خلاصة البحث:

من اهم الخطوات التي يجب أن نعزز الروح الوطنية. هي تبرئة المناهج الدراسية وتنقية الكتب التي تدعوا إلى التعصب العرقي والطائفي، وإيثاره احقاد الماضي بمختلف مراحله وحوادثه التاريخية وما انتجته من اختلافات سياسية يستفاد منها كل ذي شأن غير سليم.

لو تصفحنا في مناهجنا الدراسية وخاصة لطلاب الجامعات ناهيك عن المراحل التي سبقتها، نجد هناك كتب لا تعطي من الثقافة والعلوم من فائدة بقدر ما هي تساعد على الفرقة واثارة الاحقاد مما تسبب إلى انشاء جيل مشبع بالطائفية والعنصرية، من الصعب ان نصحح مفاهيمه بعد ذلك وخاصة إذا كان من ذوي الثقافة المتواضعة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر كتاب تاريخ الادب العباسي (العصر العباسي الاول) لمؤلفه شوقي ضيف. يبحث به عن الشعر والشعراء وما يتعلق بتاريخهم، نجده يزخر بكثير من الحوادث التاريخية التي لا ننكرها لكن المؤلف يصيغها بصورة تبعث عن زرع الاحقاد والكره بين افراد المجتمع الواحد، المتعدد اصلا ثقافيا وعرقيا وطائفيا. حيث ينحاز إلى فريق دون أخر ويحرض عليه معتمدا على بعض الشواهد التي استسقاها من بطون الكتب التي هي في الواقع مشبوهة وغير متفق على عمليتها في أكثر الاحيان. ونراه يخرج من حيادتيه، وهي اهم صفة يجب ان يتحلى بها البحث. حين راح يقسم الطائفة الواحدة مثلا بين موالي ومحايد ومتطرف من حيث موقفه من السلطة الحاكمة (خلفاء الدولة العباسية) ذاكرا بعض المصطلحات التي تزيد من درجة الكراهية عند جهة وتخدش عقيدة كثير من المسلمين عند جهة اخرى فيصفهم بالمغالي والرافضة    والانتهازيين مشفها افكارهم وثوراتهم حيث يقول (وحتى الشيعة وفرقهم أعلوا المقاصد الدينية على مقاصد العدالة الاجتماعية). واتباعهم اسلوب (التقية). حين يذكر شعراء اهل البيت (ع) حيث يقول (أما شعراء الأمامية فقد وجدوا امامهم فسحة كي ينافقوا العباسيين وكي يظهروا غير ما يبطنون وفق مبدأ التقية المشهور) لو تساءلنا هل أن الكاتب قد شق صدورهم وعرف ما فيها حتى يدلي بهذا الاعتقاد؟ بل انه يعبر عن عدم حياديته فعبر عما يؤمن به شخصيا. وهل أن جميع شعراء الشيعة هم من طيف واحد؟ ولم يتوقف إلى هذا الحد فقد تمادا في الامر حين يدعي بأن غلوهم أي الشيعة وادبياتهم توحي إلى أن الامام جعفر الصادق إلاه لهم وبعضهم رسلا. وينقل عن بعض الشعراء وهو يرد على الشيعة كما يدعي بقوله: ـ

                ألم ترى  أن  الرافضين   تفرقوا                     فكلهم في جعفر قالوا  منكرا

                فطائفة      قالوا    إله   ومنهم                       طوائف سمته النبي المطهر

وبما أن كتابه متخصص بالشعر والشعراء، فقد وظف جهوده للطعن بكل أديب كي يجعله في موقع شبه واتهام، ويعلم مكانة الشاعر من الطائفة، لكنه لم يبال. فهدفه اذكاء روح التفرقة والعداء وبتالي يخرج من منهجية البحث العلمي. حين اول ما ذكر السيد الحميري حين طعن بنسبه واصفا بأنه ايراني معللا ذلك كونه يتقن الفارسية. ومن باب الحيادية لا يعتبر هذا سببا أو حجة، ومن جهة اخرى ان المؤلف لم يستعين بمصدر على ادعائه وانما جاء تعبيرا عن رغباته وما يميل اليه.

 وننتقل إلى شاعر اخر، نراه يوجه سهامه نحو دعبل بن علي الخزاعي مستعينا بكتاب الاغاني لابي الفرج الاصفهاني. ولم يكتف مما يذكره الاخير بل راح يزيد في ذمه والتقليل من مكانته مما تجعل القارئ اللبيب أن يشكك في مصداقيته وحيادته حين يذكر (اننا نجده في شبابه يصحب الشطار). إلى ان يقول (مما يؤكد كان فيه نزعة متأصلة إلى الشر وارتكاب الجنايات) وفي مكان اخر يذكر ان (تؤثر الخمرة ببعض اشعاره). وان صح ادعائه فأن معظم الشعراء الذين عاصروا دعبل هم ممن عاقروها إن لم يدمنوا عليها. وفي مشهد اخر ناقض الوقائع التاريخية التي اتفق عليها معظم المؤرخون حول ارث الرسول (ص) الذي تركه لبنته فاطمة الزهراء (ع) والمتمثل بمقاطعة فدك مدعيا انها ضمن الخراج وغنائم الحرب.

نحن لا نشك بعلمية المؤلف لكننا لا نثق بحيادته مما يجعل مصداقيته وشهادته على التاريخ مجروحة.

ولكي نسير في الطريق السليم في تحقيق الاهداف التي نسعى اليها في الحفاظ على الوحدة الوطنية ومحاربة الطائفية والعنصرية، يجب علينا تجفيف منابع التفرقة، وذلك بالتدقيق من كل الكتب والتي تدرس في جميع المراحل الدراسية وبصورة خاصة الجامعية لما لها تأثير سلبي على افكار الطلاب وتوجهاتهم. والا نكون قد ساهمنا وبشكل مؤثر في هدم اهم ركن من التعايش الاجتماعي السلمي