أستاذ المادة: محمد عبد الرحمن يونس
المادة: النحو 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 30.doc

الابتداء

مبتدأ زيد، وعاذر خبر، *** إن قلت " زيد عاذر من اعتذر "

وأول مبتدأ، والثاني *** فاعل اغنى في " أسار ذان "

وقس، وكاستفهام النفي، وقد *** يجوز نحو " فائز أولو الرشد "

ذكر المصنف أن المبتدأ على قسمين: مبتدأ له خبر، ومبتدأ له فاعل سد مسد الخبر، فمثال الاول " زيد عاذر من اعتذر " والمراد به: ما لم يكن المبتدأ فيه وصفا مشتملا على ما يذكر في القسم الثاني، فزيد: مبتدأ، وعاذر: خبره، ومن اعتذر: مفعول لعاذر، ومثال الثاني " أسار ذان " فالهمزة: للاستفهام، وسار: مبتدأ، وذان: فاعل سد مسد الخبر، ويقاس على هذا ما كان مثله، وهو: كل وصف اعتمد على استفهام، أو نفي - نحو: أقائم الزيدان، وما قائم الزيدان - فإن لم يعتمد الوصف لم يكن مبتدأ، وهذا مذهب البصريين إلا الاخفش - ورفع فاعلا ظاهرا، كما مثل، أو ضميرا منفصلا، نحو: " أقائم أنتما " وتم الكلام به، فإن لم يتم به [ الكلام ] لم يكن مبتدأ، نحو: " أقائم أبواه زيد " فزيد: مبتدأ مؤخر، وقائم: خبر مقدم، وأبواه: فاعل بقائم، ولا يجوز أن يكون " قائم " مبتدأ، لانه لا يستغنى بفاعله حينئذ، إذ لا يقال " أقائم أبواه " فيتم الكلام، وكذلك لا يجوز أن يكون الوصف مبتدأ إذا رفع ضميرا مستترا، فلا يقال في " ما زيد قائم ولا قاعد ": إن " قاعدا " مبتدأ، والضمير المستتر فيه فاعل أغنى عن الخبر، لانه ليس بمنفصل، على أن في المسألة خلافا، ولا فرق بين أن يكون الاستفهام بالحرف، كما مثل،أو بالاسم كقولك: كيف جالس العمران؟ وكذلك لا فرق بين أن يكون النفي بالحرف، كما مثل، أو بالفعل كقولك: " ليس قائم الزيدان " فليس: فعل ماض [ ناقص ]، وقائم: اسمه، والزيدان: فاعل سد مسد خبر ليس، وتقول: " غير قائم الزيدان " فغير: مبتدأ، وقائم: مخفوض بالاضافة، والزيدان: فاعل بقائم سد مسد خبر غير، لان المعنى " ما قائم الزيدان " فعومل " غير قائم " معاملة " ما قائم " ومنه قوله:

38 - غير لاه عداك، فاطرح *** اللهو، ولا تغترر بعارض سلم

فغير: مبتدأ، ولاه: مخفوض بالاضافة، وعداك: فاعل بلاه سد مسد خبر غير، ومثل قوله:

39 - غير مأسوف على زمن *** ينقضي بالهم والحزن

فغير: مبتدأ، ومأسوف: مخفوض بالاضافة، وعلى زمن: جار ومجرور في موضع رفع بمأسوف لنيابته مناب الفاعل، وقد سد مسد خبر غير.

 وقد سأل أبو الفتح بن جنى ولده عن إعراب هذا البيت، فارتبك في إعرابه.

 ومذهب البصريين - إلا الاخفش - أن هذا الوصف لا يكون مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام، وذهب الاخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط ذلك، فأجازوا " قائم الزيدان " فقائم: مبتدأ، والزيدان: فاعل سد مسد الخبر.

وإلى هذا أشار المصنف بقوله: " وقد يجوز نحو: ( فائر )؟ أولو الرشد " أي: وقد يجوز استعمال هذا الوصف مبتدأ من غير أن يسبقه نفي أو استفهام.

وزعم المصنف أن سيبويه يجيز ذلك على ضعف، ومما ورد منه قوله:

40 - فخير نحن عند الناس منكم *** إذا الداعي المثوب قال: يالا

فخير: مبتدأ، ونحن: فاعل سد مسد الخبر، ولم يسبق " خير " نفي ولا استفهام، وجعل من هذا قوله:

41 - خبير بنو لهب، فلا تك ملغيا *** مقالة لهب إذا الطير مرت

فخبير: مبتدأ، وبنو لهب: فاعل سد مسد الخبر.

 ***

والثان مبتدا، وذا الوصف خبر *** إن في سوى الافراد طبقا استقر

الوصف مع الفاعل: إما أن يتطابقا إفرادا أو تثنية أو جمعا، أو لا يتطابقا، وهو قسمان: ممنوع، وجائز.

 فإن تطابقا إفرادا - نحو " أقائم زيد " - جاز فيه وجهان، أحدهما: أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل سد مسد الخبر، والثاني: أن يكون ما بعده مبتدأ مؤخرا، ويكون الوصف خبرا مقدما، ومنه قوله تعالى: ( أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ) فيجوز أن يكون " أراغب " مبتدأ، و " أنت " فاعل سد مسد الخبر، ويحتمل أن يكون " أنت " مبتدأ مؤخرا، و " أراغب " خبرا مقدما.

 والاول - في هذه الآية - أولى، لان قوله: " عن آلهتي " معمول ل" راغب "، فلا يلزم في الوجه الاول الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي، لان " أنت " على هذا التقدير فاعل ل" راغب "، فليس بأجنبي، منه، وأما على الوجه الثاني فيلزم [ فيه ] الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي، لان " أنت " أجنبي من " راغب " على هذا التقدير، لانه مبتدأ، فليس ل" راغب " عمل فيه، لانه خبر، والخبر لا يعمل في المبتدأ على الصحيح.

 وإن تطابقا تثنية نحو " أقائمان الزيدان " أو جمعا نحو " أقائمون الزيدون " فما بعد الوصف مبتدأ، والوصف خبر مقدم، وهذا معنى قول المصنف: " والثان مبتدا وذا الوصف خبر - إلى آخر البيت " أي: والثاني - وهو ما بعد الوصف - مبتدأ، والوصف خبر عنه مقدم عليه، إن تطابقا في غير الافراد - وهو التثنية والجمع - هذا على المشهور من لغة العرب، ويجوز على لغة " أكلوني البراغيث " أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل أغنى عن الخبر.

 وإن لم يتطابقا - وهو قسمان: ممتنع، وجائز، كما تقدم - فمثال الممتنع " أقائمان زيد " و " أقائمون زيد " فهذا التركيب غير صحيح، ومثال الجائز " أقائم الزيدان " و " أقائم الزيدون " وحينئذ يتعين أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل سد مسد الخبر.

 ***

ورفعوا مبتدأ بالابتدا *** كذاك رفع خبر بالمبتدا

مذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ.

فالعامل في المبتدأ معنوي - وهو كون الاسم مجردا عن العوامل اللفظية غير الزائدة، وما أشبهها - واحترز بغير الزائدة من مثل " بحسبك درهم " فيحسبك: مبتدأ، وهو مجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة، ولم يتجرد عن الزائدة، فإن الباء الداخلة عليه زائدة، واحترز " بشبهها " من مثل " رب رجل قائم " فرجل: مبتدأ، وقائم: خبره، ويدل على ذلك رفع المعطوف عليه، نحو " رب رجل قائم وامرأة ".

والعامل في الخبر لفظي، وهو المبتدأ، وهذا هو مذهب سيبويه رحمه الله!.

وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء، فالعامل فيهما معنوي.

وقيل: المبتدأ مرفوع بالابتداء، والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدأ.

وقيل: ترافعا، ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ، وأن المبتدأ رفع الخبر.

وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه [ وهو الاول ]، وهذا الخلاف [ مما ] لا طائل فيه.