تصنیف البحث: جغرافية
من صفحة: 268
إلى صفحة: 282
النص الكامل للبحث: PDF icon 240909-093633.pdf
خلاصة البحث:

ان لكربلاء تاريخ عريق ، تمتد جذورها إلى ما قبل الميلاد . وهناك من يعود بتاريخ كربلاء إلى عهود السومريين الأوائل ، فإنّ أحد المواقع الأثرية ، المرتبط بتل أمام نوح في حصوة نوح في مقاطعة الأبيتر الجنوبية ، شمال شرق مدينة كربلاء بحوالي عشرة كيلو متر تقريباً ، ربّما يرتبط بذاكرة سفينة الناجين مع نوح .

كما تشير بعض الدلائل أن تاريخ السكن في هذه الربوع يرجع إلى عهود العبيديين الأوائل الذين سبقوا قيام الحضارة السومرية في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد ؛ وهذا ما تتوفّر بعض دلائله في كهوف الطار حول شواطيء بحيرة الرزازة الجنوبية ، حتى منخفض بحر النجف .

وكانت كربلاء قبل الإسلام موطناً لعدد من الأقوام ؛ فقد استوطنها التنوخيون ، التابعون للمناذرة مثل بنو أسد والذين نزلوا الغاضرية ، وكذلك بنو تميم ، وبعض القبائل القحطانية (اليمانية) ، وكانوا يدينون بالمسيحية  ومن سكانها بنو النظير وبنو قينقاع الذين هاجروا من ربوع المدينة ، وسكنوا أراضي الطف . وكان من بين سكانها الأقدمين ، بقايا البابليين والكلدان والأشوريين ، وموطنهم أرض نينوى التاريخية . كما اتخذها الساسانيون معسكراً لهم ، غرب الفرات ( العلقمي ) حيث شيّدوا عند ضفافه القلاع ، وبنوا المعابد . وقد انبثق منها اول اشعاع يدعو إلى التوحيد ، ضمن عقائد النساطرة ( المسيحيين ) الذين دعوا إلى عبادة الله ، وقد عبّروا عن توحيدهم من خلال اعتقاداتهم المسيحية ، والتي تعد طريقاً إلى التوحيد . إن هذه الحقائق تؤيدها الأثار الكثيرة المنتشرة في هذه الرقعة الجغرافية الممتدّة بين الفرات والصحراء .

 وخير دليل على ذلك وهو اكتشاف اقدم كنسية نصرانية فيها ، حيث يقدر المؤرخون أنّها ترجع إلى القرن الرابع الميلادي . وتلك الكنيسة التي تبعد عن قصر الأخيضر حوالي عشرة كيلومتر تقريباً ، من أوائل الكنائس التي أخذت على عاتقها مهمات التبشير بعقيدة التوحيد المسيحية في غرب الإمبراطورية الساسانية

وقد واجهت دعوات المسيحية اضطهاداً شديداً من قبل أكاسرة الساسانيين الذين كانوا يدينون بإحدى عقائد الشرك (الزرادشتية ) التي تزعم أن للكون إلهين إثنين ، أحدهما إله النور ، وأخر إله الظلام ، وبينهما صراع أبدي . وكانت كربلاء قبل الإسلام ، تضم عدداً من تلك المعابد التي تدعو لعبادة إلهي الزرادشتية المذكورين .

فكانت من وظائف كنائس غرب الفرات مهمات كفاحية شاقة لمواجهة عقائد الشرك والوثنية المدعومة بسلطات الساسانيين الإمبراطورية . فكانت هذه الرقعة الجغرافية التي تشغل بعض أقسامها كربلاء اليوم قد أخذت على عاتقها حركات ودعوات الكفاح ، ونشر عقائد التوحيد ومقاومة روح الشرك والوثنية ، وذلك قبل الإسلام بزمن طويل .