المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 033.doc

قاعدة تعارض الخبرين‏

سنختصر الحديث عن هذه القاعدة في النقطتين التاليتين :

- بيان معنى التعارض.

- حلّ التعارض شرعاً.

1 - يعني الاُصوليون بالتعارض - هنا - التكاذب بمعنى انّ كلاً من‏الخبرين إذا توفّر على جميع شروط ومقوّمات الحجيّة يبطل الخبر الآخر ،ويكذبه.

2 - واستدلّوا لحلّ هذا التعارض بما ورد في ( مقبولة عمر بن حنظلة )(1) من قوله : (( قلت : فإن كان كلّ رجل اختار رجلاً من أصحابنا ، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، واختلفا فيما حكما ، وكلاهما ، اختلفا في‏حديثكم؟

قال : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث ،وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.

قلت : فانّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا ، لا يفضل واحد منهما على‏الآخر؟

قال : ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي به حكما ، المجمع‏ عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهورعند أصحابك ، فانّ المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنّما الاُمور ثلاثة :

أمر بيّن رشده فيتبّع ، وأمر بيّن غيّه فيتجنّب ، وأمر مشكل يُرَدُّ علمه إلى‏ الله ورسوله ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( حلال بيّن ، وحرام‏بيّن ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ، ومن أخذبالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لايعلم ).

قلت : فان كان الخبران عنكما(2) مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟

قال : ينظر ، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة ، وخالف العامّة فيؤخذبه ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة.

قلت : جعلت فداك ، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة،ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامّة والآخر مخالفاً لهم ، بأي الخبرين‏ يؤخذ؟

قال : ما خالف العامّة ففيه الرشاد.

قلت : جعلت فداك ، فان وافقهم الخبران جميعاً؟

قال : تنظر إلى ما هم إليه أميل - حكّامهم وقضاتهم - فيترك ، ويؤخذ بالآخر.

قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعاً؟

قال : إذا كان ذلك فأرجه ( وفي بعض النسخ : فأرجئه ) حتّى تلقى إمامك ،فانّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات ))(3).

حيث استفيد من هذه المقبولة : ان حلّ التعارض يتمّ بالتالي :

- إذا كان أحد الخبرين مشهور الرواية ، والآخر شاذّ الرواية ، يؤخذبالمشهور ويطرح الشاذّ.

- وإذا كان أحد الخبرين موافقاً في حكمه لحكم الكتاب والسنّة ، والآخرمخالفاً في حكمه لحكم الكتاب والسنّة يؤخذ بالموافق ويطرح المخالف.

- وان كان أحد الخبرين موافقاً في حكمه لحكم قضاة وحكّام العامّة ،والآخر مخالفاً لحكم قضاة وحكّام العامّة ، يؤخذ بالمخالف ، ويطرح‏الموافق.

والمراد بالعامّة - في هذا السياق - : (( اُولئك الرعاع وقادتهم من الفقهاءالذين كانوا يسيرون بركاب الحكّام ويبرّرون لهم جملة تصرّفاتهم بمايضعون لهم من حيث انتشر الوضع على عهدهم انتشاراً فظيعاً )).

وتسمّى هذه المرجّحات ، وتختصر كالتالي :

1 - الشهرة في الرواية.

2 - موافقة الكتاب والسنّة.

3 - مخالفة العامّة(4).

  •     قاعدة الاستصحاب‏

ويأتي الحديث عن هذه القاعدة في النقاط التالية :

1 - تعريف الاستصحاب.

2 - بيان أركان الاستصحاب.

3 - الاستدلال لحجيّة الاستصحاب.

وسأقتصر - هنا - لأجل الاختصار على ما ذكرته في كتابي ( مبادئ‏اُصول الفقه)(5) ، وهو :

1 - عرف الاستصحاب بانّه (( حكم الشارع ببقاء اليقين في ظرف الشكّ‏من حيث الجري العملي )).

وسوف يتضّح معنى هذا التعريف أكثر عند استعراض أركان‏الاستصحاب فيما يأتي.

ولأجل توضيحه بالمثال تقريباً إلى الأذهان نقول :

إذا كان المكلّف على حالة معيّنة وكان متيقناً منها ثمّ شكّ في ارتفاعها ،فانّ الشارع المقدّس يحكم - هنا - بالغاء الشكّ وعدم ترتيب أي أثر عليه ،وبالقيام بترتيب آثار اليقين السابق في مجال العمل والامتثال.

كما إذا كان المكلّف على وضوء وكان متيقناً من ذلك ، ثمّ شكّ في‏ انتقاض وضوئه هذا بنوم أو غيره ، فإنّه - هنا - يبني على وضوئه السابق، ويرتّب عليه آثاره الشرعيّة من جواز الصلاة به ، وغيره ، ويلغي الشكّ‏ الطارئ عليه ، بمعنى انّه لايرتّب عليه أي أثر.

2 - ويشترط في جريان الاستصحاب لينتهى‏ إلى الحكم المطلوب أن‏يتوفّر الموضوع الذي يجري فيه على الأركان التالية:

أ - اليقين :

وهو العلم - وجداناً أو تعبّداً - بالحالة السابقة على الشكّ.

ب - الشكّ :

وهو كلّ ما لم يصل إلى مرحلة اليقين ( العلم الوجداني أو التعبّدي ).

ج - وحدة المتعلّق في اليقين والشكّ.

أي أنّ ما يتعلّق به اليقين هو نفسه يقع متعلّقاً للشكّ.

د - فعليّة الشكّ واليقين فيه.

(( فلا عبرة بالشكّ التقديري لعدم صدق النقض به ، ولا اليقين كذلك‏ لعدم صدق نقضه بالشكّ )).

ه - وحدة القضيّة المتيقنّة والقضيّة المشكوكة في جميع الجهات.

(( أي أن يتّحد الموضوع والمحمول والنسبة والحمل والرتبة ، وهكذاويستثنى من ذلك الزمان فقط رفعاً للتناقض )).

و - إتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.

(( بمعنى أن لا يتخلّل بينهما فاصل من يقين آخر )).

ز - سبق اليقين على الشكّ.

3 - واستدلّ على حجيّة الاستصحاب بعدّة أدلّة أهمّها ما يلي :

أ - سيرة العقلاء :

وقد استدلّ بها على حجيّة الاستصحاب على غرار الاستدلال بها على (حجيّة الظهور ).

وملخّص الإستدلال :

هو (( أنّ الاستصحاب من الظواهر الاجتماعية العامّة التي ولدت مع ‏المجتمعات ، ودرجت معها ، وستبقى - ما دامت المجتمعات - ضمانة لحفظ نظامها واستقامتها ، ولو قدر للمجتمعات أن ترفع يدها عن الاستصحاب‏ لما استقام نظامها بحال ، فالشخص الذي يسافر - مثلاً - ويترك بلده وأهله‏ وكلّ ما يتّصل به ، لو ترك للشكوك سبيلها إليه - وما أكثرها لدى ‏المسافرين - ولم يدفعها بالاستصحاب ، لما أمكن له أن يسافر عن بلده ، بل‏أن يترك عتبات بيته أصلاً ، ولشلّت حركتهم الاجتماعية وفسد نظام ‏حياتهم فيها )).

و  عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان بدعا من العصور ، ولا مجتمعه بدعاً من المجتمعات، ليبتعد عن تمثّل وشيوع هذه الظاهرة ، فهي‏ بمرأى من النبي صلى الله عليه وآله وسلم - حتماً - ، ولو ردع عنها لكان ذلك‏ موضوع حديث المحدّثين ، وهو ما لم يحدّث عنه التاريخ ، فعدم ردع النبي‏صلى الله عليه وآله وسلم عنها يدلّ على رضاه وإقراره لها ، وبخاصة هو قادرعلى الردع عن مثلها ، وليس هناك ما يمنعه عنه ) صلى الله عليه وآله‏وسلم.

ب - السنّة :

وقد استدلّ على حجيّة الاستصحاب بأحاديث ، منها :

موثّقة عمّار عن أبي الحسن عليه السلام : (( قال : إذا شككت فابن على‏اليقين .

قلت : هذا أصل؟

قال عليه السلام : نعم )).

والرواية من الوضوح في غنى عن الشرح.

  •     النتائج :

1 - وكما رأينا انّ البحث في ظاهرة الظهور انتهج - من المناهج العامّة -المنهج العقلي حيث ارتكز في ما توصّل إليه من النتيجة على العقل ‏الاجتماعي ( سيرة العقلاء ).

2 - وانّ البحث في ظاهرة تعارض الخبرين انتهج المنهج النقلي حيث‏ اعتمد في الوصول إلى النتيجة المطلوبة على مقبولة عمر بن حنظلةالمنقولة عن الإمام‏ عليه السلام.

3 - وفي ظاهرة الاستصحاب تكامل المنهج فكان في الإستدلال بسيرةالعقلاء عقلانيّاً وفي الإستدلال بموثّقة عمّار نقلياً.

وهذه النتائج تعزّز ما ذكرته آنفاً من انّ البحث الاُصولي قد ينتهج‏ المنهج العقلي ، وقد يسلك المنهج النقلي ، وقد يجمع بينهما فيكون منهجه‏ تكاملياً.

وعلى أساس هذا :

1 - يسير المنهج الاُصولي في هدي المنهج النقلي العامّ الخطوات ‏التالية :

1 - تعيين موضوع البحث.

2 - تعريف الموضوع.

3 - جمع النصوص التي لها علاقة بالموضوع دلالة أو ملابسة ، شريطة أن تكون مصادرها موثّقة ومعتمدة.

4 - تقييم أسانيد النصوص في ضوء قواعد علمي الحديث والرجال.

5 - تقويم متن النصّ وفق قواعد تحقيق التراث.

6 - تعرف دلالة النصّ من خلال معطيات الوسائل والأساليب العلميّة الخاصّة بذلك من لغوية وغيرها.

7 - استخلاص القاعدة من النصّ ، وصياغتها صياغة علميّة تعتمد فيها اللغة العلميّة لاُصول الفقه.

8 - بيان كيفيّة تطبيق القاعدة.

9 - عرض بعض الأمثلة لتطبيق القاعدة.

2 - ويسير المنهج الاُصولي في هدي المنهج العقلي العام الخطوات‏ الآتية :

1 - تعيين موضوع البحث.

2 - تحديد الموضوع.

3 - التماس الدليل العقلي الدالّ عليه المعتمد شرعاً وتوضيح دلالته‏ عليه.

4 - استخلاص القاعدة وصياغتها صياغة علمية تعتمد فيها لغة اُصول ‏الفقه.

5 - بيان كيفية تطبيق القاعدة.

6 - عرض بعض الأمثلة لتطبيق القاعدة.

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- المقبولة : هي الرواية التي يتلقّاها العلماء بالقبول من حيث السند ، ويعملون بمضمونها.

وعمر بن حنظلة : هو عمر بن حنظلة العجلي البكري الكوفي ، قال فيه الشهيد الثاني : (( لم ينصّ‏الأصحاب فيه بجرح ولا تعديل ، لكن أمره عندي سهل ، لأنّي حقّقت توثيقه في محلّ آخر )) ص‏44من الدراية.

وقال إبنه الشيخ حسن العاملي : (( قال - يعني الشهيد - في بعض فوائده : الأقوى عندي انّه ثقة لقول ‏الصادق عليه السلام في حديث الوقت : إذاً لا يكذب علينا )) ص‏103 من اتقان المقال - اُنظر :مبادئ اُصول الفقه ص‏69 ط3.

2- يقصد الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام.

3- مبادئ اُصول الفقه 71 - 69 نقلاً عن اُصول الفقه للمظفّر 250 / 3.

4- اُنظر : مبادئ اُصول الفقه 27 - 65.

5- ص‏107 - 104.