المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 042.doc

7- نظرية الاقتران الشرطي:

وهي لاستاذنا الشهيد الصدر قدس سرة جاء في (الدليل اللفظي(1)):

(( وتحقيق الكلام في تشخيص حقيقة الوضع. أن يقال:بأن الله سبحانه وتعالى قد جعل من الاحساس بالشيء سببا في انتقال الذهن الى صورته فالانتقال الذهني الى الشيء استجابة طبيعية للاحساس به وهذا قانون تكويني ويوجد قانونان تكوينيان ثانويان يوسعان من دائرة تلك الاستجابة الذهنية.

أحدهما قانون انتقال صورة الشيء الى الذهن عن طريق ادراك مشابهه, كانتقال صورة الحيوان المفترس الى الذهن بسبب رؤية رسم مشابه له على الورق.

ثانيهما قانون انتقال صورة الشيء الى الذهن عن طريق ادراك الذهن لما وجده مشروطا ومقترنا بذلك الشيء على نحو أكيد بليغ فيصبح هذا القرين في حكم قرينه منحيث ايجاد نفس الاثر والاستجابة الذهنية التي كان يحدثهاعلى الذهن عند الاحساس به وهذا هو ما يسم ى فيالمصطلح الحديث بالمنبه الشرطي والاستجابة الحاصلة منهبالاستجابة الشرطية.

وهذا الاقتران والاشتراط الذي يوجب الاستجابة المذكورةلابد وأن يكون على وجه مخصوص, أي لا يكفي فيه مطلقالاقتران بل لابد وأن يكون اقترانا مركزا مترسخا في الذهن أما نتيجة كثرة تكرر الاقتران خارجا أمام احساس الذهن, وهذاهو العامل الكمي لتركيز الاقتران, أو نتيجة ملابسات اكتنفتالاقتران ولو دفعة واحدة جعلته لا ينمحي عن الذهن,وهذا هو العامل الكيفي.

والانسان تحدث استجاباته الذهنية وفق هذة القوانين الثلاثة, فاذا أطلق شخص مثلا صوتا مشابها لزئير الاسد انتقل  ا لى الذهن تصور ذلك الصوت نتيجة الاحساس السمعي به وهو تطبيق للقانون الاول, ثم ينتقل الذهن من ذلك الى تصور الزئير نتيجة المشابهة بينهما وهذا تطبيق للقانون الثانوي الاول, ثم ينتقل من ذلك الى صورة الاسد نفسه الملازم خارجا مع صوته وهذا تطبيق للقانون الثانوي الثاني.

وقد حاول الانسان أن يستفيد من القانونين التكوينيين الثانويين في مقام التعبير عن مقصودة ونقله الى ذهن مخاطبه, فاعتمد على القانون الثانوي الاول في استخدام الاشارات التعبيرية والتصويرية التي تنقل المعاني الى الذهن على أساس التشابه, ولما كان قد اعتاد أن ينتقل من الاصوات الى أسبابها وأشكال مناشئها على أساس الاقتران الخارجي فقد اتجه الى توسيع نطاق الاستفادة من الاصوات واستخدامها في مجال تفهيم الاخرين أيضا باستخدام القانون الثانوي الثاني عن طريق جعل لفظ أوصوت مخصوص مقترنا ومشروطا بمعنى مخصوص اقترانا أكيدا ناشئا من التكرار أو نتيجة عامل كيفي معين وبذلكنشأت العلقة الوضعية, أعني السببية والاستتباع بين ذلك الصوت المخصوص والمعنى المخصوص.

وهكذا تولدت ظاهرة اللغة في حياة الانسان وبدأت تتكامل وتتوسع من صيغ بدائية محدودة الى صيغ متكاملة أكثر شمولا واستيعابا للالفاظ والمعاني.

هذا هو حقيقة الوضع, فالواضع بحسب الحقيقة يمارس عملية الاقران بين اللفظ والمعنى بشكل أكيد بالغ, وهذاالاقتران البالغ اذا كان على أساس العامل الكمي كثرةالتكرار سمي بالوضع التعيني واذا كان على أساس العامل الكيفي سمي بالوضع التعييني )).

 (رأي اللغويين المحدثين):

 وأول ما يطالعنا من آراء اللغويين المحدثين في المسألة رأي همبولت (ت 1835م) Humboldt الذي ذهب في المسألة مذهب سقراط.

عرض رأيه هذا معتبرا اياة من أنصار المناسبةالطبيعية بين الالفاظ

والدلالات العالم اللغوي جسبرسن Otto Jespersen في كتابه 

 (2)       xx  Language its nature ,developmen and origin chapter 

ثم نلتقي بعدة برأي دي سوسير (ت 1913م) De saussure الذي ذكرة في كتابه 

Guatrieme editon payot, 1949  و Cours De Linguistique  Generale 

  . ومؤداه: أن الكلمة علامة للمعني.

ويتم هذا عن طريق العلاقة المتبادلة بين اللفظ (الصورة السمعية) والمعنى (الفكرة), تلك العلاقة التي هي نمط من تداعي المعاني, حيث تدعو الفكرة الصورةالسمعية, وتدعو الصورة السمعية الفكرة, أي أن الانسان عندما يسمع الصوت (اللفظ) ينتقل ذهنه الى المعنى,وعندما يرى المعنى ينتقل ذهنه الى اللفظ(3).

وقد نلمح تقاربا بين رأي دي سوسير المذكور في أعلاه ورأي الشيخ محمد حسين الاصفهاني (ت 1942م) المقدم ذكره.

ولكن من المستبعد جدا أن يكون الشيخ الاصفهاني قدأطلع على رأي دي سوسير فتبناه لانه لا يحسن اللغةالفرنسية, كما أنه لم يقدر له الاتصال بالاساتذة العرب الجامعيين العائدين من فرنسا.

فالامر لا يعدو أن يكون ذلك منه نظرة الى واقع اللغةوافادة هذا الرأي منه, تماما كما فعل دي سوسير.

وهي من النظريات الاجتماعية التي نظرت الي اللغةكظاهرة اجتماعية وتلمست نوعية العلاقة من خلال تعامل أبناء المجتمع مع الالفاظ في التفاهم وما اليه.

وهي نظرة تقوم على أساس الاستقراء من خلال ا لملاحظة.

وأخيرا نكون مع أحدث النظريات في المسألة وهي نظرية الاقتران التكراري التي استعرضتها الدكتورة نوال عطية في كتابها (علم النفس اللغوي(4)) قالت:

(( ومصطلح المعنى, مصطلح عام كثيرا ما نتناوله في لغتنا اليومية العادية.

الا انه قد دارت مناقشات عدة حول هذا المصطلح,بطريقة غير موضوعية مدة من الزمن: فكان الجدل ا لفلسفي الذي لم يؤد الى الفهم العلمي للعمليات المتضمنة في تكوين معنى اللفظ. كما لم يصف أهميةمعنى اللفظ في السلوك اللفظي.

وفي الواقع, أن الاسس التي قامت عليها عملية تعلم معنى اللفظ, قد ظهرت في الاشتراط الكلاسيكي من حيث الاقتران التكراري بين مثيرين, لصدور استجابة ما. وقد أوضح أوزجود( Osgood (1953 حدوث مثل هذه العملية في التعلم اللغوي وهي: أن معنى اللفظ ينشأ من عمليةاقتران بين اللفظ وبين المثير الشيئي الدال على هذا اللفظ.

بمعنى أن المثيرات اللفظية (أصوات كلامية) تقترن مع مثيرات شيئية اقترانا منتظما متكررا. مثال ذلك: حينما تقول الام لطفلها كلمة (( كرة )) مرات عديدة في اللحظة التي يتطلع فيها الى المثير الشيئي نفسه وهو الكرة. أو تقول كلمة (( قطة )) في حضور القطة أمام عيني الطفل. أو تقول: (لا) وتدفع الطفل بشدة بعيدا عن شيء ما, أو تنزع شيئاما من يدة.

ففي كل من هذه الحالات, يوجد اقتران منتظم ومتكرر بين مثيرين أحدهما عبارة عن مثير لفظي, والاخر عبارة عن مثير شيئي )).

والاقتران التكراري هو الاقتران الشرطي الذي عرض له السيد الصدر واختاره.

وهو كما قلت يلتقي وطبيعة منهج البحث في اللغةحيث يقوم على الاستقراء من خلال الملاحظة.

وأخيرا: اذا استثنينا رأي الشيخ الاصفهاني والسيد الصدرلانهما كما ألمحت يتمشيان مع متطلبات منهج البحث في اللغة باعتمادهما الاستقراء من خلال الملاحظة, فانه يؤخذعلى الفلاسفة اليونانيين انهم استخدموا منهجيا لدراسة ظاهرة علاقة اللفظ بالمعنى الطريقة العقليةالاستنتاجية.

وهذا قد يتأتى لو أن الالفاظ اللغوية في جميع اللغات كانت قد وضعت بكاملها منذ الزمن الغائر في القدم حيث لايستطاع اخضاع الحادثة للملاحظة الاستقرائية.

أما وأن اللغة وكما نشاهده في لغتنا العربية تميت ألفاظا استغنت عنها, وتحيي ألفاظا افتقرت اليها, يكون استخدام طريقة الملاحظة الاستقرائية ميسرا.

والذي نشاهده من خلال ايماننا بأن اللغة ظاهرةاجتماعية أن اللفظ يستعمل من قبل أبناء مجتمع اللغة في المعنى بسبب الحاجة الى ذلك, وبشكل تلقائي, ثم يشتهروتترسخ دلالته.

كما أننا نشاهد المؤسسات العلمية اللغوية أمثال مجامع اللغة العربية تضع الالفاظ للمعاني وتنص على ذلك.

ومن ملاحظة هذا الواقع, وهو امتداد للواقع الاجتماعي القديم نستطيع أن نقول نتيجة لما تقدم أن اللفظ يرتبط بالمعنى بسبب استعمال أبناء مجتمع اللغة, أو بسبب ربطه به من قبل المؤسسات اللغوية والمعنيين بذلك,وتنصيصهم عليه.

وقد ألمح الى مثل هذا النقد الدكتور ابراهيم أنيس في كتابه (دلالة الالفاظ(5)) بقوله: (( وظلت كلمتا (الطبيعة أوالعرفية) محور الجدل والنقاش زمنا طويلا بين مفكرياليونان من لغويين وفلاسفة.

وكان كل من الفريقين يؤسس رأيه على مجرد المغامرةالفكرية دون سند علمي من ملاحظة دقيقة أو استقراءللحقائق.

ولكنهم جميعا كما يصفهم (ستيورات شاس Stewart Chase) في كتابه (طغيان الكلمات Tyranny Of Words) بقوله: انهم مناطقة أقوياء يندر نظراؤهم في العالم, الا انهم لم يزالواعلى مقربة من المقدمات البدائية, فلم تتخلص عقولهم من سحر الكلمة, وحسبوا أنها ذات قوى كامنة فيها كما قدي حسب الطفل أو معتقد الشعوذة, ولولا ذلك لما أقاموا كل شيء على (اللوغوس) وشغلوا العقول والنفوس بهذه الفكرة الى اليوم )).

هذا من حيث المنهج, أما من حيث الفكرة فلم يضف العلماء والمفكرون بعد سقراط وارسطو, الا ما رأيناه من نقدلرأي سقراط, وتفريع على رأي ارسطو بالتعريفات المختلفة للوضع الذي يراد منه بيان نمط العلاقة بين اللفظ والمعنى, ووفق المنهج الفلسفي الذي يعتمد الاستنتاج لا الاستقراء.

وفي النهاية: ان كل الذي تقدم من عرض ونقد يسلمناالى أن العلاقة بين اللفظ والمعنى علاقة اقتران, كما ذهب اليه استاذنا السيد الصدر, وكما هو المذهب النفسي اللغويالمشهور.

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- 77 79 .

2- انظر: دلالة الالفاظ 68.

3- انظر: علم اللغة للدكتور السعران 303.

4- ص53 .

5- دلالة الالفاظ 63 64 .