المادة: العقائد 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon akeda 09.doc

إعجاز القرآن الكريم في بيان المعارف الحقة:

كل دين يحتاج إلى أيديولوجية. وهذه الأيديولوجية يجب أن تكون مرتكزة على قناعات لا تتزلزل. وإن يكون البناء التحتي قوياً متماسكاً والقرآن الكريم قد تعرّض لبيان حقائق تتعلق بالمعارف الحقة.

ولا يستطيع أي كتاب سماوي أو غير سماوي أن يجاري القرآن في بيان هذه الحقائق. وقد تفرد بها القرآن الكريم.

ونعني بتلك المعارف، الرؤية الكونية الواضحة الدقيقة التي تبيّن خطّ الإسلام ووجهة الإسلام.

الفكر الإسلامي فيما يتعلق بالجانب الأيديولوجي خصوصاً، إنما هو سائر على أساس قويم ومنطق محكم.

التنزيه الكامل لله تبارك وتعالى.

مفهوم اللانهاية.

الإيمان والفطرة.

إبطال التثبيت.

لقد تكفّل القرآن الكريم ببيان التنزيه الكامل لله تبارك وتعالى. وبلغ من الدقّة والعمق مكاناً بحيث لا يوجد أي كتاب سماوي كما لا يوجد أي كتاب فلسفي يستطيع أن يعطي التصوير الدقيق للتنزيه الكامل مثل ما أعطاه القرآن الكريم.

نجد قوله تعالى: سبحان، سبحان الله، سبح، يسبحون وكل مشتقات التسبيح في القرآن الكريم تتركز على مسألة تتعلق بتسبيح الله تبارك وتعالى. وتسبيح الله تبارك وتعالى عبارة عن تنزيهه.

أن ينسب الكمال المطلق لله تبارك وتعالى. وينفى عنه كل نقص وكل شائبة للضعف والمحدودية والمعلولية.

الله تبارك وتعالى هو الغني المطلق. هو الكامل وهو المستجمع لجميع صفات الجلال والجمال. ولماذا نركّز على التنزيه المطلق؟.

لأن توجد في الإنسان غريزة الألفة والعادة. وعي غريزة جيدة.

فلو لم تكن لكانت الحياة صعبة جداً. ولكن فيها ضرر من جانب آخر وهو أن الفرد ينسى الاعتبار والموعظة. فالإنسان يريد أن يصوغ الحياة كلها مع ما ألفه واعتاد عليه.

فعندما يسمع عن العرش يتخيل عرش ملك أو ملكة، وحينما يتحدث القرآن عن اللوح يتصور لوحاً من الخشب أو لوحاً من الصخر. والمعارف الإلهية تتحدث عن التوحيد فينتقل ذهنه إلى الوحدة العددية.

والقرآن الكريم لأجل معالجة هذه الحالة يأتي بمفهوم دقيق جدّاً وهو مفهوم التنزيه الكامل فيقول: ( ليس كمثله شيء) فالحقيقة القرآنية قائلة بأن التنزيه الكامل هو أن لا يقيس الفرد بالله غيره وان لا يرى صفة مشتركة بين الله تبارك وتعالى وبين غيره.

إذن، ليس كمثله شيء، وسبحانه وسبحانك وإسناد الكمال المطلق لله تبارك وتعالى وسلب كل ما من شأنه الضعف والمحدودية والمعلولية والفقر، هو الأداة الوحيدة للتنزيه الكامل لله تبارك وتعالى.

- مفهوم اللانهاية:

القرآن الكريم عبر عنه وأوضحه في كثير من الآيات حينما يتحدث عن الرزق يوم القيامة وفي الجنّة.

قوله تعالى: (إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ) ص: 54.

وقوله تعالى: (وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة) الواقعة: 32-33.

العطاء المستمر الذي لا نفاذ له. وبذلك يرفع القرآن الكريم مستوى الفهم البشري إلى مفهوم اللانهاية. ورفع الأذهان إلى الأزل والأبد والخلود. فلما يتحدث القرآن الكريم عن (خالدين فيها) والخلود، يؤكد على حقيقة وهي مفهوم اللانهاية.

عدم وجود نهاية للزمان والمكان، وعدم وجود بداية. ويكون الله تبارك وتعالى قبل كل شيء وبعد كل شيء وعطاؤه لا حد له ولا مقدار.

- الإيمان والفطرة:

قوله تعالى: فاقم وجهك للدين حنيفاً، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الروم: 30.

الدين الحنيف هو الدين الذي بني عليه خلق الإنسان، والبشرية إنما وجدت لتتعامل مع هذا الدين الحنيف ومع صبغة الله وسبيله. سبيل المؤمنين. سبيل العبادة.

هذه الآية بصراحة كاملة تنفي مسألة الاتجاه المادي. وتبين كيف أن الحقائق الإسلامية والمعارف الدينية إنما هي منسجمة مع الفطرة الإنسانية.

فالشوق نحو الإيمان ونحو بارئ الكون وهذا الشوق والظمأ الذي لا يرويه أي شيء في الروح تجاه الله تبارك وتعالى إلا حب الله وعبادته وامتثال أمره والسير في صراطه المستقيم ودينه الحنيف.

هذه مسألة تتناسب وتتماشى مع الفطرة، فطرة الله.

هناك زوايا تتكون منها الروح بحيث لما تجتمع تعطي للإنسان ما يسمى بالباطن أو الوجدان أو الروح أو النفس الإنسانية.

وفي الحقيقة أن الروح بسيطة ومجردة وليست مركبة كالجسد ولما نقول أبعاد الروح إنما نقصد أن هناك تجليات للروح تجليات للنفس الإنسانية.

وهذه التجليات قد تظهر على شكل حب الاستطلاع وحب الخير وحب الفن والجمال وأخيراً قد تظهر على شكل الفطرة.

1- حب الاستطلاع: غريزة ذاتيّة وليست من الاقتباس أو الإيحاء وإنما توجد في كل البشر على اختلاف طبقاتهم.

2-حب الخير: النفس قد جبلت على حب الخير وليس بتعليم أحد. فنجد الأنبياء (عليه السلام) والأئمة (عليه السلام) أنهم مذكرون. يذكرون الناس منسي نعمة الله. ويذكرونهم بأنفسهم وبمقومات أرواحهم.

3- حب الفن والجمال: النفس تحب الفن والجمال. فالفنون كلها لها نواة في الذات الإنسانية بمجالات مختلفة.

والذي نفسه بغير جمال***** لا يرى في الحياة شيئاً جميلاً

4- الفطرة: هي ميل النفس الإنسانية نحو خالق الكون، والإيمان يستند إلى الفطرة، والقرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي جاء ليقرّر هذه الحقيقة، (فاقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها).

كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا وإن كل مولود يولد على الفطرة. إلا أن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.

- إبطال التثليث:

الاعتقاد بالأب والابن وروح القدس لم تقره أي رسالة سماويّة. لكن نجد أن العقيدة المسيحية اقتبست من التثليث الموجود عند البراهمة وعند البوذيين حيث يعتقد البراهمة بأن الله تبارك وتعالى واحد في ثلاثة وثلاثة في واحد. ونجد في معابدهم رأساً مكوّناً من ثلاثة أوجه متلاصقة من القفا. وهي عبارة عن:

براهما وهو الخالق الموجد. ويشنو وهو الحافظ. وسيوا وهو المهلك. التثليث لا يزال مقبولاً لدى الكثير من الطوائف المسيحية.

 القرآن الكريم يعالج هذه الأمور بصراحة ويقول:

(لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة) المائدة:73.

لقد كفر: يؤكد القرآن على بطلان التثليث.

(وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضامئون قول الذين كفروا من قبل) التوبة: 30..

الله تبارك وتعالى نفى كون العزيز ابن الله ونفى كون المسيح ابن الله لأنه تبارك وتعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. لا شريك له ولا ند، لا صاحبة له ولا ولد والقرآن الكريم يردد أنه ما أرسل نبي إلا موحداً ومبلغاً التوحيد ومبيناً أساس ذلك.

ويشير القرآن الكريمزل والأبد و الخلود.

 إلى أن الله تبارك وتعالى واحد بسيط غير مركب.