المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 047.doc

ويقارن الدكتور عبدالكريم مجاهد في كتابه (الدلالة اللغوية عند العرب) بين المشترك اللفظي عند العرب والمشترك اللفظي عند الغربيين, ويخلص من مقارنته الىأن هناك نقطة التقاء بيننا وبينهم ونقطة افتراق.

وفي الوقت نفسه يلمح الى المنهج الذي اتبعه العرب في دراسة المشترك اللفظي, والمنهج الذي اتبعه الغربيون,وموقف اللغويين المحدثين من ذلك, فيقول (1): .

(( ويبدو أن الغربيين في دراستهم للاشتراك يفصلون بين مصطلحين هما:

 Polysemyويعني تعدد المعنى للكلمة, وهذا أقرب لمعنى المشترك في العربية)).

والثاني Homonymy هو مجموعة من الكلمات لا علاقة بينها سوى اتفاقها في الصيغة أو الشكل وهو أقرب الى الجناس التام عندنا.

وعن المصطلح الاول يقول Palmer (( قد نطلق على الكلمةالواحدة عدة معان مختلفة ومتعددة, فتجد لكلمة   Flightفي المعجم عدة معاني وهي: المرور عبر الاجواء, وقوة الطيران, ورحلة جوية, وحدة قوة جوية, سلسلة من الخطوات, الكرة الطائرة وغيرها .

وهو بهذا يتفق مع أولمان Ulmann الذي يستعمل المصطلح نفسه  Poly semyللدلالة على الحالات التي تتعدد فيهامدلولات الكلمة )) وطبقا لهذا التحديد فانه يتفق بحق مع مانطلق عليه في العربية المشترك اللفظي.

أما مصطلح Homonymy فلا خلاف بين بالمر وأولمان على تعريفه فعند الاول: (( كلمات عدة متحدة في شكلهاأو صيغتها )), والثاني يطلق المصطلح على (( الكلمات المتعددة المتحدة الصيغة )) .. ويبدو أن العبرة عندهما هوالاتفاق في النطق وطريقة اخراج الصوت أو أصوات الكلمةحتى لو اختلفت صورة الكتابة ويتضح ذلك من الامثلة التي سبقت مثل: See (( يرى )) Sea (بحر) و Flour بمعنى دقيق, و Flowwerبمعنى وردة. ويضرب سترتفنت Sturtevant أمثلة مشابهة تتفق في طريقة نطقها وتختلف صورتها الكتابيةنحو: Read (( قصبة أو مزمار )) و read بمعنى ((يقرأ )). وكذلكRed (( أحمر )), Read فعل ماض بمعنى قرأ )) ومما يعزز هذاالتخريج أن أولمان يقول في موضع آخر: (( اذا تصادف أناتفقت كلمتان أو أكثر في أصواتها اتفاقا تاما فان مثل هذه الكلمات لا يكون لها معنى البتة دون السياق الذي تقع فيه مثل اتفاق الاصوات في حالة الفعلSee (يرى) والعبارة Thebishops see(( عرش الاسقف )), والاسم The Sea(البحر) )).

ونستطيع أن نخلص من هذا الامر الى أنه عند الغربيين نوعان من الاشتراك Polysemy بالانجليزية, وبالفرنسية| Polysemieوهي مصطلح من أصل اغريقي مؤلف من Polyبمعنى كثير أو متعدد, و Semy وتعني المعني. وهي مانستطيع أن نطلق عليه دون تجاوز (( المشترك اللفظي )). وأماالنوع الثاني الذي يندرج تحت مصطلح Homonymy وقد ترجمه د. بشر في كتاب ((دور الكلمة في اللغة )) بالمشترك اللفظي أيضا بناء على التعريف الوارد عند صاحب الكتاب أولمان.والمصطلح من أصل اغريقي أيضا يتألف من Homo بمعنى ذات أو نفس, و Onomaبمعنى لفظ, والمعنى الحرفي للمصطلح يصبح ذات اللفظ أو نفسه وواضح أن المصطلح ليس فيه اشارة الى ناحية المعنى وانما يستفاد منه الناحيةالصوتية اللفظية التي تتحد فيها كلمتان أو أكثر, ونحن نرى أن ترجمته بالمشترك اللفظي تجاوز عن المعنى المرادعندهم, بل فيه اخضاع قوي للمصطلح حتى يؤدي مايؤديه عندنا.

ولعل محل الخلاف بيننا وبينهم قد نشأ من طريقة التناول التي ندرس بها المشترك اللفظي فهم ينطلقون من دراسته من خلال الصورة الصوتية المنطوقة, وليس من خلال الصورة المكتوبة كما هو الشأن عند الدارسين العرب, الذين درسوا الالفاظ المشتركة من خلال محافظتها على لفظهاوأصواتها مكتوبة ومنطوقة وهو ما نجده مثلا عند ابن جني (( باب في اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين في الحروف والحركات )) ويمثل له بالصدى للدلالة على طائر الثأروالعطش وترجيع الصوت, وقولهم صدى مال. وهو مايرفضه الدرس اللغوي الحديث حيث يشترط اللغويون المحدثون في المشترك اللفظي (( وحدة الزمان والمكان والنطق والقسم الكلامي وتباين المعنيين كل التباين )) وهذاما لم يلتزم به لغويونا فهم لم يدرسوا المشترك في فترة معينة بل تناولوه خلال مساحة زمنية طويلة. وأما البقعةالمكانية فهي شاسعة تضم الوطن العربي, وغني عن القول انهم ساقوا أمثلتهم من التراث المدون, وطبعا هذه الدراسة التاريخية كانت السبب في ايراد الكثير من المشترك.

ومما تقدم توضح لدينا أن المقصود بالبحث هنا هوالمشترك اللفظي, لانه هو الذي يدخل مفردة من مفردات دلالة الالفاظ.

  •  مجال دراسته:

يدرس المشترك اللفظي في علم اصول الفقه, وفي علم اللغة والفارق بين الدراستين يتمثل وبوضوح في منهج البحث, فهو في اصول الفقه متأثر الى حد بعيد بالمنهج الفلسفي, حيث يبدأ الاصوليون في بحوثهم بمحاولةمعرفة امكانه أو استحالته, منطلقين بعد ذلك الى النتائج الاخرى التي تقوم على أحد هذين المبدأين.

وتأثر الى حد غير قليل بهذا المنهج الفلسفي الاصولي اللغويون العرب القدامى حيث خلطوا بين المنهج العقلي (الاصولي) والمنهج النقلي (اللغوي), وسوف نلمس هذا عندعرضنا للادلة ومناقشاتها.

ويقول الدكتور حمودة في كتابه (دراسة المعنى عندالاصوليين)(2): ((وقد حظيت دراسة هذه الظاهرة بعنايةاللغويين والاصوليين القدماء على السواء فظهرت لدى اللغويين منذ فترة مبكرة دراسات في العربية تعالج الظاهرة, مثل كتاب (الاجناس في كلام العرب) لابي عبيدالقاسم بن سلام, وكتاب (الاضداد) للاصمعي, والتضاد نوع من الاشتراك.

وتتجه عناية اللغويين غالبا الى سرد الكلمات التي وقع فيها الاشتراك, وبيان معانيها, وما اذا كان الاشتراك من قبيل التضاد أم المخالفة وتتفاوت هذه الدراسات فيمابينها في عدد ما تستقصيه من هذه الكلمات, وقليلا ماتعني بتفسير الظاهرة.

وتغلب النزعة العقلية على بعض طوائف الاصوليين في تناولهم للظاهرة, وهي نزعة نجدها في الدرس الاصوليبين حين وآخر, وان كان الاتجاة العام يرفضها في تناول اللغة, لانه لا مجال للعقل في اللغات )).

والمنهج السليم أن تدرس ظاهرة المشترك اللفظي منخلال واقعها التاريخي والاجتماعي في اطار مقارنة بين اللغات, وعلى أرضية طبيعة اللغة كلغة حيث قدرةالكلمة ومرونتها على التعبير عن معان متعددة كخاصةمن خواصها الاساسية, أو لان الالفاظ متناهية والمعاني غير متناهية مما يلجي الى استخدام الاشتراك اللفظي كمايعلل الاصوليون.

وسيأتي له مزيد بيان عند دراستنا لادلة الاقوال في المسألة والموازنة بينها.

  •  موقف العقل منه:

أبنت في ما تقدمه أن الاصوليين نهجوا في دراساتهم للمشترك المنهج الفلسفي مبتدئين بتعرف واقعه من خلال تطبيق المبادي الفلسفية الثلاثة المعروفة: الوجوب  والامتناع والامكان, حتى تعددت أقوالهم بتعددها, ووفق الجدول التالي:

 

                     الاشتراك اللفظي

واجب الوقوع                          ممتنع الوقوع

                      ممكن الوقوع

             واقع                     غيرواقع

 

وانطلقوا في معالجتهم لبقية موضوعاته ومفرداته من هذا.

وهذا بطبيعته يرجع الى النظرة العقلية التي نفذالاصوليون من خلالها الى طبيعة المشترك اللفظي مجردا م واقعه الخارجي, واذا مسوا واقعه الخارجي فلانه يطابق ماانتهوا اليه من خلال هذة النظرة العقلية, أو لانه يخالف فلابد من تأويل هذا الواقع بما يطابقه أو يلتقي معه.

وجوب وقوعه:

قال الفخر الرازي في (المحصول): (( وأما القائلون بالوجوب فقد احتجوا بأمرين:

الاول: أن الالفاظ متناهية, والمعاني غير متناهية,والمتناهي اذا وزع على غير المتناهي لزم الاشتراك.

وانما قلنا: (ان الالفاظ متناهية) لانها مركبة من الحروف المتناهية, والمركب من المتناهي متناهي.

وانما قلنا: (ان المعاني غير متناهية) لان الاعداد أحدأنواع المعاني, وهي غير متناهية.

وأما أن المتناهي اذا وزع على غير المتناهي حصل الاشتراك, فهو معلوم بالضرورة.

الثاني: أن الالفاظ العامة ك(الوجود) و (الشيء) لابدمنها في اللغات.

ثم قد ثبت أن وجود كل شيء نفس ماهيته, فيكون كل شيء مخالفا لوجود الاخر, فيكون قول الموجود عليها بالاشتراك )).

وقال في ردهم: (( والجواب عن الاول: بعد تسليم المقدمتين الباطلتين أن نقول: الامور التي يقصدها المسمون بالتسمية متناهية, فانهم لا يشرعون في أن يسموا كل واحد من الامور التي لا نهاية لها, فان ذلك مما لا يخطرببالهم, فكيف يقصدون تسميتها, بل لا يقصدون الاالى تسمية امور متناهية, ويمكن أن يكون لكل واحد منهااسم مفرد.

وأيضا, فكل واحد من هذة الالفاظ المتناهية, ان دل على معان متناهية, لم يكن جميع الالفاظ المتناهية دالاعلى معان غير متناهية, لان المتناهي اذا ضوعف مرات متناهية كان الكل متناهيا.

وان دل كل واحد منها أو بعضها على معان غيرمتناهية فالقول به مكابرة.

وعن الثاني: أنا لا نسلم أن الالفاظ العامة ضرورية في اللغات.

وان سلمنا ذلك لا نسلم أن الوجود غير مشترك في المعني.

وان سلمنا لكن لم لا يجوز اشتراك الموجودات بأسرها فيحكم واحد سوي الوجود, وهو المسمي بتلك اللفظةالعامة )).

وخلاصة ما أفاده: أن الناس يضعون الالفاظ للمعاني التي يتعاملون معها, وهذه المعاني متناهية, فالالفاظ على هذا قادرة على استيعابها كما هو بين بالوجدان.

وأن ما مثلوا به من (الوجود) و (الشيء) هو من نوع المشترك المعنوي, فالقياس عليه قياس مع الفارق.

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- ص112 115 .

2- ص 85 .