المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 026.doc

5 - الأخبار الدالّة على جواز الرجوع إلى كتب الشلمغاني(1).

وبني فضال(2) ، وهي : مثل ما في كتاب ( الغيبة ) - للشيخ الطوسي ،بسنده الصحيح إلى عبدالله الكوفي خادم الشيخ أبي القاسم الحسين بن‏روح حيث سأله أصحابه عن كتب الشلمغاني ، فقال الشيخ : ( أقول فيها ماقاله العسكري عليه السلام في كتب بني فضّال حيث قالوا له : ما نصنع‏ بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ ، قال : خذوا ما رووا ، وذروا ما رأوا).

فانّه دلّ بمورده على جواز الأخذ بكتب بني فضّال ، وبعدم الفصل على‏كتب غيرهم من الثقات ورواياتهم (3).

6 - الأخبار الواردة في الترغيب في الرواية : حفظها وكتابتها وإبلاغ ‏الناس بها ، مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من حفظ على اُمّتي أربعين‏ حديثاً بعثه الله فقيهاً عالماً يوم القيامة ).

وقوله عليه السلام لأحد الرواة : ( اُكتب وبثّ علمك في بني عمّك فانّه‏ يأتي زمان هرج لا يأنسون إلاّ بكتبهم ).

ومثل ما ورد في شأن الكتب التي دفنها أصحابها تقيّةً : ( حدّثوا بها فانّهاحقّ ).

  •     والخلاصة :

انّ ما استدلّ به المثبتون لحجيّة خبر الثقة ناهض بالإثبات وواف‏ بالدلالة على ذلك.

وكما يقول الشيخ الخاقاني في ( أنوار الوسائل (4) ) : (( قامت الأدلّة من‏ الأخبار المتواترة على حجيّة الخبر الموثوق بصدوره تعبّداً أو امضاءً للسيرة المتعارفة المألوفة بين الناس في اعتبار خبر الواحد الموثوق‏ بصدوره في كلّ عصر وجيل )).

  •     تطور الرأي :

رأينا أنّ البحث في خبر الواحد كان يدور حول وجوده في موسوعات‏ الحديث ، وفي حجيّته بعد ثبوت وجوده.

وكان محور البحث هو وثاقة الراوي المفيدة للظنّ بالصدور وكلّ هذاكان من حيث النظريّة.

أمّا من حيث التطبيق ، أي عندما يتعامل الفقيه مع الرواية لاستنباط الحكم الشرعي منها ، فانّ الوضع يختلف عنه في دراسة المسألة نظرياً.

ويرجع هذا إلى أنّ العديد من الأخبار لا يمكن الوصول إلى وثاقة رواته‏ على وجه التحقيق.

ومن هنا وضع العلماء قاعدة الجبر القائلة : انّ الحديث الضعيف سنداً ينجبر ضعفه بعمل الأصحاب على وفقه ، وذلك لسدّ الفراغ الذي قد يحدث ‏بسبب عدم وجود شي‏ء يملؤه إلاّ الأخذ بالقاعدة المذكورة ، ومن جرّاء هذا انبثق المبدأ القائم على أساس اكتفاء أو استغناء الفقيه بوثوقه شخصياً بصدور الخبر عن المعصوم بما يعثر عليه من قرائن وملابسات تساعده ‏على ذلك.

وعبّروا عن هذا المبدأ ب ( الوثوق بالصدور ) في مقابل المبدأ المتقدّم ،وهو ( وثاقة الراوي ).

وممّن صرّح بذلك الآغا رضا الهمداني ، فقد نقل عنه اُستاذنا الخوئي في‏بحثه عن ( الاجتهاد والتقليد ) عند تعرّضه لبيان حاجة المجتهد لعلم ‏الرجال خلال قوله : (( ثانيهما : علم الرجال ، وذلك لأنّ جملة من الأحكام ‏الشرعيّة وان كانت تستفاد من الكتاب إلاّ أنّه أقل قليل ، وغالبها يستفاد من‏ الأخبار المأثورة عن أهل البيت‏ عليهم السلام )).

وعلى ذلك : ان قلنا بأنّ الأخبار المدوّنة في الكتب الأربعة مقطوعة الصدور ، أو انّها ممّا نطمئن بصدورها ، لأنّ الأصحاب عملوا على طبقها ،ولم يناقشوا في إسنادها ، وهذا يفيد الاطمئنان بالصدور ، فقد استرحنا من ‏علم الرجال لعدم مساس الحاجة إلى معرفة أحوال الرواة ، كما سلك ذلك ‏المحقّق الهمداني قدس سره حيث قال :

(( ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية على اتّصافها بالصحّةالمطلوبة ، وإلاّ فلا يكاد يوجد خبر يمكننا إثبات عدالة رواته على سبيل ‏التحقيق ، لولا البناء على المسامحة في طريقه ، والعمل بظنون غير ثابتةالحجيّة.

بل المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية ، وان كان‏بواسطة القرائن الخارجية التي عمدتها كونها مدوّنة في الكتب الأربعة ، أو مأخوذة من الاُصول المعتبرة مع اعتناء الأصحاب بها وعدم إعراضهم ‏عنها )).

إلى أن قال :

( ولأجل ما تقدّمت الإشارة إليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن‏ حالهم ) انتهى.

وإنّما اللازم حينئذ مراجعة أنّ الرواية هل هي معمول بها عندهم لتكون ‏حجّة أو أنّها معرض عنها لتسقط عن الاعتبار.

ومعه لا تمسّ الحاجة إلى علم الرجال إلاّ في بعض الموارد ، كما إذا لم‏يظهر لنا عمل الأصحاب على طبق الرواية أو إعراضهم عنها )) (5).

  •     مبنى الاستنباط :

ونخلص ممّا تقدّم إلى أنّه أمام الفقيه أكثر من مبنى لابدّ له من أن يجتهد فيها. ويتبنّى ما يسلمه إليه الدليل ، ليبني عليه استنباطاته عند الرجوع‏ إلى أخبار الآحاد ، والتعامل معها فقهيّاً.

وهذه المباني ، هي :

1 - عدم جواز العمل بخبر الواحد.

2 - جواز العمل به :

وينشعب هذا الأخير - على أساس توافر الخبر على عنصر الوثوق‏ بصدوره عن المعصوم إلى مبنيين ، هما :

أ - اشتراط وثاقة الراوي.

ب - الاستغناء بالوثوق عن طريق القرائن والملابسات ، أو قل الاكتفاء بوثاقة الرواية.

  •     النتائج :

1 - انبثق في الوسط العلمي الفقهي لموضوع خبر الثقة رأيان ، هما :

أ - عدم جواز العمل به لأنّه مظنون الصدور ولا دليل على جواز العمل ‏به.

ب - جواز العمل به ، لقيام الدليل القطعي على صحّة الأخذ به والعمل ‏على طبقه.

وقد سار هذان الرأيان جنباً إلى جنب حتّى عصر الفقيهين المتعاصرين‏ الشريف المرتضى والشيخ الطوسي ، ثمّ كانت الغلبة للرأي الأوّل.

وعرف الشريف بأخذه بالرأي الأوّل وعمله على تركيزه والدفاع عنه.

وعرف معاصره الشيخ بأخذه بالرأي الثاني وعمله - أيضاً - على‏تركيزه والدفاع عنه.

وعندما دوّن الشيخ رأيه في كتابه الاُصولي ( العدّة ) بدأ يتغلّب على‏الرأي الأوّل.

وذهب الرأيان يتصارعان علميّاً حتّى عصر ابن إدريس وهو آخر من ‏تبنّى الرأي الأوّل من الاُصوليين ، حيث راح الرأي الأوّل يضعف أمام الرأي الثاني.

2 - وفي عصر المحقّق الأوّل استقرّ المنهج على الأخذ بالرأي الثاني‏ وحتّى الآن .

3 - كما استقرّ المبنى مؤخّراً على الاستناد امّا إلى وثاقة الراوي ، وامّا إلى وثاقة الرواية .

   ظواهر الألفاظ

  •     تعريف الظهور :

لكي نعرف معنى الظهور اللفظي علينا أن ننطلق إلى هذا عن طريق‏ بيان أنواع دلالة الدليل اللفظي على معناه ثمّ مستوى الإيمان بكلّ نوع.

أمّا أنواع الدلالة فهي :

- دلالة النصّ.

- دلالة الظاهر.

- دلالة المؤوّل.

- دلالة المجمل.

ويقوم هذا التنويع للدلالة على أساس من مستوى علاقة اللفظبالمعنى من حيث إفادته له.

1 - فقد يكون للفظ معنى واحد ، فدلالته عليه دلالة نصّ.

2 - وقد يكون للفظ أكثر من معنى ، إلّا أنّ له ظهوراً وبروزاً في دلالته‏على واحد منها دون البقيّة ، انّ دلالته على المعنى الذي له ظهور فيه هي‏دلالة الظاهر.

3 - وقد يقترن هذا اللفظ الذي له أكثر من معنى بما يصرفه عن الدلالة على المعنى الظاهر إلى الدلالة على المعنى الآخر المحتمل ، فهي دلالة المؤوّل.

4 - وقد لا يتبيّن المتلّقي المعنى من اللفظ لابهامه وغموضه ، فهي‏ المجمل.

أمّا مستويات الإيمان بالدلالة التي تتمثّل في درجة القناعة النفسيّة التي تحصل للمتلّقي - سامعاً كان أو قارئاً - عند محاولة استفادته المعنى‏من اللفظ ، فهي :

- اليقين.

- الاطمئنان.

- الظنّ.

- الاحتمال.

- التوقّف.

وكلّ هذه المذكورات حالات نفسيّة تمثّل مستوى أو درجة إيمان أوقناعة المتلقي بدلالة اللفظ على المعنى المقصود للمتكلّم.

وإذا حاولنا أن نتعرّف هذه الدرجات في ضوء النسبة المئوية - على‏نحو التقريب - فانّنا نقول :

- اليقين يساوي نسبة 100%.

- الشكّ يساوي نسبة 50% لتساوي محتملات الأطراف ، ذلك أنّ الشكّ  Doubt حال نفسيّة يتردّد معها الذهن بين الإثبات والنفي ، فلا يقوى ‏الإنسان معها على ترجيح أي طرف من الطرفين أو الأطراف.

- التوقّف يساوي نسبة الصفر.

وما بين الشكّ واليقين هي منطقة نسبة الاطمئنان والظنّ.

فما بين 95% إلى 99% هي نسبة الاطمئنان لضعف درجة الاحتمال ‏المقابل له إلى مستوى‏ لا يعتدّ به.

وما فوق الخمسين حتّى نسبة 94% هي درجة الظنّ على اختلاف‏ مستوياته قوّة وضعفاً.

وما دون الخمسين هي نسبة الاحتمالات المقابلة للظنون ، وهي أيضاً تتفاوت قوّة وضعفاً.

ففي الحالتين الأوليّين : ( اليقين والاطمئنان ) تسمّى الدلالة بالدلالةاليقينيّة أو الدلالة النصيّة أو دلالة النصّ ، أو الدلالة الصريحة من تسميّة اللفظ - هنا - بالنصّ أو الصريح.

وفي الحالة الثالثة ( الظنّ ( تسمّى الدلالة بالدلالة الظنّية أو دلالةالظهور أو دلالة الظاهر من تسمية اللفظ - هنا - بالظاهر.

وفي الحالة الرابعة ( الاحتمال ) تسمّى بالدلالة الاحتمالية أو دلالة التأويل من تسمية اللفظ - هنا - بالمؤوّل.

وفي الحالة الخامسة التي هي التوقّف ، تسمّى الدلالة بالدلالة الإجمالية من تسميّة اللفظ بالمجمل.

ويطلق على الدلالات الأربع الاُولى عنوان الدلالة البيانية أو دلالة البيان، في مقابل الدلالة الاجمالية ، ويصطلح على اللفظ ب( المبيّن )في مقابل (المجمل ).

فالدلالة البيانية هي التي يبيّن فيها المعنى ، أي يعرف من اللفظ سواءكان ذلك من حاقّ اللفظ أو بمعونة القرينة ، أي بشكل مباشر أو غيرمباشر.

والدلالة الاجماليّة هي التي لا يتبيّن فيها المتلّقي المعنى من اللفظ.

  •     دلالة النصّ :

قد يطلق ( النصّ ) ويراد به مطلق اللفظ ، وهو المعروف في عصرنا هذا ،وبخاصة في لغة الثقافة : العلوم والآداب والفنون ، فيقال ( نصّ أدبي )و (نصوص أدبية ) أمثال : القصيدة أو البيت من القصيدة أو البيت المفرد ،والمقالة ، والقصّة أو المقطع من إحداهما ، أو اللفظة المفردة.

ويقال : ( نصّ علمي ) و ( نصوص علميّة ) أو ( نصّ فنّي ) كنصّ‏ المسرحية ونصّ الاُنشودة .

وقد يطلق ( النصّ ) ويراد به اللفظ الذي هو نصّ في معناه ، أي الذي‏ يعيّن معناه بما لا يحتمل دلالته على غيره ، لأنّ التنصيص معناه التعيين، واللفظ - هنا - ينصّ على معناه أي يعيّنه ويمنع احتمال إرادة سواه .

والمعنى الثاني هو المقصود هنا لأنّه المصطلح الاُصولي في مقابلة (الظاهر ( وأخواته من المصطلحات المذكورة في أعلاه.

  •     ( تعريف النصّ ) :

فالنصّ : هو اللفظ الذي يدلّ على معنى معيّن مع دفع احتمال إرادة غيره.

ومستوى الدلالة - هنا - بدرجة اليقين الذي يعني إرادة المتكلّم للمعنى‏المدلول عليه باللفظ إذا كانت ( 100% ) ، أو بدرجة الاطمئنان الذي هو أقلّ‏من اليقين بقليل جدّاً ، أي يقارب ( 100% ).

واليقين أو الاطمئنان حالة نفسيّة تكون عند المتلّقي حين سماعه أوقراءته اللفظ ، تعرب وتكشف عن إيمانه بأنّ المعنى المدلول للفظ هوالمقصود للمتكلّم بمستوى يلغي معه احتمال إرادة غيره أو لا أقل من‏احتمال إرادة معنى آخر احتمالاً ضعيفاً جدّاً لا يعتدّ به ، وذلك في حالة الاطمئنان.

واليقين في اللغة العربية مأخوذ من ( يقين الماء في الحوض ) إذا استقرّ وثبت ، فكأنّ اللفظ لتعيينه لمعناه يجعل هذا المعنى مستقرّاً في نفس‏ المتلّقي وثابتاً ، فتكون نفسه كالحوض يستقرّ فيها المعنى كما يستقرّ فيه‏ا لماء.

ويقال : ( اطمأنّ القلب ) إذا سكن بعد القلق ، أي استقرّ وثبت.

ويقسّم اليقين على أساس من طريقة حصوله عند الإنسان إلى : ذاتي‏ وموضوعي ، أو وجداني وبرهاني :

1 - اليقين الذاتي أو الوجداني :

هو اليقين الذي يحصل عند الإنسان من مجرّد إدراكه لواقع ذلك الشي‏ءأو قل : بوجدان ذلك الشي‏ء عنده أو أمامه ، أي بمجرد وجوده من غير افتقارإلى تفكير أو إقامة برهان.

فيؤمن بذلك الشي‏ء ويذعن له ويسلم به لذاته لا لشي‏ء آخر خارج عنه‏ دلّ عليه.

فالإدراك في حالة اليقين أو الاطمئنان - هنا - وجداني ، أي منبعث ونابع ‏من الوجدان لا البرهان.

والمعرفة - هنا - ذاتية نابعة من ذات المعلوم ، لا من شي‏ء آخر خارج عن ‏الذات.

وهكذا معرفة لا تقبل الشكّ.

ومن هنا عرف اليقين والاطمئنان منطقياً ب ( المعرفة التي لا تقبل‏الشكّ ) ، واُصولياً ب ( الجزم الذي لا يحتمل الخلاف) وسيكلولوجيا (نفسيّاً ( ب ) طمأنينة النفس لشي‏ء تراه حقّاً لا ريب فيه ( ، وذلك لأنّ هكذا يقين - حيث ينكشف معه المعلوم إنكشافاً لا يبقى معه ريب - لا يقارنه ‏إمكان الغلط والوهم.

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- هو محمّد بن علي ( ت 322هـ ) نسبة إلى شلمغان قرية من نواحي مدينة واسط بالعراق ،ويعرف بابن أبي العزاقر.

كان مستقيم الطريقة ، متقدّماً في أصحابنا ، ثمّ انحرف عن المذهب ، وله كتب ألّفها حال استقامته ،وإليها الإشارة في السؤال وجوابه المذكورين في أعلاه.

2- بنو فضّال : من أُسر الشيعة في الكوفة ، وهم من آل تيم الرباب.

اشتهر منهم :

- الحسن بن علي بن فضّال.

- وإبنه علي بن الحسن بن علي بن فضّال.

وعرفا بانتمائهما إلى المذهب الفطحي الذي كان فبان.

3- الرسائل : خبر الواحد.

4- أنوار الوسائل  6 - 5 / 1 .

5- اُنظر : التنقيح : الاجتهاد والتقليد.