المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 015.doc

واختلف الرأي الاصولي في من يصدر منه هذا الاتفاق, ليكون الاتفاق الصادر اجماعا, على أقوال, منها:

1- انه اتفاق جميع المسلمين.

2- اتفاق أهل الحل والعقد من المسلمين.

3- اتفاق أهل الحرمين (مكة والمدينة).

4- اتفاق أهل المدينة.

5- اتفاق أهل المصرين (البصرة والكوفة).

6- اتفاق الصحابة.

7- اتفاق الخلفاء الراشدين.

8- اتفاق الشيخين (أبي بكر وعمر).

9- اتفاق الفقهاء المجتهدين في عصر من الاعصار.

10- الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم .

واختلف تعريفهم للاجماع تبعا لاختلافهم في مصدر الاتفاق.

ففي (التعريفات) للجرجاني: (( الاجماع في اللغة: العزم والاتفاق, وفي الاصطلاح: اتفاق المجتهدين من امة محمد في عصر على أمر ديني )).

وفيها أيضا: (الاجماع: العزم التام على أمر من جماعة أهل الحلوالعقد).

والذي يستخلص من مجموعة التعريفات المختلفة التي ذكرت للاجماع هو أنها (( ترمي الى معنى جامع بينها, وهو: اتفاق جماعةلاتفاقهم شأن في اثبات الحكم الشرعي )) كما يقول شيخنا المظفر.

والقول الاخير للاجماع أعني الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم هو تعريف أصحابنا الامامية, وهو موضع اتفاق بينهم.

ويستفاد من هذا: أن الاجماع بما هو اجماع لا عبرة به ولا مشروعيةله في الرأي الامامي, اذ الحجة ليست قائمة فيه, وانما هي في رأي المعصوم الذي كشف عنه الاجماع.

يقول المحقق الحلي في (المعتبر) كما حكي عنه ذلك الشيخ العاملي في (المعالم): (( واما الاجماع فعندنا هو حجة بانضمام المعصوم, فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله عليه السلام لما كان حجة, ولو حصل في اثنين لكان قولهما حجة لا باعتبار اتفاقهما, بل باعتبار قوله عليه السلام.

فلا تغتر اذن بمن يتحكم فيدعي الاجماع باتفاق الخمسة أو العشرةمن الاصحاب مع جهالة قول الباقين, الا مع العلم القطعي بدخول الامام في الجملة )).

ويقول السيد الطباطبائي في (المفاتيح) كما حكي عنه الاستاذ شلبي في (أصول الفقه الاسلامي): (( فمع وجود الامام, الاجماع حجة, للامن علىقوله من الخطأ, والقطع على دخوله في جملة المجمعين.

فعلى هذا: الاجماع كاشف عن قول الامام, لا ان الاجماع حجة في نفسه من حيث هو اجماع.

صرح بذلك كثير من علمائنا.

وبالجملة: من قال من أصحابنا بأن الاجماع حجة فانما قاله باعتباركونه كاشفا عن قول المعصوم لا لكونه اجماعا )).

وهذا الموقف الامامي من الاجماع يثير أمامنا أكثر من تساؤل, أمثال:

1- هل الاجماع دليل مستقل, أو أنه طريق من طرق السنة ?

2- في حالة ثبوت عدم استقلاليته: كيف أدرج في عداد الادلة الاخرى: الكتاب والسنة.

3- ثم ما هو مستنده?

وللاجابة عن السؤال الاول, فان الذي يذهب اليه من يقول باعتبارالاجماع من أصحابنا الامامية, هو ان الاجماع ليس دليلا مستقلا, وانما هوطريق من طرق السنة, وذلك لكشفه عن قول الامام كما تقدم في تعريفه, فالدليل هو قول الامام, وليس الاجماع الكاشف عنه, أو قل هو المكشوف لاالكاشف.

ولابد هنا من التنبيه الى ان قول الامام الذي يكشف عنه الاجماع لايعد رواية, والا كان حسابه حساب الرواية في التعامل معه من حيثالاستدلال.

ولايضاح هذا أكثر علينا أن نوضح انقسام الاجماع الى قسمين:المدركي وغير المدركي, وذلك لان القسم الثاني (وهو غير المدركي) هوالذي ينبثق منه اعتبار الاجماع.

1- الاجماع المدركي:

وهو الاجماع الذي له مدرك كما يعبر الاماميون استند اليه المجمعونمن آية أو رواية أو سواهما, أو قل مستند كما يعبر عنه في لغةاصوليي السنة ممن يرى منهم وجوب اعتماد المجمعين على مستند (دليل شرعي).

فقد يكشف ان المجمعين عندما يجمعون على مسألة معينة أناتفاقهم ناشي من استنادهم جميعا الى مدرك حكمها.

ان مثل الاجماع المعلوم المدرك والمعروف المستند لا اعتبار له عندنا معاشر الامامية في مجال الاستدلال, وانما الاعتبار للمدرك أو المستند,ويعامل في الاستدلال به معاملة أمثاله من المدارك والمستندات, سواءكانت آيات أو روايات أو غيرهما.

2- الاجماع غير المدركي (الاجماع الكاشف):

ومن تعريفنا للاجماع المدركي عرفنا الاجماع غير المدركي بانه الذي لم يكتشف الباحث منه مدرك أو مستند المجمعين.

وهذا الاجماع هو المقصود هنا, والمعتبر عند من يرى اعتبار الاجماع.

ويمكننا أن نصطلح عليه ب (الاجماع الكاشف).

 

  •  

ان القائلين من الامامية باعتبار الاجماع يذهبون الى ان الاجماع ليسبدليل مستقل, وانما هو وسيلة كاشفة عن قول المعصوم عندما لم يعلم للاجماع مدرك أو مستند.

وهنا يأتي السؤال الاخر: اذا كان الامر هكذا عند الامامية فكيف أدرجوه في عداد الادلة الفقهية (مصادر التشريع الاسلامي) بما يوهم انه دليل مستقل.

فكان يمكن أن يقال: الادلة اثنان هما: الكتاب والسنة, وللسنةطريقان هما: الرواية والاجماع.

أو يقال: الادلة ثلاثة: الكتاب والسنة والعقل, وفي مبحث السنةيشار الى ان لها طريقين هما: الرواية والاجماع.

ولكشف هذا الذي قد يعد مفارقة منهجية لابد من استعراض تاريخ نشوء الاجماع في الوسط العلمي الاسلامي, ومن ثم تطوره في مجال الدرس الاصولي, ذلك ان معرفة تاريخه في النشأة والتطور مما يلقي الضوء المساعد على كشف المفارقة:

لعل أقدم نص اسلامي يعرب عن زمان ومناسبة انبثاق الاجماع عندالمسلمين واتخاذه دليلا شرعيا هو ما جاء في رسالة الامام الصادق عليه السلام الى الشيعة المروية في (روضة الكافي), فقد ورد فيها في شأن السقيفة والخلافة:

(وقد عهد اليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل موته, فقالوا: نحن بعد ما قبض الله تعالى رسوله يسعنا أن نأخذ بما أجمع عليه رأي الناس بعد ما قبض الله عزوجل رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبعد عهده الذي عهده الينا وأمرنا به, مخالفة الله ولرسوله.

فما أحد أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك, وزعم ان ذلك يسعه).

والامام الصادق عليه السلام يشير بهذا الى الاجماع الذي ادعي لتصحيح خلافة أبي بكر, ذلك انه بعد أن بويع أبو بكر بالخلافة, ولا سند عند الصحابةالذين دعوا الى بيعته يدعم هذه البيعة من ناحية شرعية حيث لا نصفي القرآن الكريم ولا نص في السنة الشريفة يثبت صحة هذه البيعة,اضطروا بغية اضفاء الشرعية عليها الى ادعاء الاجماع عليها.

ولترسيخ الاجماع دليلا وحجة لكي تبقى البيعة المشار اليها قائمةعلى سند شرعي, أدخلوه حيز الدراسات الاصولية والتمسوا الادلةلاثبات حجيته, وربعوا به مصادر التشريع, فقالوا: هي الكتاب والسنةوالاجماع والعقل (بما يشمل اجتهاد الرأي والقياس والخ).

وفي ابتداء الغيبة الكبرى حيث قام الشيخ المفيد وتلامذته (من أعلام الامامية) باستكمال كل متطلبات الاجتهاد الشرعي, وذلك بعد انقطاع اتصال الشيعة بالامام المهدي عليه السلام, وفي مقدمة تلكم المتطلبات وضع العلوم المطلوبة, ومنها علم اصول الفقه, قام الشيخ المفيد في البداية بوضع مذكرة صغيرة في علم اصول الفقه, وحصر في هذه المذكرةادلة الاحكام الشرعية في ثلاثة هي: الكتاب والسنة وأقوال الائمة من أهل البيت عليهم السلام, قال: (( اعلم أن اصول أحكام الشريعة ثلاثةأشياء:

1- كتاب الله سبحانه.

2- وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم .

3- وأقوال الائمة الطاهرين من بعده )).

ويستند قدس سرة في اضافة أقوال الائمة عليهم السلام الى الكتاب والسنة, على أنهم كما ذكرت سابقا محدثون, قد أقدرهم الله علىالوصول الى الحكم الواقعي عن طريق الالهام, ولان عندهم كتاب علي, فيه كل أحاديث رسول الله, لا سيما مايختص منها بالاحكام الشرعية.

ومن بعده سلك تلميذاه السيد المرتضى والشيخ الطوسي منهج أهل السنة في تدوين علم اصول الفقه, فسلكوا الاجماع في قائمة الادلة, بعد أن وجهاه بما يلتقي ومذهب الامامية في أخذ الحكم من الثقلين الكتاب والعترة بأن اشترطا كشفه عن قول المعصوم .

قال السيد المرتضى في (الذريعة): (( والصحيح الذي نذهب اليه ان قولنا (اجماع) اما أن يكون واقعا على جميع الامة, أو على المؤمنين منهم,أو على العلماء فيما يراعي فيه اجماعهم .

وعلى كل الاقسام لابد من أن يكون قول الامام المعصوم داخلا فيه, لانه من الامة, ومن أجل المؤمنين, وأفضل العلماء, فالاسم مشتمل عليه, ومايقول به المعصوم لا يكون الا حجة وحقا.

فصار قولنا موافقا لقول من ذهب الى ان الاجماع حجة في الفتوى )).

وقال في (جوابات المسائل التبانيات): (( وهاهنا طريق آخر يجري في وقوع العلم مجرى التواتر والمشافهة, وهو ان يعلم عند عدم تمييز عين الامام وانفراد شخصه, اجماع جماعة على بعض الاقوال يوثق بأن قوله داخل في جملة أقوالهم .

فان قيل: هذا القسم أيضا لا يخرج عن المشافهه أو التواتر, لان امام العصر اذا كان موجودا, فاما أن يعرف مذهبه وأقواله مشافهه وسماعا, أوبالمتواتر عنه.

قلنا: الامر على ما تضمنه السؤال, غير ان الرسول والامام اذا كان متميزا متعينا, علمت مذاهبه وأقواله بالمشافهه أو بالتواتر عنه .. واذاكان مستترا غير متميز العين وان كان مقطوعا على وجوده واختلاطه بنا علمت أقواله باجماع الطائفة التي نقطع على ان قوله في جملةأقوالهم, وان كان العلم بذلك من أحواله لا يعدو اما المشافهة أو التواتر,وانما يختلف الحالان بالتمييز والتعيين في حال وفقدهما في اخرى )).

وقال أيضا: (( وبعد فالاجماع الموثوق به في الفرقة المحقة هو اجماع الخاصة دون العامة, والعلماء دون الجهال )).

وقال: (( وليس رجوعنا الى عمل الطائفة واجماعها في ترجيح أحدالخبرين الراويين على صاحبه أمرا يختص هذا الموضوع, حتى يظن ظان ان الرجوع الى اجماع الطائفة انما هو في هذا الضرب من الترجيح.بل نرجع الى اجماعهم في كل حكم لم نستفده بظاهر الكتاب, ولا بالنقل المتواتر الموجب للعلم عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الامام عليه السلام,سواء ورد بذلك خبر معين أو لم يرد, وسواء تقابلت فيه الروايات أو لم تتقابل, لان العمل بخبر الواحد المجرد ليس بحجة عندهم على وجه من الوجوه, انفرد من معارض, أو قابله غيره على سبيل التعارض )).

وكما ترى, اضيف الاجماع دليلا فقهيا مع التأكيد على الفارق بينه وبين الاجماع عند علماء أهل السنة, وهو اشتراط كشفه عن رأي الامام المهدي عليه السلام.

وبهذا يكون طريقا آخر بالاضافة الى الحديث من الطرق الموصلةالى السنة الشريفة.

فالاجماع في حقيقته ليس دليلا لذاته, وانما لانه كاشف عن السنة,فتبقى على هذا مصادر التشريع من حيث الواقع محصورة في الكتاب والسنة.

ولعل التنصيص على الاجماع دليلا فقهيا كان في مقابلة موقف الفقهاءالمحدثين السلبي منه, وليس لاعتباره دليلا مستقلا قسيما للكتاب والسنة(1).

ويقول أستاذنا المظفر في كتابه الاصولي: (( وعلى كل حال فان هذا(الاجماع) بما له من هذا المعنى قد جعله الاصوليون من أهل السنة أحدالادلة الاربعة أو الثلاثة على الحكم الشرعي في مقابل الكتاب والسنة.

أما الامامية فقد جعلوه أيضا أحد الادلة على الحكم الشرعي, ولكن من ناحية شكلية واسمية فقط, مجاراة للنهج الدراسي في اصول الفقه عند السنيين, أي انهم لا يعتبرونه دليلا مستقلا في مقابل الكتاب والسنة, بل انما يعتبرونه اذا كان كاشفا عن السنة, أي عن قول المعصوم,فالحجية والعصمة ليستا للاجماع, بل الحجة في الحقيقة هو قول المعصوم الذي يكشف عنه الاجماع عندما تكون له أهلية هذا الكشف.

ولذا توسع الامامية في اطلاق كلمة الاجماع على اتفاق جماعة قليلة لايسمى اتفاقهم في الاصطلاح اجماعا, بل باعتبار ان اتفاقهم يكشف كشفا قطعيا عن قول المعصوم فيكون له حكم الاجماع, بينما لا يعتبرون الاجماع الذي لا يكشف عن قول المعصوم, وان سمي اجماعا بالاصطلاح )).

وبقي لدينا أن نجيب عن السؤال الثالث ببيان طرق الاجماع الكاشف عن رأي المعصوم التي ذكرها الاصوليون والتي يعنون بها العلة أوالسبب الذي يدعو الامام لان يكون أحد المجمعين, وأهمها:

1- نظرية الحس

وهي أن يحصل للحاكي للاجماع العلم بدخول الامام ضمن المجمعين,يسمع قولهم بالحكم, أو يرى تقريرهم لفعل من أفعال الاخرين.

وقد أطلق على هذا النوع مصطلح (الاجماع الدخولي) لعلم الحاكي للاجماع بدخول الامام ضمن المجمعين.

وهو مذهب الشريف المرتضى, قال في كتابه الاصولي (الذريعة): ((قد بينا في كتاب (الشافي): انه غير ممتنع أن يلتبس في بعض الاحوال قوم امام الزمان, اما لغيبة أو لغيرها, فلا نعرف قوله على التعيين فنفزع في هذا الموضع الى اجماع الامة أو اجماع علمائنا لنعلم دخول الامام المعصوم فيه, وان كنا لا نعرف شخصه وعينه, ففي مثل هذا الموضع نفتقر الى معرفة الاجماع على القول, لنعلم دخول الحجة فيه اذا كان قول الامام (الذي) هو الحجة ملتبسا أو متشابها, وهذا يجري مجرى قول المحصلين من مخالفينا: ان الاجماع الذي هو الحجة هو اجماع المؤمنين من الامة دون غيرهم, لان قول المؤمنين لما لم يكن متميزا وجب اعتباراجماع الكل ليدخل ذلك فيه )).

وعلق الشيخ الانصاري في (الرسائل) على هذا المذهب بقوله: (( وهذافي غاية القلة, بل نعلم جزما انه لم يتفق لاحد من هؤلاء الحاكين للاجماع, كالشيخين والسيدين وغيرهما )), ولذا صرح الشيخ في (العدة) في مقام الرد على السيد, حيث أنكر الاجماع من باب وجوب اللطف فقد ذكر الشيخ في العدة بان السيد ذهب الى (( انه يجوز أن يكون الحق عندالامام عليه السلام والاقوال الاخرى كلها باطلة, ولا يجب عليه الظهور, لانا اذا كنانحن السبب في استتارة فكل ما يفوتنا من قبل أنفسنا, ولو أزلنا سببالاستتار لظهر وانتفعنا به, وأدى الينا الحق الذي كان عندة )).

وقال الشيخ في رد السيد: (( ان هذه الطريقة يعني طريقة السيد المتقدمة غير مرضية عندي, لانها تؤدي الى أن لا يستدل باجماع الطائفة أصلا لجواز أن يكون قول الامام عليه السلام مخالفا لها, ومع ذلك لا يجب عليه اظهار ما عنده))(2).

2- نظرية اللطف:

وهي المذهب المعروف عن الشيخ الطوسي, والذي مرت الاشارة اليه في سابقه.

وخلاصة هذه النظرية هي: ان الله تعالى بلطفه ورحمته لا يترك هذه الامة المرحومة امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو فقهائها اذا حصل اجتماع منها أو منهم على خطأ, وانما يقوم بابطال هذا الخطأ بمثل القاءالخلاف بينهم من قبل الامام عليه السلام لطفا بعباده تعالى ورحمة منه بهم .

ولازم هذا اننا لو رأينا الامة أو الفقهاء قد أجمعوا على مسألة نستكشف في هدي هذه النظرية ان اجماعهم كان على حق, اذ لو كان على خطأ لاوقع الله تعالى من باب اللطف الخلاف بينهم باثارته من قبل الامام عليه السلام.

ويبدو من الشيخ الانصاري في (الرسائل) ان هناك من تابع الشيخ الطوسي في نظريته هذه, قال: (( ثم ان الاستناد الى هذا الوجه ظاهر من كل من اشترط في تحقق الاجماع عدم مخالفة أحد من علماء العصر كفخرالدين والشهيد والمحقق الثاني )).

ويقرر استاذنا السيد الخوئي هذه النظرية في محاضراته الاصولية بقلم تلميذة السيد الواعظ المعنونة (مصباح الاصول 2/138) ثم يناقشها فيقول: (( بقي الكلام في مدرك حجية الاجماع المحصل الذي هو أحد الادلة الاربعة.

فقد يقال: ان مدرك حجية الاجماع هو اللازمة العقلية بين الاجماع وقول المعصوم عليه السلام, وتقريبها بوجهين:

(الوجه الاول): ما استند اليه الشيخ الطوسي رحمه الله من قاعدةاللطف, وهي انه يجب على المولى سبحانه وتعالى اللطف بعباده, بارشادهم الى ما يقربهم اليه تعالى من مناهج السعادة والاصلاح,وتحذيرهم عما يبعدهم عنه تعالى من مساقط الهلكة والفساد وهذا هوالوجه في ارسال الرسل وانزال الكتب ونصب الامام عليه السلام .

وهذه القاعدة تقتضي عند اتفاق الامة على خلاف الواقع في حكم من الاحكام, أن يلقي الامام المنصوب من قبل الله تعالى الخلاف بينهم, فمن عدم الخلاف يستكشف موافقتهم لرأي الامام عليه السلام .

وفيه:

(أولا): عدم تمامية القاعدة في نفسها, اذ لا يجب اللطف عليه تعالىبحيث يكون تركه قبيحا يستحيل صدوره منه سبحانه, بل كل ما يصدرمنه تعالى مجرد فضل ورحمة على عباده.

(ثانيا): أن قاعدة اللطف على تقدير تسليمها لا تقتضي الا تبليغ الاحكام على النحو المتعارف, وقد بلغها وبينها الائمة عليهم السلام للرواة المعاصرين لهم, فلو لم تصل الى الطبقة اللاحقة لمانع من قبل المكلفين أنفسهم ليس على الامام عليه السلام ايصالها اليهم بطريق غيرعادي اذ قاعدة اللطف لا تقتضي ذلك, والا كان قول فقيه واحد كاشفا عن قول المعصوم عليه السلام اذا فرض انحصار العالم به في زمان, وهذا واضح الفساد.

(ثالثا): انه ان كان المراد القاء الخلاف وبيان الواقع من الامام عليه السلام مع اظهار انه الامام بأن يعرفهم بامامته, فهو مقطوع العدم, وان كان المراد هو القاء الخلاف مع اخفاء كونه اماما فلا فائدة فيه, اذ لا يترتب الاثرالمطلوب من اللطف, وهو الارشاد على خلاف شخص مجهول, كما هوظاهر )).

ـــــــــــــــــ

الهامش

1- أنظر : كتابنا ( تاريخ التشريع الإسلامي ( ص‏216 - 215).

2- نقلت من ( الرسائل ) بتصرّف.