الباحث: حسن الياسري
تصنیف البحث: القانون
من صفحة: 48
إلى صفحة: 82
النص الكامل للبحث: PDF icon 180419-145910.pdf
خلاصة البحث:

إن عملية نقل الجنسية إلى الأولاد إنما تتم بالأساس عن طريق الأب. وأعني بذلك أن الأب يفيض بجنسيته المفروضة – الأصيلة - على الأولاد، فولد العراقي عراقي، وهكذا. وهذا ما درجت عليه معظم التشريعات في العالم. أما الأم فإن القاعدة العامة،أنها غير قادرة على نقل الجنسية الأصيلة إلى الأولاد بالسوية مع الأب، ولكن، وبالنظر للإعتبارات الإنسانية، فإن التشريعات العربية، قد قضت – بصورةٍ عامة – بإمكانية الأم على نقل جنسيتها إلى الأولاد، ولكن بصورةٍ إستثنائية، وبناءً على توافر شروطٍ معينة. ولقد بقي الحال على ما هو عليه، حتى جاء التغيير في عامي 2004 و2005، وما تلاهما. وبمقتضاه غدا للأم – في بعض التشريعات - الحق في نقل الجنسية الأصيلة إلى الأولاد بالسوية مع الأب، ودون قيدٍ أو شرطٍ مضاف. بيد أن ذلك التغيير ما زال محدوداً وفي تشريعات ٍ محدودة.  

البحث:

المقدمة:ـ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا وشفيعنا محمدٍ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. وبعد: فإن مقدمة البحث ستخصص لبحث المحاور الآتية:

أولا:ـ إشكالية البحث:

إن الإشكالية التي يطرحها البحث، تتمثل في إثارة التساؤل المتعلق بقدرة الأم على نقل الجنسية إلى الأولاد، فهل الأم لها القدرة ذاتها التي يمتلكها الأب في نقل الجنسية، أو لا؟

للإجابة عن هذا التساؤل، ينبغي الإشارة إلى أن هنالك محورين في عملية نقل الجنسية.

المحور الأول: ومفاده أن كلاً من الأب والأم لهما القدرة على نقل الجنسية إلى الأولاد.

وبمقتضى هذا المفهوم يكون للأم الحق في نقل جنسيتها إلى أولادها، على حد السواء، مع الأب، إذ تنتقل الجنسية هنا، بناءً على ما يمكن تسميته  "حق الدم المطلق". إن غالبية التشريعات، لحد الآن، ما زالت قاصرةً عن الوصول إلى هذا المفهوم.

المحور الثاني : ومؤداه أن الأب وحده، هو القادر على نقل الجنسية إلى الأولاد، دون الأم، بناءً على "حق الدم المطلق". بيد أن ذلك لا يمنع الأم من نقل الجنسية إلى أولادها، بطريقٍ آخر. بعبارةٍ أوضح، إن عملية نقل الجنسية، من قبل الأب والأم، على وفق هذا التصور، قد تتفق من حيث المفهوم، لكنها تختلف من حيث المدى. وبيان ذلك، إن المحصلة النهائية، هي أن كلاً من الأب والأم سينقل الجنسية إلى الأولاد. أما من حيث المدى، فإن الأب سينقل الجنسية بصورةٍ مطلقة " حق الدم المطلق"، أما الأم، فإنها ستنقل الجنسية، بصورةٍ استثنائية، لا أساسية. وهو ما يمكن أن يعرف بـ "حق الدم الثانوي. إن هذا المحور، يمثل، وبلا ريب، الاتجاه الغالب في التشريعات، بصورةٍ عامة، والتشريعات العربية بصورةٍ خاصة.

وبناءً على ما تقدم، يغدو من المحبذ، دراسة هذا الموضوع، ومايثيره من إشكالياتٍ تتمثل بوقوع أولاد الأم الوطنية - المتزوجة برجلٍ أجنبي - في حالة أو ظاهرة اللاجنسية، إذ ربما يغدو هؤلاء الأولاد - ثمرة هذا الزواج - دون جنسيةٍ، ولا سيما في تلك الحالة التي يحدث فيها الفراق والطلاق بين الأبوين، وتعود الأم إلى وطنها لتجد أن أولادها يعانون أحد الأمرين:

إما أن يكونوا بلا جنسية أساسا، لا جنسية الأم، ولا جنسية الأب. أو أن يكونوا قد حصلوا على جنسية أبيهم - الأجنبية - ويجدون أنفسهم، يعيشون في وطنهم - وطن الأم - بلا جنسيةٍ، ويعاملون معاملة الأجانب. وغنيٌ عن البيان، مدى الصعوبات والمشكلات التي سيعانون منها طيلة تلك المدة.

ثانياً:ـ هدف البحث:

إن ما يروم البحث الوصول إليه، هي أن عدم قدرة الأم على نقل جنسيتها إلى أولادها، ليست ظاهرةً عابرةً، أو ظاهرةً مرتبطةً بتشريعٍ دون آخر ـ فالحقيقة أن هذه الظاهرة، هي ظاهرة ٌعالمية، وإن الذين يريدون تصحيحها، لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً، ما لم يكن ثمة إجماعٍ دولي على ضرورة تبنيها. ينبني على ذلك، أن نقول، إن من المفترض ابتدءاً أن تحصل قناعة لدى المجتمع الدولي، ولدى المشرع الوطني على إعطاء الأم هذا الدور الأساس، ثم يتم تبني ذلك في التشريعات الوطنية ـ وبعكس ذلك، فإن التشريع لوحده، دون قناعةٍ بجدواه، قد لا يغني من الأمر شيئاً.

ثالثاً:ـ نطاق البحث:

1ـ النطاق الشخصي:

وأعني به الأفراد الذين يسري عليهم البحث، وهؤلاء الأفراد، هم كلٌ من الأم الوطنية، التي تتزوج برجلٍ أجنبي. ثم أولادهم الذين هم ثمرة هذا الزواج. وهؤلاء قد يحصلون على جنسية أمهم، أو لا يحصلون. بل ربما سيكونون عديمي الجنسية.

2ـ النطاق الموضوعي:

وأعني به تحديد المركز القانوني للمرأة الوطنية المتزوجة بأجنبي، وما إذا كانت قادرةً على نقل جنسيتها إلى أولادها بصورةٍ مطلقة-  حق الدم المطلق -، أو أن دورها يقتصر على نقل الجنسية بصورةٍ استثنائية - حق الدم الثانوي -.

3ـ النطاق التشريعي:

إن التشريعات التي يعتمدها البحث، إنما تتمثل أساساً بتشريعات الجنسية، عربيةً وعراقيةً. وسنحاول إجراء المقارنة بين هذه التشريعات، لمعرفة موقفها من الموضوع الذي يطرحه البحث.

رابعاً:ـ خطة البحث:

بغية الإحاطة بموضوع البحث، فإننا سنقسم البحث، على فصلين إثنين، تسبقهما بطبيعة الحال مقدمة.

نتناول في الفصل الأول دور الأم في نقل الجنسية المبنّية على حق الدم المستمد منها - أي حق الدم الثانوي -،وهذا الفصل سينقسم بدوره على مبحثين إثنين، نخصص الأول منهما للحديث عن دور الأم هذا في ظل التشريعات العربية، وهذا المبحث بدوره يتوزع إلى مطلبين، نتناول في المطلب الأول منهما، دور الأم في نقل الجنسية المبنية على حق الدم الثانوي غير المعزّز بحق الإقليم، ونعرج في المطلب الثاني على دور الأم في نقل الجنسية المبنية على حق الدم الثانوي، والمعزّز بحق الإقليم. أما المبحث الثاني من هذا الفصل، فسنكرسه للحديث عن دور الأم في نقل الجنسية المبنية على حق الدم الثانوي في القانون العراقي.

أما الفصل الثاني، فسيكون مخصصاً للبحث في دور الأم في نقل الجنسية المبنية على حق الدم المستمد منها بصورةٍ مطلقة، ونعني به حق الدم المطلق. وحيث أن هذه القضية لما تزل مثاراً للجدل والاختلاف، ليس بين التشريعات فحسب، بل وبين الشراح والفقهاء، لذا يغدو صحيحاً التطرق إلى آراء كلٍ من المؤيدين لدور الأم هذا، والمعارضين. وهو ما سيكون محلاً للدراسة في المبحث الأول. أما المبحث الثاني، فلسوف نبين فيه موقف التشريعات العربية والعراقية، من هذا الدور. وهو ما يستلزم بطبيعة الحال، توزيع هذا المبحث إلى مطلبين، نبيّن في الأول منهما، موقف التشريعات العربية، ونوضح في الثاني موقف التشريعات العراقية، وبالخصوص قانون الجنسية العراقية النافذ –الجديد- رقم 26 لسنة 2006.

وبعد الانتهاء من هذا، وذاك، سوف نختم البحث بخاتمةٍ، نبيّن فيها أهم النتائج المستخلصة من البحث، وأهم التوصيات والمقترحات. ولسوف نتناول ذلك كله تباعاً، إن شاء الله تعالى.

ونسأله عز وجل أن يكون عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم، وان يوفقنا فيه. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، واليه أنيب-

ربي أدخلني مدخل صدقٍ، وأخرجني مخرج صدقٍ، واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً.

تمهيد

تتفاوت تشريعات الجنسية في دول العالم المختلفة من حيث الأخذ بالأساس الذي بموجبه يتم فرض الجنسية الأصيلة([1]).

ويمكن إجمال موقف التشريعات في هذا الصدد بالاتجاهات الثلاثة الآتية:

1ـ إتجاهٌ أول، يتبنى في فرض الجنسية الأصيلة ما يُعرف بأساس أو حق الدم الأصيل المستمد من الأب وحده، ومؤدى هذا الأساس أن يتم فرض الجنسية على المولود بمجرد ولادته ما دام أبوه وطنياً، وبغض النظر عن كون الولادة في داخل الإقليم أو خارجه. كما لو ولِد وَلدٌ لعراقي الجنسية - مثلاً - فإن هذا الولد سيكون بالتبعية لأبيه عراقي الجنسية أيضا،استناداً على أساس أو حق الدم المستمد من الأب، وسواء أكانت الولادة في داخل العراق أم خارجه. ولذا يعرف بـ "حق الدم الأصيل"([2])لأنه مستمدٌ من الأصل العائلي.

2ـ اتجاهٌ ثانٍ، يتبنى في فرض الجنسية الأصيلة ما يُعرف بأساس أو حق الإقليم. وبمقتضى هذا الأساس يتم فرض الجنسية على المولود الذي يولد في إقليم الدولة، بصرف النظر عن جنسية أبيه أو والديه.

3ـ إتجاهٌ ثالث، يقوم على أساس الأخذ بالحقين السابقين معاً في فرض الجنسية، أي بحق الدم وحق الإقليم معاً، ويتم الأخذ بذلك في حالة فرض الجنسية عن طريق الأم. بمعنى آخر أن التشريعات إنما تفرض الجنسية بناءً على حق الدم لوحده - في الغالب - فيما لو كانت الولادة للأب، أي بناءً على حق الدم المستمد من الأب وحده. أما لو كانت الولادة لأمٍ وطنية، وابٍ مجهول- مثلاً - أو لا جنسية له، ففي هذه الحالة يتم فرض الجنسية بناءً على أساسين، أو حقين اثنين:

الأول: هو حق الدم، وهو هنا مستمدٌ من الأم لا الأب.

الثاني: هو حق الإقليم، بمعنى أن تتم الولادة في الإقليم أيضا.

إن هذا البحث يأتي لدراسة حق الدم المستمد من الأم فقط، ودوره في نقل الجنسية. ومعلومٌ أن التشريعات العربية - وحتى الأجنبية - مختلفة في هذا الصدد، ذلك أن الغالب والشائع فيها، هو فرض الجنسية بناءً على حق الدم- الأصيل - المستمد من الأب وحده، ولا يكون للأم دورٌ في نقل الجنسية إلى أولادها إلا إذا تعزّز حق الدم بالحق الآخر، وأعني به حق الإقليم. وبناءً على ذلك يكون للام دورٌ في نقل الجنسية بناءً على حق الدم الثانوي - أي الدم المستمد من الأم - والمعزَّز بحق الإقليم.

وتأسيساً على ما قد سبق فإننا سنبحث ذلك كله في فصلين، نخصص الفصل الأول لبحث دور الأم في نقل الجنسية بناءً على حق الدم المستمد منها، وهو ما سنطلق عليه تسمية "حق الدم الثانوي أو الوقائي". ونخصص الفصل الثاني لبحث دور الأم في نقل الجنسية بناءً على حق الدم المستمد منها، وهو ما سنطلق عليه "حق الدم الأصيل ". وهو ما سنتناوله تباعاً إن شاء الله.

الفصل الأول: دور الأم في نقل  الجنسية المبنّية على حق الدم المستمَد منها (حق الدم الثانوي أو الوقائي)

يُعدُّ - كما تقدم - حق الدم الأصيل المستمد من الأب هو القاعدة والأساس الغالب اعتماده في التشريعات - ولا سيما التشريعات العربية - بمعنى أن يحصل المولود على جنسية أبيه فور ولادته وبقوة القانون.

وحيث أنّ ثمة حالاتٍ استثنائية يولد فيها الطفل لأبٍ مجهول أو عديم الجنسية، مما يعني أن هذا الطفل سيقع في حالة اللاجنسية، وسيكون عديم الجنسية، لأنه لا يستطيع أن يكتسب جنسية أبيه، ذلك أن هذا الأخير إما أن يكون مجهولاً - أي أن الولادة غير شرعية -، أو أن يكون معلوماً،لكن الأب ينكر النسب، أو أن يكون معلوماً لكنه عديم الجنسية.

وتلافياً لهذه الحالة الإستثنائية، ورعايةً للطفل من حالة انعدام الجنسية، فقد دأبت التشريعات العربية على إعطاء الجنسية لهذا المولود استناداً على حق الدم المستمد من أمه، وهو ما يمكن أن نسميه "حق الدم الثانوي". وذلك لأنه مفروضٌ على سبيل الاستثناء لا القاعدة، وإن شئت قلت انه مفروضٌ بشكل ثانوي لا أصيل أو – أصلي -. ويمكن أن أسميه أيضا "حق الدم الأُمّي أو الأمومي"، ذلك أنه مفروضٌ استناداً على حق الدم المستمد من الأم لا الأب. كما يمكن تسميته "حق الدم الوقائي أو الاحتياطي"، ذلك أنه مفروضٌ على سبيل الوقاية والاحتياط، وأنّ الغاية منه هي وقاية المولود من الوقوع في حالة اللاجنسية. وحيث أنّ هذا الحق يأتي استثناءً من القاعدة، لذا يمكن حصره في حالاتٍ ضيقةٍ جداً.

وبغية الإحاطة بهذه الحالات، فإننا سنتناول ذلك عبر مبحثين إثنين، نخصص الأول منهما لبيان موقف التشريعات العربية، ونكرس الثاني لإيضاح موقف القانون العراقي.

المبحث الأول: دور الأم في نقل الجنسية المبنّية على حق الدم الثانوي في التشريعات العربية

إنّ من يستقصي موقف التشريعات العربية، يخرج بنتيجةٍ مؤداها،أن ثمة إتجاهين إثنين في هذا الصدد.

إتجاهٌ أول، يجنح للأخذ بحق الدم المستمد من الام بوصفه حقاً ثانوياً لا أصيلاً، ودون الحاجة لأن يعزّز بحقٍ آخر. بعبارةٍ أوضح، إن هذا الاتجاه يأخذ في حالاتٍ استثنائيةٍ بحق الدم المستمد من الأم في فرض الجنسية على المولود، دون أن يشترط كون الولادة في إقليم الدولة.

واتجاهٌ آخر، يجنح للأخذ بحق الدم المستمد من الأم بوصفه حقاً ثانوياً، لا أصيلاً، أي على سبيل الإستثناء. ولكن بشرط، وهو أن يُعزَّز بحقٍ آخر، هو حق الإقليم، بمعنى أن تتم الولاة في إقليم الدولة.

وهو ما سنبينّه في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: نقل الجنسية بناءً على حق الدم الثانوي غير المعزّز بحق الإقليم

تأخذ بعض التشريعات العربية بهذا الاتجاه، ومؤدى ذلك أن تفرض الجنسية على المولود بناءً على حق الدم المستمد من أمه، بصرف النظر عن مكان الولادة. وسنتستعرض في أدناه موقف هذه التشريعات.

اولا: القانون السعودي:

إن موقف التشريع السعودي يختلف عن غيره من التشريعات العربية، وذلك بإنفراده بحصر الإعتراف بحق الدم الثانوي في ثبوت الجنسية من جهة الأم لمولودها، في حالةٍ واحدةٍ فقط، وهي حالة الولد الشرعي.

ولا شك في أن هذا الموقف يختلف تماماً عن موقف بقية التشريعات العربية،ذلك أننا قلنا أن الغاية من فرض هذه الجنسية هي حماية ورعاية الطفل المولود لأمٍ وطنية وأبٍ مجهول أو لا جنسية له. بمعنى آخر إن فرض الجنسية إنما يكون في حالة الولد غير الشرعي، او في حالة كون الاب عديم الجنسية.

أما التشريع السعودي فإنه لم يأخذ بحالة الولد غير الشرعي.أي أنه لم يعطه الحق في الجنسية، بل اقتصر الأمر على الولد الشرعي فقط، والمولود لأبٍ مجهول الجنسية أو عديمها.

وبهذا السياق جاءت المادة السابعة من نظام([3]) الجنسية السعودية رقم 4 لعام 1374هـ النافذ لتنص على الآتي:

"يكون سعودياً من ولد داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها لأبٍ سعودي أو لأمٍ سعودية وأبٍ مجهول الجنسية أو لا جنسية له".

ومن هذا النص يمكن أن نستخلص الآتي:

1ـ قد تبين أن المشرع السعودي لا يأخذ بحالة الولد غير الشرعي، وأن النص واضحٌ في دلالته على حالة المولود لأمٍ سعودية وأبٍ مجهول الجنسية أو عديمها، مما يعني أن الولادة ينبغي أن تكون شرعيةً.

ويبدو أن هذا التوجه مبعثه الفلسفة التي يعتنقها التشريع السعودي القائم على أساس احترام ثوابت الشريعة الإسلامية، وحيث أن الولد غير الشرعي لا نسب له، فكذا لا جنسية له. وهذا بلا ريب خلطٌ بين النسب والجنسية.

2ـ إن هذا النص - وكذا بقية النصوص في التشريعات العربية - يُفرق بين جهالة الجنسية، وانعدامها. وذلك أمرٌ صحيح، وقد درجت عليه التشريعات العربية، ومنها القانون العراقي - كما سيتضح لاحقاً - ذلك أن جهالة الجنسية تختلف عن انعدامها. فجهالة الجنسية تعني أننا نجهل جنسية الأب مع أنه قد تكون له جنسية في الواقع. أما انعدام الجنسية، فإنها تعني أنه ثابتٌ أن لا جنسية للأب([4]). وحالة اللاجنسية أو انعدامها تتحقق في حالاتٍ كثيرة، منها أن الأب قد أسقطت عنه الجنسية على سبيل العقوبة، أو انه قد فقدها بأحد أسباب الفقدان([5]).

3ـ ثمة فارقٌ في الآثار المترتبة على جهالة الجنسية، والآثار المترتبة على اللاجنسية أو إنعدامها، في حالة الكشف عن جنسية الأب فيما بعد، وحالة اكتساب الجنسية من قبل الأب عديم الجنسية بعد الولادة. ففي حالة اكتساب الأب عديم الجنسية، وقت ولادة ولده لجنسيةٍ لاحقةٍ، فإن هذا الكسب الجديد لا أثر له على جنسية ولده، إذ يظل الطفل متمتعاً بالجنسية التي منحت له على أساس حق الدم الثانوي، لأن العبرة بحالة الأب وقت ولادة الطفل، أما إذا كان الأب مجهول الجنسية وقت ولادة الطفل، ثم عُلم أن له جنسيةً أخرى، فهنا يجب الرجوع إلى أحكام الجنسية الأصيلة، حيث تثبت جنسية الأب لولده بناءً على حق الدم الأصيل.

ويُستنتج من هذا أن جنسية الأم الوطنية هنا تثبت لولدها بصفةٍ دائمةٍ إن كان الأب عديم الجنسية، بيد أنها تثبت بصفةٍ مؤقتةٍ، إن كان الأب مجهول الجنسية.

ثانيا: القانون الكويتي:

يُعدُّ القانون الكويتي من التشريعات التي أخذت بالاتجاه المتقدم في فرض الجنسية المبنيّة على حق الدم الثانوي غير المعزَّز بحق الإقليم، بيد انه يختلف عن القانون السعودي، وذلك بتوسيعه النص ليشمل الولد غير الشرعي. وتجدر الإشارة إلى أن موقف القانون الكويتي من هذه القضية قد مَر بمرحلتين:

أ- المرحلة الأولى:

هي  مرحلة صدور قانون الجنسية الكويتي النافذ رقم 15 لعام 1959 إذ نصت المادة الثالثة من هذا القانون على ما يأتي:

"يكون كويتياً 1ـ من ولد في الكويت أو في الخارج، من أمٍ كويتية، وكان مجهول الأب أو لم تثبت نسبته لأبيه قانوناً، أو كان أبوه مجهول الجنسية أو لا جنسية له".

وبمقتضى هذا النص يمكن استنتاج الآتي:

1- إن القانون الكويتي يضفي الجنسية المفروضة - الأصيلة - على الأولاد بناءً على حق الدم الثانوي المستمد من الأم، وذلك في حالتين:

ـ الحالة الأولى:ـ حالة كون الولادة لأمٍ كويتية وأبٍ مجهول أو لم يثبت نسب الولد إليه. ومعنى ذلك كون هذا الولد ولداً غير شرعي، وذلك بأن يكون ثمرة علاقة غير مشروعة، أو أن تكون ثمة علاقة لكن الأب لا يعترف بنسب ولده، فإن المحصلة من هذا وذاك هو كون الولد غير شرعي. وهنا يختلف القانون الكويتي - ومعه أكثر التشريعات العربية - عن موقف القانون السعودي الذي لا يأخذ بهذه الحالة - كما تقدم آنفاً -.

الحالة الثانية: حالة كون الولادة من أمٍ كويتية وأبٍ مجهول الجنسية أو عديمها، وفي هذه الحالة يكون الولد شرعياً وليس ثمة إنكار للنسب، لكن الأب مجهول الجنسية، فلا تُعرف جنسيته، أو أن يكون بالأصل عديم الجنسية. ففي هذه الحالة تفرض الجنسية على المولود استناداً على حق الدم المستمد من الأم، وبصرف النظر عن مكان الولادة سواءٌ أكانت في الكويت أم في خارجها.

2- إن العبرة بجنسية الأم وقت ولادة الطفل لا قبلها ولا بعدها، وعلى هذا ينبغي أن تكون الأم كويتية الجنسية لحظة ولادة ولدها. وكذا الحال فإن العبرة بكون الأب مجهولاً أو لم تثبت نسبة الولد إليه أو بكونه عديم الجنسية أو مجهولها، هو لحظة ولادة الطفل.

ويترتب على ذلك أنه في حالة كون الأب مجهولاً وقت الولادة، ثم عرف، أو لم يثبت النسب إليه وقت الولادة، ثم ثبت بعد ذلك، وتبين بأن الأب كويتي الجنسية وقت الولادة، بقيت للولد الجنسية الكويتية التي فرضت عليه بناءً على حق الدم الثانوي، لكن أساسها القانوني سيتغير إذ ستكون استناداً على حق الدم من قبل الأب لا الأم. أما إذا ثبت أن الأب كان متمتعاً بجنسيةٍ أجنبية وقت الولادة، ففي هذه الحالة تزول الجنسية الكويتية عن الطفل وبأثرٍ رجعي، لأن الولد القاصر يتبع أباه. وهكذا الحال فيما لو كان الأب مجهول الجنسية أو عديمها.

وكل ذلك مبنيٌ على كون فرض الجنسية بناءً على حق الدم الثانوي هو أساس أو ضابطٌ احتياطي أو وقائي، وان الأصل هو فرض الجنسية بناءً على حق الدم المستمد من الأب.

 

ب - المرحلة الثانية:

ونعني بها مرحلة تعديل النص القانوني السابق، إذ تم تعديله في عام 1980 على النحو الآتي:

"يكون كويتياً: 1ـ من ولد في الكويت أو في الخارج من أمٍ كويتية، وكان مجهول الأب أو لم تثبت نسبته لأبيه قانوناً".

وواضحٌ من هذا التعديل أنه قصر حالات إضفاء الجنسية الكويتية بناءً على حق الدم الثانوي على حالة كون الأم كويتيةً لحظة الولادة، وكون الأب مجهولاً أو لم يثبت نسب الولد إليه. بعبارةٍ أخرى انه قد حرم الأم الكويتية من حق نقل الجنسية إلى أولادها في حالة كون زوجها - أب هؤلاء الأولاد - مجهول الجنسية أو عديمها. وبهذا الشكل تزداد حالات انعدام الجنسية في الكويت، ذلك البلد الذي يعاني بالأساس من كثرة هذه الحالات، ولا سيما فيما يتعلق بما يسمى "البدون"([6]).

ثالثاً: القانون الإماراتي:

لقد سار القانون الإماراتي على نهج سلفه القانون الكويتي، في إعتناقه للمبدأ القائل بفرض الجنسية الإماراتية - الأصيلة -بناءً على حق الدم المستمد من الأم، بصرف النظر عن مكان ولادة الطفل، سواء أكانت في داخل الإمارات أم في خارجها، وبالحالات ذاتها.

فلقد نصت الفقرة "ج" من المادة الثانية من قانون الجنسية الإماراتية رقم 17 لعام 1972 النافذ على الآتي:

"يعتبر مواطناً بحكم القانون المولود في الدولة أو في الخارج من أمٍ مواطنة بحكم القانون ولم يثبت نسبه لأبيه قانوناً". وجاء في الفقرة "د" من المادة ذاتها: "يعتبر مواطناً بحكم القانون المولود في الدولة أو في الخارج من أمٍ مواطنة يحكم القانون ولابٍ مجهول أو لا جنسية له".

إن هذين النصين قد تضمنا حالتين لفرض الجنسية بناءً على حق الدم من ناحية الأم هما:

1ـ الحالة الأولى: المولود لأمٍ إماراتية بحكم القانون مع عدم ثبوت نسبه لأبيه:

إذ يشترط لإعمال هذه الحالة توافر شرطين:

ـ الشرط الأول: أن تكون الأم إماراتية يحكم القانون:

ومعنى ذلك أن تكون الأم مواطنة يحكم القانون، أي أن لا تكون متجنسةً بالجنسية الإماراتية، فإذا كانت متجنسةً فإنها لا تستطيع أن تنقل الجنسية إلى أولادها. ثم يجب أن تكون هذه الأم مواطنة بحكم القانون لحظة ولادة ولدها،لا قبل الولادة ثم تفقدها عند الولادة، ولا بعدها. ولا يهم جنس المولود ذكراً كان أو أنثى([7]).

ـ الشرط الثاني: عدم ثبوت نسب المولود لأبٍ من الناحية الشرعية:

ومعنى ذلك أن يكون المولود غير شرعي لأنه لم يثبت نسبه لأبٍ ما، أو كان هناك ادعاءٌ بانتسابه إلى أبٍ، لكن الأخير يُنكر نسبه.

وما قد قيل سابقاً، بصدد ثبوت النسب لاحقاً، يجري هاهنا أيضا. فإذا ثبت النسب فيما بعد وتبين أن الأب هو أجنبي الجنسية، فهنا تزول الجنسية الإماراتية عن المولود بأثرٍ رجعي، أي منذ ولادته، وبصرف النظر عما إذا حصل المولود بعد ذلك على جنسية أبيه أو لا، وكذا بصرف النظر عما إذا كان الولد قاصراً أو بالغاً. أما إذا اتضح أن الأب هو إماراتي الجنسية، فهنا ينبغي التفرقة بين ما إذا كان الأب إماراتي الجنسية بحكم القانون، أو كونه متجنساً بالجنسية الإماراتية. فإذا كان إماراتي الجنسية، ففي هذا الفرض تبقى جنسية المولود التي اكتسبها عن طريق أمه، لكن أساسها سيتغير، فبعد أن كان أساسها حق الدم المستمد من الأم، سيكون أساسها حق الدم المستمد من الأب.

أما إذا كان الأب إماراتيا بحكم التجنس، فهنا سوف يتمتع المولود بهذه الجنسية. بمعنى أوضح أن جنسيته ستكون إماراتية بحكم التجنس، أي انه سيكون متجنساً بالجنسية الإماراتية، لا إماراتيا بحكم القانون.وفي ذلك مفارقةٌ غريبة، فإن الولد غير الشرعي تكون جنسيته إماراتية بحكم القانون إذا كانت أمه كذلك، ولكن إذا كان له أبٌ شرعي متجنس بالجنسية الإماراتية فهنا ستكون جنسية المولود إماراتية بالتجنس. وينبني على ذلك أن الوضع القانوني للولد غير الشرعي سيكون أفضل حالاً من الولد الشرعي.

 

الحالة الثانية: المولود لأمٍ إماراتية بحكم القانون مع جهالة جنسية الأب أو انعدامها: وفي هذا الفرض ينبغي أن تكون الأم إماراتية بحكم القانون، لا متجنسةً وان يكون الأب مجهول الجنسية أو عديمها. وقد تم شرح ذلك سابقاً.

 

رابعاً: القانون التونسي:

لقد أخذ القانون التونسي – قبل التعديل الجديد في أواخر عام 2010 -  في أحدى حالاته بفرض الجنسية الأصيلة عن طريق الدم المنحدر من الأم، بصرف النظر عن مكان الولادة. اذ نصت الفقرة "2" من الفصل السادس من مجلة الجنسية التونسية عدد 6 لعام 1963 على الآتي:

"يكون تونسياً: 2ـ من ولد من أمٍ تونسية وأبٍ مجهول أو لا جنسية له أو مجهول الجنسية".

وبناءً على هذا النص فان المولود يكون تونسي الجنسية في فرضين:

الفرض الأول: إذا كان المولود غير شرعي، ففي هذا الفرض يستحق الجنسية التونسية بتوافر الشروط الآتية:

أـ أن تكون الأم تونسية الجنسية، ولا يهم بعد ذلك أن تكون هذه الجنسية أصيلةً أو مكتسبةً.

ب ـ أن يكون الأب مجهولاً. ومعنى ذلك أن لا يُعرف أب الولد. بعبارةٍ أخرى أن الولد هنا يكون ولداً غير شرعي.

ـ الفرض الثاني: إذا كان المولود شرعياً: ففي هذا الفرض يستحق الجنسية بتوافر الشروط الآتية:

أـ أن تكون الأم تونسية الجنسية.

ب ـ أن يكون الأب مجهول الجنسية أو لا جنسية له، أي عديم الجنسية. وقد تقدم شرح ذلك سابقاً.

ثم جاء تعديلٌ مهم في أواخر عام 2010 وتم بمقتضاه منح الجنسية التونسية إلى المولود في خارج تونس من أمٍ تونسية وأبٍ أجنبي،فلقد نص الفصل (4) من مجلة الجنسية التونسية على الآتي :

(يصبح تونسيا من ولد خارج تونس من أم تونسية وأب أجنبي والذي بلغ سن الرشد في تاريخ نفاذ القانون عدد 39 لسنة 2010 المؤرخ في 26 جويلية 2010،المتعلق بتوحيد سن الرشد المدني، على أن يطالب بالجنسية التونسية بمقتضى تصريح خلال السنة الموالية لنفاذ هذا القانون ويتم التصريح طبق أحكام الفصل 39 من مجلة الجنسية التونسية، ويكتسب المعني بالأمر الجنسية التونسية من تاريخ تسجيل التصريح مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها بالفصليين 15 و 41 من المجلة المذكورة ).

ويُستنتج من هذا النص ما يأتي :

1- إن هذا النص جاء ليعالج مشكلة المولود في خارج الإقليم التونسي من الأم التونسية،إذ أن القانون قبل تعديله لم يكن يمنح هذا المولود الجنسية التونسية، بل كان يشترط أن تكون الولادة في داخل تونس – كما سيتضح -.                                                                                                 

2- يُشترط لإعمال هذا النص توافر الشروط الآتية :

أ-أن تكون الأم تونسية الجنسية لحظة الولادة.

ب-أن تكون الولادة في خارج تونس.

ج-أن يكون  الأب أجنبياً.

د- أن يكون المولود قد بلغ سن  الرشد في عام  2010، أي وقت صدور قانون التعديل.مما يعني أن من  لم يكن بالغاً سن الرشد في هذا الوقت، فإنه لا يستفيد من هذا الإمتياز.

ه- أن يقدم المولود طلباً لإكتساب الجنسية التونسية بعد مرور عامٍ على بلوغه سن الرشد.ويتم  منحه الجنسية من تأريخ تسجيل الطلب.

 خامساً: القانون الجزائري:

ينبغي أن نميز بصدد القانون الجزائري بين مرحلتين :

المرحلة الأولى : هي مرحلة قانون الجنسية الجزائرية رقم 70-86 لسنة 1970 قبل تعديله في سنة 2005.

المرحلة الثانية : مرحلة التعديل الكبير والمهم في سنة 2005.

وحيث أن موضوع بحثنا في هذا الفصل له صلةٌ بالمرحلة الأولى، لذا سنذكر موقف القانون لجزائري في هذا المقام.إذ أخذ القانون الجزائري، قبل تعديله،- كما القانون التونسي - في أحدى حالاته بفرض الجنسية الجزائرية على المولود من أمٍ جزائرية وأبٍ مجهول. حيث نص الفصل الخامس من القانون على الآتي:

"يكون جزائرياً بالنسب: 1- : الولد  المولود من أمٍ جزائرية وأبٍ مجهول.

                           2- الولد المولود من أمٍ جزائرية وأبٍ عديم الجنسية ".

وطبقاً لهذا النص ينبغي توافر الشروط الآتية:

أـ أن تكون الأم جزائرية الجنسية، وسواء أكانت هذه الجنسية أصيلةً أم مكتسبة.

ب ـ أن يكون الأب مجهولاً، أي غير معروف. بمعنى آخر، أن المولود ناشئٌ عن علاقةٍ غير شرعية. أو أن يكون الأب عديم الجنسية. ولا يهم بعد ذلك أن تكون الولادة في داخل إقليم الجزائر أو خارجه، وسواء أكان الولد ذكراً أم أنثى. ولقد بات معلوماً أن التشريعات التي تأخذ بهذا الاتجاه - ومنها القانون الجزائري - إنما تهدف إلى تلافي حالة انعدام الجنسية.

سادساً:ـ القانون العُماني:

نصت المادة الأولى من قانون الجنسية العمانية رقم 3-83 النافذ على الآتي: "يعتبر عمانياً حكماً: 2ـ من ولد في عُمان أو خارجها من أمٍ عمانية وكان مجهول الأب إذا لم تثبت بنوته لأبٍ شرعاً أو كان أبوه عمانياً وأصبح فاقد الجنسية ".

ومن هذا النص يتضح أن القانون العماني يفرض الجنسية على المولود من أمٍ عمانية، وبصرف النظر عن مكان الولادة، سواء أكانت في داخل عُمان أم في خارجها. بشرط أن يكون الأب مجهولاً، أي لم يثبت النسب إليه، أو أن يكون الأب مجهول الجنسية أو عديمها. وما ذلك كله إلا لوقاية المولود من الوقوع في حالة اللاجنسية.

سابعاً:ـ القانون السوري:

إن القانون السوري يأخذ بحالةٍ واحدة في فرض الجنسية بناءً على حق الدم المستمد من الأم. تلك هي حالة الولد غير الشرعي، ولم يأخذ بحالة المولود لأبٍ مجهول الجنسية أو عديمها.إذ تنص المادة الثالثة من المرسوم التشريعي رقم 276 لسنة 1969 على الآتي:

" يعتبر عربياً سورياً حكماً :

ب- من ولد في القطر من أمٍ عربية سورية ولم تثبت نسبته الى أبيه قانوناً ".

وبمقتضى هذا النص يكون للأم السورية دورٌ في نقل جنسيتها الى أولادها في حالةٍ واحدة فقط، وهي حالة ما اذا كان الولد غير شرعي،وبالشروط التي شرحناها آنفاً.

ثامناًـ القانون اللبناني:

تنص المادة الثانية من القرار رقم 15 لسنة 1925 الذي نظم الجنسية اللبنانية على ما يأتي:

"الولد غير الشرعي الذي تثبت بنوته وهو قاصر، يتخذ التابعة([8]) اللبنانية، إذا كان أحد والديه، الذي تثبت البنّوة أولا بالنظر إليه، لبنانياً، وإذا كان برهان ثبوت البنوة بالنظر إلى الأب والأم، ناتجاً عن عقدٍ واحد أو حكم واحد، اتخذ الابن تابعية الأب إذا كان هذا الأب لبنانياً".

بدايةً ينبغي الإشارة إلى أن الفقه اللبناني يؤكد أن ثمة خطأ قد وقع عند تعريب هذا النص من الفرنسية، فالنص الأصلي الموضوع باللغة الفرنسية - بحسب هذا الفقه - كان يتكلم عن الولد الطبيعي لا عن الولد غير الشرعي. والولد الطبيعي، هو ذلك المولود من شخصين لا تجمعهما رابطة زوجية، ومن غير أن يقوم بحق أيٍ منهما مانعٌ من موانع الزواج ـ كالقرابة المحرمية مثلاً ـ وقت الحمل([9]).

وعلى وفق النص المتقدم، يحق للمرأة اللبنانية، أن تقوم بنقل جنسيتها الى ولدها الطبيعي، وذلك في حالةٍ واحدة، وهي التي تقوم فيها هذه المرأة بالاعتراف بالولد، قبل أن يعترف به الأب. وتأسيساً على ذلك يمكن لهذه المرأة أن تنقل جنسيتها إلى ولدها، بالشروط الآتية:

أـ أن يكون ثمة ولد طبيعي: إذ ينبغي أن يكون هذا الولد طبيعياً، بمعنى أن يكون ناتجاً عن علاقةٍ غير مشروعة بين شخصين لا تربطهما ببعضهما علاقة زوجية، ودون أن تكون بينهما قرابة مانعة من الزواج.

ب ـ أن تكون المرأة - الأم - لبنانية الجنسية، فإذا كانت اجنبيةً، فان الجنسية اللبنانية لا تثبت للولد آنذاك.

جـ أن تعترف المرأة - الأم - بالولد الطبيعي أولاً: ومعنى ذلك أن يصدر الاعتراف بنسب الولد من قبل الأم قبل الأب. وعلى هذا الأساس، فان الاعتراف بالنسب لو صدر أولاً من الاب، وكان هذا الأب لبناني الجنسية فان جنسيته تنتقل الى الولد، لا جنسية أمه، اما اذا كان الأب اجنبياً، ففي هذه الحالة لا تثبت للولد الجنسية اللبنانية، حتى لو إعترفت الأم اللبنانية به لاحقاً.

دـ أن يكون الولد قاصراً: لا يؤتي الاعتراف بالولد الطبيعي ثماره، ما لم يكن هذا الولد قاصراً، أي لم يبلغ سن الرشد بعد على وفق احكام القانون اللبناني. ثم إن الاعتراف له أثرٌ رجعي يرتد إلى لحظة الولادة. ولا يهم بعد ذلك أن تكون الولادة في داخل لبنان أو خارجه([10]).

تاسعاً : القانون البحريني :

لم يخرج القانون البحريني عن موقف التشريعات العربية السابقة، فلقد نصت المادة ( 4 ) من قانون الجنسية البحرينية رقم 8 لعام 1963 المعدل، على الآتي :

( يعتبر الشخص بحرينياً :  ب - إذا ولــد فـــي البحرين أو خارجها وكانت أمه بحرينية عند ولادته، على أن يكون مجهول الأب أو لم تثبت نسبته لأبيه قانونا  ). وبناءً على هذا النص فإن المولود يكون بحريني الجنسية على وفق الشروط الآتية :

  1. أن تكون الأم بحرينية الجنسية لحظة ولادة المولود.
  2. أن يكون الأب مجهولاً، أي غير معروف،لإن الولادة غير شرعية،أو أن  يكون الأب معلوماً،ولكن لم يثبت نسب المولود اليه. ولقد فصلنا القول في هذين الشرطين آنفاً.

إذا تحقق هذان الشرطان  إكتسب المولود الجنسية البحرينية،بصرف النظر  عن مكان الولادة وما اذا كانت  في داخل البحرين أو خارجها.

 عاشراً : القانون المغربي :

يُعد القانون المغربي لعام 1958 - قبل التعديل في عام 2007 - من القوانين التي أخذت بحق الدم الثانوي غير المعزز بحق الإقليم، وايضاً بحق الدم المعزز بحق الإقليم. وفيما يتعلق بالأول، فإن الفصل ( 6 ) من هذا القانون قد نص على الآتي :

( يعتبر مغربياً : ثانياً : الولد المزداد([11])من أمٍ مغربية وأبٍ مجهول ).

وبمقتضى هذا النص فإنه يشترط أن تكون الأم مغربية الجنسية، والأب مجهولاً،أي أن الولادة غير شرعية،أو أن الأب لا يعترف بنسب المولود.ففي هذه الحالة يمنح هذا المولود الجنسية المغربية،بصرف النظر عن مكان الولادة،سواء أكانت في داخل المغرب أم خارجه

ومن كل ما تقدم في هذا المطلب، يمكن أن نخلص إلى القول،أن هذا الاتجاه من التشريعات العربية يعطي للأم دوراً في نقل الجنسية إلى أولادها، بناءً على حق الدم المستمد منها، والذي أسميناه  "حق الدم الثانوي أو الوقائي" بصرف النظر عن مكان الولادة، سواء أكانت في الإقليم، أم في خارجه.

المطلب الثاني: دور الأم في نقل الجنسية المبنيّة على حق الدم المستمد منها والمعزّز بحق الإقليم

لقد نحت بعض التشريعات العربية منحىً آخر، وذلك عندما قررت أن يكون للأم دورٌ في نقل جنسيتها إلى أولادها، بناءً على حق الدم المستمَد منها، والمعزَّز بحق الإقليم.بعبارةٍ أوضح، أنّ هذه التشريعات لا تكتفي بأن تكون الأم وطنيةً والأب مجهولاً أولا جنسية له، إنما تشترط أن تكون الولادة في إقليمها لا خارجه. ويبدو - بحسب فهمي- أن السبب وراء ذلك يكمن في الآتي:

1ـ إن الولادة في إقليم الدولة، يعطي انطباعاً بأن هذه العائلة مندمجةٌ في هذا المجتمع، أكثر مما لو كانت الولادة في خارج الإقليم.

2ـ إن بعض التشريعات تكافح ظاهرة إزدواج الجنسية، أو في الأقل تروم التخفيف من غلوائها. وبناءً على ذلك فإنها تشترط أن تكون الولادة - فيما يتعلق بالصورة الماثلة أمامنا- في إقليم الدولة حتى لا يحصل ازدواج في الجنسية، ذلك أن الولادة في خارج الإقليم، قد يفضي إلى حصول المولود على جنسيةٍ أخرى، تلك هي جنسية الدولة التي حصلت الولادة في إقليمها.

وسنستعرض فيما يأتي موقف التشريعات العربية التي تأخذ بهذا الاتجاه:

 

أولاً:ـ القانون المصري:

لقد كان القانون المصري لعام 1975، قبل التعديل الكبير والمهم في عام 2004، يأخذ بالاتجاه القائل بحق الدم الثانوي أو الأمي في فرض الجنسية، والمعزَّز بحق الإقليم. فلقد نصت المادة الثانية من قانون الجنسية المصري رقم 26 لعام 1975 على ما يأتي:

"يكون مصرياً: 2ـ من و لد في مصر من أمٍ مصرية ومن أبٍ مجهول الجنسية أو لا جنسية له. 3ـ من ولد في مصر من أمٍ مصرية ولم تثبت نسبته الى أبيه قانوناً".

ومن هذا النص يمكن الخلوص الى أن ثمة حالاتٍ ثلاث لاكتساب الجنسية بناءً على حق الدم الثانوي ـ أي حق الدم المستمَد من الأم ـ، وهذه الحالات هي:

1- الحالة الأولى: جهالة الأب:

ونعني بذلك أن يكون الأب مجهولاً، اي غير معروف، بمعنى أن نسب الولد لم يثبت اليه، إما لكونه غير معروف بالأساس، أو انه معروف لكنه ينكر النسب ـ والنتيجة المترتبة على ذلك هي أن يكون المولود غير شرعي.

وبمقتضى النص يشترط، لنقل الأم المصرية جنسيتها الى أولادها، توافر الشروط الآتية:

أـ ان تكون الأم مصرية الجنسية:

اذ يجب أن تكون الأم مصرية الجنسية لحظة ولادة المولود، فإذا كانت الأم مصرية الجنسية قبل الولادة، ثم فقدت هذه الجنسية، فإن الجنسية لن تنتقل الى أولادها. وكذا الحال لو كانت اجنبيةً، ثم تجنست بالجنسية المصرية بعد الولادة. ولا يؤثر في ذلك كون الأم متمتعة بالجنسية المصرية الأصيلة أو المختارة الطارئة، كما لا يؤثر في ذلك كون الأم وحيدة الجنسية، أو مزدوجة الجنسية.

ب ـ أن يكون الأب مجهولاً:

وجهالة الأب هنا تعني الجهالة القانونية، بمعنى أن لا ينسب المولود الى أبيه قانوناً، ويستوي في ذلك أن يكون المولود ثمرة علاقةٍ زوجية، لكن الأب ينكر النسب، أو أن يكون ثمرة علاقةٍ غير مشروعة.

جـ ـ أن يولد المولود في داخل الاقليم المصري:

لا يكفي في حصول المولود على جنسية أمه، أن تكون الأم مصرية الجنسية، وأن يكون الأب مجهولاً، فحسب، بل لابد أن تكون الولادة في داخل مصر.

ويبدو أن المشرع المصري قد أخذ بأساس حق الدم المستمد من الأم، بشرط الولادة في داخل مصر، وذلك ليستوثق من أن هذا المولود مرتبطٌ ببلده. بيد أن المشرع لم يشترط الاستقرار والإقامة، بل اكتفى بالولادة المجردة، وهو الأمر الذي نقده بعض الفقه المصري([12]).

2- الحالة الثانية: جهالة جنسية الأب:

وفي هذه الحالة لا يكون الأب مجهولاً، إنما جنسيته مجهولة. وعموماً فإنه يشترط لإعمال هذه الحالة – بحسب النص - توافر الشروط الآتية:

أـ أن تكون الأم مصرية الجنسية لحظة الولادة:

اذ يجب أن تكون الأم مصرية الجنسية لحظة ولادة المولود، كما تقدم سابقاً.

ب ـ أن يكون الأب مجهول الجنسية:

وهنا يشترط في الأب أن يكون مجهول الجنسية، لا أن يكون هو مجهولاً. ومعنى ذلك أن الأب قد يكون معلوماً ويثبت نسب الولد اليه، لكنه مجهول الجنسية، فهنا يمكن للمولود أن يكتسب جنسية أمه المصرية، شريطة أن تكون جهالة جنسية الأب لحظة ولادة المولود لا قبلها أو بعدها. فاذا كان الأب معلوم الجنسية وقت الحمل ثم أصبح مجهولها وقت الولادة، فهنا ينطبق هذا النص. وهكذا لو كان مجهول الجنسية وقت الولادة، ثم أصبح معلومها فيما بعد، فهنا ينطبق النص كذلك.

جـ ـ أن يولد المولود في داخل الاقليم المصري:

يجب أن تتم الولادة في داخل مصر- كما تقدم شرح ذلك سابقاً-، ولا يهم بعد ذلك أن يقيم المولود في مصر أو لا. وكذا الحال، لا يهم أن تقيم الأم بعد الولادة في مصر أو لا. حيث أن المشرع لم يشترط سوى ضرورة كون الولادة في داخل الإقليم المصري.

ومن الجدير بالذكر، إن ما سبق قوله من أثرٍ بالنسبة لاكتشاف جنسية الأب وكونها مصرية، وكذا بالنسبة لثبوت النسب، فان ذلك كله ينطبق هاهنا أيضا.

3- الحالة الثالثة: إنعدام جنسية الأب:

في هذه الحالة لا يكون الأب مجهولاً، ولا تكون جنسيته مجهولة، إنما يكون منعدم الجنسية، ويشترط لإعمال هذه الحالة توافر الشروط الآتية:

أـ أن تكون الأم مصرية الجنسية.

ب ـ أن يكون الأب عديم الجنسية.

جـ ـ أن تكون الولادة في داخل مصر.

وقد تم شرح هذه الشروط سابقاً. لكننا هنا سنعلق على الشرط الثاني المتعلق بانعدام جنسية الأب، اذ يجب ان يكون الأب عديم الجنسية لحظة ولادة المولود. وكما هو معلوم فان عديم الجنسية هو فردٌ لا جنسية له أساساً، ولذا فان المولود يكتسب الجنسية عن طريق أمه المصرية، وذلك لتفادي حالة انعدام الجنسية التي قد يقع فيها هذا المولود.

ثانياً:ـ القانون الأردني:

يُعّد القانون الأردني من التشريعات التي تأخذ بحق الأم في نقل الجنسية إلى أولادها -حق الدم الثانوي - والمعزّز بحق الإقليم. يترتب على ذلك القول، أن القانون الأردني - كسابقه - القانون المصري الذي يشترط في فرض الجنسية على المولود أن تكون الولادة في داخل الإقليم، هذا فضلاً عن توافر الشروط السابقة التي ذكرناها.

وعلى أية حال، فان الفقرة( 4 ) من المادة ( 3 ) من قانون الجنسية الأردنية رقم 6 لسنة 1954، تنص على الآتي:

"يعتبر أردني الجنسية من ولد في المملكة الأردنية الهاشمية من أمٍ تحمل الجنسية الأردنية وأبٍ مجهول الجنسية أو لا جنسية له أو لم يثبت نسبته إلى أبيه قانوناً".

وبمقتضى هذا النص، تثبت الجنسية الأردنية للمولود، استناداً على حق الدم المستمَد من أمه الأردنية، ولكن بعد توافر الشروط الثلاثة الآتية - وهي كما ذكرنا قبل قليل تتشابه مع موقف القانون المصري - :

أ- أن تكون الأم أردنية الجنسية:

يجب أن تكون الأم أردنية الجنسية لحظة الولادة، لاقبلها ولا بعدها ـ وكما ذكرنا سابقاً، لا يؤثر في ذلك كون جنسية الأم جنسيةً أصيلةً، أو طارئة.

ب ـ أن يكون الأب مجهولاً، أو مجهول الجنسية، أو عديمها:

إذ يُشترط أن يكون الأب واحداً من ثلاثة فروض: إما أن يكون مجهولاً، بمعنى أن الولد غير شرعي، أو أن يكون مجهول الجنسية، أو أن يكون عديمها. وقد تم شرح ذلك سابقاً.

جـ ـ أن تكون الولادة في داخل الاقليم الاردني:

إن الشرطين السابقين لا يكفيان لوحدهما، ما لم يشفعا بشرطٍ ثالث، وهو أن تكون ولادة المولود في داخل الأردن، لا خارجه. وكما قيل سابقاً، لا يؤثر ما اذا كانت الأم مقيمةً في الاردن أو لا. كما لا يؤثر، ما اذا كان المولود يقيم بعد ولادته في الاردن أو لا. ذلك أن الغاية من فرض هذه الجنسية هو تلافي الوقوع في حالة انعدام الجنسية.

ثالثاً:ـ القانون اليمني:

لقد نصت المادة الثالثة من قانون الجنسية اليمنية رقم 6 لسنة 1990 والمعدل بالقانون رقم 17 لسنة 2009، وفي فقرتيها ب و جـ، على ما يأتي: "يتمتع بالجنسية اليمنية: ب ـ من ولد في اليمن من أمٍ تحمل هذه الجنسية وأبٍ مجهول الجنسية أو لا جنسية له. جـ ـ من ولد في اليمن من أمٍ تحمل هذه الجنسية ولم تثبت نسبته الى أبيه قانوناً".

ويتضح من هذا النص، أن القانون اليمني، كما التشريعات الاخرى التي تأخذ بالاتجاه ذاته، قد فرض الجنسية اليمنية للمولود من أمٍ يمنية بناءً على حق الدم المستمَد منها - حق الدم الثانوي أو الوقائي -، وبالشروط ذاتها المذكورة سابقاً. مما يعني أن إعمال النص اليمني يستلزم توافر الشروط الآتية:

أ- أن تكون الأم يمنية الجنسية.

ب - أن يكون الأب إما مجهول الجنسية أو لا جنسية له، وإما مجهولاً، أي لم يثبت نسب المولود اليه.

جـ - أن تكون الولادة في داخل الإقليم اليمني.

رابعاً:ـ القانون الجزائري:

قد ذكرنا سابقاً أن القانون الجزائري – قبل التعديل -، قد أخذ في إحدى حالات فرض الجنسية بناءً على حق الدم المستمد من الأم، فيما لو كان الأب مجهولاً، أو عديم الجنسية،وبصرف النظر عن مكان الولادة.

ونلاحظ أن هذا القانون – بعد تعديله - قد أخذ في حالةٍ خاصةٍ ونادرة بفرض الجنسية بناءً على حق الدم الثانوي المستمد من الأم،على أن لا تكون الجنسية الجزائرية ثابتةً لها من الناحية القانونية، واشترط كون الولادة في داخل الجزائر. بعبارةٍ أخرى أنه قد أخذ بحق الدم الثانوي المعزَّز بحق الأقليم.

وعموماً فإنّ المادة السادسة من قانون الجنسية الجزائرية رقم 70 -86 لعام 1970 والمعدل في عام 2005 نصت على ما يأتي: "يعتبر من الجنسية  الجزائرية بالولادة في الجزائر:

2- الولد المولود في الجزائر من أبٍ مجهول وأمٍ مسماة في شهادة ميلاده دون بياناتٍ أخرى تمكن من اثبات جنسيتها ".

وعلى وفق هذا النص، يمكن أن نستخلص أن المولود لأمٍ جزائرية، تثبت له الجنسية الجزائرية، بتوافر الشروط الآتية:

أ ـ أن يكون الأب مجهولاً.

ب ـ أن تكون الولادة في داخل الجزائر. ذلك أن فرض الجنسية هنا معزّزة بحق الاقليم، أي الولادة في اقليم الجزائر.

ج- أن تكون الأم مسماة في شهادة ميلاد المولود، دون أن تمتلك أية بيانات أخرى تثبت جنسيتها. مما يعني أن هذه المرأة ليست جزائرية الجنسية من الناحية القانونية،بسبب عدم قدرتها على إثبات هذه الجنسية.

والملاحظ هنا أن المشرع الجزائري قد اقتصر على حالة كون الأب مجهولاً، ولم يتطرق الى كونه عديم الجنسية. وقد يُعّد القانون الجزائري خارجاً عن المألوف من هذه الناحية، إذ أنّ العلة التي اقتضت فرض الجنسية الجزائرية فيما لو كان الأب مجهولاً، تقتضي ايضاً فرض الجنسية فيما لو كان الأب عديم الجنسية. ولعل السبب في ذلك يكمن في أن هذا القانون قد خطى خطواتٍ كبيرة في مجال التسوية بين الأب والأم في فرض الجنسية الأصيلة، كما سيتضح بعد ذلك.

خامساً:ـ القانون التونسي:

قد ذكرنا سابقاً أن القانون التونسي – قبل التعديل الأخير- قد أخذ بأساس فرض الجنسية الأصيلة بناءً على حق الدم الثانوي - المستمَد من الأم - وغير المعزّز بحق الإقليم، فيما لو كان الأب مجهولاً، أو مجهول الجنسية، أو عديمها. وذلك بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل السادس من مجلة الجنسية التونسية ـ أما الفقرة الثالثة من الفصل ذاته - أي الفصل السادس - فإنها جاءت لتعالج حالة فرض الجنسية للمولود من أمٍ تونسية، بشرط أن تكون الولادة في داخل تونس. بمعنى آخر، أن الفقرة الثانية من الفصل السادس تعالج حالة فرض الجنسية الأصيلة بناءً على حق الدم الثانوي غير المعزّز بحق الإقليم، أما الفقرة الثالثة، فإنها تعالج فرض الجنسية الأصيلة بناءً على حق الدم الثانوي المعزّز بحق الإقليم. وعلى أية حال، فإن الفقرة الثالثة تنص على الآتي:

"يكون تونسياً: 3- من ولد بتونس من أمٍ تونسيةٍ وأبٍ أجنبي". ولإعمال هذا النص، ينبغي توافر الشروط الآتية:

أ- أن تكون الأم تونسية الجنسية.

ب- أن يكون الأب أجنبي الجنسية ـ ومعنى كونه اجنبياً، أن يكون متمتعاً بجنسية دولةٍ ما، أي أنه يحمل جنسيةً أخرى، غير الجنسية التونسية. ولا يؤثر ما إذا كانت جنسية الأب اصيلةً أو طارئةً، واحدةً أو متعددةً.

جـ - أن تكون الولادة في داخل الإقليم التونسي:

إن فرض الجنسية هنا لا ينبني على كون الأم تونسية الجنسية، بل ينبغي أن يعزز بحقٍ آخر، وهو حق الإقليم، أي الولادة في داخل الإقليم، فإذا ما كانت الولادة خارج تونس، فان الجنسية لا تثبت لهذا المولود.

وقد راعى المشرع ذلك، بناءً على أن ابن الأم التونسية المولود في تونس، ومن أبٍ أجنبي، يُفترض به العيش في تونس مع أمه وأهلها، وأنه سيتربى ويترعرع في البيئة التونسية والوسط التونسي. الأمر الذي يوّلد له شعوراً بالولاء نحو تونس، بحسب ما ذهب إليه البعض. ([13])

ومما تقدم، يتضح أن المشرع التونسي قد خطا خطوةً أكبر بإتجاه فرض الجنسية على المولود لأمٍ تونسية، حتى لو كان الأب اجنبياً، فيما لو كانت الولادة في داخل الإقليم. في حين أننا وجدنا أن معظم التشريعات العربية لم تأخذ بهذا الاتجاه، بل اكتفت بفرض الجنسية في هذه الحالة فيما لو كان الأب مجهولاً، أو مجهول الجنسية أو عديمها. ولم تثبت هذه التشريعات الجنسية للمولود من أمٍ وطنية، فيما لو كان الأب اجنبياً – ولا سيما في مرحلة ما قبل التعديلات الأخيرة التي طالت بعض تلك التشريعات -. 

سادساً : القانون المغربي :

قد ذكرنا سابقاً أن القانون المغربي – قبل التعديل في عام  2007 -، قد أخذ في أحدى حالاته بحق الدم المستمد من الأم وغير المعزز بحق الإقليم.ويلاحظ على هذا القانون أنه قد أخذ في حالةٍ أخرى بحق الدم المستمد من الأم، والمعزز بحق الإقليم. فلقد نص الفصل ( 7 ) من قانون الجنسية المغربية لعام 1958 على الآتي :

( يعتبر مغربياً : ثانياً : الولد المزداد في المغرب من أمٍ مغربية وأبٍ لا جنسية له ). وبمقتضى هذا النص يمنح المولود الجنسية المغربية بهذه الشروط الثلاثة – التي شرحناها سابقاً :

  1. أن تكون الأم مغربية الجنسية.
  2. أن يكون الأب عديم الجنسية.والملاحظ على القانون المغربي أنه قد فرق بين حالتين :

الأولى : هي كون الأب مجهولاً. وفي هذه الحالة لم يشترط القانون أن تكون الولادة في داخل المغرب – كما تقدمت الإشارة اليه سابقاً -.

الثانية : هي كون الأب عديم الجنسية – وهي هذه الحالة الماثلة -. وهنا أشترط القانون أن تكون الولادة في داخل المغرب. ويبدو أن هذا الإتجاه لامبرر له، إذ أن الحكمة تكاد تكون واحدةً، ما دام الأب مجهولاً أو  عديم الجنسية. ولذلك لم تأخذ التشريعات العربية بهذه التفرقة –كقاعدةٍ عامة -.

 

ومما تقدم في هذا المطلب، يتضح أن ثمة اتجاهاً آخر قد سلكته التشريعات العربية، يتمثل بالنص على أن للأم دوراً في نقل جنسيتها إلى أولادها بناءً على حق الدم المستمد منها - حق الدم الثانوي - والمعزَّز بحق الإقليم. مما يعني أن حق الدم ها هنا لم يكن لوحده قادراً على فرض الجنسية، فعُزّز بحق الإقليم. ولا يفوتنا القول، أن دور الأم إنما يقتصر على نقل الجنسية فيما لو كان الأب مجهولاً، أو مجهول الجنسية، أو عديمها، بحسب التفصيل الذي أشرنا إليه.

 

المبحث الثاني: دور الأم في نقل الجنسية المبنّية على حق الدم المستمد منها "الثانوي" في التشريعات العراقية

سنستعرض هنا موقف تشريعات الجنسية العراقية في المدة ما بين تأسيس الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي، والى حين تغيير النظام السابق في عام 2003 وصدور دستور عام 2005.

وتأسيساً على ذلك، فإننا سنبيّن موقف قانون الجنسية العراقية الأول رقم 42 لسنة 1924 - الملغي - ثم نبيّن موقف قانون الجنسية العراقية الثاني رقم 43 لسنة 1963 - الملغي -. وهذا ما يستدعي توزيع هذا المبحث إلى مطلبين اثنين.

 

المطلب الأول: موقف قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924

لعل من نافلة القول، إن القانون الأول الذي صدر لتنظيم أمر الجنسية في العراق، هو قانون الجنسية رقم 42 لسنة 1924. ومعلومٌ أن هذا القانون هو الذي أسس الجنسية العراقية،وقد صدر وفقاً لمعاهدة لوزان المبرمة في عام 1923 بين بريطانيا وحلفائها في الحرب العالمية الأولى من جهةٍ،والدولة العثمانية من جهة أخرى. وبموجبها اعترفت الدولة العثمانية بانسلاخ العراق منها وتأسيسه الدولة العراقية.

وحيث أن هذه المعاهدة - التي دخلت حيز النفاذ في 6 آب عام 1924- قد أوجبت في المادة "30" منها تنظيم جنسية أهالي الأقاليم المنسلخة عن الدولة العثمانية بموجب قانون محلي، لذا فقد أصدر العراق في 9/10/1924 أول قانون للجنسية العراقية، وهو القانون المشار إليه سابقاً. وقد نُص فيه على أن نفاذه يكون من يوم نفاذ معاهدة لوزان في 6 آب عام 1924([14]).

وفيما يتعلق بدور الأم في نقل جنسيتها إلى أولادها في هذا القانون، فان الملاحظ أن الفقرة (أ) من المادة الثامنة من هذا القانون قد نصت على الآتي: "يعتبر عراقياً : كل من كان له حين ولادته بصرف النظر عن محلها والد عراقي...".

ومن هذا النص يمكن أن نستنتج  أن الأم العراقية لم يكن بإمكانها أن تقوم بنقل جنسيتها إلى أولادها، لان هذا الحق مقتصرٌ على الأب دون الأم.

ومن الجدير بالذكر أن تساؤلاً قد أثير في ظل القانون القديم الملغي لعام 1924، يتعلق بمدى حق الأم العراقية في نقل جنسيتها إلى أولادها، فيما لو كان الأب مجهولاً. ولقد اختلفت الآراء آنذاك، والسبب في هذا الاختلاف يكمن في الاختلاف حول تفسير مصطلح "الوالد" وما إذا كان يقتصر على الأب وحده، أم أنه يشمل الأم كذلك.

فقد ذهب الرأي الأول إلى أن مصطلح "الوالد" الوارد في النص المتقدم، يشمل الأب لوحده، دون الأم. وحجة هذا الرأي مستقاة من كلمة "Father" الواردة في النص الانكليزي لقانون الجنسية. وتأسيساً على هذا الاجتهاد فإن الولد غير الشرعي، والذي لم يثبت نسبه إلى أبيه، لا يكتسب جنسية أمه العراقية بموجب الفقرة "أ" من المادة "8" المذكورة آنفاً.

ويترتب على ذلك أن الأولاد غير الشرعيين المولودين في العراق من أمٍ عراقية وابٍ مجهول سيقعون في حالة اللاجنسية. وعلى عكس هذا الرأي، ذهب رأيٌ آخر إلى القول، بأن نص الفقرة "أ" من المادة (8) تسمح للأم العراقية بنقل جنسيتها إلى أولادها غير الشرعيين - أي المولودين لأبٍ مجهول -، وحجة هذا الرأي تتمثل في أن كل تذكير في القانون يحمل على التأنيث، ما لم توجد قرينة صارفة، إعمالاً للمادة الثانية من قانون الجنسية([15])، ونظراً لانتقاء هذه القرينة، فان مصطلح أو كلمة "الوالد" الواردة في النص المتقدم تشمل الأم بالإضافة إلى الأب.

وهذا ما أيده ديوان التدوين القانوني في أحد قراراته([16]). عندما قرر أن الأولاد الصغار يتبعون الأم في اكتساب الجنسية العراقية في حالة وفاة الأب. وعلى أية حال يبدو أن وزارة الداخلية قد رجحت الرأي الثاني، وذلك عندما قررت منح الجنسية العراقية لأولاد الأم العراقية والأب المجهول.

وبناءً على ما تقدم، فإن الأم العراقية في ظل القانون المتقدم، لم تكن قادرةً على نقل جنسيتها إلى أولادها إذا كان زوجها مجهول الجنسية أو عديمها، فإذا ولد للأم العراقية ولد شرعي وكان زوجها عديم الجنسية، فان هذا الولد سيكون عديم الجنسية أيضا، حتى لو كان محل ولادته في العراق، وهكذا لو كان الزوج مجهول الجنسية([17]).

المطلب الثاني: موقف قانون الجنسية العراقية الملغي رقم 43 لسنة 1963

يُعّد قانون الجنسية العراقية الملغي رقم 43 لسنة 1963 من التشريعات التي لم تسمح للأم بنقل جنسيتها إلى أولادها إلا استثناءً. ونعني بذلك أن يعزز حق الدم المستمد من الأم بحق الإقليم. إذ يجب أن تكون الولادة في داخل العراق. وفي هذا السياق جاءت الفقرة "2" من المادة "4" من هذا القانون لتنص على الآتي :

" يعتبر عراقياً:.. 2- من ولد في العراق من أمٍ عراقية وأبٍ مجهول أو لا جنسية له ".

ومن هذا النص يمكن أن نستشف الشروط الواجب توافرها، لكي تستطيع الأم العراقية نقل الجنسية إلى أولادها، وهذه الشروط تتمثل بالآتي:

1- الشرط الأول أن تكون الأم عراقية الجنسية:

ينبغي ان تكون الأم عراقية الجنسية، بصرف النظر عن طبيعة هذه الجنسية، اصيلةً كانت أو طارئة.كما يشترط ان تكون الأم متمتعةً بالجنسية العراقية لحظة ولادة المولود، فإن لم تكن كذلك، لم يكن بوسعها نقل الجنسية. وبناءً على ذلك لو افترضنا أن الأم كانت عراقيةً وقت الحمل، ثم فقدت جنسيتها قبل الولادة، لم ينطبق النص عليها. وهكذا لو أفترضنا أنها لم تكن عراقية الجنسية وقت الحمل والولادة، ثم اكتسبت الجنسية العراقية بعد ذلك، فان النص لا ينطبق عليها ايضاً، الأمر الذي يعني عدم امكانية منح الجنسية العراقية لمولودها استناداً على حق الدم المستمد منها.

ولا يفوتنا القول هنا، ان تمتع هذه الأم بجنسية أخرى إلى جانب جنسيتها العراقية، لا يؤثر في قدرتها على نقل الجنسية العراقية إلى وليدها ما دامت لحظة الولادة متمتعةً بهذه الجنسية، بمعنى أوضح، إن مسالة ازدواج الجنسية بالنسبة لهذه المرأة لا يؤثر في مدى انطباق النص، ذلك لأنه لا يعتد من الناحية القانونية إلا بالجنسية العراقية فقط إعمالاً للقواعد العامة. ويجب إثبات واقعة الولادة بالوثائق الرسمية الأصولية.

2- الشرط الثاني: أن تتم الولادة في داخل الإقليم العراقي:

يلاحظ في هذه الحالة، أن حق الدم المستمد من الأم، لم يكن - لوحده - كافياً في نقل الجنسية العراقية إلى المولود، بل إنه دعم بحقٍ آخر، هو حق الإقليم. ونعني بذلك ضرورة حصول الولادة في داخل إقليم العراق، البري أو البحري أو الجوي. وبناءً على ذلك لو افترضنا أن هذا المولود قد ولد في خارج العراق، ثم أدخلته أمه العراقية إلى العراق، لم يكن بذلك قادراً على الحصول على الجنسية العراقية.

3- الشرط الثالث: جهالة الأب أو انعدام جنسيته:

لا يكفي لتطبيق النص المذكور آنفاً، أن تكون الأم عراقية الجنسية، والولادة في داخل العراق، بل لابد من إضافة شرطٍ ثالث يتعلق بالأب ـ إذ ينبغي أن يكون الأب واحداً من أمرين:

إما مجهولاً، أو منعدم الجنسية. ونقصد بمجهولية الأب، أن نسب المولود لم يثبت إليه، إما لأنه ثمرة اتصال غير مشروع، بمعنى أن الولد غير شرعي، أو أنه ثمرة اتصال مشروع، لكن الأب ينكر نسبه.

أما عديم الجنسية -كما ذكرنا سابقاً - فالمقصود به الشخص الذي لا يتمتع بجنسية أية دولة من الدول - لأي سببٍ كان -.

وبناءً على ذلك، إذا كان المولود في العراق لأمٍ عراقية، وأبٍ مجهول أو لا جنسية له - أي عدم الجنسية -، فانه سيُمنح الجنسية العراقية، تطبيقاً للنص المذكور آنفاً - وهو الفقرة الثانية من المادة الرابعة -.

أما إذا لم يكن الأب كذلك، كأن يكون معلوماً غير مجهول، أو معلوم الجنسية، فهنا سيأخذ المولود جنسية أبيه لا جنسية أمه، ذلك أن المشرع إنما فرض هذه الحالة - الماثلة - استثناءً من القاعدة العامة وحتى لا يقع المولود للأم العراقية في داخل العراق، في حالة اللاجنسية ويكون عديم الجنسية. وحيث أن الأب معلوم الجنسية، اذاً تنتفي الحاجة إلى اللجوء إلى الاستثناء، ويعاد العمل بالقاعدة العامة، المتمثلة بأن الأب ينقل جنسيته إلى أولاده.

 

آثار استعلام حال الأب أو اكتشاف جنسيته:

يمكن أن تثار عدة أسئلة، تتعلق باستعلام حال الأب، أو اكتشاف جنسيته. وبدايةً لابد من التنويه إلى أن هذه الجنسية، هي عبارة عن جنسيةٍ مؤقتة، ذلك أنها مهددة بالزوال، متى ما اكتشفت جنسية الأب، أو تم استعلام حاله.فإذا ما تبين أن الأب يتمتع بجنسية دولةٍ ما فإننا نكون بإزاء أكثر من فرض :

ـ الفرض الأول: أن يتبين أن الأب عراقي الجنسية:

في هذا الفرض، نفترض أن الأب، تبين بأنه يتمتع بالجنسية العراقية وأنه كان عراقياً منذ لحظة ولادة المولود، بيد أن هذه الجنسية كانت مجهولةً وغير معلومة. هنا سوف يظل المولود متمتعاً بالجنسية العراقية، كما كان، بيد أن الأساس القانوني لفرض الجنسية سيتغير. فبعد أن كان أساسها حق الدم المستمد من الأم - وبالشروط المذكورة آنفاً - سيصبح أساسها، حق الدم المستمد من الأب وحده. ولربما يكون الأب يحمل الجنسية العراقية لوحدها، أو أن يكون مزدوج الجنسية، فهذا لا يؤثر في الأمر شيئاً.

 

ـ الفرض الثاني: أن يتبيّن أن الأب أجنبي الجنسية:

في هذا الفرض، نفترض أن يتبين أن جنسية الأب أجنبية غير عراقية، يترتب على ذلك زوال الجنسية العراقية عن المولود وبأثرٍ رجعي، ويُعد كأن لم يكن عراقياً من قبل. دونما فرق، بين ما إذا استطاع هذا المولود من الدخول في جنسية أبيه الجديدة، أو لم يستطع، بحسب ما ينص عليه قانون جنسية الأب.

وبناءً على ذلك فان من المتصور، أن يقع هذا المولود في حالة اللاجنسية، ويغدو عديم الجنسية، بعد أن فقد جنسيته العراقية من جهة، ولم يستطع الدخول في جنسية أبيه الجديدة، من جهةٍ أخرى، لان قانون جنسية الأب لا يمنحه إياها. هذا كله من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى، فان زوال الجنسية العراقية عن المولود، تقع سواء  كان هذا المولود بالغاً سن الرشد، أو أنه لما يزل قاصراً، ذلك أن الزوال يحدث بأثر رجعي، كما ذكرنا.

 

ـ الفرض الثالث: أن يتبين أن الأب عديم الجنسية:

في هذا الفرض، يتضح أن الأب، لا يحمل الجنسية العراقية من جهةٍ، كما أنه لا يتمتع بجنسية أية دولة، إنما هو عديم الجنسية. في هذا الفرض، يظل المولود محتفظاً بجنسيته العراقية التي اكتسبها عن طريق أمه. أما إذا قام هذا الأب باكتساب جنسيةٍ جديدة، بعد ولادة المولود، فان هذا أيضا لا يؤثر في جنسية المولود، الذي لا يفقد جنسيته العراقية بمجرد هذا الاكتساب، ذلك أن العبرة بجنسية الأب لحظة الولادة لا قبلها، ولا بعدها. وليس صحيحاً القول بإمكانية قياس ذلك، على الحكم الذي يقضي بأن العراقي الذي يفقد الجنسية العراقية، فان أولاده الصغار يفقدون أيضا بالتبعية الجنسية العراقية، والسبب في ذلك، أن هذا النص لا يسري إلا على العراقي الذي فقد جنسيته العراقية، في حين ان الحالة التي نتحدث عنها هنا، أن الأب هو أجنبي. ([18])

 

هذا فيما يتعلق باكتشاف جنسية الأب، أما فيما يتعلق بالنسب، فان من الممكن أن يثبت نسب المولود لأمٍ عراقية، إلى أبيه، بعد الولادة. فإذا ثبت النسب، وتبين أن الأب عديم الجنسية، فان المولود يبقى محتفظاً بجنسيته العراقية، أما إذا تبين أن الأب أجنبي، أي يمتلك جنسية أحدى الدول،فإن المولود هنا يفقد جنسيته العراقية، ذلك لأن الجنسية المستمدة من جهة الأم ما قررت إلا لاستحالة تطبيق حق الدم المستمد من جهة الأب، بسبب عدم ثبوت النسب، وحيث أن النسب قد ثبت، فان هذا يعني انتماء الولد لأبيه منذ الولادة، لا من تأريخ ثبوت النسب، مما يعني أن المولود وقت ولادته، كان ينتسب لأبٍ معلوم. وبذلك ينتفي أحد شروط اكتساب الجنسية العراقية، وهو مجهولية النسب([19]). وأما إذا تبين أن الأب هو عراقي الجنسية، فهنا سيتغير الأساس القانوني لفرض الجنسية، فبعد أن كانت نفرض استناداً على حق الدم المستمد من الأم (م4 فقرة2)، فإنها ستفرض استناداً على حق الدم المستمد من الأب (م4 فقرة1).

ويستخلص من ذلك كله، أن الجنسية العراقية التي اكتسبها المولود عن طريق أمه، تبقى له، ما دام الأب مجهولاً، أولا جنسية له، وان هذه الجنسية تزول وبأثرٍ رجعي، إذا ظهر الأب المجهول وأقر بنسب المولود، أو إذا ظهر الأب الممتنع عن الاعتراف به، وثبت النسب إليه، واتضح أن جنسية الأب كانت وما تزال اجنبيةً، والجنسية هنا تزول بصرف النظر عما إذا كان المولود ما زال صغيراً أو انه بلغ سن الرشد، وسواء أدخل في جنسية أبيه الأجنبية أم لم يدخل. إن هذه النتيجة تعني إمكانية زوال الجنسية عن المولود حتى بعد بلوغه سن الرشد، بمعنى أن لا أجل محدد لزوال الجنسية، هذا هو ما يفهم من نص القانون، والسبب وراء ذلك يكمن في أن استعلام حال الأب أو جنسيته الأجنبية، يؤدي إلى الكشف عن حقيقة ترتد إلى يوم ولادة المولود، ويتخلف عنصر جوهري من عناصر فرض الجنسية العراقية المبنية على حق الدم المنحدر من جهة الأم، وحق الإقليم المستند على حصول الولادة في العراق من أبٍ مجهول أو لا جنسية له.

ونحن هنا نتفق مع من يذهب إلى أن المشرع كان عليه أن يحكم باستمرار الجنسية العراقية للمولود، بعد ظهور والده الأجنبي، وذلك فيما لو كان هذا المولود قد بلغ سن الرشد، مما يعني أن بلوغ سن الرشد يمثل أجلاً نهائياً لفقدان الجنسية العراقية، وآنذاك يعد الفرد قد حصل على حقٍ يكتسب لا يجوز المساس به مطلقاً. إن هذا الإجراء هو خيرٌ من أن تبقى جنسية هذا الفرد مزلزلة، إذ يمكن أن يتزوج وينجب أولاداً يكتسبون الجنسية العراقية بالتبعية إليه، فكيف يمكن القول بإمكانية فقدان كل هذه الأجيال للجنسية العراقية بعد ذلك([20]).

الفصل الثاني: دور الأم في نقل الجنسية المبنّية على حق الدم المستمد منها حق الدم المطلق – الأصيل

لعل من نافلة القول، إن ما تم بيانه في الفصل السابق، إنما كان يتعلق بإمكانية الأم في نقل جنسيتها إلى أولادها، استناداً على حق الدم المستمد منها، والمعزز ببعض الشروط. وغنيٌ عن البيان، إن هذه الجنسية التي تنقلها الأم هي جنسيةٌ أصيلةٌ، وليست طارئةً أو مكتسبة. لكنها في الوقت ذاته، لا تفرض بسبب حق الدم من جهة الأم فحسب، بل لابد من تعزيزه ببعض الحالات أو الشروط، وهي جهالة الأب، أو جهالة جنسيته، أو انعدامها. مما يعني أن السبب الرئيس وراء فرض هذه الجنسية، هي تلافي وقوع المولود في حالة اللا جنسية - بالإضافة إلى بعض الأمور الأخرى المذكورة سابقاً -. في هذا الفصل، نريد أن نتحدث عن إمكانية الأم ودورها في نقل جنسيتها إلى أولادها، استناداً على حق الدم المستمد منها فقط، وغير المعزز بأي حقٍ آخر، أو أي شرطٍ آخر. بعبارةٍ أخرى، إننا نريد أن نتحدث عن دور الأم في نقل جنسيتها إلى أولادها، تماماً كما ينقل الأب جنسيته إلى أولاده،أي بالمساواة بينهما في نقل الجنسية إذ تكون الجنسية هنا، جنسيةً مفروضةً – أصيلةً- وقائمةً على أساس حق الدم المستمد من الأم لوحده.

وبغية الإحاطة بذلك كله، فإننا سنقوم بتقسيم هذا الفصل على مبحثين اثنين، نبحث في الأول منهما، في الحجج التي يعتمدها المناهضون لفكرة قدرة الأم في نقل الجنسية إلى الأولاد. بمعنى آخر، المناهضون لفكرة المساواة بين الرجل والمرأة في نقل الجنسية، وكذلك نعرض للحجج التي يعتمدها المؤيدون لفكرة المساواة. ونكرس المبحث الثاني لبيان موقف التشريعات العربية والعراقية من هذه الفكرة المهمة.

المبحث الأول: حجج المناهضين والمؤيدين لفكرة المساواة بين الرجل والمرأة في نقل الجنسية

من المعلوم أن قدرة المرأة - الأم – على نقل جنسيتها الى أولادها بشكلٍ اصيل، ومتساوٍ مع الرجل – الأب - قد نشب الخلاف بشأنه. وغنيٌ عن البيان، أن الفكرة السائدة في تشريعات الجنسية - بصورةٍ عامة -، ولا سيما في التشريعات العربية، تتمثل بمعارضة فكرة المساواة هذه، اذ يقتصر الأمر على إعطاء دورٍ للأم يتمثل بنقل الجنسية استناداً على حق الدم المستمد منها، والمعزز بالشروط، التي ذكرناها سابقاً. ولقد بقي الوضع هكذا الى أن قامت بعض التشريعات العربية في السنوات الخمس الأخيرة بتغيير هذا الوضع – كما سيتضح لاحقاً -. لا ريب في أن الاتجاه المناهض يستند على حججٍ عديدة تدعم رأيه. كما أن ثمة اتجاهاً آخر، يعارض الاتجاه الاول، ويؤكد قدرة المرأة - الأم - على نقل جنسيتها الى أولادها، بشكل متساوٍ مع الرجل - الأب - وهذا الاتجاه يعتمد بالتأكيد على حججٍ عديدة، تدعم اتجاهه.

وبغية الإحاطة بهذين الاتجاهين، فإننا سنوزع هذا المبحث، إلى مطلين اثنين، نخصص الأول منهما، لعرض الاتجاه المناهض، وحججه، ونكرس الثاني منهما، لعرض الاتجاه المؤيد، وأدلته. وهذا ما سنتناوله تباعاً، إن شاء الله.

المطلب الأول: الاتجاه المناهض وحججه

يذهب فريقٌ من الفقهاء - ومن قبلهم معظم تشريعات الجنسية العربية-، إلى القول بضرورة التفرقة بين الأب والأم في نقل الجنسية إلى المولود، والقول بأن الأب وحده، هو الذي ينقل جنسيته - بشكلٍ اساسٍ ومباشر - إلى المولود، دون الأم.

ولقد استند هذا الفريق، في توجهه هذا، على ادلةٍ وحججٍ متعددة. ونحن هنا نقوم بالإشارة إلى هذه الحجج، التي يمكن حصرها بالآتي:

1ـ حجة إجتماعية.

2ـ حجة إقتصادية.

3ـ حجة أخلاقية.

4ـ حجة أمنية.

5ـ تلافي ازدواج الجنسية.

6ـ انتساب المولود للأب وليس للأم.

7ـ عدم مساواة المرأة والرجل.

8ـ إمكان حصول المولود على الجنسية المكتسبة.

9ـ عدم تشجيع زواج الوطنيات بالأجانب.

10ـ عدم الاندماج بالمجتمع.

11ـ عدم مخالفة القانون الدولي.

12ـ عدم مخالفة الدستور.

وسنستعرض هذه الحجج في فروع مستقلة([21]).

الفرع الأول: الحجة الاجتماعية

إن قوام هذه الحجة، هي الاعتبارات الاجتماعية، ومؤداها، أن الأب هو الأقدر على تنشئة المولود تنشئة وطنية، وغرس الشعور لديه بالولاء. وهذا الولاء هو الذي يمثل العنصر الروحي في رابطة الجنسية. ثم إن الأب هو رب الأسرة مما يغلب دوره في تكوين عقلية الولد.

الفرع الثاني: الحجة الاقتصادية

وهي حجةٌ قائمةٌ على اعتباراتٍ اقتصادية، تتعلق بمشكلة السكان. ومؤداها، ان الدول التي تعاني من كثافة سكانية، تكون بالمحصلة دولاً طاردةً للجنسية والتجنس، لا جاذبةً لها. وبناءً على هذا، فإن اعطاء الأم الحق في نقل جنسيتها، سيفضي بالضرورة الى زيادة عدد السكان، وهو أمرٌ يتنافى مع السياسة التشريعية لدولٍ تعاني من المشكلة السكانية.

الفرع الثالث: الحجة الأخلاقية

وقوام هذه الحجة، الاعتبارات الأخلاقية، التي تستلزم - بحسب أنصارها -، ضرورة منع الأم الوطنية من نقل جنسيتها إلى أولادها المولودين في الخارج. إن هذا المنع سيفضي بالضرورة، إلى مكافحة ظاهرة الأولاد غير الشرعيين. بعبارةٍ أوضح، إن السماح للأم الوطنية بنقل جنسيتها إلى أولادها المولودين في الداخل أو الخارج، على حدٍ سواء، من شأنه أن يزيد من ظاهرة الأولاد غير الشرعيين، وهي ظاهرة غير أخلاقية، بكل تأكيد، وتؤدي إلى تفكك الأواصر الاجتماعية.

الفرع الرابع: الحجة الأمنية

ومفادها، إن الاعتبارات الأمنية تدعو إلى ضرورة عدم إعطاء الأم الوطنية، الحق في نقل الجنسية إلى أولادها، ما دام الأب هو أجنبي الجنسية. إذ أن دخول هؤلاء الأولاد في جنسية الأم سيجعلهم من المواطنين. إن النتيجة المترتبة على ذلك هي ضعف الرقابة الداخلية على نشاط بعض الأجانب، هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء الداخلين في الجنسية لا يُعلم حالهم، وما إذا كانوا مندمجين في المجتمع أو لا.

الفرع الخامس: تلافي إزدواج الجنسية

إن إعطاء الأم الحق في نقل الجنسية إلى الأولاد، والتسوية بينها والأب في هذا الحق، سيؤدي، بلا شك، إلى تعدد أو ازدواج الجنسية. كما لو تزوجت امرأةٌ عراقية برجلٍ مصري أو كويتي مثلاً، ولو افترضنا أننا نسوي بين الأم والأب في نقل الجنسية، فإن مؤدى ذلك أن يحصل المولود على جنسيتين، أي سيكون مزدوج الجنسية منذ لحظة الولادة، إذ سيحصل على جنسية الأب - الأجنبي - استناداً على حق الدم، وسيحصل كذلك على جنسية الأم العراقية، استناداً على حق الدم المستمد منها.

لقد بات واضحاً، أن ظاهرة ازدواج الجنسية، هي من الظواهر غير المرغوب فيها في المجتمع الدولي، وأن هذا المجتمع يحاول القضاء عليها، أو في الأقل، التخفيف من غلوائها، وذلك عبر إبرام المعاهدات الدولية المعنية بهذه المشكلة. هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى، فلقد غدا معلوماً، أن هذه الظاهرة - ازدواج  الجنسية - تتعارض مع الأصول والمفاهيم المثالية في الجنسية، تلك الأصول التي ينشدها المجتمع الدولي.

وفضلاً عن هذا وذاك، فإن هذه الظاهرة، توقع الفرد الذي يعاني منها، في مشكلاتٍ عديدة لا تعد ولا تحصى([22]).

الفرع السادس: انتساب المولود للأب وليس للأم

إن الأب هو الأصل الذي ينسب المولود إليه، وذلك وفقاً للأصول المتعارف عليها في الشريعة الإسلامية. تلك الشريعة التي تمثل المصدر الأساس للتشريع في معظم الدول العربية. وان الأب هو الولي الشرعي للمولود، الأمر الذي يسوغ كون حق الدم المستمد من الأب، هو الأصل، وأن حق الدم المستمد من الأم يكون ثانوياً.

الفرع السابع: عدم مساواة الرجل والمرأة

إن ثمة فرقاً بين الرجل والمرأة في المركز القانوني، ومن ثم يمكن ان تختص بعض الحقوق بالرجل دون المرأة. ومن هذه الحقوق، الحق في نقل الجنسية الى الأولاد. فلقد أقرت الشريعة الإسلامية بالتفرقة بين الرجل والمرأة في بعض الحقوق، ومنها الحق في الميراث.

 

الفرع الثامن: إمكان حصول المولود على الجنسية المكتسبة

إن عدم إعطاء الأم الحق في نقل الجنسية إلى الأولاد بشكلٍ متساوٍ مع الأب، لا يعني إلغاء دور الأم في هذا المقام، ذلك أننا علمنا أن الأم يمكنها أن تنقل جنسيتها إلى الأولاد بناءً على حق الدم الثانوي- فيما لو كان الأب مجهولاً، أو مجهول الجنسية، أو عديمها- والجنسية هنا هي جنسيةٌ مفروضةٌ بقوة القانون- أصيلة- كما أنه يمكن من ناحيةٍ أخرى، للمولود من أمٍ وطنية " كأن تكون عراقية الجنسية مثلاً " والولادة في خارج الإقليم " العراق"، يمكن لهذا المولود أن يكتسب جنسية أمه (العراقية) بعد بلوغه سن الرشد.

وان الجنسية هنا هي جنسيةٌ مكتسبةٌ – طارئة-. إن هذا النص معمولٌ به في معظم تشريعات الجنسية العربية، ومنها القانون العراقي([23]). ومن هنا يتضح أن للأم دوراً كبيراً في نقل الجنسية الى الأولاد، وان لم تكن بدرجة الأب.

الفرع التاسع: عدم تشجيع زواج الوطنيات بالأجانب

إن عدم التسوية بين الرجل والمرأة في نقل الجنسية الأصيلة إلى الأولاد، يفضي بطبيعة الحال، إلى عدم تشجيع الوطنيات على الزواج بالرجال الأجانب. إذ لو علمت المرأة أنها لو أقدمت على الزواج برجلٍ أجنبي، فان أولادها لن يحصلوا على الجنسية الوطنية (العراقية مثلاً)، فإن هذا ربما سيمثل رادعاً لها، للإقدام على هذا الزواج.

الفرع العاشر: عدم الاندماج الحقيقي بالمجتمع

 من المعلوم أن الجنسية تقوم في إحدى عناصرها - وفقاً للاتجاهات المثالية في الجنسية - على الرابطة الروحية والاندماج الحقيقي والفعلي في المجتمع. إن هذه الرابطة الروحية، وهذا الاندماج الحقيقي، هو أمرٌ غير متحقق بالنسبة للمولود من أبٍ أجنبي، وأمٍ وطنية. إذ الغالب أن تكون الإقامة في دولة الأب الأجنبي، لا في دولة الأم الوطنية، أو لربما في دولةٍ ثالثة. وبالمحصلة فقد يكون الاندماج متحققاً في دولة الأب الأجنبي، لا في دولة الأم.

الفرع الحادي عشر: عدم مخالفة القانون الدولي

إن التشريعات التي لا تسوّي بين الرجل والمرأة في موضوع نقل الجنسية إلى الأولاد، لا تخالف القانون الدولي، وذلك استناداً على المبدأ المعروف في فقه القانون الدولي الخاص بـ (حرية الدولة في تنظيم جنسيتها). هذا المبدأ الذي يعني ببساطة، أن لكل دولة الحق في تنظيم أمر جنسيتها على وفق قوانينها الخاصة، وبما يحقق مصالحها. ومن مضامين هذا المبدأ، إختصاص الدولة وحدها في تنظيم جنسيتها، دون أن يسمح لأية دولة اخرى، او لأي فرد، أو هيأةٍ في التدخل في هذا الاختصاص. وبناءً على ذلك، فإن الدول التي ترى أن مصالحها، تقتضي عدم المساواة بين الرجل والمرأة في قضية نقل الجنسية، لا يمكن الاحتجاج عليها بأنها خرقت القانون الدولي، بل هي مارست إختصاصاً ممنوحاً لها بموجب ذلك القانون.

ولا يمكن القول أن ثمة دولاً اخرى، تسوي بين الرجل والمرأة في نقل الجنسية. إذ الأمر -كما قلنا - مرتبطٌ بمنظومة القوانين التي تعتنقها كل دولة من جهةٍ، وبمصالحها الخاصة التي تسعى الى تحقيقها من خلال فرض الجنسية من جهةٍ اخرى. وإن الدول التي أجرت تلك المساواة، ربما تكون مصالحها قد إقتضت ذلك.

الفرع الثاني عشر: عدم مخالفة الدستور

إن انصار هذا الاتجاه، يذهبون الى القول، بأن اتجاههم هذا، لا يتعارض مع الدستور البتة. ومعنى ذلك أن كون هنالك فرقاً بين الرجل المرأة في نقل الجنسية، لا يتعارض مع الدستور. إن السبب في ذلك يكمن في أن الدستور، وان كان قد كفل المساواة بين الجنسين - في معظم الدساتير-، إلا أن تلك المساواة، ترتبط بالمركز القانوني لكلٍ من الرجل والمرأة في بعض الوظائف والحقوق. ومن هنا فإن القضية تتعلق بالمركز القانوني أكثر مما تتعلق بالحقوق. هذا من جهةٍ،ومن جهةٍ أخرى، فان معظم الدساتير العربية تنص على ضرورة مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية في تشريعاتها. ومؤدى ذلك جواز اختلاف مركز الرجل عن المرأة في بعض القضايا - من هذه الناحية -، ما دام الأمر يتعلق باجراءٍ تنظيمي، ويرتبط بمصالح الدولة العليا.

 

هذه هي أهم الحجج التي يعتمد عليها أنصار هذا الاتجاه، في تدعيم رأيهم،الذي ينسجم بالضرورة، مع موقف أغلب التشريعات العربية التي اعتنقت هذا الاتجاه من قبل.

المطلب الثاني: الاتجاه المؤيد وحججه

هنالك اتجاهٌ آخر على النقيض من الاتجاه الأول، يذهب الى ضرورة التسوية بين الرجل والمرأة - الأب والأم - في نقل الجنسية الى الأولاد.وقد أسميناه بالاتجاه المؤيد، لأنه يؤيد فكرة إعطاء الأم دوراً اصيلاً ومباشراً في نقل الجنسية، على حد السواء مع الأب.

ومعنى ذلك أن يكون للأم دورٌ أساسٌ في نقل الجنسية الأصيلة إلى الأولاد على حد السواء مع قدرة الأب، دون أن يكون ذلك الحق مقتصراً على ما يعرف بـ "حق الدم الثانوي". وبالمحصلة فان هذا الاتجاه يتعارض مع اغلب التشريعات العربية التي تعطي للأم دوراً ثانوياً في نقل الجنسية الى الاولاد، خلافاً لدور الأب الذي تعطيه دوراً أساسياً ومباشراً، بناءً على حق الدم المطلق، لا الثانوي. وبطبيعة الحال، فان هذا الاتجاه الفقهي، يعتمد على حججٍ متعددةٍ، يمكن تصنيفها الى صنفين:

ـ صنفٌ هو عبارة عن حججٍ يعتنقها هذا الاتجاه.

ـ صنفٌ، هو عبارةٌ عن ردٍ ودحضٍ للحجج التي قدمها الاتجاه المناهض.

وأياً  كان الأمر، فإننا سنقوم بعرض أهم هذه الحجج بصورةٍ موجزة في فروعٍ ثمانية. ([24])

الفرع الاول: الرد على الحجة الاجتماعية

إن أنصار هذا الاتجاه، يردون على الاتجاه الأول، بصدد الحجة المتعلقة بالطابع الاجتماعي، ونعني بذلك كون الأب هو الأصل، وهو الذي يزرع في أبنائه الشعور بالانتماء إلى البلد، وينمي فيهم الروح الوطنية. وفحوى هذا الرد، يتمثل بالقول، بأن ليس الأب وحده، هو الذي يسهم في ذلك، بل الأم يمكن أن تلعب الدور ذاته،بل ربما قد تفوقه في أحيانٍ. ويمكن للأم أن تزرع في نفوس أولادها حب الوطن، وتربى لديهم القيم والمثل الوطنية. والمحصلة أن الأم تتساوى في هذا الدور مع الأب.

الفرع الثاني: الرد على الحجة الإقتصادية

إن أنصار هذا الاتجاه يردون على الحجة التي أبداها، الاتجاه الأول، ذات البعد الاقتصادي، والمتعلقة بكون الدول ذات الكثافة السكانية، تسعى لتقليل حالات التجنس واكتساب الجنسية.

إذ يقولون بأن الكثافة السكانية في الدولة لا تعالج من خلال حرمان الأم من نقل الجنسية بالسواء مع الأب. وإنما يكون ذلك عبر برنامج تضعه الدولة لمعالجة هذه المشكلة، ومن خلال تنظيم النسل، كما يحدث في بعض الدول التي تعاني من هذه المشكلة.

الفرع الثالث: الرد على الحجة الأمنية

قد قدمنا سابقاً، أن الاتجاه المناهض، يعتمد في بعض حججه، على دواعي الأمن واعتبارات الأمن القومي. إن أنصار الاتجاه الآخر، يردون على هذه الحجة بالقول، إن الاعتبارات الأمنية لا دخل لها في هذه القضية، وإن من غير الصحيح الزج بالاعتبارات الأمنية في قضية نقل الأم لجنسيتها إلى أولادها. ذلك أن فكرة - دواعي الأمن - هي فكرةٌ مرنة، وقابلة للاجتهاد. هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى، فان دواعي الأمن تبقى قائمةً حتى بالنسبة لدور الأب في نقل الجنسية إلى أولاده، ولا سيما فيما إذا تزوج الرجل الوطني بإمرأةٍ أجنبية.

الفرع الرابع: تلافي إزدواج الجنسية

من الحجج التي استند عليها الاتجاه الأول - المناهض - هو أن إعطاء الجنسية لأولاد الأم الوطنية بشكل متساوٍ مع الأب، يؤدي إلى تزايد ظاهرة ازدواج الجنسية.وقد بات معلوماً مدى المشكلات التي تسببها هذه الظاهرة. وللرد على هذه الحجة، فإن أنصار الاتجاه الآخر يذهبون إلى القول بأن تشريعات الجنسية - بشكلٍ عام - تعج بكثيرٍ من حالات الازدواج. مما يعني أن تشريعات الجنسية، تسمح لهذه الظاهرة بالنمو، ولو بصورةٍ غير مباشرة. ومن ناحيةٍ ثانية، فان مكافحة هذه الظاهرة – العالمية- لا تكون عبر تشريع الجنسية في دولةٍ ما، إنما يكون ذلك، عبر التعاون ما بين الدول، بغية إيجاد الحلول الفعلية لمكافحة هذه الظاهرة. وهذا هو الاتجاه الذي سارت عليه معاهداتٌ دوليةٌ عديدة. ومن ناحيةٍ ثالثة، فإن ظاهرة الازدواج المترتبة على إعطاء الأم الدور الأساس في نقل الجنسية إلى أولادها، يمكن تلافيها، عبر إعطاء هؤلاء الأولاد الخيار بين جنسية الأم، أو جنسية الأب، عد بلوغهم سن الرشد. ([25])

الفرع الخامس: مساواة المرأة بالرجل

إن انصار هذا الاتجاه، يصرون على أن عدم إعطاء الأم الحق في نقل الجنسية الى الاولاد، على حد السواء مع الأب، هو من الأمور التي تخل بمبدأ المساواة بين الرجل  والمرأة. تلك المساواة التي تنادي بها المعاهدات الدولية، ونصت عليها أغلب الدساتير. ومن ثم فان عدم مساواة الأم بالأب في نقل الجنسية الأصيلة يعد مخالفاً للدستور كذلك.

الفرع السادس: ضرورة مواكبة تشريعات الجنسية للتطورات الاجتماعية والاقتصادية

من المعلوم ان المجتمعات المعاصرة، تعيش حالة من الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي، ذلك الانفتاح الذي أدى الى حدوث كثير من الزيجات المختلطة. وبإزاء هذا الواقع ينبغي على التشريعات أن تعالج ما يسفر عن هذه الزيجات، وأن تواكب التطور، وذلك عبر السماح لأولاد الام الوطنية باكتساب جنسية أمهم المتزوجة بأجنبي، وبصرف النظر عن مكان الولادة. وإن المشكلة لتزداد، حينما يحصل طلاق، وتعود الأم الوطنية الى ديارها، دون أن يحصل أولادها على الجنسية.

الفرع السابع: إحترام الأصول المثالية في الجنسية

هنالك أصولٌ مثالية متعارف عليها تحكم موضوع الجنسية. ومن هذه الأصول ضرورة أن يكون لكل إنسان الحق في الجنسية. وكذلك الطفل،إذ ينبغي أن تكون له جنسية أحدى الدول. إن هذا الحق يقابله، بالتأكيد، التزامٌ يقع على عاتق الدولة بضرورة منح هذه الجنسية لكل من يرتبط معها برابطة الدم أو الإقليم، وفقاً لقوانين الدولة.

وهذا ما أكد عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان([26])، وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية([27])، بالإضافة إلى الاتفاقية الدولية بشأن تقليل حالات انعدام الجنسية([28]). وغير ذلك. ([29])

المبحث الثاني: موقف التشريعات العربية والعراقية

نتحدث عن ذلك عبر مطلبين، نبحث في الأول منهما في موقف التشريعات العربية من إعطاء الأم دوراً اساسياً في نقل الجنسية إلى الأولاد، ونبين في الثاني منهما، موقف القانون العراقي.

المطلب الأول: موقف التشريعات العربية

لقد كانت التشريعات العربية، والى وقتٍ قريب، تتبنى الاتجاه المناهض للتسوية بين الأب والأم  في نقل الجنسية الاصيلة الى الأولاد. فلقد كانت هذه التشريعات - قاطبةً -، تعطي للأم دوراً ثانوياً، يتمثل بالحق في نقل الجنسية بناءً على ما أسميناه "حق الدم الثانوي". وبمقتضاه يكون للام الوطنية دورٌ في نقل جنسيتها الى أولادها، ولكن بشروط، وهي أن يكون زوجها إما مجهولاً غير معروف، أو مجهول الجنسية أو عديمها. ولقد تبين لنا في العرض السابق أن بعض التشريعات العربية تشترط أن تكون الولادة في الاقليم لا خارجه، بالاضافة الى الشروط المذكورة آنفاً.

مما تقدم، ومن العرض السابق في الفصل الأول من هذا البحث، يتجلى لنا بوضوح، أن التشريعات العربية، لم تعطِ للام دوراً في نقل الجنسية الى أولادها، استناداً على ما أسميناه "حق الدم الأصيل"، إنما يقتصر دورها في نقل الجنسية، بناءً على "حق الدم الثانوي". ولقد أوفينا ذلك شرحاً فيما سبق.

ولقد بقي الحال هكذا،حتى عام 2004، عندما خطت مصر، ومن بعدها العراق،خطواتٍ جريئةً، قلبت الوضع رأساً على عقب. ومن خلال متابعتي الدقيقة لهذا الموضوع، فإنني أخلص الى القول،أن ثمة إتجاهين إثنين في الوقت الراهن يحكمان هذا الموضوع – أي قدرة الأم على نقل جنسيتها الى الأولاد بصورةٍ أصيلةٍ لا ثانوية -، الأول يتمثل بالإتجاه القديم، الذي يمكن أن أصفه بـ (الإتجاه التقليدي ). والثاني يتمثل بالإتجاه الذي يمكن أن أصفه بـ ( الإتجاه الحديث )،الذي غيّر النظرية من أساسها، وقام بإعتناق نظريةٍ جديدة.

وحيث أننا قد ذكرنا موقف الإتجاه التقليدي،وقلنا بأن التشريعات العربية كلها،كانت تأخذ بهذا الإتجاه، الذي مفاده أن الأم لا تستطيع أن تنقل جنسيتها الى أولادها بصورةٍ أصيلةٍ كالأب، وإنما يبقى دورها مقتصراً على ما ذكرناه سابقاً، من نقل الجنسية بصورةٍ ثانوية. أما الإتجاه الحديث، فالملاحظ أن بعض التشريعات العربية، في السنوات الست الأخيرة، قد أخذت بنظريةٍ جديدة، تلك هي المتعلقة بالتسوية بين الأب والأم في  نقل الجنسية الى الأولاد. بعبارةٍ أخرى، أن الأم تنقل جنسيتها الى أولادها تماماً كما ينقلها الأب، وبصورةٍ أصيلةٍ، بناءً على ما أسميناه ( حق الدم الأصيل أو المطلق ). وبالنظر لأهمية هذا الإتجاه، وما أحدثه من نقلةٍ نوعية، ولكونه إتجاهاً جديداً لم تسلط الأضواء عليه، ولا يعلمه الكثير من الباحثين، فسأحاول تسليط الضوء عليه.

تُعد مصر الدولة العربية الأولى التي أخذت بالإتجاه الحديث، وقضت بأن الأم المصرية تنقل جنسيتها الى الأولاد، مثلها كمثل الأب. ثم تلاها العراق في هذا الموقف، فالجزائر، فالمغرب، فتونس.تلك دولٌ خمس أخذت بهذا الإتجاه. وسنستعرض موقف تشريعات هذه الدول بحسب تسلسلها الزمني،وأُرجئ الحديث عن القانون العراقي الى المطلب الثاني.

أولاً :القانون المصري وتعديله في عام 2004 :

لقد بيّنا فيما سبق موقف القانون المصري، وأنه جاء متوافقاً مع منظومة التشريعات العربية، فيما يتعلق بموضوع البحث. بيد أن الفقه المصري لم يهدأ له بال، وبدأ الشراح المصريون يعالجون هذه المشكلة – قدرة الأم على نقل الجنسية الى الأولاد بصفةٍ أصيلة كالأب - بمزيدٍ من البحث والتحليل. ولقد كان جُلهم من انصار الاتجاه المؤيد لإعطاء الأم دوراً مساوياً لدور الأب في عملية نقل الجنسية. إن ما قام به الفقه القانوني المصري، لم يحدث في أي بلدٍ عربي آخر، وهو أمرٌ ليس بغريب، إذ أن الفقه القانوني المصري له السبق في معظم القضايا القانونية. وعلى أية حال، فإن هذه الآراء التي سطرها الشراح والفقهاء، قد آتت أكلها، وتركت تأثيراً في الرأي العام المصري من جهةٍ، وفي موقف المشرع من جهةٍ اخرى. وفعلاً فقد استجاب المشرع المصري لهؤلاء الشراح والفقهاء في عام 2004، فصدر في تموز منه قانون التعديل رقم 154 لعام 2004، ليحدث تغييراً شاملاً وجذرياً في الموضوع. إذ بمقتضى هذا القانون أصبحت الأم المصرية قادرةً على نقل جنسيتها الى أولادها - من زوجها الاجنبي -، تماماً وعلى حد السواء مع قدرة الأب المصري، بصورةٍ مطلقة، ودون قيدٍ أو شرطٍ مضاف. فما دام الأب المصري ينقل جنسيته الى أولاده، كذلك الحال في الأم المصرية، إذ لها القدرة على نقل جنسيتها الى أولادها. وهكذا عُدّل قانون الجنسية المصرية رقم 26 لعام 1975، بهذا القانون ـ أي قانون رقم 154 لعام 2004. ([30])

لقد نصت المادة الاولى من قانون تعديل قانون الجنسية رقم 154 لعام 2004 على الآتي:

"يستبدل بنص المادة (2) من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، النص الآتي:

مادة (2) : يكون مصرياً:

1ـ من ولد لأبٍ مصري، أو لأمٍ مصرية.

2ـ من ولد في مصر من أبوين مجهولين، ويعتبر اللقيط مولوداً فيها ما لم يثبت العكس".

ويتضح بجلاء، أن هذا النص قد قرر حق الدم المطلق من ناحية الأب والأم معاً. وبذلك أضحت الأم قادرةً على نقل جنسيتها المصرية الى أولادها، على حد السواء مع قدرة الأب في ذلك.

ثانياً : القانون الجزائري :

لقد جاء قانون  التعديل رقم 05-01 لعام 2005)[31])،لتعديل قانون الجنسية الجزائرية رقم 70-86 لعام 1976، وليحدث نقلةً في التشريع الجزائري. إذ جاءت المادة ( 6 ) من هذا  التعديل لتسير على هدى القانون المصري، ولتنص على الآتي :

( يعتبر جزائرياً الولد المولود من أبٍ جزائري أو أمٍ جزائرية ). وبذلك يكون  هذا التعديل قد سوى بين الأب والأم  في نقل الجنسية. إذ بات كلاً منهما ينقل الجنسية الأصيلة الى المولود،دون قيدٍ أو شرط، وبصرف النظر عن مكان الولادة.  

ثالثاً :القانون المغربي :

وعلى المنوال ذاته سار القانون المغربي، فبعد أن  كان هذا القانون  - وكغيره من  التشريعات العربية -، لا يعطي الأم الحق في نقل الجنسية الى أولادها بصورةٍ أصيلةٍ ومطلقة. بات بعد التعديل المهم في عام 2007، يعطي ذلك الحق. فلقد جاء القانون رقم 06-62 لعام  2007( [32])، قانون تعديل قانون الجنسية المغربية لعام 1958، لينص في الفصل ( 6 ) على الآتي :

(يعتبر مغربيا الولد المولود من أبٍ مغربي أو أمٍ مغربية ). وبهذا النص يكون القانون المغربي قد خطا خطواتٍ كبيرة في مقام التسوية بين الأب والأم في نقل الجنسية الأصيلة المبنية على حق الدم المطلق.

رابعاً : القانون التونسي :

على الرغم من أن القانون التونسي كان سباقاً في إعطاء الأم دوراً أكبر في نقل جنسيتها، وذلك عبر تعديل القانون التونسي في تسعينات القرن الماضي، وتحديداً في عام 1993،الذي أعطى الحق للأم التونسية بنقل جنسيتها الى ولدها المولود في تونس من أبٍ أجنبي. لقد مثل هذا التعديل في وقته طفرةً نوعيةً، إذ لم تكن التشريعات العربية تسمح بذلك – قاطبةً -، بل كانت تسمح للأم في ذلك فيما لو كان الأب مجهولاً أو مجهول الجنسية أو عديمها – كما اتضح ذلك فيما سبق -.

أقول، على الرغم من موقف القانون التونسي هذا، إلا أنه من ناحيةٍ أخرى، قد تأخر في إعطاء الأم حقاً متساوياً مع  الأب في نقل الجنسية عن القوانين في كلٍ من : مصر والعراق والجزائر والمغرب.إذ أن القانون التونسي لم يعط الأم هذا الحق إلا في  عام 2010. وعلى أية حال، فقد جاء القانون عدد 55 لسنة 2010([33])، قانون تعديل مجلة الجنسية التونسية عدد 6 لسنة 1963 ليعطي الأم التونسية هذا الحق. فلقد نص الفصل ( 6 المعدل ) على ما يأتي :

( يكون تونسياً الطفل الذي ولد لأبٍ تونسي أو لأمٍ تونسية ). وبهذا النص تكون الأم التونسية قد تساوت مع الأب التونسي في نقل الجنسية الى الأولاد بناءً على حق الدم المطلق لا الثانوي. وحيث قد تساوت الأم مع الأب، لذلك قام القانون بحذف النصوص الأخرى التي كانت تعطي الأم دوراً ثانوياً في نقل الجنسية، فيما لو كان الأب مجهولاً أو مجهول الجنسية أو عديمها.  

المطلب الثاني: موقف التشريعات العراقية

قد ذكرنا سابقاً موقف تشريعات الجنسية العراقية السابقة، وأعني بها قانون الجنسية العراقية الاول رقم 42 لسنة 1924، وقانون الجنسية رقم 43 لسنة 1963. وقد تبين أن هذين القانونين لم يسمحا للأم بنقل جنسيتها الى أولادها إلا استثناءً، وهو ما أسميناه  "حق الدم الثانوي".

وقد بقي الحال هكذا لغاية سقوط النظام السابق، وصدور الدستور العراقي الدائم الجديد لعام 2005، الذي أحدث تغييراً جذرياً شاملاً في موضوع الجنسية، تمثل بعدة مسائل جوهرية عديدة. لكننا هنا نقتصر على موضوع بحثنا، وفيما يتعلق بهذا الموضوع، فإن النقلة التي أحدثها الدستور الجديد، تمثلت بالتسوية الكاملة بين الأب والأم في نقل الجنسية. بعبارةٍ اخرى، ان الأم قد باتت قادرةً على نقل جنسيتها بناءً على حق الدم الأصيل الى اولادها، تماماً كقدرة الأب على ذلك. وهذا ما صرح به البند الثاني من المادة (18) من الدستور، الذي نص على الآتي:

" يُعد عراقياً كل من ولد لأبٍ عراقي أو لأمٍ عراقية، وينظم ذلك بقانون".

وبهذه المثابة يكون الدستور العراقي قد أرسى دعائم الجنسية العراقية، بوضعه نصاً موجهاً الى المشرع يلزمه بسن قانونٍ جديد للجنسية العراقية([34])، يكفل هذه المساواة. ويستشف مما سبق، ان الدستور العراقي لم يكتف بالنص على هذه الحالة "حق الدم الأصيل أو المطلق" للأم في القانون فحسب، بل نص عليها في متن الدستور. وفي ذلك اشارةٌ إلى أنه أراد أن يرفع مستوى هذه الحالة إلى مصاف النص الدستوري لا القانوني فقط.

وتأسيساً على ما تقدم، يعد هذا الموقف رائداً، ليس على صعيد المنظومة التشريعية العربية فحسب، بل وعلى صعيد المنظومة التشريعية العالمية أيضا ـ وهذا ما أشار إليه بعض خبراء الأمم المتحدة([35]).

هذا ما يتعلق بموقف الدستور العراقي، أما فيما يتعلق بموقف القانون العراقي، فان الملاحظ أن المشرع العراقي قد قام بسن قانونٍ جديد للجنسية - إعمالاً للنص الدستوري المتقدم - فصدر قانون الجنسية العراقية الجديد - الثالث - رقم 26 لعام 2006. لقد كان هذا القانون مُلزَماً- كما أشرنا سابقاً - بالأخذ بالأسس التي وضعها الدستور من قبل، ومن ضمنها عدم جواز إسقاط الجنسية العراقية عن العراقي بالولادة، ورد الجنسية لكل من أسقطت عنه لأسبابٍ سياسيةٍ أو دينيةٍ أو قومية. ومنها ما يتعلق بموضوعنا، ألا وهو إعطاء الأم دوراً مساوياً لدور الأب في عملية نقل الجنسية.

وهكذا جاء هذا القانون لينص في الفقرة "أ" من المادة الثالثة، على الآتي:

"يعتبر عراقياً: أ- من ولد لأبٍ عراقي أو لأمٍ عراقية".

وبناءً على ذلك،أضحت الأم العراقية قادرةً على نقل جنسيتها الى أولادها بناءً على حق الدم الأصيل - لا الثانوي - تماماً كقدرة الأب على ذلك.

ومن هذا النص يمكن ان نستنتج الحقائق الآتية:

1- إن الأم العراقية أضحت قادرةً على نقل جنسيتها إلى أولادها. سواء أكانت الولادة داخل العراق أم خارجه، وسواء أكان زوجها عراقياً أم اجنبياً.

2- إن الأم لها القدرة على نقل الجنسية إلى الأولاد، بصرف النظر عما إذا كان الزوج عديم الجنسية أو اجنبياً.

3- لا بد لإعمال النص من توافر شرطين :

أ - أن تكون الأم عراقية الجنسية،بصرف النظر عما إذا كانت جنسيتها أصيلةً – مفروضة -،أو مكتسبةً – طارئة -.

ب- أن تكون ولادة الأم ناشئةً عن علاقةٍ شرعية، فإن لم تكن كذلك،إنتفى الحق.

 

وبناءً على ذلك، فقد وجد المشرع نفسه في غنى عن إيراد نص يتعلق بقدرة الأم على نقل الجنسية متى كان زوجها مجهول الجنسية أو عديمها، وهو ما أسميناه "حق الدم الثانوي". بعبارة أوضح، إن الأم ما دامت قادرةً على نقل جنسيتها إلى أولادها المولودين وبصرف النظر عن كون الأب - أي زوجها - عراقياً أو اجنبياً،معلوم الجنسية أو عديمها، فإن ذلك بالطبع يغني عن وضع نصٍ يعالج حالة الولادة من أمٍ عراقية وأبٍ مجهولٍ الجنسية أو لا جنسية له، تلك الحالة التي اشرنا إليها سابقاً والتي اتضح أن المشرع كان بحاجةٍ إليها، لأنه لم يكن يعطي الأم الحق في نقل الجنسية الأصيلة إلى الأولاد.

لكنني اعتقد أن هذا النص – المذكور في الفقرة " أ " من المادة الثالثة - لا يشمل في حكمه حالة كون الأب مجهولاً، أي لم يثبت النسب إليه، إما لأن العلاقة غير مشروعة، أو أن العلاقة مشروعة وهنالك عقد زواج، لكن الأب ينكر النسب،ففي هذه الحالة لا يسري النص.

ودليلي على هذا الكلام، ما يأتي:

1ـ من المعلوم بداهةً أن الجنسية،حتى تثبت، لابد من توافر عدة شروط، منها أن يكون ثمة عقد زواج شرعي بين الزوج والزوجة. وبدون ذلك، فإن الجنسية لا تمنح للمولود، لان النسب أساسا غير ثابت. ونحن نعلم أن الجنسية - في غالبها - تُمنح استناداً على حق الدم المستمد من الأب. بمعنى آخر، أن يكون النسب ثابتاً بين الوالد والمولود، فإن انتفى النسب، انتفى المسوّغ القانوني لمنح الجنسية. وهذا أمرٌ معمولٌ به في تشريعات الجنسية على نحو العموم. وهكذا لو كان القانون يمنح الجنسية استناداً على حق الدم المستمد من الأم، فإن المحصلة واحدة، وهي ضرورة ثبوت النسب. والنسب لا يثبت ما لم تكن ثمة علاقة مشروعة،وعقد زواج قد تم على وفق الشروط الشرعية والقانونية. وهكذا فإن العلاقة غير المشروعة لا تولد نعمة النسب، ومن ثم فإنها لا تولد نعمة أو حق الجنسية.

2- إن قانون الجنسية العراقية  رقم 43 لعام 1963 الملغي، وكذلك بقية التشريعات العربية ذات الصلة، قد صرحت بأن الولادة من أمٍ وطنية (العراقية مثلاً) تعطي للمولود الحق في الجنسية متى ما تحققت بعض الشروط - المذكورة آنفاً - ومنها أن يكون الأب مجهولاً مثلاً، أي أن النسب غير ثابت، ومنها أن تكون الولادة في داخل الإقليم - في بعض التشريعات ومنها العراقي -  أو حتى لو كانت في خارجه  – في بعضها الآخر-.

إن هذه التشريعات قد أعطت الحق للمولود في الجنسية على الرغم من أن العلاقة غير مشروعة ـ وذلك في حالة كون الأب مجهولاً ـ ولعل سائلاً يسأل، لماذا لا نقيس ما ورد في الدستور العراقي وقانون الجنسية الجديد، على هذه الحالة ؟.

إن جوابنا عن هذا الإشكال هو بحد ذاته يمثل دليلاً آخر على صحة ما ذهبنا إليه. وجوابنا هو ببساطة، إن مصدر هذا الحق، هو القانون ذاته، حيث ان قانون الجنسية العراقية الملغي، وكذا بقية التشريعات العربية - ذات الصلة -  قد نصت صراحةً على هذه الحالة، واعطت للمولود هذا الحق بنص القانون. وهذا ما نصت عليه المادة الرابعة من قانون الجنسية الجديد، التي نصت على الآتي :

" للوزير أن يعتبر من ولد خارج العراق من أمٍ عراقية وأبٍ مجهول أو لا جنسية له عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تأريخ بلوغه سن الرشد إلا إذا حالت الظروف الصعبة دون ذلك بشرط أن يكون مقيماً في العراق وقت تقديمه طلب الحصول على الجنسية العراقية ". أما قانون الجنسية الملغي لعام 1963 فقد جاء بنصين في هذا المقام :

الأول هو ما يشبه النص الذي جاء في القانون الجديد إذ نصت المادة الخامسة من هذا القانون على الآتي:

" للوزير أن يعتبر من ولد خارج العراق من أمٍ عراقية وأبٍ مجهول أو لا جنسية له عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تأريخ بلوغه سن الرشد بشرط أن يكون مقيماً في العراق وغير مكتسب جنسية أجنبية ".والنص الثاني هو ما ورد في الفقرة ( 2 ) من المادة الرابعة، التي نصت على الآتي :

"يعتبر عراقياً: من ولد في العراق من أمٍ عراقية وأبٍ مجهولٍ أو لا جنسية له".

ومن مجموع هذه النصوص يتضح أن المشرع قد أشار بصورةٍ صريحة الى منح الجنسية العراقية للمولود من أمٍ عراقية وأبٍ مجهول أو لا جنسية له – بالشروط المذكورة آنفاً -، بمعنى آخر، أن هذه النصوص قد أشارت صراحةً إلى كون الأب مجهولاً.

وتأسيساً على ما تقدم فإن هذه الحالة - الماثلة - هي غير منصوصٍ عليها في القانون العراقي. ويبدو لي أن عدم النص عليها، لا يعني غفلةً أو سهواً، إنما هو يعني حكماً، يتمثل بالقول الآتي:

إن الأم العراقية قد بات لها الآن الحق في نقل جنسيتها العراقية  إلى أولادها، وان كان زوجها اجنبياً أو عديم الجنسية، ولكن يشترط أن تكون هذه الأم قد ارتبطت بعقد زواجٍ شرعي تم على وفق الشروط الشرعية والقانونية المنصوص عليها في قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959.

وينبني على ذلك، أن العلاقة غير المشروعة التي ترتبط بها المرأة العراقية برجلٍ أجنبي، لا تثمر نسباً، ولا جنسيةً البتة. وإن القول بخلاف ذلك لا يتعارض مع القانون فحسب، بل يتعارض مع النظام العام ايضاً. وإن كل ما يتعارض مع النظام العام، فانه يكون محكوماً بالبطلان على وفق القواعد العامة المعمول بها في معظم القوانين، بل أضحت هذه القاعدة واحدةً من المبادئ المستقرة والشائعة في القانون الدولي الخاص.

الخاتمـــة

 مما تقدم في هذا البحث يمكن الخلوص الى النتائج الآتية:

1- لقد أخذت كل التشريعات العربية بحق الأم في نقل الجنسية إلى الأولاد بناءً على ما أسميناه  "حق الدم الثانوي"، ولكن بشروطٍ معينة.

2- لقد تفاوتت تلك التشريعات بصدد هذا الحق المعطى للأم، فإن منها لما يأخذ بحق الدم الثانوي المجرد، وأعني بذلك حق الدم الثانوي غير المعزز بحق الإقليم، وإن منها لما يأخذ بهذا الحق ولكن مع تعزيزه بحقٍ آخر،هو حق الإقليم.

3ـ قد تبين مما سبق، أن ثمة حالاتٍ ثلاث مرتبطة بزوج الأم، الذي هو غير وطني بالأساس، وهي إما أن يكون هذا الزوج مجهولاً، أو أن يكون مجهول الجنسية، أو أن يكون عديم الجنسية. ولقد تبنّت معظم التشريعات العربية هذه الحالات الثلاث. بيد أن بعضاً منها قد أهمل كون الأب مجهولاً - كالقانون السعودي -، وبعضاً منها قد أهمل كون الأب مجهول الجنسية - كالقانون الجزائري-. ولئن كان موقف القانون السعودي له ما يبرره فأن ليس ثمة تبرير للقانون الجزائري – في وقته وقبل التعديل -، إذ كيف يمكن الأخذ بحالة كون الأب مجهولاً أو عديم الجنسية، ولا يمكن الأخذ بحالة كون الأب مجهول الجنسية، وهو الأمر الأهون بالنسبة لما قد سبقه.

4- لقد جاء القانونان السوري واللبناني متشابهان - إلى حدٍ ما- في الأخذ بحق الدم الثانوي، وكون إلام قادرةً على نقل جنسيتها إلى الأولاد في حالةٍ واحدةٍ، وهي كون المولود غير شرعي "أو الولد الطبيعي بحسب الفقه اللبناني".

وهذا الموقف من القانونين يعد، بلا ريب، موقفاً غريباً، ذلك أن إعطاء الأم الحق في نقل الجنسية إلى الأولاد في حالة كون الأب مجهول الجنسية أو عديمها، هو أهون شراً من كون الأب مجهولاً، ولئن كان العسير جائزاً، فإن اليسير أولى. ولقد بات واضحاً أن معظم التشريعات العربية تأخذ بهذه الحالات الثلاث، بل أن بعضاً من تلك التشريعات (كالقانون السعودي) يأخذ بالحالتين (أي كون الأب مجهول الجنسية أو عديمها) ولا يأخذ بالحالة الثالثة، التي اقتصر عليها القانونان السوري واللبناني (وهي كون الأب مجهولاً، بمعنى أن الأولاد غير شرعيين).

وتأسيساً على قد سبق، فإن من المحبذ دعوة المشرع السوري للأخذ بهذه الحالات الاستثنائية، ولا سيما (حالتي كون الأب مجهول الجنسية أو عديمها).

وكذا يغدو صحيحاً، دعوة المشرع اللبناني للأخذ بهاتين الحالتين، منعاً لظاهرة اللاجنسية، تلك الظاهرة التي تترك آثاراً سيئةً على الأسرة والمجتمع، وتلك الظاهرة التي ما فتئت المعاهدات الدولية والإقليمية، تكافحها، وتحاول التخفيف من غلوائها.

5- لا ريب في أن القانون التونسي كان يمثل - في وقته - تقدماً بإزاء بقية التشريعات العربية، وذلك بنصه على حق الأم التونسية في نقل جنسيتها إلى الأولاد متى كانت الولادة في تونس، حتى لو كان الأب اجنبياً. بمعنى أن هذا القانون لم يكتفِ بالحالات الثلاث المتقدمة - على الرغم من أنه قد اخذ بها ايضاً - بل تقدم خطوةً نحو الأمام، وأعطى للأم التونسية الحق في نقل جنسيتها حتى لو كان زوجها معلوماً ولديه جنسية أجنبية ـ فلو تزوجت أمرأةٌ تونسية برجلٍ عراقي مثلاً وولدت هذه المرأة في تونس فإن المولود سيكتسب جنسية أمه التونسية - طبعاً بالإضافة إلى جنسية أبيه العراقية -.

وغنيٌ عن البيان، ان هذا التقدم في موقف القانون التونسي قد تقهقر وأصبح يقف في الوراء، بعد صدور تعديلات جديدة في بعض تشريعات الجنسية العربية، وهي التشريعات في كلٍ من :

مصر والعراق والجزائر والمغرب، ثم لحقتهم تونس بعد ذلك في هذا العام، أعني به عام 2010.

إن هذه التعديلات، قد قضت – كما تقدم - بالتسوية بين الأب والأم في نقل الجنسية إلى الأولاد، بناءً على حق الدم الأصيل، لا الثانوي.

6- وإذ يكون القانون العراقي - الجديد - قد أعطى الأم الحق في نقل الجنسية الأصيلة إلى الأولاد. وإذ يكون هذا القانون قد أهمل النص على فرض الجنسية العراقية بناءً على حق الدم الثانوي - فيما لو كان الأب مجهولاً أو مجهول الجنسية أو عديمها -، فإن ما يترتب على ذلك، هو القول، أن المشرع أنما صنع ذلك لعدم الحاجة إلى هذا النص، بعد إعطاء الأم هذا الدور الكبير.

ولقد نعلم أن عدم النص هذا، يعد دليلاً على عدم قدرة الأم على نقل جنسيتها فيما لو كان الأب مجهولاً، بعبارةٍ أوضح، فيما لو كانت العلاقة بين الزوج والزوجة غير مشروعة. وتأسيساً على ما تقدم، فإن ليس بوسع الأم العراقية أن تنقل جنسيتها إلى الأولاد الذين يكونون ثمرة علاقة غير مشروعة، بل لابد من أن تكون العلاقة مشروعةً، وثمة عقد زواج موافق للشرع والقانون. وبناءً على ذلك، فإن المرأة العراقية المسلمة، لو تزوجت برجلٍ مصري مسيحي، فان العقد يكون باطلاً، ولا يمنح الأولاد الجنسية العراقية، على الرغم من كون العلاقة كانت نتيجة عقد زواج. والسبب في ذلك يكمن في أن العقد غير موافق للشريعة الإسلامية، ولما نص عليه قانون الأحوال الشخصية العراقي. لكن هذه الأم يمكن أن تنقل الجنسية العراقية إلى الأولاد في هذه الحالة – أي كون الأب مجهولاً -، بيد أن هذه الجنسية ستكون جنسيةً مكتسبةً – طارئة -، لا جنسيةً أصيلةً – مفروضة -. ومعنى ذلك أن هذه الجنسية لا تفرض على المولود بقوة القانون، وإنما تترك للسلطة التقديرية للسلطات العراقية، إن شاءت منحت الجنسية للمولود، وإن شاءت إمتنعت. هذا بالإضافة إلى توافر شروطٍ أخرى قد ذكرتها المادة الرابعة المذكورة آنفاً.

المصادر والمراجـع

أولاً :ـ القانون الدولي الخاص:

1- د. البستاني، سعيد، الجنسية والقومية في تشريعات الدول العربية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان،2003.

2- د. الحداد، حفيظة السيد، الموجز في الجنسية ومركز الاجانب، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الاولى، بيروت، لبنان2005.

3- د. الحداد، حفيظة السيد، مدخل الى الجنسية ومركز الاجانب، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، مصر، 2007.

4- د. الداوودي، غالب علي، القانون الدولي الخاص "النظرية العامة وأحكام الجنسية"، مطبعة أسعد، الطبعة الاولى، بغداد،1957.

5- د. الداوودي، غالب علي،ود. الهداوي، حسن، القانون الدولي الخاص، الجزء الأول، وزارة التعليم العالي، والبحث العلمي،بغداد،1988.

6- العيون، قصي محمد، شرح أحكام الجنسية الأردنية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الاولى، عمان، الاردن،2009.

7- د. الهداوي، حسن، الجنسية ومركز الاجانب، بدون سنة طبع، بغداد.

8- د. حافظ، ممدوح عبد الكريم، القانون الدولي الخاص وفق القانونين العراقي والمقارن، دار الحرية للطباعة، مطبعة الحكومة، الطبعة الأولى، بغداد،1973.

9- د. صادق، هشام علي، القانون الدولي الخاص، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، مصر،2005.

10- د. عبد العال، عكاشة محمد، أصول القانون الخاص اللبناني المقارن، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان،1998.

11- د. عبد العال، عكاشة محمد، أحكام الجنسية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان،2007.

12- د. عبد العال، عكاشة محمد، الاتجاهات الحديثة في مشكلة "تنازع" الجنسيات، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1991.

13- د. زمزم،عبد المنعم، جنسية ابناء الأم المصرية، قرارات وزير الداخلية والتعديل التشريعي، دار النهضة العربية، ط1، القاهرة، 2005، ص191-192.

14- د. فتحي،حسام الدين، مشكلات الجنسية، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر،2007.

15- د. منصور، سامي بديع، و د. العجوز، أسامة، القانون الدولي الخاص، الطبعة الثانية، بيروت، لبنان،2005.

 

ثانياً :ـ الدساتير وقوانين الجنسية:

16- دستور جمهورية العراق لعام 2005.

17- قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924 (الملغي).

18- قانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963 (الملغي).

19- قانون الجنسية العراقية النافذ رقم 26 لسنة 2006.

20- قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975 المعدل.

21- قانون الجنسية اللبنانية الصادر بالقرار رقم 15 لسنة 1925.

22- قانون الجنسية اللبنانية الصادر في 11 كانون الثاني لسنة 1960.

23- قانون الجنسية السورية رقم 276 لسنة 1969.

24- قانون الجنسية الأردنية رقم 6 لسنة 1954.

25- قانون الجنسية الكويتية رقم 15 لسنة 1959 المعدل.

26- قانون الجنسية البحرينية عدد 11 لسنة 1963.

27- قانون الجنسية القطرية رقم 2 لسنة 1961.

28- قانون جنسية دولة الإمارات العربية المتحدة رقم 17 لسنة 1972.

29- نظام الجنسية العربية السعودية رقم 4 لسنة 1374هـ.

30- مجلة الجنسية التونسية رقم 6 لسنة 1963 المعدل.

31- قانون الجنسية المغربية رقم 250 لسنة 1958 المعدل .

32- قانون الجنسية الجزائرية رقم 76 ـ 80 لسنة 1970 المعدل.

33- قانون الجنسية السودانية رقم 22 لسنة 1957.

 

ثالثاً : الإتفاقيات الدولية :

33- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون الأول عام 1948.

34- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر في 16 كانون الأول عام 1966.

35- الاتفاقية الدولية بشأن تقليل حالات انعدام الجنسية لعام 1961.

36- معاهدة لاهاي بشأن الجنسية لعام 1930.

37- الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951.

 

[1] نعني بالجنسية الأصيلة، تلك الجنسية التي تفرض على المولود فور ولادته، وبقوة القانون، ولا تحتاج إلى أي إجراء آخر، ولذلك تسمى ايضاً بـ الجنسية المفروضة" أو "جنسية الميلاد".

[2] يرتأي البعض ـ ولا سيما في العراق ـ تسمية هذا الحق  "حق الدم الأصلي" وهذه التسمية ـ الأخيرة ـ وان كانت صحيحة، لكننا نعتقد أن التسمية الأولى التي ذكرناها هي الأدق من الناحية اللغوية، وقل مثل ذلك بالنسبة للجنسية الأصيلة التي تسمى في العراق  "الجنسية الأصلية".

[3] ـ نظام هنا بمعنى قانون.

[4] ـ ينظر: د. سعيد يوسف البستاني، الجنسية والقومية في تشريعات الدول العربية، منشورات الحلبي الحقوقية، 2003، بيروت، ص132 ـ 133.

[5] ـ للمزيد حول هذا الموضوع ينظر: د. حسن الياسري، ظاهرة اللاجنسية، بين القانون العراقي والقانون المقارن، بحث منشور في مجلة بيت الحكمة، بغداد.

[6] ـ لمعرفة المزيد عن مشكلة البدون من الناحية القانونية، ينظر:  د. حسن الياسري، ظاهرة اللاجنسية، مصدر سابق.

[7] ـ ينظر: د. عصام القصبي، القانون الدولي الخاص لدولة الإمارات، نقلاً عن د. هشام خالد، أهم مشكلات قانون الجنسية العربي، منشأة المعارف، 2006، الاسكندرية، ص153.

[8] ـ التابعية هنا بمعنى الجنسية.

[9] ـ ينظر د. عكاشة محمد عبد العال، أحكام الجنسية، منشورات الحلبي، 2007، بيروت، ص336.

[10] ـ ينظر د. عكاشة عبد العال، مصدر سابق، ص350.

[11] هكذا ورد في النص، والظاهر من سياق نصوص هذا القانون أن المقصود بذلك هو " المولود ".

[12] ـ ينظر: د. هشام خالد، مصر سابق، ص357.

[13] ـ ينظر بهذا الصدد: د. حسن الممي، الجنسية في القانون التونسي، نقلاً عن د. هشام خالد، مصدر سابق، ص180.

[14] ـ د. حسن الهداوي و د. غالب علي الداودي، القانون الدولي الخاص، ج1، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بدون سنة طبع، ص40.

[15] ـ تنص المادة الثانية من قانون الجنسية القديم الملغي رقم 42 لسنة 1924. على ما يأتي: "كل تذكير في هذا القانون يشمل التأنيث ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك".

[16] ـ المؤرخ في 14/5/1934.

[17] ـ د. حسن الهداوي، الوجيز في القانون الدولي الخاص، ج1، مطبعة الارشاد، بغداد، 1961، ص 39ـ41 نقلاً عن د. هشام خالد، مرجع سابق، ص239ـ 241.

[18] ـ ينظر بصدد ذلك: د. حسن الهداوي، الجنسية ومركز الاجانب، مطبعة الارشاد، الطبعة الثالثة، بغداد، 1972، ص79، د. هشام خالد، مصدر سابق، ص363 وص383ـ385.

[19] ـ ينظر بصدد ذلك: د. حسن الهداوي، المصدر السابق، ص79.

[20] ـ ينظر : د.ممدوح عبد الكريم حافظ، القانون الدولي الخاص وفق القانونين العراقي والمقارن، دار الحرية للطباعة، مطبعة الحكومة، 1973، بغداد، ص86.

[21] ـ ينظر بصدد هذا الاتجاه، وحججه، د. هشام علي صادق، مصدر سابق، ص14 وما بعدها، د. عكاشة محمد عبد العال، أحكام الجنسية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2007، ص352-353. د. هشام خالد، مصدر سابق، ص401 وما بعدها، د. حفيظة السيد الحداد، مدخل الى الجنسية ومركز الاجانب دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 2007، ص106 وما بعدها، د. عبد المنعم زمزم، جنسية ابناء الأم المصرية، قرارات وزير الداخلية والتعديل التشريعي، دار النهضة العربية، ط1، القاهرة، 2005، ص191-192.

[22] ـ لمزيد من الاطلاع، على المساوئ والمشكلات التي تثيرها هذه الظاهرة، ينظر: د. حسن الياسري، ازدواج الجنسية، في ضوء أحكام الدستور العراقي وقانون الجنسية الجديد والقانون المقارن،بغداد، 2008.

 

[23] ـ تنص المادة الخامسة من قانون الجنسية العراقية الملغي رقم 43 لسنة 1963 على الآتي: "للوزير ان يعتبر من ولد خارج العراق من أمٍ عراقية وأبٍ مجهول او لا جنسية له، عراقي الجنسية، اذا اختارها خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد، بشرط ان يكون مقيماً في العراق وغير مكتسب جنسيةً اجنبيةً"، ولقد جاء النص ذاته في المادة الرابعة من قانون الجنسية الجديد رقم 26 لسنة 2006، مع اضافة العبارة الآتية: "... الا اذا حالت الظروف الصعبة دون ذلك بشرط ان يكون مقيماً في العراق وقت تقديمه طلب الحصول على الجنسية العراقية".

[24] ـ ينظر بصدد هذه الحجج: د. هشام علي صادق، مصدر سابق، ص14 وما بعدها، د. عكاشة عبد العال، أحكام الجنسية، ص354ـ355، د. حفيظة الحداد، مدخل الى الجنسية ومركز الاجانب، ص114 وما بعها، د. هشام خالد، مصدر سابق، ص476 وما بعدها، د. عبد المنعم زمزم، مصدر سابق، ص192 وما بعدها.

[25] ـ للمزيد حول اجراءات تلافي ظاهرة ازدواج الجنسية، ينظر: د. حسن الياسري، إزدواج الجنسية، مصدر سابق .

[26] ـ تنص المادة الاولى من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10 كانون الاول عام 1948 على الآتي:

"1ـ لكل فردٍ حق التمتع بجنسية ما.

2ـ لا يجوز تعسفاً حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته".

[27] ـ تنص المادة الرابعة والعشرون (24) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر في 16 كانون الاول عام 1966، على ما يأتي: "يكون لكل ولد، دون أي تمييز بسبب العرق او اللون او الجنس او اللغة أو الدين أو الأصل القومي او الاجتماعي او الثروة أو النسب، حق على أسرته وعلى المجتمع وعلى الدولة في اتخاذ تدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصراً.

2ـ يتوجب تسجيل كل طفل فور ولادته ويُعطى إسماً يعرف به.

3ـ لكل طفل حق في اكتساب جنسية."

[28] ـ تنص المادة الأولى (1) من هذه الاتفاقية التي اعتمدها مؤتمر المفوضين في عام 1959، ثم في عام 1961، على الآتي: "1ـ تمنح كل دولة متعاقدة جنسيتها للشخص الذي يولد في إقليمها ويكون لولا ذلك عديم الجنسية...".

[29] ـ ومنها معاهدة لاهاي بشأن الجنسية لعام 1930، والاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951.

[30] ـ لقد نشر قانون التعديل هذا، في الجريدة الرسمية، العدد 28، بتأريخ 14/7/2004.

[31] - صدر بموجب الأمر رقم 05-01 في 27 شباط 2005.

[32] - المؤرخ  في 23 آذار(مارس ) 2007.

[33] المؤرخ في 1 كانون الأول ( ديسمبر ) عام 2010.

[34] ـ لقد نص البند "سادساً" من المادة "18" من الدستور المشار إليها، على الآتي: "تنظم أحكام الجنسية بقانون، وينظر في الدعاوى الناشئة عنها من قبل المحاكم المختصة".

[35] ـ وهذا ما سمتعه شخصياً من قبل بعض هؤلاء الخبراء الذين كانوا في فريق الأمم المتحدة لدعم الدستور ابان وضع مشروع الدستور، وكذا بعد اقراره.