تصنیف البحث: الأدب العربي
من صفحة: 364
إلى صفحة: 382
النص الكامل للبحث: PDF icon 180527-133132.pdf
خلاصة البحث:

تناول هذا البحث موضوع (ملامح من الشعر السياسي في ديوان الشيخ عبد الحسين الحويزي (ت 1377هـ - 1957م) دراسة في البنية الموضوعية) بالدراسة والتحليل، وقد قُسم البحث في ضوء المعطيات الموضوعية على تمهيد وخمسة محاور تناول التمهيد جوانب من حياة الشيخ عبد الحسين الحويزي فضلاً عن مفهوم الشعر السياسي، فيما درست محاور البحث موضوعات الشعر السياسي في ديوان الحويزي والتي تمثلت في الآتي:

  1. الدعوة إلى الجهاد والثورة وتحريض الشعوب للمطالبة بحقوقهم.
  2. الدعوة إلى الوحدة الإسلامية.
  3. الدعوة إلى الوحدة الوطنية والعربية.
  4. وصف استبداد الحكام وخيانتهم لشعوبهم.
  5. تصوير معاناة الشعوب.

وأعقبت تلك المحاور خاتمة ضمت أبرز النتائج التي توصل إليها البحث.

Abstract:

This research studies and analyse "politics in the poetry of sheikh Abdul Hussein al- huwayzi (d1377 ah):a study of the thematic structure in to a preface and five sections the preface  introduces the concept of political poetry as well as aspects of

al- huwayzi,s life whereas the sections deal with political  

themes in his poetry as follows:

  1. Calling to jihad and revolution urging people to demand their rights.
  2. Calling to Islamic unity.
  3. Calling to national and Arabic unity.
  4. Depicting rulers oppression and their betrayal of their people.
  5. Depicting peoples suffering.

The research ends with a conclusion summing up the findings of the study.

البحث:

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الغر المنتجبين...

أما بعد

يعد الشاعر الشيخ عبد الحسن الحويزي واحداً من الشعراء العراقيين البارزين الذين دافعوا عن أوطانهم وحرياتهم في شعرهم بالكلمة الحرة الصادقة، فكان شعره سجلاً حقيقياً ومرآةً يبدو بها تاريخ العراق الحديث والأمة العربية، فقد كان واحداً من الرجال الذين تصدوا بشعرهم للاستعمار وللساسة الأشرار الذين عملوا على تمزيق وحدة الصف العربي، إذ سخر جلَّ شعره في خدمة قضايا الشعوب العربية، فكانت قصائده السياسية تتأجج حماسةً ولهيباً وثورةً ضد الطغاة المستعمرين والحكام الذين ساروا في ركاب المحتل وعملوا على محاربة الاحرار من أبناء وطنهم ، بعد أن قامت الثورات الوطنية والانتفاضات الشعبية بإثراء خيال الحويزي وتحفيزه وإثارة عواطفه الوطنية ليشارك أبناء وطنه مشاركة فعلية ويواكب الأحداث السياسية شأنه شأن غيره من الشعراء آنذاك.

وقد جاء البحث ليسلط الضوء على أبرز المحاور الموضوعية في الشعر السياسي عند الحويزي، فقد قُسم البحث في ضوء المعطيات الموضوعية على تمهيد وخمسة محاور ضم التمهيد في ثناياه جوانب من حياة الشيخ عبد الحسين الحويزي فضلاً عن مفهوم الشعر السياسي، فيما ضمت محاور البحث موضوعات الشعر السياسي عند الشيخ عبد الحسين الحويزي والتي تمثلت في الآتي:

  1. الدعوة إلى الجهاد والثورة وتحريض الشعوب للمطالبة بحقوقهم.
  2. الدعوة إلى الوحدة الإسلامية.
  3. الدعوة إلى الوحدة الوطنية والعربية.
  4. وصف استبداد الحكام وخيانتهم لشعوبهم.
  5. تصوير معاناة الشعوب.

وقد أعقبتُ تلك المحاور خاتمةً ضمت أبرز النتائج التي توصل إليها البحث.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين...

التمهيد

  1. جوانب من حياة الشاعر الشيخ عبد الحسين الحويزي:

هو الشيخ عبد الحسين بن عمران بن حسين بن يوسف بن أحمد بن درويش بن نصار الحويزي الليثي النجفي من فخذ آل قمر والذي يعرف بالخياط.([1])

ولد الحويزي في النجف الأشرف سنة 1287هـ - 1867م من أسرة نزحت من الحويزة إلى النجف وآثرت السكن فيها([2])، وقد عرفت هذه الأسرة بأنها من الأسر المحافظة([3])، فقد عمل والده في تجارة القماش، أما هو فانصرف في بداية الأمر إلى استلهام العلوم والمعارف، ولما توفي والده اضطر إلى إشغال متجر أبيه ليعيش من ورائه، فيما أصبح هذا المتجر بعد ذلك محلاً للأدباء ومنتجعاً لهم.([4])

وفي عام 1335هـ بعد أن امتدت يد اللصوص لتسرق متجر الحويزي آثر الشاعر التوجه إلى كربلاء والسكن فيها، وبذلك قضى الحويزي نصف قرن في كربلاء تقريباً.([5])

وكان لنشوء الحويزي في بيئة مثل بيئة النجف الأثر الأكبر في ميله إلى العلم والدرس في الجوامع والتدرج في طلب المعرفة، إذ تتلمذ على يد كثير من مشايخ عصره، منهم السيد إبراهيم الطباطبائي والسيد محمد حسين الكيشوان وهادي الطهراني وعباس كاشف الغطاء.([6])

والحويزي شاعر انماز بسرعة البديهية في ارتجال الشعر، فكان من شيوخ الأدب، ولم يقتصر على الأدب والشعر فحسب، بل كان أيضاً له إلمام بالرياضيات والهندسة والكيمياء، إذ بحث هذه العلوم في بعض الرسائل.([7])

ولم يكن الشاعر عبد الحسين الحويزي بعيداً عن الساحة السياسية، إذ واكبها منذ الحرب العالمية الأولى، حيث كانت له مواقف سياسية مشرِّفة ، عبر فيها عن رفضه للمستعمرين العثمانيين والإنكليز بقصائد تتأجج حماسة ولهيباً وثورة ضد الطغاة من الاستعمار والحكام الخونة الذين ساروا مع المحتل وعملوا على محاربة أبناء وطنهم([8])، حيث كانت له مواقف مشرفة من جميع الأحداث التي مر بها العراق، لا سيما ثورة العشرين حيث كانت له قصائد عديدة في هذه الثورة ذهب فيها الحويزي إلى إيقاظ النفوس وشحذ الهمم من أجل النهوض بالواقع السياسي المرير، ولم يقتصر دور الشاعر في مسايرة الأحداث الجارية في العراق فحسب، وإنما ساير الشاعر الوقائع والأحداث التي وقعت في البلدان العربية الأخرى كالقضية الفلسطينية، إذ سخر الحويزي جزءاً من شعره السياسي في خدمة القضية الفلسطينية، إذ كان من الشعراء الذين لم يتركوا حدثاً «كبيراً ولا صغيراً إلا ولهم قصائد متنوعة، وهم يعالجونه معالجة جادة».([9])

توفي الحويزي –بعد أن خدم الأدب العراقي والعربي ثمانين عاماً- في كربلاء يوم الجمعة في الأول من محرم سنة 1377هـ الموافق 27 تموز 1957م، حيث نُقِلَ جثمانه إلى النجف ودُفنَ فيــها.([10])

أما عن آثاره الشعرية فقد طُبع بعض شعره في المطبعة الحيدرية في النجف سنة 1351هـ بعنوان (ديوان الحويزي الجزء الأول)، وقام الأستاذ الأديب حميد مجيد هدو بطباعة جزء من شعر الحويزي، طُبع الأول عن دار مكتبة الحياة في بيروت سنة 1964، والثاني طبع عن مطابع النعمان في النجف سنة 1965م، ومن آثاره الشعرية أيضاً (فريدة البيان في مدح الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين) ، عن مطبعة الغري الحديثة في النجف سنة 1955م.([11])

أما عن منزلته الأدبية، فقد اهتم بعض الباحثين بالشاعر عبد الحسين الحويزي وأشادوا به، منهم الدكتور محمد هادي الأميني بقوله: «عالم فاضل من شيوخ الأدب، شاعر كبير أديب....».([12])

وقد أشاد علي كاشف الغطاء به بقوله: شاعر وأديب محترف بالشعر.([13])

وقال عنه الأستاذ علي الخاقاني في مقدمة الديوان: «أول شاعر في عصرنا رأيناه وسمعناه لا يتكلف النظم ولكنه على الطراز القديم من سيرة الشعراء في الفترة المظلمة الذين تكلفوا الصنعة».([14])

وأخيراً يمكن القول أن الشاعر عبد الحسين الحويزي من الشعراء البارزين في الحقبة التي عاشها، إذ كان لنتاجه الشعري دور فاعل في إثراء الشعر العراقي بصورة خاصة، والشعر العربي بصورة عامة.

  1. مفهوم الشعر السياسي:

السياسة لغة: هي الرئاسة وتولي شؤون الرعية وامتلاك أمورهم.... ويقال سست الرعية سياسةً، أي أمرتها ونهيتها..... ([15])

أما الشعر السياسي فهو: «الشعر الموجه للإصلاح السياسي من منطلق فكري، سواء أكان هذا الفكر وطنياً أو قومياً أو إسلامياً أو غير ذلك».([16])

ويعد الشعر السياسي من الموضوعات البارزة في الشعر العربي على مدى العصور المختلفة، إذ تناوله الشعراء من العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث([17])، حيث لم يكن الشعر السياسي «موضوعاً جديداً بل هو امتداد لشعر سياسي سابق عرفه أدبنا العربي القديم تمام المعرفة من قديم الزمن، كما عرفته سائر الآداب الإنسانية».([18])

وعليه فإن موضوعات الشعر السياسي لم تكن حديثة الظهور، بل تعود في جذورها إلى العصر الجاهلي، وذلك حين كانت القبيلة هي الوحدة السياسية للمجتمع آنذاك، فقد كان الشاعر الجاهلي آنذاك منتمياً إلى القبيلة مشيداً بها وبمآثرها داعياً إلى إعلاء شأنها، وهو بذلك منطلقاً من دوافع قبلية وعصبية.([19])

أما في العصور التي تلت ذلك العصر، فقد ابتعد الشاعر عن القبيلة نابذاً فكرة العصبية، معبراً عن هموم مجتمعه وآماله في التحرر والتقدم والتخلص من السيطرة والاستعمار.([20])

المحاور الموضوعية للشعر السياسي في ديوان عبد الحسين الحويزي

من خلال استقراء الشعر السياسي في ديوان عبد الحسين الحويزي، وجد أن الشعر السياسي عنده يحمل في طياته موضوعات عدة تمثلت في الآتي:

أولاً: الدعوة إلى الجهاد والثورة وتحريض الشعوب للمطالبة بحقوقهم:

لعل من أبرز الموضوعات التي تطالعنا في ديوان الشيخ عبد الحسين الحويزي في شعره السياسي هي الدعوة إلى الجهاد والثورة وتحريض الشعوب للمطالبة بحقوقهم، حيث كان من الشعراء الذين جعلوا من شعرهم صرخةً مدوية للتعبير عن إحساس المظلومين، لذا عمد الحويزي في شعره إلى إيقاظ الحس الوطني والقومي، وجنَّد طاقاته لشحذ النفوس والهمم والإحساس بضرورة تغيير الواقع العربي والوقوف مع الشعوب من أجل تحريرها عدلاً وإنسانية([21])، ولعل سوء الأوضاع السياسية في العراق والوطن العربي جعلت الشاعر يتوجه بأنظاره صوب الشعوب من أجل إيقاظهم وشحذ هممهم وإثارة الحماس في نفوسهم ودعوتهم إلى الثورة والمطالبة بحقوقهم إذ يقول في ذلك:([22]) (من الكامل)

يا قوم إن تتكلموا
 

وأرى السكوت يضيعها
 

فتكلموا ببلاغةٍ
 

ومع الخطوب تخاصموا
 

جرد الجياد متى جرت
 

والبيض يأكلها الصدى
 

والسُّل يصلح حدها
 

وأجدُّ بارقة الظبى
 

فعن الصغار تأخروا
 

وعلى اللسان تحفظوا
 

 

بحقوقكم تتنعموا
 

إن الحقوق لها فمُ
 

منها الصدور تُكَلَّمُ
 

فالحق فيمن يُخصمُ
 

بسباتها لا تلجمُ
 

في الغمد حين تكتمُ
 

وبه الضـريبة تُقسمُ
 

غضبٌ شباه مثلمُ
 

وإلى الفخار تقدموا
 

ومن البيان تعلموا
 

 

فالشاعر في هذا النص يهدف إلى إثارة موجة الغضب لدى الشعوب مبيناً لهم أن الكبت والسكوت لا جدوى منه من أجل الحصول على حقوقهم وحرياتهم، حيث يرى في السكوت إضاعة للحقوق وعدم الحصول عليها، فالحويزي في هذه الأبيات يطالب الشعوب بتجريد السيوف والثورة ضد الحكام الفاسدين والطغاة المستعمرين متخذاً من شعره وسيلة مؤثرة على الممارسة السياسية التي اتبعها السياسيون آنذاك.([23])

وعندما اغتصبت دولة فلسطين عام 1947، قال في الدعوة إلى الجهاد وتحريض الشعوب على المطالبة بحقها: ([24]) (من البسيط)

الحق فيهم فلم تؤخذ حقوقهمُ
 

إن الحميةَ تأبى أن يضيع لهم
 

تتلى على مسمع الدنيا مناقبهم
 

 

يوماً ويلقى عليها كف مغتصبِ
 

حقٌّ ولم ينهضوا أحياء للطلبِ
 

بها تحلى وجوه الصحف والكتبِ
 

 

ومن شدة إحساس الشاعر بالأزمات الوطنية والقومية التي تتعرض إليها الشعوب، نراه يندد بهذه الشعوب مستهزءاً بها واصفاً أناسها بأنهم قوم سكارى لا يفيقون ولا ينتبهون لما يجري من أحداث على مستوى الساحة السياسية، إذ يقول في ذلك:([25]) (من البسيط)

ونحن قومٌ سكارى لا نفيق وما
 

كم نشوةٍ صرعت منها العقول هدىً
 

راحٌ شربنا العنا منها براحتنا
 

ما صورت من وجود في تخيلها
 

بتنا نؤمل حبلى الدهر قد وضعت
 

رجالنا عن مراقي العز راجلةٌ
 

هل يرتقي الطير في جو السماء علاً
 

لا يملك السيف في الهيجاء فارسنا
 

 

بلت كؤوس الطلا كفاً لنا وفما
 

فأورثت في الحشا لذاتها غمما
 

وتلك صحتنا قد أعقبت سقما
 

إلا أحالته أرباب النهى عدما
 

بتوأمين فأمست تشتكي العقما
 

ما في معاشرنا من يرعب الهمما
 

وقص أجناحه قد لازم الجلما
 

يوماً وكاتبنا لا يمسك القلما
 

 

ويدعو الشاعر في أبيات أخرى العرب إلى الإسراع في الخطى والجدِّ في المسير من أجل مجابهة العدو والوقوف بوجهه مطالباً إياهم بأن يشبوا النار في صفوف الأعداء مستنهضاً هممهم من خلال تذكيرهم بمنزلتهم الرفيعة في البسالة والبطولة ، فيــــقول في ذلــــــك:([26]) (من الوافر)

بني العرب الكرام إلى المعالي
 

وشبوا في الوغى ناراً توارت
 

ولا تبقوا لجمع القوم ذكراً
 

إذا غارت جياد العرب قالت
 

فيا أبناء يعرب كم صدفتم
 

وكم أسقطتمُ للموت حملاً
 

أجل منكم تمور الشمُّ رعباً
 

متى نشـرت لكم رايات نصـرٍ
 

تشق لكم بمرهفة المواضي
 

وموتوا في الوغى شهداء حتى
 

وفي غرف الجنان الخلد يحظى
 

 

سراع الخطو جدُّوا بالمسيرِ
 

بها الأعدا رماداً بالسعيرِ
 

يردد بالغياب وبالحضورِ
 

صواهلها لأرض الخصم غوري
 

مقادير الصـروف من العصورِ
 

وقد بلغ الثمان من الشهورِ
 

بريح عزائمِ في البيد مورِ
 

أرت أعداءكم يوم النشورِ
 

غداة الروع أجداث القبورِ
 

لكم تمتاز عاقبة الأمورِ
 

شهيدكمُ بولدانٍ وحورِ
 

 

ونجد الحويزي في أبيات أخرى يستنهض الهمم ويشحذ النفوس، وذلك من خلال تذكير إخوانه العرب بأن الإنسان لم يخلق عبثاً في هذه الدنيا، وإنما خلق من أجل غاية، مبيناً في ذلك عن فلسفته في الحياة، مستنداً في ذلك على قوله تعالى: ﴿أيحْسَبُ الإنسانُ أن يُتركَ سدى﴾([27]) فيقول في ذلك:([28]) (من البسيط)

نهضاً بني العرب ذا سرب العلى صعدا
 

تناولوا ذورة العليا وإن صعبت
 

فالسيف شأن مذاكي الخيل إن بعدت
 

دعوا البصائر كالأبصار مبصـرةً
 

ولا يلم الونى فيكم بمعضلةٍ
 

 

فلم ينله سوى من طال فيه يدا
 

بنهضةٍ دونها نجم السما قعدا
 

شأواً تداركن من أقصـى العلى مددا
 

واجلوا غشاء العمى عنهن والرقدا
 

فالدهر ما خلق الإنسان فيه سدى
 

 

ويبين الشاعر أيضاً أهمية انتهاز الفرصة في مقارعة العدو وعدم فسح المجال أمام المتربصين بالأمة العربية والإسلامية، وذلك حين وظف أفعال الأمر (قوموا – احيوا- موتوا)، مستنهضاً من خلالها النفوس، فيقول في ذلك:([29]) (من البسيط)

قوموا فداعي الهدى يدعو بحوزتكم
 

ومثل سحب السما سووا طباعكمُ
 

فمنهج العدل سهلٌ للذي سلكت
 

من ينتهز من شباب العمر فرصته
 

وكل زارع أرضٍ يرتجي ثمراً
 

 

واحيوا بعزٍّ موتوا في الورى سُعَدا
 

فهنَّ يحملن ومض النار والبردا
 

فيه خطاه فأبدى الجد فاجتهدا
 

ينل من العلم ما في وهمه قصدا
 

ولا يفوز به غير الذي حصدا
 

 

ولعل الحويزي وجد في أسلافه الأبطال القدامى خير مثال يحتذى به من أجل تحريك النفوس وشحذ الهمم والحث على الجهاد والثورة والدفاع عن حمى الأوطان، حيث يبين ذلك قائلاً:([30]) (من البسيط)

نهضاً بني العرب للعليا فسيفكمُ
 

فدافعوا عن حمى الأوطان واستبقوا
 

وابنوا من المجد بيتاً في صوارمكم
 

فإن أيمانكم باليمن موقعها
 

 

زان الكريهة عن (سيف بن ذي يزنِ)
 

مجرىً من الخيل أو جرياً من السفنِ
 

لم ينهدم مجد  بالسيوف بني
 

بصنعها فاخرت (صنعاء) بـ(اليمنِ)
 

 

ولما تقدم يمكن القول أن الوعي السياسي والإدراك الحقيقي عند الحويزي لما يحيط بالأمة العربية الإسلامية من أخطار كان أهم الأسباب التي دفعت الشاعر إلى تحريض النفوس وشحذ الهمم والدعوة إلى الثورة والجهاد.

ثانياً: الدعوة إلى الوحدة الإسلامية:

يُعد الشاعر عبد الحسين الحويزي واحداً من  الشعراء الذين سخروا شعرهم للدفاع عن الإسلام وعن الدولة الإسلامية ووحدة المسلمين وخدمة قضاياهم، إذ أن إحساس الحويزي المرهف جعله يتألم لكل سوء يتعرض له المجتمع الإسلامي، حيث جعل من موهبته الشعرية سلاحاً يدافع به عن الإسلام والمسلمين، فقد أكد الحويزي في أشعاره مراراً وتكراراً على أهمية الوحدة الإسلامية في مقارعة الأعداء والوقوف بوجه الظلم والاستبداد لما للوحدة الإسلامية من أهمية كبيرة في الحفاظ على لمِّ  الشمل وعدم التمزق.

لذا فقد انبرى الحويزي يبين ويؤكد أهمية وضرورة نصرة الدين الإسلامي والحفاظ على قيمه ومبادئه، فكان في ذلك شأنه شأن كثير من الشعراء إبان عصره([31])، ولعل القارئ لأشعاره  في هذا الجانب يجد ذلك جلياً فيها، فنراه في إحدى قصائده يوصي إخوانه العرب المسلمين بعدم شق وحدة الإسلام، وأن يعملوا على تصفية القلوب من صدى البغضاء منبهاً إياهم بآثار الانشقاق في سيطرة العدو عليهم وما يفعله بهم إذ يقول في  ذلك:([32]) (من الوافر)

أيا أبناء يعرب لا تشقوا
 

أبوكم (يعربٌ) لم يرض منكم
 

ملكتم جيل هذا الدهر عبداً
 

دريتم بالعدو إذا دهاكم
 

ويرغم من مشايخكم أنوفاً
 

ويجعلكم رهائن قيد أسرٍ
 

فصفوا من صدى البغضا قلوباً
 

 

عصا الإسلام بينكم انشقاقا
 

يرى أحداً لطوع الشعب عاقا
 

مطيعاً قطُّ ما عرف الإباقا
 

بحملكم مغارم لن تطاقا
 

تشم غوالي العز انتشاقا
 

لكم لم تملكوا عنه انطلاقا
 

كما طبعت سيوفكم رقاقا
 

 

وعندما قامت حرب البلقان سنة 1331هـ بين الدولة العثمانية وجيوش الكفر الأوربية([33])، نرى الحويزي قد وقف موقفاً مسانداً للدولة العثمانية –على الرغم مما فعلوه بأبناء وطنه العرب- منطلقاً من فكرة تقوم على أساس أن الوحدة الإسلامية بين العرب وغيرهم من المسلمين تمثل الحصن المنيع الذي يوحد كلمة المسلمين وتجمع شملهم، لذا راح يعبر عن وجهة نظره قائلاً:([34]) (من البسيط)

القوم إخواننا نرضى وإن غضبوا
 

هم العروق ونحن الجسم إن قطعت
 

إذا تداعت معاذ الله دولتنا
 

 

و(الروم) أعداؤنا نأبى وإن حلموا
 

من المفاصل لم تقطع لها رحمُ
 

بظل من حرم الإسلام نعتصمُ
 

 

فالحويزي في هذه الأبيات يرى في أبناء الدولة العثمانية بأنهم إخوان العرب؛ وذلك لارتباطهم بعقيدة الدين الإسلامي الحنيف، وإن الصلة بينهم لن تنقطع، لأنها صلة الإسلام، وبها يكون الاعتصام، لذا نراه في أبيات أخرى من هذه القصيدة يتساءل عن موقف العجم حين لم ينهضوا دفاعاً عن الدولة الإسلامية، إذ يقول في ذلك:([35]) (من البسيط)

العربُ والتركُ قاموا دون حوزتهم
 

هذي أئمتكم طابت مشاهدها
 

وكلها حرمات الله لا تدعوا
 

 

لِم لا تقوم مواساةً لها العجمُ
 

وهذه (طيبة) و(البيت والحرمُ)
 

على حماها المسيحيون تزدحمُ
 

 

ثالثاً: الدعوة إلى الوحدة الوطنية والعربية:

لطالما كانت الوحدة الإسلامية من أهم أولويات الشعر السياسي عند الحويزي، فإن الوحدة الوطنية والعربية هي الأخرى دعا إليها أيضاً في أشعاره، وكانت من أهم أولوياته، ففي عام 1920م عندما أقدم الإنكليز على احتلال العراق، هبَّ أبناء العراق الغيارى ضد هذا العدو الغاشم بثورتهم العظيمة ثورة العشرين، والتي دافعوا فيها عن مقدساتهم وحرماتهم([36])، فنرى الحويزي وقف ناصحاً لأبناء وطنه، مبيناً لهم أهمية الوحدة الوطنية في مواجهة العدو، محذراً إياهم من عواقب الفتنة والفرقة والانشقاق، قائلاً:([37]) (من الوافر)

أيطلق شعبنا للزحف ساقا
 

لقد عقد الضغائن فيه خصمٌ
 

فأورى فتنةً عمياء شبت
 

فسوف عليه تختلف الأعادي
 

.......................................

.......................................

إذا لم يجمع الوطن احترازاً
 

لو اتفقت بنوه بكل أمرٍ
 

فكاد يطير نحو ذرى (الثريا)
 

فنشكر سعيه مذ أبَّ صلحاً
 

وحسن الاتفاق له معانٍ
 

 

وكم خطبٍ له الحدثان ساقا
 

بخدعته ليحتل (العراقا)
 

ليصلي حزب جيرته احتراقا
 

إذا رفضت بنوه الاتفاقا
 

.......................................

.......................................

تودعه يد الدنيا فراقا
 

لأدرك جري عزمته السباقا
 

علاً لكن نزاع بنيه عاقا
 

ووقت الغيظ قدره فواقا
 

هوته النفس إن تليت دقاقا
 

 

أما عن الوحدة العربية، فقد عمل الشعر على تكوين الوجدان الجماعي المشترك للأمة العربية، حيث تفاعل الشعراء مع كل ما يجري من أحداث في الوطن العربي، وسجلوا ذلك في أشعارهم([38]) على أساس أن الأمة العربية هي أمة واحدة على الرغم مما وضعه الاستعمار من قيود وحدود، ومنهم الشاعر الشيخ عبد الحسين الحويزي الذي لم يقف مكتوف الأيدي من الأحداث العربية والقومية التي جرت في البلدان الأخرى، حيث كان من الشعراء العرب الذين أسهموا وبدور فاعل في خدمة القضية الفلسطينية، لذا فقد كان لفلسطين نصيب وافر في شعر الحويزي، إذ لم ينسَ الحويزي هموم إخوانه العرب في فلسطين ، إذ  كان يتأسف ويتوجع لما يفعله اليهود بهم، لذا نراه يلجأ إلى تعبئة الجماهير العربية وتشجيعهم على الثورة ضد العصابات اليهودية إذ يقول في ذلك:([39]) (من البسيط)

أبناء يعرب هبوا من مضاجعكم
 

هذي (فلسطين) لا طابت حياتكمُ
 

وتجعلون نحوراً منكم نصبت
 

فالعرب تعلو متى أبدت مظاهره
 

وحق للشعب أن يدمي أنامله
 

 

من راكبٍ صهوة العليا ومرتدفِ
 

إن لم تسوقوا لها الأرواح للتلفِ
 

لأسهم الموت في الهيجاء كالهدفِ
 

في (كربلاء) وفي (الزوراء)و(النجفِ)
 

على ديار العلى بالحزن والأسفِ
 

 

فهذه الأبيات تدلل على أهمية الوحدة العربية بين الشعوب، إذ طالب الحويزي (أبناء يعرب) بأن يهبوا بوجه اليهود للدفاع عن فلسطين لأن فلسطين هي مسؤولية العرب جميعهم.

ويرى الحويزي أن الوحدة العربية والقومية لا يمكن أن تكون ولا يمكن أن تتحقق إلا بأن يحقق العرب نصرهم في تحرير فلسطين من أيدي الغاصبين ويخفق لواء النصر فيها فيقول:([40]) (من الطويل)

بني يعربٍ هبوا نسوراً قشاعماً
 

ألا فانهشوا لحم العدى وهي جثَّمٌ
 

أقيموا لواء النصـر يخفق والعدى
 

 

تطبق أقطار الفضا بالصـراصرِ
 

بحد مخاليب الردى والمناسرِ
 

قلوبهم تهفو كأجناح طائرِ
 

 

فالقضية الفلسطينية عند الحويزي هي قضية العرب بأجمعهم، وإن هموم ومصير الشعب الفلسطيني هي هموم الشاعر، فلا فرق عنده بين الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى.

ولعل إحساس الشاعر بأهمية الوحدة العربية جعله يتوجه إلى إخوانه العرب مذكراً إياهم بمنزلتهم الرفيعة، مبيــــــناً لهم أن النصر مرتبط بوحدتهم ونهضتــــــهم، فيـــقول مفتخراً:([41]) (من البسيط)

لُسن العلى نطقت بالصدق لا الكذبِ
 

وفي المواكب تجلو كلما وثبت
 

أخلت من الهام أجسام العدى بظبا
 

عرب رماحهمُ في طول أذرعها
 

أسود غابٍ لها شوك القنا أجمٌ
 

لباسه للمنايا الحمر أبردها
 

لو صادفتها الضواري الطلس عاديةً
 

أضحت جموع العدى بالويل صارخةً
 

 

النصـر متصلٌ في نهضة العربِ
 

سود الغياهب بالبيض الظبا القضبِ
 

ملآن واعية الأيام بالرعبِ
 

من السما هي تبري حكة الجربِ
 

زئيرها يفزع الفرسان بالرهبِ
 

ولم تزل في الوغى كشافة الكربِ
 

تردُّ ناكصةً منها على العقبِ
 

تقول من ضرها واسوءَ منقلبي
 

 

فهذا النص وما فيه من معانٍ جميلة رائعة نظمه الحويزي في ثورة العشرين المباركة، حيث طالب فيه بنهضة العرب جميعهم لمقارعة الإنكليز المحتلين والوقوف مع إخوانهم العراقيين في مواجهة بريطانيا، مبيناً من خلاله ومفتخراً بشجاعة العرب وبسالتهم في مقارعة الأعداء، مؤكداً أن النصر معقود بوحدتهم.

وأشار الحويزي أيضاً إلى بيان أهمية الوحدة العربية، وذلك من خلال تذكير العرب بانتصارات أجدادهم على الفرس في معركة ذي قار ومعركة القادسية، مفتخراً بهم على العجم في قصيدة له:([42])   (من الرجز)

سمت بنو العرب على الأعاجمِ
 

وقد علت صهوة عز فارسٍ
 

أرت بني ساسان ذلاً لم تكن
 

....................................

....................................

ويوم (ذي قار) وطت هاماتِهم
 

ما وجد (النعمان) كسـرى كفوه
 

لو أنه زوجه ببنته
 

وفي الوغى بادركم بموكبٍ
 

طرتم بغاثاً والصقور فوقكم
 

ويوم حرب (القادسية) انثنت
 

قدت ظبا العرب لكم سلاسلاً
 

 

بمفخر مرتفع الدعائمِ
 

رجالهم بموطئ المناسمِ
 

فاهت به الكهان بالملاحمِ
 

....................................

....................................

سنابك للشزب الصلادمِ
 

بالبأس والمعروف والمكارمِ
 

لم ينج من ألسنة اللوائمِ
 

فرسانه كالأنسـر القشاعمِ
 

من يعربٍ خافقة القوادمِ
 

أبطالكم هزيمة لهازمِ
 

بها انعقدتم في وغى الملاحمِ
 

 

فالشاعر أكد من خلال هذا النص على أهمية الوحدة العربية والقومية من خلال استلهامه للموروث التاريخي في معركتي ذي قار والقادسية، إذ لولاوحدة أجدادنا العرب لما تحقق النصر في هذه المعارك.

رابعاً: وصف استبداد الحكام وخيانتهم لشعوبهم:

ومن الموضوعات الأخرى التي حفل بها الشعر السياسي في ديوان الحويزي هي وصف استبداد الحكام وخيانتهم لشعوبهم، إذ استطاع الشاعر بما يمتلك من جرأة في التعبير من وصف وتصوير استبداد الحكام وظلمهم لشعوبهم ووصف خيانتهم وتعاونهم مع المستعمر، وذلك حين قدموا ولاءهم للمحتلين وتناسوا مصلحة ومصير أبناء شعبهم الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل بلادهم، حيث استطاع الحويزي أن ينظم قصائداً عدة في إدانة هؤلاء الحكام الذين ساروا في ركاب الأجنبي، وقدموا بلادهم طعمة سائغة بيد الأشرار، إذ راح الشاعر يندد بظلمهم وفساد حكمهم بعد أن بطشوا بشعوبهم وزوروا الحقوق وضيعوا الدستور، فيقول في إحدى قصائده التي نظمها سنة 1922م بعد أن حصلت البلاد على استقلالها الذي ناضلت من أجله وقدمت الضحايا الجسيمة، ولكن آمال الشعب خابت بعد أن غدا الاستعمار يسير الحكام الجدد وراء الأستار([43])، فصور الشاعر ذلك الواقع أصدق تصوير فقال:([44]) (من الكامل)

العدل أصبح خاملاً مهجورا
 

لا عاصمٌ من حكم عاصمة بدا
 

كيف المقام وقد طغت أمراؤها
 

قيل الحكومة بالرعية حرةٌ
 

إني أقرر بعض ما يعزى لها
 

أترى الذي في الشعب يطلب حقه
 

لا يستطيع بأن يفوه لسانه
 

نحن الذين بنا بنى لهم الغنى
 

شعب لديه الجور منطلق الخطى
 

أمناؤه خانوا بنيه وديعة
 

 

ومعاهد (الزوراء) تبدي الزورا
 

بالفتك مرهف عزمها مشهورا
 

لما تولت (للعراق) أمورا
 

عرفت وينكر رقها التحريرا
 

لو كان تسمع أذنها التقريرا
 

دمه يحكم بالظبا مهدورا
 

مما يراه من العنا مسطورا
 

بمراقب الشـرف اليفاع قصورا
 

والعدل ظل مقيداً مأسورا
 

وزوروا الحقوق وضيعوا الدستورا
 

 

إلى أن قال في وصف هؤلاء الطغاة:([45]) (من الكامل)

نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم
 

 

والغي أخفى للرشاد ظهورا
 

 

 

ولعل شاعرنا الحويزي في هذا البيت قد تمكن من توظيف الموروث القرآني في نعت هؤلاء الحكام حين وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله: ﴿نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون﴾.([46])

وعندما يتحدث الشاعر عن استبداد الحكام وظلمهم، نراه يلجأ إلى تذكيرهم بفناء الدنيا متسائلاً عن ملوك الشرق والغرب قبلهم الذين فناهم الموت، موظفاً في ذلك فلسفته الدينية من الحياة في التعبير عن موقفه من هؤلاء المتجبرين، إذ لعله أراد من ذلك أن يكون سبباً في عودتهم إلى رشدهم، فيقول مخاطبهم:([47]) (من الطويل)

أغرتك دنيا للفناء مآلها
 

وتحسبها تبقى لعينيك غضةً
 

فكم قد مضت عنها قروم كثيرةٌ
 

فأين ملوك الشـرق والغرب غيبوا
 

 

وأسرع من لمع البروق زوالها
 

وفي كل يوم قد تغير حالها
 

وشدت إلى وصل المنايا رحالها
 

وللأرض قد هيلت عليهم رمالها
 

 

ونتيجة لما قام به هؤلاء الحكام من تواطؤ مع المستعمر الحاقد، دفع الحويزي إلى نعت هؤلاء الحكام بأنهم طغاة خائنون للأمانة التي أوصى بها الله سبحانه وتعالى، فيقول في ذلك:([48])     (من الكامل)

فهم الطغاة الخائنون أمانةً
 

 

للدين قد أوصى بها الخلاقُ
 

 

 

ويذم الحويزي في نتفةٍ من نتفه الحكام العرب على انقيادهم وراء المستعمر واصفاً سياستهم كدويبة تأكل في بلادهم، وذلك حين تآمروا على أبناء جلدتهم مع المستعمر وعملوا على تخريب بلادهم فيقول في ذلك:([49]) (من البسيط)

عجبت من ملأ (للعيسوية) قد
 

بزعمها أنها تبدي سياستها
 

 

قيدت كما ببراها قيدت العيسُ
 

وإنها أرضةٌ في الأرض أو سوسُ
 

 

فقد قصد الشاعر في هذه الأبيات الحكام الذين ساروا في ركاب النصارى الإنكليز.

ولم يكتفِ الحويزي بفضح سياسة الحكام العرب فحسب، بل صور لنا أيضاً سياسة المخبرين والعملاء، وما فعلوه بأبناء جلدتهم من ظلم وقمع وتعسف، وما قاموا به من دور سلبي في الفساد السياسي الذي ساد في البلاد، شأنه في ذلك شأن الكثير من الشعراء إبان عصره([50])، إذ يقول في سياسة هؤلاء:([51])          (من البسيط)

أضحت فحول رجالٍ قد وثقت بها
 

يا ليتهم نقلوا بالصدق حادثةً
 

 

(للإنجليز) على الدنيا جواسيسا
 

ما زيفوا عندها الأنباء تلبيسا
 

 

خامساً: تصوير معاناة الشعوب

لم يكن الحويزي بعيداً عن الحياة القاسية المؤلمة التي كان يعيشها أبناء وطنه من جراء سياسة الاستعمار والحكام، إذ أن إحساس الحويزي المرهف جعله يحس ويتألم بكل ما كان يتجرعه أبناء بلده إذ راح يترجم ذلك الإحساس إلى قصائد شعرية، بيّن فيها عن تلك المعاناة التي كان يتجرعها أهله وإخوانه، فكان في ذلك شأنه شأن غيره من شعراء تلك الحقبة الذين اتخذوا من الشعر «صوراً متعددة للتعبير عما يعانيه الناس من قلق ومن شعور بالظلم والاضطهاد»([52])، فلما عُقدت المعاهدة العراقية البريطانية في عام 1930م وما أعقب هذه المعاهدة من ظلم وقهر وجور وأذى لحق بأبناء الشعب العراقي، نرى الحويزي قد وقف متألماً واصفاً هذه المعاناة بقوله:([53]) (من الخفيف)

خسـرت صفقة (العراق) مبيعا
 

تبصـر الظلم عينه وتعيه
 

شب فاشتد منه كاهل كهلٍ
 

ضاق من كثرة الحوادث صدراً
 

كان في غبطة من العيش يلهو
 

بسم الشعب قبل ذاك وأضحى
 

قلقاً بات من طروق الدواهي
 

.......................................

.......................................

وطغى الجور فيه في كل ربعٍ
 

ظل يشكو من الخطوب جراحاً
 

 

ولأهليه كل حقٍّ أُضيعا
 

أذنه لم يزل بصيراً سميعا
 

ويراه الخصيم طفلاً رضيعا
 

أرحباً يملأ الفضاء الوسيعا
 

فانثنى يشتكي أواماً وجوعا
 

باكياً كالأسيف يذري الدموعا
 

لم تذق مقلتاه ليلاً هجوعا
 

.......................................

.......................................

وقوى قلبه من الهول ريعا
 

دامياتٍ فخر منها صريعا
 

 

وقال أيضاً في وصف ما يقاسيه الشعب من محن وآلام:([54]) (من الكامل)

لا زلت يا وطني تقاسي
 

لا صاحب لك موثقٌ
 

أتحس إيلام الحوادث
 

لا بات طرفك مغفياً
 

فتنت بعقوتك المطامع
 

وجزت حكومات القضا
 

....................................

....................................

واليوم أسدك في العرين
 

ساوت بطاح الأرض منك
 

وقروم عزك أصبحت
 

والظلم يصبح رهن حيك
 

 

سقماً ألم بغير آسي
 

عهداً ولا خلٌّ مواسي
 

أم بقيت بلا حواسِ
 

عنا بغاشية النعاسِ
 

وارتمت ناساً بناسِ
 

بين ارتشاءٍ واختلاسِ
 

....................................

....................................

تذلها عفر الكناسِ
 

بخفضها قلل الرواسي
 

خلو الأنوف من العطاسِ
 

والظلام به يماسي
 

 

فقد خاطب الحويزي في هذا النص وطنه موضحاً من خلال ذلك الخطاب ما كان يقاسيه أبناء وطنه من الويلات والحرمان، وما جرى عليهم من ظلم وقسوة وتعسف وإرهاب، واصفاً ما كان يجري في مؤسسات الدولة من رشوةٍ واختلاس، وما كان يجري في السجون من ظلم وتعسف.

ولم تقتصر معاناة الشعوب على ممارسة القمع والجور والتعسف بحقهم فحسب، بل عانوا أيضاً من سرقة خيرات بلادهم وأموالهم وتقديمها إلى المحتل، وذلك عن طريق المعاهدات التي أبرمها ساسة البلاد مع الغاصبين المحتلين، فيقول الحويزي في وصف هذه المعاناة:([55]) (من الطويل)

ونقصت الأعمار منا سنونها
 

وقد حرمت عن الموارد بالظما
 

وأيامها عادت علينا ليالياً
 

فكم من عهودٍ أبرمتها أكفها
 

وحرية الأديان في كل أمةٍ
 

ونحن عرتنا رقبة الأسر فانثنت
 

بأوجههم تبلو ضغون صدورهم
 

 

ومدت على صيد النفوس حبالها
 

وساغ وروداً للئام زلالها
 

وقد غاب عنا بالمحاق هلالها
 

وللرجل داستها بوطئ نعالها
 

بفكرة أس العدل صح اعتلالها
 

رقاب لنا قد أوثقتها حبالها
 

كما يبدو في المرآة رسماً خيالها
 

 

وأخيراً يمكن القول أن الشعر السياسي عند عبد الحسين الحويزي يحمل في طياته موضوعات عديدة زخرت بأسمى المبادئ الوطنية والقومية، كان الهدف فيها التعبير عن رغبته في تحقيق الوحدة الإسلامية والعربية ونبذ الفرقة والانشقاق بين صفوف الشعب من أجل الوقوف بوجه العدو الغاصب الذي حاول النيل من المسلمين والعرب.

الخاتمة

ويمكن إجمال أبرز نتائج البحث بالنقاط الآتية:

  1. يعد الشاعر عبد الحسين الحويزي واحداً من الشعراء العراقيين البارزين الذين دافعوا عن أوطانهم وحرياتهم في شعرهم.
  2. جسد الحويزي في شعره السياسي مرحلة ثورية مهمة من مراحل حياة الشعب العراقي والعربي بمضامينها المتنوعة.
  3. لجأ الحويزي في شعره السياسي إلى إيقاظ الحس الوطني والقومي، وجند طاقاته لشخذ النفوس والهمم والإحساس بضرورة تغيير الواقع العربي والوقوف مع الشعوب من أجل تحريرها عدلاً وإنسانية.
  4. اكتضت موضوعات الشعر السياسي عند الحويزي بأسمى المبادئ الوطنية والقومية والتي كان الهدف منها التعبير عن رغبته في تحقيق الوحدة الإسلامية والعربية.
  5. استطاع الحويزي بما يمتلك من جرأة في التعبير من فضح سياسة الحكام وإدانتهم ووصف خيانتهم لشعوبهم، وذلك حين ساروا في ركاب المحتل وقدموا بلادهم طعمةً سائغة بيد الأشرار.
  6. اتخذ الحويزي من شعره وسيلة للتعبير عما كان يعانيه الناس آنذاك من قلق ومن شعور بالظلم والاضطهاد.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم
  • الاتجاهات الوطنية في الشعر العراقي الحديث (1914- 1941)، د. رؤوف الواعظ، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1974م.
  • الاتجاه القومي في الشعر العربي الحديث، د. عمر الدقاق، الطبعة الرابعة، دار الشرق العربي، بيروت، 1985م.
  • أدب الطف أو شعراء الحسين من القرن الأول الهجري حتى القرن الرابع عشر، جواد شبر، الطبعة الأولى، مؤسسة التاريخ العربي، لبنان، 2001م.
  • الأدب العربي في كربلاء (من إعلان الدستور العثماني إلى ثورة تموز 1958م)، اتجاهاته وخصائصه الفنية، د. عبود جودي الحلي، الطبعة الثالثة، مكتبة الحكمة، كربلاء، 2014م.
  • الأديب والالتزام، د. نوري حمودي القيسي ، دار الحرية ، بغداد ، 1979م.
  • البيوتات الأدبية في كربلاء، موسى إبراهيم الكرباسي، د. ط، كربلاء، 1968م.
  • تاريخ الشعر السياسي، أحمد الشايب، الطبعة الخامسة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1976م.
  • تاريخ الشعوب الإسلامية، كارل بروكلمان، ترجمة نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، الطبعة السابعة، بيروت، 1977م.
  • ديوان الحويزي، الشيخ عبد الحسيح الحويزي، جمعه وعلق عليه حميد مجيد هدو، منشورات دار ومكتبة الحياة، بيروت، 1964م.
  • زمن الشعر ، أدونيس ، الطبعة السادسة ، دار الساقي ،2005م.
  • السخرية في الشعر العراقي الحديث (من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى عام 1980م)، أحمد صبيح محيسن الكعبي، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، 2011م.
  • شعراء الغري أو النجفيات، علي الخاقاني، النجف، 1954م.
  • شعراء من كربلاء، سلمان هادي الطعمة، النجف، 1966-1969م.
  • شعر الاحياء في اليمن (دراسة موضوعية فنية)، محمد أحمد عبد الله الزهيري، رسالة ماجستير، كلية التربية، الجامعة المستنصرية، 2000م.
  • الشعر السياسي (دراسة وصفية نقدية)، من وفاة الرسول(ص) إلى نهاية العصر الأموي، د. حبيب مغنية، الطبعة الأولى، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 2009م.
  • الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر، إبراهيم الوائلي، مطبعة العاني، بغداد، 1961م.
  • الشعر العراقي أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر، د. يوسف عز الدين، مطبعة الزهراء، بغداد، 1958م.
  • علاقة السياسي بالأديب في المجتمع العربي، حسين مروة، مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب، دمشق، العدد 17، 1985م.
  • القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1977م.
  • كربلاء في ثورة العشرين، سلمان هادي آل طعمة، الطبعة الأولى، بيسان، بيروت، 2000م.
  • لسان العرب، أبو الفضل محمد بن مكرم بن منظور الأنصاري الأفريقي المصري (ت 711هـ)، حققه وعلق عليه ووضع حواشيه عامر أحمد حيدر، مراجعة عبد المنعم خليل إبراهيم، الطبعة الأولى، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، 2003م.
  • معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام، د. محمد هادي الأميني، الطبعة الأولى، 1964م.
  • معجم الشعراء العراقيين المتوفين في العصر الحديث ولهم ديوان مطبوع، جعفر صادق حمودي التميمي، الطبعة الثانية، مطبعة مجمع أهل البيت، النجف الأشرف، 2008م.
  • معجم الشعراء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002م، كامل سلمان الجبوري، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت.
  • ملامح من الشعر السياسي في ديوان محمد رضا الشبيبي، د. محمد عبد الحسين الخطيب، د. عبود جودي الحلي، من بحوث المؤتمر العلمي الخامس، جامعة بابل، نيسان، 1999م.
  • موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين، حميد المطبعي، الطبعة الأولى، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1995م.

الوطنية في شعر كربلاء، توفيق حسن العطار، النجف، 1978م.

 

 

[1] - ينظر: معجم الشعراء العراقيين المتوفين في العصر الحديث ولهم ديوان مطبوع، جعفر صادق حمودي التميمي: 1/254، وينظر: معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام، د. محمد هادي الأميني: 1/457.

[2] - ينظر: شعراء الغري، علي الخاقاني: 5/231، وينظر: شعراء من كربلاء، سليمان هادي آل طعمة: 1/253.

[3] - ينظر: الوطنية في شعر كربلاء، توفيق حسن العطار: 572.

[4] - ينظر: أدب الطف أو شعراء الحسين من القرن الأول الهجري حتى القرن الرابع عشر، جواد شبر:   /126.

[5] - ينظر: المصدر نفسه:    /126.

[6] - ينظر: المصدر نفسه:    /126، وينظر: معجم الشعراء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002م، كامل سلمان الجبوري: 3/ 81، وينظر: موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين، حميد المطبعي، 2/138.

[7] - ينظر: معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام: 1/ 457، وينظر: معجم الشعراء العراقيين المتوفين في العصر الحديث ولهم ديوان مطبوع: 1/ 254.

[8] - ينظر: ديوان الحويزي الشيخ عبد الحسين الحويزي: 1/18، وينظر: موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين: 2/138.

[9] - الاتجاهات الوطنية في الشعر العراقي الحديث 1914-1941: د. رؤوف الواعظ: 338.

[10] - ينظر: معجم الشعراء العراقيين المتوفين في العصر الحديث ولهم ديوان مطبوع: 1/254، وينظر: معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام: 457.

[11] - ينظر: معجم الشعراء العراقيين المتوفين في العصر الحديث ولهم ديوان مطبوع: 1/254، وينظر: معجم الشعراء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002م: 3/81، وينظر: الأدب العربي في كربلاء من إعلان الدستور العثماني إلى ثورة تموز 1958م، اتجاهاته وخصائصه الفنية، د. عبود جودي الحلي: 85.

[12] - معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام: 1/457.

[13] -ينظر: البيوتات الأدبية في كربلاء، موسى إبراهيم الكرباسي: 195.

[14] - الديوان: 15.

[15] - ينظر: لسان العرب، ابن منظور: (مادة سوس)، وينظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي: (مادة سوس).

[16] - شعر الاحياء في اليمن (دراسة موضوعية فنية)، محمد أحمد عبد الله الزهيري، رسالة ماجستير، الجامعة المستنصرية، كلية التربية، 2000م: 11.

[17] - ينظر: تاريخ الشعر السياسي، أحمد الشايب: 5.

[18] - الاتجاهات الوطنية في الشعر العراقي الحديث: 335.

[19] - ينظر: الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر، إبراهيم الوائلي: 116 وما بعدها، وينظر: الشعر السياسي (دراسة وصفية نقدية) من وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى نهاية العصر الأموي، حبيب مغنية: 109.

[20] - ينظر: ملامح من الشعر السياسي في ديوان محمد رضا الشبيبي، د. محمد عبد الحسين الخطيب، ود. عبود جودي الحلي، من بحوث المؤتمر العلمي الخامس، جامعة بابل، نيسان، 1999م.

[21] - ينظر: الأديب والالتزام، د. نوري حمودي القيسي: 85، وينظر: علاقة السياسي بالأديب في المجتمع العربي، حسين مروة، مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب، دمشق، العدد 17، 1985م: 19.

[22] - الديوان: 27.

[23] -ينظر: زمن الشعر، أدونيس: 85.

[24] -الديوان: 45.

[25] - الديوان: 29.

[26] - الديوان: 51.

[27] - سورة القيامة: الآية:35.

[28] -الديوان: 80.

[29] - الديوان: 80.

[30] - الديوان: 53.

[31] - ينظر: الأدب العربي في كربلاء (من إعلان الدستور العثماني إلى ثورة تموز 1958م)، اتجاهاته وخصائصه الفنية: 52.

[32] - الديوان: 34.

[33] - ينظر: تاريخ الشعوب الإسلامية، كارل بروكلمان: 601.

-[34] الديوان: 37، وينظر: الأدب العربي في كربلاء (من إعلان الدستور العثماني إلى ثورة تموز 1958م)، اتجاهاته وخصائصه الفنية: 54.

[35] - الديوان: 37.

[36] -ينظر: كربلاء في ثورة العشرين، سلمان هادي آل طعمة: 74.

[37] - الديوان: 34.

[38] - ينظر: الاتجاه القومي في الشعر العربي الحديث ، عمر الدقاق: 242.

[39] الديوان: 41.

[40] الديوان: 43.

[41] - الديوان: 63.

[42] - الديوان: 71.

[43] - ينظر: الديوان: 32.

[44] - الديوان: 32.

[45]  - الديوان: 32.

[46] - سورة البقرة: الآية: 101.

[47] - الديوان: 39.

[48] - الديوان: 47.

[49] - الديوان: 42.

[50] - ينظر: السخرية في الشعر العراقي الحديث (من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى عام 1980م)، أحمد صبيح محيسن الكعبي، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، 2011م: 74.

[51] - الديوان: 42.

[52] -  الشعر العراقي أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر، د. يوسف عز الدين: 160.

[53] - الديوان: 50.

[54] - الديوان: 58.

[55]- الديوان: 39.