المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 038.doc

الدلالة

  •  تعريفها:

الدلالة لغويا: الارشاد.

يقال: دله على الطريق, والى الطريق, أرشده اليه. وهي بفتح دالها وكسرة, وتعطي معناها الارشاد عن قصد من الدال (المرشد), ومن غير قصد كمن يشاهد حركة انسان فيستدل منها على أنه حي.

وكلمه (دلالة) كمعظم الكلم العربية وضعت في الاصل لمعنى مادي وهو العلامة أو السمة.

وهذا يؤيد ما ذهب اليه الكوفيون من أن الاسم وهو علامة المسمى مأخوذ من السمة.

ويؤكده أن الكلمة بلفظها Sema من كلم اللغة اليونانية,وأيضا هي في اليونانية تعني العلامة.

ثم امتدت من المادي الى المعنوي لوجه شبه بينهما.

ففي البدء وضعت الدلالة اسما للنصبة التي تشير الى شيء ما, مرشده اليه, كاللوحات الارشادية في عصرنا هذا مرسوما عليها السهم يشير الى ذلك الشيء, ووضعت اسما للعقدة في خيط تعني العدد الحسابي المقصود.

ثم وبعد التطور الحضاري وانتشار العلوم في البلادالعربية ترجمة وتأليفا وقف الباحثون والعلماء عندهاوعليها مصطلحا علميا.

وأقدم حقل معرفي تناول الدلالة بالبحث بصفتها مصطلحا علميا هو علم المنطق الصوري, ومنه امتدتعريفها وتقسيمها الى الحقول المعرفية الاخرى أمثال الفلسفة واصول الفقه وعلم اللغة وعلم الدلالة,والدراسات التي تناولت (الكلمة) بشكل خاص.

وأشهر تعريف منطقي للدلالة هو ما جاء في كتاب (التعريفات) للجرجاني, ونصه: (( الدلالة: هي كون الشيءبحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر.

والشيء الاول هو الدال والثاني هو المدلول )).

والجرجاني بتعريفه هذا يريد أن يقول: الدلالة هي العلاقة القائمة بين الدال والمدلول بحيث لو علمنا بالدال علمنا بالمدلول.

وقد يشكل عليه بأن هذا انما يتم في الصور الواقعية لا الاعتبارية.

فمثلا: لو رأيت دخانا علمت بوجود نار, لان الدخان طبيعيا يأتي من النار .

ولكنك لو سمعت لفظا من ألفاظ اللغة الفرنسية مثلا وأنت لا تعرف شيئا من اللغة الفرنسية لا ينتقل ذهنك الى معناه رغم وجود العلاقة والتلازم بين هذا اللفظ الفرنسي ومعناه.

فاذن, التعريف المذكور, غير دقيق في شموله للدلالة التي نريدها هنا وهي الدلالة اللفظية الوضعية.

ويرجع هذا فيما أقدر الى أن معنى الدلالة من المفاهيم التي يتعامل معها الانسان في كل لحظات حياته وبعددها, فهي كمفهوم الوجود ومفهوم الحياة, وهكذا مفاهيم تكون من الجلوة والوضوح لدى الانسان بشكل لا يجد من التعريفات ما يكون أجلى وأوضح منها ليستخدمه فيتبيينها وتوضيحها, فتراه مثلا يقول: هذا الزي يدل على أن صاحبه عسكري وهذه الاشارة المرورية الخضراء تدل على الانطلاق, وسرعة النبض تدل على ارتفاع درجةالحرارة, وحمرة الوجه تدل على الخجل, وهكذا.

ولكن حينما تسأله ما هي الدلالة لا يستطيع أن يعرب لك عن معناها الموجود في ذهنه بسبب وضوحه وضوحا جليا.

فالدلالة: هي العلاقة بين الشيئين اللذين يدل أحدهماعلى الاخر.

سواء علمنا بهما معا أو بأحدهما أم لم نعلم بهما.

وسواء انتقل ذهننا من الدال الى المدلول أم لم ينتقل.

وسواء كانت على نحو التلازم أم على نحو الاقتران.

وفي علم الدلالة الحديث يعرفها بيار جيرو Pierre Guraudبقوله: (( الدلالة: هي القضية التي يتم خلالها ربط الشيء والكائن والمفهوم والحديث بعلامة قابلة لان توحي بها )).

ثم يوضح تعريفه بالامثلة فيقول: (( فالغمامة علامة المطر, وتقطيب الحاجب علامة الارتباك والغضب, ونباح كلب علامة غضبه, وكلمة (حصان) علامة الانتماء الى فصيلة الحيوان.

العلامة اذا هي منبه, وقد دعاها علماء النفس ب (المثير) الذي يدفع بدوره الجسد الى الانفعال, مما يؤدي الى بروز صورة ذاكرية لمثير آخر, فالغمامة توحي بصورةالمطر, والكلمة توحي بصورة الشيء ذاته )).

  •  تقسيمها:

يقسم علم المنطق الدلالة الى ثلاثة أقسام, هي:

1- الدلالة العقلية:

وهي العلاقة التي يدرك العقل وجودها بين الدال والمدلول اللذين بينهما ملازمة ذاتية في وجودهما الخارجي.

كالعلاقة بين العلة والمعلول, فانه عندما يوجدالمعلول يحكم العقل بوجود العلة, نحو دلالة رؤيةالدخان على وجود النار, ونحو دلالة سماع كلام يأتي منخارج الدار على وجود متكلم خارج الدار.

ويعبر عن هذه الدلالة في علم اللغة الحديث بالدلالةالمنطقية بين الرمز ومايدل عليه (كأن تنظر في السماءفترى سحابة داكنة فتتوقع المطر, وان كانت بيضاء صافيةكان لها معني آخر.

والربط بين لون السحاب ومعناة هنا هو ربط منطقي علمي يخضع للاستقراء العقلي)(1).

2- الدلالة الطبيعية:

وهي تلك العلاقة التي تقوم بين الدال والمدلول بسبب اقتضاء طبعهما لها, نحو دلالة سرعة حركة النبضعلى وجود الحم ى, اذ أن من طبيعة الانسان اذا ارتفعت درجة حرارة بدنه اقتضت سرعة حركة نبضه, ونحو دلالةلفظ (آخ) على التألم, ذلك أن من طبيعة الانسان أنه اذاتألم قد يطلق لفظ (آخ) أو ما يماثله معربا ومنفسا عن ألمه.

والفرق بين الدلالتين العقلية والطبيعية هو لا بدية الدلالة في العلاقة العقلية, وعدمها في العلاقة الطبيعية, ذلك أنه متى وجد الدال في العلاقة العقليةلابد من وجود المدلول, لتلازمهما في الوجود وعدم انفكاك أحدهما عن الاخر.

والامر في العلاقة الطبيعية ليس كذلك, فقد يطلقا لانسان كلمة (آخ) وهو ليس بمتألم, وقد يتألم ولا يقول (آخ) فيعبر عن ألمه بالسكوت, وقد يعبر عنه بالاضراب عن الاكل. ففي هذة العلاقة الطبيعية تختلف الدوال وتتخلف عن مداليلها باختلاف طباع الناس.

3- الدلالة الوضعية:

وهي تلك العلاقة القائمة بين الدال والمدلول بسبب تواضع العرف واصطلاحه.

ومن هنا سميت في علم اللغة الحديث بالعلاقة العرفية والعلاقة الاصطلاحية.

وهي نحو دلالة الاشارة على المشار اليه, ودلالة النصب لما نصبت له, ودلالة العقد على العدد, ودلالة الخط على المعني.

ونحو دلالة الالفاظ اللغوية المستعملة على معانيها التي وضعت لها أو استعملت فيها.

محور البحث:

وما يبحث فيه الاصولي من هذه الدلالات فتدخل نطاق دراساته العلمية هو الدلالة العقلية, والدلالة الوضعية اللغوية التي يصطلح عليها في علم اللغة الحديث وفي علم الدلالة ب(دلالة الالفاظ).

وسنبدأ الحديث بها.

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- د. حلمي خليل, الكلمة ص114.