المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 041.doc

(رأي ابن جني)

ان من يرجع الى كتاب (الخصائص) لابن جني, وبخاصة في فصل (الاشتقاق الاكبر) سوف يراه يحوم حول حمى سقراط, ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه,وربما وقع فيه, فهو يؤكد على ضرورة وجود المناسبة بين طبيعة اللفظ كصوت وطبيعة المعنى كواقع, تلك المناسبة التي تمسك بها المعتزلة القائلون بمقالة سقراط ليحققوا وجود المرجح الكاشف عن أن العلاقة بين اللفظ والمعنى طبيعية لا عرفية, كما سيأتي.

ولنعرض هنا شاهدا واحدا من كلام ابن جني في موضوع الاشتقاق الاكبر, قال: (( ومن ذلك (أي من الاشتقاق الاكبر): تقليب (ج ب ر) فهي أين وقعت للقوة والشدة,منها:

جبرت العظم والفقير, اذا قويتهما وشددت منهما.

والجبر: الملك لقوته وتقويته لغيرة.

ومنها: رجل مجرب, اذا جرسته الامور ونجذته, فقويت منته, واشتدت شكيمته.

ومنه: الجراب لانه يحفظ ما فيه, واذا حفظ الشيء وروعي اشتد وقوي, واذا أغفل وأهمل تساقط ورذي.

ومنها: الابجر والبجرة, وهو القوي السرة.

ومنه: قول علي صلوات الله عليه: (الى الله أشكوعجري وبجري), تأويله: همومي وأحزاني.

وطريقه أن العجرة كل عقدة في الجسد, فاذا كانت في البطن والسرة فهي البجرة, والبجرة, تأويله: أن السرةغلظت ونتأت فاشتد مسها وأمرها.

وفسر أيضا قول: (عجري وبجري) أي ما أبدي واخفي من أحوالي.

ومنه: البرج, لقوته في نفسه وقوة ما يليه به.

وكذلك البرج, لنقاء بياض العين وصفاء سوادها, هو قوة أمرها, وانه ليس بلون مستضعف.

ومنها: رجبت الرجل, اذا عظمته وقويت أمره.

ومنه: رجب, لتعظيمهم اياه عن القتال فيه.

واذا كرمت النخلة على أهلها فمالت دعموها بالرجبة,وهو شيء تسند اليه لتقوى به.

والراجبة: أحد فصوص الاصابع, وهي مقوية لها.

ومنها: الرباجي, وهو الرجل يفخر بأكثر من فعله, قال:وتلقاه رباجيا فخورا.

تأويله: أنه يعظم نفسه ويقوي أمرة ))(1).

 (رأي الاصوليين السنة):

لم يزد علماء اصول الفقه السنيون على الرأيين اليونانيين,الا بما وجهوه من نقد لرأي سقراط.

وقد تبنى عباد بن سليمان الصيمري, وأهل التكسير (علم الحروف), وبعض المعتزلة رأي سقراط (( وزعموا أن بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتية مخصوصة منها نشأت دلالته عليه ))(2).

وتبنى جمهورهم رأي ارسطو فقالوا: ان العلاقة بين اللفظ والمعنى نشأت بسبب الوضع.

الا أنهم اختلفوا في الواضع: هل هو الله تعالى, أوالبشر, أو أن الالفاظ الموضوعة بعضها من الله وبعضها من الناس.

قال الفخر الرازي في (المحصول(3)): (( كون اللفظ مفيد اللمعنى: اما أن يكون لذاته, أو بالوضع, سواء كان الوضع من الله تعالى, أو من الناس, أو بعضه من الله تعالى وبعضه من الناس, فهذه احتمالات أربعة:

الاول: مذهب عباد بن سليمان الصيمري.

والثاني: وهو القول بالتوقيف: مذهب الاشعري وابن فورك.

والثالث: وهو القول بالاصطلاح: مذهب أبي هاشم وأتباعه.

والرابع: هو القول بأن بعضه توقيفي وبعضه اصطلاحي,وفيه قولان:

منهم من قال: ابتداء اللغات يقع بالاصطلاح, والباقي لايمتنع أن يحصل بالتوقيف.

ومنهم من عكس الامر, وقال: القدر الضروري الذي يقع به الاصطلاح توقيفي, والباقي اصطلاحي, وهو قول الاستاذ أبي اسحاق (الاسفراييني).

وأما جمهور المحققين فقد اعترفوا بجواز هذه الاقسام,وتوقفوا عن الجزم )).

وأشار الرازي في المصدر نفسه(4) الى دليل الصيمري بقوله:

(( واحتج عباد بأنه لو لم يكن بين الاسماء والمسميات مناسبة بوجه ما, لكان تخصيص الاسم المعين بالمسمى المعين ترجيحا لاحد طرفي الجائز على الاخر من غير مرجح, وهومحال.

وأن حصلت بينهما مناسبة فذلك هو المطلوب )).

وأجاب عنه بقوله: (( والجواب: ان كان الواضع هو الله تعالى, كان تخصيص الاسم المعين بالمسمى المعين,كتخصيص وجود العالم بوقت مقدر دون ما قبله أو ما بعدة.

وان كان الناس فيحتمل أن يكون السبب خطور ذلك اللفظ في ذلك الوقت بالبال دون غيره, كما قلنا في تخصيص كل شخص بعلم خاص من غير أن يكون بينهما مناسبة)).

واجيب عنه في بعض مناقشات اصول الفقه الامامي لهذاالرأي بأن

(( المحال هو الترجح بدون المرجح كوجود المعلول بدون العلة, لا الترجيح بدون المرجح, لامكان تساوي الاغراض في تحصيل غرض واحد مطلوب كتساوي الرغيفين من الخبز في الاشباع فيؤتي بأحدهما تخييرا لحكم العقل بالتخيير حينئذ,والا لزم فوات هذا الغرض, اذ مقتضى محالية الترجيح بلامرجح فواته مع تساوي الدخيل فيه من جميع الجهات, بل عدم امكان الاتيان بواحد مما له دخل فيه كما هومقتضى المحالية مع أنه خلاف الوجدان والعقل لامكان الاتيان بأحدهما بدا كما انه لا وجه لتفويت الغرض المطلوب ))(5).

والملحوظ هنا أن اصول الفقه السني توقف عند تبني الرأيين اليونانيين دونما اضافة الا في حدود ما أشرت اليه من نقد.

وقد يرجع هذا فيما أقدر الى تأكيدهم على دراسة الاصول العقلية كالقياس أكثر من تأكيدهم على الاصول النقلية (اللغوية).

 (رأي الاصوليين الشيعة):

وقد أطال علماء اصول الفقه الاماميون من الشيعة البحث في حقيقة الوضع.

وأهم ما انتهوا اليه من آراء وأقوال هي:

1- نظرية التعهد:

وهي للملا علي النهاوندي صاحب (تشريح الاصول), قال في تعريف الوضع ب(( انه عبارة عن تعهد الواضع والتزامه بارادة المعنى من اللفظ في استعمالاته للفظ بلا قرينة ))(6),(( وتبعه في ذلك أهل لغته ))(7).

2- نظرية الاختصاص:

وهي للملا محمد كاظم الخراساني, قال في كتابه (كفاية الاصول(8)): ((الوضع: هو نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما ناشي من تخصيصه به تارة ومن كثرة استعماله فيه اخرى )).

3- نظرية الرمز:

وتعني أن اللفظ علامة ترمز للمعني.

وهي للفيلسوف الشيخ محمد حسين الاصفهاني في كتابه(نهاية الدراية) قال في تعريف الوضع: هو (( جعل اللفظ علامة على ارادة المعنى )).

4- نظرية الاعتبار:

وتعني أن الوضع اعتبار له واقع.

وهي للاصولي الشيخ ضياء الدين العراقي, وخلاصته: (( أن الوضع أمر اعتباري, الا أنه يختلف عن الامور الاعتباريةالاخرى بأن ما يتعلق به الاعتبار يتحقق له واقع ويتقرر له ثبوت واقعي كسائر الامور الواقعية, فهو يختلف عن الامورالواقعية من جهة انه عبارة عن جعل العلقة واعتبارها,ويختلف عن الامور الاعتبارية بأن ما يتعلق به الاعتبار لاينحصر وجودة بعالم الاعتبار, بل يثبت له واقع في الخارج )).

5- نظرية التنزيل:

ويقررها ويقرها السيد البجنوردي في كتابه (منتهي الاصول (9)) بتعريفه الوضع بأنه (( عبارة عن الهوهوية والاتحاد بين اللفظ والمعنى في عالم الاعتبار.

ومثل هذة الهوهوية والاتحاد الاعتباري يمكن أن يوجد في عالم الاعتبار بالجعل والانشاء تارة وبكثرة الاستعمال اخرى)).

6- نظرية الجعل:

وهي للشيخ أبي الحسن المشكيني في (حاشيته على كفاية الاصول(10)) قال: ((قد وقع الخلاف في ماهية الوضع المتحقق بين اللفظ والمعنى, وأنه هل هو تخصيصه به, أو اختصاص له به, أو تعهد من الواضع وتبعه في ذلك أهل لغته.

وهو بالمعنى الاول والثالث من صفات الواضع بخلاف الوسط فانه من صفات اللفظ.

وحقيقته بناء عليه هو العلقة الحاصلة بين اللفظ والمعنى بواسطة جعل الواضع نظير الملكية الحاصلة بانشاء من بيده الاختيار, وغيرها من الامور القابلة للجعل التشريعي الاستقلالي على ما حققناه في الاستصحاب

وغيره , وهذا هو الاقوى لحصوله وجدانا بكثرة الاستعمال, وليس فيه تبان ولاتخصيص )).

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- الخصائص 135/2 136 ط دار الكتب المصرية.

2- شرح مختصر المنتهى الاصولي وحواشيه 193/1 ط 1393هـ .

3- المحصول 1 / 181 182 ط2 .

4- ص183 .

5- منتقى الاصول /52/1 53 ط1.

6- منتهى الاصول 14/1 ط2.

7- حاشية المشكيني على كفاية الاصول 11/1.

8- كفاية الاصول 1 / 10 حاشية المشكيني .

9- منتهي الاصول 1 / 15 .

10- 1 / 11 .