الباحث: خليل باستان
من صفحة: 44
إلى صفحة: 54
النص الكامل للبحث: PDF icon 180416-214457.pdf
خلاصة البحث:

الحديث حول الخرافات ذو شجون، و القرآن الكريم يشير في آياته الى أن الخرافات تزامنت مع الانسان منذ عهد طويل، فمن التطير بالنبي صالح والنبي موسى عليهما السلام و الى شعوب و أمم متوالية حتى ظهور الإسلام، فأحياناً لما كان العقل يصل الى الإفلاس فالخرافات و التطير كانت قائمة على قدم و ساق، و عند سيطرة العقل و الدين تزول هذه السيئات . ولكن يؤسفنا اليوم الذي نعيش فيه تحت ظل الدين و القرآن الحكيم والنبي (ص)  وآله  الأطهار أن نرى حكومة الخرافات و التطير التي نفاها القرآن الكريم و الحديث الشريف ما زالت قائمة بين الشعوب و الامم المختلفة و خاصة الامة الاسلامية، فعسى هذه المقالة أن تؤثر في أصحابها و تعمل  فيهم عمل السحر، لإزاحة الخرافات و التطير عن وجه المجتمع الاسلامي، و ما توفيقي إلا بالله عليه أتوكل و اليه انيب.

البحث:

1- التطير لغة و بياناً

التطير ظاهرة إجتماعيةيصاب بها الفرد و الجماعات بعدما يفلس العقل ويرتحل الدين وتزول القيم الإنسانية، فيقبل الناس على الجهل والضلالة والحيرة، فيستعمل الخرافات بديلا عن الحقائق، والجهل عوضاً عن العقل، حتى يسد عجزه بما لاتحمد عقباه، ويسير تحت ظل الشيطان، وأخيراً يستضيف الشر والخمول و...و...ويبدأ بالتشاؤم الذي يصيب النفوس البشرية عن غير قصد، لاسيما في لحظات الضعف والترقب والانتظار لخير قادم أو شرّ يلوح في الافق. و قيل إنه كان في الجاهلية عادة إذا خرج أحدهم لأمر، و رأى الطير طار يمينه تيمن به و استمرّ، و إن طار يسرة تشاءم منه و رجع.

و الآن ننظر في التعاريف التي ذكرها أصحاب الفن في هذا الباب:

  1. يقول الراغب الاصفهاني(م/502) في مفرداتة ص:309، تطير فلان و اطّير، أصله التفاؤل بالطير، ثم يستعمل في كلّ ما يتفائل به و يتشاءم.
  2. يرى صاحب مجمع البيان(م/561) في ج2 : 466، ان تطير و الطير من الشئ هو التشاؤم به، و اشتقاقه من الطير، و طائر الانسان عمله، أخذ من ذلك، لأن العرب كانت تزجر الطير فتشاءم بالبارح و هو الذي يأتي من جهة الشمال، و تتبرك بالسانح و هو الذي يأتي من قبل اليمين، قال الشاعر:

زجرة لها طير الشمال فإن يكن
         

 

هواك الذي تهوى يصبك اجتنابها
 

 

و جاء في ص:265 تفسير قوله تعالي: اطيرنا بك اي تطيرنا اي تشاءمنا، و مثله قوله: يطيروا بموسى و من معه اي تشاءموا بهم و يقولون لولا مكانهم لما أصابتنا سيئه ألا انمّا طائرهم عند الله، اي ألا إنّما الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به العقاب عند الله بفعله بهم في الاخرة، لا ما ينالهم في الدنيا... يقال التطير بالسوانح، والبوارح من الطير و الظباء و غير ذلك، و كان ذلك بصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع.

  1. قال الزبيدي صاحب شرح تاج العروس في ج3 : 364، و من المجاز الطائر ما تيمنت به أو تشاءمت، و أصله في ذي الجناح و قالوا للشيء يتطير من الإنسان و غيره.
  2. يقول الطريحي(م/1100) صاحب مجمع البحرين في ص266، و أصل الطيرة التشاؤم بالطير، ثم اتسع فيها فوضعت موضع الشؤم، فيكون الشؤم بمعنى الكراهة شرعاً أو طبعاً.
  3. ويرى الزمخشري(م/528) في الكشاف ج4: 9، ان منشاء الطير هو عادة الجهال أن تيمنوا بكلّ شيء مالوا اليه و اشتهوه و آثروه وقبلته طباعهم، و يتشاءموا بما نفروا عنه و كرهوه، فإن أصابهم نعمة أو بلاء قالوا ببركة هذا و بشؤم هذا، كما حكى الله عن القبط: و إن تصيبهم سيئة يطّيروا بموسى و من معه.
  4. و يرى ابن قتيبه(م/276) في أدب الكاتب ص162، إن القارية و القواري جمعها، و هي طير خضر تتيمن بها الاعراب... و الاخيل هو الشقران، و العرب تتشاءم به، و الحاتم الغراب سمية بذلك لأنه عندهم يحتم بالفراق.

نظرة الى التعاريف:

إن أصلها مشتقة من الطير كما جاء في العبرانية طير[Tayyar]، فهي من نفس الأصل الذي أخذ العرب منه التسمية، و يقال لها في الانجليزية،[Augury]، و يطلق مجازاً على الظباء و غيرها، و تعني التفاؤل و التشاؤم، و منشأه الجهل. و اعلم إن الفأل من طريق حسن الظن بالله، و الطيرة لا تكن إلا في السوء.

فلسفة التفاؤل و التشاؤم:

يرى الطبرسي(م/561) في مجمع البيان ج3: 403، بأن الطير السانح هو الذي يجعل ميامنه الى مياسرك، و البارح الذي يجعل مياسره الى ميامنك، و الأصل في هذا انه إذا كان سانحاً أمكن الرامي، و إذا كان بارحاً لم يمكنه.

 2- الجديد في التطير القرآني:

إن الطير من أقوى الامور في نقض العزائم و الهمم بين البشر، فإنه لا شيء أضرّ بالرأي و لا أفسد للتدبير منها. و خاصة إذا عارضته المقادير و صدّه القضاء وإن غلب اليأس عليه تمسك بالمعاذير الواهية النابعة عن الطيرة. و هنا نشير الى الرأي الجديد للطيرة في القرآن الكريم الذي لم يكن معروفاً من قبل ألا و هو العمل الصالح أو الطالح للانسان.

يرى صاحب الميزان في ج8: 227، إن التطير مشتق من الطير باعتبار اشتماله على نسبة من النسب، و هي نسبة التشاؤم، فانهم(بني اسرائيل) كانوا يتشائمون ببعض الطيور كالغراب، فاشتق منه ما يفيد معنى التشاؤم و هو التطير، و معناه التشاؤم بالطير حتى سمي مطلق النصيب أو النصيب من الشرّ و الشآمة طيراً.

يبدو إن التشاؤم رافق النبي صالح(ع) كما في قوله تعالي: قالوا اطّيرنا بك و بمن معك قال طائركم(عذابكم) عند الله بل أنتم قوم تفتنون(النمل/ 47)، و معنى الآية حسب ما جاءت على لسان صاحب الميزان في ج19: 373، قال القوم تطّيرنابك يا صالح و بمن معك، فلن نؤمن و لن نستغفر، قال صالح: طائركم الذي فيه نصيبكم من الشرّ عند الله هو كتاب أعمالكم و لست أنا و من معي ذوي أثر فيكم حتى نسوق اليكم هذه الابتلاءات، بل أنتم تختبرون و تمتحنون بهذه الامور ليمتاز مؤمنكم من كافركم و مطيعكم من عاصيكم.

و كذلك ابتلي النبي موسى(ع) مع بني اسرائيل كما جاء في قوله تعالي: و إن تصبهم سيئة يطّيروا بموسى و من معه(الاعراف/131)، فقد وصف الله تعالى في الآيات أعداء الرسول بالتطّير و التشاؤم على وجه الذم و التقبيح و التجهيل و التسفيه لعقولهم، فهم لا يفقهون و لا يعلمون و في هذا أعظم زاجر عن هذه الخصلة الذميمة.

و اما ما جاء في قوله تعالى (في مجمع البيان ج3: 403): و كلّ انسان ألزمناه طائره في عنقه(الاسراء/13)، إن الطائر ها هنا عمل الإنسان شبه بالطائر الذي يسنح و يتبرك به، و الطائر الذي يبرح فيتشاءم به... و إنّما قال طائره في عنقه و لم يقل في يده لينبه على لزوم ذلك له و تعلقه به، كما يقال طوقتك كذا اي قلدتك كذا،علما أن العنق محل الطوق الذي يزن المحسن، و الغلّ الذي يشين المسئ، و قيل طائره يمنه و شؤمه، وحظّه من الخير و الشرّ، وكتابه، ودليله.

3- الطير لغة وايضاحاً:

أولاً: الطير في اللغه كما يقول الراغب الاصفهاني ص309  في مفرداته:  يطلق الطائر على كلّ ذي جناح يسبح في الهواء، يقال طار يطيير طيراناً، و جمع الطائر طير، كراكب و ركب، قال و لا طائر يطير بجناحيه... .

ثانياً: جاء استعمال الطير في القران على تسعة أوجه، كما ذكر الدامغاني في قاموسه ص:306، الأول الطائر يعني الشدة والرخاء، قوله سبحانه [قالوا طائركم معكم] (يس/19)  اي شدتكم و رخاؤكم، كقوله تعالى [قالوا طائركم عند الله بل أنتم...](النمل/47) و مثلها في سورة الأعراف. الثاني: الطائر الكتاب،قوله سبحانه {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}(الإسراء/13)، يعني كتابه، اي كتاب اجابتة في القبر لمنكر ونكير، ويقال سعادته و شقائه، خيره وشرّه .الثالث:الطائر الطيربعينه. قوله سبحانه {ولا طائر يطير بجناحيه} (الأنعام/38)، اي لا طير من سائر الطيور.الرابع: الطير الهدهد.قوله تعالى {وتفقد الطير }(النمل /20)،...الخامس:الطير الخفاش. قوله سبحانه في قصة عيسى في سورة المائدة {وإذ تخلق من الطين كهئتة الطير بأذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بأذني}(المائدة/110)، يعني الخفاش. السادس:الطير ما أتى من قبل البحرين. قوله سبحانه {وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل}(الفيل/3). السابع:الطير الطاووس والديك والغراب والبط. قوله سبحانه {فخذ أربعة من الطير }(البقرة/261)، يعني هذه الطيور. الثامن: الطير يعني به سائر الطيور .قوله سبحانه {أولم ير الى الطير مسخرات في جو السماء}(النحل/79). التاسع: الطير الدجاج والدراج. قوله سبحانه {ولحم طير مما يشتهون}(الواقعة/21)، يعني لحم الدجاج و الدراج، قاله بعض المفسرين.

4- من صفات الطير في القران الكريم:

ذكرالله تعالى صفات عديدة للطيور، ويبدو أنها تدرك من حيث النطق،وسرعة الخطف،والصلاةلله والتسبيح له،والتوبة اليه،وإنها من جند لله،و..و..و.. كما نرى فيما يلي:1-سرعة الخطف:قال تعالي{ومن يشرك بالله فكأنّما خرّ من السماءفتخطفه الطير}(الحج/31).2-الصلاة والتسبيح لله:قال تعالى {ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والارض والطير صافات كلّ قد علم صلاته وتسبيحه}(النور/41).3- النطق :قال تعالي{وورث سليمان داود وقال ياأيها الناس علمنا منطق الطير}(النمل/16).4- جند الله وجند سليمان: قوله تعالي{وأرسلنا عليهم طيراً أبابيل}(الفيل/3)وقوله عزّوجلّ{وحشرنا لسليمان جنوده من الجنّ والانس والطير}(النمل/17).5-التوبة: قوله تعالى {ولقد آتينا داود منّا فضلا يا جبال أوبي معه والطير}(سبأ/10).

5-الجديدفي الطائرالقرآني:

استعمل القران الكريم معنى جديداً للطائر الا وهو الاعراض عن الحقّ والاقبال على الباطل كما جاء في قوله تعالي{قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون}(يس/19)، و يرى صاحب الميزان ج17/74:ان الطائر في الاصل في الطير وكان يتشاءم به ثم توسع واستعمل في كلّ ما يتشاءم به، وربما يستعمل فيما يستقبل الانسان من الحوادث، وربما يستعمل في البخت الشقي الذي هو أمر موهوم يرونه مبدأ لشقاء الانسان وحرمانه من كلّ خير.ويرى في موطن آخر من التفسير ج17:75،في قوله تعالى طائركم معكم، ظاهر معناه أن الذي ينبغي أن يتشاءمون به هو معكم وهو حالة إعراضكم عن الحقّ الذي هو التوحيد .إقبالكم الى الباطل الذي هو الشرك.وقيل المعنى طائركم اي حظّكم ونصيبكم من الخير والشرّ.

6- بين الحسنةوالسيئةفي القرآن الكريم:

اعلم إن الله تعالى يختبر عباده بالحسنات والسيئات كما جاءفي قوله تعالى {وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون}(الاعراف/168)، فانه تعالى يصيب عباده بالأذى اليسر لاختبارهم،كماجاءفي قوله تعالي{ولنبلونّكم بشئ من الخوف و الجوع و نقص من الاموال و الانفس و الثمرات و بشّر الصابرين}(البقرة/155) فما بالهم لو اصيبوا بالكثير؟فانظر كيف تطيروا بالانبياء(ع)؟والان ننظر في كلامي الزمخشري والطبرسي في قوله تعالي{فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطّيروا بموسى ومن معه}(الاعراف/131)، امّا الزمخشري فيقول في ج145:12،فإن قلت كيف قيل :فإذا جاءتهم الحسنة، بإذاوتعريف الحسنة،وإن تصبهم سيئة بإن وتنكيرالسيئة؟قلت جنس الحسنة وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه، وامّا السيئة فلا تقع إلافي الندرة، ولايقع إلاشيءمنها،ومنه قول بعضهم: قد عددت أيام البلاء،فهل عددت أيام الرخاء؟ وامّا الطبرسي فيقول في ج226:8،ثم ذكر الحسنة بكلمة(إذا) والسيئة بلفظ (إن) حيث قال : فإذا جاءتهم الحسنة.... وإن تصبهم سيئة... فقد جعل مجئ الحسنةكالاصل الثابت فذكره بإذاوالتعريف بلام الجنس، ثم ذكر إصابة السيئة بطريق الشرط ونكر السيئةليدل على ندرتها وكونها اتفاقية.

7- الطيرة في الحديث :

اتّخذ الحديث الشريف موضع الضدّ للطيرة والتشاؤم،ونهى عنها، فإنها النظرة الصائبة التي تنشأ من نفس مطمئنة بالقضاء والقدر، والتسليم لأمر المولى عزّ وجلّ، إنها سمو الروح عن الجهل والفشل في الحياة، إنها الحياة الموجبة للرحمة والغفران.ومن جانب آخر لو نظرنا الى الاحاديث الواردة عن رسول الله(ص) سنجد الخير والامان و الامل،وقيل كانت العرب مذهبها في الفأل والطيرة واحد، فأثبت النبي (ص) الفأل واستحسنه وأبطل الطيرة ونهى عنها.

لقد ذكر الطريحي(م/110) في مجمعه ص: 265 ما يلي:-

  1. ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة و الحسد و الظن، قيل فما المخرج؟ قال إذا تطيرت فلا ترجع، و إذا حسدت فلا تتبع، و إذا ظننت فلا تحقق، (ذكره أيضاً عقد الفريد ج2 : 160).
  2. لاعدوى و لا طيرة و لا هامة و لا صفر(أخرجه البخاري في الطب، باب: لاهامة(5757)، و مسلم في السلام(2220) ذكره أيضاً عقد الفريد ج2: 160).
  3. رفع عن امتي تسعة اشياء، و عدّ منها الطيرة.
  4. ثلاثة لم ينج منها نبي فما دونه، التفكر في الوسوسة في الخلق و الطيرة و الحسد.
  5. الطيرة شرك... (اخرجه أبو داوود في باب الطب(3910)، و الترمذي (1614).
  6. الطيرة على ما تجعلها، إن هوّنتها تهوّنت، و إن شددتها تشددت، و إن لم تجعل سئياً لم تكن سئياً.
  7. ليس منا من تطير أو تطيرة له(عزاه المنذري في الترغيب الى البزاز(4/25) و ايضاً ذكره عقد الفريد ج2: 160).
  8. قال إذا رأى أحدكم الطيرة فقال: اللهم لاطير الا طيرك و لا خير الا خيرك و لا إله غيرك لم تضره.(المستطرف ج2 :95).

فمن يقرأ هذه النصوص الشريفة يفرّ من التشاؤم كفراره من الطاعون، و ستكون حياته سعيدة هنيئة في الدارين.

8- الطير و الأمثال :

      كثرت الأمثال بالطيور بين الامم و الشعوب و خاصةً العرب، و نظروا اليها بمنظار النفي و السلب فمنها ما ذكره الميداني(م/518) في أمثاله في ج1: 433، و ما بعدها:

  1. طار طائر فلان، إذا استخف وغضب، كما يقال في ضده: وقع طائره، إذا كان وقوراً.
  2. طارت بهم العنقاء، يقال لقوم هلكوا فلم يبق منهم أحد.
  3. طيورٌ فيوء: يضرب للسريع الغضب، السريع الرجوع.
  4. طارت عصا بني فلان شققاً، إذا تفرقوا في وجوه شتي.

و منها ما جاء في المنجد ص:477

  1. هو ميمون الطائر، مبارك الطلعة.
  2. سر على الطائر الميمون، دعاء للمسافر.
  3. هو ساكن الطائر، اي حليمٌ هادئ وقور.
  4. لاطير الّا طير الله، كما يقال لا أمر الّا أمر الله.
  5. طير الله لا طيرك، كما يقال صباح الله لا صباحك.
  6. كأنّ على روؤسهم الطير، اي هم ساكنون هيبة، و أصله أن الغراب يقع على رأس البعير فليتقط منه القراد فلا يتحرك البعير لأن لا ينفر عنه الغراب.
  7. ازجر احناء طيرك، اي جوانب خفتك و طيشك.
  8. اياك و طيرات الشباب، اي طيشه.
  9. الطير بالطير يصاد، كما يقال الحديد بالحديد يفلح.
  10. ان الطيور على اشكالها تقع، كما يقال في الفارسية: كبوتر با كبوتر، باز با باز.
  11. قالوا من تطير من شيء وقع فيه.

فمن خلال الأمثال أعلاه تجد المعاني السلبية حاكمة عليها من الغضب و الطيش و خفة العقل و التفرق و الهلاك و عدم التحرك، و الى جانبها القليل من المعاني الايجابية من البركة و الدعاء والوقار، فالنظرة السلبية ناشئة من سوء الظن بالطير، و حالة نفسية مريضة، ليس لها وعي و ادراك و لا حول و لا قوة و لا مقاومة امام الصعوبات في الحياة.

9- الفرق بين الطيرة و الفأل :

      قال ابن منظور في لسان العرب ج3: 636، اصل الفأل: الكلمة الحسنة يسمعها عليل فيتفاءل منها ما يدلّ على برئه... و الطيرة ضدّ الفأل.     

يعتقد اهل النظر و المعرفة بينهما فرق، وذلك ان الفأل تقوية للعزيمة، و تحضيض على البغية، و اطماع في النية، و الطيرة تكسر النية و تصدّ عن الوجهة و تثني العزيمة. و قال اهل المعاني: الفأل فيما يحسن و فيما يسوء، و الطيرة فيما يسوء فقط. و ان الفأل عن طريق حسن الظن بالله، و الطيرة لا تكون الا في السوء. و حكى ان الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوماً في المصحف فخرج له قوله تعالي: واستفتحوا و خاب كلّ جبار عنيد (ابراهيم/15)، فمزق المصحف و انشأ يقول:

اتوعد كلّ جبار عنيد
إذا ما جئت ربّك يوم حشر
         

 

فها أنا ذاك جبار عنيد
فقل يا ربّ خرقني الوليد
 

 

فلم يلبث الّا اياماً حتى قتل شرّ قتلة، وصلب رأسه على قصره، ثم على سور بلده نعوذ بالله من البغي و مصارعه، و الشيطان و مسايده، و هو حسبنا و عليه توكلنا (أدب الدنيا و الدين ص 274).

10- مواقف الأدباء:

قيل لصياد معه بومتان كبيرة و صغيرة، بكم؟ فقال الكبيرة بدرهم و الصغيرة بدرهمين. قيل له: و لِمَ ذلك؟ فقال لان شؤمه في اقبال(محاضرات الادباء ج2: 679).

للادباء مواقف مشرفة اتجاه الخرافات من دحرها و رفضها و الاحتراز منها، و نكتفي بذكر موقفين منها، احدهما للكميت الذي وقف ضدّ الخرافات السائدة في عصره، و الآخر لابي تمام ضدّ المنجمين الجهلة، علماً هناك مواقف اخرى للشعراء لا تسعها هذه المقالة.

امّا الكميت فانّه الثائر الاول من بين الشعراء ضدّ القديم على اساليب العصر الجاهلي، من الوقوف على الاطلال و الدمن و البكاء طويلاً على الآثار المندرسة للحبيبة، حيث يقول:

يلهني دارٌ ولا رسمُ منزل
 

 

ولم يتطربني بنانٌ مخضبُ
 

 

و من جهة اخرى يقف موقف الصمود و التحدي للخرافات المنتشرة في عصره من زجر و فأل الطير، والطير السانحة و البارحة، و الحيوانات السالمة او المكسورة القرن، حيث يقول:

ولا أنا ممن يزجرُ الطير همّه
ولا السانحاتُ البارحاتُ عشيةً
 

 

أصاح غرابٌ أم تعرض ثعلبُ
أمرّ سليم القرن أم مرّ أعضبُ
 

 

و بموقفه الرافض للقديم من البكاء على الاطلال و الدمن و...و... يطرح بديلا جديداً مناسبا في ساحة الادب و الغزل خاصة، الا و هو التغزل بالرسول(ص) و آل بيتة(ع)، حيث يقول:

ولكن الى أهل الفضائل و النهيالى
النفر البيض الذين بحبّهمبني
هاشم رهط النبيّ فأنني
 

 

و خيرُ بني حواء و الخيرُ يطلبُ
الى اللّه فيما نالنى أتقرّبُ
بهم و لهم أرضى مراراً و أغضبُ
 

 

 (الروضة المختارة ص25)

و امّا الثاني فابو تمام الذي تصدى للمنجمين الذين ليس لهم مبلغا من العلم يغوون الناس، يزخرقون الكلام، بحيث تميل اليها قلوب الجهال، و اخرى يحذرونهم من دهياء مظلمة و مصائب غير متوقعة، بل اكثرها ظنون، وما الظن يغني من الحقّ شيئاً، فانظر الى قصيدته، حيث يقول:

السيفُ أصدقُ انباءً من الكتب
بيضُ الصفائح لاسودُ الصحائف في
و العلمُ في شهب الارماح
لامعةًتخرّصاً و احاديثاً ملفقةً
عجائباً زعموا الايام مجفلةً
و خوّفوا الناس من دهياء مظلمة
وصيروا الابرج العليا مرتبةً
يقضون بالامر عنها و هى غافلة
 

 

في حدّه الحدّ بين الجدّ و اللعبِ
متونهن جلاء الشك و الريبِ
بين الخميسين لا في السبعةِ الشهبِ
ليست بنعٍ اذا عدّت و لا غربِ
عنهن في صفر الاصفار أو رجبِ
اذا بدا الكوكبُ الغربي ذو الذنبِ
ما كان منقلباً أو غير منقلبِ
ما دار في فلك منها و في قطبِ
 

 

 (المجاني الحديث ج3: 85).

هجوم عنيف ضدّ اصحاب النجوم و التابعين لهم، فانهم الكذابون الخراصون الخائفون و الموخوفون للناس من القتال، يقضون عن النجوم بلا علم منها، و ليست لها حول و لا قوة، بل الشاعر يعكس الامور قائلاً بان الحقيقة ما هى الا الخوض في غمار الحرب و اشهار السيف و الصمود و الجهاد في ساحة المعركة و اخيراً اكتساب الفوز و النصر على الاعداء.

و هناك موقف ثانٍ يسيئ بعض الشعراء الظن به، و ذلك لاتباعهم الهوى و الجهل باتّخاذهم النحس و السعد سنةً في حياتهم، يروجون للخرافات اى ترويج، سالكين مسلك الجهال، يتفاءلون بالطير و الزجر، و على رأس هذه الطيور:

الغراب و نعيقه و شجرة البان. و قد اختلط امر تشاؤمهم، و اعتقد بعض الادباء القدامى ان تشاؤمهم من الغراب جعلهم يشتقون من اسمه الغربة و الاغتراب و الغريب، فوقع اللبس اللغوي، و قال صاحب المستطرف(م/850)، ج2: 95. ان العرب اعظم ما يتطيرون منه الغراب، فالقول فيه اكثر من ان يطلب عليه شاهد، و يسمونه حاتماً، لانه يحتم عندهم بالفراق، و يسمونه الاعور على جهة التطير اذ كان اصح الطير بصراً، وفيه يقول بعضهم:

إ لانت على العشاق أقبح منظراً
تصيح ببين ثمّ تعثر ماشياً
و ذا ما غراب البين صاح فقل له
متى صحت صح البين و انقطع الرجا
 

 

ترفق رماك اللّه يا طير بالبعدِ
و أبشع في الابصار من رؤية اللحدِ
تبرزُ في ثوب من الحزن مسودِ
كانك من يوم الفراق على وعدِ
 

 

و يقول المتنبي:

أبني أبينا نحن أهل منازل
 

 

أبداً غراب البين فيها ينعقُ
 

 

(شرح ديوان المتنبي ج2: 75)

فانه يخاطب الجميع باننا اهل منازل لا نلبث حتى نتفرق، و كنى عن الفراق بنعيق الغراب. و يقولون اذا صاح الغراب في دارٍ تفرق اهلها.

وانظر الى كلام ذو الرمة كيف يتشائم من نعيق الغراب:

رأيتُ غراباً ناعباً فوق بانةٍ
فقلت غرابٌ لاغتراب و بانة
 

 

من القضيب لم ينبت لها ورق نضرُ

لبيني النوى هذا العيافة و الزجر
 

 

 (عقد الفريد ج6: 263)

فاضافة الى التشاؤم بالغراب يتشائمون بشجرة البان و يشتق منه البين و الفراق. قال ابو الشيص:

اشاقك و الليل ملقى الجران
و في نعبات الغراب اغترابٌ
 

 

غرابٌ ينوح على غصن بانِ
و في البان بين بعيد التداني
 

 

وكذلك يرى كثير عزة طبقاً لما جاء في المجاني(ج2: 206):

أأن زُم اجمال و فارق جيرة
 

 

و صاح غراب البين انت حزينُ
 

 

و يفول العديل ابن الفرخ العجلي،كما جاء في شرح ديوان الحماسة(ج1: 189)

إذا ما نعقنَ قلتُ هذا فراقها
 

 

و ان هن لم ينعقنَ سكن من وجدي
 

 

و من اصحاب الخرافات في هذا المجال يزيد الاموي الذي يعتقد ان نعيق الغراب شوما لما رأى رؤوس الشهداء قادمة اليه من كربلاء:

لما بدت تلك الحمولُ و أشرقت
نعب الغرابُ فقلتُ صح او لا تصح
 

 

تلك الرؤوسُ على ربا جيرون
فقد قضيتُ من الرسول ديوني
 

 

(نفحات الهداية ص104)

اذن صراخ الغراب الذي لا يدرك و لا يعقل شيئاً يعتبر عند اصحاب الخرافة ايذاناً بالرحيل و الفراق و الشؤم، فما اقربهم من الجهل و الضلال.

***

البوم، كانوا يتشائمون بها اذا وقعت على بيت احدهم، يقول:نعت اليّ نفسي او احداً من اهل داري. و مع الاسف هذه الحالة موجودة ليومنا هذا.

***

الابل، جاء في المستطرف ج2: 95، و اعرض بعضهم عن الغراب و تطير بالابل، و ذلك لكونها تحمل اثقال من الرتحال، و في ذلك قال بعضهم مفرداً و أجاد:

زعموا بأن مطيهم سبب النوى
 

 

و المؤذنات بفرقة الاحباب
 

 

***

العطاس، و كذلك ذكر صاحب المستطرف ج2: 95، قائلا: و كانت العرب تتطير باشياء كثيرة منها العطاس، و سبب تطيرهم منه ان دابة يقال لها العطوس كانوا يكرهونها. يقول المسبب ابن علس:

أرحلتُ من سلمى بغير متاع
 

 

قبل العطاس و رعتها بوداع
 

 

***

النحس و الفأل: ينقسم الشعراء في هذا المجال الى موافق و مخالف فانظر الى الشنفرى يقول: (المجاني ج1: 11)

وليلة نحس يصطلى القوس ربّها
 

 

و أقطعه و اللاتي بها يتنبل
 

 

حيث نسب النحوسة الى اليل فلا علم بها. و يقول ذو الاصبع العدواني(شرح اختيار المفضل ج2: 733)

و النحسُ يجرى امامها صُعدا
فيسعدوا النائم المدثر بالس
 

 

و سعدها اى ذاك ما طلعا
د ويلقي الشقاء من شبعا
 

 

جعل النحس والسعد منسوبين الى الشمس و الفلك على عادتهم في نسبة الحوادث. و يرى ابو تمام ان فتح عمورية كانت شوماً عليها و على اهلها حيث يقول:

جرى لها الفأل نحساً يوم أنقرة
 

 

اذ غودرت وحشة الساحات و الرحب
 

 

و انظر الى تعاسة البحتري كما يقول (المجاني ج3: 120):

عكست حظّه الليالي و بات المشتري
 

 

فيه، وهو كوكب نحسُ
 

 

فبئس البؤس و الشقاء لاصحاب الجهل والظلال. و لكن لونظرنا الى الادباء المخالفين للسعد و النحس فانهم يرفضونها و يذمونها كما جاء في قول الحارث ابن حلزة(شرح الاختيارات للمفضل ج2: 640):

لا يرتجي للمال ينفقه
 

 

سُعد النجوم اليه كالنحسِ
 

 

وانظر الى الشريف الرضي يقول (المجاني ج3: 187):

و ما العيشُ الّا ان تصاحبَ فتيةً
 

 

مطاعين لا يعنيهم النحسُ والسعدُ
 

 

فالسعد و النحس ما هو الا عمل الانسان صالحاً كان او طالحاً.

***

      امّا التطير: فيمثله بعض الشعراء كما قرره القرآن الكريم حيث جاء في الاصمعيات ص 92 للبرجمي و هو في حبس عثمان ابن عفان:

وما علات التطير تُدني من الفتى
 

 

رشاداً و لا عن ريثهن يخيبُ
 

 

حيث يستسلم للقضاء و القدر الرباني . و جاء في المستطرف ج2: 95 رداً على الطير و الفأل و... و...

لا يعلم المرء ليلاً ما يصبحه
و الفألُ و الزجر و الكهان كلهم
 

 

الّا كواذب ما يجري به الفألُ
مضللون و دون الغيب اقفالُ
 

 

قال لبيد:

لعمرى ما تدري الطوارق بالحصى
 

 

و لا زاجرات الطير ما الله صانعُ
 

 

و قال شاعر:

و ما عاجلات الطير تدني من الفتى
 

 

نجاحاً و لا عن ريثهن قصورُ
 

 

و قال آخر:

تعلم انه لا طير الّا
بلى شيء يوافق بعض شيء
 

 

على متطير و هو الثبورُ
أحايينا و باطله كثيرُ
 

 

و قال آخر:

عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا
الا لا أرى الاحداث مدحاً و لازماً
 

 

فلمّا دهتني لم تزدني بها علما
في بطشها جهلاً و لا كفها حلما
 

 

فانه لا يعتقد الخرافات. و انظر الى قول الطغرائي يقول (المجاني ج3: 341):

أهبتُ بالحظّ لو ناديت مستمعاً
 

 

و الحظّ عنّي بالجهال في شغل
 

 

***

الجديد في البحث:

  1. يبدو ان التطير مرافق للانسان منذ القدم.
  2. يبدو ان القرآن الكريم هو السباق في اختراع المعاني الجديدة و تطوير استعمالها كما في كلمة التطير التي كانت تدل على الشؤم فاصبحت في منطق القرآن الكريم تدل على الصالح و الطالح من الاعمال، و كذلك الطائر اطلق على الاعراض عن الحق.
  3. يبدو ان الاذى القليل يسبب الطيرة فما بالك بالكثير؟
  4. ان الامثال لها نظرة سلبية للطير.
  5. انقسام الشعراء بالنسبة الى السعد و النحس الى قسمين فمنهم من يميل اليها، و منهم من يرفضها.

 

المصادر

  1. القرآن الكريم
  2. ابن قتيبة – عبدالله بن مسلم- ادب الكاتب- مصر-مطبعة السعادة 1382-1963- الطبعة الرابعة.
  3. ابن عبد ربه– احمد بن محمد- العقد الفريد-لبنان دار الكتب العلمية-1407-1987- الطبعة الثالثة.
  4. ابن منظور- لبنان- دار لسان العرب-بلا.
  5. الابهيشي- محمد بن احمد- المستطرف من كلّ فن مستظرف-لبنان-دار الامم-بلا- الطبعة الاخيرة.
  6. الخطيب التبريزي-شرح اختيارات المفضل- بيروت- دار الكتب العلمية-1407-1987- الطبعة الثانية.
  7. عبد الملك بن غريب- لبنان- دار و مكتبة الهلال 1988- الطبعة الاولي.
  8. الاعلم الشنتمري-يوسف بن سليمان- لبنان-دار الفكر المعاصر-1413-1992- الطبعة الاولي.
  9. البرقوقي- عبد الرحمن- شرح ديوان المتنبي- لبنان- دار الكتاب العربي-بلا.
  10. الحسين بن محمد- قاموس القرآن-بيروت- دار العلم- 1970- الطبعة الاولي.
  11. الراغب الاصفهاني-الحسين بن محمد-المفردات-طهران- المكتبة المرتضوية-بلا.
  12. الراغب الاصفهاني-الحسين بن محمد-محاضرات الادباء-بلا.
  13. الزبيدي- محمدمرتضى الحسين-شرح تاج العروس- مصر- دار احياء التراث العربي- 1306- الطبعة الاولي.
  14. الزمخشري- محمد بن عمر- الكشاف-قم-مكتبة الاعلام الاسلامي-1414- الطبعة الاولي.
  15. المنجد في اللغة-بيروت- دار المشرق-بلا.
  16. الشيرازي- السيد صادق- نفحات الهداية-قم-ياس الزهراء-1426- الطبعة الثالثة.
  17. الصالح- صالح علي- الروضة المختارة-لبنان-مؤسسة الاعلمي-1391-1972- الطبعة الاولي.
  18. الطباطبائي- سيد محمد حسين- الميزان- بيروت- الاعلمي -1393- الطبعة الثالثة.
  19. طبرسي- الفضل بن الحسن- مجمع البيان- لبنان – احياء التراث العربي- 1379.
  20. الطريحي- فخر الدين- مجمع البحرين-طهران-كتابفروشي بوذرجمهري- بلا.
  21. لويس شيخو- المجاني الحديثة- قم- انتشارات ذوي القربي- 1419-1998- الطبعة الرابعة.
  22. الماوردي- على بن محمد- ادب الدنيا و الدين - بيروت- دار الكتب العلمية-1398-1978- الطبعة الرابعة.
  23. الميداني- احمد بن محمد- الامثال-مصر-1374- 1955.

محمد فؤاد عبد الباقي-المعجم المفهرس- القاهرة-دار الكتب المصرية-1364.