المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 036.doc

أقسام الأقسام

وتمهيداً لتعريف أقسام الأقسام وبيان المقصود منها في الاصطلاح‏ الاُصولي والفقهي نمرّ بتعريف الدواعي التي سبق ذكرها في التقسيم‏ الأوّل ، وهي : الاقتضاء، والتخيير والوضع.

 ( الإقتضاء ) :

عُرّف - لغوياً - بالطلب.

والطلب المقصود هنا يتناول طلب الإتيان بالفعل وطلب الكفّ عن‏ إتيانه ، أو طلب تركه.

وعلى نحو الإلزام ، وبدونه.

وهو بهذا يشمل الأحكام الأربعة : الوجوب والندب والحرمة الكراهة.

جاء في تعريفات الجرجاني : (( الإقتضاء : وهو :

- طلب الفعل مع المنع عن الترك ، وهو الإيجاب ( الوجوب ).

- أو بدونه ( أي بدون المنع عن الترك ) ، وهو الندب.

- أو طلب الترك مع المنع عن الفعل ، وهو التحريم.

- أو بدونه ( أي بدون المنع عن الفعل ) ، وهو الكراهة )).

وقد عَدَلَ بعضهم عن التعبير بالإقتضاء إلى التعبير بالطلب كما في ‏اُصول الفقه لخلّاف(1) فقد عرّف الحكم الشرعي عند الاُصوليين بقوله (( هوخطاب الشارع المتعلّق بأفعال المكلّفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً )).

- ( التخيير ) :

يراد به - هنا - : التسوية بين فعل الشي‏ء وعدم فعله من غير ترجيح‏ لأحدهما على الآخر.

ويختصّ بالإباحة.

ولذا عرّفت الإباحة في المصطلح الفقهي بالتخيير بين الفعل والترك.

- ( الوضع ) :

الذي يظهر من الاستعمالات العلميّة لكلمة ( وضع ) أنّ المراد منها (الجعل ) ، ففي بعض تعريفات الوضع اللغوي بأنّه ( جعل اللفظ دليلاً على‏المعنى ).

وهذا المعنى لم نقف عليه في اللغة المعجميّة.

وعليه فكلمة ( وضع ) بهذا المعنى هي من الألفاظ العلميّة.

وعلى أساس من هذا المعنى لكلمة ( وضع ) عرّف الاُصوليون الوضع‏ب (( جعل الشي‏ء سبباً لآخر ، أو شرطاً له ، أو مانعاً منه )).

ويمكننا أن نصوغ التعريف على هيئة اُخرى فنقول : الوضع : هو اعتبار الشارع الشي‏ء سبباً لآخر ، أو شرطاً له ، أو مانعاً منه ، والخ.

وأظنّ قويّاً أنّ كلمة ( وضع ) أُخذت من كلمة ( موضوع ) لأنّ الحكم‏ الوضعي - كما مرّ - لا يتعلّق بفعل المكلّف مباشرةً ، وإنّما يتعلّق بمتعلّق ‏فعل المكلّف ، أو قل بموضوع فعل المكلّف ، كالطهارة شرطاً للصلاة التي‏هي ( أعني الصلاة ) موضوع فعل المكلّف.

  •     مفردات الحكم التكليفي :

هي - كما مرّ بنا أكثر من مرّة - : الوجوب والندب والحرمة والكراهةوالإباحة - على الرأي المشهور - .

 

سمّى الاُصوليون هذه المفردات أقساماً ، والأقرب إلى طبيعتها أن‏تسمّى مفردات ، ولهذا عنونتها بالعنوان المذكور.

( الوجوب ) :

الوجوب - لغةً - مصدر وجب بمعنى لزم وثبت.

ومن هنا عرّف اللغويون الوجوب باللزوم والثبوت.

وعُرّف فقهيّاً :

ب( الإلزام بالفعل ).

وب( ما يُلزم به الشرع ويثاب المرء على فعله ويعاقب على تركه ).

وإذا أردنا أن نستخدم ( الاقتضاء ) الذي هو بمعنى ( الطلب ) مطلقاً لنحتفظ بالقدر الجامع بين الوجوب والندب فانّنا نعرّفه ب ( اقتضاء الفعل‏ على نحو اللزوم ).

أو قل : ( طلب الفعل على نحو اللزوم ).

( الندب ) :

ويقال له ( الاستحباب ) و ( السنّة ) و ( المسنون ) و ( النفل ).

والندب - لغةً - الدعاء إلى الشي‏ء ، يقال : ندبه إلى الفعل : دعاه ليفعله.

والاستحباب : طلب الشي‏ء المحبوب والترغيب فيه ، يقال : استحبّ‏ا لشي‏ء : أحبّه ورغب فيه.

والسنّة - هنا : العمل الشرعي غير الملزم به ، الذي يحمد فاعله على‏ فعله ، ولا يذمّ على تركه.

والنفل : هو ما شرع زيادة على الفريضة والواجب.

فهو على هذا يعرف شرعاً ب ( اقتضاء الفعل من غير الزام ).

أو ( طلب الفعل بغير إلزام ).

أو ( طلب الفعل الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ).

( الحرمة ) :

الحرمة - لغةً - الامتناع عن الفعل ، ومن انتهاك ما لا يحلّ انتهاكه من ذمّةأو حقّ أو صحبة أو نحو ذلك.

ومنه قالوا : الحرام : الشي‏ء الممنوع فعله.

وفقهيّاً :

هي طلب ترك الفعل على نحو اللزوم.

أو قل : هي اقتضاء الكفّ عن اتيان الفعل الزاماً.

( الكراهة ) :

لغةً ، يقال : كره الشي‏ء كرهاً وكراهة وكراهية : خلاف أحبّه ، فهو كريه‏ ومكروه.

وفقهيّاً :

طلب ترك الفعل من غير إلزام.

أو قل : اقتضاء الكفّ عن إتيان الفعل بغير إلزام.

( الإباحة ) :

في اللغة :

أباح الشي‏ء : أحلّه وأطلقه.

وفي علم الاُصول :

التخيير بين الفعل والترك.

  •  تقسيمات الوجوب :

للوجوب عند الاُصوليين أكثر من تقسيم ، أهمّها :

1 - تقسيم الوجوب إلى : عيني وكفائي.

ويقوم هذا التقسيم على أساس من تعلّق الوجوب بجميع المكلّفين‏ بأعيانهم ، أو ببعضهم ممّن تحصل به الكفاية بالإمتثال وتحقيق‏ا لمطلوب.

- الوجوب العيني :

نسبةً إلى العين التي يراد بها هنا الذات إذ من معاني العين الذات ، وذلك‏ لأنّ الوجوب العيني هو ما يكلّف به كلّ فرد بذاته ويتحمّل مسؤوليّته ‏بنفسه ،فلا يكتفي منه بامتثاله من الغير ، وذلك مثل الصلاة والصوم.

- الوجوب الكفائي :

نسبةً إلى الكفاية التي تعني الاكتفاء والاستغناء بامتثال البعض عن ‏الكلّ ، وهو من يكون فيه الكفاية بالقيام بأداء المطلوب ، ويسقط معه‏الوجوب عن الغير.

والفرق بين هذا الوجوب الكفائي وقسيمه الوجوب العيني أنّ كلاً منهما يوجّه لكلّ فرد استوفى شروط التكليف بهذا الوجوب ، إلاّ أنّ الأوّل - أعني ‏العيني - يطلب امتثاله من جميع المكلّفين ، أي من كلّ مكلّف جمع شرائط تكليفه ، بينما الثاني - أعني الكفائي - يكتفي في امتثاله أن يقوم به من به‏ا لكفاية في تحقيق المطلوب ، وذلك مثل الصلاة على الميّت ، وتعلّم العلوم‏ والصناعات والأعمال الاُخرى التي يحتاج إليها الناس ويتقوّم بها مجتمعهم.

2 - تقسيم الوجوب إلى : تعييني وتخييري.

ويقوم هذا التقسيم على أساس من تعلّق الوجوب بشي‏ء مطلوب‏ بعينه أو بشي‏ء آخر يخيّر المكلّف بينه وبين غيره.

- الوجوب التعييني :

نسبةً إلى التعيين الذي يراد به طلب شي‏ء بعينه ولا يرضى بالإتيان‏ بسواه.

وذلك مثل صلاة الجمعة لمن استكمل شروطها فانّها تجب عليه على‏التعيين ، ولا يرخص له بالانتقال إلى فريضة الظهر التي هي بديل لها.

- الوجوب التخييري :

وهو الوجوب الذي يتعلّق بشيئين أو أكثر على نحو التخيير بينها ،وذلك مثل كفّارة الإفطار في شهر رمضان عمداً على شي‏ء لا يستوجب ‏الجمع بين خصال الكفّارة ، فانّ المكلّف يخيّر بين خصال الكفّارة التي هي : عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً - كما هو مبيّن في كتب الفقه - .

3 - تقسيم الوجوب إلى : تعبّدي وتوصّلي.

ويبتني هذا التقسيم على أساس من اشتراط قصد القربة وعدم‏ اشتراطه.

- فما اشترط فيه قصد التقرّب به إلى الله تعالى بحيث (( يتوقّف تحقّق‏ ملاكه على الاتيان به بقصد القربة )) فهو الوجوب التعبّدي.

وسمّي بالتعبّدي نسبةً إلى التعبّد الذي هو العبادة إذ قوام العبادة بقصد القربة.

ويدخل فيه كلّ العبادات أمثال الصلاة والصوم والحجّ.

- وما لم يشترط فيه الإتيان به بقصد القربة ، أي لا يتوقّف تحقّق ملاكه‏ على الإتيان به بقصد القربة ، ويكتفي به أن يؤتي به مجرداً من قصد القربة فهو التوصّلي.

وسمّي بالتوصلي نسبةً إلى التوصّل ، وهو الانتهاء إلى الشي‏ء وبلوغه ، ولعلّه لأنّ هذا الوجوب المقصود منه أن يتوصّل به إلى المطلوب ‏فقط ، أي دون أن يقصد به التعبّد.

ومثّلوا له بالصناعات والحرف التي يتوقّف عليها النظام الاجتماعي‏ وتطهير الأشياء التي يتعامل معها الإنسان من النجاسة العينيّة كالملابس والفرش والأواني وسواها.

4 - تقسيم الوجوب إلى : نفسي وغيري.

ويتمّ على أساس من طلب الإتيان بالشي‏ء لذاته ، أو لأجل غيره.

- الوجوب النفسي :

وهو ما طلب فيه الإمتثال لذاته كالصلاة ، فانّها مطلوبة لذاتها لا لواجب‏ آخر.

وسمّي نفسيّاً لأنّ الشي‏ء يطلب لنفسه أي هو الغاية من الطلب.

- الوجوب الغيري :

هو ما طلب امتثاله لا لذاته وإنّما لغيره أي ليس هو الغاية من الطلب ،وإنّما يطلب لأجل غيره كالوضوء بالنسبة للصلاة.

هذه هي أهمّ الأقسام التي ذكرت للوجوب.

وهناك أقسام اُخرى لم تبلغ مستوى أهميّة ما ذكرته ، ولذا أعرضت عن‏ استعراضها.

فائدة التقسيم :

يقول السبزواري في ( التهذيب(2) ).

(( فائدة تقسيم الواجب : استخلاص قاعدة كليّة وهي استفادة الوجوب‏ العيني التعييني النفسي عند إطلاق الأمر )).

(( وهذا التمسّك بالإطلاق يتوقّف على إحراز كون المتكلّم في مقام البيان.

وعند الشكّ يرجع إلى أصالة كون المتكلّم في مقام البيان.

وهي من الاُصول المحاورية المعتبرة في المحاورات والاحتجاجات )).

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- ص‏100 .

2- التهذيب 108 / 1 .