المادة: أصول الفقه
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 019.doc

تقسيمات أدلة الفقه

يقسم الدليل الفقهي بأكثر من تقسيم ولاعتبارات مختلفة, وأهم هذهالتقسيمات هي:

  •  (التقسيم الاول):

يقسم الدليل الفقهي باعتبار نوعيته الى: نقلي وعقلي.

1- الدليل النقلي:

هو ما كان نصا لفظيا أي كلاما وطريقنا اليه السماع أو النقل.

ويسمى الدليل اللفظي لانه نصوص لفظية, والدليل السمعي لانه يتلقى عن طريق السماع والدليل النقلي لانه يصل الينا عن طريق النقل.

ويشمل هذا الدليل الكتاب والسنة.

2- الدليل العقلي:

وهو كل دليل فقهي غير لفظي.

ويشمل هذا: الاجماع ودليل العقل بنوعيه: الفطري وسيرة العقلاء.

ويسم ى أيضا بالدليل اللبي, نسبة الى اللب الذي هو العقل.

  •  (التقسيم الثاني):

ويقسم الدليل الفقهي باعتبار مدى قدرته على افادة الحكم الى: مؤسس وكاشف.

1- الدليل المؤسس:

ويسمونه الدليل التأسيسي, وهو الذي يفيد الحكم بنفسه.

ويختص هذا بالكتاب والسنة.

2- الدليل الكاشف:

وهو الدليل الذي لا يفيد الحكم بنفسه, وانما يقوم بوظيفة الكشف عنه.

ويختص بالاجماع ودليل العقل.

  •  (التقسيم الثالث):

ويقسم الدليل الفقهي باعتبار النتيجة التي يعطيها: أو قل: باعتبارمستوى ايمان المستدل بالنتيجة التي يوصله الدليل اليها, الى قسمين:هما: القطعي والظني.

1- الدليل القطعي:

هو الذي يفيدنا نتيجة يقينية مقطوعا بها.

وسمي بذلك نسبة الى القطع بمعنى اليقين, وهو الايمان أو الاعتقاد القاطع, أي النافي لكمل احتمال مقابل له.

2- الدليل الظني:

هو الذي يفيدنا نتيجة راجحة الاحتمال, أي مظنونة.

وقد انصبت دراسة الاصوليين لهذين النوعين من الدليل على الدليل اللفظي: الكتاب والسنة.

وبحثوا فيه من ناحية الدلالة, أكثر من دراستهم للسند وبخاصة سند الحديث لان ذلك من شؤون ووظائف علم الدراية.

والنتائج في دراسة السند هي:

أ- ان سند القرآن الكريم يقيني, لان المسلمين يؤمنون وعلى نحواليقين, وبالضرورة لتواتر دليل الاعجاز القرآني ولقيامه بذات القرآن متحديا البلغاء باسلوبه البياني, يؤمنون بان القرآن صادر من الله تعالى.

ب- أما بالنسبة للسنة الشريفة فقد قسموا الحديث المروي الى:

 قطعي الصدور من المعصوم, ويقسم الى نوعين: هما:

* الحديث المتواتر.

* وخبر الاحاد المقترن بما يفيد القطع بصدوره عن المعصوم .

 ظني الصدور من المعصوم:

وهو خبر الواحد الذي لم يقترن بما يفيد القطع بصدورة عن المعصوم .

وهنا تساءل الاصوليون عن حجية القطع وحجية الظن ليثبتوا عن طريق الاجابة عن هذا التساؤل شرعية العمل بهما والاعتماد عليهما في مجالي الاستنباط والتطبيق.

وعالجوا هذين الموضوعين تحت عنواني (القطع) و (الظن).

وسنكون معهما أيضا:

القطع

  •  تعريفه:

القطع من المصطلحات الاصولية الخاصة بعلم اصول الفقه وكلمةالقطع في لغتنا العربية لا تفيد المعنى الذي يقصده الاصوليون منها, الااذا أخذت الكلمة بمعنى (الجزم), الذي هو نتيجة العلم بالشيء.

والجزم هو الحالة النفسية التي تحصل للانسان بعد العلم بالشيء,وهي تعني الاعتقاد القاطع لكل احتمالات الخلاف.

ولتوضيح هذا ببيان أجلى نقول:

عندنا هنا ثلاثة مفاهيم مترتبة فيما بينها, هي:

العلم + المعلومة + الجزم .

ونقصد:

بالعلم: الادراك.

وبالمعلومة: الفكرة التي تحصل في الذهن بعد الادراك.

وبالجزم: الحالة النفسية التي تعبر عن مستوى الاعتقاد بتلك المعلومة.

وللتوضيح بالمثال نقول:

اذا كان الدليل الذي يتعامل معه الفقيه في مجال استنباط الحكم منه آية كان أو رواية نصا في معناة, نقول عنه انه قطعي الدلالة, وذلك لان الفقيه يستنبط منه حكما يفيده الجزم به.

فعملية الاستنباط هي العلم (الادراك).

والحكم الذي استفاده الفقيه من النص هو المعلومة.

والحالة النفسية التي حصلت للفقيه بعد حصول المعلومة لديه هي الجزم .

ومثله الاعتقادات القاطعة التي تحصل للمكلفين في مجال التطبيق.

ومنها: ما لو رأى المكلف ماء, واعتقد لسبب أو آخر انه بول.

فرؤية الماء هي العلم (الادراك).

والصورة المرتسمة في ذهنه للماء بعد رؤيته له هي المعلومة.واعتقاده القاطع بانه بول هو الجزم .

 

فأي هذه الثلاثة (العلم, المعلومة, الجزم) هو القطع في اصطلاح الاصوليين?

الذي يظهر من عبائر القوم: أن القطع هو الجزم, وبما يعم اليقين والجهل المركب.

وسموه بالقطع لانه يقطع كل احتمالات الخلاف, أي ينفيها.

ومع الجزم أو القطع يعتقد الانسان الجازم أو القاطع بأن معلومته التي أفادها من عملية الادراك الذي هو العلم هي مطابقة للواقع, سواء هي في الحقيقة مطابقة للواقع أم في اعتقاده هي كذلك.

ولكنهم قد يعبرون عن هذا الجزم بالقطع, وهو الاكثر.

وقد يطلقون عليه اسم العلم, وهو كثير.

وقد يقولون اليقين أو الجزم وهو قليل.

فان كانت المعلومة حقيقة مطابقة للواقع, فهو ما يسمى باليقين.

وان كانت غير مطابقة للواقع, وانما ذلك في اعتقاد الانسان الجازم أوالقاطع فقط فهو ما يعرف بالجهل المركب.

وكلاهما أعني اليقين والجهل المركب يطلق عليه اسم الجزم .

يقول استاذنا المظفر في هامش كتابه الاصولي تعليقا على عبارة الشيخ الانصاري في أول مبحث القطع من (الرسائل) وهي قوله: (( لااشكال في وجوب متابعة القطع والعمل عليه )) يقول: (( مما يجب التنبيه عليه: أن المراد من العلم هنا هو (القطع) أي الجزم الذي لا يحتمل الخلاف.

ولا يعتبر فيه أن يكون مطابقا للواقع في نفسه, وان كان في نظرالقاطع لايراه الا مطابقا للواقع.

فالقطع الذي هو حجة تجب متابعته أعم من اليقين والجهل المركب يعني أن المبحوث عنه هنا هو العلم من جهة انه جزم لا يحتمل الخلاف عند القاطع)).

  •  مشروعيته:

هنا وتحت عنوان (حجية القطع) تعاملوا مع القطع على أنه العلم وليس الجزم .

ونتبين هذا من تعابيرهم في هذا البحث, فمثلا عبارة الشيخ الانصاري المارة الذكر: (( لا اشكال في وجوب متابعة القطع والعمل عليه ما دام موجودا )) تفيد ان مراده من القطع الجزم .

ثم عندما يكمل العبارة بالتعليل التالي: (( لانه بنفسه (يعني القطع)طريق الى الواقع )) ونحن نعلم ان المراد ب (الواقع) هنا هو الحكم يكون المقصود من القطع وكونه طريقا اليه هو العلم .

وكذلك في عبارة (مصباح الاصول) للسيد الواعظ, وهي: (( وبالجملة: القطع بالحكم ليس الا انكشاف الحكم بنفسه) فان المفهوم منها ارادةالعلم لانه هو الذي ينطبق عليه انه انكشاف, أما الجزم فلانه حالةنفسية (اعتقاد) لا يصدق عليه انه انكشاف.

وكذلك عبارة استاذنا المظفر: (( ان القطع حقيقته انكشاف الواقع, لانه حقيقة نورية محضة لا غطش فيها, ولا احتمال للخطأ يرافقها.

فالعلم نور لذاته, نور لغيره, فذاته نفس الانكشاف, لا انه شيء له الانكشاف)).

فانها أعني العبارة واضحة في ارادة العلم من القطع لا الجزم .

والعلم هو الذي يورث اليقين نفسيا, ذلك أن الجزم اذا كان جهلا مركبالانستطيع أن نقول فيه: لا غطش فيه, ولا احتمال للخطأ يرافقه.

وهذا يعني أننا هنا في محاولة تعرفنا لمشروعية القطع نتعامل معه على انه العلم الذي يفيد اليقين لا الجزم الذي هو أعم منه.

وهي كما ترى مفارقة منهجية.

ومع هذا قالوا: لان العلم انكشاف الواقع, وانكشاف الواقع يعني الوقوف على حقيقة الشيء, وليس وراء اكتشاف الحقيقة شيء آخرنطالب بالبحث عنه.

ولان مثل هذا الاكتشاف يورثنا اليقين نفسيا, وليس وراء اليقين شيءآخر نطالب بالبحث عنه لان اليقين أعلى مراتب الاعتقاد.

تكون حجية العلم قائمة بذاته ونابعة منها, فلا يفتقر الى جعل مشروعيته واعتبار شرعيته بالتماسها من الشرع, لان التماس الشرعيةانما يكون لما هو ليس حجة بذاته كالظن.

ولكن هذا في الواقع لا يرفع المفارقة المنهجية التي أشرت اليها,لان مفهوم القطع من ناحية منهجية يتطلب منا أن نتعامل معه على انه علم, حقيقته انكشاف الواقع, وأثره النفسي هو اليقين, أو نتعامل معه على انه جزم فان تعلق بمعلومة أصابت الواقع فهو يقين نابع من علم,وان تعلق بمعلومة أخطأت الواقع فهو جزم نابع من جهل.

وعليه:

فان أخذنا بمفهوم أن القطع هو العلم الذي لابد فيه من اصابة الواقع لانه انكشاف له, ولابد فيه من أن تكون الحالة النفسية التي يورثها هي اليقين, فان علينا دائما أن نعرف القطع بأنه العلم اليقيني. وان أخذنا بمفهوم ان القطع هو الجزم لا نستطيع أن نعطيه صفة الكشف عن الواقع دائما لانه قد يكون جهلا مركبا.

ولم يقتصر هذا الاضطراب في مفهوم القطع على هذين الموضعين:التعريف والحجية, بل سار في سائر مواضعه الاخرى.

وفرق أكثرهم بين حجية القطع وباقي الحجج التي هي مجعولة من قبل الشارع المقدس, فقالوا: ان اطلاق الحجة على القطع انما هو بمعناها اللغوي, اما في سائر الحجج كحجية الامارة فطبقوا عليها مفهوم الحجةالاصولية التي هي عبارة عن الحد الاوسط في القياس المنطقي الذي يقوم بدور ربط الحد الاكبر بالحد الاصغر فيصير واسطة للعلم بثبوته له, ويحتج به على ثبوته له.

وتوضيحا بالمثال:

فاننا في مجال العلم نكتفي بتطبيق الحكم على موضوعه بشكل مباشر, أي بدون توسط الاوسط, فنقول مثلا في وجوب مقدمة واجب ما بعد علمنا بأنه واجب شرعا !.

هذا واجب = وكل واجب تجب مقدمته .

ولكننا في مجال الظن الذي لابد فيه من اعتبار الشرع بجعل الحجية له, كالظهورات مثلا فانه لا غنى لنا في تطبيق الحكم على موضوعه عن توسط الاوسط, فنقول:

صيغة افعل ظاهرة في الوجوب + وكل ظاهر في الوجوب حجة =فصيغة افعل حجة.

وأخيرا:

الحق ان مشروعية العلم وحجيته لا تحتاج الى دليل, اذ ليس بعدادراك الواقع ادراكا يرقى الى مستوى الايمان اليقيني به, مجال للمطالبة بالدليل أو البحث عنه, ذلك ان اليقين هو أعلى وآخر مرتبة في مستويات الايمان بنتائج الدلالات والادلة.

وسوف نتناول في مبحث آت مستويات الايمان بالدلالة, ومنه نتبين ما ذكرناه بشكل أجلى وأبين.

  •  منشؤه:

اختلف في اعتبار القطع دليلا يصح الركون اليه, ويلزم بالعمل على وفقه, باختلاف أسباب حصوله لدى القاطع وكالتالي:

 فان كان القطع مسببا عن مقدمات شرعية, فصحة الركون اليه ولزوم العمل على وفقه, موضع وفاق الجميع.

 وان كان مسببا عن مقدمات عقلية غير بديهية فصحة الركون اليه ولزوم العمل على وفقه هي نقطة الخلاف بينهم .

قال الشيخ الانصاري في (الرسائل): (( ينسب الى غير واحد من أصحابنا الاخباريين عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدمات العقلية القطعية الغير الضرورية, لكثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها,فلا يمكن الركون الى شيء منها )).

ومثار المسألة كما يبدو من عبارة الشيخ هو فيما اذا كان القطع مخالفا للواقع.

والتساؤل الذي هو محور البحث: هل يكون القطع المخالف للواقع عاذرا للمكلف سواء كان مجتهدا في مجال الاستنباط أو عاملا في مجال التطبيق فلا يؤاخذ بالعقوبة على مخالفته, أو أنه غير عاذر?

اننا من ملاحظة أمرين متكاملين, هما:

1- ان النصوص الشرعية وافية في اعطائنا الاحكام الشرعية.

2- وان الاحكام الشرعية عبادات كانت أو معاملات هي توقيفية لامصدر لها الا الشرع.

لا نقوى على اقرار الاعذار.

وبالنسبة الى الروايات التي استدل بها على لزوم الرجوع الى أهل البيت عليهم السلام أمثال:

 (من دان لله بغير سماع من صادق فهو كذا وكذا).

 (ان المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن آتاه من ربه فأخذ به).

فانها غير ناظرة الى ما نحن فيه, وانما هي كما أبان الشيخ الانصاري لردع الاخذ باجتهاد الرأي والقياس وأمثالهما, ولايضاح ان مصدر السنةالشريفة هم النبي وآله لا سواهم .

والحق في المسألة هو ما جاء في مصباح الواعظ: ان (( الخوض في المطالب العقلية لاستنباط الاحكام الشرعية مرغوب عنه.

وعليه: فلا يكون (القاطع) معذورا لو حصل له القطع بالاحكام الشرعية من المقدمات العقلية على تقدير كون قطعه مخالفا للواقع لتقصيره في المقدمات ).