تصنیف البحث: السياسة, القانون
من صفحة: 363
إلى صفحة: 374
النص الكامل للبحث: PDF icon 170701-093710.pdf
البحث:

 

المحتويات

الموضوع

المقدمة

المبحث الأول: التعريف بمزارع شبعا وبيان أهميتها

المطلب الأول: التعريف بمزارع شبعا

المطلب الثاني: أهمية مزارع شبعا

المبحث الثاني: مشكلة عدم ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان وبداية ظهور قضية مزارع شبعا

المطلب الأول: مشكلة عدم ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان

المطلب الثاني: بداية ظهور قضية مزارع شبعا

المبحث الثالث: الحق في السيادة على مزارع شبعا

المطلب الأول: مزارع شبعا ليست نزاعا حدوديا دوليا

المطلب الثاني: إثبات السيادة اللبنانية على مزارع شبعا

الخاتمة

الهوامش

المقدمة

رغم مرور سنوات عديدة على الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 فأن الجدل مازال مستمرا حول هوية مزارع شبعا الواقعة عند مثلث الحدود السورية اللبنانية الإسرائيلية، والتي احتلتها إسرائيل بشكل تدريجي بعد انتهاء حرب حزيران عام 1967 وأكملت احتلالها عند اجتياحها لجنوب لبنان عام 1978. وعلى اثر تلك الأحداث صدرت قرارات عديدة من مجلس الأمن الدولي أهمها القرار المرقم (242) لعام 1967 والقرار (524) لعام 1978. القرار الأول يتعلق بالأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 والذي تدعي الأمم المتحدة ومعها إسرائيل، انه ينطبق على مزارع شبعا باعتبارها أراض سورية لا لبنانية لأن لبنان لم تكن طرفا في حرب عام 1967. والثاني يتعلق بالأراضي اللبنانية التي احتلتها إسرائيل عام 1978 وتدعي لبنان وتؤيدها سوريا انه ينطبق على منطقة مزارع شبعا باعتبارها أراض لبنانية مازالت محتلة من قبل إسرائيل. وتؤسس لبنان ادعاءاتها بشأن ملكية مزارع شبعا ذات الأهمية الإستراتيجية والمائية الزراعية على مجموعة من القرائن والأسانيد القانونية، أبرزها تلك المتعلقة بممارسة مظاهر السيادة على منطقة المزارع.

تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على الوضع القانوني لمزارع شبعا، لذلك سيتم تناول هذا الوضع من ناحية بدايات ظهور قضية مزارع شبعا، واثر مشكلة عدم ترسيم الحدود السورية اللبنانية على القضية، وهل إن منطقة المزارع تشكل موضوعا لنزاع دولي؟ وماهو موقف الأطراف من القضية؟ ولمن يعود الحق في السيادة على منطقة المزارع؟. وكل ذلك سيكون بعد التعريف بمزارع شبعا وبيان أهميتها.

بناءا على ماتقدم، ستقسم هذه الدراسة الى مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة، المبحث الأول سيخصص للتعريف بمزارع شبعا وتوضيح أهميتها الإستراتيجية والمائية وغيرها، والثاني سنبحث فيه مشكلة عدم ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان وأبعاد ظهور قضية مزارع شبعا، وفي المبحث الثالث سنتناول مسألة الحق في السيادة على مزارع شبعا، إما الخاتمة فستتضمن أهم الاستنتاجات والله ولي التوفيق.

المبحث الأول: التعريف بمزارع شبعا وبيان أهميتها

يقتضي البحث في الوضع القانوني لمزارع شبعا أن نتعرض أولا للتعريف بهذه المزارع ثم لبيان أهميتها الإستراتيجية والزراعية والمائية والسياحية على أن يكون ذلك في مطلبين، الأول يخصص للتعريف بمزارع شبعا، والثاني سنتناول فيه أهميتها.

المطلب الأول : التعريف بمزارع شبعا

مزارع شبعا هي مساحة من الأرض تقع بين حدود لبنان الجنوبية الشرقية وهضبة الجولان السورية، وهي تابعة لقضاء (محافظة) حاصبيا أحد أقضية جبل الشيخ الذي يعتبر تاريخيا الحدود الفاصلة بين سوريا ولبنان([1]). ولذلك فأنها ذات طبيعة جبلية يتراوح ارتفاعها عن مستوى سطح البحر ما بين (1100- 1700)م وتبلغ مساحتها تقريبا (36)كم2([2]). بواقع (10)كم طولا و(3،5) كم عرضا وتضم (14) مزرعة وهي([3]):-

1- مراح الملول

2- برختا

3- كفر دودة

4- مشهد الطير

5- بيت البراق

6- جورة العقارب

7- المعز

8- الربعة

9- رمتا

10- بسطره

11- قفوة

12- زبدين

13- القرن

14- خلة غزالة

وهذه المزارع هي التي تشكل محور قضية شبعا في الوقت الحاضر، وما زالت تقبع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ إن بدأ باحتلالها بشكل تدريجي عام 1967 بعد حرب الأيام الستة([4]). والتسمية مزارع مصدرها العرف الذي يطلق هذه التسمية على الأراضي الصغيرة المساحة المأهولة بالسكان ذات الحقول الزراعية الواسعة والتي تغلب فيها الوظيفة الزراعية على الوظيفة السكانية، إذ يعمل غالبية سكان منطقة مزارع شبعا في الزراعة وتربية المواشي أما ملاكي الأراضي فيسكنون خارجها([5]). وهذه المزارع تابعة عقاريا لبلدة شبعا لذلك سميت بمزارع شبعا([6]).

المطلب الثاني: أهمية مزارع شبعا

لمزارع شبعا أهمية كبيرة من نواحي عديدة أهمها ما يأتي:-

أولا:- الأهمية الإستراتيجية

فمزارع شبعا تقع عند جبل الشيخ الذي يعتبر أعلى جبل في المنطقة حيث يطل على سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، ولذلك فقد بنى المحتل الإسرائيلي محطته الشهيرة للإنذار المبكر التي يمكنه من خلالها مراقبة أي تحركات عسكرية في مساحة واسعة من منطقة الشرق الأوسط تمتد من العراق إلى مصر. بالإضافة إلى ذلك فأن المزارع تقع عند مثلث حدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة وسوريا، وبالتالي فهي تعتبر صلة وصل بين عدد كبير من المدن والقرى في هذه الدول الثلاث الأمر الذي يجعل من ملكيتها مصلحة حيوية وإستراتيجية لأية دولة([7]).

ثانيا:- الأهمية الزراعية

حيث تتميز المزارع بتنوع طبيعة أرضها ومناخها وخصوبة تربتها، ولذلك فهي تتميز باستغلال نشيط للإنتاج الزراعي من خضر وفواكه، وتتميز أيضا بإنتاج حيواني حيث يستخدم جزء من أرضها لرعي الماشية ولذلك فقد أصبحت مصدرا أساسيا لمعيشة سكانها([8]).

ثالثا:- الأهمية المائية

حيث تقع المزارع في قلب جبل الشيخ على خط المياه الجوفية الرئيسية للجبل الذي يوجد فيه ثاني اكبر خزان مائي في المنطقة، كما تنبع منه الروافد الرئيسية التي تغذي نهر الأردن وهي بانياس واللدان والوزاني([9]).

رابعا:- الأهمية السياحية

حيث تعتبر مزارع شبعا منطقة سياحية مثالية صيفا وشتاءا بفضل ثلوجها ومياهها وإحراجها ومناخها وطبيعتها الخلابة([10]).

ونظرا لهذه الأهمية التي تتميز بها مزارع شبعا من النواحي العديدة التي ذكرناها، فقد كانت دافعا رئيسيا لإسرائيل لاحتلالها بعد حرب الأيام الستة عام 1967. كما كانت دافعا له للاحتفاظ بالمزارع، رغم انسحابه من الأراضي التي يحتلها في جنوب لبنان عام 2000 طبقا لقرار مجلس الأمن الدولي المرقم (425) الصادر عام 1978.

المبحث الثاني: مشكلة عدم ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان وبداية ظهور قضية مزارع شبعا

إن الحدود السياسية بمفهومها المعاصر هي عبارة عن خطوط تحدد الإطار الإقليمي الذي تمارس الدولة في داخله سيادتها الإقليمية، ويتم تحديد هذه الخطوط وترسيمها عن طريق الاتفاق فيما بين الدول المعنية، بهدف تحقيق الأمن والاستقرار باعتبار إن هذه الحدود ستكون ثابتة ونهائية ولايمكن تعديلها بعد ذلك إلا بالاتفاق. وبخلاف ذلك فان خط الحدود سيكون مصدرا للمشاكل والتوتر بين الدول المتجاورة، والواقع الدولي يذخر بالعديد من الأمثلة وما قضية مزارع شبعا ألا شاهد على ذلك.

بناءا على ما تقدم، سوف نتناول هذا المبحث في مطلبين الأول يخصص لبحث مشكلة عدم ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، والثاني سنتناول فيه بدايات ظهور قضية مزارع شبعا.

المطلب الأول: مشكلة عدم ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان

تمر الحدود الدولية عند إنشائها بمرحلتين رئيسيتين وهما مرحلة التحديد أو التعيين (delimitation) ومرحلة التخطيط أو الترسيم (demarcation) ([11]).

أولا:- مرحلة التحديد أو التعيين

وهي عملية قانونية يتم بموجبها بيان الوصف الدقيق لخط الحدود في السند القانون المنشئ له، وهذا السند قد يكون معاهدة حدودية أو بروتوكول يعقد بين الدولتين المعنيتين، أو قرار صادر من محكمة دولية (محكمة تحكيم أو محكمة عدل)، أو قرار صادر من لجنة مشتركة لتعيين الحدود بين الدولتين المعنيتين، أو قرار إداري صادر من السلطة الاستعمارية([12]). وبهذا الأسلوب الأخير تم تحديد الحدود السورية اللبنانية عام 1920 وذلك عندما كانت كلا الدولتين خاضعتين للانتداب الفرنسي، إذ عينت الحدود بينهما بموجب القرار الإداري المرقم (318) الصادر من المفوض السامي الفرنسي ( الجنرال غورو) في الأول من أيار عام 1920([13]). فقد نصت المادة الثانية من القرار المذكور على ما يأتي " شكلت حكومة باسم لبنان الكبير......... إن حدود لبنان........ شرقا........ حدود أقضية حاصبيا وراشيا الشرقية"([14]).

وطبقا للقاعدة القانونية التي تقول " ما رسمه المنتدب من الحدود فهو الحدود"([15]). فأن الحدود بين سوريا ولبنان تكون قد استوفت المرحلة الأولى من مراحل إنشائها وهي مرحلة التحديد أو التعيين. صحيح أن هذه الحدود في بداية إنشائها لم تكن حدودا دولية، وإنما كانت عبارة عن حدود إدارية داخلية تفصل بين مستعمرتين(سوريا ولبنان) تابعتين لدولة استعمارية واحدة (فرنسا). لكن بعد حصول هاتين المستعمرتين على استقلالهما عن الاستعمار الفرنسي، تحولت تلك الحدود من إدارية داخلية إلى حدودا سياسية دولية بالمعنى الدقيق. وذلك طبقا لمبدأ استبقاء الوضع الراهن (status quo) الذي طبقته دول أمريكا اللاتينية عقب حصولها على استقلالها عن الاستعمارين الاسباني والبرتغالي، على أساس مبدأ لكل مابيدة أو مابحوزته (Uti possidetis juirs) ([16]). وطبقته أيضا الدول الأفريقية بعد حصولها على استقلالها عن الاستعمار الأوربي، على أساس مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار (Intangibility of frontier inherited from colonization) ([17]). وكلا المبدأين يقضيان بتحويل الحدود الإدارية الداخلية التي وضعت بمعرفة السلطة الاستعمارية بين المستعمرات التابعة لها، إلى حدود سياسية دولية وذلك عقب حصول تلك المستعمرات على استقلالها. بمعنى آخر أن الحدود التي عينتها السلطة الاستعمارية تبقى كما هي، والتغير الذي يحصل ليس في طبيعتها ولكن في درجتها، حيث تتحول تلك الحدود من حدود إدارية إلى حدود دولية. والهدف من ذلك المحافظة على استقرار الأوضاع الإقليمية، وتجنب ظهور النزاعات الحدودية بين الدول المستقلة حديثا([18]). وهذين المبدأين هما بمثابة قاعدة عرفية دولية ذات نطاق عام ترتبط منطقيا بظاهرة نيل الاستقلال أينما وجدت، كما أكدت ذلك محكمة العدل الدولية في قرارها عام 1986 بمناسبة النزاع الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو([19]).

ثانيا:- مرحلة التخطيط أو الترسيم

وهي عملية فنية خالصة تعقب عملية التحديد أو التعيين، يتم بموجبها وضع خط الحدود الذي تم وصفه في السند القانوني على الطبيعة وتعريفه بالعلامات الحدودية المادية أو أية علامات أخرى مماثلة تدل عليه. ويقوم بعملية الترسيم لجان فنية مشتركة تسمى بلجان الترسيم أو التخطيط، تضم موظفين ومتخصصين وخبراء في المساحة والجغرافية والشؤون العسكرية([20]). والدول المعنية حرة في اختيار الوقت الذي يناسبها للقيام بعملية الترسيم، إلا انه من الأفضل أن تتم هذه العملية بأسرع وقت ممكن بعد إتمام عملية التحديد، لأنه كلما طالت الفترة الزمنية الفاصلة بين العمليتين كلما كان ذلك مصدرا وسببا لكثير من المنازعات والإدعاءات المتضاربة بين الأطراف المعنية والسوابق الدولية خير شاهد على ذلك. وفيما يتعلق بالحدود السورية اللبنانية فقد جرت محاولات عديدة لترسيمها قبل وبعد استقلال الدولتين عن الاستعمار الفرنسي ومن أهم تلك المحاولات ما يأتي([21]):-

  1. المحاولة التي قامت بها اللجنة العسكرية لجيش الشرق الفرنسي عام 1934 التي شكلها المفوض السامي الفرنسي، وكانت تضم في عضويتها أيضا ضباطا سوريون ولبنانيون.
  2. المحاولة التي قامت بها عام 1946 لجنة قضائية عقارية لبنانية سورية (لجنة الغزاوي الخطيب).
  3. المحاولات التي قامت بها لجان مشتركة لترسيم الحدود بين سوريا ولبنان والتي شكلت في الأعوام 1961 و1963 والتي استمرت اجتماعاتها حتى عام 1975.

ألا إن كل المحاولات قد باءت بالفشل لأسباب عديدة منها، اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 والحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 لمرتفعات الجولان التي تقع بجوارها مزارع شبعا، الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية عام 8197 وعام 1982([22]). وتجدر الإشارة هنا إلى انه بعد الانسحاب السوري من لبنان طبقا لقرار مجلس الأمن الدولي المرقم (1559) في 2 أيلول 2004 اتفقت الدولتان سوريا ولبنان بطلب من الأمم المتحدة على ترسيم الحدود بينهما بطريقة لا لبس فيها، ولذلك فقد تم أعادة تفعيل لجنة الحدود المشتركة التي عملت حتى عام 1975 ولم تكمل أعمالها. ألا إن سوريا اشترطت عدم ترسيم الحدود في منطقة مزارع شبعا، ألا بعد التوصل إلى اتفاق سلام شامل وعادل مع إسرائيل([23]). ونظرا لهذه الأسباب والمعوقات فأن الحدود السورية اللبنانية لم تستوفي المرحلة الثانية والمهمة من مراحل إنشائها وهي مرحلة الترسيم أو التخطيط، وبالتالي لايمكن الاعتراف بها بوصفها حدودا كاملة ونهائية يمكنها القيام بوظائفها باعتبارها حدا فاصلا بين سيادة الدولتين. صحيح إن هذه الحدود تم تعينها أو تحديدها منذ عام 1920، ألا أن هذا التعيين يبقي الحدود السورية اللبنانية مجرد وصف نظري على الورق لايكفي لإقامة هذه الحدود بصفتها النهائية، ألا إذا ترجم هذا الوصف النظري إلى واقع مادي ملموس على الأرض عن طريق العلامات الحدودية الدالة عليه، وهذا لايتحقق ألا بالقيام بعملية الترسيم أو التخطيط التي تعثرت رغم محاولات إتمامها، الأمر الذي فسح المجال بشكل أو بآخر أمام ظهور قضية مزارع شبعا.

المطلب الثاني: بداية ظهور قضية مزارع شبعا

في 6 حزيران 1967 اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية (حرب الأيام الستة) التي لم تكن لبنان طرفا فيها، وكان من ضمن ما احتلته إسرائيل خلال هذه الحرب هضبة الجولان السورية، المجاورة للمنطقة التي تقع فيها مزارع شبعا عند الحدود الجنوبية الشرقية للبنان. وعندما انتهت تلك الحرب في 11 حزيران 1967 بدأت إسرائيل بعد انتهائها بأيام قليلة، بعملية احتلال تدريجي للمنطقة التي توجد فيها المزارع، منتهزة فرصة خلو المنطقة من الوجود العسكري اللبناني وبطبيعة الحال السوري، ماعدا مخفر للدرك اللبناني مكون من خمسة عناصر في مزرعة زبدين([24]). وعلى اثر تلك الحرب صدر قرار مجلس الأمن الدولي المرقم (242) في 22 تشرين الثاني عام 1967 وبتاريخ صدوره كانت إسرائيل قد احتلت القسم الأعظم من المزارع التي تشكل محور القضية الآن. وقد طالب القرار إسرائيل بالانسحاب من جميع الأراضي العربية التي احتلتها. ولم يصدر من لبنان أي رد فعل رسمي سواء تجاه الاحتلال الإسرائيلي أو اتجاه قرار مجلس الأمن([25]).

وعندما اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية في تشرين عام 1973 التي لم تكن لبنان طرفا فيها أيضا، قامت إسرائيل باحتلال بعض المواقع اللبنانية في منطقة مزارع شبعا. وعند انتهاء تلك الحرب صدر قرار مجلس الأمن الدولي المرقم (338) في 22 تشرين الأول عام 1973 الذي لم يشر إلى أية أراض لبنانية محتلة كما لم يصدر أي رد فعل من السلطات الرسمية اللبنانية([26]). علما إن منطقة المزارع المحتلة كانت قد لوحظت في خرائط فض الاشتباك في الجولان عام 1974([27]). وبعد احتلال إسرائيل لجنوب لبنان عام 1978 بما فيه المناطق المتبقية من مزارع شبعا، صدر قرار مجلس الأمن الدولي المرقم (425) في 9 آذار 1978 والذي نص على انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، على أن يكون الانسحاب طبقا للآلية المنصوص عليها في القرار (426) الذي صدر في نفس العام. ولم تمتثل إسرائيل للقرار الأخير كعادتها بل أنها عادت واجتاحت لبنان في عام 1982 ووصلت إلى عاصمته بيروت، ألا إنها تراجعت بعد ذلك وظلت محتفظة بشريط حدودي في جنوب لبنان([28]).

وفي 25 أيار عام 2000 أبلغت إسرائيل الأمم المتحدة رغبتها في الانسحاب من جنوب لبنان بموجب القرار الدولي (425) لعام 1978([29]). ولذلك فقد شكلت الأمم المتحدة من جانبها لجنة سياسية عسكرية قانونية تقنية برئاسة السفير (تيري رود لارسن)، لمراقبة تنفيذ القرار والتحقق من انسحاب إسرائيل إلى ماوراء حدود لبنان الجنوبية الشرقية المعترف بها دوليا. وبما انه لم تكن هناك حدودا دولية كاملة ومعترف بها بين سوريا ولبنان، فقد كان من المهم بالنسبة للجنة الأمم المتحدة حتى تتمكن من انجاز عملها، أن تتحقق من الموضع الصحيح لخط الحدود الدولية الفاصل بين لبنان وسوريا([30]). ألا انه بسبب عدم ترسيم الحدود الدولية السورية اللبنانية كما ذكرنا سابقا، فقد واجهت اللجنة الدولية صعوبات في هذا الأمر، ولذلك فقد طلبت من الطرفين المعنيين لبنان وإسرائيل بصفتها الدولة المحتلة للأراضي السورية المجاورة للبنان، أن يقدما للجنة ما لديهما من وثائق ومستندات تبين الموضع الصحيح لخط الحدود. فكانت الوثائق والمستندات المقدمة من قبل لبنان، تبين خط الحدود بما يضع منطقة مزارع شبعا داخل الأراضي اللبنانية. وقد وافقتها سوريا في ذلك بينما رفضته إسرائيل بحجة أنها احتلت المنطقة قبل عام 1978 وبالتالي فإنها خاضعة للقرار المرقم (242) الصادر عام 1967 وليس للقرار المرقم (425) الصادر عام 1978([31]).

ونظرا لهذا الاختلاف بين الجانبين فقد جاء رأي لجنة الأمم المتحدة بما يدعم الموقف الإسرائيلي، على اعتبار أن منطقة المزارع لوحظت في خرائط فض الاشتباك في الجولان، وبالتالي فأن الصلاحية العملانية تكون فيها لقوات الأمم المتحدة لفض الاشتباك في الجولان اندوف(Undof) التي أنشئها القرار المرقم (242) وليس لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في الجنوب يونيفيل(Unifil) التي أنشئها القرار المرقم (425). وبما أن مهمة اللجنة هي مراقبة تنفيذ القرار الأخير لذلك يكون إخلاء منطقة المزارع ليس من صلاحياتها. لذلك فقد قامت اللجنة برسم خط الانسحاب الإسرائيلي الذي سمي بالخط الأزرق أو خط لارسن ليضم منطقة مزارع شبعا إلى الأراضي السورية المحتلة. وقد رسم الخط على الخريطة التي أعدتها اللجنة بشكل متقطع للدلالة على كونه مؤقتا، وقد تحفظ لبنان على هذا الخط فيما يتعلق بمنطقة المزارع، وطلب من لجنة الأمم المتحدة إضافة عبارة ( إن هذا الخط لاقيمة قانونية له ولا يؤثر على موقع الحدود الدولية) ([32]). ثم قامت اللجنة بالإضافة إلى فريق لبناني إسرائيلي بمراقبة الانسحاب الإسرائيلي إلى ماوراء الخط الأزرق، وقد تم ذلك بشكل نهائي بتاريخ 30 آب عام 2000([33]). ومنذ ذلك التاريخ ظهرت قضية مزارع شبعا، واحتدم الجدل القانوني والسياسي حول عائديتها لسوريا أم للبنان وهو ما سنبحثه في الصفحات القادمة.

المبحث الثالث: الحق في السيادة على مزارع شبعا

بعد أن أنهت لجنة الأمم المتحدة رسم الخط الأزرق وتحققت من الانسحاب الإسرائيلي إلى ماوراءه، تاركة موضوع السيادة على منطقة مزارع شبعا لتتم معالجته فيما بعد من قبل الإطراف المعنية. احتدم الجدل القانوني والسياسي حول عائدية المزارع، وهل هي أراض سورية احتلتها إسرائيل مع هضبة الجولان عام 1967 أم أنها أراض لبنانية مازالت محتلة من قبل إسرائيل، وبالتالي يتعين على الأخيرة الانسحاب منها طبقا للقرارات الدولية ذات الصلة. وإذا كان الجدل يدور حول ما إذا كانت منطقة المزارع سورية أم لبنانية فمن المؤكد أن إسرائيل غير معنية بهذه المنطقة ولايمكنها الادعاء بملكيتها شأنها شان كل الأراضي التي احتلتها وضمتها إليها بالقوة، لأن هذا الأمر غير مشروع في ظل القانون الدولي المعاصر. بالإضافة إلى ذلك فان سوريا تدعم المطالبة اللبنانية بمنطقة المزارع، وهذا يعني انه لايوجد نزاع بين سوريا ولبنان وان المزارع عائدة للبنان.

بناءا على ما تقدم، سوف نتناول هذا المبحث في مطلبين الأول سيتناول مسألة عدم وجود نزاع حول منطقة مزارع شبعا والثاني سيخصص لبحث مسألة إثبات السيادة اللبنانية على مزارع شبعا.

المطلب الأول: مزارع شبعا ليست نزاعا حدوديا دوليا

يعرف النزاع الدولي بأنه الخلاف الذي يثور بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي بشأن مسألة واقعية أو قانونية، أو بسبب وجود تعارض في مصالحهما السياسية والاقتصادية واختلاف حججهما القانونية بشأنها([34]). وقد عرفته محكمة العدل الدولية الدائمة بأنه " الخلاف حول مسألة واقعية أو قانونية، تنازع أو تعارض وجهات النظر القانونية أو المصالح بين شخصين"([35]). وكان ذلك بمناسبة قرارها بشأن النزاع بين بريطانيا واليونان عام 1924 المعروف باسم قضية (مافروماتيس)، وأكدت التعريف نفسه المحكمة التي خلفتها وهي محكمة العدل الدولية في منازعات عديدة فصلت فيها([36]). أن النزاع الحدودي لايختلف عن أي نزاع دولي آخر من حيث الجوهر، فهو الخلاف الذي يثور بين دولتين حول الموضع الصحيح لخط الحدود أو بشأن السيادة على منطقة جغرافية معينة، ويتم إبراز هذا الخلاف في صورة ادعاء أو احتجاج ممن له أهلية تمثيل الدولة على المستوى الدولي، كأن يتم ذلك من خلال تبادل المذكرات الدبلوماسية أو التصريحات، أو إثارة الموضوع خلال مؤتمر دولي أو مؤتمر لمنظمة دولية، على أن يقابل هذا الادعاء أو الاحتجاج بالمعارضة الايجابية من قبل الطرف الآخر([37]).

وعليه يمكن القول أن أهم ميزة للنزاع الحدودي هي إن ادعاء احد الإطراف يجب أن يواجه أو يقابل بمعارضة ايجابية من قبل الطرف الآخر، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية في العديد من المنازعات الحدودية التي فصلت فيها منها نزاع الحدود البرية والبحرية بين الكاميرون ونيجيريا(الاعتراضات الأولية) فقد جاء في قرار المحكمة عام 1998 بشأن احد الاعتراضات المقدمة من قبل نيجيريا والذي تدعي فيه بعدم وجود نزاع بين الطرفين ما يأتي " انه من اجل إثبات وجود نزاع ما يجب إن يتأكد أن ادعاء احد الطرفين يقابل بمعارضة ايجابية من قبل الطرف الآخر"([38]).

بناءا على ما تقدم، يتبين إن قضية مزارع شبعا لاتشكل موضوعا لنزاع حدودي سواء بين لبنان وإسرائيل لأن هذه الأخيرة دولة محتلة للمزارع ولايمكنها الادعاء بملكيتها، أو بين لبنان وجارتها سوريا صاحبة الحدود المشتركة في المنطقة التي تقع فيها المزارع، لأن ادعاء لبنان بسيادتها على منطقة مزارع شبعا لم يواجه بأي معارضة أو ادعاء مقابل من جانب سوريا بل على العكس، يذهب الموقف الرسمي السوري إلى تأييد المطالبة اللبنانية بمنطقة المزارع. وهو ما أكدته التصريحات الرسمية للمسئولين السوريين في مناسبات عديدة، منها الموقف الذي ابلغه وزير الخارجية السوري فاروق الشرع الى الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان في 16 حزيران عام 2000 والذي جاء فيه " أن الجمهورية العربية السورية تؤيد المطالبة اللبنانية بمزارع شبعا"([39]). كما جاء هذا التأكيد مرة أخرى على لسان فاروق الشرع لدى لقائه رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة على هامش القمة الأورومتوسطية (يوروميد) المنعقدة في برشلونة([40]). وتأكد هذا الموقف السوري أيضا بكتاب خطي رفعه المندوب الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة السفير مخايل وهبي الى الأمين العام كوفي انان بتاريخ 25 تشرين الأول عام 2000 والذي جاء فيه ".........استكمال انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني الى الحدود المعترف بها دوليا بما في ذلك مزارع شبعا......." ([41]). على أن التصريح الأهم في هذا الشأن هو ما قال به الرئيس السوري بشار الأسد في مؤتمره الصحفي الذي عقده في ختام زيارته لفرنسا في 27 حزيران عام 2001 والذي جاء فيه "......... نحن أعلنا بشكل رسمي أن مزارع شبعا لبنانية، وهذه المناطق هي محتلة الآن، لذا لايمكن الحديث في هذا الموضوع........." ([42]).

المطلب الثاني: إثبات السيادة اللبنانية على مزارع شبعا

هناك العديد من الأدلة والوقائع التي يمكن من خلالها إثبات السيادة اللبنانية على منطقة مزارع شبعا التي مازالت محتلة، وهذه الأدلة والأسانيد تؤيد وتدعم موقف لبنان الداعي الى انسحاب إسرائيل منها، في مقابل الادعاءات الإسرائيلية التي تعتبر منطقة المزارع أراض سورية وبالتالي لايمكن الانسحاب منها إلا بعد التسوية الشاملة مع سوريا طبقا للقرار الدولي المرقم (242) لعام 1967 واهم هذه الأدلة والأسانيد هي ما يأتي:-

أولا:- مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار

 ويقضي هذا المبدأ باحترام الحدود الإدارية التي وضعتها السلطات الاستعمارية بين الأقاليم التابعة لها قبل استقلالها واعتبار هذه الحدود الإدارية أساسا للحدود الدولية بعد الاستقلال، أو بمعنى آخر أن الحدود تتحول من حدود إدارية الى حدود دولية. فسوريا ولبنان كانتا تحت الانتداب الفرنسي وقد عينت الحدود بينهما طبقا للمادة الثانية من القرار (318) الذي أصدره المندوب السامي الفرنسي عام 1920 والذي بموجبه ضم قضاء حاصبيا الذي تقع فيه منطقة مزارع شبعا الى دولة لبنان الكبير. وهذه الحدود كانت في البدء عبارة عن حدود إدارية، وبعد استقلال الدولتين عن الاستعمار الفرنسي، تحولت تلك الحدود الى حدودا دولية طبقا للمبدأ المذكور. وعليه يعتبر قرار تعين الحدود الصادر من السلطة الاستعمارية سندا للحق اللبناني في منطقة مزارع شبعا.

ثانيا:- مبدأ لكل مابيده أو مابحوزته

هذا المبدأ له نفس مضمون مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار، أي قبول الدول المستقلة حديثا للحدود التي تفصل بين أقاليمها والتي عينتها السلطات الاستعمارية قبل الاستقلال. ويجد هذا المبدأ أساسه في المبدأ القائل ( طالما انك تملك بالفعل فمن حقك أن تستمر في الملكية) ([43]). ويجد أساسه أيضا في المبدأ المعروف (من يحوز شيئا يظل حائزا له) ([44]). وقد أكدت محكمة التحكيم في نزاع الحدود بين غواتيمالا وهندوراس عام 1933 أن المبدأ يعني الحيازة باعتبارها المعيار لما كانت عليه مواقف الإطراف لحظة إنهاء النظام الاستعماري([45]). وأكدت محكمة العدل الدولية في قرارها بشأن نزاع الحدود بين مالي وبوركينا فاسو عام 1986 أن المبدأ يطبق من لحظة الحصول على الاستقلال ودون اثر رجعي، وهو صورة للوضع الإقليمي الموجود وقت التحرر من الاستعمار، أي انه يجمد الملكية الإقليمية([46]). أن هذا المبدأ يعطي الأولوية للحيازة القانونية في اكتساب السيادة الإقليمية، بمعنى أن الحق القانوني في الحيازة يستند الى الوثيقة أو السند القانوني الممنوح من قبل السلطة الاستعمارية وقت الحصول على الاستقلال([47]). وتطبيقا لذلك فان السيادة على مزارع شبعا ثابتة للبنان، لان منطقة المزارع كانت تحت السيادة اللبنانية وقت حصول لبنان على استقلاله عن الاستعمار الفرنسي طبقا للسند القانوني الصادر من قبل السلطة الاستعمارية وهو القرار (318) لعام 1920 والذي اعتبر منطقة المزارع جزءا من لبنان.

ثالثا:- أدلة ممارسة السيادة

وهي الإعمال التي تقوم بها الدول المعنية بالحدود بصورة ثابتة ومستمرة إظهارا لسيادتها على منطقة ما، ومن ابرز هذه الإعمال التي تعتبر من مظاهر السيادة، هي ممارسة الاختصاص التشريعي والقضائي، التحقيق في الجرائم، جباية الضرائب والرسوم، تسجيل الأراضي،..........الخ([48]). وممارسة مظاهر السيادة على الإقليم أو المنطقة المعنية بأسلوب هادئ ومستمر يعتبر، وكما يقول المحكم ماكس هوبر في قراره عام 1928 بشأن النزاع بين الولايات المتحدة وهولندا حول جزيرة بالماس بأنه " سندا للملكية الخالصة"([49]). وقد أعطى القضاء الدولي لأدلة ممارسة السيادة أهمية خاصة، ورتب عليها قيمة ثبوتية واستدلالية كما في النزاع حول جزيرة كرينلاند الشرقية، والنزاع حول جزر منكويرز وايكريهوس، والنزاع المتعلق بالسيادة على بعض أراضي الحدود والنزاع حول جزر حوار والزبارة وغيرها([50]).

 وفيما يتعلق بمزارع شبعا، هناك العديد من التصرفات الصادرة من السلطات العامة اللبنانية التي تعد تعبيرا عن ممارسة الدولة اللبنانية لمظاهر سيادتها بأسلوب ثابت ومنتظم على منطقة المزارع، وإنها لم تتخل في أي وقت عن هذه السيادة ومنها، منح الجنسية اللبنانية لسكان المزارع ودرج أسمائهم في سجلاتها الانتخابية، إصدار سندات الملكية من قبل الحكومة اللبنانية، جباية الضرائب من سكان المزارع، تطبيق القوانين اللبنانية في منطقة المزارع وممارسة السلطة القضائية والفصل في الدعاوي الجزائية والمدنية من قبل المحاكم اللبنانية، والتحقيق في الجرائم من قبل السلطات اللبنانية، بناء مخافر للدرك اللبناني، منح رخص لبناء البيوت والمساكن من قبل الحكومة اللبنانية، تواجد المؤسسات الرسمية اللبنانية من قوى امن وإدارات عامة وجمارك لمراقبة الحدود وغيرها من الإعمال التصرفات التي تعتبر إظهارا للسيادة اللبنانية على منطقة مزارع شبعا([51]).

رابعا:- التصريحات الرسمية للمسؤليين السوريين وقد سبق ذكرها، التي تدعم وتؤيد مطالبة لبنان بمزارع شبعا سواء تلك التي صدرت عن الرئيس بشار الأسد، أو عن وزير خارجيته السابق فاروق الشرع، أو الكتاب الخطي الذي أبلغة مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة مخايل وهبي الى الأمين العام كوفي انان.

خامسا:- وثائق وأدلة أخرى وتتضمن ما يأتي:-
  1. الدساتير الداخلية اللبنانية وأهمها الدستور الصادر عام 1926 بعد إنشاء دولة لبنان الكبير، فقد نصت المادة (1) من هذا الدستور على إن حدود لبنان هي تلك المعترف بها من قبل حكومة الجمهورية الفرنسية بموجب القرار الإداري رقم (318) الصادر عام 1920 من قبل المفوض السامي الفرنسي. وتم التأكيد على هذه الحدود كذلك في دستور عام 1943 بعد أن أصبح لبنان دولة مستقلة([52]).
  2. تقرير الضابطين الفرنسيين النقيب (ماي) والملازم أول (لاكروا) والذي أرسل الى المفوض السامي الفرنسي في دمشق والمستشار الإداري في لبنان الجنوبي، وقد أرفقت به اتفاقيتين مكتوبتين عام 1934 بين سكان جباتا الزيت (سوريا) وسكان شبعا (لبنان)، وذلك بعد وقوع خلاف بين السكان من الطرفين، وقد أكد التقرير والاتفاقيتين على أن منطقة مزارع شبعا هي لبنانية. وعلى اثر ذلك أرسل المفوض السامي الفرنسي في لبنان رسالة بتاريخ 30 حزيران عام 1938 الى رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك، وقد ذكر فيها انه عمم الاتفاقيتين المذكورتين على الوزارات المعنية للعمل بموجبهما، وانه يمكن الاعتماد عليهما للقيام بإعمال الترسيم النهائي للحدود السورية اللبنانية([53]).
  3. الرسائل التي بعث بها حاكم المستعمرات الفرنسي (شوفلير) الى المندوب السامي لبلاده في دمشق عام 1939 وكذلك الرسائل التي بعث بها النقيب (دوبرنانفيل) الى رئيس مركز الخدمات الخاصة في منطقة القنيطرة عام 1939. وهاتان الرسالتين تؤكدان أن مزارع شبعا هي لبنانية.
  4. محاضر لجان ترسيم الحدود التي شكلت في الأعوام 1934، 1946، 1961، 1963 كلها تؤكد من حيث المبدأ أن منطقة مزارع شبعا هي جزء من الأراضي اللبنانية([54]).
  5. القرار المرقم (493) الذي أصدره رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سامي الصلح بتاريخ 24 كانون الأول عام 1957 الى السلطات اللبنانية في منطقة المزارع، والذي دعاها فيه الى ضرورة تسجيل كل الحوادث وبذل الجهود للمحافظة على لبنانية المزارع، وكان ذلك على اثر إقدام السلطات السورية على إقامة مخفر للدرك في مزارع شبعا ومحاولة فرض الجنسية السورية على سكانها([55]).

المذكرة ذي الرقم (ق574 / 124/ 53) التي وجهتها الحكومة السورية الى الحكومة اللبنانية بتاريخ 29 أيلول عام 1946 وذلك ردا على مذكرة وجهتها الحكومة اللبنانية، على اثر إصدار السلطات السورية لبعض الخرائط التي وضعت مزارع شبعا داخل الأراضي السورية، وقد جاء في المذكرة أعلاه أن ماحصل هو خطأ فني بحت لم يكن يقصد منه تعديل الحدود أو وضع المزارع داخل الأراضي السورية. وقد استدعى هذا الأمر تشكيل لجنة مختلطة عام 1949 برئاسة الأمير مجيد ارسلان وزير الدفاع اللبناني آنذاك، وقد اتفقت اللجنة على اعتبار المزارع جزءا من لبنان([56]).

بناءا على ما تقدم، يتبين أن مزارع شبعا لبنانية ولاتوجد دولة أخرى بإمكانها أن تدعي السيادة عليها، وبالتالي فان إسرائيل ملزمة بالانسحاب منها، ألا أن هذه الأخيرة تعتبر منطقة المزارع سورية اقتطعتها منها عند احتلالها لهضبة الجولان عام 1967 ومن ثم ستتفاوض مع سوريا بشأن هذه المزارع باعتبارها مشمولة بالقرار الدولي المرقم (242) لعام 1967.

الخاتمة

لقد تناولت هذه الدراسة الوضع القانون لمزارع شبعا، وقد تبين منها أن منطقة مزارع شبعا هي أراض لبنانية، حيث لايمكن لدولة أخرى الادعاء بملكيتها. لذلك فإنها ليست موضوعا لنزاع حدودي دولي بين لبنان وأية دولة أخرى، وإنها أراض احتلتها إسرائيل وضمتها بالقوة وترفض الانسحاب منها، بدعوى أنها أراض سورية وتؤيدها في ذلك الأمم المتحدة. لذلك يمكن القول أن النزاع حول منطقة مزارع شبعا هو بين لبنان من جانب التي تؤكد أن منطقة المزارع هي لبنانية والأمم المتحدة وإسرائيل من جانب آخر حيث تدعي كلاهما أن المنطقة سورية. والحق يقال انه لا إسرائيل ولا الأمم المتحدة معنية بالأمر لأن الأولى هي دولة محتلة لمنطقة المزارع ولاتملك الحق في البت في مسألة ملكيتها، ولأن الاحتلال وضع مؤقت لايترتب عليه انتقال ملكية الإقليم المحتل الى الدولة المحتلة. والثانية لاتملك الصلاحية في تحديد عائديتها لان مسائل الحدود تخص الدول المعنية فقط.

هذا الوضع الشائك أسهمت به إسرائيل كما الأمم المتحدة وسوريا ولبنان، لأن إسرائيل ترفض الانسحاب من المزارع رغم انسحابها من الأراضي اللبنانية التي تحتلها طبقا للقرار المرقم (425) لعام 1978، وبما إن المزارع ما زالت محتلة فان هذا القرار لم ينفذ بالكامل. وهذا يعني بقاء ملف الحدود مفتوحا مع لبنان وهو ما يحقق فوائد جمة لإسرائيل، فهي تسعى للحصول على اعتراف لبناني بها عن طريق إبرام معاهدة سلام بين الطرفين كما فعلت ذلك دول عربية مجاورة، والاتفاق على ترتيبات أخرى بشأن المياه والأمن على الحدود وتطبيع العلاقات وغيرها. إما الأمم المتحدة فقد رسمت خط الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان (الخط الأزرق) ليكون حدا فاصلا بين سوريا ولبنان، معتبرة أن منطقة المزارع سورية وهي غير معنية بهذه المسألة. كما أن عدم قيام سوريا ولبنان بترسيم حدودهما المشتركة لفترة طويلة، ونتيجة لعدم قيام لبنان بأي عمل ذي قيمة قانونية معتبرة من وجهة نظر القانون الدولي، كالاحتجاج أو الاعتراض أو التقدم بشكوى الى مجلس الأمن على الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة المزارع، فقد ساهم ذلك في تعقيد قضية مزارع شبعا. وبين هذا وذاك سيبقى مصير مزارع شبعا معلقا أما بانتظار التسوية الشاملة بين سوريا وإسرائيل وهذا غير منظور على المدى القريب، أو بانتظار قيام سوريا ولبنان بترسيم حدودهما في منطقة المزارع وهو أمر غير ممكن في ظل وجود الاحتلال.

 

[1]- وسام فؤاد، شبعا هل تعيد ارتباط المسارين اللبناني والسوري، ص1. www.islamonline.net

[2]- د. أمين حطيط، مزارع شبعا اللبنانية بين الواقع والحقيقة التاريخية والقانونية والسياسية، موقع سوريا للقضاء والمحاماة، 2001، ص2-3. www.alnazaha.net

[3]- وسام فؤاد، المصدر السابق، ص1- 2.

[4]- محمود حيدر، مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، ص6. www.bintjbeil.org

[5]- د. أمين حطيط، المصدر السابق، ص2.

[6]- مارون خريش، شبعا ومزارعها اللبنانية، مجلة الجيش اللبناني، 2006، ص1. www.lebarmy.org

[7]- وسام فؤاد، المصدر السابق، ص2.

[8]- د. أمين حطيط، المصدر السابق، ص2.

[9]- محمود حيدر، المصدر السابق، ص4.

[10]- يوسف نهاد جبر، حول مزارع شبعا، موقع سوريا للقضاء والمحاماة، 2005، ص2.   www.alnazaha.net

[11]- د. فيصل عبد الرحمن علي طه، القانون الدولي ومنازعات الحدود، ط2، دار الأمين للنشر والتوزيع، القاهرة، 1999، ص62-73.

[12]-S. Sharma, delimitation of land sea boundary between neighboring countries, first edition, Lancers Book, 1989, pp. 11- 12.

[13]- يوسف نهاد جبر، المصدر السابق، ص3.

[14]- د. أمين حطيط، المصدر السابق، ص3.

[15]- المصدر السابق، ص9.

[16]- د. مصطفى سيد عبد الرحمن، الجوانب القانونية لتسوية منازعات الحدود الدولية، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1994، ص239- 243.

[17]- د. فيصل عبد الرحمن علي طه، المصدر السابق، ص83- 94.

[18]- International court of justice, reports, 1986, p. 566.

[19]- Ibid, p. 565. 

[20]- droit international public, Tome I, Paris, 1970, Sharles Rousseau, pp. 269- 270

[21]- مارون خريش، المصدر السابق، ص2- 3.

[22]- المصدر السابق، ص3.

[23]- التقرير السنوي الثالث للمبعوث الخاص للأمم المتحدة لتطبيق القرار 1559 تيري رود لارسن في 18 نيسان 2006، ص5- 6. www.atassiforum.org

[24]- د. أمين حطيط، المصدر السابق، ص9.

[25]- الياس بجاني، مزارع شبع والحقيقة المغيبة، 2004، ص2- 3. www.beirut.indymedia

[26]- المصدر السابق، ص3.

[27]- د. أمين حطيط، المصدر السابق، ص9.

[28]- الياس بجاني، المصدر السابق، ص3.

[29]- المصدر السابق، ص1.

[30]- د. أمين حطيط، المصدر السابق، ص10.

[31]- المصدر السابق، ص11- 12.

[32]- المصدر السابق، ص13.

[33]- مارون خريش، المصدر السابق، ص3- 4.

[34]- د. عصام العطية، القانون الدولي العام، ط6، بغداد، 2006، ص423.

[35]- Permanent court of international justice, series A. No. 2, p. 11.

[36]- د. الخير قشي، أبحاث في القضاء الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999، ص283- 284.

[37]- I. Brownlie, African boundaries, a legal and diplomatic, Encyclopedia, London, 1979, p. 13.

[38]- International court of justice, reports, summary of the judgment of 11 June 1998, p. 8.

[39]- د. أمين حطيط، المصدر السابق، ص11.

[40]- سمير منصور، سوريا أكدت لبنانية مزارع شبعا خطيا في ايلول 1946، 2005، ص1.  www.arraee.com

[41]- رالي بيضون، مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بين القانون الدولي والسياسة، 2001، ص4. www.mafhoum.com

[42]- محمود حيدر، المصدر السابق، ص27.

[43]- S. W. Boggs, international boundaries, New York, 1966, p. 79.

[44]- A. O. Cukwurah, the settlement of boundary disputes in international law, Manchester University press, 1967. p. 113.

[45]- Report of international arbitral awards- United Nations, vol. (II), p. 1352.

[46]- International court of justice, reports, 1986, pp. 567- 568.

[47]- Enver Hasani, Uti possidetis juris from Rome to Kosovo, 2003, p. 1. http://operationKosovo.net

[48]- صدام حسين وادي، دور محكمة العدل الدولية في تسوية منازعات الحدود، رسالة دكتوراه، كلية القانون، جامعة بغداد، 2005، ص171- 179.

[49]- Report of international arbitral awards- United Nations, vol. (II), p.839

[50]- صدام حسين وادي، المصدر السابق، ص176- 178.

[51]- سمير منصور، المصدر السابق، ص2. و مارون خريش، المصدر السابق، ص2. و محمود حيدر، المصدر السابق، ص16- 17.

[52]- يوسف نهاد جبر، المصدر السابق، ص3.

[53]- مارون خريش، المصدر السابق، ص1- 2.

[54]- المصدر السابق، ص2.

[55]- الياس بجاني، المصدر السابق، ص2.

[56]- وسام فؤاد، المصدر السابق، ص2.