المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 021.doc

خبر الثقة

استخدم غير واحد من الاصوليين هذا العنوان اسما لما يعرف بخبرالواحد.

وبغية أن نتبين مقصودهم من هذا المصطلح نتعرف تعريف الخبرلغويا وعلميا, ثم تقسيمه.

اما اختياري لهذا العنوان فلانه يشمل الرأيين المعروفين في المسألةوهما:

 لزوم اتصاف الراوي بالعدالة.

 الاكتفاء باتصافه بالوثاقة.

ذلك أن وصف الثقة كما سيأتي يطلق على الراوي الثقة بخاصة وعلى ما يشمله والراوية العادل.

وقبل التعريف نحاول القاء الضوء على أهمية البحث في موضوع خبر الواحد.

  •  أهمية البحث:

ترتبط أهمية البحث في خبر الواحد بأهمية الخبر كمصدر منمصادر التشريع الاسلامي تتمثل فيه السنة الشريفة بأكثر وأوفرمفرداتها, ذلك أن المطلوب من المكلف معرفة الاحكام الشرعيةالواقعية التي تحقق له الامتثال وتؤمنه من العقاب.

وباختصار: المطلوب منه العلم بالمؤمن من العقاب.

وهذا العلم من خلال واقعه, ومن خلال التعامل مع أحكام الشريعة لم يتحقق الا مجالين هما:

 - العلم الضروري (البديهي):

وتحققه في مجال الاحكام الكلية الاجمالية أمثال: وجوب الصلاة ووجوب الصوم .

 - العلم غير الضروري:

وهو متحقق في بعض الاحكام الشرعية التفصيلية, وهي المستفادة من الخبر المقطوع بصدوره, اما لتواتره, واما لاقترانه بما يفيد القطع بصدوره.

والاول اجمالي يفتقر في مجال الامتثال الى التفصيل.

والثاني قليل جدا.

فمن هنا تأتي أهمية البحث في خبر الواحد, اذ أن التفصيل ببيان أجزاءوشرائط المأمور به والمنهي عنه لا طريق اليه الا خبر الواحد.

وباثبات مشروعية خبر الثقة ينسد باب الانسداد وينفتح ما اصطلح عليه الاصوليون بباب العلمي بالاحكام الشرعية, وهو الظن الذي أجازالشارع المقدس العمل به, فنزله بهذا منزلة العلم .

ومن أهم مواده خبر الثقة.

  •  تعريف الخبر:

- معجميا:

في (المصباح المنير): الخبر: اسم ما ينقل ويتحدث به.

وفي (لسان العرب): الخبر: ما أتاك من نبأ عمن تستخبر.

وعن ابن سيدة: الخبر: النبأ.

وفي (المعجم الوسيط): الخبر: ما ينقل ويتحدث به قولا أو كتابة.

والذي يستخلص هو: ان كلمة (خبر) في التعريفات المذكورة اسم مفعول من (أخبر) المزيد بالهمزة, أو من (خبر) الثلاثي المضعف, يقال: (أخبره بما سمع) و (خبرة بما قيل له), فالكلام المسموع أو المقول مخبربه, وخبر.

- وعلميا:

فان أقدم تعريفات الخبر, هو التعريف المنطقي, ونصه:

الخبر: هو ما احتمل الصدق والكذب لذاته.

ويريدون بقيد (لذاته) (( ما يحتملهما أي الصدق والكذب بالنظر (له)بنفسه, مع قطع النظر عن قائله, احترازا عن كلام الله والانبياء ونحوهم,مما لاشك في (صدق) اخبارة, فانه لا يحتمل الصدق والكذب, ولكن باعتبار قائله)).

ومن علم المنطق امتد هذا التعريف وربما بشيء قليل جدا من التغييرعند البعض الى علم الكلام وعلم اصول الفقه وعلوم البلاغة.

وكلهم يريدون به: الكلام التام الغير الانشائي.

ذكرت هذا لان هذا التعريف المنطقي قد ترك أصداءه تتردد في الدرس الاصولي حتى الان.

فلنستعرض شيئا من التعريفات الاصولية, وشيئا من الملاحظات الموجهة الى التعريف المنطقي.

عرفه أعني الخبر السيد المرتضى في (الذريعة) والشيخ الطوسي في (العدة) بأنه: (( ما صح فيه الصدق أو الكذب )).

ثم ناقشا التعريف المشتهر في زمنهما, الذي يقول: (الخبر: هو مااحتمل الصدق والكذب), وهو التعريف المنطقي خلوا من قيد (لذاته),ناقشاة في استخدامه لواو العطف, بينما الصواب في رأيهما هو أن تستخدم (أو) العاطفة, قال السيد: (( الواجب أن يحد الخبر بانه (ما صح فيه الصدق أو الكذب), لانه لو حد بما يمضي في الكتب بأنه (ما صح فيهالصدق والكذب) ينتقض بالاخبار التي لا تكون الا صدقا كقولنا: (انه تعالى محدث العالم)

و (انه عالم لنفسه), و (ان الجهل والكذب قبيحان) .. وينتقض أيضا بمالايكون الا كذبا كنحو قولنا: (صانع العالم محدث) و (الكذب حسن).

وقد حدة قوم: (بما احتمل التصديق والتكذيب) فرارا من أن يقول فيصادق وكاذب أنهما صدقا أو كذبا )).

ونفيد من مناقشة السيد أن التعريف المذكور في الكتب التي أشاراليها لم يقيد بالقيد الاحترازي المتقدم وهو (لذاته).

ومعنى ذلك ان هذا القيد جاء متأخرا احترازا عن مثل الاشكال الذي ذكره السيد.

وعرفه المحقق الحلي في (المعارج) بقوله: (( الخبر: كلام يفيد بنفسه نسبة أمر الى أمر نفيا أو اثباتا )).

وهو التعريف النحوي لاسلوب الخبر المقابل لاسلوب الانشاء, ولعل عدوله عن التعريف المنطقي جاء تخلصا من أمثال اشكال السيدالمرتضى عليه.

وأيا كانت صياغة التعريف فمقصودهم هو بيان أن الخبر هو ما يفيد وقوع شيء أو لا وقوعه.

والي هذا رمى الذين عرفوا الصدق بأنه الاخبار عن الشيء على ما هو به .. والكذب بأنه الاخبار عن الشيء لا على ما هو به كما في (المعارج).

وبخلافه الانشاء فانه يفيد طلب الايقاع أو عدمه.

  •  شرطه:

واشترط في الكلام ليكون خبرا ان يقصد الاخبار به من قبل المخبر.

يقول السيد المرتضى: (( والخبر انما يصير خبرا بقصد المخبر, لان الكلام, وان تقدمت المواضعة فيه, فانما يتعلق بما يفيده بالقصد )).

ويقول المحقق: (( ولابد من كون المخبر مريدا حتى تكون الصيغةمستقلة في فائدتها, لان الصيغة قد توجد غير خبر )).

وهذا يرجع الى ان الجملة الخبرية في اللغة العربية قد تستعملللاخبار, وقد تستعمل للانشاء, وقد تستعمل لا الى هذا, ولا الى ذاك.

والذي يحدد مراد المتكلم هو القصد والارادة.

هذا كله في تعريف مطلق الخبر.

  •  تعريف خبر الواحد:

اما تعريف خبر الواحد بخصوصه, فقد جاء في (مبادي الوصول)للعلامة الحلي: (( خبر الواحد: هو ما يفيد الظن, وان تعدد المخبر )).

وهو كما تراه تعريف بالاثر, وبما هو أعم .

وجاء في (المعالم) للعاملي: (( خبر الواحد: هو ما لم يبلغ حد التواتر,سواء كثرت رواته أم قلت )).

وفي (التعريفات) للجرجاني: (( خبر الواحد: وهو الحديث الذي يراد به الواحد أو الاثنان فصاعدا ما لم يبلغ الشهرة والتواتر )).

وكما هو واضح استعارا أعني العلامة والجرجاني هذا التعريف من علم الدراية.

ونتبين مقصودهم بشكل أجلى كما قدمت من تقسيم الخبر الشرعي, وكالتالي.

  •  تقسيم الخبر:

ينقسم الخبر الشرعي على أساس من وفرة رواته وعدمها الى قسمين: متواتر وغير متواتر.

1- الخبر المتواتر: هو الذي يرويه جماعة اثر جماعة من المعصوم الىالمنقول اليه, لا يحتمل في حقهم التواطيء على الكذب.

أو قل: يؤمن تواطؤهم على الكذب.

وتسميته بالمتواتر تدل على ذلك, يقال: (تواترت الاشياء) اذا جاءبعضها في أثر بعض وترا وترا من غير انقطاع.

الا ان العلماء في مصطلح الحديث استبدلوا وترا وترا التي تعني فردافردا, فقالوا جماعة جماعة أو جمعا جمعا.

والكل متفقون على ان الخبر المتواتر يفيد القطع بصدوره عن المعصوم .

2- غير المتواتر: وهو الذي يرويه فرد أو جماعة لم يبلغوا به مستوىالتواتر المفيد للقطع.

وقسموا غير المتواتر على أساس من اقترانه بما يفيد القطع وعدمه الى قسمين: الخبر المقترن والخبر المجرد (غير المقترن).

أ- الخبر المقترن: وهو الذي تصحبه قرينة تدل على القطع بصدوره عن المعصوم .

ولا خلاف بينهم في القطع بصدوره لدلالة القرينة على ذلك.

ب- الخبر غير المقترن: وهو المجرد عن القرينة المفيدة للقطع بالصدور.

ان هذا الخبر المجرد لا يتعدى في مستوى دلالته حدود الظن.

هذا الخبر المجرد أو غير المقترن هو المقصود هنا, سواء عبروا عنه بخبر الواحد أو خبر الاحاد أو خبر الثقة أو خبر العدل أو الخبر المجرد أوالخبر غير المقترن.

  •  دلالة خبر الواحد:

ونعني بهذا العنوان ان خبر الواحد هل يفيد القطع أو يفيد الظن.

ويلخص الشيخ الطوسي الاقوال في المسألة بقوله: (( اختلف الناس في خبر الواحد:

- فحكي عن النظام انه كان يقول: انه (أي خبر الواحد) يوجب العلم الضروري اذا قارنه سبب.

وكان يجوز في الطائفة الكثيرة أن لا يحصل العلم بخبرها.

- وحكي عن قوم من أهل الظاهر: انه (أي خبر الواحد) يوجب العلم مطلقا (أي اقترن أو لم يقترن).

وربما سموا ذلك علما ظاهرا.

وذهب الباقون من العلماء من المتكلمين والفقهاء الى أنه لا يوجب العلم )).

وفيما يبدو أن قول النظام بافادة خبر الواحد العلم (القطع) اذا اقترن بسبب يفيد ذلك, يعني به الخبر المقترن, وأوضحنا في تقسيم الخبر الىأن الخبر المقترن خارج عن حريم البحث.

يضاف اليه: ان افادة القطع آتية من القرينة لا من الخبر نفسه.

وعليه: لا يعد قول النظام رأيا في مسألتنا لاننا نتحدث عن الخبرالمجرد.

وبالنسبة الى رأي بعض أهل الظاهر فقد فسر الشريف المرتضى في(الذريعة) العلم الظاهر بالظن, قال: (( وقال بعضهم ان خبر الواحد يوجب العلم الظاهر, يعني به الظن )).

وعليه: يدخل هذا ضمن القول الاخير.

وقال في (الذريعة) أيضا: (( وكان النظام يذهب الى أن العلم يجوز أن يحصل عنده وان لم يجب, لانه (يعني العلم) يتبع القرائن والاسباب,ويجعل (أي النظام) العمل تابعا للعلم, فمهما لم يحصل علم فلا عمل )).

وهو ما أوضحناه من ان النظام يعني الخبر المقترن.

وقد يفهم من قوله (ويجعل العمل تابعا للعلم) أن الخبر المجرد لا يفيدالعلم, ومن هنا لا يجوز العمل به.

وهذا يدخل من ناحية منهجية في موضوع جواز التعبد به وعدمه,لا في موضوع افادته العلم أو الظن.

وقال السيد المرتضى أيضا: (( ومن الناس من يقول: ان كل خبر وجب العمل به فلابد من ايجابه العلم, ويجعل العلم تابعا للعمل )).

وهذا أيضا ممن قد يستفاد من قوله انه يذهب الى ان الخبر المجرد لايفيد الا الظن.

كما قد يستفاد منه ان الخبر المجرد اذا صح التعبد به فلازمه انه يفيدالعلم .

والذي عليه الرأي الاصولي الامامي من خلال ما وصل الينا من الكتب الاصولية من (الذريعة) و (العدة) وما بعدهما من كتب ان خبر الواحدمتى توافرت فيه شروط قبوله من كون راويه عادلا أو ثقة والخ, يفيدالظن.

قال السيد المرتضى: (( اعلم أن الصحيح ان خبر الواحد لا يوجب علما,وانما يقتضي غلبة الظن لصدقه (أي صدق الراوي) اذا كان عادلا )).

وقال الشيخ الطوسي: ( والذي أذهب اليه: أن خبر الواحد لا يوجب العلم, وان كان يجوز أن ترد العبادة (يعني التعبد) بالعمل به عقلا, وقدورد جواز العمل به في الشرع الا ان ذلك موقوف على طريق مخصوص,وهو ما يرويه من كان من الطائفة المحقة, ويختص بروايته, ويكون على صفة يجوز معها قبول خبره من العدالة وغيرها ).

وكما ترى, فان استفادة الظن بصدور الخبر عن المعصوم ليس من نفس الخبر, وانما لان راويه صادق اما لعدالته واما لوثاقته.

فما يدور حوله البحث من افادة الظن أو القطع, ومن جواز التعبد وعدمه هو (خبر الثقة) أو (خبر العدل) على الخلاف الذي يذكر في علم الدراية.

ومن المفيد هنا أن نتعرف المراد بالعدل, والمراد بالثقة, لدخول هذين المفهومين عنصرا أساسيا في تحديد خبر الواحد, وتقرير حجيته.

  •  (العدل):

كلمة (عدل) في الاصل مصدر للفعل (عدل), يقال: عدل يعدل عدلاوعدالة ومعدلة, ثم استعمل بمعنى اسم الفاعل (عادل) فهو نحو قولنا (زيد علم) أي عالم مبالغ في علمه, الا ان كلمة (عدل) هنا لا تفيد المبالغة, وانما تدل على الاتصاف بالعدالة فقط.

والعدالة لغة تعني الاستقامة في السلوك, وهي كذلك في الشريعة حيث تعني الاستقامة في تطبيق أحكام الشريعة على السلوك.

فالعدل: هو الذي يأتمر بأوامر الدين وينتهي بنواهيه.

ولا يطلق في الاصطلاح الاصولي الامامي الا على الامامي المتشرع في سلوكه.

  •  (الثقة):

يراد به في لغة المتشرعة الانسان الذي يؤتمن على الشيء.

وهو كذلك في اللغة الاجتماعية, فقد جاء في (المعجم الوسيط): (وثق بفلان ثقة: ائتمنه), وفي (المفردات): (وثقت به أثق ثقة: سكنت اليه, واعتمدت عليه .. وقالوا: رجل ثقة, قوم ثقة, ويستعار للموثوق به), يعني انه من المصادر التي تستعمل أيضا بمعنى اسم المفعول أمثال (خلق) بمعنى (مخلوق), و (لفظ) بمعنى (ملفوظ), ففي (المعجم الوسيط): (( الثقة: مصدر, وقد يوصف به, يستوى فيه المفرد والمثنىوالجمع بنوعيهما (المذكر والمؤنث), فيقال: هو وهي وهما وهم وهن ثقة, وقد يجمع في الذكور والاناث على ثقات )).

والخلاصة: الثقة هو الصادق.

وقد يطلق ويراد به العادل, ولكن الاستعمال الاكثر هو اطلاقه على الصادق القول.

أو قل: هو الانسان الموثوق به.

حتى ان اريد بالوثاقة العدالة فهو العدل, وان اريد بها الامانة فهوالامين.

وهنا فرق أساسي بين العدل والثقة لابد من الاشارة اليه, وهو:

ان العدل لابد فيه من أن يكون اماميا.

وبخلافه الثقة فقد يكون اماميا وقد يكون غير امامي.

وفي رواتنا من هم اماميون, وهم الاكثر, وفيهم من هم غير اماميين.

فمن اشترط العدالة حصر الرواية الشرعية بالامامية, ومن اكتفىبالوثاقة عمم الرواية الشرعية الى ما يشمل غير الامامية ممن هم ثقات.