المادة: البلاغة
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 019.doc

العنصر الصوري

 تعريفه:

المقصود من الصوري هو: العنصر التخيّلي، متمثلاً في إيجاد علاقة بين شيئين لا علاقة بينهما في الواقع، مثل قوله تعالى عن الكفّار: (إِنْ هُمْ إِلأَكَالأَنْعامِ) حيث أوجد علاقة بين الكفار وبين الأنعام ـ وإحداهما غير الأخرى في عالم المخلوقات - وهي: الشهوانية وضعف الوعي... إلخ، وبهذا تتضح المسوغات الفنية إلى صياغة الصور، حيث إن الهدف منها هو: تعمق الحقائق ما دمنا نعرف أن مقارنة شيء بآخر من خلال تماثله أو تضاده أو اشتراكه في سمات محددة، أو التوكؤ على أشياء حسية أو ثانوية، ويوضح ويبلور ويقرب إدراك الحقائق في الذهن.

 أهميته:

العنصر الصوري يعد أحد العنصرين الرئيسين في النص الأدبي (الإيقاع والصورة)، بحيث يتميز التعبير الفني عن غيره من خلال توكئه على العنصرين المذكورين في الدرجة الأولى لأسباب أوضحناها، في مقدمة هذا الكتاب.

 أشكاله:

البلاغة الموروثة تحصر الصور في رقم محدد هو: التشبيه، والاستعارة، الكناية... إلخ، إلا أن ما نجده من تنوع الصور من جانب، والفوارق الدقيقة فيما بينها من جانب آخر، وطبيعة التصور الجمالي لوظيفتها من جانب ثالث، يقتادنا إلى تصنيفها وفق ما يلي:

1- التشبيه

تعريفه:

1- التشبيه هو: إحداث علاقة بين طرفين من خلال جعل أحدهما ـ وهو الطرف الأول ـ مشابهاً للطرف الآخر، في صفة مشتركة بينهما... من نحو قوله تعالى: (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ) حيث شبه السفن في البحر, وهي الطرف الأول، شبهها بالجبال في البر، والصفة المشتركة بينهما هي صفة: بروز السفن في الماء وبروز الجبال في الأرض.

والمعيار الذي يحدد التشبيه عن غيره من الأشكال الصورية هو: وجود أداة تقوم بعملية ربط بين الطرفين، أو وجود عبارة تقوم مقام الأداة، بحيث يظل كل من الطرفين مستقلاً عن الآخر، وتفرز الحدود بينهما من خلال هذه الأداة.

وأدوات التشبيه ثلاث، هي: (الكاف وكأن ومثل)...

وأما العبارات التي تقوم مقامها فيمكن رصدها في كل عبارة تعطي معنى التشبيه مثل عبارة (يشبه، يحكي، يحسب، يضارع، يمثل، يخال... إلخ).

2- من حيث التفصيل:

قلنا أن ما يميز التشبيه عن غيره هو: اعتماده على أداة أو عبارة تقوم مقامها، وهذا ما يتطلب شيئاً من التوضيح:

أدوات التشبيه:

أدوات التشبيه ـ كما أشرنا ـ ثلاث هي: (الكاف، كأن، مثل). هذه الأدوات الثلاث: تفترق كل واحدة منها عن الأخرى: في خصِّيصة تمتاز بها، بحيث تعطي كل واحدة درجة من التشبيه تختلف عن الدرجة التي تعطيها الأداة الأخرى. فـ(الكاف) تمثل الدرجة المألوفة أو ما يمكن تسميتها بـ(المنحنى المتوسط) أي المعدل المتوسط من التشابه بين الطرفين، وأما (كأن) فتمثل الدرجة الأقل عن التوسط، في حين تمثل (مثل) الدرجة الأعلى من المتوسط على النحو الذي نبدأ بتوضيحه:

1 - الكاف: قال تعالى: (وَالذينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا...).

2- كأن: قال تعالى: (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ).

3- مثل: قال تعالى: (قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ...).

الملاحظ أن التشبيه الأوّل (كسراب بقيعة...) قد اعتمد أداة (الكاف) حيث شبه عمل الكافر بـ(السراب) الذي هو عبارة عن (شعاع) يتصوّره الرائي ماءً، ومعنى هذا أن الرائي أو الظمآن قد تصوّر خطأً بأن ما هو شعاع هو الماء، كذلك الكافر: قد تصوّر خطأً بأن عمله في الدنيا نافع له في الحياة الآخرة،... فالعنصر المشترك بين الطرفين هو (التصوّر المخطئ) الذي يجسد درجة مألوفة أو متوسّطة من التشابه بين عمل الكافر والسراب.

ولكن حينما نتّجه إلى التشبيه الثّاني (إنّها ترمي بشرر كالقصر، كأنّه جمالت صفر) نجد أن هذا التشبيه قد اعتمد أداتين هما (الكاف، وكأنه) وهذا الاختلاف بين الأداتين يفصح عن وجود فارق بينهما، بخاصّة أن الطرف الأوّل من التشبيهين هو (الشرر) حيث شبّه مرّة بأداة (كأن)، مما يعني أنّ الفارق بينهما هو في درجة تبيين أوجه الشبه،... لقد شبّه الشرر بالقصر.. وهو البنيان العظيم من خلال أداة (الكاف) لأنّ الشَّرر في ضخامته يشبه (البنيان) في ضخامته أيضاً، وهذه الدرجة المألوفة أو المتوسط من التشابه... ولكنه شبه الشرر في الجملة الثانية بالناقة الصفراء من خلال الأداة (كأن)، مشيراً بذلك إلى التشابه بين اللونين: لون الشرر الذي يجمع بين الصفرة والسواد ولون الناقة الصفراء التي تجمع بين الصفرة والسواد. إلا أن الملاحظة أن التشابه بين اللونين لون الشرر والناقة ليس بقوة ودرجة التشابه بين حجم الشرر وحجم البنيان،... ولذلك استخدمت الأداة (كأن) بدرجة أقل من المتوسط، في حيث استخدمت الأداة (الكاف) بدرجة مألوفة هي المتوسط من التشابه؛ كما لحظنا.

أما إذا اتجهنا إلى الأداة الثالثة (مثل) للحظنا أن درجة التشابه بين مواراة الغراب للقتيل ومواراة ابن آدم لأخيه: تفوق وتتجاوز المعدل الوسط من التشابه...، إن المواراة هي عملية مشتركة بين طرفي التشبيه بنحو لا تختلف مادة إحداهما عن الأخرى... فالشرر هو من مادة تختلف عن البنيان القائم على الحجر والحديد ونحوهما، كما أنه يختلف طرفي ال اللون الذي يفرق بين الشرر والناقة، بينهما نجد في عملية المواراة لجسدٍ الميتٍ، عنصراً متماثلا ًهو: دفن الجسد البشري والحيواني كليهما تحت الأرض، لذلك جاءت الأداة (مثل) ذات درجة عالية في رصد أوجه التماثل بين مواراة الإنسان والطائر، بل إن كلمة (مثل) تفصح عن الفارق بينهما وبين التشابه، فأنت حينما تقارن بين تفاحتين متقاربتين أو متساويتين في اللون، تقول: (هذه مثلُ تلك). لكن إذا كان لون إحداهما مشابها لأخرى كما لو كان أحد اللونين أقل أو أكثر صفرة أو حمرة أو بياضاً من الآخر، تقول حينئذ: (هذه كتلك أو كأنّها) حسب درجة التفاوت في ذلك، بالنحو الذي أوضحناه.

أما العبارات التي تقوم مقام الأداة، فتمثل في جملة من الأسماء والأفعال التي تعطي نفس الدلالة التي تعطيها الأداة أو ما يقاربها، وهذا من نحو عبارة (بمنزلة) وهي (اسم) حيث تقوم مقام الأداة مثل: قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام):

1- (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) حيث أن عبارة (بمنزلة) تعطي نفس الدلالة التي تعطيها عبارة (مثل) كما هو واضح.

ويعد استخدام المصدر لوجه الشبه من نحو قوله تعالى: (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) نموذجاً للعبارة التي تقوم مقام الأداة (مثل)، نظراً لتماثل الشرب بين الطرفين: كما هو بيّن. وهذا عن استخدام المصدر مجرداً عن أداة التشبيه. لكن إذا استخدمت الأداة (الكاف) نستكشف حينئذٍ أن درجة التشبيه هي دون الدرجة التي تعنيها (مثل)... وهذا من نحو قوله تعالى: (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) حيث أن استخدام الأداة ـ مضافاً إلى ما يقوم مكانها وهو المصدر ـ يعني أن النص يستهدف درجة من التشبيه لا تصل إلى (المثل) بل: الأقل أو الأكثر منه، فالنص قد استهدف تشبيه غليان المهل بغليان الماء الشديد الحرارة، ولا شك أن شدة الحرارة في نار جهنم أكثر من الماء الحار الذي شبه به، ولكن بما أن درجة التشابه لا تصل إلى المثل بل إلى ما هو مألوف أو متوسط من التشابه، متماثلاً في أداة الكاف التي لحظناها.

ومن العبارات التي تقوم مقام الأداة عبارة (حسب) - وهي فعل حيث تقوم مقام الأداة (كأن).

قال تعالى:

2- (إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) حيث أن (حَسِبَ) تعطي معنى الظن والتخيل اللذين يجسدان الدرجة الأقل من (المتوسط)، فتكون بذلك مماثلة الأداة (كأن): كما أوضحنا... ويدلنا على ذلك: استخدام القرآن الكريم لهذا الجانب حيث استخدام (كأن) في جميع التشبيهات المرتبطة بالحور والولدان دون أن يستخدم أداة (الكاف أو مثل) إلا في مورد واحد هو (كأمثال اللؤلؤ المكنون) حيث جاءت (الكاف) مقترنة بـ(مَثََل) فيما سنوضح سر ذلك فيما بعد، وخلا ذلك، فأن أداة (كأن) استخدمت في تشبيه الحور والولدان باللؤلؤ والياقوت ونحوهما مثل: (كأنهم لؤلؤ مكنون) (كأنهن بيض مكنون) (كأنهن الياقوت) حيث تستخلص من هذه النماذج أن (حسب) تقوم مقام الأداة (كأن) ما دامت قد استخدمت في التشبيه (حسبتهم لؤلؤا منثوراً) بنفس الاستخدام الذي تم بالنسبة إلى الأداة (كأن) في موارد تشبيه الحور والولدان باللؤلؤ والياقوت: كما لحظنا.

3- وأما العبارة التي تقوم الأداة مقام الأداة (الكاف) فيتمثل استخدامها في ألفاظ تعطي معنى (المشابهة) مثل: (يشبه) ونحوها، وهي ألفاظ قد تقوم أيضاً مقام الأداتين (كأن ومثل) ولكنها ـ في الغالب ـ تظل إلى التعبير العلمي أو العادي أقرب منها إلى التعبير الفني، لأن تصريحنا بأن هذا الشيء (يشبه) ذلك الشيء هو كلام تقريري مباشر وليس تركيباً يعتمد إحداث علاقة بين شيئين؛ كما هو واضح.

الأدوات والعلاقات بالتفاوت والتضاد

1-التشبه والتفاوت

إذا كانت أدوات التشبيه وعبارته التي تقوم مكانها تختلف كل واحدة عن الأخرى في رصدها لنسب التشبيه، فإن هناك نمطين من العبارات التي تنظر إلى طرفي التشبيه من خلال كون أحدهما (أعلى) أو (أدنى) من الآخر، وليس من خلال نسبة التشابه... وهذا من نحو قوله تعالى (لما هو أعلى من الطرف الآخر): (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) (إِنْ هُمْ إِلأَكَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً).

ومن نحو قوله (عليه السلام) لما هو أدنى من الطرف الآخر:

(وأن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها).

ففي النمط (الأعلى) من التشبيه، نجد أن الطرف الأول (أكثر) فاعليه من الطرف الآخر، فقساوة اليهود (أشد) من الحجارة، والكفار (أضل) من الأنعام. وفي النمط الأدنى، من التشبيه، نجد أن الطرف الأول (أقلّ) فاعلية من الطرف الآخر، حيث أن هوان الدنيا أقل من هوان الجراد.