المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 011.doc

حجية السنة الشريفة

  •  (العقل):

استدل الاصوليون بالعقل لاثبات حجية السنة من منطلقين, كلاهما ناهض بالاثبات.

أولهما: كالذي ذكر في كتاب (أصول الفقه الاسلامي): (( وأما المعقول فان القرآن أخبر أن الله أنزل الكتاب على رسول الله ليبين للناس ما نزل اليهم .

وان هذا البيان بوحي منه فتجب طاعته )).

ويمكننا أن نوضح هذا أكثر فنقول:

هناك أربع مقدمات مسلمة توصلنا الى ادراك وجوب الاخذ بالسنة, وهي:

1- أن القرآن الكريم أخبرنا بأن وظيفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجاه القرآن هي البلاغ والبيان.

(وما على الرسول الا البلاغ المبين).

(وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم).

2- أن القرآن الكريم أخبرنا أن بيان الرسول هو وحي من الله تعالى.

(وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى).

3- ان الله تعالى أمر بطاعة الرسول.

(قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول).

4- اننا نعلم وجدانا أن الكثير من الاحكام الشرعية التي ذكرها القرآن الكريم لا يفهم الا بالرجوع الى بيانات الرسول وتوضيحاته لها.

أن هذه المقدمات تنهينا الى أن العقل يحكم بالتالي:

بما أن فهم القرآن الكريم لاخذ الحكم منه واجب علينا, ولا يتم هذا الواجب الا بالرجوع الى السنة يجب الرجوع اليها, وهو معنى اثبات الحجية اذ لايرجع الا الى الحجة.

وثانيهما: كالذي جاء في كتاب (الاصول العامة): (( ويراد من دليل العقل هنا خصوص ما دل على عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وامتناع صدورالذنب والغفلة والخطأ والسهو منه, ليمكن القطع بكون ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وتقريرات هي من قبيل التشريع, اذ مع العصمة لابد أن تكون جملة تصرفاته القولية والفعلية وما يتصل بها من اقرار موافقة للشريعة وهومعنى حجيتها )).

ويمكننا أن نصوغ هذا وفق قواعد الاقيسة المنطقية فنقول:

ان النبي معصوم + وكل ما يصدر عن المعصوم فهو من الشريعة = ان كل مايصدر من النبي فهو من الشريعة.

  •  انكار حجية السنة:

ذهبت طائفة من أهل السنة الى انكار حجية السنة.

يقول الاستاذ شلبي بعد استدلاله لاثبات حجية السنة: (( ومع هذا البيان الناصع لحجية السنة, فقد شذت طائفة ممن ينتمون الى الاسلام, وهي التي تنبأ رسول الله بقرب وجودها فأنكرت حجية السنة, وقالت: (حسبناكتاب الله فما كان فيه من حلال أحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناة).

ثم أيدوا دعواهم هذه بأن الكتاب فيه بيان لكل شيء كما أخبر القرآن نفسه فيقوله تعالى:(( (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقوله: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء), والقول بأن السنة دليل مستقل يناقض اخبار الله بأن الكتاب بين كل شيء فيلزم الخلف في كلام الله وهو مستحيل على الله ))(1).

ويشير بقوله: (وهي التي تنبأ رسول الله بقرب وجودها) الى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحاديث تنكر على المنكرين حجيةالسنة أمثال:

(يوشك بأحدكم أن يقول: هذا كتاب الله ما كان فيه من حلال أحللناه, وما كان فيه من حرام حرمناه, ألا من بلغه عني حديث فكذب به فقد كذب الله ورسوله والذي حدثه).

(يوشك رجل منكم متكئا على أريكته يحدث بحديث عني فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه, وما وجدنا فيه من حرام حرمناه, ألا وان ما حرم رسول الله مثل الذي حرم الله).

(لا ألفين أحدكم على أريكته يأتيه الامر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه, فيقول: لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه).

وعلق عليها الشاطبي في (الموافقات (2)) بعد روايته لها, ردا على المنكرين, بقوله: (( وهذا دليل على أن في السنة ما ليس في الكتاب )).

وحول الايتين اللتين استدل بهما المنكرون, رد القرطبي تمسكهم بهما لاثبات مدعاهم في تفسير قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) بقوله:

(( أي في اللوح المحفوظ فانه أثبت فيه ما يقع من الحوادث.

وقيل: أي في القرآن, أي ما تركنا شيئا من أمر الدين الا وقد دللنا عليه في القرآن, اما دلالة مبينة مشروحة, واما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام, أو من الاجماع, أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب, قال الله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء), وقال: (وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم), وقال: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا), فأجمل في هذه الاية وآية النحل(3) ما لم ينص عليه مما لم يذكره, فصدق خبر الله بأنه ما فرط في الكتاب من شيء الا ذكرة اما تفصيلا واما تأصيلا, وقال: (اليوم أكملت لكم دينكم).

وقال في تفسير الاية الثانية (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء): ((نظيره (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقد تقدم فلينظر هناك )).

ولا اخالنا بحاجة الى اطالة الوقوف عند هذه الشبهات الواهية, بل لسنابحاجة الى الاستدلال على حجية الكتاب والسنة, وقد ثبت العمل بهمامن قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجيله ثم أجيال المسلمين جيلا بعد جيل بما يتجاوز مستوى التواتر الى رتبة الضرورة الدينية, وليس وراء البداهة حجة لانها مرجع كل حجة.

 

  •  سنة الصحابة:

يدور الحديث في موضوعنا هذا (سنة الصحابة) حول المحاور التالية:

 تحرير محل الخلاف في المسألة.

 الاقوال في المسألة.

 أدلة المسألة.

في تحرير محل الخلاف في المسألة أو قل محور البحث, يقول الاستاذشلبي: (( من الثابت أن بعض أصحاب رسول الله ممن لازموه في حياته وعرفوامنه أسرار التشريع وبلغوا درجة الاجتهاد, اجتهدوا برأيهم فيما ليس فيه نصصريح من كتاب الله أو سنة رسوله, فكانت لهم أقوال يتفقون فيها تارة ويختلفون فيها تارة اخرى, فتجمع من ذلك مجموعة من الفتاوى عرفت بفقه الصحابة نقلها الرواة عنهم حيث لم تدون في حينها, ثم تناقلتها كتب الحديث والفقه المقارن, عمل بها فريق من الفقهاء المجتهدين الذين جاءوا من بعدهم بينما لم يعمل بها فريق آخر)).

(( فأبو حنيفة فيما نقل عنه يقول: اذا لم أجد في كتاب الله ولا سنةرسوله, أخذت بقول أصحابه, من شئت, وأدع قول من شئت, ثم لا أخرج عن قولهم الى قول غيرهم )).

 (( والشافعي حينما سئل عن أقاويل الصحابة اذا تفرقوا فيها يقول: نصيرمنها الى ما وافق الكتاب أو السنة أو الاجماع أو كان أصح في القياس )).

(( ومثلهما في ذلك الامام مالك الذي كان يأخذ بعمل أهل المدينة المتفق عليه, والمختلف فيه, الذي أساسه في الغالب فتاوى الصحابة وعملهم )).

(( وكذلك أحمد بن حنبل كان يعمل بالراجح ولا يخرج عنها )).

ثم قال أعني الاستاذ شلبي:

(( لا خلاف في أن رأي الصحابي لا يكون حجة على صحابي آخر من المجتهدين, وانما الخلاف في حجيته بالنسبة للتابعين ومن جاؤا بعدهم . وقول الصحابي في ذلك أنواع:

النوع الاول: ما اتفقوا عليه صراحة وهذا متفق على حجيته لانه اجماع صريح.

النوع الثاني: قوله فيما لا يدرك بالرأي والعقل كالامور التعبديةوالمقدرات. وهذا لا خلاف في انه حجة يجب العمل به لان مصدره السماع.

النوع الثالث: قول الواحد منهم فيما يدرك بالرأي ولم يعلم له مخالف فيه.

النوع الرابع: ما صدر عنهم اجتهادا ولم يتفقوا عليه بل تعددت أقوالهم فيه,وهذا والذي قبله وقع فيه الاختلاف.

 والاراء المحكمة في ذلك ثلاثة:

الاول: أنه ليس بحجة مطلقا, لان ذلك صدر عن اجتهاد منهم وهو محتمل للصواب والخطأ, لانهم ليسوا بمعصومين فتكون أقوالهم كأقوال غيرهم من المجتهدين في أنها ليست حجة, ولانه ثبت تخطئة بعضهم لبعض ورجوع بعضهم عن رأيه: كما ثبت مخالفة بعض فقهاء التابعين لبعضهم وقد علموا بهذه المخالفة ولم ينكروا عليهم, ولو كان رأيهم حجة ملزمة لمن جاء بعدهم لانكروا عليهم تلك المخالفة, واذا ثبت ذلك في حق التابعين كان غيرهم مثلهم,وامتياز الصحابة بكونهم أفضل وأعلم وأتقى من غيرهم لا يوجب على مجتهد آخر ممن جاء بعدهم تقليدهم لان الادلة الدالة على منع التقليد عامة تشمل الصحابي وغيره.

الثاني: أنه حجة فيما خالف القياس (( القواعد )) لان مخالفة القواعد لاتكون بمجرد الرأي بل لابد لها من دليل في الغالب سمعيا.

الثالث: انه حجة مطلقا لان قول الصحابي أقرب الى الصواب من قول غيره من المجتهدين لاحتمال أن يكون سمعه من رسول الله أو سمعه من صحابي سمعه منه عليه الصلاة والسلام, أو يكون فهمه من آية في كتاب الله فهما خفي على غيرهم لامتيازهم بمعرفة اللغة بالسليقة وحدة الذهن ووقوفهم على أسباب النزول وطول صحبتهم لرسول الله ومشاهدتهم لافعاله وفتاويه. وهذا يجعل فهمهم في مرتبة لا يصل اليها فهم غيرهم, ولو كان اجتهادهم عن قياس فهو أولى من قياس غيرهم لكونهم أخبر من غيرهم بمعرفة علل التشريع وأسراره ))(4).

والى هذا الرأي الاخير ذهب الشاطبي في (الموافقات(5) في المسألةالتاسعة من مبحث السنة), قال: (( سنة الصحابة رضي الله عنهم سنة يعمل عليها ويرجع اليها )).

وخلاصة ما استدل به الشاطبي هو:

1- ثناء الله عليهم بمثل قوله تعالى:

(كنتم خير امة اخرجت للناس).

(وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).

2-(( ما جاء في الحديث من الامر باتباعهم وأن سنتهم في طلب الاتباع كسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

كقوله: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بهاوعضوا عليها بالنواجذ).

وقوله: (تفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة.

قالوا: ومن هم يارسول الله?

قال: ما أنا عليه وأصحابي).

وعنه انه قال: (أصحابي مثل الملح لا يصلح الطعام الا به).

وعنه أيضا: (ان الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين, واختار لي منهم أربعة: أبا بكر وعمر وعثمان وعلي فجعلهم خيرأصحابي, وفي أصحابي كلهم خير).

ويروى في بعض الاخبار: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم).

3- (( أن جمهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجيح الاقاويل:

فقد جعل طائفة قول أبي بكر وعمر حجة ودليلا.

وبعضهم عد قول الخلفاء الاربعة دليلا.

وبعضهم يعد قول الصحابة على الاطلاق حجة ودليلا.

ولكل قول من هذه الاقوال متعلق من السنة )).

وعلق محرر الكتاب الشيخ عبدالله دراز على قوله: (( ولكل من هذه الاقوال متعلق من السنة )) بقوله:

(( كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) رواة أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه.

وهو نفسه دليل من قال بأن اجماعهما اجماع.

وكما في الاحاديث السابقة في سنة الخلفاء الراشدين أو الصحابةعلى الاطلاق )).

4- (( ما جاء في الاحاديث من ايجاب محبتهم وذم من أبغضهم )).

هذه خلاصة أدلة الشاطبي, فلنكن معها استنطاقا ونقدا بغية الوقوفعلى مدى دلالتها.

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- أصول الفقه الاسلامي 121.

2- الموافقات 4 / 15 16 .

3- يعني قوله تعالى: (وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم).

4- يراجع: أصول الفقه الاسلامي: المبحث السابع في أقوال الصحابي.

5- الموافقات 4 / 74 .