تصنیف البحث: ادارة
النص الكامل للبحث: PDF icon 2-11.pdf
خلاصة البحث:

اعتبر الفكر الاقتصادي ومنذ القدم، العنصر البشري، (وحدة اقتصادية) تساهم وبشكل فاعل في خلق وزيادة ثروة الأمم لمساهمته الفاعلة والمتميزة في العملية الإنتاجية حتى في ظروف شيوع المكننة والاتمته، وتتصاعد هذه الثقة المطلقة في العنصر البشري لتجعل هدف الحياة في المجتمعات (في كل شيء) من اجل الإنسان وخدمة الإنسان لكونه القيمة العليا في الحياة كوحدة اقتصادية واجتماعية في آن واحد. والحقيقة أن هذه الثقة المطلقة لم تكن زعماً تقتضيه التغيرات الأيدلوجية والإنجازات الفكرية، إنما هي ضرورة موضوعية يقتضيها الفهم الواعي والملتزم للوجود الإنساني.

البحث:

فلسفة التعليم الجامعي الأهلي في العراق

المضمون والأبعاد

الأستاذ الدكتور محمد طاقة، عميد كلية بغداد للعلوم الاقتصادية

الأستاذ المساعد الدكتور حسين عجلان، رئيس قسم إدارة الأعمال / كلية بغداد للعلوم الاقتصادية

محتوي‍ات الدراس‍‍ة

اولاً: مقدم‍ة

ثانياً: الاستثمار في التعليم

ثالثاً: الإطار النظري لفلسفة التعليم الأهلي

رابعاً: مشكلات التعليم الجامعي الأهلي وسبل معالجتها:

1. مشكلات التعليم الأهلي

2. الوسائل والإجراءات المقترحة لمعالجة مشكلات التعليم الأهلي

خامساً: الأسس المعتمدة لتحديد سياسة الأجور في الكليات الأهلية

سادساً: التحديات التي تواجه التعليم الجامعي الأهلي

1. تزايد إعداد الطلبة

2. الكلفة الاقتصادية للتعليم

3. عولمة التعليم

4. أنماط التعليم الجامعي الجديدة

- التوصي‍ات

- مصادر الدراسة

إط‍ار البحث

اولاً: مشكلة البحث:

بالنظر لأهمية موضوع التعليم الجامعي الأهلي في العراق، وضرورة انتهاج السياسات والسبل اللازمة لتطويره وتفعيل دوره جنباً إلى جنب مع التعليم الجامعي الرسمي.. فأن مشكلة البحث تتضمن دراسة وتحليل هذه العلاقة، وذلك من منظور الفلسفة التي قام على أساسها التعليم الجامعي الأهلي ذاته.

ثانياً: أهداف البحث:

1. توضيح مضامين وأبعاد هذه التجربة والدوافع الفكرية والأيدلوجية وراء قرار فتح التعليم العالي الأهلي.

2. تحليل العلاقة التكاملية والترابطية ووحدة الهدف بين التعليم الجامعي الرسمي والتعليم الجامعي الأهلي.

3. توضيح التحديات والمعوقات التي تواجه ارتقاء التعليم العالي الأهلي واقتراح السياسات والسبل اللازمة لمعالجتها.

اولاً: مقدمة

اعتبر الفكر الاقتصادي ومنذ القدم، العنصر البشري، (وحدة اقتصادية) تساهم وبشكل فاعل في خلق وزيادة ثروة الأمم لمساهمته الفاعلة والمتميزة في العملية الإنتاجية حتى في ظروف شيوع المكننة والاتمته، وتتصاعد هذه الثقة المطلقة في العنصر البشري لتجعل هدف الحياة في المجتمعات (في كل شيء) من اجل الإنسان وخدمة الإنسان لكونه القيمة العليا في الحياة كوحدة اقتصادية واجتماعية في آن واحد. والحقيقة أن هذه الثقة المطلقة لم تكن زعماً تقتضيه التغيرات الأيدلوجية والإنجازات الفكرية، إنما هي ضرورة موضوعية يقتضيها الفهم الواعي والملتزم للوجود الإنساني.

وفي هذا المجال يؤكد الاقتصادي الفرد مارشال (Marshal)، ((أن فئة متعلمة من الناس لا يمكن أن تعيش فقيرة، ذلك لان الإنسان بالعلم والمعرفة والوعي والإبداع يستطيع أن يسخر كل قوى الطبيعة ومصادرها وما في باطن الأرض وما فوقها لصالحه والارتقاء بمستوى معيشته وتوفير الحياة الكريمة له)) ولهذا فأن اصطلاح راس المال البشري Human Capital الذي اخذ يزداد شيئاً فشيئاً في الأدبيات الاقتصادية هو دليل على تصاعد هذه الثقة الكبيرة بقدرة الإنسان وأهميتها في خلق وزيادة الثروة الاقتصادية، هذا على الرغم من أن بعض الاقتصاديين ومنهم ((جون ستيوارت ميل)) J.S.Mill، يرى استخدام هذا المصطلح فيه شيء من التحفظ، إذ من الناحية العملية لا يمكن تطبيقه في مجال التحليل الاقتصادي، لان تطبيق مفهوم راس المال على الإنسان (الاستثمار في الإنسان) قد يقلل من حريته وكرامته، والتبرير في ذلك، أن الثروة نفسها خلقت من اجل الإنسان، غير أن الكثير منهم، وخاصة الاقتصادي وليم بتي W.Pety، أدم سمث Smith، وليست List، وفيشر Fisher والاقتصادي مارشال Marshal، وجدوا إن هناك من الدوافع والمبررات التي تسمح بالنظر إلى الإنسان كرأس مال Human Capital، حتى ماركس الذي اعتبر في نظريته (القيمة/ عمل) الإنسان وما يبذله من قوة عمل هو الذي يحدد قيمة الإنتاج.

وبع‍د ذلك جاء الاقتصادي كوب/ دوكلاص الذي اعتبر العنصر البشري ممثلاً بالعمل (Lobour) إضافة إلى عنصر راس المال هما العنصرين الحاسمين لدالة الإنتاج Production Function وقد اثبت ذلك رياضياً بنموذج‍ه الكمي (K، L) Q=F.

أذن لا ضير هناك في اعتبار البشر بمثابة (راس المال) سواء من وجهة النظر المجردة أو الرياضية.. وعلى هذا الأساس اعتبر الفكر الاقتصادي أن الاستثمار البشري ((Human Investment)) أرقى أنواع الاستثمار لدوره الفاعل في تحقيق النمو الاقتصادي Economic Growth.

والحقيقة أن هذه الأهمية البالغة للعنصر البشري وما تمتلكه من طاقات خلاقة لابد أن تدعو إلى ضرورة اعتبار راس المال البشري كعامل مكمل لراس المال المادي لا يقل عنه أهمية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومن هذا المنطلق أصبحت عملية التوسع الاقتصادي تحتاج إلى راس مال مادي وراس مال بشري ويوجد ارتباط واضح بين هذين الرأسماليين (المادي والبشري)، باعتبارهما يشكلان وحدة متكاملة في رفع وتائر التنمية الاقتصادية إلى أمام. بحيث لا يمكن لنا فصل أحدهما عن الأخر ولابد من خلق حالة متوازنة بين راس المال المادي وراس المال البشري لغرض تحقيق أعلى درجات النمو الاقتصادي.

أن علاقة التوازن والاتساق بين هذين المتغيرين قد تحققت بالنسبة للبلدان المتقدمة صناعياً وذلك بسبب التطور التاريخي لقوى الإنتاج، وقد تشكلت علاقة إيجابية بين راس المال المادي والبشري، حيث تمكنت هذه الدول ولكل مرحلة من مراحل التطور الصناعي والتقني من خلق الكوادر المناسبة من حيث المهارة والمعرفة لاستيعاب متطلبات التكنولوجيا لتلك المرحلة.

إما بالنسبة للبلدان النامية فهي لازالت تعاني من مشكلة عدم التوازن والاتساق بين راس المال المادي وراس المال البشري، بل نجد في اغلب البلدان النامية هناك فجوة كبيرة بين هذين المتغيرين. وأصبحت هذه الفجوة تشكل أحد الأسباب الرئيسية في إعاقة عملية التنمية الاقتصادية وانخفاض معدلات الإنتاج والإنتاجية، مما أفضى بالتالي إلى زيادة الهوة بينها وبين البلدان المتقدمة صناعياً.. وبأعتقادنا أن ذلك ناتج من إهمال اغلب الاقتصاديين للعامل الإنساني ودوره في النمو والتركيز على راس المال المادي فقط ولغاية النصف الأول من القرن العشرين حيث بدأ الاهتمام مجدداً بالعامل الإنساني ودوره في النمو. وبدأت الحسابات الاقتصادية تتباين في وجهات نظرها حول هل أن التعليم (استهلاك أم استثمار) والحقيقة لا يمكن القول أن كل التعليم وفي كل زمان ومكان هو استثمار فقط أو استهلاك فقط، بل هو في الواقع استثم‍ار واستهلاك وبأهمية نسبية مختلفة حسب الزمان والمكان. فهو من ناحية سلعة استهلاكية خاصة Private Good لان الإنسان يطلب التعليم لذاته لأنه يتمتع بما يوفر له التعليم من معرفة. ومن جانب أخر يعد التعليم سلعة استهلاكية عامة لان الدولة تقرر أن ينفق جزء من دخلها على التعليم في ضوء ما تفرضه القوانين الدولية... والتعليم هو استثمار أيضا لان الناس لا يستثمرون في أنفسهم أو أن الدولة هي التي تقوم بذلك بدلاً عنهم... وفي هذه الحالة فان جعل التعليم سلعة استهلاكية أو استثمارية له تأثير كبير على القرار السياسي في الدولة. فإذا اعد التعليم استهلاكاً فهذا يعني أن النفقات المخصصة له يمكن أن تخفض في حالة الأزمات الاقتصادية دون أن يكون لهذا التخفيض اثر على الاقتصاد في المدى البعيد. وإذا اعد التعليم استثماراً فأن ذلك يعني زيادة الأنفاق على التعليم لأنه يمكن أن يؤثر بدرجة كبيرة على النمو الاقتصادي في المدى البعيد.

ثانياً: الاستثمار في التعليم:

ومن هنا تبرز أمامنا أهمية الاستثمار في التعليم وخاصة بالنسبة للبلدان النامية التي أهملت هذا الجانب فترات طويلة من عمرها ولأسباب عديدة نذكر منها بالدرجة الأساس ما عانته من نير الاستعمار وظروف التخلف والجهل والمرض وعدم الاستقرار السياسي والتبعية الاقتصادية. أضف إلى ذلك أن هذه البلدان لم تمر بمراحل التطور التاريخي التدريجي لقوى الإنتاج كما مرت بها البلدان المتقدمة صناعياً، كما أن الظروف الموضوعية والذاتية هي الأخرى مخالفة لما هو عليه في البلدان المتقدمة صناعياً من حيث تطور وسائل الإنتاج وقوة العمل والعلاقة التي تربطهما.. وإذا ما علمنا أن الاتجاه في المجتمعات المعاصرة اليوم يهدف إلى ربط تفكير الإنسان ومجتمعه وحياته بثورة ((العلم والتكنولوجيا)) التي تشق طريقها ألان في المجتمعات الإنسانية. كما أن بناء المجتمع الجديد يتطلب تعبئة القوى المنتجة فيه بجانبها (المادي والبشري) واستخدامها بالشكل الأمثل كي تتحقق عملية النمو الاقتصادي.. لذلك أصبحت تمثل قضية الاستثمار في التعليم وربطها بمتطلبات التنمية الاقتصادية في المجتمع محل الصدارة في التفكير التنموي وأضحت من أهم القضايا وأكثرها الحاحاً بوصفها العملية الضرورية لتحريك وصقل وتنمية القدرات البشرية في جوانبها العلمية أو العملية والفنية والسلوكية، فهي وسيلة تعليمية تمد الإنسان بمعارف ومعلومات ومبادئ وفلسفات تزيد من طاقته على العمل والإنتاج، والعملية التعليمية هي ايضاً وسيلة فنية تمنحه خبرات إضافية ومهارات ذاتية تعبد صقل قدراته العقلية ومهاراته اليدوية.. إضافة إلى كونها وسيلة سلوكية نعيد تشكيل سلوكه وتصرفاته المادية والأدبية وتمنحه الفرصة لإعادة النظر في سلوكه الوظيفي والاجتماعي، فهي أذن عملية ضخمة لإعادة تشكيل الإنسان على نطاق واسع وعلى نحو اكثر إيجابية.

وعلى هذا الأساس يصبح الاستثمار في التعليم ضرورة موضوعية ملحة تتطلب جهوداً جبارة يجب أن تتبناها الأنظمة السياسية الق‍ائمة في البلدان النامية، خاصة إذا حددنا أن العنصر البشري هو من جملة المتغيرات الأساسية التي تؤثر في الإنتاجية، بل هو العنصر الحاسم فيها. والاستثمار في التعليم يعد استثمار إنتاجي بل صناعة إنتاجية بالدرجة الأولى ولكن بصورة غير مباشرة، وعليه اصبح إنتاج المعرفة والعلوم في البلدان المتقدمة صناعة حقيقة (بقدر ما تنسجم مادته مع مستلزمات النمو) ولهذا اصبح الأنفاق على التعليم يعد استثماراً يؤثر بشكل فاعل في عملية النمو والتطور الاقتصادي.

ثالثاً: الإطار النظري لفلسفة نظام التعليم الأهلي في العراق:

أن تنمية الموارد البشرية وسبل التعامل معها وتشخيص معضلاتها وإيجاد السياسات اللازمة لمعالجتها يرتبط بشكل أو بأخر بفلسفة وأيدلوجية النظام السياسي والاجتماعي للدولة.. ففي النظام الرأسمالي، أن مشكلات العمل والنشاط الاقتصادي وعناصر الإنتاج بجانبها (المادي والبشري) والسياسات التعليمية التي تحدد اتجاهات تلك العناصر (كماً ونوعاً) تحسم وتحدد وفق فلسفة وأيدلوجية ذلك النظام.

إما في الدول النامية، فلا زالت هذه الدول تفتقد إلى وجود فلسفة او أيدلوجية واضحة تعتمد في حل المشاكل والمعضلات الاقتصادية والاجتماعية وبالذات تحديد السياسات الملائمة لتخطيط وتوجيه وتنمية الموارد البشرية ضمن إطار سياسة تعليمية تنسجم ومتطلبات وظروف هذه البلدان ومرحلة التطور الاقتصادي والاجتماعي التي تمر بها.... وبما أن تنمية الموارد البشرية هو هدف يمكن الوصول أليه عبر سلسلة من القرارات والإجراءات والسياسات الخاصة بالاستثمار البشري الذي يحدده ويساهم به بشكل فاعل (نظام التعليم) ونمط الإنتاج السائد في المجتمع. لذلك تبرز في هذه البلدان ضرورة وجود فلسفة وأيدلوجية تؤطر عملية تنمية وتوجيه الموارد البشرية وإيجاد نظم وأسس للعمل تبقى مستقرة وملائمة ومنسجمة وطبيعة التطور التاريخي والاجتماعي لهذه البلدان.

ووفقاً لهذه المنطلقات النظرية، فقد تباينت وجهات نظر الاقتصاديين حول مضمون وأبعاد عملية التعليم. ففي النظام الرأسمالي دعا بعض الاقتصاديين ومنهم " فريدمان" إلى عدم تدخل الدولة في تمويل وتوجيه المؤسسات التعليمية وتغطية كلفها عن طريق فرض الأجور المناسبة، كما دعا إلى تغطية كلفة التعليم المهني من قبل المستفيدين منه على أساس أن العائد من الاستثمار البشري يعد مرتفع نسبياً، لذلك فأن تمويل التعليم يجب أن يكون عن طريق منح القروض التي يعاد تسديدها للجهة الدائنة، وذلك باستقطاع نسبة محددة من دخل الفرد المقترض المتوقع في المستقبل، علماً ان هذه الفلسفة قائمة اساساً على ترسيخ مبدأ الملكية الخاصة وتعميق التفاوت الطبقي إضافة إلى تحقيق أرباح فردية طائلة.

وفي الواقع ان هذه النظرة الفلسفية للتعليم لم تلق القبول الواسع بين الاقتصاديين في البلدان النامية، حيث ان التعليم يوفر في اغلب هذه البلدان مجاناً من قبل الدولة. لا بسبب كونه ضرورياً أو حقاً انسانياً فحسب، ولكن لأسباب عديدة أخرى تختلف من مجتمع إلى أخر، فالتعليم المجاني هو جزء من سياسة وفلسفة وأيدلوجية النظام السياسي والاجتماعي السائد في الدولة النامية التي تستهدف بالأساس منع انخفاض المستوى المعيشي للأفراد والاستمرار في سياسة دعم دخول الأفراد من قبل الدولة. وعلى هذا الأساس اصبح التعليم يقدم مجاناً لأنه لو كان مأجوراً لأصبحت هذه الأجور بمثابة كلف اقتصادية تفرض على دخول العوائل وبالتالي تؤثر سلباً على مستوى الدخل الحقيقي لها.

إما على مستوى العراق، فأن الاتجاهات الأساسية التي حددتها ستراتيجيات تنمية الموارد البشرية خلال العقود الماضية، كانت تنطلق من مبدأ أساسي، هو أن العنصر البشري يعد (غاية ووسيلة في عملية التنمية والبناء) في آن واحد، وقد تجلت الملامح النظرية لهذه الفلسفة ضمن الإطار العام للخطط التنموية التي أعدت ونفذت خلال فترة السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي والتي من خلالها خطى العراق خطوات كبيرة ومهمة في مجال الاستثمار في التعليم وحقق قفزات نوعية كبيرة في هذا المضمار، وكانت كل هذه الخطوات تستند على فلسفة واضحة المعالم مدركة لأهمية العنصر البشري وتأهيلية وتعليمه بالنسبة للتنمية. وكان للدولة الدور الحاسم في توجيه وتوسيع قاعدة التعليم على مختلف المستويات فقد زاد حجم الاستثمارات المالية المخصصة لهذا القطاع، مما افضى إلى زيادة عدد الجامعات والمؤسسات التعليمية والارتقاء بمستواها كماً ونوعاً خلال تلك الفترة.

ولكن ظروف الحصار الاقتصادي (خلال فترة التسعينات) وانعكاساته السلبية على مجمل النشاط الاقتصادي والاجتماعي في القطر، أفضت إلى ضرورة اعتماد ستراتيجية جديدة ملائمة لطبيعة المرحلة تساهم في الحد من أثار الحصار على تنمية الموارد البشرية وبالأخص قطاع التعليم... فجاء اعتماد ستراتيجية تفضي إلى فسح المجال أمام القطاع الخاص ان يلعب دوره التاريخي في مجال التنمية البشرية.

وكان التعليم الأهلي الجامعي في الحقيقة أحد منافذ هذه الستراتيجية الرئيسية بالشكل والصيغة التي لا تتعارض مع دور الدولة في توجيه ورقابة الجامعات الأهلية وتحديد سياستها التربوية والعلمية وفقاً لفلسفة الدولة واتجاهاتها الرئيسية.. ولهذا وضعت الدولة منذ نهاية عقد الثمانينات خطة استرشادية للقطاع الخاص حددت بموجبها التعليمات والضوابط والسياسات التشجيعية التي تبنتها الدولة آنذاك لتشجيع الاستثمارات الخاصة في مجال استحداث الكليات والجامعات الأهلية... والحقيقة ان الدولة في فلسفتها هذه كانت تنطلق من مبدأ أساسي هو ان العلاقة بين الجامعات الرسمية والجامعات الأهلية هي ليست علاقة تنافسية بل هي علاقة متكاملة أحدهما مكمل للأخر واعتبرت التعليم الأهلي أحد الروافد المتممة أو المكملة للتعليم الجامعي الرسمي... أن المنطلقات الأساسية لهذه الفلسفة كانت تنطلق من ضرورة وجود قطاع خاص ضمن إطار النشاط الاقتصادي العام للدولة... ولكن حجم ونوع ومكان هذا النشاط تحدد في ضوء قدرة أجهزة الدولة (القطاع العام) على السيطرة والأشراف والإدارة وتتحدد وفقاً لتطور وسائل العلم والتقنية وانعكاساتها على ذلك النشاط. كما أن حجم ونوع هذا النشاط يجب أن يرتبط بالظروف الموضوعية والذاتية لتطور المجتمع.. ومن هنا يتضح بشكل جلي الأسباب التي جعلت الدولة أن تسعى لتكوين تعليم جامعي أهلي بمستوى عالي من القدرة والكفاءة.. وفي ضوء ارتفاع وتائر النمو والتطور الاجتماعي في العراق بدا النظام التعليمي يواجه طلبا متزايدا للالتحاق بمراحله المختلفة.. واستجابة لهذا الطلب تقرر في عام(1987) السماح بتأسيس جامعات وكليات أهلية.. وبالرغم من محدودية هذا القرار في السنوات الأولى، ألا انه أشر حالة جديدة ومختلفة جذرياً عن السياقات المتبعة سابقاً في العراق، والتي يكون التعليم فيها رسمياً حصراً. وقد جاء هذا التوجه لتلبية الطلب الإضافي على التعليم العالي وكونه يشمل التعليم الجامعي فقط. مما جعل تأثيره على مجمل النظام التعليمي كبيراً وحددت العلاقة بين هذا النوع من التعليم والتعليم الجامعي في العراق من خلال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حيث بلغ مجموع الطلبة في الكليات الأهلية في السنوات الأخيرة يمثل حوالي نسبة (27%) بالمقارنة مع طلبة الكليات الحكومية، وعلى هذا الأساس أوجد التعليم الأهلي كي يسهم مع التعليم الرسمي في عملية التنمية البشرية وعلى أساس التنافس الإيجابي وليس التنافس السلبي. وعلى أساس العلاقة والتعايش الصميمي بين القطاعين، لان فلسفة الهدف هي واحدة ومتحدة وغير مجزءة.

ووفقاً لهذه الفلسفة يتوجب على التعليم الرسمي ان يدعم التعليم الأهلي ويسانده ويسهل مهمته وفي جميع المجالات لأنه جزء منه ومكمل لمهمته وساند له ويجسد الدور التاريخي الذي يجب ان يلعبه القطاع الخاص في المجتمع. وفي حالة عدم ممارسة هذا الدعم فأن المؤسسة الرسمية تكون قد عجزت في فهم فلسفة التعليم الأهلي والاسس التي على أساسها انبثق هذا التعليم. ومن خلال تجربتنا الخاصة نجد ان المؤسسات التعليمية الأهلية ندرك تماماً فلسفة التعليم الأهلي لانها صاحبة المصلحة الحقيقية في إنجاح هذه التجزئة.

رابعاً: مشكلات التعليم الجامعي الأهلي وسبل معالجتها:

المشكلات:

تعد الجامعات والكليات الأهلية، أحد روافد النشاط الخاص التي ينصب نشاطها العلمي والتربوي وهياكلها التنظيمية في مجالات التنمية بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية، ذلك أن الكليات الأهلية، هي إحدى مؤسسات التعليم العالي التي تقع عليها مسؤولية وواجبات مهمة حالياً في مجال إعداد وخلق الكوادر الوظيفية والعلمية المتخصصة القادرة على قيادة الأنشطة الإنتاجية المختلفة في المجتمع.

ان هذه المسؤولية تفرض عليها ان تكون بمستوى علمي وثقافي وتنظيمي يؤهلها إلى ان تتنوع في أهدافها وأنشطتها العلمية والتربوية بما يفضي إلى خلق كوادر متخصصة في مختلف الأنشطة الاقتصادية، هذا إذا أخذنا بنظر الاعتبار التزايد السريع في حجم التعليم الثانوي من حيث عدد المتخرجين والإقبال المتزايد من قبل الطلبة على هذه الكليات.

مما تقدم يتضح ضخامة المشكلة أو المشكلات التي تواجه مؤسسات التعليم الأهلي، حيث انه في ظل التطور الكمي والنوعي لهذه المؤسسات، لابد وان تبرز بعض المردودات السلبية والمشكلات التي تواجه هذا الوليد (البكر) والتي قد تعيق حركة نموه وكفاءة أداءه الإنتاجي (التربوي والعلمي) وتوفير الظروف الإيجابية السليمة للعملية التربوية. من أهم هذه المشكلات هي:-

1. نقص الكادر التدريسي في كثير من الاختصاصات وعدم استقراره سنوياً، حيث أصبحت تشكل الامتيازات والاغراءات المادية التي تمنحها بعض لجامعات العربية في دول الجوار والجامعات الخليجية عوامل جذب مهمة ورئيسة لأغلب الأساتذة والتدريسيين من ذوي الاختصاصات العلمية والهندسية والإدارية والمحاسبية المطلوبة باستمرار لسد حاجة الأقسام العلمية للكليات الأهلية، نتيجة لذلك اضطرت بعض الكليات الأهلية إلى غلق بعض الأقسام العلمية لعدم توفر الكادر التدريسي من ذوي الألقاب العلمية اللازمة لاستمرار عمل هذه الأقسام حسب شروط وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

2. اغلب الكليات والجامعات الأهلية لا تمتلك أبنية (مملوكة) والبنايات التي تشغلها حالياً غير مناسبة لأنها لم تصمم كأبنية جامعية تتناسب مع التطور الكمي والنوعي لهذه الكليات لذلك أصبحت اغلب الكليات الأهلية تعاني من نقص مستديم في مجال تخصيص القاعات الدراسية والمرافق الإدارية الذي لا يتناسب الموجود منها حالياً مع الأعداد المتزايدة للطلبة.

3. نقص المختبرات والتجهيزات الملحقة بها في بعض الأقسام للكليات الأهلية، وقد كان ذلك نتيجة طبيعية لحجم الأضرار وعمليات النهب والسرقة التي تعرضت لها بعض الكليات الأهلية أسوة بمؤسسات الدولة الأخرى، حيث ان الموقف المالي لبعض الكليات الأهلية لم يسمح بتعويض وإعادة شراء هذه التجهيزات أضف إلى ذلك ان الكليات الأهلية لم تشمل بالمنحة المالية والتعويضات التي حصلت عليها الجامعات الرسمية... لذلك اعتمدت بعض الكليات الأهلية على إع‍ادة أعمار أبنيتها المتضررة وتجهيز مختبراتها من المواد المسروقة على إمكاناتها الذاتية مما شكل ذلك عبئاً مالياً ثقيلاً على ميزانية هذه الكليات في ظل إمكاناتها المالية المحددة.

4. عدم الاستقرار في سياسة القبول في الجامعات والكليات الأهلية سنوياً... ويرجع سبب ذلك إلى عدم تحديد أهداف كمية ونوعية للتعليم الجامعي الأهلي عندما تعد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خطة القبول في الجامعات الرسمية سنوياً... لذلك في ضوء عدم التنسيق والتعاون المسبق في هذا المجال تعاني الكليات والجامعات الأهلية من انخفاض نسب القبول سنوياً وتحقق خططها السنوية في القبول نسب انحراف كبيرة جداً، مما يفضي إلى تحقيق فاقد بشري كمي يؤثر سلباً على مؤشرات ميزانياتها المالية التخمينية السنوية وبالتالي يحول ذلك دون تحقيق أهدافها المالية والمادية والتربوية المحددة سنوياً في هذه الخطط... والحقيقة ان هذا الفاقد البشري المتحقق نتيجة انخفاض نسب القبول يؤدي بالنتيجة إلى عدم استغلال الطاقات المتاحة في الكليات الأهلية بشكل اقتصادي وكذلك عدم استغلال المصادر التعليمية المتوفرة في البيئة المحلية أو باستخدام وسائل وأدوات تعليمية باهضة الثمن نسبة للوسائل المتاحة مما يفضي بالتالي إلى ارتفاع كلفة التعليم الجامعي الأهلي من خلال زيادة نسبة (الأجور الدراسية) التي تحددها الكلية الأهلية.

الوسائل والإجراءات المقترحة لمعالجة المشكلات:

بغية الارتقاء بمؤسسات التعليم الجامعي الأهلي وتجاوز المشكلات التي يعاني منها نقترح الوسائل والإجراءات الآتية:-

1. نقترح ضرورة إجراء دراسات اقتصادية لقياس كفاءة أداء النشاط التعليمي للكليات الأهلية على مستوى القطر، وتحديد مؤشرات الأداء الفعلية لهذه الكليات (أي تحديد معايير معينة) تقاس على ضوئها كفاءة أداء الكليات الأهلية في المجال التربوي والعلمي.

2. ضرورة تقديم التسهيلات والدعم المادي والعلمي والفني للكليات الأهلية وشمولها بوسائل الدعم بأشكاله المختلفة التي تقدمها وزارة التعليم العالي إلى الكليات الرسمية.

3. العمل على دراسة إمكانية استقدام كوادر تدريسية من الجامعات الرسمية في بعض الاختصاصات العلمية النادرة والمتميزة ورفدها للكليات الأهلية لتدعيم مسيرة رفع المستويات النوعية لطاقات الكليات الأهلية.

4. تشجيع الكوادر التدريسية عامة والمدرسيين المساعدين بشكل خاص على التقدم والإنتاج في مجال البحث العلمي واختزال إج‍راءات الترقية العلمية الخ‍اصة بهؤلاء الكوادر دون المساس بموضوعيتها ودقتها.

5. العمل على زيادة نسبة الاكتتاب في بعض الكليات الأهلية بهدف الاستثمار والتوسع في مجال الأبنية وزيادة حجم راس المال التشغيلي وذلك لمواكبة التطور والتوسع وتحقيق أهداف المؤسسة التعليمية الأهلية، سواء في مجال الأبنية والإنشاءات أو في مجال توفير التجهيزات والمستلزمات الأخرى اللازمة للعملية التربوية.

6. ضرورة إعطاء الكليات الأهلية الاستقلالية في حرية اختيار المفردات والمناهج الدراسية بما يتناسب وخصوصية هذه الكليات والتطور العلمي والنوعي فيها وعدم تقيدها في السياقات المعمول بها بالكليات الرسمية المناظرة.

7. من المتعارف عليه ان الطلبة يمثلون المدخلات الأساسية للعملية التربوية في الكليات الأهلية، وفي نفس الوقت حجم المخرجات الرئيسية التي تمثل الهدف الأول للتعليم الجامعي الأهلي.. لذا نقترح تكثيف الجهود التربوية والعلمية في مجال التعليم الثانوي من خلال إعادة النظر في المناهج العلمية والتربوية وطرق التدريس وإيجاد الوسائل والإجراءات اللازمة لرفع المستوى العلمي والتربوي للطالب في المرحلة الثانوية.

8. نقترح استحداث وحدات متخصصة داخل الكليات الأهلية، تعني بأعداد الدراسات والبحوث عن واقع الطلبة (تربوياً واجتماعياً) ومعرفة الأسباب التي تدفع البعض منهم نحو التسرب وعدم الالتزام بالدوام للخروج بمؤشرات على ضوئها يمكن وضع الأسس والإجراءات التي يمكن ان تقلل من نسب التسرب بغية الاستفادة منها في الكليات الأخرى. ولا ننسى هنا ضرورة إعادة تفعيل دور الأشراف التربوي في الكلية الأهلية لتشخيص أسباب هذه الظاهرة والحد منها.

9. اغلب الكليات الأهلية لاتعقد مؤتمر سنوي تقويمي لمناقشة مدى تحقيقها لأهدافها ومناقشة مسيرة الكلية خلال عام وخطة العمل للعام القادم... لذلك نقترح الاستمرار سنوياً في عقد مثل هذه المؤتمرات على مستوى الكليات والجامعات الأهلية في القطر لمناقشة خطط عمل هذه الكليات من ناحية الأهداف والمعوقات التي تواجهها واقتراح السياسات والسبل اللازمة لمعالجتها.

خامساً: الأسس المعتمدة لتحديد سياسة الأجور في الكليات الأهلية:

ان الكلية الأهلية بشكل عام هي مشروع تربوي خدمي يستهدف المنفعة العامة للمجتمع وليس الربح المادي، لذلك فان الأسس التي تعتمدها إدارة هذه الكليات في تخطيط الأجور الدراسية سنوياً لم يكن قائماً اساساً على قاعدة الربط بين العرض والطلب على هذه الخدمة وتحقيق أقصى ربح ممكن. وكذلك لم تحدد الأجور وفق طريقة التقديرات الارتجالية، وإنما يعتمد في تحديد الحد الأدنى للأجور على مبدأ تحقيق الموازنة والاتساق الوثيق بين ظرف الكلية المالي من جهة والظرف الاقتصادي والاجتماعي للطلبة من جهة أخرى، وبالشكل الذي يخفف العبء عن كاهل الطلبة اخذين بنظر الاعتبار ان الملتحقين بالكليات الأهلية هم من الطبقات المتوسطة وليس كلهم من ذوي الدخول العالية. والحقيقة ان هذا المبدأ يناقش ويدرس بدقة وبشكل مفصل من قبل مجالس الكليات قبل تحديد الأجور الدراسية سنوياً، وعليه فأن سياسة تحديد الأجور تعتمد الأسس التالية:-

1. الأجور الدراسية للطلبة تمثل المصدر الرئيسي لإيرادات الكليات الأهلية سيما وان هذه الكليات تمول ذاتياً ولن تتلقى أي دعم مالي خارجي من جهة رسمية ولم يكن هناك أي ممول أو مساهم فيها، لذلك فأن الأجور الدراسية تعد المورد المالي الوحيد وهي تغطي معظم النفقات والفقرات التي تتكون منها الميزانية التخمينية السنوية وخاصة فقرة الأجور والرواتب التي تشكل اكثر من (70%) من فقرات الميزانية لأغلب الكليات الأهلية.

2. ان التغيرات التي طرأت على مستويات الأجور والرواتب للتدريسيين وأساتذة الجامعات الرسمية قد أفضت إلى حدوث فجوة واسعة بينها وبين مستويات أجور أساتذة الكليات الأهلية وقد أملت الضرورة إلى سد هذه الفجوة وأجراء الموازنة والاتساق الممكن بينهما عن طريق زيادة نسبة الأجور الدراسية (طالما هي المصدر الوحيد لخلق هذه الموازنة) وقد ساهمت هذه المعالجة إلى حد ما في عدم تسرب التدريسيين واستقرار الكادر التدريسي وجذب الاختصاصات الجيدة للكليات الأهلية من داخل وخارج القطر.

3. ان زيادة حجم الأنفاق الاستثماري في الكليات الأهلية والتوسع الجديد والمستمر في خلق وتطوير أنشطتها المختلفة والمتمثل باستحداث الأقسام العلمية الجديدة وبناء المرافق الخدمية والإدارية والإنشائية والقاعات الدراسية والمختبرات العلمية وتوفير المستلزمات الأساسية اللازمة لسير العملية التربوية وضمان استمرارها وتعين الملاكات التدريسية والوظيفية يملي عليها بشكل أو بآخر رفع نسبة الأجور الدراسية سنوياً.

4. ان ارتفاع أجور الدراسة سنوية مرتبط بالتغيرات الاقتصادية التي يمر بها البلد، خاصة اذا علمنا أن عدم استقرار الأسعار يكون له تأثير بارز وواضح على الأجور الدراسية. وتبقى المعادلة هنا صعبة التحقيق. فكيف تستطيع إدارة الكلية أن تحقق حالة من التوازن بين رفع الأجور ودخل عائلة الطالب ؟ هذا الأمر في الحقيقة ينبغي أن يترك إلى إدارة الكليات الأهلية لدراسته بعناية ودقة لخلق حالة من التوازن المطلوبة.

5. أن نسبة التغير في الأجور الدراسية لجميع الكليات الأهلية لهذا العام 2004/2005 لا تتجاوز نسبة الـ(25%) وهي النسبة التي تقع ضمن إطار النظرة الشمولية وتوجيهات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وذلك لزيادة فرص التوسع في قبول الطلبة واستيعاب الفائض منهم وتقليل العبء على الجامعات الرسمية.

6. ومن الأمور المهمة التي ينبغي ان يشار أليها في هذا المجال، ان الحد الأعلى للأجور الدراسية السائد حالياً في الكليات الأهلية وبأدق الاختصاصات العلمية بعكس ان الكلفة الحقيقية للتعليم العالي بالنسبة للطالب في العراق تعد منخفضة جداً مقارنة بأجور الجامعات الأهلية في الدول المجاورة، وكذلك تعد من أدنى مستويات الأجور الدراسية في المنطقة والجامعات العالية.

7. ورغم كل ما ورد أعلاه، فأن إدارة الكليات الأهلية على فهم ودراية واضحة للظرف الاقتصادي والاجتماعي الراهن الذي يمر به البلد في هذه المرحلة لذلك فقد اعتمدت بعض السياسات والإجراءات التي تخفف من عبء الأجور الدراسية على الطالب منها:-

‌أ. العمل بمبدأ تقسيط الأجور الدراسية لمساعدة الوضع المالي للطلبة.

‌ب. تشكيل صندوق التكامل الاجتماعي في الكليات لمساعدة الطلبة غير القادرين على دفع الأقساط.

‌ج. اعتماد مبدأ إعفاء الطلبة المتفوقين في الامتحانات النهائية لجميع المراحل الدراسية من الأقساط السنوية.

سادساً: التحديات التي تواجه التعليم الجامعي الأهلي:

اعتادت الجامعات العراقية منذ زمن بعيد ان تستقبل وتخرج آلاف من الخريجين من المؤهلين بالاختصاصات العلمية والإنسانية والاجتماعية المتنوعة وعملت على رفد المجتمع ونفسها بالملاكات من حملة الشهادات العليا.. لكن في العقد الأخير من القرن الماضي شهد العالم تطورات تكنولوجية وعلمية بأتجاهات مختلفة (إلكترونية منها واتصالاتية ومعلوماتية وهندسية) أصبح بموجبها راس المال البشري المعرفي أهم مكون للثروة.. لذلك فقد فرضت هذه التغيرات على التعليم العالي بما فيه (الأهلي) تحديات جديدة فضلاً عن التحديات التي كان يواجهها سابقاً. وإذا كان العراق لا يختلف عن باقي دول العالم في مواجهته لهذه التحديات ألا ان تأثيراتها عليه اكثر حدة ويظهر ذلك بشكل واضح من خلال المؤشرات التالية:-

اولاً: ت‍زايد إع‍داد الطلبة:

لقد تزايدت إعداد الطلبة في السنوات الأخيرة بمعدلات كبيرة، حيث تشير إحصاءات (منظمة اليونسكو)، ان معدل تزايد الطلبة في الجامعات العراقية (الرسمية والأهلية) ابتداءً منذ منتصف التسعينات بلغ أعلى معدل مقارنة بالمعدلات المتحققة في الدول المجاورة.... ومع ان عدد أعضاء الهيئات التدريسية هو الآخر قد تزايد، لكن نسبة عدد التدريسيين بمرتبة الأستاذ إلى عدد الطلبة لا تزال حتى دون مستواها في دول العالم الثالث، وإذا كانت سمة المجتمعات ألان هي كونها مجتمعات معرفة، فأن حاجة سوق العمل تتوجه اكثر فأكثر إلى حملة الشهادات الجامعية، مما يعني ذلك زيادة في إعداد الطلبة الملتحقين أو الراغبين في الالتحاق بالتعليم العالي بشقيه (الرسمي والأهلي)، وهي ليست زيادة كمية عامة فحسب وإنما ذات اتجاه نوعي نجمت عن التخصصات الجديدة أو عن الإضافة التكنولوجية للتخصصات الأخرى، ومع هذا التنوع والإضافة في الاختصاصات وتزايد الإقبال عليها تبرز مشكلة توفر التدريسيين من ذوي الاختصاصات وحملة الألقاب العلمية ما سيقود إلى انخفاض نسبة التدريسيين إلى الطالب مرة أخرى.

ثانياً: الكلفة الاقتصادية للتعليم:

يواجه التعليم العالي بشكل عام (الرسمي والأهلي) أزمة على صعيد الأنفاق وتعتبر نسبة الأنفاق على التعليم عموماً قياساً إلى الناتج المحلي الإجمالي في العراق وغيره من الأقطار العربية هو الأعلى من بين جميع دول العالم، وان نسبة الأنفاق على التعليم العالي قياساً إلى جميع مراحل التعليم في الوطن العربي هي من النسب العالية ولربما الأعلى من بين جميع الدول العربية كما يشير ذلك تقرير، (البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في التسعينات).... لذلك فأن التحدي الذي يواجه لتعليم العالي في العراق في ظل هذه التغيرات العلمية والتكنولوجية هو في موازنة المعادلة بين الطلب المتزايد على التعليم العالي والكلفة المتزايدة لهذا التعليم في ظل وضع اقتصادي قاسي يعاني منه الاقتصاد العراقي المدمرة قاعدته الإنتاجية في ظل هذه الظروف، وفي نفس الوقت ينبغي ان تتحقق هذه المعادلة ضمن قيد أو إطار تحسين نوعية هذا التعليم وضمان جودته.

ثالثاً: عولمة التعليم:

أدت ظاهرة العولمة إلى زيادة حدة نزف العقول، لما توفره المجتمعات المتقدمة من إمكانات للبحث العلمي وفرص للعمل في التخصصات الجديدة، ولكن الشيء الجديد الذي بدأ يظهر إلى الوجود وبشكل تحدياً للجامعات لوطنية هو تلك الدعوة لفتح الباب أمام الجامعات الأجنبية لتؤسس جامعات أو فروعاً لها في الدول النامية ومنافسة الجامعات الوطنية، كل ذلك تحت شعار " تحرير السوق " وقدرة الجامعات في الدول المتقدمة على توفير المهارات والتخصصات العلمية التي يتطلبها ((تحرير السوق)).. هذا التحدي الذي تواجهه الجامعات العربية ونظام التعليم العالي في الوطن العرب بمجمله يعد تحدي خطير ما لم تطور الجامعات العربية إمكاناتها وتزيد من كفاءاتها ونوعية الدراسة فيها، فأنها مهددة بغزو الجامعات الأجنبية لها في عقر دارها... وهكذا بتوسع مفهوم الجامعات الأهلية مستقبلاً لا ليقتصر على الوطنية منها فحسب وإنما قد يضاف لها الجامعات الأجنبية وفروعها في بلدان أخرى غير بلدانها.

رابعاً: أنماط التعليم الجامعي الجديدة:-

أفرزت التوجيهات الجديدة في ظل التطورات التكنولوجية ولاسيما تكنولوجيا المعلومات، طروحات عن إمكانية زيادة فاعلية وكفاءة التعليم العالي باتباع وسائل تكنولوجية جديدة، فهناك الجامعة الإلكترونية والجامعة الافتراضية والتعليم عن بعد إلكترونياً والتوئمة بين الجامعات.. وتستند كل هذه المفاهيم على قدرات شبكة الانترنيت والبرامجيات المتطورة... وبالرغم من ان هذه الأساليب الحديثة في التعليم قادرة على تجاوز تحدي ازدياد إعداد الطلبة وتنوع الاختصاصات وانخفاض نسبة الأستاذ إلى الطالب إضافة إلى أنها تفتح الباب أمام الأستاذ الجامعي للتواصل مع زملائه في الوطن العربي والعالم.. لكن هذه الأساليب بطبيعتها ذات تعقيد تكنولوجي عال يتطلب توفر الملاكات المتخصصة بها فضلاً عن كلفها الاقتصادية وكلفة أدامتها وتطويرها ومتابعة التغير السريع لها... ثم ان هنالك مسألة تربوية يقتضي الإجابة عليها.. اذا اعتمدنا هذا الأسلوب أذن ما هو دور الأستاذ ؟ وهل يمكن التعويض عنه بالكامل وهل يمكن الاستغناء عن أسلوب الحوار والدرس المباشر ؟

فالطالب هنا أمام أستاذ افتراضي وهو (يحاكي الواقع وليس الواقع)، ثم كيف يمكن تقيم مؤهلات الأستاذ المشرف ومؤلف المادة الدراسية، كيف يمكن الحكم على نجاح هذه الأساليب في التعليم، ما هي الموازنة بين الجانب التجاري والجانب التربوي.. هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى أنظمة لقياس كفاءة الأداء وتعليمات للاعتراف بالشهادة والوحدات الدراسية.

سابعاً: التوصيات:

لم يتعرض الباحث في هذه الفقرة إلى ذكر التوصيات، حيث ان ما جاء بالمحور الخاص بالوسائل والإجراءات المقترحة لمعالجة المشكلات... هي بمثابة توصيات فعلية، استندت اصلاً على التحليل الاقتصادي الذي ورد في متن الدراسة لذلك تجنب الباحث إعادة هذه التوصيات منعاً للتكرار.

مص‍ادر الدراس‍ة

1. أ.د. محمد طاقة ود. راوية عبد الرحيم، فلسفة التعليم الأهلي في العراق، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة، العدد الثاني، كانون الثاني عام 2000.

2. د. حسين عجلان، تنمية الموارد البشرية وتحديات العولمة، بحث منشور في المؤتمر العلمي الأول لنقابة المعلمين، آذار عام 2002.

3. باسل جودت الحسيني، الاستثمار البشري وأثره في التنمية، أطروحة دكتوراه في الاقتصاد، جامعة بغداد / كلية الإدارة والاقتصاد، ك2، 1988.

4. مصدق جميل الحبيب، التعليم والتنمية الاقتصادية، دار الرشيد للنشر، 1981.

5. فليح حسن خلف، عملية تكوين المهارات ودورهما في التنمية الاقتصادية في العراق، الدار الوطنية للتوزيع والإعلان، 1980.

6. د. حسين عجلان، القطاع العام في العراق بين ضرورات التطوير وتحديات الخصخصة، بحث مقبول للنشر في مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية، بموجب الكتاب ذي الرقم (10) في 23/2/2005.

7. محسن عليوي السلمان، الاتجاهات الحديثة في الأنفاق على التربية والتعليم في العراق، مجلة كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة بغداد، العدد الأول، السنة الأولى، أيلول 1980.

8. د. قبيس سعيد عبد الفتاح والسيد محمد حربي، الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لطلبة جامعة الموصل. مجلة البحوث الإدارية والاقتصادية / جامعة بغداد، العدد(3)، تموز 1980.

9. د. همام عبد الخالق، الجودة والنوعية لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي، مجلة تنمية الرافدين، العدد 68 عام 2002.

10. الأجور الدراسية في الجامعات العراقية، مقال منشور في جريدة الوطن في 3/10/2004.