومن هنا نشأت الحاجة الى وضع اسس وركائز لعلم البيئة ورسم اطار عام لتحديد العلاقة والتفاعل والتأثير بين الانسان وكل المخلوقات الحية مع محيطها الذي تعيش فيه.

ولذلك اهتمت الشريعة الاسلامية اهتماما كبيرا بالبيئة لأنها المحيط  الذي يعيش فيه الانسان, ولان الاسلام تكفل بالحفاظ عليه وحمايته من الاضرار الناتجة من مخالفة قوانين الشريعة وعدم الالتزام بها بما يسبب الضرر البيئي له, وصولا الى رسم وتحديد اهم المعالم التي تكفل بإيجاد مجتمع بيئي سليم ومعافى.

ويتمتع الاسلام بنظرة اعمق واوسع للبيئة, حيث طالب الانسان ان يتعامل مع البيئة من منطلق انها ملكية عامة يجب المحافظة عليها حتى يستمر الوجود, فكانت دعوة الاسلام الى طهارة الروح وتهذيب النفس اولى المنطلقات التي تدفع الانسان الى تطهير وتنظيف كل ما هو حوله في الطبيعة.

فاذا كان الله تعالى قد خلق البيئة وسخرها للإنسان فلابد ان يشرع القوانين والضوابط والسلوكيات التي تتكفل بحفظها وتوازنها وكيفية التعاطي معها مرهأمره

لان الارض هي البقعة المستخلفة له.

وظهرت اثار التلوث في كل عناصر البيئة من ماء وهواء وتربة وغذاء, فاصبح الانسان مهددا في امنه وصحته وراحته في انحاء الارض, فشرعت قوانين حماية البيئة في الربع الاخير من القرن العشرين كضرورة من الضرورات الاساسية للحفاظ على البيئة التي يعيش فيها الانسان مع غيره من الكائنات الحية في توازن محكم.

واهم الضوابط التي وضعها الاسلام لحماية البيئة هي :-

  1. تكثيف العمل الاجتهادي لاستنباط القوانين البيئية وسنها بوحي من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ويعد تطبيقها من اطاعة الله ورسوله.
  2. حماية البيئة عملية متعددة الابعاد تحتاج الى تشخيص المخاطر البيئية والى ضم الجهود التشريعية والتوعية الى الجهود التنفيذية والاجراءات العملية, وبتكاثف الجهود  وتعاضدها يمكننا الوصول الى بيئة افضل وحياة اسلم وأسعد.
  3. ان القوانين الاسلامية والقواعد الفقهية الاسلامية كفيلة بتأسيس فقه بيئي, لكن المشكلة في عدم بذل الجهد الكافي لاستخراج هذه القوانين من الكتاب والسنة وتحويلها الى مادة قانونية مسؤولة عن تطبيقها الدولة.
  4. نهى الاسلام عن الاسراف في استغلال مكونات البيئة, ونهى ايضا عن الفساد فلا يجوز للإنسان تكوين مكونات البيئة او اتلافها من غير سبب مشروع, والاهتمام بمصادر المياه لأنها عصب الحياة وهو وسيلة للنظافة والطهارة.
  5. اهتم الاسلام بالحفاظ على المخلوقات بأنواعها المختلفة لأنها تؤثر في التوازن البيئي, فلا يطغى نوع على آخر لان كل المخلوقات له دوره بقدرة الله تعالى, لتمر الحياة وفق انظمة الاسلام.
  6. توجيه سلوك الافراد نحو الاستغلال الجيد لمكونات البيئة وتتضمن عدم الاسراف وعدم التبذير, والبعد عن الترف, والاعتدال والتوازن في كل شيء
  7. العودة الى الطبيعة في طريقة الغذاء وكذلك في مصادر الدواء لان الطبيعة فيها مجالات كثيرة للغذاء الصحي للإنسان وكذلك كثير من الاعشاب والنبات التي بإمكان الانسان الاعتماد عليها في علاجه ودوائه وبعدم الاثار الجانبية لها, من منطلق الوقاية خير من العلاج, ومعظم الامراض هي قابلة للتوقي بمجرد معرفة كل انسان التزاماته الصحيحة وما يجب عليه اتجاه اسرته واتجاه جسده. وحماية التربة والنباتات والاشجار من اخطار المواد الكيمياوية المتداخلة معها او استخدام الاقل ضررا بالنسبة لها.
  8. اصدار تشريعات الضبط بما يتفق ومواجهة أخطار التلوث ويقوم على التوجيهات العلمية الحديثة ذا الفعالية في حماية البيئة, ويجب الحزم في تطبيق هذه التشريعات تطبيقا فعلياً, فلا تظل معطلة لكثير من قواعد الضبط في كل الدول, مثل قاعدة منع التدخين في الاماكن العامة او المغلقة, وحظر القاء القاذورات في المياه العامة او في الطرقات.
  9. النهي عن الاتجار بالسلع الملوثة والمواد الغذائية التي انتهت صلاحياتها او فيها مواد مخلقة كيمياويا مؤثرة على الانسان وضبط تراخيص المحلات والصيادلة وتكون وفق الضوابط والشروط الصحية العامة.

المصادر والمراجع

  1. القرآن الكريم.
  2. ابن فارس, معجم مقاييس اللغة, مكتبة الاعلام الاسلامي.
  3. ابن منظور, لسان العرب, دار صادر, بيروت.
  4. احمد ابراهيم شبلي, البيئة والمناهج المدرسية, ص6, الرياض, مؤسسة الخليج العربي, 1984م.
  5. احمد عبدة, قضايا البيئة.
  6. الاسلام والبيئة خطوات نحو فقه بيئي.
  7. اصول الكافي: الكليني : محمد يعقوب: باب سباب الممن ح2.
  8. الالوسي, روح المعاني 12/47 بيروت, دار احياء التراث.
  9. بركات محمد مراد ‏, الإسلام والبيئة،رؤيةإسلاميةحضارية،ص34القاهرة: 2003.‏
  10. البيئة في الفكر الانساني والواقع الايماني.
  11. البيئة والتلوث محليا وعالميا.
  12. تحرير المجلة 2/242 مكتبة النجاح, طهران.
  13. التذكرة: العلامة الحلي  /374.
  14. جوزيف.ف رودريكس, الاخطار المحسوبة,.
  15. حسين الخشن, الاسلام والبيئة خطوات نحو فقه بيئي, ص18, بيروت دار الهادي, ط1.
  16. خالد عنانزة, متبقيات الادوية والمستحضرات الصيدلانية (نت).
  17. خالد محمود عبداللطيف ‏,البيئة والتلوث من منظورإسلامي،ص96،القاهرة: 1993.‏
  18. خليل رزق, الاسلام والبيئة ص32, دار الهادي, بيروت.
  19. دروس في علم الاصول: محمد باقر الصدر, 1/428.
  20. الرازي, الحاوي.
  21. رجاء وحيد دويدري, البيئة مفهومها العلمي المعاصر وعمقها التراثي ص24, دار الفكر, دمشق, 1425هـ.
  22. الزبيدي (محي الدين ابي الفيض الحسيني الواسطي), شرح تاج العروس من جواهر القاموس,, ط1 دار احياء التراث العربي, مصر, الخيرية, 1306 هـ.
  23. سلطان ابو عرابي, البيئة المدرسية والتلوث, ص20, الاردن, مركز التطوير التربوي, 1988م.
  24. سنن الترمذي 1/84, دار الفكر ت43.
  25. ظ النووي – رياض الصالحين.
  26. عبد الباسط الجمل, الهندسة الوراثية ابحاث البيئة, ص256, القاهرة, دار الرشاد.
  27. عبد الحكم العميدي, البيئة في الفكر الانساني والواقع الايماني ص17, القاهرة, الدار المصرية, ط2..
  28. فخر الدين الطريحي, مجمع البحرين, مادة (بوء), ط2, قم, نشر الثقافة الاسلامية, 1418 هـ.
  29. الفقه البيئية : السيد محمد الحسيني الشيرازي.
  30. قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة ,
  31. ما وراء الفقه :محمد صادق الصدر .
  32. ماجد راغب الحلو, قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة, ص405, مصر, دار الجامعة.
  33. المبسوط 8/72 كتاب المدافع عن النفس.
  34. مجلة (عالم الفكر) الكويتية, العدد3, المجلد 32, سنة 2004م.
  35. محمد الحسيني الشيرازي, الفقه البيئية, ص13, بيروت, مؤسسة الوعي الاسلامي ط1.
  36. محمد باقر الايرواني, دروس تمهيدية في القواعد الفقهية 1/89, قم, مؤسسة الفقه للنشر ط1, 1417هـ.
  37. محمد باقر المجلسي, بحار الانوار.
  38. محمد حسين الطباطبائي, الميزان في تقسيم القرآن 16/195, قم منشورات جماعة المدرسين.
  39. مستدرك الوسائل: النوري:  من ابواب المائدة ؛ البيئة في الاسلام ص135.
  40. المفردات في غريب القرآن, ص69, قم, دفتر نشر الكتاب, مادة (بوأ).
  41. ممدوح حامد عطية, انهم يقتلون البيئة, ص17.
  42. الهندسة الوراثية وابحاث البيئة, ص125.
  43. وسائل الشيعة : الحر العاملي : ج17, ص341 باب 12 من ابواب احياء الموات .
  44. وفاء محروس عامر, المعالجة الحيوية للملوثات البيئية, مجلة اسيوط العدد (21) ص43.
  45. ونس ابراهيم مزيد, البيئة في الاسلام ص126, دار الحامد ط1.
  46. يحيى وزيري, العمارة الاسلامية والبيئة (عالم المعرفة عدد 9704).

يوسف الفضل, الإنسان  والبيئة بين الحضارة الغربية والإسلام،،بيروت: 2004.البيئة من منظور اسلامي (www.islamset,com).

 

[1]- يونس / 87.

[2]-  ابن منظور ، لسان العرب 1/ 36 ، دار صادر ، بيروت.

[3]- الحشر / 9

[4]-  ابن فارس ، معجم مقاييس اللغة 1/314 ، مكتبة الاعلام الاسلامي.

[5]- الكليني/ الكافي ، ج1 ، ص62.

[6]- ال عمران /121.

[7]- المفردات في غريب القرآن ، ص69 ، قم ، دفتر نشر الكتاب ، مادة (بوأ).

[8]- فخر الدين الطريحي ، مجمع البحرين ، مادة (بوء) ، ط2 ، قم ، نشر الثقافة الاسلامية ، 1418 هـ.

[9]- محمد باقر المجلسي, بحار الانوار ، ج103 ، ص220.

[10]- ابن منظور  ، 1/ 36-39 مادة (بوأ).

[11]-  ظ احمد عبدة ، قضايا البيئة ، ص17.

[12]-  ظ رجاء وحيد دويدري ، البيئة مفهومها العلمي المعاصر وعمقها التراثي ص24 ، دار الفكر ، دمشق ، 1425هـ.

[13]- ظ ، الزبيدي (محي الدين ابي الفيض الحسيني الواسطي) ، شرح تاج العروس من جواهر القاموس ، ص46-47 ، ط1 دار احياء التراث العربي ، مصر ، الخيرية ، 1306 هـ.

[14]- يحيى وزيري ، العمارة الاسلامية والبيئة (عالم المعرفة عدد 9704) ، ص7

[15]-  احمد ابراهيم شبلي ، البيئة والمناهج المدرسية ، ص6 ، الرياض ، مؤسسة الخليج العربي ، 1984م.

[16]-  ممدوح حامد عطية ، انهم يقتلون البيئة ، ص17.

[17]-  سلطان ابوعرابي ، البيئة المدرسية والتلوث ، ص20 ، الاردن ، مركز التطوير التربوي ، 1988م.

[18]-  مجلة (عالم الفكر) الكويتية ، العدد3 ، المجلد 32 ، سنة 2004م.

[19]-  ظ محمد الحسيني الشيرازي ، الفقه البيئية ، ص13 ، بيروت ، مؤسسة الوعي الاسلامي ط1.

[20]- ظ خليل رزق ، الاسلام والبيئة ص32 ، دار الهادي ، بيروت.

[21]-  م.ن

[22]-  الفقه البيئية ص14 ، مصدر سابق.

[23]-  ظ عبد الحكم العميدي ، البيئة في الفكر الانساني والواقع الايماني ص17 ، القاهرة ، الدار المصرية ، ط2.

[24]- م.ن.

[25]-  ظ خليل رزق ، الاسلام والبيئة ص36.

[26]-  الاسلام والبيئة ، ص38 مصدر سابق, 

[27]- بركات محمد مراد ‏, الإسلاموالبيئة،رؤيةإسلاميةحضارية،ص34القاهرة: 2003.‏

[28]- يوسف الفضل, الإنسان  والبيئة بين الحضارة الغربية والإسلام،،بيروت: 2004.البيئة من منظور اسلامي (www.islamset,com)

[29]- البيئة في الفكر الانساني والواقع الايماني ص101 .خالد محمود عبداللطيف ‏,البيئةوالتلوثمنمنظورإسلامي،ص96،القاهرة: 1993.‏

[30]- خليل رزق ‏, الاسلام والبيئة, ص46 ، م.س.

[31]- حسين الخشن ، الاسلام والبيئة خطوات نحو فقه بيئي ، ص18 ، بيروت دار الهادي ، ط1.

[32]- ظ الاسلام والبيئة خطوات نحو فقه بيئي ، ص13.

[33]-  م.ن ، البيئة والتلوث محليا وعالميا ص49.

[34]-  البيئة والتلوث محليا وعالميا ، ص50

[35]- البيئةوالتلوثمحلياوعالميا،ص50‏.

[36]-  الاسلام والبيئة ، ص16

[37]- ظ عبد الباسط الجمل ، الهندسة الوراثية ابحاث البيئة ، ص256 ، القاهرة ، دار الرشاد.

[38]-  ظ وفاء محروس عامر ، المعالجة الحيوية للملوثات البيئية ، مجلة اسيوط العدد (21) ص43.

[39]- الفقه البيئية ، ص143.

[40]-  ظ خالد عنانزة ، متبقيات الادوية والمستحضرات الصيدلانية (نت).

[41]-  م.ن.

[42]-  الرازي ، الحاوي ، ص120.

[43]-  ظ ماجد راغب الحلو ، قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة ، ص405 ، مصر ، دار الجامعة.

[44]-  م.ن .

[45]-  الهندسة الوراثية وابحاث البيئة ، ص125 م.س.

[46]-  قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة  ، ص408 ، م.س.

[47]- م.ن.

[48]- ظ قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة ، ص410

[49]-  ظ جوزيف.ف رودريكس ، الاخطار المحسوبة ، ص304.

[50]-  الاعراف / 31.

[51]-  ظ النووي – رياض الصالحين ، ص328.

[52]- م.ن .

[53]-  النحل / 69.

[54]-  قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة ص407.

[55]-  ظ الهندسة الوراثية وابحاث البيئة ص128 م.س.

[56]- م.ن .

[57]-  الفقه البيئية ص166-168.

[58]- الفقه البيئية س172.

[59]- الفقه البيئة س172   .

[60]-  ظ الهندسة الوراثية وابحاث البيئة ، ص128.

[61]- مستدرك الوسائل  من ابواب المائدة ؛ البيئة في الاسلام ص135.

[62]-   ظ الاسلام والبيئة ، ص134.

[63]-  وسائل الشيعة ج17 ، ص341 باب 12 من ابواب احياء الموات .

[64]-  الاسلام والبيئة ص148.

[65]- محمد باقر الايرواني ، دروس تمهيدية في القواعد الفقهية 1/89 ، قم ، مؤسسة الفقه للنشر ط1 ، 1417هـ.

[66]- ظ يونس ابراهيم مزيد ، البيئة في الاسلام ص126 ، دار الحامد ط1.

[67]-  تحرير المجلة 2/242 مكتبة النجاح ، طهران.

[68]-  البيئة في الاسلام ص130 م.س.

[69]-  لقمان / 20.

[70]-  الاسلام والبيئة ص136  م.س.

[71]-  البيئة من منظور اسلامي (نت)

[72]-  الروم / 41.

[73]- الالوسي ، روح المعاني 12/47 بيروت ، دار احياء التراث.

[74]-  ظ محمد حسين الطباطبائي ، الميزان في تقسيم القرآن 16/195 ، قم منشورات جماعة المدرسين.

[75]-  الاسلام والبيئة ص141 م.س.        

[76]- لسان العرب ، 9ر148 ، مادة (سرف)

[77]-  الاعراف /31.

[78]-  الفرقان / 67.

[79]-  غافر / 43.

[80]-  الاسلام والبيئة ص144 ، م.س.

[81]-  سنن الترمذي 1/84 ، دار الفكر ت43.

[82]-  النوري ، مستدرك الوسائل 1/348 ، قم ، مؤسسة ال البيت ، ط1 ، 1407هـ.

[83]-  الاسلام والبيئة ص159.

[84]-  وسائل الشيعة 19/181 ب9 من ابواب الضمان.

[85]-  المبسوط 8/72 كتاب المدافع عن النفس.

[86]-  التذكرة 2/374.

[87]-  ما وراء الفقه 10/47.

[88]- ظ الاسلام والبيئة ص163.

[89]-  اصول الكافي 2/268 باب سباب الممن ح2.

[90]-  النساء / 59.

[91]- الاسلام والبيئة ص166

[92]-  محمد باقر الصدر ، دروس في علم الاصول 1/428.