تصنیف البحث: علوم القرآن
من صفحة: 116
إلى صفحة: 133
النص الكامل للبحث: PDF icon 7-7.pdf
خلاصة البحث:

تعد عملية الكشف عن أسس المنهج التنموي الإسلامي في البعد الاقتصادي ومن منطلق الترابط الوظيفي والبنائي مع الأبعاد الأخرى،وبالاستناد إلى القاعدة الاسسية للمذهبية الإسلامية والمتمثلة بفلسفة التشريع الإسلامي , تعد هذه العملية من أكثر ميادين البحث في الاقتصاد الإسلامي ديناميكية وذلك لعلتَين أولاهما:تعدد الصور المحتملة لشكل الموقف التنموي الإسلامي بالاستناد إلى نقاط انطلاق مختلفة في البحث في مجال المذهب الاقتصادي الإسلامي، والعلة الأخرى ترجع إلى طبيعة إشكالية التنمية والتي تتصف بديناميكية الحل استجابة الى معطيات واقع موضوعي متغير.من هنا يأتي هذا البحث كمحاولة للكشف عن اهم الأسس النظرية للمنهج التنموي الإسلامي في القرآن الكريم.

البحث:

 

تعد عملية الكشف عن أسس المنهج التنموي الإسلامي في البعد الاقتصادي ومن منطلق الترابط الوظيفي والبنائي مع الأبعاد الأخرى،وبالاستناد إلى القاعدة الاسسية للمذهبية الإسلامية والمتمثلة بفلسفة التشريع الإسلامي , تعد هذه العملية من أكثر ميادين البحث في الاقتصاد الإسلامي ديناميكية وذلك لعلتَين أولاهما:تعدد الصور المحتملة لشكل الموقف التنموي الإسلامي بالاستناد إلى نقاط انطلاق مختلفة في البحث في مجال المذهب الاقتصادي الإسلامي، والعلة الأخرى ترجع إلى طبيعة إشكالية التنمية والتي تتصف بديناميكية الحل استجابة الى معطيات واقع موضوعي متغير.

من هنا يأتي هذا البحث كمحاولة للكشف عن اهم الأسس النظرية للمنهج التنموي الإسلامي في القرآن الكريم.

منطلقا من الإشكالية الأساس والمتمثلة بأن عملية الكشف عن الأسس النظرية للمنهج التنموي الإسلامي، وصياغة هذة الأسس وبنائها كقاعدة نظرية هي استحقاق أساس لتجديد الخطاب التنموي الإسلامي.

فرضية البحث:

ينطلق البحث من فرضية مفادها ان النصوص القرآنية تقدم القاعدة الأساسية من الأسس النظرية للمنهج التنموي الإسلامي، وان هذه القواعد هي التعبير النظري عن مقاصد الشريعة الاسلامية والفلسفة الاقتصادية للمذهب الاقتصادي الإسلامي.

منهجية الدراسة:

اعتمدت الدراسة على الطريقة الاستنباطية في البحث العلمي مع مراعاة خصوصية تطبيق هذا المنهج في الدراسات القرآنية.

هدف الدراسة:

تهدف الدراسة الى الكشف عن اهم اسس المنهج التنموي الاسلامي مع ممارسة عملية تركيب نظري لتشكيل قاعدة البناء التحتي للمنهج التنموي الاسلامي من هذه الاسس المكتشفة.

لذا كان ميدان هذه الدراسة هو القرآن الكريم بالإضافة الى البعد الاقتصادي والفلسفي لتداخل المجال البحثي في هذه الابعاد وبما يتطلبه سير البحث.

وخلص البحث الى الكشف عن اهم الاسس النظرية للمنهج التنموي الاسلامي مع ممارسة عملية تركيب نظري يستند اليها الخطاب التنموي الاسلامي في استجابته لاستحقاقات التجدد والتحديث.

المحور الأول:حول الفلسفة العامة للمنهج التنموي الإسلامي في القرآن الكريم.

يعد بحث الفلسفة العامة للمنهج التنموي الاسلامي في القرآن الكريم الجانب الاهم في توصيف الاسس النظرية لهذا المنهج اذ انها تمثل البنية التحتية لتاسيس هذا التوصيف، فالمنهج التنموي الاسلامي بما يستند عليه من رؤيا عامة للانسان والكون وموقع الانسان في الفلسفة العامة للمنهج وحزمة من الاهداف والغايات يكشف عن فلسفته العامة ذات الموقف المميز وفي ادناه بحث مختصر لهذه الجوانب الثلاث.

أولا: النظرة العامة للإنسان والكون وعلاقتها بالنشاط التنموي.

ترتبط النظرة العامة للإنسان والكون بصياغة النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي حيث يتشكل النظام في ضوء هذه الرؤية ويتخذ طابعه المميز تبعا لمقرراتها،ووفقا للرؤية الإسلامية فأن النظام الاقتصادي بوصفه الآليات التي تنتج الفعل التنموي هذا النظام رتب وشكل بالصورة التي تلبي متطلبات الرؤية إلى الإنسان وغاية وجوده وضمن الرؤية الكونية الشاملة.([1])

إن ربط القرآن الكريم بين الإشارة إلى غاية خلق الإنسان وهي العبادة وبين الرزق وهو موضوع النشاط الاقتصادي،هي إشارة لطيفة إلى هذه الحقيقة يقول تعالى )وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد إن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ( (الذاريات 56- 58).

وفي موضع آخر يربط القرآن الكريم بين العبادة والعمارة كما في قوله تعالى)اعبدوا الله مالكم من اله غيره ! هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ! فاستغفروا الله ثم توبوا إليه ! إن ربي قريب مجيب( (هود 61)، والعمارة هي المصطلح الإسلامي الذي يقابل مصطلح التنمية.

والإنسان في الرؤية القرآنية هو سيد المخلوقات وهو الكائن الذي تتحقق من خلاله غاية الوجود وهي العبادة وان الكون ماهو إلا الحيز الأولي الذي يحتضن الإنسان ليتسنى له متابعة سيره التكاملي عبر مجال تكاملي مفتوح (لامتناهي)([2])،وهذا ما اشار له القرآن في قوله تعالى: )ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البروالبحرورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا( (الإسراء70).

إن الرؤية التي يرسمها القرآن الكريم للإنسان والكون تمثل الحجر الأساس في فلسفة المذهبية الإسلامية في جميع جوانبها الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية،وهي تنعكس بصورة اشمل على المنهج التنموي الإسلامي الذي يمتد إلى جميع أبعاد المذهبية الإسلامية، بوصف إن عملية التنمية التي يستهدفها الإسلام هي في حقيقتها تلك العملية التي تتمثل بتكيفات النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لصالح الأهداف العليا للمذهبية الإسلامية،تلك الأهداف التي تتمحور حول هدف مركزي أساس وهو تحقيق السير التكاملي للإنسان وهو مايطلق عليه الفلاسفة بالسعادة.([3])

ثانيا: موقع الإنسان في الفلسفة العامة للمنهج الإسلامي.

بوصف إن النظام الإسلامي عموما هو مصمم بالشكل الذي يتيح للإنسان الحركة في مسار التكامل وصولا"إلى الغاية التي خلق من اجلها ([4])، وان المنهج التنموي الإسلامي يمتد إلى جميع أبعاد هذا النظام و إن مفهوم التنمية هو تنمية الوجود الإنساني من خلال عملية تطوير للطبيعة بالنسبة لحاجات الإنسان وتطوير للإنسان ذاته بالنسبة لهدفه.([5])

إذن موقع الإنسان في المنهج التنموي يوزع إلى ثلاثة أبعاد:

• البعد الأول: الإنسان موضوع التنمية.

• البعد الثاني: الإنسان وسيلة التنمية.

• البعد الثالث: الإنسان الشرط الضروري لنجاح التنمية.

وهنا يطرح القرآن الكريم وصف الإنسان الصالح الذي يستهدفه الإسلام حتى يتمكن من أن يمارس هذا الدور، إذ يرى القرآن وجود الإنسان الصالح هو الشرط الأساسي والضروري لعمل آليات النظام الإسلامي الشامل بما يحقق التنمية،فالعملية التنموية تبدأ من الإنسان نفسه،أي إن الانطلاقة الأولى في التنمية تبدأ من الإنسان نفسه عبر وضع هذا الإنسان على طريق الإصلاح،ثم بعد ذلك تبدأ مرحلة ممارسة هذا الإنسان للنشاط المؤدي إلى تنمية البيئة الحياتية التي يعيش فيها وتطويرها تنمويا،بيان آخر إن الإنسان الذي يعطي له المنهج التنموي الإنساني موقع قيادة الفعل الاقتصادي والاجتماعي المطور للطبيعة بالنسبة لحاجات الإنسان هو(الإنسان الصالح).

إذن ما هو الوصف القرآني لهذا الإنسان الصالح ؟.

يطرح القرآن عدة صفات وخصائص للإنسان الصالح سنأتي على ذكر باقة منها بما يكفي لإيضاح المطلب،وهي كالاتي:

1- المحتوى الداخلي للإنسان الصالح: يشكل الفكر والإرادة الركنين الأساسيين في المحتوى الداخلي الشعوري للإنسان وان المزج بين الفكر والإرادة هو الحاكم في حركة الإنسان صوب غايته وأهدافه،وان التغيير الذي يحصل في هذا المحتوى الداخلي للإنسان هو الضروري والكافي في كافة التغيرات المطلوبة لتحقيق التنمية([6])،ويشير القرآن إلى ذلك في آيات عدة تقرر كل منها جانب من هذه الحقيقة ففي قوله تعالى:)إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم( (الرعد 11)،إشارة إلى إن التغيير يبدأ من المحتوى الداخلي للإنسان.أما قوله تعالى:) إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا( (الإنسان 3)،وكذلك قوله:)وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر( (الكهف29)،في هذه الآيات تصريح بأن الإنسان كائن حر الإرادة وان الإرادة هي نقطة انطلاق في السلوك الإنساني.([7])

أما من ناحية الفكر فقد كان خطاب القرآن الكريم دائما موجهه إلى من يسميهم (بذوي الألباب) دلالة على إن الفكر هو الجانب من المحتوى الداخلي الذي تريد إن تربيه السماء عند ممارسة دورها في بناءالانسان الصالح الذي هو شرط التنمية الأساس،وورد مخاطبة ذوي الألباب في آيات عديدة منها قوله تعالى )الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلا((آل عمران 191).

وفي آية أخرى)إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ((آل عمران190).

2-المثل الأعلى للإنسان الصالح: يعد القرآن المثل الأعلى المنطلق الأساس لبناء الإنسان الصالح،فالمثل الأعلى يمثل المحور الذي يستقطب عملية بناء المحتوى الداخلي للإنسان الصالح وكذلك هو بالنسبة للمجتمع الإنساني بوصفه وجودا كليا" بماهية خاصة.إذن نقطة البدء في بناء الإنسان الصالح هو المثل الأعلى،فالمثل الأعلى يحدد الغايات والأهداف على المستويين الكلي والجزئي، وبوصف إن المثل الأعلى هومرتبط بالرؤية العامة إلى الحياة والكون وهو يتحدد لكل جماعة بشرية على أساس من ذلك،فأن القرآن الكريم يعد المثل الأعلى للإنسان والمجتمع الإنساني هو الله )ياايها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه((الانشقاق 6)،بوصف إن المثل الأعلى هو القائد الآمر المطاع الموجه وهو الصانع لمسار الإنسان في حركته،كما إن الكمال الذي هو طريق وصول الإنسان لغايته يتمثل بأعلى درجاته في الذات المقدسة ([8]).

فالاية القرآنية السابقة خاطبت الانسان الصالح بان مثله الاعلى هو الله وان طريق الوصول اليه هو العمل الصالح الدؤوب وان حركة هذا الانسان صوب المثل الاعلى يجب أن تكون بوعي وشعور بالمسؤولية وعبر المنهج الذي يرسمه المثل الاعلى ذاته أو تقتضيه طبيعة هذا المثل الاعلى، وهنا يقدم القرآن شروطا لتبني الانسان الصالح والمجتمع الصالح للمثل الاعلى الحقيقي وهو الله وهذه الشروط تمثل أساسا لعقيدة الانسان الصالح والقوة العقيدية الروحية الدافعة له في مسار التكامل وتمثل وتتمثل هذه الشروط بأصول الدين،فالتوحيد وهو الشرط الأول يمثل الرؤية الفكرية والأيدلوجية الواضحة عن الله المثل الاعلى الحقيقي،فعقيدة التوحيد تعلم الانسان الصالح أن يتعامل مع صفات الله وأخلاق الله بوصفها مؤشرات على طريق التكامل، وكذلك بوصفها رائدا عمليا وهدفا للمسيرة والأصل الثاني من أصول الدين وهو العدل هذا الأصل الذي ينعكس في مدلوله على حياة الانسان الصالح في حركته التكاملية في منهجه التنموي،ينعكس من خلال كونه معيار في المفاضلة والاختيار والاصطفاء وهو المصفاة ذات الضرورة القصوى لكل منهج تنموي([9]).

أما الأصل الثالث وهو (النبوة) فهي تمثل الصلة الموضوعية بين الانسان وبين المثل الاعلى،فالأنبياء هم التطبيق الحي الواقعي للنموذج الأكمل للإنسان الصالح وتمثل مسيرتهم تطبيق واقعي لكيفية اقتداء الانسان الصالح بالله نعالي كمثل أعلى، أما (الإمامة)وهي الأصل الرابع فهي تلك القيادة التي تندمج مع دور النبوة فالنبي امام ايضا، اما الامامة التي لاتمتلك صفة النبوة فهي امتداد للنبوة بكامل صفاتها باستثناء الوحي، فهي تجسيدا لانموذجها على المدى الطويل وخصوصيتها في العلاقة مع المثل الاعلى هي انها تتكفل بتربية اجيال متعددة تربية مستمرة على منهج المثل الاعلى([10]).

واما الاصل الخامس وهو(المعاد) فهو يمثل المصدر للطاقة الروحية الدافعة تجاه الفعل التكاملي، أي القوة الدافعة لعملية التنمية والتي تجدد طاقة الانسان وقدراته بوصف انها تربط العمل بنتائج لانهائية، نتائج وارباح عظيمة تتحقق في الحياة الاخرى وبالتالي تمديد المدى الزمني للمنافع الى حدود لامتناهية حيث ان دالة المنافع الاجتماعية تتمدد على المدى الزمني للحياتين (الدنيا والاخرة) وهي البوتقة الكفيلة بأذابة كافة الانانيات، وتحويل المنافع العامة الى صيغة من صيغ تجسيد المنافع الخاصة وهو التعبير الوحيد عن حالة التوافق بين المنافع العامة والخاصة.

3- الانسان الصالح والعمل الصالح.

الانسان الصالح احد اهم صفاته انه لايعمل الا صالحا، وبكلمة بديلة هو الانسان الذي لاينتج عنه تلقائيا _وبحسب محتواه الداخلي_ الا العمل الصالح فالعمل الصالح هو صفة السلوك العام لهذا الانسان الذي يستهدفه القرآن.

فما هو مقياس الصلاح في الاسلام ؟ وما هي صفات العمل الصالح ؟.

يرتبط مفهوم العمل الصالح بنوعية الاهداف التي يتبناها الاسلام والتي يرمي الى تحقيقها ويستوحي منها مفاهيمه الخلقية.

فالاسلام يهتم بدوافع العمل لابمنافعه يقول تعالى:) ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله شاهدين على انفسهم بالكفر اولئك حبطت اعمالهم وفي النار هم خالدون ( (التوبة 17).

ويرى الاسلام بان العمل يستمد قيمته من الدوافع لامن المنافع،فاذا كانت الدوافع (النوايا) صالحة يكون العمل صالحا بغض النظر عن المنافع التي تترتب عليه يقول تعالى:) ان الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا( (مريم 96)،ذلك ان الاسلام يهتم ببناء الانسان من الداخل بدرجة اساس (تنمية المحتوى الداخلي للانسان) لاتنمية الواقع الخارجي فحسب، فالمهم هو ان يكون العمل الذي يحقق نتائج موضوعية مرتبط بدوافع صالحة وليس المهم هو العمل بذاته والمنافع التي تترتب عليه بشكل مطلق، ذلك لان صلاح النوايا يعني تنمية ذات الانسان وعمارة هذه الذات وهو الشرط الاساسي في استمرار الفعل التنموي.

اذن قيمة العمل في الاسلام تقاس بالدوافع والمقدمات والاطر الفكرية العامة التي ينبثق عنها هذا العمل، والاطار العام الذي يقرره الاسلام هنا هو الايمان بالله واليوم الاخر وهو مايدل عليه قوله تعالى:)انما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الاخر واقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش الا الله فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين((التوبة 18).

والاهداف والغايات للعمل الصالح اسلاميا هي الاهداف العليا التي يؤمن بها الاسلام يقول تعالى:)تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين((القصص83).

اذن العمل الصالح هو ذلك العمل الذي يصدر من افراد وجماعات صالحة في محتواها الداخلي، كما ان العمل الصالح هو النوع من الاعمال الذي يؤدي الى صلاح الانسان وواقعه أي تنمية هذا الواقع وتطويره يقول تعالى:)ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون((الاعراف 96).

وفي آية اخرى الشاملة لواقع الانسان ويرقي مستوى وجوده وحياته.:)ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل اليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم( (المائدة66)، وهنا تشير الايتان الى سنة الاهية وهي ان منهج العمل الصالح هو المنهج الكفيل لتحقيق التنمية الشاملة لواقع الانسان ويرقي مستوى وجوده.

4- الانسان الصالح انسان رشيد.

الرشد في اللغة يعني الاهتداء الى اصح الامور في جميع جوانب سلوك الانسان ([11])، والرشد في بعض تعبيرات القرآن كناية عن طرق الهداية والصلاح يقول تعالى:)لااكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي( (البقرة 256).

وفي القرآن الكريم توصيف للانسان الرشيد يقرر بانه(ذلك الانسان الذي يتصف سلوكه بالوعي والقصد في سائر الفعاليات الحياتية) وفي المجال الاقتصادي منها يوصف الرشد بانه(الوصول الى السلوك الواعي والمقصود في الفعاليات الاقتصادية من انتاج وتوزيع واستهلاك وتبادل وادخار واستثمار...الخ،وذلك بالاتساق مع غايات واهداف النشاط الاقتصادي العام) حسب رؤية المذهب الاقتصادي الاسلامي ([12]).

وهناك آيات قرآنية ترسم ملامح صورة الانسان الرشيد في المجال الاقتصادي والاجتماعي وفي موضوعات عدة،

ومن الامثلة عليها:

قوله تعالى:)ولاتجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا((الاسراء 29).

وللاية الكريمة مدلولات كبيرة في مجال الرشد الاقتصادي([13]) حيث انها تبين الوسطية في الانفاق بكل انواعه الاستهلاكي و الاستثماري العام والخاص، وكذلك تطبيق هذا المعيار في مجال استخدام الموارد وتوضيفها، كما انه معيار مهم للتخطيط الاقتصادي وتحديد الاولويات في جميع المجالات والمستويات.

ومن اهم خصائص سلوك الانسان الرشيد في المفهوم القرآني([14]) هو الاتي:

1. البعد الزمني للسلوك الرشيد: ان المدى الزمني للنشاط الحياتي من اهم خصائص مقولة الرشد في القرآن الكريم، والمدى الزمني يعد اهم المعايير اللازمة للحكم على كون السلوك موافقا للرشد ام لا، وببيان آخر ان تحديد المدى الزمني للنشاط الحياتي سلفا يعني تحديد مساحة الاهداف والغايات التي يقصدها السلوك وبالتالي يتم الحكم على مدى رشد السلوك الصادر من الانسان.

وفي القرآن الكريم تتمدد مساحة الاهداف والغايات الى مرحلتين مترابطتين هما مرحلة الحياة الدنيا ومرحلة الحياة الاخرة يقول تعالى:)ان الله يدخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوى لهم( (محمد ,12)، وفي آية اخرى يقول تعالى:)يوم تجد كل نفس ماعملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا((آل عمران 30).

2. مفهوم النجاح واثره في تحديد الرشد ([15]): النجاح مفهوم يحدده النسق القيمي والاخلاقي الذي يؤمن به الفرد،والذي يتحدد في ضوء مفهوم الفضيلة والصلاح،والذي يعبر عنه قرآنيا بالتقوى،يقول تعالى:)ان اكرمكم عند الله اتقاكم((الحجرات ,13).

فالانسان الرشيد هو الانسان الناجح وهو المتقي , وكذلك النشاط الناجح هو الذي يحقق النتائج الصالحة على المدى الزمني الممتد من الحياة الدنيا الى الاخرة مع شرط التوازن والاتساق والاعتدال([16]).

والى ذلك اشارة ايات قرآنية عديدة ومنها قوله تعالى على لسان النبي شعيب (عليه السلام) لقومه الذين كانوا ينقصون المكيال والميزان يقول تعالى:)ياقومي اعبدو الله مالكم من اله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان اني اراكم بخير واني اخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قومي اوفوا المكيال والميزان بالقسط ولاتبخسوا الناس اشياءهم ولاعثوا في الارض مفسدين( (هود ,84_85(، وفي حوار آخر يقول لهم شعيب (عليه السلام): )... وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله ( (هود ,88).

3. مفهوم الثروة لدى الانسان الرشيد: ان مفهوم الثروة لدى الانسان الرشيد في ضوء المفهوم الاسلامي ينصرف الى كونها اداة من ادوات تحقيق وظيفة الخلافة، وهي القوة التي يستخدمها الانسان في تنمية جميع الطاقات يقول تعالى:) وما تنفقوا من خير فلانفسكم وما ينفقون الا ابتغاء وجه الله! وما تنفقوا من خير يوف اليكم وانتم لاتظلمون ( (الذاريات 8).

ثالثا: الاهداف والغايات.

تتجه الفلسفة العامة للمنهج التنموي الاسلامي صوب غايات واهداف اساسية تمثل مقتضيات تحقيق (الحياة الطيبة) وهو المصطلح القرآني المعبر عن البيئة الممكنة للتكامل ([17]) يقول تعالى: )من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون( (النمل 97).

ويطلق على الغايات والاهداف الاساسية(بالمقاصد) وهذه المقاصد وفق موازين ومقاييس يطرحها الكتاب والسنة تنظم في سلم اولويات، وهذا التركيب من المقاصد والاولويات يمثل احد اهم اولويات الفلسفة العامة للمنهج التنموي الاسلامي.

وهناك تقسيمات متعددة يوردها علماء المقاصد لعل اشملها التقسيم الاتي:([18])

أ- الضروريات: ويقصد بها الحفاظ على ماهو ضروري للناس بدونه تختل مصالحهم وتفسد وهي (الدين والنفس والعقل ولنسل والمال،والآيات القرآنية المتعلقة بتحديد هذه الضروريات عديدة نذكر منها:

• حفظ الدين: وهو اول المقاصد وجامعها بنظرة كلية ويدل عليها قوله تعالى )ما خلقت الجن والانس الا ليعبدون( (الذاريات 56).

حفظ النفس: ويدخل فيه كل ما من شأنه حفظ النفس من مأكل كما في قوله تعالى: )ولاتحاضون على طعام المسكين( (الفجر 18)، ومسكن وملبس كما في قوله تعالى:)وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف( (البقرة 233)،وكذلك المحافظة على الكرامة الانسانية كما في قوله تعالى )كلا بل لاتكرمون اليتيم((الفجر 17 فضلا عن تحريم إلقاء النفس في التهلكة واحكام القصاص والديات.

حفظ المال: قوله تعالى)ولا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم وانتم تعلمون( (البقرة188).

وقوله تعالى:)وانفقوا في سبيل الله ولاتلقوا بأيديكم الى التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين( (195البقرة).

حفظ العقل: ويدخل فيه كل ما يحفظ الفكر الانساني من الانحراف والزيغ وفي المقابل يخل فيه كل ما ينمي الفكر الانساني في اطار الايمان بالله و اليوم الاخر، ايات كثيرة دللت على ذلك منها قوله تعالى:)ياايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون( (الأنفال 24).

حفظ النسل: ويدخل في هذا المقصد كل ما من شأنه حفظ النسل ورعايته وتخطيطه من خدمات طبية وعلمية وتشريعية وقضائية يقول تعالى:)واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد( (البقرة 205)، وهذه الاية تبين بوضوح بان المتبعين لغير النظام الالهي سيؤول امر نظامهم الى اهلاك الحرث والنسل وان النظام الالهي من مقتضياته الاساسية صيانة الحرث والنسل.

حفظ المال: المال تعبير عام عن الثروة والمواردوحفظه هو توجيه هذه الثروات والموارد لصالح الغايات الاساسية من الاستخلاف، يقول الله تعالى:)وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله اليك ولاتبغ الفساد في الارض ان الله لايحب المفسدين( (القصص77)، اذ تربط الاية الكريمة بين استخدام الموارد والثروات والاهداف العليا التي يجب ان توظف لصالحها([19]) مع بيان ان مخالفة هذا المنهج يحرف المال عن مقتضيات تسخيره.

المحور الثاني:المبادئ الاساسية للمنهج التنموي الاسلامي في القرآن الكريم.

يمثل التسخير والاستخلاف المبدآن الأساسيان اللذان يرتكز عليهما البناء النظري التحتي للمنهج التنموي الاسلامي في القرآن الكريم , إذ تنعكس متضمنات هذه المبادئ على سائر جوانب المنهج التنموي الإسلامي , كما انها تمثل الاطار العام الحاكم لهذا المنهج.

وفيما يلي عرض مقتضب لهذان الاساسان كما يعرضهما القرآن الكريم:

اولا: مبدا التسخير:

ويشير المبدا الى عدة حقائق هامة اولها عملية التمكين الارادي لمنافع الطبيعة لما به قوام الانسان،حيث خلقت الطبيعة بمعطيات ومكونات ومقادير وخصائص تكفل للحياة ديموميتها وتطورها يقول تعالى في ذلك: )وخلق كل شيء فقدره تقديرا((الفرقان 2)، وفي اية اخرى)وكل شيء عنده بمقدار((الرعد 8).

كما ان القرآن الكريم يؤكد مبدا كفاية الموارد كما في قوله تعالى:)وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها((ابراهيم 32)، هذه الموارد المبثوثة بالطبيعة هي في طبيعتها وبحكمة خلقها مسخرة للانسان كفرد وللمجتمع بماهيته العامة، ولكن مع التاكيد على ان الانسان المشرف بالتسخير هو(الانسان الصالح)،والمجتمع المشرف بالتسخير هو المجتمع الصالح يقول تعالى دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ماسألتموه وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها ان الانسان لظلوم كفا: )الله الذي خلق السموات والارض وانزل من السماء ماءا فاخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بامره وسخر لكم الانهار وسخر لكم الشمس والقمر((ابراهيم 32-34)، هذه الاية الكريمة وغيرها من الآيات التي تناولت موضوع التسخير تؤكد إن كل ما في الكون من موارد وقوى وطاقات هي بطبيعتها وبتكوينها متاحة امام الانسان لتطويرها بشكل افضل بالنسبة لحاجاته،والاتاحه هذه تتم عن طريق تفاعل القدرات والطاقات الذاتية الكامنة التي يملكها الانسان مع هذه الموارد لتطوير مستويات تسخيرها، وببيان آخر ان التسخير هو قانون تتحقق نتائجه عند توفر مقدماته والشروط اللازمة لانطباقه، ومن اهم مقدماته هو وجود الخصائص الذاتية للطبيعة بكيفية تجعلها قابلة للتغيير الى شكل افضل بالنسبة الى حاجات الانسان وهذه المقدمة الاولى،المقدمة الثانية هي توفر الانسان على قدرات ذاتية كامنة كافية لتسخير قوى الطبيعة.

اما شروط هذا القانون فهو عملية المزج بين هذين الطرفين من القدرات والخصائص،ووفق اطار الفكر والارادة الانسانية. وفي اية اخرى من ايات التسخير يقول تعالى: )الم تر ان الله سخر لكم مافي السموات وما في الارض((لقمان 20)، وهي الاية التي تتضمن المعنى الاوسع للتسخير والذي يشمل جميع ارجاء الكون، وهو ربط قرآني لطيف بين هذا القانون والنظرة الكونية التي يطرحها القرآن الكريم.

وفي عملية تسخير القدرات يمكن تهيئة السبل الكفيلة للتحكم بالطبيعة واستخراج خيراتها بوصف ان الطبيعة متغير تابع لمقدار العطاء العلمي للانسان اذ ان (كمية الموارد المتاحة ليست الا انعكاسا لدرجة المعرفة الفنية السائدة ولايمكن فصل حجم الموارد المتاحة عن مستوى المعرفة الفنية)([20]).

وحقيقة اخرى تتجلى في مبدا التسخير تتجسد في حكمة الله تعالى في تسخير الانسان للانسان يقول تعالى:)نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا((الزخرف 32)، وشمول الانسان بقانون التسخير هو من منطلق النظرة لطاقات الانسان وقواه لانها احد اهم اشكال الموارد الانتاجية التي يكون نطاقها الانسان نفسه، وهذا هو المضمون القرآني لمصطلح الموارد البشرية أي ان طاقات الانسان وقواه هي المورد وليس الانسان نفسه([21])، والتسخير بوصفه تمكين الانسان من اداء وظيفة الخلافة يعطي عدة نتائج على المستوى الاجرائي منها:

(أ). ان درجة التسخير في الطبيعة دالة في تطوير قدرات الانسان وتنمية معارفه.

(ب). ان الناس جميعا على نفس خط الانطلاق في مجال التسخير (مبدأ تساوي الفرص).

(ج). ان التسخير ينقسم الى تسخير على المستوى الفردي وتسخير على المستوى المجتمعي، وهو ملاك مقولة الملكية المتجسدة في مؤسسة ثلاثية الابعاد (الملكية الفردية، ملكية الدولة، الملكية العامة) كما يصورها الاقتصاد الاسلامي.([22])

وبهذا فان ابعاد مبدا التسخير تتضح في ان الله هو المسخر والمنعم على البشرية تسخير منافع الكون لخدمة الانسانية وقوام حياتها وتنمية حركتها وبالتالي الى تسخير المّلكات والمواهب للكشف عن الاستفادة الكافية من موارد الطبيعة ومن ثم تسخير البشر بعضهم للبعض الآخر لتحقيق تلك الافادة بشكل متكامل عند اختلاف المواهب البشرية.

ثانيا: مبدأ الاستخلاف:

الخلافة اصطلاحا تعني النيابة في الحكم والقيادة والتصرف , ومن مقتضياتها المسؤولية ,مسؤلية المستخلف امام المستخلف([23]).

وتحدث القرآن الكريم عن هذه العلاقة بين الله تعالى والانسان الصالح والمثل للجماعة الصالحة وهو آدم(عليه السلام)

يقول تعالى: )واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم مالاتعلمون( (البقرة 30)، وفي ايات اخرى ياتي الخطاب بضمير الجمع يقول تعالى: )اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح((الاعراف 69)، وفي اية اخرى )ثم جعلناكم خلائف في الارض((يونس 140)، وفي موقع اخر )وهو الذي جعلكم خلائف((الانعام 165)، وهذه الايات تشير الى ان الجماعة البشرية الصالحة هي المستخلفة،هذا الاستخلاف يعني تحمل الجماعة البشرية الصالحة مسؤولية رعاية وتدبير شؤونها من خلال القدرات التي وضعها تحت تصرفها المستخلف وفق قانون التسخير، وبما يوصلها الى صوب الاهداف العليا التي حددها المستخلف،كما انها في حركتها صوب هذه الاهداف تتبع نظاما حدده المستخلف وهو النظام الاوحد الكفيل بتحقيق اهداف الخلافه.

هذا النظام الذي يستلزمه مبدا الاستخلاف من اهم مبادئه الاتي:

1. يضع الانسان المستخلف امام مسؤولية كبيرة اذ يقع عليه لزاما تحمل اعباء الخلافة بوصف انه بامكاناته الذاتية مؤهلا لذلك يقول تعالى:)انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا((الاحزاب 72).

2. اقامة العلاقات بين اجزاء النظام في ضوء عدة قواعد من اهمها الاتي:

أ- الانتماء الى محور واحد وهو المستخلف وهو الله تعالى )صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون((البقرة 138).

ب- تجسيد روح الاخوة العامة في كل العلاقات الاجتماعية([24]) يقول تعالى:)انماالمؤمنوناخوة((الحجرات 10).

ج _ العدل: اذ تقتضي المسؤولية الناشئة عن الاستخلاف كما تقتضي طبيعة الاستقطاب نحو المستخلف العادل ان تتسم العلاقات بالعدل والحق ورفض الظلم والطغيان وبهذه المناسبة وبخ القرآن الكريم الجماعة التي تستسيغ الظلم والطغيان بقوله تعالى:)ان الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فاولئك ماواهم جهنم وساءت مصيرا((النساء 97)، وهذا القيد الاكبر حركة الانسانية صوب اهداف الاستخلاف والتسخير هو الذي اشار اليه القرآن في ذيل اية التسخير الكبرى آنفة الذكر يقول تعالى:)ان الانسان لظلوم كفار((ابراهيم34)، وكذلك في ذيل أية المسؤولية بقوله )وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا( (الاحزاب 72).

3. ممارسة وظيفة الخلافة بما يحقق لها هدفها المتمثل بالتكامل والذي يقتضي السعي الحثيث لتشبه بأخلاق الله كما ورد في الحديث )تشبهوا بأخلاق الله(([25]) , أي تجسيد القيم والصفات المتوحدة في الله تبارك وتعالى من: العدل والعلم والقدرة والرحمة بالمستضعفين و الانتقام من الجبارين... الخ ,وهي مؤشرات لسلوك مجتمع الخلافة ,وهي التي تمثل حراك الانسان الصالح صوب مثله الاعلى يقول تعالى:)ياايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه((الانشقاق 6).

ان الخلافة الربانية للجماعة البشرية الصالحة وفقا للمبادئ انفة الذكر تقضي بطبيعتها على كل القيود السلبية التي تجمد الطاقات البشرية وتهدر امكانات الانسان اللازمة لتسخير الطبيعة وبالتالي؛ تحقيق القاعدة المادية للتنمية الشاملةاذ ان ملاك الخلافةوموضوعها هو تنمية الوجود الانساني وفق قانون التسخير.

ان الحقائق والنتائج والمضامين التي يقدمها مبدءا الاستخلاف والتسخير تمثل منطلقات اساسية للمنهج التنموي الاسلامي ومن اهم هذه المنطلقات الاتي([26])

1. ان التنمية المقصودة هي تنمية لجميع ابعاد الواقع الانساني انطلاقا من المحتوى الداخلي للانسان وحتى آخر جزء من اجزاء واقعه الحياتي وبما يحقق التمكين يقول تعالى:)وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لايشركون بي شيئا( (النور 55)([27]).

2. يقدم الاسلام نظامه العام في ضوء مبدا الاستخلاف، حيث يشمل النظام آليات ومؤسسات بالاستناد الى النظريات المذهبية،كما تشكل منضومة الاخلاقيات والقيم والعواطف الاسلامية الدعامة الاخرى للنظام، هذا النظام مصمم لتحقيق اهداف الاستخلاف وتتجسد فيه مقتضياته، ان هذه المنظومة من الاليات والمؤسسات والقواعد والنظريات ومنظومة القيم تعمل بنسق واحد وبايقاع منتظم لتحقيق التنمية الشاملة المتوازنة.([28])

3. ان دور الانسان الصالح والجماعة الصالحة لعملية التنمية تعتمد على درجة الصلاح،وهي التعبير عن مستوى البناء الداخلي للانسان الصالح أي مدى نماء فكره ومستوى قوة ارادته، وبكلمة اخرى مدى قوة ايمان الفرد والجماعة _البناء العقائدي_ ومن جانب اخر يعتمد دور الانسان الصالح والجماعة الصالحة في التنمية على درجة تسخير القدرات والطاقات الكامنة اللازمة لتطوير الطبيعة بشكل افضل بالنسبة لحاجات الانسان.

ويضاف الى ماسبق دور الدولة ومسؤوليتها في تحمل اعباء الخلافة بوصفها المؤسسة الكبرى الممثلة للمجتمع.([29])

اذن يمكن توصيف هذه المنطلقات الثلاثة على انها متغيرات في دالة التنمية حيث تشير العلاقة الدالية الى ان التنمية متغير تابع لثلاث متغيرات مستقلة وهي:درجة البناء العقائدي للانسان الصالح , مستوى تسخير قدرات الانسان , دور الدولة في التنمية.

حيث يمكن صياغة العلاقة الدالية التالية:

ك = د (أ ,ب, ج)

حيث تمثل ك: عملية التنمية الشاملة.

اما أ فتشير الى مستوى البناء العقائدي.

ب تشير الى مستوى تسخير القدرات الذاتية للانسان.

ج تشير الى دور الدولـة ومسؤوليتـها في التنمية.

4. الالتزام باولويات التنمية: وفقا للوظيفة الاستخلافية يتحمل المستخلف مسؤولية استخدام الموارد الاقتصادية في اطار نظام اولويات شديد الوضوح ودقيق التحديد، ويتدرج النظام بحسب الاهمية من انتاج وتوزيع واستهلاك (الضروريات)، ثم تاتي مرتبة(الحاجيات) ثم تليها مرتبة (التحسينيات).

5. الالتزام بدائرة (الطيبات) عند الانتاج والاستهلاك فهي قوام الحياة الطيبة وهو التعبير القرآني عن البيئة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المواتية للتكامل.

6. الالتزام بالكفاءة في استخدام الموارد والعدالة في توزيع ثمار التنمية.

المحور الثالث:الخطوط الاساسية للمنهج التنموي في القرآن الكريم.

في بحث مناهج وسيناريوهات التنمية نجد ان القرآن الكريم يطرح اسس منهج تنموي قائم على خطين وهما التمكين الاقتصادي _الاجتماعي المستدام، وموقع الدولة في المنهج التنموي وفي ادناه بحث موجز لهاذان الخطان من حيث الصلة بالنص القرآني.

اولا: التمكين الاقتصادي _ الاجتماعي المستدام.

يطرح القرآن الكريم التمكين _ الاجتماعي كمنهج اساس في التنمية التي يستهدفها ويؤمن بها وقد وضح جانب من الحقيقة في بحث التسخير حيث المعنى الى ان نتائج التسخير متوقفة على حجم ونطاق ونوع القدرات المعرفية التي سجلها الانسان في رصيده القدراتي.

هذا الرصيد بقدره يضع الانسان على درجة محددة من درجات التسخير لموارد الطبيعة أي ان هناك علاقة دالية بين قيمة الرصيد القدراتي وثمار التنمية والعلاقة هي طردية حتما مع الاخذ بنظر الاعتبارالعوامل الاخرى الاساسية والمساعدة , مثل: البناء العقائدي و دور الدولة وغيرها....

وردت الاشارة الى التمكين في القرآن الكريم في موارد عديدة منها قوله تعالى:)ولقد مكناكم في الارض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ماتشكرون( (الاعراف 10)، في الاية الكريمة اشارة واضحة الى ان التمكين هو المنهجية التنموية الموصلة للحياة الطيبة التي ذكرها القرآن الكريم والتي يعبر عنها هنا بالمعايش.

وقال تعالى في موضع اخر )الم يروا كم اهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الارض مالم نمكن لكم وارسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الانهار تجري من تحتهم فاهلكناهم بذنوبهم وانشانا من بعدهم قرنا آخرين((الانعام6)، فالاية تشير الى ان التمكين شرط ضروري ولكنه ليس كافي مالم توضح حقيقة هامة وهي ان التمكين قد يحقق ثمار تنمية مادية لجميع المجتمعات التي تعتمده كمنهجية تنموية، ولكن البناء التنموي المتحقق سيكون الانهيار بفعل قانون اهلاك الامم([30]) والذي ينصب على انهيار النظام العام غير المصمم على المقاصد الصالحة واليات النظام الصالح، وفي المقابل ترتقي الامم الصالحة عبر منهج التمكين ولكنه رقي وصعود مستقر ومتنامي وغير مهدد بالزوال مالم تنحرف الامة عن المقاصد الصالحة،يقول تعالى )وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني ولا يشركون بي شيئا((النور 55).

اما الجوانب الاساسية التي يجب ان يشملها التمكين فقد تناولتها الآية الكريمة )الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور( (الحج 4) , اذ تناولت الآية الحقوق الاساسية من عبادة والتي عبرت الآية عنها ب (الصلاة) , واشباع الحاجات عند حد الكفاية والتي تضمنها الفروض المالية والتي عبرت عنها الآية الكريمة ب (الزكاة) , كما تتضمن الحقوق كما نصت الآية على حق اقامة النظام العام الذي يحفظ الكرامات ويمنع الظلم والانحراف , وكذلك يؤمن هذا النظام تجسيد المذهبية الاسلامية , تعبر الآية عن هذا النظام بفريضة (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) , ثم وضعت الآية الكريمة كل هذه المتضمنات في اطارها وهو(الهدف المحور) الذي تستهدفه حركة الانسان الصالح وهو (الله) تقول الآية )ولله عاقبة الامور(.

ومن خلال جملة الايات التي تناولت موضوع التمكين ينصرف الذهن الى تهيئة اسباب ومقدمات تنمية الواقع الانساني الشامل وهو احد دلالات قوله تعالى )ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرى , انا مكنا له في الارض و آتيناه من كل شيئ سببا , فأتبع سببا((الكهف 83-85).([31])

ان التمكين وفق الرؤية القرآنية ينقسم الى بعدين:-

البعد الاول: تمكين بموجب قانون التسخير: وهو يتمثل بالخاصية التكوينية التي اودعها الله تعالى في الطبيعة والانسان , بما يجعلهما عنصران يملكان القدرة الذاتية على التفاعل فيما بينهما بما يحقق صناعة البيئة المواتية للتكامل.

البعد الثاني: تمكين اقتصادي - اجتماعي: يقدمة المجتمع لابنائه من مجموعة من الممارسات

والافعال والانشطة والاجراءات التي تفضي الى تنمية قدرات الافراد بصورها المختلفة (المادية ,الذهنية ,التأهلية , التدريبية)وحفزها وخلق الظروف التي تجعلهم قادرين على ان يكونوا ناشطين ومساهمين حقيقين في الفعل التنموي ,واتاحة الفرصة امامهم لتنمية واقعهم الانساني بجميع ابعادة.

ان الاقتصاد الاسلامي بطبيعته ومن خلال نظرة عامة الى مذهبه الاقتصادي (النظريات , المقولات , المفاهيم , القيم) ومن نتائج عمل آليات النظام الاقتصادي – الاجتماعي يظهر جليا بأن يستهدف صياغة بيئة تمكينية يحصل فيها الافراد بأطراد على مزيد من الرصيد القدراتي الذي ينقلهم الى خطوط انطلاق اعلى للمساهمة في الفعل التنموي وبالتالي قطف ثمار التنمية.

ثانيا: موقع الدولة في المنهج التنموي: الدولة في القرآن الكريم من حيث اصلها و مبررات وجودها هي ذلك الكل الاجتماعي الذي يمثل المجتمع , وهي المؤسسة التي تضطلع بمسؤلية قيادة المجتمع , في تنظيم قائم على الحق و العدل مستهدفة الحفاظ على وحدة المجتمع وتطوير واقعه الانساني([32]) يقول تعالى )كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق بأذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم((البقرة 213), ان الصراط المستقيم هو كناية عن خط التكامل الذي تمارس الدولة وظيفة قيادة المجتمع الصالح في حركته التكاملية على هذا الخط.

فالقرآن الكريم يستهدف ايجاد الدولة الصالحة وهي التي يعبر عنها (بالقرية الصالحة) والتي تنتهج المنهج القرآني في التكامل، ان هذه الدولة الصالحة تظهر على ارض الواقع عندما تتوفر مكوناتها الاساسية وهي([33])

القيادة الصالحة: وهي الجماعة التي تطيع الله ورسوله واولي الامر، قوله تعالى:)ياايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم((النساء 59).

•النظام الاجتماعي الصالح: وهو النظام المنبثق عن الشريعة السماوية والذي تطبقه الدولة الصالحة هو الذي يوصلها الى الحياة الطيبة،التي تنتفي فيها كل القيود التي تقيد حركة الانسان التكاملية،وهو المعنى الذي اشارة اليه الاية الكريمة )ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض((الاعراف 96)، فالايمان والتقوى صفات لنهج الصلاح،منهج التنمية الذي تقدمه المذهبية السماوية.

وانطلاقا من هذا الاطار العام عن علاقة الدولة بمنهج التنمية قدم المذهب الاقتصادي الاسلامي رؤية حول دور الدولة في التنمية الاقتصادية والتي يمكن ايضاحها من خلال النقاط الاتية ([34]):

1. انها تعبر عن استخلاف الجماعة الصالحة )هو الذي جعلكم خلائف في الارض((فاطر39).

2. عدم التمايز الطبقي: لايوجد في دولة القرآن تمايز طبقي )كي لايكون دولة بين الاغنياء منكم((الحجرات 7).

3. المؤخاة في العقيدة والدين: اذ تعد رابطة الاخوة احد المفاهيم الاساسية لبناء المجتمع والحكم (انما المؤمنون اخوة)(الحجرات 10)

4. الحرية: وتعني تحمل اعباء مسؤولية الامانة الالهية عن اختيار ووعي )لااكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي((البقرة 256).

5. السلطة على البشر: اصالة الولاية لله تعالى فقط او من خصه الله بها وهو النبي 9 )النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم( (الاحزاب 6)، ثم الدولة الصالحة يقول تعالى: )ياايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم( (النساء59)

6. السلطة على الطبيعة: وهي مادلت عليه ايات التسخير التي وجهت الخطاب بصيغة الجمع والذي يعني بتسخير للجماعة الصالحة ويعد الدولة ممثلة لهذه الجماعة تملك السلطة على الطبيعة المسخرة.

يضع القرآن الكريم في هذا الصدد على عاتق الدولة مسؤوليات كبيرة نابعة من الرؤية القرآنية لماهية الدولة ومبررات وجودها، ومن اهم جوانب هذه المسؤوليات هو الاتي([35]):

1. البناء الاجتماعي العقائدي: يقول تعالى )ولتكن منكم امة يدعون الىالخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون((ال عمران 104)، فالدولة مسؤولة عن النهوض بالواقع العقائدي والاجتماعي العام، ذلك ان احد مبررات وجودها هو هداية الانسان وتنمية قدراته ومواهبه الطبيعية،وتوفير الشروط الموضوعية الازمة لتهيئة الفرد لكافة جوانب المشاركة الاقتصادية،السياسية، الاجتماعية.

2. تدعيم اسس بناء المجتمع الصالح: تتمثل اسس البناء الصالح بالعدل والحق والحريه والمساواة وهو ما يتضمنه مفهوم الامة الوسط )وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا( (البقرة 143)، كما تمارس الدولة مسؤوليتها في التنشأة الاجتماعية الصالحة يقول تعالى: )الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عافبة الامور((الحج 41)، والنهوض بهذه المسؤولية يرتب على الدولة وظيفة ايجاد التركيب المؤسسي في المجتمع وبما يحقق هذا الهدف الرئيسي.([36])

3. الضمان الاجتماعي: وهو من مسؤوليات الدولة الكبرى والاساس في اطار دورها التنموي، وهو يتم عبر ضمان المستوى المعاشي الائق للافراد عن حد الكفاية وتوفير فرص العمل عبر برامج التمكين المختلفة،وتنبثق هذه الوظيفة من مبدأ الاستخلاف الذي يعطي للافراد جميعا حق الانتفاع بالثروات الطبيعية وحق الدولة في موارد الدولة ([37]) بالاستناد الى قوله تعالى: )ما افاء الله على رسوله من اهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لايكون دولة بين الاغنياء منكم((الحشر 7).

4. التوازن الاجتماعي: من مسؤليات الدولة في الاسلام الحفاظ على التوازن الاجتماعي من خلال ابقاء حركة نمو الثروات تحت قيود منع الاسراف والتبذير والتقتير ([38]) وانطلاقا من الرؤية القرآنية للدولة ومسؤولياتها وبالاستناد على هيكل البناء النظري للمذهب الاقتصادي الاسلامي تمارس الدولة وظيفتها التنموية من خلال المحاور الاتية:

1. الانتاج: أن الصلة التي يرسمها المذهب الاقتصادي الإسلامي بين الإنتاج والتوزيع تتحقق عن طريق وجود عنصر الدولة كعنصر ضبط واتساق وتوجيه لعملية تكييف الإنتاج لصالح التوزيع والأخير لصالح الأهداف المذهبية في العدل والكفاءة.

كما تمارس الدولة دوراً محورياً في تحقيق أهداف الإنتاج عبر الوسائل العقائدية والفكرية وعن طريق ضمان تطبيق المقولات المذهبية المتصلة بالإنتاج، بالإضافة إلى مكانة الدولة في تركيب مؤسسة الملكية، ومكانة عنصر الدولة في الأبنية النظرية للعديد من المقولات المتصلة بالإنتاج والمرتبطة معها، وتجسيد ذلك عبر سياسة إقتصادية تستهدف تحقيق أهداف الإنتاج بلحاظ واقع موضوعي معين([39]).

2. نمط الانتاج: تساهم الدولة في تشكيل نمط الإنتاج الإسلامي، عبر أثر انعكاس نظرية توزيع ما قبل الإنتاج والملكية العامة وملكية الدولة، والقطاع العام الذي هو نتيجة لوجود العنصرين السابقين، بوصفه تصميم إسلامي يستهدف تحقيق أهداف النشاط الإنتاجي([40]).

3. التوزيع: أن عنصر الدولة في نظرية التوزيع الإسلامية هو الضمان الأساس لتحّيد أثر تطور علاقات الإنتاج على الصيغة الإسلامية لعلاقات التوزيع ونظرية التوزيع بطبيعتها وخصوصاً توزيع ما قبل الإنتاج تحتاج إلى عنصر الدولة كعنصر ناظم، يتكفل بتجسيد متضمنات نظرية التوزيع([41]).

4. الادخار: تضطلع الدولة بدور أساس في تنويع أساليب الإدخار ورفع الوعي الإدخاري وتشجيع الادخار، وتجسيد الضوابط الإسلامية الموجهة لعملية الأنفاق وكذلك تمارس الدولة دورها في عملية الإدخار الإجتماعي (تنمية العنصر البشري) عبر مؤسستي الضمان والتوازن الاجتماعي.

5. الاستثمار: يضع المذهب الاقتصادي الإسلامي على عاتق الدولة تجسيد متضمنات المنهج الإسلامي للإستثمار– وضمان تحقيقه، إضافة إلى دورها المباشر في تحقيقه من خلال القدرات الاقتصادية المتاحة لها.

6. التبادل: تقوم الدولة بدور هام في مجال التبادل، يتمثل بتجسيد المفهوم الإسلامي للتبادل، والتقويم المستمر لمظاهر النشاط التبادلي على وفق معطيات منطقة الفراغ. فمن خلال القواعد الأخلاقية والترتيب المؤسسي، تمارس الدولة دورها في تنظيم عملية التبادل.

7. الاستهلاك:أعطيت الدولة دوراً في تنظيم النشاط الإستهلاكي وتجسيد نمط الاستهلاك الإسلامي، وعبر ضوابط عدة، من نحو، منع الاستهلاك الناتج للضرر، تحريم حياة الترف، تحريم الإسراف والتبذير والسفه، وتحقيق الكفاية الاستهلاكية.

مثلما تمارس الدولة دوراً جوهرياً في تحقيق التطابق بين دالة المنفعة للفرد ومصالحه الحقيقة عبر الإجراءات الناظمة للسلوك الاستهلاكي على المستوى الفردي. وبما يحقق تكاملاً بين المصالح الحقيقية للفرد والمصالح الاجتماعية وهنا تمثل الدولة عنصر الضبط الموضوعي الذي يقدمه المذهب الاقتصادي الإسلامي لإنجاز هذا الهدف.

الخلاصة:

من خلال سير البحث يقدم القرآن الكريم مجموعة من الاسس النظرية للمنهج التنموي الاسلامي والتي توضح طبيعة هذا المنهج وخصوصيته وتميزه، فهو يستند على رؤية شاملة متكاملة للانسان والكون، تنعكس اشعاعات هذه الرؤية في صياغة جوانب المنهجية التنموية الاسلامية المتأسسة على ركائز اساسية تتمثل بمبدأ التسخير والاستخلاف والمنهج التكاملي المفتوح.

ومن خلال هذه الفلسفة العامة التي يستند اليها المنهج التنموي الاسلامي وفي ضوء مبدأي الاستخلاف والتسخير تتضح الخطوط الاساسية لمنهجه التنموي والتي تتمثل بمنهج التمكين الاقتصادي والاجتماعي والذي يشكل المضمون الاساس للخطاب التنموي الاسلامي، كما يعبر عن ملامحه الاساسية، بالاضافة الى دور الدولة في المنهج التنموي الاسلامي والذي يمثل الجانب الثاني المميز من مضامين الخطاب التنموي الاسلامي.

الهوامش

 


 

[1] - جعفر عباس حاجي، المذهب الاقتصادي في الاسلام، مكتبة الالفين 1987، ص14 وما بعدها.

انظر في ذلك، مرتضى المطهري، الهدف السامي للحياة الانسانية، مؤسسة الثقلين الثقافية،2005، ص(7-17).

[2] - محمد باقر الصدر، فلسفتنا، مؤسسة النبراس للطباعة والنشر النجف الاشرف،ب ت،ص (36-45).

[3] - مرتضى المطهري، مصدر سابق، ص49 – وما بعدها.

[4] - محمد باقر الصدر،المدرسة القرأنية، شريعت - قم، 1424 ه.ق، ص116.

[5] - محمد باقر الصدر، اقتصادنا، - قم، 1424هـ،ص610 _.

[6] - انظر في ذلك، جعفر السبحاني، العقيدة الاسلامية على ضوء مدرسة اهل البيت:، لقريب جعفر هادي،دار التعارف للمطبوعات، ص29.

[7] - محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنية، مصدر سابق، ص119 وما بعدها.

[8] - محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنية،مصدر سابق، ص153 وما بعدها.

[9] - المصدر السابق، ص154.

-[10] المصدر السابق، ص155.

-[11] ابن منظور،لسان العرب،مادة رشد /1/ 169.

-[12] طالب حسين الكريطي، دور الدولة في المذهب الاقتصادي الاسلامي، اطروحة ماجستير مقدم الى مجلس كلية الادارة والاقتصاد – جامعة القادسية،2005، ص184 -186.

-[13] محمد الحسيني الشيرازي، تقريب القران الى الاذهان، مؤسسة الوفاء، بيروت، ط1، 1400 ق،ص38.

-[14] عبد الامير زاهد، دراسات في الفكر الاقتصادي الاسلامي،مطبعة الغدير، بيروت، لبنان،ط1، 1999م، ص114.

-[15] انظر في ذلك، طالب حسين الكريطي، المصدر السابق، ص184.

-[16] محمد علي التسخيري،الاقتصاد الاسلامي، المجمع العالمي للتقريب، مطبعة مبتكران، طهران، 2006 م_ 1427 ه،ص322.

-[17] محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القران،دار الكتيب الاسلامية، طهران، ط3، 1497 ق، ص364.

-[18] انظر في ذلك: جمال الدين عطية، مقاصد علم الاقتصاد الاسلامي، بحث منشور في مجلة قضايا اسلامية معاصرة، العدد الثامن، 1420 -1999، ص 175 وما بعدها.

-[19] ناصر مكارم الشيرازي، الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، مؤسسة البعثة، ط1، 1413 ق، ص263.

-[20] حازم البيلاوي، اصول الاقتصاد السياسي، دون ذكر معلومات اخرى، ص34.

-[21] محمد جواد مغنية، تفسير الكاشف، دار العلم للملايين، بيروت _ لبنان، ط3، 1983، ص546.

-[22] عبد الله مختار يونس، الملكية في الشريعة الاسلامية ودورها في الاقتصاد الاسلامي، مؤسسة شباب الجامعة، 1987، ص93-113.

-[23] صبحي العادلي، مبادئ دراسة الشريعة الاسلامية، كلية الشريعة _ جامعة اهل البيت، ص95.

-[24] عبد الستار الدباغ، من مبادئ الاسلام الخلقية في المعاملات المالية، مجلة الجامعة الاسلامية، السنة (11) العدد (14) 2004، ص11.

-[25] بحار الانوار61/129.

-[26] انظر في ذلك: امير الفائدي، التنمية في المنظور الاسلامي، مجلة المبين، تصدر عن مؤسسة شهيد المحراب، العدد الثالث تشرين اول 2005، ص 230-231.

-[27] محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القران، مصدر سابق، ص163.

-[28] محمد عمر شابرا،الاسلام والتحدي الاقتصادي، ترجمة. محمد زهير السمهوري، المعهد العالمي للفكر الاسلامي، 1996،ص 34-35.

-[29] طالب حسين الكريطي، مصدر سابق، ص 194-198.

-[30] انظر: همام باقر حمودي، القرية في المفهوم القرآني، مجلة حوار الفكر، المركز العراقي للبحوث والدراسات المستقبلية، اذار 2006 العدد الاول ص11.

-[31] اسامة عبد المجيد العاني، الاسلام والتنمية البشرية المستدامة مقارنة في الاهداف والموارد، دراسات في التنمية البشرية المستدامة في الوطن العربي، بيت الحكمة، اعمال الندوة المنعقدة في 11-شباط 2000، ص 15-51.

-[32] طالب حسين فارس،المصدر السابق، ص 198- وما بعدها.

-[33] همام حمودي، مصدر سابق، ص74-76.

-[34] هادي اونج، اهداف الحكومة الاسلامية، الحكومة الاسلامية من وجهة نظر المذهب الاسلامي، مجموعة من المقالات المختارة للمؤتمر العالمي العاشر للوحدة الاسلامية، المجمع العالمي للتقريب، 1998، ص 107-125.

-[35] محمد مهدي شمس الدين، نظام الحكم والادارة في الاسلام ,دار الاضواء , بيروت , ط3 , 1993 ص27 – 35.

-[36] محمد علي التسخيري، خمسون درسا في الاقتصاد الاسلامي، المشرف للنشر، طهران، ط1،2003 ص260-264.

-[37] التسخيري، مصدر سابق، ص261.

-[38] طالب حسين، مصدر سابق، ص188 وما بعدها.

-[39] محمد علي التسخيري، واجبات الدولة الاسلامية واهدافها الاقتصادية، مجمع دراسات الاقتصاد الاسلامي الثاني، دار البصائر، طهران _ ايران، ط1، 1415 ه، ص98 وما بعدها.

-[40] انظر: عبد علي المعموري، تاريخ الافكار الاقتصادية، ج1، مطبعة الميناء، 2006، ص172، و قاسم محمد حمود درويش، نظرية النوزيع في المذهب الاقتصادي الاسلامي، رسالة ماجستير مقدمة الى مجلس كلية الادارة والاقتصاد _ الجامعة المستنصرية، 1985 /، ص 79.

-[41] محمد انس الزرقا، صياغة اسلامية لجوانب من دالة المصلحة الاجتماعية ونظرية سلوك المستهلك، بحوث مختارة، المؤتمر العالمي الاول لاقتصاد الاسلامي، المرطز العالمي لابحاث الاقتصاد الاسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، 1980 م، ص166.