المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 046.doc

الاشتراك

ان ظاهرة الاشتراك من أوضح الظواهر اللغويةالاجتماعية في عمومها وشموليتها.

ذلك (( أن قدرة الكلمة الواحدة على التعبير عن مدلولات متعددة, انما هي خاصة من الخواص الاساسية للكلام الانساني ))(1).

ولهذا (( وقع المشترك اللفظي في كل لغة, وقد دعت عوامل متعددة لوقوعه.

فكما تتطور أصوات الكلمات وتتغير, قد تتطور معانيهاوتتغير, مع احتفاظها بأصواتها.

وتطور المعاني وتغيرها مع الاحتفاظ بالاصوات هو الذي ينتج لنا كلمات اشتركت في الصورة واختلفت في المعنى))(2).

و (( ان نظرة واحدة في أي معجم من معجمات اللغة لتعطينا فكرة عن كثرة ورود هذه الظاهرة )).

ومع هذا كان في البحث الاصولي والبحث اللغوي القديم من ينكر وقوعه ووجوده مطلقا, أو على تفصيل يأتي بيانه.

وللتدليل على شيوع هذه الظاهرة نذكر بعض الامثلة من العربية والانجليزية.

ففي العربية:

ذكر السيوطي في (المزهر(3)) أمثلة للمشترك اللفظي نختار منها للاستشهاد ما يلي:

قال: (( في (الجمهرة): العم: أخو الاب, والعم: الجمع الكثير, قال الراجز:

ياعامر بن مالك ياعماأفنيت عما وجبرت عما

فالعم الاول أراد به: ياعماه, والعم الثاني أراد به: أفنيت قوما وجبرت قوما آخرين.

وفيها (أي الجمهرة): يقال: مشى يمشي من المشي,ومشى اذا كثرت ماشيته, وكذا أمشى, لغتان فصيحتان )).

وفيها (الجمهرة أيضا): للنوى مواضع:

النوى: الدار.

والنوى: النية.

والنوى: البعد )).

وقال السيوطي في(4):

(( ومن الالفاظ المشتركة في معان كثيرة: لفظ العين; قال الاصمعي في كتاب الاجناس: العين: النقد من الدراهم والدنانير ليس بعرض, والعين: مطر أيام لا يقلع; يقال: أصاب أرض بني فلان عين, والعين: عين الانسان التي ينظر بها.والعين: عين البئر, وهو مخرج مائها. والعين: القناة التي تعمل حتى يظهر ماؤها. والعين: الفوارة التي تفور من غيرعمل. والعين: ما عن يمين القبلة قبلة أهل العراق, ويقال: نشأت السماء من العين. والعين عين الميزان وهو ألا يستوي, والعين: عين الدابة والرجل وهو الرجل نفسه, أو الدابة نفسها, أو المتاع نفسه, يقال: لا أقبل منك الا درهما بعينه أي لا أقبل بدلا, وهو قول العرب: لا أتبع أثرا بعد عين.والعين: عين الجيش الذي ينظر لهم . والعين: عين الركبة;وهي النقرة التي عن يمين الرضفة وشمالها, وهي المشاشة التي على رأس الركبة, والعين: عين النفس أن يعين الرجل الرجل ينظر اليه فيصيبه بعين. والعين:السحابة التي تنشأ من القبلة قبلة أهل العراق. والعين:عين اللصوص. انتهى )).

وفي اللغة الانجليزية:

لنأخذ لفظة Wan ذكر لها (المورد) المعاني التالية:شاحب الوجه, ضعيف, كامد, باهت, سقيم, غير مجد أوغير فعال, وحملت هذة اللفظة المعاني المذكورة بسبب ماطرأ عليها من تطور دلالي لاختلاف استعمالها زمنيا.

فقد ذكر أولمان في (دور الكلمة) وهو في معرض تبيان ما يعرض للمشترك من غموض في الدلالة قال:

وقد ينشأ العارض عندما يكون للكلمة الواحدة معنيان أوأكثر يصلح كل منهما للمواقف والسياقات التي يصلح لهاالمعنى الاخر. هذه النقطة قد يوضحها خير توضيح تاريخ الصفة الانجليزية Wan, ذلك التاريخ الذي أعاده الىالوجود حديثا الاستاذ, منر, Mennor جامعة (( ييل )) Yale لقدكانت هذه الكلمة حتى نهاية القرن السادس عشر تعني ((خافت الضوء أو مظلم )), وعن طريق التغيير الطبيعي في استعمالاتها اكتسبت معنى ثانويا هو (( دكنة الجروحوزرقتها وتغير لون الوجه بسبب المرض )). وبعد عام 1300ظهر المعنى الحديث لها وهو (شاحب الوجه). وذلك بطريق الترابط العادي بين المعنيين, وهذه التواريخ ذات مغزى كبير في هذا الشأن, اذ أنها تدل على أنه في الفترة ما بين عامي 1300 و 1600 تقريبا, كانت في اللغة الانجليزية صفة واحدة بمعنى (( مظلم وشاحب اللون )) معا وتدل أيضاعلى انه قد كانت هناك حتما مواقف وسياقات صالحة لكلاالمعنيين. أما الغموض الذي نتج عن هذه الحالة, فقد حال دونه التخلص التدريجي من المعنى الاسبق في الزمن. هذاالمثال الذي ذكرناه يعد مثالا نموذجيا لما يسمى (شحنةفوق الطاقة من المعاني Overload Of Meaning) وهي تسمية مضللة الى حد ما .

ومثال آخر هو لفظة Box فانها تحمل المعاني التالية:صندوق, علبة, مقعد الحوذي(5), هدية في علبة,مقصورة في مسرح أو قطار, زريبة لفرس في اصطبل أوعربة, كشك, كوخ, ورطة: مأزق, لكمة وبخاصةعلى الاذن, شجيرة البقس أو خشبها(6).

  •  تعريف المشترك:

لكي نتعرف تعريف المشترك اللفظي الذي نحن الان بصدد دراسته لابد من أن ننطلق اليه من تقسيم المشترك الى قسميه المعروفين: اللفظي والمعنوي, ثم نعرف المشترك المعنوي, ومن بعد ننتقل الى ما ذكره العلماء فيتعريف المشترك اللفظي, ثم ذكر ما توصلنا اليه المقارنة,والموازنة بين تعريفاته.

قالوا: ينقسم المشترك الى قسمين: معنوي ولفظي.

والمشترك المعنوي كما يعرفه الاستاذ الترتوري في رسالته (المشترك ودلالته على الاحكام): (( لفظ تعدد معناه دون وضعه, واتفقت أفراده في ذلك المعنى )).

ويقول الترتوري في شرح تعريفه هذا: (( ومعنى قولنا (اتفقت أفراده في ذلك المعنى) أي اشتركت أفراده في معناه )).

(مثال ذلك: (الجسم) فانه يطلق على السماء والارض والانسان وغيرها من الاجسام, لاشتراكها في معنى الجسمية التي وضع الاسم بازائها .

وهذا يعني أن المشترك المعنوي هو ما يصطلح عليه فيعلم المنطق ب(الكلي) ملاحظا فيه انطباقه على جزئياته.

والكلي يقسم منطقيا باعتبار مستوى انطباقه على مصاديقه (جزئياته) الى: متواطي ومشكك.

فما تساوت فيه نسبة الانطباق فهو المتواطي, وذلك نحوالانسان والذهب فان كلا من هذين الكليين يصدق على جميع جزئياته بالتساوي دونما تفاوت في انطباقه عليها.

وان تفاوت انطباق الكلي على جزئياته فهو المشكك,وذلك مثل البياض, فان نسبة انطباقه على جزئياته مختلفة شدة وضعفا, ونصوعا وخفوتا.

ومن هنا قال اللغويون تبعا للمناطقة ينقسم المشترك المعنوي الى: متواطي ومشكك.

ومن تطبيقات المشترك المعنوي في فقهنا ما جاء في كتاب (البيع) للسيد الخميني في معرض تعريف الحق: ((كما لا ينبغي الريب في انه ماهية واحدة ومعنى وحداني في جميع الموارد, وليس له في كل مورد معنى مغايرللاخر.

وبعبارة اخرى: انه مشترك معنوي بين مصاديقه )).

أما المشترك اللفظي وهو موضوع بحثنا فقد عرف بأكثر من تعريف, وأهمها ما يلي:

1- تعريف الاستاذ الترتوري الذي استخلصه من مجموعة تعاريف اصولية, وهو: (( المشترك: هو اللفظ الموضوع لكل واحد من معنيين فأكثر بوضع واحد )).

2- وفي (المزهر) للسيوطي: (( وقد حدة أهل الاصول بأنه اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر, دلالةعلى السواء عند أهل تلك اللغة )).

3- ويختصر الدكتور أنيس تعريف المشترك اللفظي بكتابه (في اللهجات العربية) بقوله: وهو (( الكلمات التي رويت لنا متحدة الصورة مختلفة المعنى )).

أي أن المشترك اللفظي: هو الكلمة الواحدة التي تعبر مع محافظتها على لفظها وأصواتها عن أكثر من معنى واحد .

وكما ترى, فان هذه التعريفات كلها ترمي الى مفهوم واحد هو أن المشترك اللفظي: يعني اللفظة الواحدة (أوالكلمة الواحدة) التي لها عدة معان تدل على كل معنى من معانيها دلالة حقيقية.

وبهذا نلمس الفرق بين المشترك اللفظي والمشترك المعنوي:

هو أن اللفظ في المشترك اللفظي اسم للمعنى, وفي المشترك المعنوي هو وصف للمعني.

وفرق بينهما ابن نجيم في كتابه (فتح الغفار) باعتبارتعدد الوضع وعدم تعدده قال: (( الفرق بين المشترك اللفظي والمعنوي أن الاول (يعني اللفظي) ماتعدد معناه ووضعه, والثاني (أي المعنوي) ما تعدد معناه دون وضعه ))

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- دور الكلمة في اللغة 114.

2- في اللهجات العربية 192.

3- المزهر 1 / 370 .

4- 1 / 372 373 .

5- الحوذي: سائق العربة.

6- انظر: المورد: مادة:  Box..