المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 016.doc

نظرية الحدس

وفحوى هذه النظرية كما يقررها في (مصباح الاصول) وجها ثاني اللملازمة العقلية بين الاجماع وقول المعصوم, ويناقشها شأن ما فعل فيسابقتها هي: ((ان اتفاق جميع الفقهاء يستلزم القطع بقول الامام عليه السلام عادة, اذ من قول فقيه واحد يحصل الظن ولو بأقل مراتبه بالواقع,ومن فتوى الفقيه الثاني يتقوى ذلك الظن ويتأكد, ومن فتوى الفقيه الثالث يحصل الاطمئنان, ويضعف احتمال مخالفة الواقع, وهكذا الى أن يحصل القطع بالواقع, كما هو الحال في الخبر المتواتر, فانه يحصل الظن باخبار شخص واحد, ويتقوى ذلك الظن باخبار شخص ثان وثالث, وهكذاالى أن يحصل القطع بالمخبر به.

وفيه:

أن ذلك في الاخبار عن حس كما في الخبر المتواتر, لان احتمال مخالفة الواقع في الخبر الحسي انما ينشأ من احتمال الخطأ في الحس أو احتمال تعمد الكذب, وكلا الاحتمالين يضعف بكثرة المخبرين الى أن يحصل القطع بالخبر به وينعدم الاحتمال ان.

وهذا بخلاف الاخبار الحدسي المبني على البرهان كما في المقام فان نسبة الخطأ الى الجميع كنسبته الى الواحد, اذ احتمال كون البرهان غيرمطابق للواقع لايفرق فيه بين أن يكون الاستناد اليه من شخص واحد أوأكثر, ألا ترى أن اتفاق الفلاسفة على أمر برهاني كامتناع اعادة المعدوم مثلا لايوجب القطع به ? )).

هذه أهم النظريات التي قيلت في المسألة, وهي كما تراها لا تعدوأن تكون من باب التعليل بعد الورود, ذلك أن اصوليي الامامية بعد أن أدرجوا الاجماع وكان ذلك بعد الشيخ المفيد دليلا في قائمة أدلة الفقه,ووجهوه بالتوجيه الذي ذكروة لتصحيحه, وهو الكشف عن رأي المعصوم راحوا يلتمسون الدليل على دخول المعصوم واحدا من المجمعين ليصح ويتم الاحتجاج بالاجماع, وهذا كما تراه أشبه مايكون من باب التعليل بعد الورود.

والطريق المنهجي السليم أن نلتمس الدليل على الاجماع نفسه, فان وجد فهو المطلوب, وعند عدم وجودة لسنا بحاجة الى التبريرات المذكورة, وكل ما نحتاج اليه أن نتحدث عن الاجماعات المنقولة في كتب الفقه:

 -ماذا يراد بها.

 -ما موقفنا منها.

 -وهل فيها مسائل لا دليل عليها الا الاجماع الكاشف.

 -والخ.

ومثل هذا البحث يتطلب منا تتبع وملاحظة جميع الاجماعات المذكورة, ودراستها في حدود مباني أصحابها, وحدود تطبيقاتهم لها,ولعل في الاخوة الباحثين من يتصدى لهذا.

ويبدو لي والله العالم ان الاجماعات المدعاة كاجماعات السيد المرتضى في مسائل الخلاف واجماعات الشيخ الطوسي في كتابه الموسوم بـ(الخلاف) تقوم على أساس من ايمان من يدعي الاجماع ببطلان دليل القول الاخر وسقوط قوله لانه مبني على دليل باطل فيبقىقول مدعي الاجماع هو القول الصحيح الوحيد وينبع هذا من عمق ثقةالعالم بنفسه وعمق ايمانه بصحة انتاجه وعطائه أو سلامة خطه المذهبي.

أما الدليل على حجية الاجماع بذاته فقد ذكر في كتب اصول الفقه السني جملة من الادلة, بعضها من الكتاب, وبعضها من السنة,وبعضها عقلي.

وأهمها وأقواها هو الحديث القائل (لا تجتمع أمتي ..), ومن هنا رأيت قصر الوقوف عليه, ومحاولة معرفة وجوة الاستدلال به, وهل هي تامة أو غير تامة.

روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة, ومنها:

(ان الله لا يجمع امتي على الضلالة).

(سألت الله لا تجتمع امتي على الضلالة فأعطانيها).

(لم يكن الله ليجمع امتي على الخطأ).

(ان امتي لا تجتمع على ضلالة فاذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الاعظم).

(ان الله أجاركم من ثلاث خصال: أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا .. وأن لا تجتمعوا على ضلالة).

وقد ادعي تواتر هذا الحديث تواترا معنويا اذ تلتقي كل مروياته على أن امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تجتمع على ضلالة.

ولكن نفى الطوفي في رسالته تواتر هذا الحديث بقوله: (( ان هذا الخبر وان تعددت ألفاظه ورواياته لا نسلم أنه بلغ رتبة التواتر المعنوي لانه اذا عرضنا هذا الخبر على أذهاننا وسخاء حاتم وشجاعة علي ونحوهما من المتواترات المعنوية, وجدناها قاطعة بثبوت الرأي الثاني, غيرقاطعة بالاول, فهو اذن في القوة دون سخاء حاتم وشجاعة علي وهمامتواتران, وما دون المتواتر ليس بمتواتر.

فهذا الخبر ليس بمتواتر, لكنه في غاية الاستفاضة.

فان قيل: تلقته الامه بالقبول, فدل على ثبوته.

فجوابه: من وجوة:

أحدها: لا نسلم تلقيها له بالقبول, اذ منكرو الاجماع كالنظام والشيعةوالخوارج والظاهرية فيما عدا اجماع الصحابة لو تلقوة بالقبول لماخالفوة.

الثاني: ان الاحتجاج بتلقي الامة له بالقبول احتجاج بالاجماع, وهواثبات الشيء بنفسه ))(1).

ونوقش في دلالة الحديث بالتالي:

1- ان (( ورود لفظ الامة (فيه), والاخذ بظاهرة, لا يفيد الا من قال بأن اجماع الامة حجة, اما بقية الاقوال كاجماع المجتهدين أو أهل الحرمين أوالصحابة أو أهل طائفة ما, فان هذا الدليل لا يصلح لاثباتها.

والقول بأن الامة ليست هي الا مجتهديها وأهل الحل والعقد فيها,فلاعبرة بغيرهم, قول لا يعتمد سوى الخطابة والاستحسان, وهما لايصلحان في مقام التمسك بالادلة على الحجج الشرعية, فالخروج علىالنص فيه لا مبرر لها))(2).

2- وفي (مصباح الاصول (3)): (( لو تم ما نسب الى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله (لا تجتمع امتي على خطأ), وقلنا بأن المراد من الامةهو خصوص الامامية ثبتت الملازمة بين اجماع علماء الامامية وقول المعصوم عليه السلام, ولكنه غير تام سندا ودلالة.

أما من حيث السند فلكونه من المراسيل الضعاف.

وأما من حيث الدلالة فلعدم اختصاص الامة بالامامية, كما هو ظاهرفي نفسه, ويظهر من قوله (ستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرق) ... )).

ومع هذا يمكننا أن نقول: ان الاجماع المقصود من ارادة جميع أفرادالامة يكون كالاجماع الذي تقول به الامامية لانه يكشف كشفا يقينيا عنان المعصوم أحد المجمعين لشمول الاجماع لجميع أفراد الامة ومنهم المعصوم, فتكون الحجية لقول المعصوم لا للاجماع ذاته, والعصمةالتي ادعيت للامة يكون المراد بها عصمة الامام المعصوم .

ولكن المطلوب هو الدليل على حجية الاجماع بما هو اجماع لا بما هوكاشف, وهذا لم يثبت.

  •  

يقسم الاجماع كما تقدم الى اجماع مدركي واجماع كاشف, وقد سبق تعريفهما.

ويقسم الاجماع الكاشف الى: منقول ومحصل.

1- الاجماع المحصل.

وهو اتفاق الفقهاء في عصر من العصور, يحصله فقيه ما بنفسه عن طريق جمع جميع فتاواهم في المسألة.

ولهذا سمي بالمحصل بصيغة اسم المفعول .

2- الاجماع المنقول:

هو الاتفاق الذي يصل الينا عن طريق نقله وذكرة في الكتب الفقهية, أو بواسطة نقل فقيه عن فقيه.

ويقسم الاجماع الكاشف الى: بسيط ومركب.

أ- الاجماع البسيط:

(( هو الاتفاق على قول واحد بالمطابقة كالاجماع على نجاسة فضلةما لا يؤكل لحمه, فالمدلول المطابقي له هو نجاسة الفضلة مما لا يؤكل لحمه.

وأكثر الاجماعات من هذا القبيل ))(4).

ب- الاجماع المركب:

وهو الاستناد الى رأي مجموع العلماء المختلفين على قولين أو أكثرفي نفي قول آخر لم يقل به أحد منهم ))(7).

ويعلق الشيخ العاملي في (المعالم) على الاجماع المحصل بقوله: ((الحق امتناع الاطلاع عادة على حصول الاجماع في زماننا هذا وما ضاهاه من غير جهة النقل, اذ لا سبيل الى العلم بقول الامام عليه السلام كيف?,وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم ويكون قوله مستورا بين أقوالهم, وهذا مما يقطع بانتفائه.

فكل اجماع يدعى في كلام الاصحاب مما يقرب من عصر الشيخ الى زماننا هذا, وليس مستندا الى نقل متواتر أو آحاد حيث يعتبر أو مع القرائن المفيدة للعلم, فلابد أن يراد به ما ذكرة الشهيد من الشهرة.

واما الزمان على ما ذكرناه المقارب لعصر ظهور الائمة عليهم السلام وامكان العمل بأقوالهم, فيمكن حصول الاجماع والعلم به بطريق التتبع.

والى مثل هذا نظر بعض علماء أهل الخلاف حيث قال: الانصاف انه لاطريق الى معرفة حصول الاجماع الا في زمان الصحابة حيث كان المؤمنون قليلين يمكن معرفتهم بأسرهم على التفصيل )).

وأخيرا: ننتهي من كل ما تقدم الى النتائج التالية:

1- ان فقهاء الامامية من زمن الشيخ المفيد فما قبله لم يدرجوا الاجماع في قائمة أدلة الفقه.

2- لا دليل لدينا نحن الامامية على اعتبار الاجماع بما هو اجماع حجة شرعية قائمة بذاتها.

3- ان ادراج الاجماع في قائمة أدلة الفقه كان أخذا بالمنهج السني في تدوين علم اصول الفقه.

4- ان علماء الاصول الاماميين قاموا بتوجيه الاجماع بما يرتفع به الى مستوى الدليل باشتراط دخول الامام المعصوم في مجموعةالمجمعين.

5- ان تحصيل الاجماع الكاشف ان لم يكن ممتنعا فهو شبه ممتنع.

6- ان الاجماعات المنقولة ترتبط بواقع مباني قائليها وارادتهم منها.

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- الأصول العامة 263 - 262 ط2.

2- الأصول العامة 264.

3- مصباح الاُصول 139 / 2 .

4- الموسوعة الفقهيّة الميسّرة : مادة إجماع.