تصنیف البحث: الأدب العربي
من صفحة: 107
إلى صفحة: 113
النص الكامل للبحث: PDF icon 8-7.pdf
خلاصة البحث:

من أهم الأساليب في العربية، أسلوب الإنشاء و الإخبار و قد اشترك هذان الأسلوبان في الأداة (كم الخبرية والاستفهامية) أو (العددية) بحكم دلالتها على عدد مبهم مرة عند المخاطب و ذلك في الخبرية، و مرة عند المتكلم كما في الاستفهامية، وقد تناول البحث مادة (كم) بنوعيها و بحسب تقلباتها و استعمالاتها و متعلقاتها في اللغة العربية فترتبت في ستة أبحاث كان أولها: دلالة (كم)، والثاني في تأصيلها، والثالث في مميزها من حيث الإفراد والجمع، والرابع في فصلها عن مميزها بظرف أو جار ومجرور، والخامس في مميزها، و السادس وهو الأخير في إعراب (كم).

البحث:

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خير الخلق والأنام أجمعين محمد بن عبد الله و على اله الطاهرين و صحبه المنتجبين و من تبعه و سار على نهجه إلى يوم الدين.. و بعد..

فان العرب نطقت على فطرتها و تكلمت على سجيتها فانتقت ما يناسب ذوقها و طرحت ما توعر به لسانها، و قد اجتمعت عدة أسباب و عوامل بيئية و نفسية و اجتماعية في تركيب مزاجها و تكوين ذوقها و اختيارها. و كان لازدهار الحركة العلمية في الدولة الإسلامية فيما بعد، إضافة لأسباب دينية و قومية، سبب في اجتماع العلماء في دراسة اللغة العربية محاولة منهم لحدها و حفظها من التبعثر و الضياع و اللحن و الأخطاء. و من الطبيعي أن تفرز هذه المرحلة عدة مدارس و اتجاهات و مذاهب علمية اتخذت كل منها منهجها الخاص بها، و ابرز ما ظهر في الساحة العلمية، المدرسة البصرية و المدرسة الكوفية، اللتين عرف عنهما بصورة عامة، بان البصرية مدرسة قياسية، و الكوفية سماعية، و قد اتفقنا في بعض ما ذهبتا و توجهتا إليه و اختلفتا في كثير منه، وأقامت كل منهما الأدلة والشواهد والبراهين لإثبات صحة ما ذهبت إليه.

و كان من المواضيع التي أخذت حيزاً من المساحة الدراسية لدى علماء العربية، مادة ((كم الاستفهامية و الخبرية)) وقد أدلى علماء وأئمة كل مدرسة بدلوهم وطرح كل من هؤلاء ما لديه من رأي و مذهب و لم يبخلوا في عرض أدلتهم وقياساتهم وأمثالهم وشواهدهم. و قد اتفق العلماء على أمور منها: دلالة (كم) و استعمالها، و مميز كم الخبرية، و في إعراب كم. بينما اختلفوا في إفراد وتركيب (كم) فذهب البصريون إلى إفرادها، في حين يرى الكوفيون تركيبها من (الكاف، و ما).

كما اختلف العلماء في إفراد مميز (كم الاستفهامية) و جمعه و كان لهم في ذلك مباحث كثيرة. ومن الأمور التي تناولها البحث جواز الفصل بين (كم الخبرية) ومجرورها، وقد عرض البحث استقراء النحويين لأساليب اللغة العربية في حالات الفصل و عدمه و ما يترتب عليه.

و من المواضيع التي تعرض لها البحث بالدراسة موضوع حذف مميز (كم) الخبرية و الاستفهامية. و كان آخر ما تناوله البحث مبحث إعراب (كم)، الذي ذكرنا انه كان موضع اتفاق بين علماء اللغة..

دلالة كم الاستفهامية و الخبرية:

استقراء كلام العرب يدل على إن كم الاستفهامية والخبرية تدلان على عدد و معدود، فالاستفهامية تدل على عدد مبهم عند المتكلم، معلوم في ظنه عند المخاطب، والخبرية تدل على عدد مبهم عند المخاطب و ربما يعرفه المتكلم ([1])، واستعملها من يريد التكثير والافتخار، و زعم بعضهم إنها تقع على القليل و الكثير على حد ٍ سواء ([2]). و(كم) اسم عند الجمهور، وخالف بعضهم إذ إدعى حرفيتها ([3])، وسميت (كم) خبرية لأنها تحتمل الصدق والكذب ([4]). ولو تتبعنا مفردات هذا الموضوع، لأفضى ذلك إلى رصد المباحث المتعلقة بـ(كم) بنوعيها الاستفهامية والخبرية، وهي كما يلي:

تأصيل (كم):

  مذهب البصريين إن (كم) أداة بسيطة ([5])، واستندوا فيما ذهبوا إليه على حجة منطقية محضة إذ قالوا بان الأصل هو الإفراد، والتركيب فرع. ومن تمسك بالأصل لم يطالب بالدليل، ومن عدل عن الأصل فعليه أن يأتي بالدليل. ([6])

  ويرى الكوفيون إنها مركبة([7])، وحجتهم أن الأصل فيها (ما) زيدت عليها (الكاف)، ونظير ذلك إنهم يزيدون (الهاء) على أول الكلمة إذ يقولون في (ذا): (هذا)، ويزيدون (ما) على آخر الكلمة، كزيادتها على (إن) الشرطية في نحو (أما)، فكذلك زادوا الكاف على (ما) فصارتا كلمة واحدة، وكان الأصل أن يقال في (كم): (كما مالك؟) غير إنها لما كثرت في استعمالهم وجرت على ألسنتهم حذفت الألف من آخرها وسكنت ميمها. قال الكوفيون: (ونظير ما نحن بصدده: (لِمَ)، فان أصلها: (ما) زيدت عليه اللام فصارت كلمة واحدة، وحذفت الألف لكثرة الاستعمال وسكنت ميمها فقالوا: (لِمَ فعلت ذلك؟). وكان الفراء([8]) يقول: ((نرى إن قول العرب:"كم مالك؟" أنها (ما) وصلت من أولها بكاف، ثم إن الكلام كثر بـ(كم) حتى حذفت الألف من آخرها، فسكنت ميمها كما قالوا: (لِمَ فعلت ذاك) ومعناها (لِمَ فعلت ذلك).....

  وقال بعض العرب في كلامه، وقيل له: منذ كم قعد فلان؟ فقال: كمذ أخذت في حديثك، فرده الكاف في (مذ) يدل على إن الكاف في (كم) زائدة. ([9])وكان الزجاج يصر على تصويب مذهب البصريين وينأى بنفسه عما يواطىء الاستعمال ويتناغم مع طبيعة اللغة من ميل إلى التخفيف، ومن ثم وجدناه يضرب صفحاً عن قول الكوفيين، بأنها ((لو كانت "كما" وأسقطت الألف الاستفهام، لتركت على فتحها، كما تقول: (بمَ؟) و(عَمَّ؟) و(فيمَ أنت؟))([10])والذي يلوح لنا، ويقتضيه النظر إن استدلال الزجاج بـ(فيمَ) و(عمَّ) ليس سوى سبق قلم، ذلك ((إن فتح الميم فيهما أو تحريكهما لابد منه، فلو أسكنت لالتقى ساكنان وهما الميم والميم في (عمَّ)، والياء والميم في (فيمَ) ولسان العرب لاينطق بالساكنين)) ([11])وأبطل بعض النحويين مذهب الكوفيين بدخول حرف الجر على (كم) لان الحرف لايدخل على مثله([12])، كما إن الألف لم يبق عليها دليل بخلاف (عمَّ) و (بمَ) ([13])، ولو استسقينا فقه اللغة المقارن لوجدناه يكاد يجمع على رجاحة مذهب الكوفيين، ويقول برجستاسر، في سياق حديثه عن حروف العطف، (أم) عربية حديثة، أصلها (a-ma)، كما إن (لم) أصلها (La-ma) وكم أصلها (ca-ma) ([14]).

ويقول جرجي زيدان:- " وكم لاريب في كونها منحوتة من (كاف) التشبيه، و(ما) الموصولة، لأنها في أخوات العربية (كما)" ([15])

وأكبر الظن أن الكوفيين محقون في استظهارهم تركيب (كم) من الكاف، و(ما). كما إن ما وجه من اعتراضات لهم يحمل في طياته تعسفا ً بينا ً إذ لم تكن جملة هذه الاعتراضات نابعة من إدراك حقيقة هي إن الحروف تركيبها تصبح ذات دلالات مختلفة عمّا كانت عليه قبل التركيب، فجاءت هذه الردود إذن صناعية محضة لاتراعي طريقة الاستعمال المختلفة، ولعل الجذر السامي كما صرح بذلك برجستاسر، يمنحنا مسوغا ً مضافا ً للقول بالتركيب، والظاهر إن التغير التركيبي في (كم) قد أخذ مساحة زمنية واسعة للتحول من المعنى الذي تفيده (كما) إلى المعنى الذي تفيده (كم) فثمة جملة من التحولات، وعلى ثلاثة مستويات، الأولى في الاستعمال اللغوي والثاني في بنية الكلام، والثالث في زمن الكلام.

مميز (كم) من حيث الإفراد والجمع:

يذكر النحويون إن مميز (كم) الخبرية يرد مفردا ً وجمعا ً وهم يعللون جر مميز الخبرية المفرد بان (كم) للتنكير، فصار مميزه كمميز العدد الكثير، وهو المائة والألف. ([16])

أما مميز (كم) الاستفهامية فقد كان مظنة خلاف، إذ ذهب الجمهور إلى انه لايكون إلا مفردا ً وذلك نحو (كم غلاما ً لك؟) وعللوا مقالتهم تلك على لسان ابن يعيش  اذ قال: " لو قلت (كم غلماناً لك؟) لم يجز البتة لان كان جعلته تفسيرا ً أمتنع لكونه جمعا ً، وان جعلته حالا ً امتنع لتقدمه على الحال المعنوي وهو (لك)  وكان بمنزلة (زيد قائما ً فيها) لتقدم الحال على العاقل المعنوي([17]).

وتأولوا ما جاء من مثل (كم غلمانا ً لك؟) و(كم عبيدا ً ملكت؟) بان المنصوب حال لا تمييز، والتمييز محذوف والتقدير: كم نفسا ً لك في حال كونهم غلمانا ً لك، والعامل في الحال والمجرور. ([18])وزعم الكوفيون انه يجوز جمع مميز (كم الاستفهامية) مطلقا ً. ([19]) في حين وقف أبو الحسن الاخفش موقفا ً وسطا ً بين الفريقين إذ قال: إذا كان السؤال عن الجماعات نحو: (كم شهودا ً لك؟) والمراد أصناف من الشهود جاز أن يكون مميزها جمعا ً وإلا لم يجز. ([20])

جاء في همع الهوامع " (كم الاستفهامية) لاتفسر بالجمع إنما هو بشرط أن يكون السؤال بها عن عدد بمنزلة الأشخاص وأما إذا كان السؤال عن الجماعات فيسوغ تمييزها بالجمع لأنه إذ ذاك بمنزلة المفرد، وذلك نحو: (كم رجلا ً عندك)، تريد (كم) جمعا ً من الرجال، إذا أردت أن تسأل عن عدد أصناف القول الذين عنده لا عن مبلغ أشخاصهم "([21])

وأظن أن التوجيه الذي ساقه البصريون، إذ قالوا بالتأويل متهافت، لان التمييز متضمن معنى (من) وهذا المعنى هو الذي ينساق إلى الذهن إذا ما قلت: (كم غلمانا ً لك؟) ألا ترى إن التقدير: كم من غلمان ٍ لك؟ وأين هذا من تقدير البصريين: (كم نفسا ً في حال كونهم غلمانا ً لك ؟!).

ولعل مما يشكل على البصريين بمقتضى هذا التوجيه ان الحال في نحو: (كم غلمانا ً لك؟) مقدمة على العامل المعنوي (لك) وهو ما لا ينسجم مع أصولهم التي تقضي بمنع مثل ذلك. ([22])

وكأن البصريين أحسوا باضطراب ما ذهبوا إليه ومن ثم وجدنا سيبويه يصف نحو: (كم غلمانا ً لك ؟) بالقبح لان الأصل عند عامة البصريين أن لا تتقدم الحال على عاملها المعنوي، كما تقدم، جاء في الكتاب: (ولم يجز يونس والخليل: (كم غلمانا ً لك ؟) لأنك لاتقول:- "عشرون ثيابا ً لك؟" إلا على وجه (لك مائة بيضا ً) و(عليك راقود خلا ً) فان أردت هذا المعنى قلت:- (كم لك غلمانا ً؟)، ويقبح أن تقول:- (كم غلمانا ً لك؟)([23])

  على أننا نلمح إن ثمة تناقضا ً بين مقولتهم، إن التمييز محذوف فيما تقدم من أمثلة، وما نصوا عليه من عدم جواز ذلك، إذا لم يكن ما يدل عليه.  قال الرضي:-"إن التمييز لا يحذف إلا لدليل، كما تقول (كم عندك؟) إذا جرى ذكر الدنانير أو (كم عندي) أي دينارا ً. ([24])

ونحسب أن السر وراء مجيء مميز (كم) الاستفهامية مفردا ً وجمعا ً انه قد تعين إن مميز الخبرية يرد مفردا ً تارة ً وجمعا ً تارة ً أخرى، فكان في هذا اللحاظ مندوحة لحمل مميز الاستفهامية على مميز الخبرية، فان قيل أن ذلك مشكل، لان مميز الخبرية قد يكون منصوبا ً في لغة من لغات العرب([25]) ومن ثم يحصل اللبس في كون المراد استفهاما ً أو خبرا ً؟ قلنا:- إن القرائن السياقية كفيلة بتحديد المعنى المقصود، إذا غيبت القرائن اللفظية.

الفصل بين كم الخبرية ومجرورها بظرف أو جار ومجرور:

ظهر  للنحويين من استقراء أساليب اللغة العربية ان مميز (كم) الخبرية يرد مجرورا ً بـ(من) وأخرى منصوبا ً، وهم يشترطون في جر الاتصال، فان فصل نصب حملا ً على الاستفهامية([26]).

وكان سيبويه قد نبه على ذلك إذ قال:- ((إذا فصلت بين كم وبين ([27]) الاسم بشيء استغني عليه السكوت، أو لم يستغني، فاحمله على لغة الذين يجعلونها بمنزلة الاسم المنون، لأنه قبيح أن يفصل بين الجار والمجرور، لان المجرور داخل في الجار، فصارا كأنهما كلمة واحدة، والاسم المنون يفصل بينه وبين الذي يعمل فيه)) ([28]). وهذا هو مقتضى كلام المبرد الذي عد الفصل بين (كم) الخبرية ومميزها بظرف ضرورة. ([29]) ومهما يكن من أمر فقد قيل ان الفصل بين (كم) الخبرية ومجرورها بظرف جار ومجرور من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين. وقد عقد كل من أبو البركات الانباري، وعبد اللطيف الشرجي لذلك مسألة، واشبعا الموضوع بحثا ً إذ ذكرا إن البصريين ذهبوا إلى عدم جواز جر تمييز (كم) الخبرية مع وجود ذلك الفاصل متكئين فيما ذهبوا إليه على فكرة العمل النحوي، فقد قالوا: إنما قلنا بذلك، لان (كم) هي العاملة فيما بعدها الجر، لأنها بمنزلة عدد مضاف إلى ما بعده، فإذا فصل بينهما بظرف أو غيره، بطلت الإضافة، فعدل إلى النصب، وطعنوا في رواية الكوفيين، وافترضوا جدلا ً صحة ما رووه إلا أنهم عدوه من الشاذ الذي لا يلتفت إليه. ([30])

   أما الكوفيون فقد عدوا مميز (كم) مجرورا ً كما إذا وليها وساقوا على عادتهم في الاحتكام الشواهد المستقاة من كلام العرب، جملة من الأبيات الشعرية، من بينها قول أنس بن زنيم الكناني:-

كم بجود ٍ مقرف ٍ نال العلى                    وشريف ٍ بخله قد وضعه ([31]) 

قالوا والاسم المجرور بعد (كم) مجرور بتقدير (من). ([32]) 

وقيل: إنما جاز عمل الجار المقدر، بمقتضى مذهب الكوفيين، لكثرة دخول (من) على مميز (كم) الخبرية([33])، والشيء إذا عرف في موضع جاز تركه، لقوة الدلالة عليه ونرى إن مدار الأمر في هذه المسألة إنما يدور في عامل الجر في مميز (كم)، فالبصريون يجعلونه (كم) نفسها وعليه تكون عندهم بمنزلة المضاف، والمميز بمنزلة المضاف إليه، ومن ثم لا يجوز الفصل بينهما بفاصل، أي فاصل، لأنهما بمنزلة كلمة واحدة متلازمة، فإذا فصل بينهما تعين النصب.

أما الكوفيون فالأصل عندهم يتعارض مع ما أصله البصريون، إذ إنهم يعدون المميز مجرورا ً بـ(من) مضمرة، لذلك يجوز عندهم الفصل بين (كم) ومميزها بالظرف وغيره توسعا ً في المعنى ورأي الكوفيين، فيما نحسب، يتساوق مع النظرة الوصفية المحضة إذ هداهم الاستقراء إلى إن (من) تكثر زيادتها قبل مميز (كم) الخبرية، ولاسيما ما جاء في أعلى أساليب اللغة، النص القرآني الكريم، وذلك نحو قوله تعالى:((وَكَم مِّن قَرْيَة ٍ أَهْلَكْنَاهَا))([34]) وقوله عزوجل: ((وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئا))([35]) ومن هنا كان ذلك مسوغاً قوياً للقول بأن مميزها مجرور بـ(من) مضمرة، وظاهرة إضمار حروف الجر ليست بدعاً في اللغة، ولا عزيزة على الاستعمال، فقد اجمع النحويون على جواز ذلك قبل (أنْ) و(أنَ). ([36])

على أن الذي يثير الاستغراب حقاً إن جمهور النحويين يوجبون إضمار (من) مع الاستفهامية في نحو (بكم درهم اشتريت الثوب ؟) ويمنعون ذلك مع الخبرية، وليتهم سووا بين الموطنين.

وحتى لا ينساق الذهن إلى إننا ننكر على البصريين نصب المميز مع الفصل نسارع إلى القول بأننا لا ننكر عليهم ذلك بل ننكر عليهم القول بوجوب النصب.

حذف مميز (كم):

يرى معظم النحويين انه يجوز التمييز مع (كم)، كما جاز ذلك في العديد من نحو عشرين، ونظائره، ويشترط ان يكون ثمة ما يدل عليه، وذلك اما بتقدم ذكره، او دليل حال، نحو: (كم مالك؟) والمراد (كم درهماً او ديناراً مالك؟) وجاز حذف المميز للعلم بمكانه، ووضوح امره.

ولا يحسن حذف المميز مع (كم) اى اذا كانت استفهامية، ولا يحسن مع الخبرية، لأن الخبرية مضافة، وحذف المضاف اليه وابقاء المضاف قبيح. ([37]) ويرى بعض النحويين ان حذف مميز الخبرية جائز، بيد ان هذا الحذف مع الاستفهامية اكثر، لأنه في صورة الفضلات. ([38])

إعراب (كم):

تقع (كم) الاستفهامية والخبرية على حدِ سواء في مواطن:في موضع مبتدأ، كما في قولنا: (كم رجلاً عندك؟)، والمعنى: كثير من الغلمان لك. هذا اذا كانت مرفوعة، اما اذا كانت منصوبة فترد على خمسة أضرب: مفعول به، نحو: (كم يوماً محمدٌ ماكث؟)، (محمد) مبتدأ، و(ماكث) خبره، و(كم) في موضع ظرف زمان، ونحو قولك: (كم ميلاً قطعت؟)، فـ(كم) ههنا في موضع ظرف مكان، ومصدر، نحو قولنا: (كم وقفةً وقفت؟)، وخبر كان نحو قولنا: (كم كان مالك؟)، ومفعول ثانٍ لـ(ظن) واخواتها، وذلك نحو: (كم ظننتَ مالكَ؟).

كما ان (كم) ترد مخفوظة بحرف جر، نحو قولنا: (بكم ديناراً اشتريت الثوب؟) فان اردت الخبر قلت: (بكم غلامٍ مررت؟)، كما ترد مخفوظة بالإضافة، وذلك نحو: (مال كم رجلاً وزعتَ؟).([39])

الخاتمة:

ان موضوع (كم) الخبرية والاستفهامية من المواضيع المهمة، التي تستوجب الوقوف عندها وتفسير ظواهرها واستعمالاتها المتنوعة ومتابعة حالات تدوالها في الاساليب العربية بدءاً بدلالتها واصلها من حيث الافراد والتركيب ومروراً بنوع مميزها وحالاته من حيث الافراد والجمع، واستعراض اراء العلماء ومحاولة حدها وتفصيلها وفهمها واختيار المرجح منها، وتعرجاً على موضوع الفصل بين كم الخبرية ومجرورها وحذف مميزها واعرابها وقد تناول البحث هذا ووضعه في ستة مباحث حاول فيها استظهار جانب من تلك الدراسات وابرازها ومناقشتها ومحاولة حصرها والرد عليها وهذا ما هدفت له الدراسة ومن الله التوفيق....

المصادر:

  1. ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة و البصرة / عبد اللطيف بن ابي بكر الشرجي الزبيدي (ت 802هـ) تحقيق د.طارق الجنابي، المطبعة الاولى، عالم الكتب/ بيروت 1987م.
  2. ارتشاف الضرب من لسان العرب / ابو حيان، محمد بن يوسف (ت745هـ)، تحقيق مصطفى النماس، ط1، مطبعة المدني و النسر الذهبي، مصر 1984-1989م.
  3. الانصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين/ ابو البركات الانباري، عبد الرحمن بن محمد (ت 577هـ)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر / بيروت، د،ت.
  4. التطور االنحوي للغة العربية / برجستراسر، اخرجه وصححه و علق عليه:د.رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1982م.
  5. الجمل في النحو / الزجاجي، عبد الرحمن بن اسحاق (ت340هـ) تحقيق د.علي توفيق الحمد ط4/مؤسسة الرسالة، دار الامل، الاردن، 1988م.
  6. حاشية الخضري على شرح ابن عقيل / محمد الخضري الدمياطي (ت1287هـ)، مطبعة الاستقامة، القاهرة، 1953م.
  7. حاشية الصبان على شرح الاشموني / الصبان محمد بن علي (ت1206هـ)، دار احياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي.
  8. شرح ابن عقيل عى الفية ابن مالك / ابن عقيل عبد الله بن عبد الرحمن (ت1206هـ)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط6، مطبعة السعادة، مصر، 1964م.
  9. شرح الفية ابن مالك / ابن الناظم، محمد بن محمد (ت 686هـ) منشورات ناصر خسرو، طهران.
  10. شرح التصريح على التوضيح / الازهري، خالد بن عبد الله (ت905هـ) دار احياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، مصر.
  11. شرح جمل الزجاجي / ابن عصفور، علي بن مؤمن (ت669هـ) تحقيق صاحب ابو جناح، دار الكتب، جامعة الموصل، 1980-1982م.
  12. شرح الرضي على الكافية / الرضي، محمد بن الحسن (ت688هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت 1985م.
  13. الصاحبي /
  14. الفلسفة اللغوية /
  15. الكتاب / سيبويه /
  16. مدرسة الكوفة /
  17. معاني القران /الفراء
  18. مغني اللبيب عن كتب الاعاريب / ابن هشام، عبد الله بن يوسف (ت761هـ)، تحقيق د.مازن المبارك، ط5، دمشق، 1979م.
  19. المقتضب / المبرد، محمد بن يزيد (ت285هـ) تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب بيروت، 1963م.
  20. همع الهوامع في شرح جمع الجوامع / السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن (ت911هـ) تحقيق عبد السلام هارون ود. عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية، الكويت، 1975-1979م.

 

 

[1] -ينظر شرح الرضي 2/96.

[2] -ينظر المقتضب 57/3، وارتشاف الضرب 379/1.

[3] -ينظر ارتشاف الضرب 377/1.

[4] -ينظر مغني اللبيب 244/1، ووحاشية الصبان 79/4.

[5] -ينظر الانصاب 298/1م 40.

[6] -ينظر المصدر نفسه 1/300 م 40 .

[7] -ينظر ارتشاف الضرب 1/377، وئتلاف النصرة 41م 18

[8]-ينظر الانصاف 1/298-299م40

[9]-معاني القران 1/466، وينظر همع الهوامع 4/486

[10]-الصاحبي 145

[11]-مدرسة الكوفة 233.

[12]-ينظر شرح الجمل 2/46.

[13]-ينظر حاشية الصبان 4/85-86.

[14]-التطور النحوي 179.

[15]-الفلسفة اللغوية 83-84.

[16]-ينظر المقتضب 3/65، وشرح الرضي 2/97.

[17]-شرح المفصل 4/159 وينظر ارتشاف الضرب 1/378.

[18]-ينظر شرح التصريح 2/279، وحاشية الصبان 4/79.

[19]-ينظر مغني اللبيب 1/245، وشرح التصريح 2/279.

[20]-ينظر شرح الرضي 2/96.

[21]-همع الهوامع  4/79.

[22]-ينظر شرح التصريح 1/378-379، وحاشية الخضري 1/227.

[23]-الكتاب 1/292.

[24]-شرح الرضي 2/96.

[25]-ينظر ارتشاف الضرب 1/380.

[26]-ينظر شرح ابن الناظم 291، وشرح الرضي 2/96-97.

[27]-لعل قول سيبويه:- بين (كم) وبين الاسم سبق قلم، لان (بين) لا تكرر الا اذا عطفت على ما اضيف اليه ضمير، ومن ثم كان الاولى حذف (بين) الثانية

[28]-الكتاب 1/295.

[29]-ينظر المقنضب 3/60-61.

[30]-ينظر الانصاف 1/305-307م41، وائتلاف النصرة 41م10.

[31]-البيت من شواهد المقتضب 3/61، والجمل 136.

[32]-ينظر الانصاف 1/303-304م41.

[33]-ينظر شرح الرضي 2/97.

[34]-الاعراف/4.

[35]-النجم/26.

[36]-ينظر مغني اللبيب 2/838، وشرح ابن عقيل 1/538-539.

[37]-ينظر شرح المفصل 4/128-129، وشرح الرضي 2/96.

[38]-ينظر شرح الرضي 2/96.

[39]-ينظر شرح المفصل 4/127-128، وشرح الرضي 2/98.