المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 007.doc

الظاهرة الاجتماعية

وبدء نقوم بتعريف الظاهرة والواقعة علميا, ثم نعرف الواقعة الاجتماعية والظاهرة الاجتماعية كمصطلحين من مصطلحات علم الاجتماع.

 الظاهرة Phenomenon:

هي كل شيء يدرك الانسان وجوده, ويستطيع وصفه أو الحديث عنه(1).

 الواقعة Fact:

هي ما يحدث فعلا, أو هي أمر يحدث.

وهي (( في العادة موضوعية (أي لها واقع في الخارج), وقد تكون ذاتية(أي لا واقع لها في الخارج) كاعتقاد شخص ما بوجود (الرخ) أو (عرائس البحر) .. ))(2).

ويقول الدكتور بدوي في (معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية): (( ويميزبعضهم بين الواقعية Fact والظاهرة Phenomenon على أساس أن الواقعةموضوعية (أي خارجية) والظاهرة تجريدية (يعني ذهنية) أي تدلعلى النظر للوقائع الاجتماعية من الخارج, أو من ناحية الملاحظة )).

 الواقعة الاجتماعية Social|Fact:

هي طريقة السلوك الاجتماعي في أمر من الامور الاجتماعية.

 الظاهرة الاجتماعية Social|Phenomenon:

(( عبارة عن نماذج من العمل والتفكير والاحساس التي تسود مجتمعنا من المجتمعات, والتي يجد الافراد أنفسهم مجبرين على اتباعها في عملهم وتفكيرهم )).

ونستخلص من هذه التعريفات أن من سمات الظاهرة الاجتماعية التالي:

1- التلقائية.

2- الشمولية.

3- الالزام .

ولاننا ندرس هنا بناء العقلاء أو سيرة العقلاء كمصدر اصولي, لابد من أن نضيف سمة اخرى لسمات الظاهرة الاجتماعية لترقي الى مستوى تباني العقلاء في الرأي الاصولي, وهي اشتراط صدور السلوك من الناس بصفتهم عقلاء, ولنسم هذه السمة:

4- العقلانية:

أي صدور السلوك عن الانسان بصفته عاقلا يضع الاشياء في مواضعها من حيث النفع والضرر والمصلحة والمفسدة.

وبعد هذا التمهيد ننتقل الى بيان ما يراد ببناء العقلاء في الرأي الاصولي:

  •  بناء العقلاء:

(تعريفه):

عرف بناء العقلاء بأنه صدور العقلاء عن سلوك معين, تجاة واقعة ما,صدورا تلقائيا, شريطة أن يتساووا في صدورهم عن هذا السلوك,على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم, وتفاوت ثقافاتهم ومعارفهم وتعدد نحلهم وأديانهم .

وذلك مثل أخذهم بظواهر الكلام (3).

وهذا التعريف يلتقي وتعريف الظاهرة الاجتماعية بسماتها المذكورة فيأعلاة.

(حجيته):

ان مجال دراسة بناء العقلاء أو سيرة العقلاء دليلا يستدل به على المسألةأو القضية الاصولية يعتد به من الناحية التطبيقية, أي أن ذلك يجري داخل اطار التشريعات الاسلامية.

وكان هذا لان أصول الفقه هو قواعد استنباط الاحكام الشرعية, ولان النظرية الاصولية لا تعد نظرية اصولية وان استقيت من تباني العقلاء الااذا كان ذلك داخل اطار الهدف أو الغاية من وضع أصول الفقه ودراسته وهوكونه قواعد استنباط الاحكام الشرعية.

ومن هنا اشترط لحجيته على المستوى المذكور اعتبار الشارع المقدس لهذا السلوك المعين بموافقته عليه.

يقول استاذنا الشيخ المظفر: (( أن بناء العقلاء لا يكون دليلا اذا كان يستكشف منه على نحو اليقين موافقة الشارع وامضاؤة لطريقة العقلاء, لان اليقين تنتهي اليه حجية كل حجة )).

(( وان موافقة الشارع لا تستكشف على نحو اليقين الا بأحد شروط ثلاثة)).

هي:

1- أن لا يصرح الشارع المقدس بالغاء السيرة المعينة (السلوك المعين).

أي (( ألا يكون مانع من كون الشارع متحد المسلك مع العقلاء في البناء والسيرة, فانه في هذا الفرض لابد أن يستكشف أنه متحد المسلك معهم بمجردعدم ثبوت ردعه, لانه من العقلاء بل رئيسهم .

ولو كان له مسلك ثان لبينه, ولعرفناه, وليس هذا مما يخفي.

ومن هذا الباب: الظواهر وخبر الواحد, فان الاخذ بالظواهر والاعتماد عليها في التفهيم, مما جرت عليها سيرة العقلاء, والشارع لابد أن يكون متحد المسلك معهم, لانه لا مانع من ذلك بالنسبة اليه, وهو منهم بما هم عقلاء, ولم يثبت منه ردع.

وكذلك يقال في خبر الواحد الثقة فانه لا مانع من أن يكون الشارع متحدالمسلك مع العقلاء في الاعتماد عليه في تبليغ الاحكام, ولم يثبت منه الردع )).

2- أن يقر (أو يمضي) الشارع المقدس السيرة المعينة (السلوك المعين).

لانه (( اذا كان هناك مانع من أن يكون الشارع متحد المسلك مع العقلاء فلابدأن يثبت لدينا جريان السيرة العملية حتى في الامور الشرعية بمرأى ومسمع من الشارع.

فاذا لم يثبت حينئذ الردع منه يكون سكوته من قبيل التقرير لمسلك العقلاء.

وهذا مثل الاستصحاب فانه لما كان مورده الشك في الحالة السابقة, فلامعنى لفرض اتحاد الشارع في المسلك مع العقلاء بالاخذ بالحالة السابقة, اذلا معنى لفرض شكه في بقاء حكمه, ولكن لما كان الاستصحاب قد جرت السيرة فيه حتى في الامور الشرعية, ولم يثبت ردع الشارع عنه فانه يستكشف منه امضاؤه لطريقتهم )).

3- أن يكون هناك دليل يقيني يدل على رضا الشارع وامضائه للسيرةالمعينة (السلوك المعين), وذلك عند فقدان الشرطين السابقين.

وهذا في (( مثل الرجوع الى أهل الخبرة عند النزاع في تقويم قيم الاشياءومقاديرها, نظير القيميات المضمونة بالتلف ونحوة, وتقدير قدر الكفاية فينفقه الاقارب, ونحو ذلك )).

والخلاصة:

أن مصدر أصول الفقه هو سيرة العقلاء, واليها ترجع كل المدركات العقليةالتي يذكرها الاصوليون في أبواب الاصول.

وان ما ورد في نصوص شرعية (آيات أو روايات) في قضايا الاصول هي اقرار وامضاء للسيرة العقلائية.

أو هي في الحقيقة تطبيق لما جرى عليه الناس من ظواهر اجتماعية عامة في واقع حياتهم وشؤونها. وعلى أساس ما تقدم من شروط لاعتبارالسيرة حجة نضيف شرطا خامسا لشروط الظاهرة الاجتماعية لتكتسب صفة الشرعية, ويصح الرجوع اليه, وهو:

5- أن تستكشف موافقة الشارع على ذلك السلوك المعين.

ولنسم هذا الشرط بالشرعية.

وعليه تكون الشروط كالتالي:

1- التلقائية.

2- الشمولية.

3- الالزام .

4- العقلائية.

5- الشرعية.

 وظيفته:

بايجاز:

وظيفة علم الاصول هي البحث في الحجة الشرعية.

أو قل: هي اثبات الحجية للدليل الفقهي.

وبغية أن يتوصل الى هذا لابد له من السير الى ذلك بخطوتين متكاملتين.

وتفصيله بالتالي:

ذكرنا في موضوع هذا العلم أنه يبحث في شيئين, هما:

 الظواهر اللغوية الاجتماعية العامة (أي المشتركة بين جميع لغات البشر).

 المدركات العقلية العامة (أي المشتركة بين جميع مجتمعات البشر).

هذا من حيث النظرية.

أما من حيث التطبيق فانه يطبق نتائج بحثه النظري على الظواهر الشرعيةالتي هي من مصاديق الظواهر اللغوية الاجتماعية العامة أو المدركات العقلية العامة.

وذكرنا في مبحث مصادر هذا العلم أنها منحصرة في الدليل العقلي الذي هو:

 بناء العقلاء (أي متبنيات الناس جميعا).

 العقل الفطري (أي المدركات البديهية).

فالخطوة الاولي:

هي أن يثبت العالم الاصولي أو الباحث الاصولي أن هذه الظاهرة اللغويةالتي هي موضوع بحثه كظاهرة الظهور مثلا هي ظاهرة اجتماعية عامة,أي انها مشتركة بين جميع لغات البشر.

وسبيله الى ذلك هو بناء العقلاء, أي يرجع الى متبنيات الناس جميعا,ليرى ان كانت هذه الظاهرة التي هي من موضوع بحثه هي من متبنيات الناس جميعا.

ويتم هذا له باثبات أن ظاهرته التي هي موضوع بحثه متوافرة على شروط الظاهرة العامة التي سبق أن ذكرناها في مبحث (مصادر الاصول), وهي:التلقائية والشمولية والالزام والعقلانية.

فان أثبت ذلك عن طريق الاستقراء وهو الطريق العلمي أو عن طريق الاستنتاج وهو الطريق الفلسفي ينتقل الى الخطوة الثانية.

أو يثبت أن هذا الذي أدركه بعقله الفطري هو من المدركات العقلية العامة,أي المشتركة بين جميع مجتمعات البشر.

وسبيله الى ذلك هو أن يثبت أن ما هو موضوع بحثه أما من القضايا البديهية, وأما أنها من القضايا التي تنتهي اليها.

ومتى أثبت ذلك انتقل الى الخطوة الثانية.

والخطوة الثانية:

هي أن يلتمس الدليل الشرعي على اعتبار هذه الظاهرة الاجتماعية أو ذلك المدرك العقلي, أي يثبت أن الشارع المقدس قد أعطي هذه أو ذلك الحجية واعتبرهما حجة شرعا.

والسبيل الى ذلك هو:

 استقراء النصوص الشرعية من آيات وروايات واستنطاقها وفق الضوابطوالقواعد المقررة.

 أو استقراء أفعال واقرارات المعصوم من خلال ما يذكر في النقول والوثائق التاريخية المعتبرة.

وبهذه الخطوة الثانية يضيف للظاهرة موضوع بحثه الشرط الخامس من شروطها وهو الشرعية.

ولنوضح هذا بالامثلة:

1- لدراسة النص الشرعي يتناول علم الاصول الظواهر التالية:

 الظهور اللفظي.

 خبر الثقة.

 مراد المتكلم .

ويخطو الخطوات التالية لدراسة الظهور:

أ- تعريف الظهور.

ويسلك الى هذا عن طريق الاستعمال اللغوي العرفي.

ب- اثبات أن الظهور ظاهرة لغوية اجتماعية عامة.

ويصل الى هذا عن طريق بناء العقلاء.

ج- التماس الدليل لاثبات شرعية هذه الظاهرة عن طريق الكتاب والسنة.

د- تطبيق ما توصل اليه من الحجية على ظواهر الالفاظ الشرعية.

هـ- تأصيل الاصل الذي يرجع اليه عند الشك في دلالة اللفظ.

ولدراسة خبر الثقة يخطو الخطوات التالية:

أ- تعريف خبر الثقة.

وذلك عن طريق الاستعمال اللغوي العرفي والنصوص الشرعية.

ب- اثبات أن هذه الظاهرة اجتماعية عامة.

وذلك عن طريق بناء العقلاء.

ج- التماس الدليل لاثبات شرعية الظاهرة.

وذلك عن طريق الكتاب والسنة.

د- يطبق ما توصل اليه على الروايات التي يرويها الثقات.

وفي دراسة تعيين مراد المتكلم يسير الخطوات التالية:

أ- اثبات أن هذه الظاهرة هي ظاهرة اجتماعية عامة.

ويتم هذا عن طريق بناء العقلاء.

ب- بيان طرق تعيين مراد المتكلم من كلامه.

وذلك عن طريق الوسائل التي يستخدمها الناس كافة.

ج- تطبيق النتيجة على مرادات الشارع المقدس (النصوص الشرعية).

د- تأصيل الاصل الذي يرجع اليه في تعيين مراد المتكلم من كلامه.

وفي ضوء هذا لابد من التنبيه الى أن وظيفة علم الاصول في مبحث دلالة الالفاظ, وما يسميه الاصوليون (مباحث الالفاظ) هو دراسة حجيةالظهور, وماعداها من مفردات أمثال الحقيقة والمجاز والمشترك والمشتق أومركبات أمثال الاوامر والنواهي والمفاهيم والعموم والخصوص والاطلاق والتقييد ما هي الا أساليب لتشخيص صغريات كبرى الظهور.

فهي بهذا تعد من المباحث الثانوية في هذا العلم, وليس من أساسياته.

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- انظر: معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية, مادة Phenomenon.

2- الصحاح للمرعشليين.

3- انظر: معجم المصطلحات الاصولية, الحسيني