الباحث: ماجد النجار
تصنیف البحث: علوم القرآن
من صفحة: 222
إلى صفحة: 251
النص الكامل للبحث: PDF icon 4-11.pdf
خلاصة البحث:

يكتفي هذا البحث بدراسة ظاهرتين صوتيتين من ظواهر صوتية قرآنية كثيرة، هما: دلالة الحركة، ودلالة الإيقاع، مع إيراد نموذجين قرآنيين لكلٍ منهما. ثم يتناول بالتفصيل الملامح الصوتية، بأبعادها المختلفة، في جزءٍ من آيةٍ شريفةٍ، وهو قوله تعالى:)صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ (. من خلال دراسة ما تشتمل عليه هذه الكلمات الثلاث من حروف (أصوات) وحركات وسكنات ومقاطع وإيقاع. إضافةً إلى ما يعتور التنوين فيها من غنّةٍ وإدغامٍ وإقلابٍ وإخفاءٍ.

وقد قدمنا للبحث بنظرة تاريخية موجزة، تناولتْ إشارات السابقين واللاحقين إلى موضوع الأصوات ودلالاتها. ثُم تَعَرَّضنا لدلالة الحركة والإيقاع ونماذجهما، منـتقلين بعدها إلى تحليل الآية المذكورة تحليلاً بلاغياً، تَمَّ توظيفه دلالياً، للانطلاق منه إلى التحليل الصوتي. حيث تمتزج الصُّورة البيانية بالصورة الصوتية والإيقاعيّة، فتعملان سويةًً على تشكيل الصورة الفنية للجملة القرآنية.

المفردات الأساسية: الحركة / الإيقاع / الصوت/ التحليل البياني/ المقاطع الصوتية

البحث:

 

مقدمة:

يُطلق على اللغة بأنّها ظاهرةٌ اجتماعيةٌ[1]، وأداة التواصل الرئيسية بين البشر، وهي إضافةً إلى ذلك ظاهرةٌ صوتيةٌ[2]، لها ما يميزها عن سائر الرموز الأخرى غير اللغوية، ومن ثم فإن دراسة أيِّ نصٍّ أدبيٍّ دراسةً علميةً تستوجب البدء بالأصوات بوصفها وحدات مميزة تنتج منها آلاف الكلمات ذات الدلالات المختلفة.

والقرآن الكريم الذي هو أرقى نص أدبي على الإطلاق، كان قد وظّف كلَّ ما يمتلكه الصوت اللغوي من قدرات، وبخاصة القدرة على التصوير من جهة، والتنغيم من جهة أخرى، وذلك بهدف بلوغ أعمق مواطن التأثير في المتلقِّي، فغدا الصوتُ فيه صورةً متميزة للتناسق الفني، ومظهراً من مظاهر تصوير معانيه، وآية من آيات إعجازه الأسلوبي والبياني الرفيع.

لذا كان وقع القرآن على الآذان لا يجري وفق نمطٍ واحد رتيب، بل يتنوع بتنوع الموضوع، فتارةً يكون إيقاعُه هادئاً كنسيم الجنان، وتارةً يكون هادراً كريحٍ صرصرٍ عاتية، وتارةً أخرى يكون لا هذا ولا ذاك، فهو يتلوَّن بتلوُّنِ الأغراض الدلالية. ومن هنا فقد أمر اللهُ بترتيله على أحسنِ وجه، في قوله تعالـى: )وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا( [المزمل:4]. وجاء في الحديث الشريف: «ليس مِنّا مَن لَم يَتَغَنَّ بالقرآن»[3]، والترتيل والتّغني هنا إنما هو قراءته جهراً في شيءٍ من التروِّي، بحيث تستبين حروفه، وتظهر حركاته، فيكون ذلك مدعاةً إلى إمعان الفكر فيه، وسبر أغواره، ومن ثم الوقوف على أسراره.

تأسيساً على ذلك، وانطلاقاً من قوله تعالى: )أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ([محمد:24]، فقد جاء هذا البحث بهدف الكشف عن القيمة الدلالية الدقيقة للصوت، وإبراز مكانته في إعجاز النص القرآني، وقدرته الفذّة على الإبلاغ. وذلك من خلال الاشارة العابرة إلى دلالتي الحركة والإيقاع في القرآن الكريم. ثم الإنتقال إلى دراسة آية قرآنية واحدة، أو الجزء الأول منها، و هي قوله تعالى: )صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ( [البقرة:18] بالتحليل الصوتي بأبعاده المختلفة.

نظرة تاريخية:

كان القرآن الكريم منطلقاً أساسياً ومباشراً لثلاث مجموعات من الدراسات، هي: الدراسات اللغوية، والبلاغية، والقرآنية، لذلك فقد ظهرت بوادر الدراسات الصوتية بنسب متفاوتة في كل من هذه الدراسات الثلاثة.

ولعل أول من التفت إلى صلة الدرس الصوتي بالدراسات اللغوية والصرفية والنحوية، هو الخليل بن أحمد الفراهيدي 175هـ) الذي بنى ترتيب الأصوات على أساس منطقي، انطلاقاً من معرفة خصائص الحروف وصفاتها[4]، وخرج علينا بمعجم العين بشقّيه: مقدمته، ذات القيمة العلمية الكبيرة، وأصل مادته اللغوية، ليكون، بحق، صاحب هذا العلم، ورائده الأول.

ثم تبعه تلميذه سيبويه (180هـ) سائراً على خطى أستاذه، لكنه خالفه قليلاً في صفات الأصوات، وأضاف إلى هذا العلم ما يشهد له بقدم السبق فيه، فقد وضع قضايا الإدغام، وحدَّدَ بدقَّة صفات الحروف ومخارجها. وكان علماء النحو والقراءة من بعده يسيرون على مذهبه[5].

ثم نهض بأعباء الصوت اللغوي بعد مدرسة الخليل اللغوي الكبير ابن جني(392هـ) متجاوزاً مرحلة البناء والتأسيس إلى مرحلة التأصيل[6]، متعرضاً لقضايا الصوت في كتابيـه:(سر صناعة الإعراب)، و (الخصائص) في بحوث غاية في الدِّقَّة، منها حديثه عن مصدر الصوت وكيفية حدوثه واختلاف جرسه بحسب اختلاف مقاطعه، والفروق البارزة بين الأصوات والحروف، والأصوات الصائتة والأصوات الصامتة.

كما تطرَّق ابن جني إلى موضوع نشأة اللغة، وأثر المسموعات الصوتية في نشوء اللغات الإنسانية، مشيراً في الوقت نفسه إلى نظرية محاكاة الأصوات في بابي: تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني، وإمساس الألفاظ أشباه المعاني. وهي ملامح سنجد لها ما يؤيدها في الآية التي نحن بصددها.

ونجد ملامح أساسية لهذا العلم عند علماء البلاغة الذين تعرَّضوا لمسائل الفصاحة، كفصاحة الكلمة والكلام، وموضوع اللَّفظ والمعنى في النص الأدبي. وكذلك عند الإعجازيين الذين درسوا القرآن على مستوى اللفظ والمعنى، وقالوا بالإعجاز بالنظم، كالرماني(386هـ)، والخطّابي (388هـ)، والباقلاني (403هـ)، و عبد القاهر الجرجاني (471هـ)، ثم ابن الأثير (637هـ)، وابن أبي الإصبع، (654هـ)، وحازم القرطاجني (684هـ)[7]، و...

كما أن علماء التجويد انطلقوا من الدرس الصوتي لتأصيل علم التجويد، فوضعوا عشرات المصطلحات الخاصة بالأداء الصوتي الدقيق للقرآن الكريم، فيما يُسَمِّيه علماء الأصوات اليوم بـ (علم وظائف الأصوات) phonology، ومنها صفات الحروف: كالهمس والجهر، والشِّدَّة والرخاوة والتوسُّط، والاستعلاء و الاستفال، وغير ذلك كالمد واللين والانحراف والتكرير والتفشي والاستطالة والإدغام والإخفاء، ثم أحكام الوقف و السَّكت، وهكذا دواليك.

أما في العصر الحديث فقد أفاد كثيرٌ من اللغويين العرب مِمّا توصَّل إليه الغرب في مجال علم الأصوات، أمثال إبراهيم أنيس، وتَمّام حسّان، وكمال بِشر، وآخرون. كما تَنبّه غير واحد من أهل العلم والدين والأدب بحسِّهم المرهَف، وذوقهم السّليم إلى الارتباط الوثيق بين الصّوت والدلالة، فتعرَّضوا في كُتبهم إلى شَذَرات مِمّا وقَع منه في القرآن الكريم، كالرافعي، وبنت الشاطئ، وسيد قطب، وغيرهم.

وفيما يلي نتناول باختصار شديد ظاهرتين صوتيتين في القرآن، هما الحركة والإيقاع، من ظواهر صوتية كثيرة، نُرجئُ دراستها إلى بحوث قادمة إنشاء الله. ثم ننتقل بعدها لدراسة الجزء الأول من قوله تعالى: )صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ( وتحليلها تحليلاً صوتياً في شيء من التفصيل.

دلالة الحركة:

من المعلوم إن للحركة في اللغة العربية دوراً كبيراً في تحديد معنى الكلمة، سواءٌ على صعيد بنيتها التشكيلية، أو على صعيد حالتها الإعرابية. كما إن الفتح أوالضم أوالكسر، وكذلك السكون الذي يعتور الكلمة، بنسب متفاوتة، من شأنه تشكيل ملامح الكلمة، وتحديد صورتها النطقية، بسبب الصفات التي تُميّز كلاً منها.

وتسمية الحركات فيها شيء من خصائصها. ويدل على ذلك ما قام به أبو الأسود عندما أراد تنقيط المصحف الشريف. فقد أخضع عمله للتجريب والتذوُّق الفعلي للحركات، معتمداً في ذلك على وضع الشفاه من فتح وكسر وضم لها، قائلاً لكاتب من بني عبد قيس «إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه؛ فإن ضممت فمي، فانقط نقطة فوقه على أعلاه، وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف، فإن اتبعت شيئاً من ذلك غنة، فاجعل مكان النقطة نقطتين»[8]. ومن ثم كانت التسمية التقليدية المعروفة، الفتحة والكسرة والضمة[9].

وفي القرآن الكريم نماذج أكثر من أن تُحصَى، اختيرت فيها الكلمات اختياراً دقيقاً، ليشاطر بناؤها الحركي، حالتها التعبيرية. كما اختيرت فيه كلمات أخرى، ورُكِّبت في جمل بحيث يتساوق بناؤها الحركي إضافةً إلى حركتها الإعرابية، مع الحالة التعبيرية.

ومن أمثلة النموذج الأول؛ حيث تدل صيغة الكلمة من ناحية الحركات على المعنى، ما ورد في القرآن الكريم من استعمال كلمة (الحَياة) للدنيا، واستعمال كلمة (الحَيَوَان) للآخرة. في قوله عَزَّ مِن قائل: ) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ( [العنكوت:64] فلأنّ الدنيا دارُ لَهوٍ ولعب وزوال، عُبِّر عنها بالحياة. ولأنّ الآخرةَ دارُ كرامة وعزٍّ وبقاء، عُبَّر عنها بالحَيَوَان.

والعلة في استعمال القرآن كلمةَ (الحَيَوَان) للدار الآخرة، دون استعمال كلمة (الحياة) التي أطلقها على الدار الدنيا، مع إن كلاً منهما مصدر للفعل: حَيِيَ، يَحيَى، هو أنّ كلمة (الحَيَوَان) صيغة مبالغة بالألف والنون، وفي بنائها « زيادة ُ معنى ليس في بناء (الحياة)، وهي ما في بناء (فَعَلَان) من معنى الحركة والاضطراب... والحياةُ حركة، كما أنّ الموتَ سكون، فمجيئه على بناءٍ دالٍّ على معنى الحركة، مبالغة في معنى الحياة، ولذلك اختيرت (الحَيَوَان) على (الحَياة) في هذا الموضع المقتضي للمبالغة»[10]. وقد علَّل سيبويه ذلك بأنهم «قابلوا بتوالي حَرَكات المثال توالي حَرَكات الأفعال‏‏»[11]. وهو ما يتناسب مع الحياة المستمرة الدائمة الخالدة في الآخرة، ولم يُذكر لفظ (الحَيَوَان) في القرآن إلا وصفاً لها.

ومن أمثلة النموذج الثاني؛ حيث أنّ صيغة الكلمة من ناحية الحركات، إضافةً إلى حالتها الإعرابية في التركيب فيهما دلالة على المعنى، ما ورد في قوله تعالى:)كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ# فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ #) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ # وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ([القمر:9-12]. فقد دعا نبيُّ الله نوحٌ(عليه السلام)ربَّه أن ينصرَه على قومه الذين كذبوه، فما لبثت أبوابُ السماءِ أن انفتحتْ على مصراعيها، فانْهَمَرَ منها مطرٌ غزيرٌ، وغدت الأرضُ كلُّها عيوناً متفجرةً بالماء، فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ.

فكلمة )فَفَتَحْـنَا( تبدأ بثلاث فَتَحَات متوالية، تنسجم تماماً مع فعلِ فتحِ أبوابِ السماء. ويقوِّي الاحساس بفعل الفتح انتهاء هذه الكلمة بفتحة رابعة مختومة بحرف مدٍّ منفصل، يُمَدُّ بمقدار أربع أو خمس حركات[12]، يوحي بمقدار ذلك الفتح الذي وَسِعَ السّماءَ كلَّها. ثم تتوالى بعد ذلك حركةُ الفتح على كلمة )أَبْوَابَ( المنصوبة، ثم )السَّمَاءِ(، مع ملاحظة الحرف الأخير منهما المردوف بألف المد المرتكز على حركة الفتح، وما يوحي من الاستطالة والسّعة والامتداد، ثم تُختَم الكلمةُ الأخيرة )السَّمَاءِ( بحرفٍ مكسور إيذاناً بنزول الماء منها، لِتَتَوالَى بعدها حركةُ الكسر في كلمتي: )بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ( وتختمان بها. ولا يخفى ما بين حركة الكسر المتكرِّر، وبين فعل نزول الماء من السماء إلى الأرض من تلاؤم و تناغم، من شأنه تحويل حاسة السمع في القارئ والسامع إلى حاسة إبصار، خاصةً ما يوحي به تنوين الكسر في نهاية الكلمتين الأخيرتين من شدة الانهمار، وما يدل عليه حرف الراء في آخر )مُنْهَمِرٍ( من التكرار، بسبب خاصيته التكريرية.

أما في قوله تعالى بعده:)وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا( فنلاحظ عودة حركة الفتح من جديد لتتناسب مع حركة تفجُّر الماء من الأرض بحركة عكسية هذه المرة، من الأسفل إلى الأعلى. وقد جاء المد بالألف في: )فَجَّرْنَا(، و)عُيُونًا( ليوحي بتلك الحركة التصاعدية للماء.

والنماذج القرآنية التي يمكن أن تُساق كأمثلة على هذين النوعين من دلالة الحركة ومناسبتها للمعنى، من الوفرة والتنوُّع بمكانٍ، بحيث يمكن أن تُفرَد لها البحوث الطوال، إذا ما توفّرت في الباحثين في النص القرآني معطيات البحث السيميائي والألسني.

دلالة الإيقاع:

لا يكاد يختلف اثنان على أصالة الإيقاع القرآني وتَفَرُّدِهِ، شَكلاً، وتنوُّعاً، وحلاوةً، وتأثيراً منذ زمان نزوله، وصولاً إلى عصرنا هذا. ولعلنا لا نجانب الحقيقة، إذا قلنا: بأنّ جمالَ نظمِ القرآن، الذي هو أُسُّ أعجازِهِ، قائمٌ على اصطناع الإيقاع الذي يطبع بنيةَ كلِّ سورة من السُّوَر بطابع خاص. بل إن هذا الطابع الإيقاعي يتنوّع بِصُورٍ وأشكالٍ متنوعة في السورة الواحدة، تبعاً للموضوع تارةً، ولمقتضى الحال تارةً أخرى.

ونكتفي في بحثنا هذا بالإشارة إلى نموذجين فقط؛ أحدهما يمثل تناغم الإيقاع القرآني مع المعنى الذي يُصَوّره. والثاني يكشف فيه الإيقاع بشكل دقيق عن الحالة النفسية التي يُعبر عنها.

أما النموذج الذي يُمثل النوع الأول؛ فهو الخاصية الإيقاعية المتنوعة التي تشتمل عليها سورة العاديات، بتمام آياتها. وهي:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

)وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا # فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا # فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا # فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا # فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا # إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ # وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ # وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ # أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ # وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ # إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ# (

فالسورة المباركة تنقسم بحسب مضمونها إلى ثلاثة أقسام[13]:

القسم الأول: مشهد فرسان يُغيرون على جماعة أخرى، تصويراً لصراع الإنسان في هذه الحياة. يمتد من الآية الأولَى وحتى الآية الخامسة. وهي آيات قصيرة جداً، تَتَوَالى سراعاً، والفاصلَة في الآيات الثلاث الأولى (وهي جمل إسمية) ألفٌ ممدودةٌ مسبوقة بالحاء. أما في الآيتين الأخيرتين (وهما جملتان فعليتان) فألف ممدودة أيضاً، ولكنها مسبوقة بالعين.

القسم الثاني: تحليل سريع وموجز لنفسية الإنسان، في غفلته، وحبه الشديد للمال، وكفره بنعم الله. ويشمل الآيات (6و7و8). وهي كلُّها جمل إسمية مؤكَّدة بإنّ وباللام، وفاصلتها جميعاً الدال المردوفة بحرف مد، هو الواو مرّة، فالياء مرتين.

القسم الثالث: تذكير بمصير البشر بعد الموت، وما ينتظره من بعث وحساب على الأعمال والنيات من قبل الله الخبير. ويشمل الآيات (9و10و11). حيث تتوالى جملتان فعليتان، فجملة إسمية، وفاصلتها الراء المردوفة بحرف مد، هو الواو مرتين، فالياء مرة.

فلكل قسمٍ صياغته، وفاصلته الخاصة به، كما أنّ له إيقاعه الذي يناسبه من الناحية الفكرية والتصويرية.

وتحليل هذه السورة من الناحية الصوتية والإيقاعية يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، لذا اختصاراً للبحث، نشير إشارةً عابرة إلى القسم الأول من السورة المباركة. حيث يُصور مشهداً حيّاً نابضاً بالحركة والحياة، تعدو فيه كوكبة من الفرسان، نُحِسُّ بحرارة أنفاس خيلها، ونسمع وقع حوافرها، ونُبصر الشّرر المتطاير منها، وما تُثيره من الغبار حولها. لذا جاء إيقاعها منسجماً تماماً مع الحدث، وهو عَدْو الخيول بسرعة فائقة.

فالآيتان الأولَى والثانية:)وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا( تنتظمان وفق نسق إيقاعي واحدٍ سريعٍ، يتناسب بشكل لا يقبل الترديد والشك مع وقع حوافر الخيل وهي تعدو بأقصى سرعتها. وتقريباً لصورة هذا النسق الإيقاعي، حتى نتلمّس حقيقة مطابقته لوقع حوافر الخيل المسرعة، نستعين بالتفاعيل العروضية التي تطابقه وهي: (مُسْـتَفْـعِلُنْ فَعُـوْ لُنْ) لكلِّ آيةٍ. وهو وزن كثيراً ما كان فرسان العرب يرتجزون به في ساحات القتال، وهم يكرُّون على أعدائهم[14]. وتنتظم مقاطع هاتين التفعيلتين عروضياً على الشكل التالي:

(مُـسْ + تَـفْ + عِ + لُـنْ + فَ + عُـوْ + لُـنْ)

( ط + ط + ق + ط + ق + ط + ط)

حيث يمثل كل حرفٍ متحرك يليه ساكن نقرةً طويلةً، أو ما يسمى (مقطع طويل)، ورمزنا له بالحرف (ط). كما يمثل كل حرفٍ متحرك بمفرده نقرةً قصيرةً، أو ما يُسمَى (مقطع قصير)، وقد رمزنا له بالحرف (ق). ومن خلال تكرار هذا الايقاع عدّة مرات متوالية يتبين بوضوح مدى انطباقه مع إيقاع عدو الخيل، وهي تضرب الأرض بحوافرها بقوة.

أما الايقاع الذي في الآية الثالثة:)فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا( فيكاد يكون مطابقاً لسابقيه، لولا انحراف المد اليائي من الميم إلى الغين. ولكنه يظلُّ امتداداً طبيعياً لإيقاع الآيتين السابقتين وزناً وفاصلةً، لأنه يقاسمهما المعنى والصورة. أما فاصلة الحاء والمد الذي يليه في هذه الآيات الثلاث، فيُشكل عنصراً تصويرياً وصوتياً رائعاً، ما أقربه إلى حَمْحَمَِة الخيول[15] المغيرة، نافثة بزفيرها الملتهب في الهواء الذي تَشُقُّه بأقصَى سرعتها.

ولكن هذا الإيقاع الذي وجدناه متناغماً في الآيات الثلاث الأولى سرعان ما يسلك طريقاً آخر في الآيتين الرابعة والخامسة: )فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا(، وذلك لتضَمُّنِ فعل الحركة أداءً آخرَ للخيول. فهي هنا إضافةً إلى عَدْوِها، تُـثـير غبارَ الأرضِ وتُهيِّجُه، وتتوسَّطه. فتَغَـيَّرَ الايقاعُ تبَعَاً لِتَغَيُّرِ المعنَى. وإيقاع الآيتين عروضياً كالآتي:

(فَــعِــلُــنْ + فَــعِــلُــنْ + فَــعْـلُــنْ)

(ق / ق / طــ + ق / ق / طــ + طــ / طــ)

وكما نلاحظ فإنّ الإيقاع هنا يمتاز بغلبة النقرات القصيرة على النقرات الطويلة، على العكس مِمّا سبق. وهذا معناه زيادة الحركات وتواليها، وذلك بسبب توالي فعلِ إثارةِ النقعِ وتَهييجه، ومَيَدَان الخيل في وسطه.

أما إيقاع ما تبقَّى من آيات هذه السورة فإنه ينحو منحًى آخرَ مغايراً تماماً، يتسم بالطول والانسيابية، بما يتناسب والحالة التقريرية التي يُعَبّر عنها. فقد تم الانتقال فجأةً من الجمل الإنشائية، إلى الجمل الخبرية، فترتَّبَ على ذلك، الانتقالُ من الايقاع المضطرب السريع، إلى الإيقاع الهادئ البطيء. وهو ما يمكن ملاحظته بيُسر، أثناء تلاوة السورة، دون اللجوء إلى التحليل الصوتي.

أما النموذجُ الذي يُمثل النوع الثاني؛ والذي يكشف فيه الإيقاع بشكل دقيق عن الحالة النفسية التي يُعبر عنها.فيمكن التمثيل له بقوله تعالى:)وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ( [ يوسف / 16] والإيقاع الملحوظ في هذه الآية الشريفة يجسِّد بحقٍّ ما يُسمَى في اصطلاح الفن السابع بالموسيقى التصويرية، وهي الموسيقى المصاحبة للأفلام والقصص التلفزيونية والسينمائية.

ولما كانت قصة نبي الله يوسف(عليه السلام) قد وردت كاملةً مرّةً واحدةً في القرآن الكريم، وفي سورةٍ واحدةٍ منه، دون قصص سائر الأنبياء والرسل، فقد رُوعِيَ في سَردها جميعُ العناصر الفنية اللازمة لإخراج عملٍ فَنِيٍّ قصصيٍّ متميز، من تنوعٍ في الشخصيات والأحداث، ومقدمة، وتصاعد درامي، وحبكة قصصية، فنهاية سعيدة، وما يكتنف القصة من إثارةٍ فنية، وانتقال مفاجئ لمواقع الحدث، ومواقف الحوار. وقد رافق كلّ ذلك إيقاعاتٌ مناسبةٌ للزمان والمكان والأحداث والمواقف والشخصيات. فكانت كما وصفها قائلها: أحسن القصص، وذلك لما تَضَمَّنَـتْه، إضافة إلى ما ذكرنا، « من العِبَر والنُّكَت والحِكَم والعَجائب التي ليست في غيرها»[16].

ونكتفي في بحثنا هذا بالاشارة إلى الإيقاع التصويري الذي تُجَسِّدُهُ هذه الآية فقط من تلك السورة. فبعدما ألقى إخوةُ يوسفَ أخاهم في غيابة الـجُبّ، رجعوا في ظلمة الليل، وهم يبكون ويُظهرون الأسف والجزع على يوسف، ويتغمّمون لأبيهم[17]. فالحالة التي جاؤوا فيها إلى أبيهم، سواءٌ فيما يبدو على ملامحهم أو على طريقة مَشيِهم، هي حالةٌ مفتَعَلة، كانوا يصطنعون فيها الأسى والحزن والجزع والبكاء على أخيهم، ليُمَهِّدوا للاعتذار الذي عليهم أن يختلقوه لأبيهم، عَمّا وَقَعَ فيما سيزعمون. فجاء الإيقاعُ كذلك مفتعلاً مصطنعاً رتيباً، يوازي ذلك الحدث المفتَعل. ويناغم تلك الحالة المصطنعة.

ونستعين هنا بالإيقاع العروضي أيضاً، لتوضيح النمط الموسيقي الذي تصوره هذه الآية، ولتحديد ملامحه النغمية المتَّسقة مع صورة الحدث. فنحن حينما نُخضِع هذه الآيةَ للتحليل الإيقاعيّ نجدها على هذه الصورة:

(وَجَاءُوا + أَ بَا هُمْ + عِـــشَاءً + يَبْكُو نَ )

[ ق ط ط + ق ط ط + ق ط ط + ط ط ن ]

وهذا الإيقاع يناظر (عدا المقطع الأخير) إيقاع البحر المتقارب الذي يمتاز بنغمة واحدة (فعولن) متكرِّرة. قوامه كلّه مقطع قصير وآخران طويلان يليانه على هذا الترتيب (ق + ط + ط). وأقل ما يُقال عن هذا الإيقاع أنه مضطرد التفاعيل، منساب، يَصلح لكل ما فيه تعداد للصفات، وسرد للأحداث في نَسَق مستمر[18]. وهي صفات تتلائم تماماً والحدث الذي التأم للتعبير عنه في هذه الآية الشريفة.

ولكن الإيقاع الذي يحكم هذه الكلمات، ويَضبِطها، ويَمنحَها القدرة على تصوير تلك الحالة النفسية المثيرة للشفقة لأخوة يوسف، لا يكاد ينحصر في كثرة المقاطع الطويلة، وورودها بشكل متناسق فحسب، بل إنه ليكتسبُ خصوصيته النغمية كذلك من شيئين آخَرين لا يَقلَّان أهميةً عن ذلك، وهما:

-المـدّ المتكرر في كل كلمة على المقاطع الطويلة.

-ما يتبع هذه المدود والمقاطع الطويلة من شِبه وقف، يتواصل معه النَّفَس دون انقطاع، وذلك ما بين آخر وأول كلٍّ من كلمتَي: )وَجَاءُوا أَبَاهُمْ(، وكلمتَي: )أَبَاهُمْ عِشَاءً(. حيث يندفع النفس ويبلغ أقصى مداه في أول الكلمة الأولَى منهما، ثم يَسترخي في آخرها هابطاً، ولكنه لا يلبث أن يَعترضَه حرف حلقي، يخرج من أقصى الحلق، هو الهمزة في ) أَبَاهُمْ(، وآخَر مثله، يخرج من وسط الحلق، هو العين في ) عِشَاءً(. وهو ما يمنح الآية امتداداً نغمياً حاداً، يُوحي بالانفعال والبكاء، ونكاد نسمع منه حَشرجة الصدر.

ثم تأتي الآية التالية، فيظهر اضطراب إخوة يوسف من خلال قصِّهم للحدث المزعوم، في قوله تعالى:

)قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ([يوسف:17] فتظهر في عباراتهم، وهم يعتذرون لأبيهم، حرف المد مكرّراً خمس عشرةَ مرّة. سواءٌ مع نون جمع المتكلم مع الغير (سبع مرّات)، أو دون ذلك (ثماني مرات). فتكرارهذه المدود وخاصة (نا) التي تظهر فيها صورة الأنا الجمعي، إضافة إلى استتارها في كلمتي (نستبق) وصادقين) دليل قويٌّ على اضطرابهم وتخبطهم بسبب ما ارتكبوه.

لذلك فقد طغَى هذا الاضطراب على إيقاع هذه الآية، على العكس تماماً من الإيقاع المتتابع والمضطرد للآية السابقة. ولو أُتيح لباحث دراسةَ هذه السورة من الناحية الصوتية، دراسةً تفصيلية، لوقف فيها على إعجازٍ جديدٍ لهذا الكتاب الكريم، لا يدع فيه مجالاً لمشكِّك بمصدره الرباني.

التحليل البيانـي للآية الشريفة:) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (

قبل الخوض في تحليل الآية صوتياً ارتأينا البدء بالتحليل البلاغي الذي سيكون منطلقنا نحو التحليل الصوتي. ما دام كلٌّ من بلاغة الجملة، و دلالاتها الصوتية يصبّان معاً في خدمة المعنى الكلي، والمضمون العام لها. وسيتوقف تركيزُنا في هذا البحث على الجزء الأوّل من هذه الآية الشريفة، أيْ علَى الكلمات الثلاث الأولى منها، وهي: ) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ(، ولكنْ قبل ذلك لِنجري مَسحاً على المصحف الشريف، نستجلي من خلاله الآيات التي وردت فيها هذه الكلمات الثلاث مجتمعةً. فهي إضافة إلى ورودها في هذه الآية، بعد قوله تعالى:

)مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ( [البقرة:17-18] وردت كذلك في سورة البقرة، في قوله تعالى:

)وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ([البقرة:171]. ووردت مرَّةً ثالثةً، في قوله تعالى:

)وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا( [الإسراء:97].

وكما نرى، فإنّ هذه الكلمات الثلاث قد سِيقَت مرفوعةً، في الآيتين الأُولى، والثانية، عَلَى سبيل تمثيل المنافقين والكافرين. بينما سِيقت في الآية الثالثة على النَّصب، حالاً[19]، من الضّالين. وقد وَقَع اختيارُنا على الآية الأولى لِقِصَرِها أوّلاً؛ فهي تتكوَّن من سِتِّ كلمات فقط. ولإيجازها ثانياً. وأخيراً لكونها مصدَّرة بالكلمات الثلاث، مما يَمنَحُها استقلاليتَها المعنويَّة والصّوتيَّة. أما أهم الملامح البيانية لهذه الجملة القرآنية الشريفة، فهي:

1- الحذف:

تتكوَّن هذه الجملة القرآنية الشريفة)صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ(من ثلاث كلماتٍ قِصارٍ مُوجَزة، كلٌّ منها خبرٌ لمبتدأ واحد محذوف، تقديره: )هُمْ([20]. وقد ذكر الزّجاج إنّ بعضَهم كان «يَقِفُ علَى )صُمٌّ(، ثم علَى )بُكْمٌ(، ثم علَى )عُمْيٌ(، فيصير لكلِّ إسمٍ مبتدأٌ، والأول أوجَه»[21]. فعَلَى الوجه الأوّل، يكون هناك حذفُ كلمةٍ واحدةٍ، وعلى الوجه الثاني، يكون هناك حذفُ ثلاث كلمات.

وقد أورد الزجّاج هذه الآية مرّةً أخرى في باب (ما جاء في التنزيل من حذف واو العطف) قائلاً: «فمن ذلك قوله تعالى: )صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ(، والتقدير: )صُمٌّ و بُكْمٌ و عُمْيٌ( كقوله في الأخرى: صمٌّ وبكمٌ في الظلمات... فحذف الواو»[22]، وذلك في إشارةٍ إلى آية: )وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( الأنعام:[39]. وعلَى هذا يكون هناك حذفان: أحدُهما حذف المسند إليه، مرّة واحدَةً، أو ثلاث مرّات. وثانيهما حذف واو العطف مرَّتين، وفي ذلك من الإيجاز الشديد ما لا يخفى، وسمّاه السيوطي إيجاز الحذف، و فائدته، إضافةً إلى الاختصار والاحتراز عن العبث لظهوره، صيانةُ اللسان عنه تحقيرًا له[23]. وهو هنا المسند إليه (هم) الذي يعود على المنافقين الذين تحدَّث عنهم القرآن الكريم ابتداءاً من الآية (6) وحتى الآية (20) من سورة البقرة.

إضافةً إلى ماذكره السيوطي فإن جمالية أسلوب الحذف يكمُن في مراعاة خفَّة الألفاظ على اللِّسان والتئام بعضها مع بعض، والمحافظة على توازن العبارة ودِقَّةِ إيحاء وقعِها[24].

2- التشبيه والتمثيل:

أدخل القزويني هذه الآية في باب التشبيه على المختار، مُعرِّفاً هذا النوع من التشبيه بقوله: « وهو ما حذفت فيه أداة التشبيه، وكان اسم المشبه به خبراً للمشبه، أو في حكم الخبر، كقولنا: زيدٌ أسدٌ. وكقوله تعالى: )صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ( أي: هم »[25].

وقد ذكر العلوي، في كتابه الطراز، إنّ هذه الآية وردت على سبيل التمثيل، قائلاً أنّها جاءت « مسوقةً على أنّ حال هؤلاء الكفار قد بلغوا في الجهل المفرط والعمَى المستَحكَم في الإصرار والجحود على ما هم عليه من الكفر والعناد، بمنزلة من هو أصمُّ أبكمُّ أعمَى، فلا يهتدي إلى الحق، ولا يرعوي عما هو عليه من الباطل »[26]. فشَأن الذين ضَرَب اللهُ فيهم المثل، وهم المنافقون، أنهم بعد أن أُطفِئت نارُ هدايتهم لم تَعُد لهم وسيلة إلى الخير، بعد ما قطعوا كلَّ الوسائل، وسدُّوا جميع السُّبُل، باستحبابِهِم العَمى على الهُدَى، فطبَعَ الله على قلوبهم، وطَمس حواسَّهم ومشاعرَهم.

ولقد أورَد السيوطي ما ذكره صاحب الكشّاف من الاختلاف حول وَجه التمثيل، هل هو هنا تشبيه أم استعارة بقوله: « قال الزمخشري في قوله تعالى:)صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ(، فإن قلت‏:‏ هل يُسَمَّى ما في الآية استعارة، قلت‏:‏ نختلف فيه، والمحقِّقون على تسميته تشبيهًا بليغًا، لا استعارة، لأنَّ المستعار له مذكور، وهم المنافقون، وإنما تُطلَق الاستعارة حيث يُطوى ذِكرُ المستَعار له، ويجعل الكلام خلوّاً عنه، صالحًا لأنْ يُرادَ المنقول عنه والمنقول له، دلالةَ الحال أو فحوى الكلام »[27]. وكِلَا الوجهَين البلاغِيَّين، استعارةً كانت أم تشبيهاً بليغاً، يَمنَح العبارةَ إيجازاً، واختصاراً شَديدين.

3- الالتفات:

جاءت الأخبارُ الثلاثة مجموعةً، علَى سبيل الالتفات من الواحد إلى الجمع. فقد قال ابن كثير في تفسيره: « وقد التفتَ في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع في قوله تعالى: )فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ( [البقرة 17-18] و هذا أفصح في الكلام وأبلغ في النظام ».[28] كما إنّ في الالتفات انصرافٌ من أسلوبٍ إلى آخَر، أو من وُجهةٍ إلى أُخرى، وذلك أدعَى للاختصار، و عدَمِ الإطالة في الكلام.

وهذا ينسجم، بشكل لا يقبل الشَّك، وعنصر المبالَغة في تقرير حالة أولئك الذين[29])خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ( [البقرة:7]. فالواحد دليل القلَّة، والجمع دليل الكثرة.

4- تنكير المسند:

زاد في تقرير تلك الحالة، التنكيرُ الذي وَرَدَ عليه المسندُ في الكلمات الثلاث، حيث يُنكَّر المسنَد لأغراضٍ منها التحقير[30]. وهو هنا في مقابل إرادة التفخيم و التعظيم التي شملت حالَ المتقين[31] الذين سَبق الحديث عنهم، في قوله تعالى: ) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ( [البقرة:2] كما إنّ في التنكير إعراضٌ عن التوسُّل بعوامل التعريف، مما يجعل الاسمَ أكثر تجرُّداً، و استقلاليةً، وأقرب إلى جذره اللغوي.

نتائج الوجوه البلاغية:

نستنتج من الوجوه البلاغية المذكورة آنفاً، أنّ الإيجاز الشَّديد الذي ورَدَت عليه الجملة القرآنية، وقِصَر كلماتها الثلاث، من خلال:

- قلّة عدد حروف الأخبار.

- حذف المبتدأ، والاقتصار على الخبر.

- مجيئها على التوالي دون عطف.

- مجيئها نكرةً.

كل ذلك فيه تلميح إلى قلَّة شأن المخبَر عنهم، وضَآلتهم. فهناك تناسب واضح للعيان بين قلّة الحروف، و الإيجاز، والتنكير، الذي وردت عليه هذه الجملة القرآنية، وبين قلّة الشأن، وعدم الاعتبار، والتحقير الذي أُريد بيانُه بخصوص المنافقين.

كما إنّ التناسب الإيقاعي بين الكلمات الثلاث، والتساوي بين مقاطعها، كما سنرى، فيه إشارةٌ بليغةٌ إلى تساويهم في الصّمَم والخَرَسِ والعَمَى، التي تؤدي مجتمعةً إلى فقدانهم، بالتساوي، لأهَمِّ الحواسِّ التي بِها تَتِمُّ عمليةُ الإدراك والوعي.

وكان من شأن ذلك كلِّهِ تشكيل الصورةِ الإيقاعية الفذّة، لهذه الجملة القرآنية البديعة، وتحديد ملامِحها النَغَميّة المعَبِّرَة، علَى مستوى الصّوت والأداء و التعبير. ليأخذَ كلٌّ نصيبَه من عملية التوصيل والإبلاغ والتأثير. فقد امتزجت هنا رَوعة الصُّورة البيانية مع جلال الصورة الإيقاعيّة، وعَمِلَ أحدُهما في الآخر، فرسَمت لنا لوحةً فنيةً رائعة، فيها كل مُقوِّمات العمل الفنيِّ الخلّاق، الذي لا يُبلَغ شَأوُه، ولا يُدرَك غورُه.

التحليل الصوتي للآية:

لقد شاءت الإرادة الإلهية أن تكون آخر رسالات السماء كتاباً مباركاً هو القرآنُ الكريم، أُنزل من الملكوت الأعلى، ليكون هدًى ورحمةً للعالمين. وقد انتُدِبتْ اللغةُ العربيةُ، لتكون الوعاء الذي يَتَشرَّف بِحمْل قِيَم تلك الرسالة، ومعانيها. فلم تَنُؤْ بِحملِها، ولم تَتَوانَ عن أداء ما عُهِدَ إليها، وإن كان حملُها مِمّا تنهدُّ له الصُّمُّ الرواسي. قال جَلَّ شأنه، وعَظُمت حكمته: )لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ( [ الحشر:21].

وليس بخافٍ على مَن له علمٌ بالعربية، أنّ هذه اللغة كانت قد بلَغَت أوجَ أطوارِ تكامُلِها قُبيل الإسلام، فكأنَّها - وبأمر إلهيِّ- كانت تَتَهيّأُ لِعُرسٍ مُقدّس، حتّى نزَل بها القرآن متوِّجاً ومخلِّداً، فغَدَت تُؤتي أُكُلَها كلّ حينٍ بأمر ربِّها.

و لما كان إعجازُ القرآن - وهو كلام الله- أمراً مفروغاً منه، كان لابدّ لِلُّغة التي اختارها الله وعاءً لكلامه، وختاماً لرسالاته، أن تكون قد حَظِيَت خلال نشأتِها ومراحل تطوُّرها بالعناية الإلهية[32]، لتكون أهلاً لهذه المسؤولية، وجديرةً بحملها إلى الناس كافّة، على أحسَن وجهٍ، وأتَمِّ معنًى، وأكمَلِ صورة.

ومادام سرُّ الإعجاز القرآني يكمن في نظمه[33]، وإنّ جهات النظم ثلاث: في الحروف، والكلمات، والجمل، فإنّ « الحرف الواحد من القرآن معجِزٌ في موضعه، لأنّه يُمسك الكلمة التي هو فيها ليمسك بها الآية والآيات الكثيرة، وهذا هو السِّرُّ في إعجاز جملته إعجازاً أبدياً، فهو أمرٌ فوق الطبيعة الإنسانية، وفوق ما يتسبب إليه الإنسان، إذ هو يشبه الخلق الحيّ تمام المشابَهة، وما أنزله إلا الذي يعلم (السِّرَّ) في السّموات والأرض »[34].

ويدخُل في نظْم القرآن، بل ويَتَصَدَّرُه، إعجازُه الصّوتي والموسيقي، وذلك من خلال « ترتيب حروفِهِ باعتبارٍ من أصواتِها ومخارجها، ومناسبة بعض ذلك لبعضه مناسبةً طبيعيةً في الهمس والجهر، والشِّدّة والرخاوة، والتفخيم والترقيق، والتفشِّي والتكرير »[35]، وهو ما نلحظه في جميع القرآن، لا تشذُّ عنه جملة أو كلمةٌ أو حرفٌ، ولا حتَّى حركة، كما سنرى، كونه )صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ( [ النمل:88]. و إنَ كلَّ ما خلَقَه الله لَينتظِم في سِلك الإبداع و الجمال و الانسجام.

والصوت القرآنيّ وإيقاعُه حلَقة من حلَقات الإيقاع الكونيِّ الذي يَسِمُ كلَّ جُزَيئة من هذا الوجود، ويطبعه بِها، فلا يطرق الأذنَ منه إلا كلُّ صوتٍ رخيم، ولا تقع العينُ منه إلا على كلِّ ما هو جميلٌ و وسيم. ولو تدبّرنا القرآنَ من جهة صوتِهِ ونَغَمِه، لَوَقَفْنا علَى أسرارٍ تأخذ بالألباب والعقول، لأنّه كما وصَفه أفصح العرب والعجم، المبعوث به9 إليهم:كتاب «لا تَنقَضِي عَجائِبُهُ»[36]، وهو كما قال عنه أمير الفصاحة والبيان الإمام علي(عليه السلام): «لا تُخلِقُهُ كَثرَةُ الرَّدِّ »[37].

فلنأخذ الآية الشريفة التي اخترناها نموذجاً ) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (، ونتأمَّل فيها، ثم نركِّز على تحليل الجزءَ الأوَّل منها:) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ( من الناحية الصوتية، حروفاً، وحركاتٍ، ومقاطعَ، وإيقاعاً، لنقفَ على أسرارٍ من دلالاتها الصوتية.

أولاً / دلالة الأصوات (الحروف) في:)صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ(:

تبدأ كلُّ كلمة من هذه الكلمات الثلاث بحرف يكاد يُلقي بظلاله القويّة على مجمل الكلمة من الناحية الصوتية. فـ)صُمٌّ( تبدأ بحرف الصاد، و)بُكْمٌ( تبدأ بحرف البـاء، و)عُمْيٌ( تبدأ بحرف العيـن. وحين سماع تلاوة هذه الكلمات الثلاث، أو أثناء قراءتها، منتظمةً إلى بعضها البعض، أو منفردةً، نكاد نتلمّس حروفَها الأولى ونتحسّسها، أكثر من سائر حروف الكلمة، لأسباب، منها:

1- إنّ ما يلي كلاّ من هذه الحروف الثلاثة هو حرفا الميم والنون الأغنّان[38]، وهذان الحرفان مما ألفته الآذان بسبب كثرة ورودهما في القرآن الكريم، خاصة في الفواصل القرآنية[39]. وكثرة ورودهما في القرآن الكريم منح هذه الحروف الثلاثة صفة البروز والانكشاف والتألُّق، في هذه الكلمات، خاصةً وإنّ هذه الصفات تكاد تكون من سماتها البارزة، حيث أنّ (الصاد) حرف احتكاكي[40]، و (الباء) حرف انفجاري[41]، و(العين) حرف حلقي احتكاكي[42]، وذلك يزيد من نصاعة هذه الحروف، بإزاء حرفي الغنّة (الميم والنون).

2- أثناء تلاوة هذه الكلمات الثلاث، نلاحظ أنّ الحروف الأولى منها يقع عليها، ما يُسمَّى في الدرس الصوتي، بالنّبر، الذي يعني « نطق مقطع من مقاطع الكلمة بصورةٍ أوضح وأجلَى نسبيّاً من بقيةِ المقاطع التي تجاوره »[43]. وهذا المعنى الاصطلاحي لا يبتعد كثيراً عن معناه في اللغة، ألا وهو البروز والظهور، ومنه اشتُقّت كلمة (المنبر) في المساجد ونحوها. وللنبر في حقيقة الأمر قيم صوتية (نطقية)، وأخرى فونولوجية (وظيفية). فهو« من الناحية النطقية ذو أثر سمعي واضح، يُميز مقطعاً من آخَر، أو كلمة من أخرى. أما من الناحية الوظيفية فإنّ النبر يقود إلى تعرُّف التتابع المقطعي في الكلمات ذات الأصل الواحد، عند تنوُّع درجات نبرها و مواقعه. بسبب ما يلحقها من تصريفات مختلفة»[44]. ووجود النبر على الحروف الأولى من هذه الكلمات الثلاث يعود لسببين:

- أحدهما: يعود إلى طبيعة المقاطع التي تشتمل عليها هذه الكلمات، حيث تتساوى من جهة النوع والعدد و ماهية الصوت، مِمّا يستدعي النبر علَى المقطع الأول (بداية الكلمة) منها بشكل كبير، والتركيز على الحرف الأول من كل كلمة بشكل خاص.

- والثاني: أنها جملة تقريرية، وقد تَمّ حذف المسند إليه فيها، فيقع النَّبر على حروفها الأولى؛ تعويضاً عن الكلمة المحذوفة مرَّة، وتأكيداً على حقيقة الخبر، واتصاف المخبَر عنه به مرّةً ثانية.

3- إنّ كلَّ حرف من هذه الحروف الثلاثة؛ (ص) و (ب) و (ع) تدلُّ ماهيته دلالةً قويةً على معنى الكلمة التي يتصدّرها، و يختزل في طبيعته الصوتية السيميائية، كلَّ ما توحي به الكلمة من معانٍ، و ما تنطوي عليه من دلالات. فكلَّ حرف من هذه الحروف يدل، بشكلٍ أو بآخر، من خلال إيحاءاته الصوتية، على المعنى المعجمي للكلمة التي يبدأ بها. وهذه الدلالة يمكن أن تتداعى في ذهن المتلقي العربي لغةً، أثناء إنصاته لهذه الآية، أو حين تلاوته لها. فَلْنلق نظرةً على صفات هذه الحروف، وخصائصها، لنطَّلعَ على مدى التناسب والارتباط بين أصوات ألفاظها وبين معاني كلماتها.

1- حرف الصاد:

حين نُصغي لحرف الصاد، نكاد نتلمَّس حقيقة هذا الصّوت، ونتَحسّس ماهيَّته. فهو من الحروف الصفيرية[45]. و مصطلح الصفير من مصطلحات سيبويه أطلقها على الصاد والسين والزاي[46]. أما سبب تسمية هذه الأصوات بالصّفير فلأنّها «أندَى في السَّمع»[47]، أو لأنّها يُصفَر بِها[48]، كما يَرَى الزمخشري، فالصاد حرف يصحَبه صفيرٌ وأزيز [49].

لذلك فحرف الصّاد يَصلح لِمحاكاة الأصوات الطبيعية. يقول الدكتور حسن عباس: « ولقد مَنَحَتْه هذه الخصائص الصوتية شخصيةً فذَّةً، طغى بها على معاني معظم الحروف، في الألفاظ التي تَصَدَّرَها، لِيُعطيَها من نقاء صوته صفاءَ صورةٍ وذكاءَ معنًى، ومن صلابته شدَّةً وقوةً وفاعلية، ومن طبيعته الصفيرية مادةٌ صوتيةٌ نقيّة، ماكان أصلَحها لِمحاكاة الكثير من أصوات الناس والحيوانات وأحداث الطبيعة.

فمن مئةٍ وخمسةٍ وأربعين مَصدراً تبدأ بحرف الصاد في المعجم الوسيط، كان منها ستة وعشرون مصدراً تدلُّ معانيها على أصواتٍ يتوافَق معظمها مع خصائصه الصّوتية»[50].

فالصاد إذن حرف يدلُّ فيما يدلُّ عليه، حين يتصدَّر الكلمة، على المعاني التي تَتَناسب وخصائصه الصّوتية، و تَصَدُّر هذا الحرف لقوله تعالى: )صُمٌّ( أي: (لا يسمعون)، فيه إشارةٌ، وتلميحٌ إلى الصّوت الذي يَسمعه الإنسان عَبْر حاسّة السمع. ولكنّ مَن أُطلَقت في حَقِّهم هذه الكلمة مِمّن )خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ( [البقرة:7]. عُطِّلَت فيهم حاسةُ السمع، فحُرموا من سماع أضعف الأصوات، بل إنهم لعاجزون عن سماع أصغر وحدةٍ صوتية، وهو الحرف، مُتَمثِّلاً بالصاد.

2- حرف الباء:

يَصِفُ علماءُ الأصوات حرفَ الباء بأنّه من الأصوات الصامتة المجهورة الشَّفوية الانفجارية[51]. وهو كذلك من حروف القلقلة التي تجمع بين الشِّدَّة والجهر[52].والقلقلة بِحَدِّ ذاتها تعَرّف بأنّها: « شِدَّة الصّوت»[53]. ويقول العلايلي عن دلالة هذا الحرف: « إنه لبلوغ المعنى، وللقوام الصلب بالتفعُّل. ويقول عنه الأرسوزي: إنه يوحي بالانبثاق والظهور»[54].

وهذا الحرف إذا ما لُفظَ في مقدمة اللَّفظة دونَما مَدٍّ فإنه « بحكم خروج صوته من انفراج الشّفتين بعد انطباقهما علَى بعضها بعضا، هو أصلح ما يكون لتمثيل الأحداث التي تنطوي معانيها على الانبثاق والظهور والسيلان، بما يحاكي واقعة انبثاق صوته من بين الشّفتين إيماءً وتمثيلاً»[55]. وعند الجمع بين هذه الأقوال نلاحظ إنّ هذا الحرف ينسجم تماماً ومعنى التعبير الشفوي بالفم واللِّسان، فعندما ينوي الإنسان التكلم تنفرج شفتاه، فتنبثق عنهما أصوات، وتظهر كلمات، تؤدِّي معنىً خاصّاً.

فالباء حرف تدل خصوصيته الصّوتية على التكلُّم والنطق، وليس أدلّ على ذلك من اصطلاح العلماء على المرحلة التي يبدأ بِها الطفل بتلفُّظ أُولى الحروف اصطلاح (البأبأة)، وهي ثاني مرحلةٍ من مراحل نشوء اللغة عند الطفل. أما أُولى مراحل تعلُّمِهِ للُّغة فتُسمّى (مرحلة المناغاة). و في هذه المرحلة « لا ينطق الطفل أصواتاً مُمَيّزة، وإنما يَقتصر على ترديد ما يُشبه الحركة المعروفة لدينا بالفتحة، مع شيءٍ من الأنفية أحياناً، وقليلٍ من الاحتكاك بأقصَى الفَم أحياناً أخرى، حتى تختلط بما يشبه الغين، ومن هنا سُميت (مرحلة المناغاة)...

ومع تقدم سنّ الطفل يتقدّم نُمُوُّه اللُّغوي إلى المرحلة التالية التي سمّاها جسيرسن (مرحلة البأبأة). وإنما أطلق عليها هذه التسمية لسبب بدهي وبسيط، هو أنه قد لُوحظ أنّ أوّل صوتٍ يلعب به الطفل في بدءِ نُضجه هو الباء، كان ذلك بالنسبة إلى جميع الأطفال بلا استثناء. ولقد يحدث أن يأتي الطفل بأصواتٍ أخرى مع الباء، مثل التاء، أو الميم، أو الحاء، أو الخاء، أو الكاف. ولكن المهمّ أنه ينطق بالباء أولاً، فإذا لاحَظَ مَن حولُه أنه أتَى بهذا الصّوتِ المُحَبَّب بادَروا إلى تَشجيعِهِ، وأخَذوا يُردِّدون له هذا الصَّوتَ ترديداً مُستمِّراً »[56].

و اصطلاح (البأبأة) يعادله في الانكليزية مصطلح (babbling) أو (babble) ومعناه: « يتكلم على نحوٍ يصعُب فهمُه، يُغمغِم »[57]. أو إنّه بتعبير أدقّ « نطق الطفل الصغير بكلام مختلط يعوزه النظام والوضوح والمعنى »[58]. ولا يخفى ما لوجه الاشتراك بين المصطلحين العربـي والانكليزي – وهو تكرار حرف الباء- من دلالة على ارتباط هذا الصوت بمعناه.

إذن فالدلالة الصوتية لحرف الباء لا تكاد تخلو من معنى النطق والكلام، وتصدُّره لكلمة: )بُكْمٌ( يضيف إلى معناها سِرّاً لطيفاً من أسرار البيان القرآني. ففيه دلالة خفيّة ودقيقة على حرمان المنافقين والكافرين من نعمة الكلام، التي يختزلها صوت (الباء)، وكذلك صوت (الكاف) الانفجاري[59] الشديد[60]، الذي يليه، و المتصدر للفظ (الكلام)، بل إنهم عاجزون عن النطق بأبسط الألفاظ، وأدناها إلى لغة الوليد الذي يبذل كلّ ما في وسعه للنطق، ولكنه لا يفلح إلا بأصوات تكاد لا تبين. فكأنّ المعنَى أنّ هؤلاء عاجزون حتى عن التفَوُّه بلغة الأطفال غير البيِّنة، وهي البأبأة، فكيف بلغة الكبار وهي الكلام.

3- حرف العين:

يتصدّر (العينُ) قولَه تعالى: )عُمْيٌ(، ويُوصَف هذا الحرف فونولوجياً، بأنه حرفٌ حَلْقِيٌّ مجهورٌ[61]، احتكاكيّ[62]، وهذه الصفات تؤيِّد ما ذهَبَنا إليه، من امتياز هذا الحرف بصفة البروز والتألُّق والانكشاف في هذه الكلمة. ولكنّ ما يعنينا هنا، هو الاشارة إلى نمط هذا الحرف لفظاً، و خطاً. حيث أنّ سماعَه أو التلفُّظ به، و كذلك رؤيته مكتوباً، يقود الذهن مباشرةً إلى (العين) التي هي حاسة المعاينة والرؤية البصرية. صارفاً إيّاه عن حَرفيَّتِه، إلى دلالتِه الصَّوتية والخطِّيَّة على آلة البصر أو (العين) الباصرة. وهذه الحاسة هي التي فَقدها أولئك المنافقون، الذين استَحَبُّوا العَمَى علَى الهدَى.

فوجود حرف العين في أول )عُمْيٌ( كسابقَيه، لا يكاد يخلو من إشارة إلى ذلك الشَّيء المفقود لدى أُؤلئك، وهو نعمة النَّظر والمعاينة والمشاهدة، رغم امتلاكهم لآلته. وذلك بسبب كفرهم وإصرارهم على الباطل.

فلا يمكن في نظرنا، أن يكون قد حدث كلُّ ذلك على سبيل المصادفة، خاصةً ورودها هكذا متواليةً بهذه الصيغة المتَفَرِّدة والمتكرِّرَة في القرآن الكريم. هذا إضافةً إلى ما سنجده من تناغم وانتظام في النسق المقطعي، والحركي، والصوتي، والايقاعي.

ثانيـاً / المقاطع:

يُعرَّف المقطع الصوتي بأنه: « مجموعة من الأصوات التي تمثل قاعدتين، تحصران بينهما قِمَّة »[63]. ويُعرِّفُها آخرون بأنها عبارة عن كمية من الأصوات، تحتوي على حركة واحدة، يمكن الابتداء بها، والوقف عليها. وبناءً على ذلك، لا يجوز في اللغة العربية الابتداء بحركة، بل لابدَّ أن يبدأ كلُّ مقطع فيها بصوت من الأصوات الصامتة.[64] علاوةً على امتناع الابتداء بساكن.وتشتمل اللغة العربية على خمسة أنواع من المقاطع. هي:

1. المقطع القصير المفتوح: ويتكون من (صامت + حركة قصيرة)

2. المقطع الطويل المفتوح: ويتكون من (صامت + حركة طويلة)

3. المقطع الطويل المغلـق: ويتكون من (صامت + حركة قصيرة + صامت)

4. المقطع الطويل المغلق بحركة طويلة: و يتكون من (صامت + حركة طويلة + صامت)

5. المقطع الزائـد الطـول: ويتكون من (صامت + حركة قصيرة + صامت + صامت)

والمقاطع الثلاثة الأولى هي الأكثر شيوعاً في الكلام العربي، أما الرابع والخامس، فقليلا الشيوع، ولا يكونان إلا في أواخر الكلمات حين الوقف[65].

أما قوله تعالى: )صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ( فتتكوَّن كلماته الثلاث من مقطعٍ واحدٍ مكرّر. وهو هنا مقطع طويل[66] مغلق أو مقفول (closed syllable)، يبدأ وينتهي بصوت صامت[67]، يتوسَّطُهما صوتٌ صائتٌ قصير [68]. أي إنه يتكون من (صامت + حركة قصيرة + صامت) ويُرمَز لهذا المقطع بالرمز الآتي: (ص ح ص)[69]. وكما أسلفنا فقد تَكرَّرَ بشكلٍ متوالٍ ومتناسق، ستَّ مرّات، مرتين في كل كلمة.

فكلمة ) صُمٌّ ( تتكوّن من مقطعين هما: (صُمْ) و (مُنْ)

وكلمة ) بُكْمٌ ( تتكوّن من مقطعين هما: (بُكْ) و (مُنْ)

وكلمة )عُمْيٌ( تتكوّن من مقطعين هما: (عُمْ) و (يُنْ)

فيكون ورود هذه المقاطع الستة في الجملة القرآنية الشريفة وفقاً للنسق التالي:

(صُمْ ← مُنْ ← بُكْ ← مُنْ ← عُمْ ← يُنْ)

والجدول التالي يبيِّن جزئيات كلِّ مقطع من هذه المقاطع الستة التي اشتملت عليها الكلمات الثلاث:

الكلمة

المقطع

صامت

+

صائت قصير

+

صامت

صُمٌّ

1

ص

+

ـُـ

+

مْ

2

م

+

ـُـ

+

نْ

بُكْمٌ

3

ب

+

ـُـ

+

كْ

4

م

+

ـُـ

+

نْ

عُمْيٌ

5

ع

+

ـُـ

+

مْ

6

ي

+

ـُـ

+

نْ

وكما هو واضح، فإنّ المقاطع جميعاً تشترك في نفس النوع، حيث إنها من المقطع الطويل المغلـق، الذي تتكون أجزاؤه من [ صامت + حركة قصيرة + صامت ]. وكذلك تشترك في نفس جزئيات الصائت القصير، حيث حركة الضّم، تتوسّط المقاطعَ كلَّها.

ويمكن كذلك ملاحظة التناسب في الصوامت الأولى والأخيرة، بين كلٍّ من المقاطع: [2-4-6] و [1-5]، ويبقى المقطع [3] الذي يتوسَّطهما منفرِداً، لخصوصية الباء والكاف التي بيّنا دلالة كلٍّ منهما سابقاً.كما لايخفى على المتأمِّل تناسب المقطعين [2-4] في الصّامت الأوّل، وتناسب المقاطع [2-4-6] في الصامت الأخير، من بين سائر المقاطع.

أما علاقة التناسب بين المقاطع [ (1-2) و (3-4) و (5-6) ] فهي علاقة يحكمها التنوين، الذي يختم الكلمات الثلاث وفق نِسَبٍ متوازنة تماماً.

ثالثـاً / التنوين:

وَجَدنا من خلال النظَّر إلى الجدول السابق، أنّ كلَّ مقطعٍ مكوّن من حرفين إثنين:

- أولهما متحرك، وحركته الضّم في جميعها، و مواصفات الضمّة في بداية كل مقطع أنها: حركة، صائت مغلق، حيث تُضَم الشّفتان أثناء النطق به[70].

- و الثاني ساكن، موقوف عليه (مغلَق). وهو موزّع بشكل هندسيٍّ بديع بين ثلاثة حروف هي: الميم و النون و الكاف، حيث ينتهي كلٌّ من المقطع الأول (صُمْ)، والمقطع الخامس (عُمْ) بحرف الميم. بينما ينتهي المقطع الثالث (بُكْ) التي يتوسّطهما بحرف الكاف.

أما حرف النون فإنه يحتّل مكانةً صوتيةً مهمةً، في هذه الآية الشريفة، من خلال كونه خاتمة المقاطع الثلاث المتبقية، وهي: الثاني والرابع والسادس، الموزّعة وفق هذا النسق الرياضي الخاص، وبه تُختَـم الكلمات القرآنيـة الثـلاث (صُمٌّ)، (بُكْمٌ)، (عُمْيٌ).

والنون هنا صوتٌ ناتجٌ عن التنوين الذي يلحق أواخر الكلمات، والذي به تتبين ملامح كلِّ كلمةٍ، واستقلاليتها، من خلال الغنّة أو التنغيم الذي يرافقه أثناء القراءة. ويُعتَبر التنوين ظاهرةً بارزةً، تَميَّزت بها اللغة العربية عن اللغات الأخرى، ولها أثر كبير في علوم العربية كالنحو، والصرف، والعروض، والقراءات، ولذلك نال التنوين اهتمام النحاة واللغويين قديماً وحديثاً، فأفردوا له مباحث وأبواب خاصة.‏

وقد عرّف علماء الأصوات التنوين على إنه عبارة عن حركة قصيرة بعدها نون[71]. وهم بذلك يُخضعونه لنظام المقاطع. وللتنوين وظائف كبيرة يضطلع بها، على الصعيد النحوي والصرفي، وله كذلك دورُ دلاليٌّ مهم، أشارت إليه كتب اللغة والنحو والصرف. ليس أقلّه تحديدُه لبنية الكلمة من حيث التعريف والتنكير، كما في الآية موضوع البحث.

و من الظواهر المميّزة لِلُّغة العربية، أنّ الصّوت فيه كثيراً ما يتأثر بما يجاوره من الأصوات، مِمّا يُؤدي إلى حدوث ظواهر صوتيّة كثيرة، من إبدال، أو إدغام، أو حذف، أو نقل، أو إشمام، وغير ذلك. و لعل النون الساكنة وما في حُكمها، أي نون التنوين، من أكثر الأصوات تأثُّراً بما يليهما، حيث يتأثر كلٌّ منهما بنوع الصّوت الذي يقع بعده ويلاصقه تأثرا واضحا في المخرج، أو في الصفة، أو كليهما.كما إنّ درجات هذا التأثر متباينة. يُمكن حصرها في أربعة أوجه هي: الإظهار والإدغام والإقلاب والإخفاء [72].

وقد جاء التنوين في قوله تعالى: ) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ( ثلاث مرّات، اختصَّ كلُّ واحدٍ منها بأحَدِ هذه الأوجُه، عَدا الإدغام. مما مَنَح الآية الشريفة تنوُّعاً صوتيّاً بديعاً، كَسَر فيها رتابة التكرار المتوالي للتنوين، من جهة ورتابة الايقاع الموحَّد من جهة أخرى.

ففي نون )صُمٌّ( إقلابٌ، وفي نون )بُكْمٌ( إظهارٌ، وفي نون )عُمْيٌ( إخفاءٌ. وذلك لاختلاف الحروف التي تلي كلاًّ منها، في المخرج و الصفة.

أما الإقلاب، فهو: قلب النون الساكنة والتنوين ميماً وجوباً، إذا وليتهما الباء، مع مراعاة الغُنَّة والإخفاء في الحرف المقلوب[73]. فلا يحدث الإقلاب في النون إلاّ إذا جاء بعدها حرف الباء، وعلَّة القلب إلى الميم، هو التباعد ما بين مَخرجَي النون والباء فاختِير حرف الميم الذي يتوسّطهما، لأنّ مخرجها من الشفة التي هي مخرج الباء، وفيها غنّة في الخيشوم تُلابس بها النون[74].

وقد ورد بعد )صُمٌّ( حرف الباء في أول )بُكْمٌ( فتقلب النون لذلك ميماً، ولكن مع الإبقاء على الغنة وإظهارها[75].

وأما الإظهار، فهو: أن تظهر النون الساكنة والتنوين، إذا وَلِيَهما حرف من حروف الحَلق الستة وهي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء[76]. وإنما بُيِّنَت النون والتنوين عند هذه الحروف لِبُعد مخرجهما من الحلق[77]، وعدم تقاربهما معها في الصفة، فلم تَقْوَ هذه على أن تقلبهما لأنها تراخت عنهما فلم يحسن الإدغام[78]، وليست من قبيلهما فيجوز الإخفاء[79].

وقد ورد بعد)بُكْمٌ( حرف العين في أول )عُمْيٌ(. فلابد من إظهار النون، أما الغنّة في النون فبعضُهم أثبَتها قبل حروف الحلق، وبعضهم أسقَطها[80].

وأما الإخفاء، فهو: أن يَخفَى النون والتنوين عند خمسةَ عشَر حرفاً من حروف الفم، وهي: القاف والكاف والجيم و الشين والضاد والصاد والسين والزاي والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء والفاء. ومعنى خفائها: « اتصالالنون بمخارج هذه الحروف واستتارها بها وزوالها عن طرف اللِّسان، وخروج الصوت من الأنف من غير معالجةٍ بالفَم..وإنما خَفِيت النون مع هذه الحروف لأنَّها حروف الفم، والإخفاء في طلب الخفّة به كالادغام في طلب الخفّة، فلما أمكَن استعمال الخيشوم وحدَه في النون، ثم استعمال الفم فيما بعده، كان أخفّ عليهم..»[81].

وقد وَرَدَ بعد )عُمْيٌ( حرف الفاء في أوَّل )فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ(، فكان لابد من إخفاء النون، شريطة إظهار ما فيها من الغنّة. و« الغنّة في الحرف الخفيِّ هي النون الخفيّة؛ وذلك أن النون مخرجها من طرف اللسان وأطراف الثنايا، ومعها غنة من الخياشيم، فإذا أُخفيت لأجْلِ ما بعدها، زال مع الخفاء ما كان يخرج من طرف اللسان، وبقي ما كان يخرج من الخياشيم ظاهراً »[82].

أما كيفية أداءِ صوتِ الغُنّةَ، أوصويتها، فإنّه تابعٌ للحرف الذي يليه؛ فهو يُفخّم إذا جاء بعده حرف استعلاء، ويُرقّق إذا جاء بعده حرف استفال[83]. والحروف الثلاثـة التي تلـي كلاّ من )صُمٌّ(، و )بُكْمٌ(، و)عُمْيٌ( هي: الباء، والعين، والفاء، على التوالي. فالباء [84]و الفاء [85] من أصوات الاستفال، والعين التي تتوسّطهما من أصوات الاستعلاء[86]. لذا يُرقَّق صوتُ الغُـنَّة قبيل الباء والفاء، ويُفخَّم قبيل العين. وذلك وفق المعادلة التالية:

(صُمٌّ [إقلاب(بترقيق الغنة)] بُكْمٌ [إظهار(بتفخيم الغنة)] عُمْيٌ [إخفاء (بترقيق الغنة)] فَهُمْ)

وهكذا نجد التنوين في هذه الآية الشريفة يتنوّع ويتلوّن، وفق نَسَقٍ متجانسٍ رائعٍ، من خلال الصور الثلاث التي يرد عليها من إقلابٍ، وإظهار، وإخفاء، وكذلك من خلال تنوّع صوت الغنة الذي يصاحب التنوين في حالَتَي الترقيق والتفخيم. والجدول التالي يبين ذلك بوضوح:

الكلمة

وما يليها

التنوين

وما يليه

التفاصيل

القراءة

الغنّة

نوعها

العلة

صُمٌّ ← بُكْمٌ

مٌ ← ب

م + ن + ب

إقـلاب

+

ترقيق

يلي التنوين حرف الباء

بُكْمٌ ← عُمْيٌ

مٌ ← ع

م + ن + ع

إظهار

+/-

تفخيم

يلي التنوين حرف حلقي

عُمْيٌ ← فَهُمْ

يٌ ← ف

ي + ن + ف

إخفاء

+

ترقيق

يلي التنوين حرف فمِّي

وبقي أن نشير إلى تساؤلٍ يطرح نفسه بقوة، ونحن نستعرض قوله تعالى: ) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ( صوتياً، وهو: بماذا يمكن أن يُوحي اجتماع هذا التنوين الثلاثي، آخر كلِّ كلمة، مرتكزاً على حرف مضمومٍ الحركة في كل مرّة (مرتين على الميم، ومرّةً على الياء)، إلى جانب حركة الضم التي في بداية كلِّ مقطع، وما يرافقها جميعاً من إطباق للفم[87]، مصحوبٍ بنغمة صاعدة في المقطع الأول، ونغمة هابطة في المقطع الثاني[88]، من كلِّ كلمة، هكذا على التوالي ثلاث مرّات ؟.

تجنُّباً لما قد يقع في الأوهام من التسليم أو القطع بإجابتنا، نُجيبُ على هذا السؤال بتساؤلٍ آخر: أليس في إغلاق الفم المتكرِّر أثناء تلاوة هذه الكلمات صعوداً وهبوطاً، ثم الإطباق على النون في آخرها ما يُشيرُ إلى الإغلاق والطّمس والختم الذي ابتُلي به المنافقون والكافرون في حواسِّهم بسبب إصرارهم على الباطل، وحبس أنفسهم على الضلال والعمى. فَصُمّت آذانُهم، وسُدّت أفواهُهم، وخُتِم على أبصارهم؟!.

رابعـاً / الايقاع:

لمّا كان يُرمز لكل مقطع من المقاطع الستة في الجملة القرآنية الشريفة، من جهة الأصوات، بالرمز التالي: (ص ح ص) كما أسلفنا، فسيكون نسق ورودها مجتمعةً كالآتي:

[صُمْ ← مُنْ ← بُكْ ← مُنْ ← عُمْ ← يُنْ ]

[ ص ح ص ← ص ح ص ← ص ح ص ← ص ح ص ← ص ح ص ← ص ح ص ]

وبما أنّ الحركة، أو (الصائت القصير)، المقترنة بالحرف الصامت الأول من كل مقطع هي الضّمّة، فسيكون نَسَق المقاطع مجتمعةً كالتالي:

[ صُمْ ← مُنْ ← بُكْ ← مُنْ ← عُمْ ← يُنْ ]

[ص ـُ ص ← ص ـُ ص← ص ـُ ص ← ص ـُ ص ← ص ـُ ص ← ص ـُ ص]

وهي كما تبدو مقاطع متساوية تماماً من جهتين هما: الايقاع والحركات. وهذا التناسب المزدوج الرائع نسقٌ فريدٌ، يكاد يختصُّ بهذه الجملة القرآنية، و قد لا نَجدُ له نظيراً، في سائر الجمل والتعابير القرآنية المباركة، رغم أنّ لكلِّ عبارة قرآنية نسيجها المعجز المتفرد الخاص بها. ويكاد يشبهه من جهة النسيج الايقاعي والمقطعي فقط، دون الحركات، قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر:1]. وهو إيقاعٌ يناظر تماماً إيقاع البحر المتدارك المشعّث (فَعْلُنْ)[89]. ولكنه يتفوّّق على الإيقاع الشعري من جهتين:

إحداهما: كون الكلمات الثلاثة جاءت مختومةً بالتنوين.

وثانيهما: كون الحرف الأوّل من كلِّ مقطع مضموم، ليتولّد منه حسب الإيقاع الشعري، سبب خفيف[90] متكرِّر، حركة أوَّله الضَّمّ، لا غير.

أما في الشعر فإن الحركة التي تقابل السكون، قد تكون مضمومةً أو مفتوحةً أو مكسورةً، دون أي امتياز لأحداهما على الأخرى. حيث الاعتبار في الايقاع الشعري يحدِّده التنوُّع في توالي الحركات- بغض النظر عن نوع الحركة- والسكنات وفق نَمط تناغميٍّ خاص يُدعَى البيت. ويتكرَّر هذا البيت بذات الايقاع ليشكل القصيدة. في حين لا نجد التعبير القرآني يلتزم بنمط إيقاعي محدَّد، بل نراه يتلوّن بتلوُّن المعاني والأغراض، والأحوال والمقامات، مع مراعات الموسيقى الداخلية للتعبير، ابتداءً من الحرف فالحركة فالمقطع فالكلمة فالجملة، فالسياق العام للآيات.

وكما أُشير من قبل، فإنّ الرّتابة المتوقّعة من مثل هذا الإيقاع المتكرر في هذه الجملة القرآنية، والتي تتناسب دلالتها وتبيين الحالة التقريرية، وتأكيدها، قد تَمَّ معالَجتها من خلال ذلك التنوُّع المحكم في الأصوات التي اشتملت عليها الكلمات القرآنية الثلاث، مِمّا يلامس الأُذن، فيداعبها. وكذلك من خلال ما انطَوت عليه تلك الأصوات من دلالات ومعاني، تمتزج جميعاً على وجه محكم ودقيق، ليكون بحق دليلاً، لا يقبل الشك، على إعجاز القرآن.

ويبلغ المعمار الإيقاعي في هذا الجزء من الآية قمة التنوّع والروعة والتأثير عندما ينطلق متلُوّاً وفق أصول وضوابط التلاوة الصحيحة، التي يُأخذ فيها بنظر الاعتبار مخارج الحروف وصفاتها، من دون إهمالٍ للمعانى الذي تنطوي عليها هذه الأصوات، وما تقتضيه من نبر و تنغيم.

إنّ مِن شَأن هذا النظام الصوتي البديع أن يسترعي الأسماع، ويحرك الأفئدة والقلوب إلى هذا القرآن الكريم، وإنّ ما فيه من عذوبة أصوات، و سحر كلمات، جعل وسيجعل منه على مَرِّ الدهور و الأزمان، أحلى ما تردده الأفواه، و أعذب ما تسمعه الآذان، و أجلى ما تلحظه العيون والأبصار. وسيبقى هكذا أبد الدهر لحن الخلود، وقيثارة هذا الوجود، مصداقاً لقوله سبحانه: )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(.

وختاماً نتوجه إلى المولى جلّ شأنه متوسلين إليه أن يُتِمَّ علينا نعمته، و لا يحرمنا هدايته، و أن يسلكنا بالقرآن في سبل الهداة المهديين، ويرفعنا به إلى أعلى عليين، آمين رب العالمين.

نتائج البحث: يمكن تقسيم نتائج البحث إلى نوعين:

أولاً: نتائج عامة، وهي:

إنّ الجانب الصوتي في اللغة العربية بصورة عامة، وفي القرآن الكريم بصورة خاصة، عنصر أساسي مهم، لا يمكن الاستغناء عنه بأي حالٍ من الأحوال في بلوغ المعنى المراد، والإحاطة به.

1. إنّ كثيراً من علمائنا القدامى والمحدثين كانوا قد تَنبَّهوا إلى أهمية الجانب الصوتي في تشكيل الصورة الفنية. وأشاروا إلى ما تنطوي عليه الأصوات اللغوية من معاني ودلالات وإيحاءات.

2. إنّ هناك العديد من الظواهر الصوتية التي يمكن أن تتوافر عليها الكلمات القرآنية. وهي تتلائم جميعاً وتتناغم، وفق نظام صوتي وإيقاعي خلّاب في ترسيم صور القرآن الكريم ومعانيه.

3. هناك علاقة وثيقة ومحكمة بين الجانب البلاغي والجانب الصوتي في إبراز المعنى. وإن تشكيل الصورة الفنية للجملة القرآنية قائم على امتزاج الصُّورة البيانية بالصورة الصوتية والإيقاعيّة.

ثانياً: نتائج خاصة وهي:

1- هناك ظواهر صوتية كثيرة في القرآن، تنطوي جميعاً على دلالات خاصة، منها: الحركة والإيقاع والمد والحرف والمقطع.

2- هناك تناسب واضح بين الايجاز، والتنكير، الذي ورد عليه قوله تعالى:) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ( وبين التحقير، وقلّة الشأن

الذي أُريد بيانُه بخصوص المنافقين.

3- إنّ كلَّ حرف من الحروف الثلاثة ؛ (ص) و (ب) و (ع) التي تتصدر الكلمات الثلاث للآية الشريفة تدلُّ ماهيته دلالةً قويةً على معنى الكلمة التي يتصدّرها، و يختزل في طبيعته الصوتية السيميائية، كلَّ ما توحي به الكلمة من معانٍ، وما تنطوي عليه من دلالات.

4- إنّ التناسب الإيقاعي بين الكلمات القرآنية الثلاث، والتساوي بين مقاطعها، فيه إشارةٌ بليغةٌ إلى تساويهم في الصمم والخَرَسِ والعَمَى، التي تؤدي مجتمعةً إلى فقدانهم، بالتساوي، لأهَمِّ الحواسِّ التي بها تَتِمُّ عمليةُ الإدراك والوعي.

5- إنّ التنوين في هذه الآية الشريفة يتنوّع ويتلوّن، وفق نَسَقٍ متجانسٍ رائعٍ، من خلال الصور الثلاث التي يرد عليها إقلابٍ، وإظهار، وإخفاء، وكذلك من خلال تنوّع صوت الغنة الذي يصاحب التنوين في حالَتَي الترقيق والتفخيم.

6- إنّ إغلاق الفم المتكرِّر أثناء تلاوة هذه الكلمات صعوداً وهبوطاً، ثم الإطباق على النون في آخرها بسبب اجتماع التنوين الثلاثي، آخر كلِّ كلمة، ربما كان يُشيرُ إلى الإغلاق والطّمس والختم الذي ابتُلي به المنافقون والكافرون في حواسِّهم بسبب إصرارهم على الباطل، وحبس أنفسهم على الضَّلال والعَمَى.

المصادر والمراجع:

1. إبراهيم أنيس: الأصوات اللغوية، القاهرة، 1979م.

2. إبراهيم أنيس: من أسرار اللغة، مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة، ط2، 1972م.

3. ابن جني، أبو الفتح عثمان ابن جني الموصلي: الخصائص، تحقيق: محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان،د.ت.

4. ابن كثير، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، أبو الفداء (774هـ): تفسير ابن كثير، دار الفكر، بيروت، 1401هـ.

5. ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم: لسان العرب، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، 1956.

6. ابن النديم، أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحق المعروف: الفهرست، تحقيق: رضا تجدد.(د.ت).

7. ابن يعيش، موفق الدين ابن يعيش: شرح المفصل. نشر عالم الكتب، بيروت، (د. ت).

8. أحمد سيد محمد عمار: نظرية الإعجاز القرآني وأثرها في النقد العربي القديم، دار الفكر،ط1، دمشق، 1998م

9. أحمد مطلوب: معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، مكتبة لبنان ناشرون، ط2، بيروت-لبنان، 2000م.

10. الأصفهاني، ابو الفرج الأصفهاني(356هـ): الأغاني، تحقيق: سمير جابر، دار الفكر، بيروت، ط2، (د.ت).

11. الإمام، علي بن أبي طالب: نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح، دار الهجرة، ط5، 1412هـ.

12. البخاري، محمد بن إسماعيل، أبو عبد الله البخاري الجعفي(256هـ): صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، دار اليمامة،ط3، بيروت، 1407هـ- 1987م.

13. الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي (279هـ): سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت،د.ت.

14. تمام حسان: البيان في روائع القرآن، عالم الكتب، القاهرة، 1412 هـ - 1993 م.

15. الثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل (429هـ): ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، تحقيق: محمد ابو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1965.

16. الجرجاني، عبد القاهر: دلائل الإعجاز، تصحيح: محمد عبده، دار الكتب العلمية، ط1، د.ت.

17. جمعة سيد يوسف: سيكلوجية اللغة، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1990م.

18. حسام البهنساوي: علم الأصوات، مكتبة الثقافة الدينية، ط1، القاهرة، 2004م.

19. حسن عباس: خصائص الحروف العربية ومعانيها، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1998م.

20. حسين جمعة: في جمالية الكلمة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2002م.

21. الحمصي،محمد: تفسير وبيان مفردات القران على مصحف التجويد، مؤسسة الايمان،ط1، بيروت،1999م.

22. الداني، أبو عمرو عثمان: التحديد في الإتقان والتسديد في صنعة التجويد، تحقيق: أحمد عبد التواب. طباعة مكتبة وهبة، 1993م.

23. الدرويش، محي الدين: إعراب القرآن الكريم وبيانه، دار ابن كثير، دار اليمامة، ط8، دمشق-بيروت، 2001م.

24. الراغب الاصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد (502هـ): المفردات في غريب القران، تحقيق:محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، بيروت، ط4، 2005م.

25. الرافعي، مصطفى صادق: إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت-لبنان،2000م.

26. رمضان عبد التواب: المدخل إلى علم اللغة مناهج البحث، القاهرة، 1985م.

27. الزجّاج: إعراب القرآن، تحقيق: إبراهيم الأبياري، من الموقع الالكتروني:

http://www.almeshkat.net/books/index.php

28. الزمخشري، الامام محمود بن عمر(528هـ): الكشاف عن حقائق غوامض التـنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، نشر البلاغة، ط1، قم - ايران، 1413هـ.

29. الزمخشري: المفصل، دار الجيل،ط2، بيروت- لبنان، (د.ت).

30. سالي فيماير: قاموس اكسفورد الحديث، ترجمة: نجاح الشمعة، انتشارات محدث، ط1، طهران، 1382هـ ش.

31. ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللغة، ترجمة: كمال بشر، القاهرة، 1962م.

32. السعران، محمود: علم اللغة مقدمة للقارىء العربي، دار الفكر العربي، مصر 1992م.

33. سيبويه: الكتاب، تحقيق: عبد السلام هارون، عالم الكتب، ط3، بيروت، 1983م.

34. السيوطي، أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال أبو بكر جلال الدين السيوطي (911هـ): الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. المكتبة العصرية. صيدا ـ بيروت 1418هـ - 1997م.

35. السيوطي: همع الهوامع، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت- لبنان د.ت.

36. الصغير، محمد حسين علي: الصوت اللغوي في القرآن، دار المؤرخ العربي، ط1، بيروت، لبنان،1420هـ- 2000م

37. الصيغ، عبد العزيز: المصطلح الصوتي في الدراسات العربية، دار الفكر، ط1، دمشق، 2000م.

38. الطيب، عبد الله:المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، دار الفكر،ط2، بيروت، 1970م.

39. عبد الرحمن أيوب: أصوات اللغة، القاهرة، 1968م.

40. عبد الصبور شاهين: أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1987م.

41. عبد الصبور شاهين: في علم اللغة العام، مكتبة الشباب، ط3، القاهرة، د.ت.

42. العلوي، الإمام يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم العلوي اليمني: الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، المكتبة العصرية ط1، صيدا-بيروت، 2002م.

43. عصام نور الدين: علم وظائف الأصوات اللغوية، الفونولوجيا، دار الفكر اللبناني، ط1، بيروت، 1992م.

44. عيسى علي العاكوب: موسيقى الشعر العربي، دار الفكر، ط2، دمشق، 2000م.

45. الفراهيدي، الخليل بن أحمد (175هـ): العين، تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط1، بيروت، 1408هـ.

46. فندريس: اللغة، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص، مطبعة الانجلو العربية، 1950م.

47. القرطبي، عبد الوهاب بن محمد القرطبي(461هـ): الموضح في التجويد، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ط1، الكويت، 1990م.

48. القرطبي، محمد بن احمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي، أبو عبد الله (671هـ): تفسير القرطبي، تحقيق: أحمد عبد العليم البردوني،دار الشعب، ط2، القاهرة، 1372هـ.

49. القزويني، جلال الدين ابو عبد الله محمد بن سعد الدين بن عمر: الايضاح في علوم البلاغة، دار احياء العلوم، بيروت، ط4، 1998م.

50. القيسي، أبو محمد مكي بن أبي طالب: الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، تحقيق: محي الدين رمضان، مؤسسة الرسالة، ج2، ط2، بيروت، 1401هـ.

51. كمال بشر: علم الأصوات، دار غريب، القاهرة، 2000م.

52. ماريوباي: أسس علم اللغة، ترجمة: أحمد مختار عمر، منشورات جامعة طرابلس، ليبيا، 1973م.

53. المبارك، محمد:دراسة أدبية لنصوصٍ من القرآن، دار الفكر، دمشق، ط4، 1973م.

54. المباركي، يحيى بن علي: الكم الزمني لصويت الغنة في الأداء القرآني، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، المجلد (13) العدد (21) رمضان 1421هـ

55. محمد علي عبد الكريم الرديني: فصول في علم اللغة العام، عالم الكتب، ط1، 2002م.

56. المخزومي، مهدي: في النحو العربي، قواعد وتطبيق، ط1، القاهرة، 1966م.

57. مصطفى حركات: الصوتيات والفونولوجيا، الدار الثقافية للنشر، ط1، القاهرة، 1998م.

58. المرصفي، عبد الفتاح السيد عجمي: هداية القاري إلى تجويد كلام الباري، دار النصر للطباعة الإسلامية ط1، شبرا – مصر 1402هـ.

59. وافي، علي عبد الواحد: اللغة والمجتمع، دار نهضة مصر، القاهرة (د.ت).

60. وافي، علي عبد الواحد: نشأة اللغة عند الإنسان، دار نهضة مصر، القاهرة، د.ت.

 

الهوامش

 

 


 

 

[1]- انظر: علي عبد الواحد وافي، في كتابيه: اللغة والمجتمع : ص3-6. ونشأة اللغة عند الإنسان والطفل: ص29.

[2]- عرّف ابن جني (اللغة) في كتابه :الخصائص، تحقيق د.محمد علي النجار،1/33 بأنها: «أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم » ومن خلال النظر في هذا التعريف نلحظ أنه لا يبتعد كثيراً عن أحدث التعريفات، فهو يتضمن ثلاثة جوانب أساسية في اللغة، هي : الجانب الصوتي، والجانب الاجتماعي، والجانب الوظيفي. أنظر: ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللغة، ترجمة د. كمال بشر، ص23. و فندريس: اللغة، ص66. ومحمد علي عبد الكريم الرديني: فصول في علم اللغة العام، ص15-16.

[3]- تفسير القرطبي:1/11. تفسير ابن كثير : 4/435. صحيح البخاري: 6/ 2737.

[4] - انظر: المخزومي: في النحو العربي، قواعد وتطبيق:ص4.

[5] - انظر : عبد الصبور شاهين: أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي:ص198.

[6] - انظر: محمد حسين علي الصغير، الصوت اللغوي في القرآن: ص56.

[7] - انظر: أحمد سيد محمد عمار: نظرية الاعجاز القرآني :ص121 وما بعدها.

[8] - الفهرست لأبي الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحق المعروف بالنديم - تحقيق رضا تجدد. ص 40.

[9] - انظر: كمال بشر : علم الأصوات:ص 421.

[10] - الكشّاف للزمخشري : 3/463.

[11] - الخصائص : 2/152

[12] -يسمى هذا المد بالمد الجائز المنفصل : وهو أن يأتي حرف مد في آخر كلمة، ويأتي بعده الهمز في أول الكلمة التالية.(محمد حسن الحمصي(1999): تفسير وبيان مفردات القران على مصحف التجويد مؤسسة الايمان،ط1، بيروت، ص616.

[13] -محمد المبارك : دراسة أدبية لنصوص من القران: ص14- 19.

[14] - يندرج هذا الوزن ضمن إيقاع بحر الرجز المنهوك الذي حذفت منه تفعيلتان من الصدر، ومثلهما من العجز، فبقيت له تفعيلتان فقط، واحدةٌ لكل منهما، الأولى (مستفعلن) صحيحة، والثانية (فعولن) مخبونة، (حذف الساكن الثاني) و مقطوعة (حذف السابع الساكن وإسكان ما قبله). ومنه ما قالته هند بنت عتبة لمشركي قريش يوم أحد:

نحنُ بَنـاتُ طارقْ نَمشي عَلَى النمارقْ

الـدُّرُّ في المخانِـــقْ والمسـكُ في المفــــارِقْ

إنْ تُقبِلُـوا نُعانِـــقْ أو تُدبِـــــروا نُفـارِقْ

فِـراقَ غيرِ وامِـقْ

انظر: ابو الفرج الاصفهاني، الاغاني:12/392. وابو منصور الثعالبي: ثمار القلوب في المضاف والمنسوب: ص296).

[15] - جاء في معجم العين، باب الحاء مع الميم: (والحَمْحمةُ: صَوْتُ الفَرَس دونَ الصوت العالي) وفي لسان العرب، باب الحاء: (والحَمْحَمَةُ والتَّـحَمْـحُم عَرُّ الفَرَسِ حينَ يُقَصِّرُ في الصَّهيلِ ويَسْتَعِينُ بنَفْسِهِ... وفـي الـحديث: لا يجيء أَحدُكم يوم القـيامة بفرس له حَمْـحَمةٌ. كما ورد في مفردات الراغب :ص138 ( أما حمحمتِ الفرسُ فحكاية لصوتها).

[16] - الكشاف: 2/441.

[17] - ابن كثير: تفسير القرآن العطيم: ص 808.

[18] - عبد الله الطيب: المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها:1/312.

[19] - انظر: محي الدين الدرويش: إعراب القرآن الكريم وبيانه :4/415.

[20] - العكبري: إملاء ما منّ به الرحمن: ص21. إعراب القران الكريم وبيانه :1/59.

[21] - الزجاج: إعراب القرآن : ص63.

[22] - إعراب القرآن: ص285-286.

[23] - السيوطي: الاتقان في علوم القرآن: 3/192.

[24] - حسين جمعة، في جمالية الكلمة : ص87.

[25] - القزويني: الايضاح في علوم البلاغة: ص203.

[26] - العلوي : الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز : 3/192.

[27] - الاتقان في علوم القرآن: 3/157-158.

[28] - تفسير ابن كثير: ص64.

[29] - تحدث الله عن أولئك الكافرين في خمس عشرة آية من الآية السادسة وحتى الآية العشرين من سورة البقرة، وذلك في مقابل المتقين الذين أفرد لهم الآيات الخمس الأولى فقط من نفس السورة الشريفة.

[30] - أحمد مطلوب : معجم المصطلحات البلاغية وتطورها: ص385.

[31] - نفس المصدر والصفحة.

[32] - ذهب كثير من العلماء إلى أنّ اللغة العربية هي لغة توقيفية، وأنها من عند الله، استناداً إلى قوله تعالى:(وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) [البقرة:31]. أما ابن جني فقد أجاز أن يكون تأويله : « أقدر آدم على أن واضع عليها » [الخصائص: 1/9].

[33] - يقول عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الاعجاز، تصحيح: محمد عبده، دار الكتب العلمية،ط1: ص63: « وقد علمت إطباق العلماء على تعظيم شأن النظم، وتفخيم قدره، والتنويه بذكره، وإجماعهم أن لا فضل مع عدمه، ولا قدر لكلام إذا هو لم يستقم له، ولو بلغ في غرابة معناه ما بلغ ».

[34] - مصطفى صادق الرافعي: إعجاز القرآن والبلاغة النبوية:ص150.

[35] - المصدر السابق : ص 152.

[36] - تفسير القرطبي :1/5. تفسير ابن كثير : 2/516. سنن الترمذي : 5/ 172.

[37] - نهج البلاغة، شرح صبحي الصالح : ص219.

[38] - محمود السعران : علم اللغة مقدمة للقارىء العربي:ص169.

[39] - تنبه اللغويون إلى هذه الخاصية اللغوية المتعلقة بحرف النون و نغمته الإيقاعية، فقال السيوطي بهذا الشأن: «كثر في القرآن ختم الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون، وحكمته وجود التمكن مع التطريب بذلك، كما قال سيبويه: إنهم إذا ترنموا يلحقون الألف والياء والنون لأنهم أردوا مد الصوت، ويتركون ذلك إذا لم يترنموا، وجاء في القرآن على أسهل موقف وأعذب مقطع ». (الإتقان في علوم القرآن: 3/ 314).

[40] - علم اللغة مقدمة للقارىء العربي: ص175.

[41] - نفس المصدر: ص178

[42] -نفس المصدر: ص178.

[43] - كمال بشر : علم الأصوات: ص 512.

[44] - نفس المصدر : ص514.

[45] - مصطفى حركات : الصوتيات والفونولوجيا : ص63-64.

[46] - الكتاب: 4/464.

[47] - نفس المصدر والصفحة.

[48] - الزمخشري : المفصل: ص395.

[49] - ماريوباي : أسس علم اللغة، ترجمة: أحمد مختار عمر: ص85.

[50] - حسن عباس :خصائص الحروف العربية ومعانيها: ص149.

[51] - علم اللغة مقدمة للقارىء العربي: ص178.

[52] - مصطفى حركات : الصوتيات والفونولوجيا: ص 107.

[53] - عبد العزيز الصيغ: المصطلح الصوتي: ص156. همع الهوامع : 2/230.

[54] - خصائص الحروف العربية ومعانيها: ص 101.

[55] - خصائص الحروف العربية ومعانيها: ص 101

[56] - عبد الصبور شاهين : في علم اللغة العام : ص 85-86.

[57] - قاموس اكسفورد الحديث : ص 47.

[58] - جمعة سيد يوسف : سيكلوجية اللغة : ص87.

[59] - علم اللغة مقدمة للقارىء العربي: ص156.

[60] - الصوتيات والفونولوجيا: ص 121

[61] - نفس المصدر: ص 123.

[62] - علم اللغة مقدمة للقارىء العربي:ص178.

[63] - عبد الرحمن أيوب : أصوات اللغة :ص139.

[64] - رمضان عبد التواب : المدخل إلى علم اللغة مناهج البحث: ص101.حسام البهنساوي : علم الأصوات : ص148.

[65] - ابراهيم أنيس : الأصوات اللغوية : ص164. حسام البهنساوي : علم الأصوات : ص150.

[66] - عدّه كمال بشر في كتابه : علم الأصوات : ص510 مقطعاً متوسطاً.

[67] - عصام نور الدين: علم وظائف الأصوات اللغوية الفونولوجيا: ص94 – 96. حسام البهنساوي: علم الأصوات: ص151.

[68] - يقابله صائت طويل إذا كان يلي الصامت حرف مد ألف نحو: (صا). (انظر: عصام نور الدين: علم وظائف الأصوات اللغوية الفونولوجيا : ص96.

[69] - يرمز (ص) إلى الحرف الصامت، ويرمز (ح) إلى الحرف الصائت وهو المتحرك، (أنظر:حسام البهنساوي: علم الأصوات : ص151).

[70] - مصطفى حركات : الصوتيات والفونولوجيا : ص57.

[71] - إبراهيم أنيس: من أسرار اللغة :ص126‏

[72] - ابن يعيش : شرح المفصل :10/143 وما بعدها

[73] - المرصفي : هداية القاري إلى تجويد كلام الباري:ص681. الموضح في التجويد :ص 174-175.

[74] - القرطبي: الموضح في التجويد: ص 175.

[75] - هداية القاري إلى تجويد كلام الباري: ص168.

[76] - القيسي: الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها : 1/161.

[77] - الداني: التحديد في الإتقان والتسديد في صنعة التجويد: ص 263.

[78] - الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها : ص 1/161.

[79] - يحيى بن علي المباركي: الكم الزمني لصويت الغنة في الأداء القرآني ص: 10

[80] - المصدر السابق: ص10.

[81] - الموضح في التجويد:ص170- 171.

[82] - الكم الزمني لصويت الغنة في الأداء القرآني ص: 13.

[83] - هداية القاري إلى تجويد كلام الباري: ص181.

[84] - الاستفال : هو انخفاض أقصى اللسان عند النطق بالصوت إلى قاعِ الفم.(عبد العزيز الصيغ: المصطلح الصوتي:ص143).

[85] - المصطلح الصوتي: ص139.

[86] - الاستعلاء: هو أن يستعلي أقصى اللسان عند النطق بالحرف إلى جهة الحنك الأعلى.(المصطلح الصوتي: ص139).

[87] - وصف علماء الأصوات الضّمة بأنها: خلفية، منغلقة، مضمومة، وفيها يتجمع اللسان في مؤخر الفم تحت أقصى الحنك. كما أنها تنفرد باستدارة الشفتين، أو ضمهما، ومنه تسميتها. (أنظر : الصوتيات والفونولوجيا: ص127- 128).

[88] - إن الكلام لا يجري على طبيعة صوتية واحدة بل يرتفع الصوت عند بعض مقاطع الكلام أكثر مما يرتفع عند غيره، وذلك ما يعرف باسم التنغيم.(أنظر : تمام حسان : البيان في روائع القرآن: ص 263).

[89] - عيسى علي العاكوب: موسيقى الشعر العربي: ص 169.

[90] - السبب الخفيف : هو عبارة عن حرفان أولهما ساكن والثاني متحرك.