المادة: العقائد 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon akeda 10.doc

المعجزات الأخرى غير القرآن:

هناك آيات في القرآن الكريم تشير إلى أن المشركين كانوا يقترحون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مجموعة من الأمور. وكلما كان يأتيهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بآية وبسورة وبجانب من إعجاز القرآن بلاغة أو حقيقة علمية أو معرفة حقة أو إخباراً عن الغيب مع ذلك ما كان يؤثر فيهم فيطلبون شيئاً جديداً. طلبوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  أن يكون القرآن قد نزل على رجل له مال كثير. (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) الزخرف: 31. كما طلبوا منه في مناسبة أخرى أن يفخر لهم ينبوعاً من الأرض وتكون له جنة فيها نخيل وعنب و..

(وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه، قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً) الإسراء 90-91-92-93.

هذه الأمور تشهد أنهم كانوا يقترحون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أموراً كلها تشير إلى أن ذهنهم كان مشبعاً بالجانب المادي.

الله تبارك وتعالى يأمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يقول: (قل سبحان ربي هل كنت إلا  بشراً رسولاً).

يعني صحيح أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مستند إلى صاحب القدرة المطلقة والعلم المطلق والمشيئة الكاملة والكمال اللامتناهي، لكن ليس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الوجود الذي يملك القدرة المطلقة. وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بشر مثلهم، لكن يمتاز عنهم بأنه مدعوم من قبل الله تبارك وتعالى. مؤيد ومسدد ويحمل الرسالة.

وتارة كانوا يعترضون عليه، لماذا يأكل ويمشي في الأسواق. (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً. أو يلقى إليه كنزاً أو تكون له جنة يأكل منها. وقال الظالمون أن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً.) الفرقان 7-8.

هذه كلها اقتراحات من قبلهم. الله تبارك وتعالى يجيبهم على كل ذلك بأن إظهار المعجزات على يد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بيد الله تبارك وتعالى. وليس متى ما اشتهى الناس ذلك يحصل. لأن المقدار الضروري هو أنه لما يدعي شخص بأنه مرسل من قبل الله تبارك وتعالى لابد له من إثبات يبرهن على صدقه في دعواه وهذا الإثبات هو المعجزة. والمعجزة قد تكون مؤقّتة وقد تكون خالدة. وهذا المقدار كافي. حيث طبيعة المعجزة أنها تكون لإثبات صدق الدعوى.

وهناك نقطة لابد من التذكير بها، والقرآن يشير إلى حقيقة مهمة وهي: أن هذا الرسول بشر يتعامل مع الناس على أسس إنسانية بشرية فإذا كان دائماً يتعامل مع القضايا بالأسلوب غير الطبيعي وفوق المادي يكون سحراً مستمراً، ولذلك فيما يتعلق بشق القمر وهي من معجزات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصرح القرآن بذلك: (اقتربت الساعة وانشق القمر وان يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) القمر:1-2.

إذن المعجزة التي تكون غير القرآن والمعجزات بشكل عام يجب أن تخضع لهذا الإطار العام:

- 1- لا دلالة للقرآن على نفي المعجزات الأخرى.

- 2- إقامة المعجزة ليس أمراً اختيارياً للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما أمر ذلك بيد الله تبارك وتعالى.

- 3- المقدار اللازم في دعوى النبوة هو إقامة المعجزة التي تتم بها الحجة، ويتوقف عليها التصديق بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدقه في دعواه والمقدار الزائد على ذلك، لا يجب على الله إظهاره ولا تجب على النبي الإجابة إليه. والمقدار الذي يتوقف عليه التصديق جاء به القرآن.

- 4- كل معجزة فيها هلاك الأمة ممنوعة في هذه الأمة، لأن كل ما فيه تعذيب وهلاك هذه الأمة حتى ولو اقترح أفراد الأمة ذلك لا ضرورة لإجابتهم ولا توجد في الأمة الإسلامية. أما في الأمم الأخرى نجد نظائر لذلك، مثلاً بالنسبة إلى ناقة صالح (عليه السلام): (فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها) سورة الشمس: 13-14.

ويقول الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (أيها الناس إنما يجمع الناس الرضا والسخط. وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم الله العذاب لما عموه بالرضا).

5- إن المعجزة الخالدة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي القرآن الكريم. أما سائر المعجزات فهي وان كثرت ليست خالدة وباقية. وإنما فيها جانب خاص للحالة التي كانوا عليها.

(قدم القرآن وحدوثه):

مسالة قدم القرآن وحدوثه سماها البعض محنة خلق القرآن والبعض الآخر سماها فتنة الخلق. وهي في الحقيقة كانت محنة عظيمة جداً. واصل الفكرة أن المصحف الذي بين أيدينا هو كلام الله. بما أن كلام الله صفة لله تبارك وتعالى فصفة الله تعالى يجب أن تكون قديمة وهذا التصور الذي حصل عند كثير من الناس.

قسم من العلماء المسلمين أشبعت ذهنيتهم بالأبحاث القرآنية. لكنهم وصلوا إلى طريق مسدود فراحوا يحللون القضايا بتفكيرهم الخاص.

فقالوا القرآن كلام الله وكلام الله صفة الله. وبما أن صفة الله تكون لذاته. إذن الذات القديمة لا يمكن أن تكون محلاً لصفة حادثة.

ولهذا قالوا بأن القرآن قديم لأنه كلام الله وهو لا يمكن أن يكون حادثاً.

هذا الفكر بلغ في مراحل من الإفراط إلى درجة قال بعض المسلمين التابعين لهذا المذهب بأنه حتى الورق والغلاف قديمان. وهذا واضح بأنه ليس صحيحاً. لأننا نعلم بأن هذا الورق مصنوع في معمل.

وهناك مذهب آخر يقول بحدوث القرآن، ومعنى كونه حادثاً، أنه ليس قديماً. لأن القدم والأزلية والأبدية إنما هي لواجب الوجود لذاته.

والقرآن ليس كذلك. لأنه يعتمد على أصوات وحروف. والأصوات والحروف والمقاطع إنما هي مقترنة بالزمان (23عاماً، ليل، نهار) والمكان مكة-مدينة).

هذا كله يجعل الشيء عرضاً وليس واجب الوجود لذاته. إذن فهو حادث. النزاع بين اتباع المذهبين وصل إلى درجة أن عدداً كبيراً من المسلمين أصبحوا يكفرون عدداً آخر.

رأى الإمامية في المسألة: يقول الإمامية أن القرآن كلام الله، والكلام صفة فعل لا صفة ذات.

فصفات الذات تكون عين الذات وليست خارجة عن الذات. وهي العلم والقدرة و..

أما صفات الفعل فهي  خارجة عن الذات. تتصف بها الذات الإلهية مرة ولا تتصف أخرى مثل الخلق والرزق والإحياء والإماتة. نقول أن الله تبارك وتعالى رزق زيداً ما لا لم يرزق عمرا و الخ.

والكلام صفة فعل. فقد كلم الله تعالى موسى (عليه السلام) ولم يكلم فرعون.

أما الصفة الذاتية لا مجال لهذه التفرقة بشأنها ولا يمكن سلبها. في

قول الله تبارك وتعالى عالم بكل شيء قادر على كل شيء.

جاء أبو الحسن الأشعري ليقدم حلاً آخر فقال بالكلام النفسي.

ولعل الأشاعرة استشهدوا بهذا البيت:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما***** جعل اللسان على الكلام دليلاً

وإنما سمي علم العقائد لأن أول بحثه عقيدي ضخم كان مثار اختلافات بين الفرق الإسلامية هو كلام الله تبارك وتعالى. لذلك صار كل بحث عقيدي يدخل تحت عنوان علم الكلام.