تصنیف البحث: اقتصاد, القانون
خلاصة البحث:

تلعب المصارف دوراً بارزاً في اقتصاديات البلدان ، فهي تشكل ركيزة أساسية في بنائها الهيكلي الاقتصادي ، ولعل ذلك الدور نابع من كونها تمثل الملجأ الرئيسي لكثير من المشاريع والأعمال في القطاع الخاص فضلاً عن كونها في مرحلة ما تمثّل الملجأ للدولة نفسها في الحصول على الأموال ومواجهة الأزمات.

   ولعل الدور المذكور وما يستلزمه من اتيانه بالصورة المثلى يوجب تحقق مقدمة عند تلك المصارف هي السيولة النقدية ، فالأخيرة ينعكس وجودها بشكلٍ جوهري على تحقق ذلك الدور "الملجأ التمويلي" ، فالرابط بينهما علاقة طردية تتمثل في ان زيادة الأول يستتبع بالضرورة اتساع وبروز الدور المترتب عليه لهذا المصرف أو ذاك ، فكلما زادت السيولة المالية لدى المصارف كان لها في حينها دوراً بارزاً في رواج الحركة الاقتصادية واستقرار بيئتها.

   ولعل من المتفق عليه ان زيادة تلك السيولة لا يقوم على رأسمال المصرف فحسب ، فزيادته بأي نسبة كانت لا يشكّل فارقاً محورياً ومرتكزاً يمكن القول حينه بأوحدية أي من المصارف في قدرتها على اثبات وجودها في السوق، فالسيولة المالية تعتمد بشكل رئيسي على الودائع النقدية المقدمة من الجمهور التي تشكل الحجر الأساس لحركة المصرف وقيامه بأدواره الاقتصادية المختلفة مثالها التمويل وغيره.

   بيد أن الحصول على تلك الأموال وتحفيز الجمهور لإيداع نقودهم في المصارف لا يكون أمراً ميسراً في جميع الأحوال ، فالفائدة التي تمنحها المصارف لتلك الودائع لم تعد وحدها قادرة على تكوين ذلك المحفّز لجذب الإيداع فالجمهور أصبح مطالباً بتوفير تلك الضمانات التي تمكنه من استعادة أمواله المودعة عند طلبه ذلك فضلاً عن الأرباح أو الفوائد المترتبة عليها ، فالتغيرات السياسية والأزمات الأمنية تلقي بظلالها على الحياة الاقتصادية ، فعادةً ما تنكفئ تلك الأخيرة ويشح نشاطها تبعاً لتلك الأزمات وآثارها ، وهذا مما لا شك فيه يلقي بأعبائه على المصارف والإيداعات لديها ، إذ يزداد تخوّف الجمهور وعزوفهم عن وضع أموالهم لدى المؤسسات المالية لينتج بدوره أثراً متمثلاً بانحسار تلك المؤسسات وفعاليتها في الاقتصاد الوطني ، لذا تعتمد الدول الى مواجهة ذلك الأمر بتوفير محفّزات للجمهور مشجعة لهم للإقدام على ذلك الإيداع ضامنة لهم استرداد أموالهم المودعة بأكملها أو في الجزء الأكبر منها في مختلف الظروف الاقتصادية ، ومن تلك المحفزات والضمانات "نظام ضمان الودائع المصرفية" ، ولعل إقدام الدول المقارنة في تقنين تلك الضمانات قد قطع أشواطاً كبيرة ومتلاحقة متقدمة فيها على العراق ومؤسسته التشريعية ، إلا أن الأخير وعلى الرغم من تأخره – أقدم على مسايرة التوجه المذكور لتصدر سلطته التنفيذية نظاماً مقنناً لأحكام منطلقة من غايةٍ واحدة استجمعت في عنوانه الذي جاء تحت مسمى "نظام ضمان الودائع المصرفية" رقم 3 لسنة 2016.

   ووفقاً للمعطيات أعلاه فقد انطلق الباحث من مشكلة تدور في البدء حول مدى إمكانية تلك النصوص المستجمعة في النظام المذكور من تحقيق الغاية التي وضع من أجلها ؟ ، ولعل تلك الإشكالية المثارة متأتية من مدى انضباط نصوص ذلك النظام واستجماعها لفرضيات الواقع العملي وقدرتها على محاكاة ذلك الواقع لتضع عنصر الجذب والاستقطاب لأمواله مقارن بتشريعات الدول الأخرى لا سيما المجاورة منها ، فتسليط الأضواء على مثالب تلك النصوص وفراغاتها في بعض الأحيان وغموض معالمها في أحيانٍ أخرى تشكَل أهمية للمشرع والبحث العلمي في آنٍ واحد.

   وقد ارتأينا أن يكون منهجنا مبنياً على منهجٍ تحليلي محلّه نصوص ذلك النظام مستعينين في جوانب من بحثنا بالنصوص المقارنة في تشريعات الدول الأخرى عندما نجد ضرورة الاستئناس بها وبيان موقفها لا سيما في مواطن الغموض أو النقص والسكوت في النظام محل الدراسة.

   وفقاً للمعطيات المطروحة والاشكالات المراد مناقشتها والغوص في أبعادها وطرح الحلول لها ، فقد ارتأى  الباحث تقسيم البحث إلى مبحثين يختص الأول منها في بيان ماهية الضمان من حيث الوقوف على محله ونطاقه ومن ثم بيان طبيعته القانونية ، لينتقل بعدها إلى مبحث آخر يكون محلاً للبحث في آلية الضمان من حيث الجهة المانحة له في بيان وصفها القانوني ورأسمالها والبحث في الانضمام لها من حيث الجواز أو الإلزام فضلاً عن التزامات المنظمين له والبحث في تلك الالتزامات من حيث الثبات أو التغيّر لننطلق بعدها في البحث عن التزامات الجهة المانحة للضمان طيلة مدة الضمان الممنوح وكذلك حين تحقق الخطر محل الصمان لينتهي الباحث بعدها الى خاتمة تضمنت أهم النتائج والمقترحات .