تصنیف البحث: تاريخ, السياحة
خلاصة البحث:

    إنَّ المكانة التي امتازت بها مدينة كربلاء المقدسة من بين بقاع الأرض؛ وذلك بسبب التجليات المقدّسة التي باتت منارات وقباب تناطح السماء علوا، وتهفو إلى روضها قلوبُ الصادقين في بقاعِ الأرض جميعًا؛ لتنهلَ منها أريج بقائها منذ ذلك اليوم الذي شهدت وطأةَ جوره هذه الأرض، وذلك حينَ ارتدَّ الناسُ عن دينهم إلى عبادة الطواغيت، حتى خلت قلوبهم من معاني الإنسانية التي دأبُ الإسلام على غرسها فيهم، وتنصلوا عما فطرهم الله عليه، فأشرعوا سيوفهم بوجه ابن بنت رسول(صلى الله عليه وآله وسلم) حقدًا وحسدًا منهم أنْ خَصَّ اللهُ تعالى محمدًا وآلَهُ(صلى الله عليه وآله وسلم) بما لم يخصصْ به غيرهم، يقول تعالى:﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا﴾[النساء: 54]، فكانت النتيجة أن استُشهِدَ الحسينُ(عليه السلام) هو وأهلُ بيتهِ وأصحابُهُ، وسُبيتْ حريمهُ إلى بلادِ الغربة التي لا ترحم، وتركنَ وراءهنَّ رموسًا كلَّلَت ثرى هذه البقعةِ تاجَ ثرائها، فصارت به أرضَ المجد والإباء، أرضَ كربلاء.

    فقد أضحت مدينة كربلاء المقدّسة في فترات زمنية متوالية من تأريخها الإسلامي مركزاً من مراكز العلم والأدب والثقافة والفنون، إذ كانت لها مساهمتها البارزة في إغناء الحضارة الإسلامية، بما تزخر به من موروث حضاري وديني جلَّلته الروضتان الحسينية والعباسية المقدستان هيبةً وشموخًا، فاحتضنَ ثراهما ضريحي سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين(عليه السلام)، وأخيه العباس(عليه السلام) ولدي أمير المؤمنين، الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام). ولاتزال عمارتاهما تتبوآن مكانة مرموقة وتحظيان باهتمام بالغ بين سائر عمائر المدن الإسلامية الأخرى، إذ استوحت تلك العمائر خصائصها من روح الإسلام وتعاليمه السمحة واستلهمت قيمه ومثله العليا.

   وبسبب العلاقة الروحية التي تربط المسلمين بكربلاء المقدّسة وروضتيها المقدّستين عبر العهود الإسلامية، فقد شهدت عمائر المدينة تقدما ملموسا من حيث التخطيط والتصميم والبناء والفنون والزخرفة بأنواعها كافة، وكانت دائما موضع اهتمام الرحالة والمؤرخين من المسلمين وغيرهم، وعلى اختلاف أجناسهم، ومن الأقطار كافة، الذين عُنوا بتأريخها وجغرافيتها وفنون عمائرها الإسلامية.

فأضحت هذه المدينة المقدّسة على مرِّ حقبها الزمنية في العهد الإسلامي العريق محط أنظار الفقهاء والعلماء والأدباء والشعراء من كل حدَب وصوب، ومدينة مفتوحة على تيارات الثقافات المتعددة، وقد تأثرت من طريق اللغة والتأريخ إلى جانب الثقافة العربية الإسلامية بالثقافتين الفارسية والتركية، وكانت على مر العهود الإسلامية رمزا للتسامح والتعايش السلمي بين أتباع هذه التيارات، مما انعكس ذلك على جميع مناحي الحياة، لاسيما تركيبتها السكانية، وساهم أيضا في تعدد المدارس الإسلامية وتنوعها في هذه المدينة المقدسة منذ أكثر من ألف عام.

   فكان للثقافة الإسلامية دور مهم في تشكيل البنية العمرانية لمدينة كربلاء المقدّسة، وبأسلوب جعل شهرتها تصل إلى الآفاق.

   فضلًا عل ما تقدمَ آنفًا فإنَّ هذه البقعة المقدسةَ من الأرض–أعني كربلاء – انمازت بوجود المدن التأريخية التي تحكي حضارتها، وأنها كانت على مر العصور التي سبقت الإسلام مركزاً للعبادة، وأرضاً مقدّسة لديانات مختلفة، وأقوام عدَّة، لاسيما في العهدين البابلي والكلداني، وسكناً للمسيحيين وغيرهم، وبالتحديد في المنطقة الواقعة إلى الشمال الغربي منها، وأن أرضها وامتداداتها كانت تشكل مهد التحضر والتمدن، ومازالت آثار العديد من الكنائس ومعالم الحضارة الإنسانية شاهداً على تلك الحقبة الزمنية من تاريخ هذه المدينة المقدّسة.

   وتتجلى أهداف هذه الدراسة إلى:

أولا: الجوانب التاريخية والعمرانية والسياحية لكربلاء المقدّسة .

ثانيا:  تقييم الوضع الحالي للموروث العمراني في مدينة كربلاء المقدّسة، وتحديد الأطر المستقبلية لتطوير جوانبها: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية.

ثالثا: البحث في موضوعات السياسات والبرامج والمعايير الواجب اتخاذها لمراقبة الأخطار التي يتعرض لها الموروث العمراني.

رابعا: تفعيل الدور الاقتصادي في هذه المدينة المقدّسة، وتحقيق التكامل بين الجهات ذات العلاقة بالموروث العمراني.

     لذلك يسعى الباحثان أن تكون هذه الدراسة، التي شملت الجوانب التاريخية والعمرانية والسياحية لكربلاء المقدّسة، تتناسب ومكانتها في الحضارة الإسلامية، فضلا على إعطاء صورة كاملة عمَّا تحويه هذه المدينة، وخطوة نحو دراسات مستقبلية أخرى.