المادة: البلاغة
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 013.doc

الإسهاب والاقتصاد

إنّ كلاً من الإسهاب والاقتصاد له علاقته بكلٍّ من التفصيل والإجمال. فالإجمال هو صياغة العبارة (المقتصدة) التي تقتصد في التعبير.

أمّا التفصيل فهو: الإسهاب في شرح أو تحليل الظاهرة.

إلاّ أنّ فارقاً بين كل من القاعدتين البلاغّيتين ومقابلهما، لأنّ الإجمال قد يتمّ بعبارات كثيرة وكلمات غير محدّدة، والتفصيل قد يتمّ بعبارات قليلة ولكنّها محدّدة للشيء، ولذلك، فإنّ الاقتصاد والإسهاب يختلفان ـ من هذه الجهة ـ عن التفصيل والإجمال.

وفي ضوء هذه الحقيقة، يمكن أن نعرّفهما بما يلي:

1- الاقتصاد: هو طرح الموضوع بعبارات قليلة مضغوطة.

2- الإسهاب: هو طرح الموضوع بعبارات كثيرة ومتكرّرة.

ولكلٍّ مسوّغاته:

فللاقتصاد مسوّغاته، لأنّ البلاغَة ـ كما عرّفها الإمام الصادق (عليه السلام) ـ تعني:

التعبير عن الشيء بأقل ما يمكن من العبارات.

وهذا هو الأصل في التعبير...

إلاّ أنّ بعض الموضوعات تتطلّب عدم الاقتصاد، بل العكس من ذلك تماماً، أنّها تتطلّب مزيداً من التوضيح ومزيداً من التكرار؛ لغرض تعميقها في الأذهان وجعلها مؤثّرة على المتلقِّي.

ومن أمثلة الاقتصاد قوله (عليه السلام) عن النساء: (فإنّهنَّ ضعيفات القوى والأنفس والعقول) حيث لا يمكن تحليل شخصيّة المرأة إلاّ من خلال سماتها الثلاث: (الجسم، النفس، العقل) بحيث إذا اقتصر على إحدى السّمات أو الاثنتين يظلُّ التحليل ناقصاً، نظراً لضعفهنّ الجسمي، ولعدم النضج النفسي، ولعدم الاكتمال العقلي، فهذه السمات الثلاث هي استقطاب لكل سمات المرأة... يُضاف إلى ذلك، أنّه لا يمكن استقطاب السّمات السلبيّة جميعاً إلاّ من خلال عبارة واحدة هي (ضعيفات) لأنّها تلخّص جميع التفصيلات المرتبطة بحالاتها الجسمية وحالاتها النفسيّة وحالاتها العقليّة، وهي حالات تتطلّب كتابة عشرات الصفحات لتوضيح الضعف لديهنّ، بينا اقتصد الإمام (عليه السلام) في التعبير وجعله مضغوطاً في عبارة (الضعف) وعبارة (الأنفس والعقول والقوى)..

وأما أمثلة الإسهاب فيمكن ملاحظة ذلك في قوله (عليه السلام) أيضاً (في رسالة إلى ولده (عليه السلام): (إلى المولود المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام، ورهينة الأيام، ورمية المصائب، وعبد الدنيا، وتاجر الغرور، وغريم المنايا، وأسير الموت، وحليف الهموم، وقرين الأحزان، ونصب الآفات، وصريع الشهوات، وخليفة الأموات). فهنا نلاحظ أنّه (عليه السلام) قد أسهب في تحليله لظاهرة الإنسان وعلاقته بالحياة وما تنطوي عليه، فأورد عبارات من نحو: (هلك) (المنايا) (الموت) (الأموات)، حيث تدور العبارات جميعاً على ظاهرة (الموت).

وأورد عبارات من نحو: (المصائب) (الآفات) (الهموم) (الأحزان) حيث تدور جميعاً على ظاهرة (شدائد الحياة).

وبالرغم من أنّ كل واحدة من هذه العبارات المتجانسة تحمل دلالة دقيقة تفترق عن الأخرى وهذا هو أحد أسرار بلاغته (عليه السلام) إلا أنّها إسهاب لظواهر متجانسة، يستهدف منها (عليه السلام) تعميق دلالة الحياة في ذهن الإنسان حتى يحمله على تعديل سلوكه حيال الحياة ويشوّقه إلى التقوى؛ كما هو واضح.

إذن، لكل من الاقتصاد والإسهاب مسوّغاته الفنيّة، بالنحو الذي ذكرناه.

ملاحظة: ينبغي لفت النظر إلى أن لكل من الاقتصاد والإسهاب حدّاً إذا تُجوّز حينئذٍ يفتقد بلاغته.

فالاقتصاد إذا بلغ حدّه، تحوّل إلى كلام مخلّ ناقص لا يحقق هدفه المطلوب.

والإسهاب إذا بلغ حده، تحوّل إلى حشو وفضول وزوائد لا فائدة منها.

الإثبات والنفي

الحقائق التي يُستهدف طرحها في النص الأدبي، إما أن تكون (مثبتة) أو (منفيّة) أو متأرجحة بينهما، ومن ثمّ، فإنّ ما هو مثبت فيها إما أن نستهدف توكيد إثباته، أو التحفّظ حياله، وكذلك ما هو منفي منها... لذلك، فإن الموضوعات التي نطرحها ـ في ضوء الحقائق المذكورة ـ تقترن بجملة من المبادئ البلاغية مثل (التوكيد) (الحصر) (الاستثناء) (الاستدراك) إلى آخره، فإذا أردنا إثبات حقيقة من الحقائق أو نفيها، حينئذ إما أن نطرحها بنحوها المألوف مثل (اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ...) حيث تضمّن وجود صفة (الصمد) ونفي الأخرى (الولادة) وإما نطرحها في سياق آخر هو (التوكيد) مثلاً، نحو (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) حيث استخدمت أداة توكيديّة رئيسة (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) وأداة ثانوية هي (الحصر) نحو (إنما يخشى...) والأمر كذلك بالنسبة إلى النفي مثل (هيهات هيهات) ومثل (لن) التأبيديّة.. حيث إن التكرار والتأبيد يفيدان توكيداً للشيء.

لكن إذا أردنا أن ننفي شيئاً في سياق ما هو موجود، أو إثبات شيء في سياق ما هو منفي، أو التوكيد على السياق المذكور، حينئذ نستخدم أدوات بلاغيّة خاصة كالاستثناء والاستدراك مثل (قُمِ اللَّيْلَ إِلأَقَلِيلاً) ومثل (وَما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ)، حيث نفينا النوم في سياق الإثبات وهو القيام، وحيث أثبتنا الرسالة في سياق النفي لما عداه، ومثل (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) و(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ...) حيث نفينا البصر في سياق إثبات القرب، وأثبتنا الرسالة في سياق النفي للأبوّة..(1).

إن هذه الأدوات تجسّد نوعاً متأرجحاً أو متحفّظاً حيال الإثبات والنفي، فقوله مثلاً: (ما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ) يتضمن توكيد الشيء ونفياً لشيء آخر، إلا أنها جاءت في سياق خاص هو التأرجح أو التحفّظ حيال ذلك. فالآية الأولى حينما أثبتت رسالة محمد (صلى الله عليه وآله) من خلال النفي لسواه، والأخيرة حينما تنفي أبوّة محمد (صلى الله عليه وآله) لأحد من خلال الإثبات لرسالته. إنّما تؤرجح أو تتحفّظ حيال أحدها. إنّها تتحفظ في أنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) أب لأحد من خلال تأرجحها بين نفي الأبوّة وإثبات الرسالة.

والمهم أن كلا من توكيد الإثبات أو النفي والتأرجح يقترن، كما قلنا بأدوات بلاغيّة تكسب النص جماليّة على نحو ما نبدأ بتفصيله الآن. ونبدأ بالحديث عن:

التوكيد

قاعدة بلاغية عامة، تندرج ضمنها قواعد ومبادئ بلاغيّة ثانوية متنوّعة مثل التكرار، التقديم القصر، إلى آخره.

لكن بما أن قسماً من هذه المبادئ عرضنا لها في حقول سابقة أو نعرضها لها لاحقاً، وبما أن قسماً آخر منها ينحصر في نطاق العبارة: مثل لام التوكيد... إلخ حينئذ نقتصر في الحديث على ما هو أشدّ أهمية من غيره مثل عنصر (التكرار) ونكتفي بالنسبة إلى سائر أشكاله ـ بالإشارة إليها فحسب.

 مستوياته:

إن مستويات التوكيد تتمثل في صياغته وفقاً لما يلي:

1- الأدوات: ونعني بها الحروف أو ما يشبّه بها من الأدوات التي تفيد التوكيد مثل: لام التوكيد، نوني التوكيد، قد، حروف التنبيه (إلا، ها، إلى آخره) (إنّ) بنمطيها، إلى آخره.

2- العبارات: ونعني بها الألفاظ المفردة التي تفيد التوكيد مثل (كل، جميع، نفس، إلى آخره) ومثل ضمائر الفصل، مثل قوله تعالى: (اسْكُنْ أَنْتَ...).

3- المفهومات: ونعني بها المفهومات العامّة التي تفيد التوكيد، مثل (التقديم) (التكرار) إلى آخره.

وتتميز (المفهومات) عن (الأدوات والعبارات) بكونها تتجاوز نطاق العبارة والجملة لتنسحب على المقطع أو النص بأكمله، أي أنّ النص بأكمله قد يعتمد على عنصر (التوكيد) مثل سورة الرحمن والمرسلات وغيرهما في توكيدهما على ظاهرة معيّنة تستغرق السورة بأكملها، ممثّلة في عبارات من نحو (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ونحو (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

 التوكيد والتداخل

ويلاحظ بعامّة، أن التوكيد بمستوياته الثلاثة قد يعتمد مفهوماً أو أداة أو عبارة واحدة، وقد يتجاوزها إلى أكثر حسب متطلبات السياق، فقوله تعالى مثلاً: (تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) تعتمد ثلاثة عناصر من التوكيد هي (القسم، إنّ، اللام) ومثل (أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ؟) حيث اعتمدت ثلاثة عناصر أيضاً هي (إنّ، اللام، الضمير) ومثل (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) حيث تضمّنت توكيدين، وهكذا...

كما أن التوكيد (في قسمه الثالث بخاصّة) يعتمد مستويات متنوّعة من التداخل بين أقسامه على نحو ما سنعرض له عند حديثنا عن القسم الأخير.

التوكيد وظاهرة التكرار

قلنا إن التوكيد ـ في نمطه الثالث (أي المفهومات) يتميّز بأهميّة خاصّة هي كونه يتجاوز نطاق العبارة أو الجملة لينسحب على جزء أو مقطع من النص، أو ينسحب على النصّ بأكمله. وهو ما لحظنا بعض أقسامه في ظاهرة (التقديم والتأخير)، وما نبدأ بملاحظته الآن بالنسبة إلى واحد من أهم أقسامه التي تتسم بأهميّة بلاغيّة كبيرة، ألا وهي عنصر (التكرار). وهذا ما ندرجه ضمن عنوان:

التكرار

التكرار ظاهرة فنيّة تعني الآداب الحديثة به بشكل خاص، انطلاقاً من الحقيقة النفسيّة العامّة التي تذهب إلى أن تعلّم السلوك يعتمد - في أحد عناصره - على التكرار، حيث أنّ الفن بدوره ينبغي أن يفيد من هذا الجانب، فيستخدم عنصر التكرار في مواقف معيّنة لتثبيت الغرض الذي يستهدفه النص في نفس المتلقّي.

أما إسلامياً، فإنّ استخدام عنصر التكرار يظلّ ملحوظاً في النصوص. كما أنّه يستخدم مستوياته وصياغاته المتنوّعة التي يتناولها العنصر المذكور في صعيد العبارة والجملة والمقطع والنص بأكمله، بما هو ممتع ومدهش من الزاوية البلاغيّة؛ تبعاً للسياق الذي يفرض نمط المستوى والصياغة.

ويحسن بنا أن نتحدّث عن عنصر التكرار من زاويتين:

1- صياغته.

2- مستوياته.

ونبدأ بالحديث عن: 

 صياغته:

الصياغة التي يتم بها التكرار تتحدّد وفق ما يلي:

1- التكرار اللفظي:

وهو قسمان، أحدهما: عام لا يتحدّد في صياغة معيّنة، والآخر: خاص.

1- الصياغة العامة:

ويقصد بها تكرار كلمات بأعيانها، مثل قوله (عليه السلام): (الحذر، الحذر، أيها المستمع، والجدّ الجدّ أيها الغافل).

وهذا النمط على ثلاثة أقسام:

ـ أن تتحد العبارات المتكرّرة (الحذر، الحذر) لفظاً... كالنموذج المتقدّم.

ـ أن تتّحد دلالةً، مثل قوله تعالى: (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ).

ـ أن تتفاوت صيغةً، مثل قوله تعالى: (أَلا للهِ الدِّينُ الْخالِصُ)، وقوله تعالى: (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)، حيث تفاوتت صيغ (الإخلاص) المتكررة.

والأنماط المشار إليها تتم على شكلين:

1-التكرار المتعاقب، مثل (الحذر، الحذر) و(كلّهم أجمعون).

2- التكرار غير المتعاقب، مثل (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) حيث لا ترد هذه الآية المتكرّرة متعاقبة، بل ترد بشكل منفصل عن بعضها وفق بناء له خطوطه الهندسيّة التي نعرض لها في حينه.

2- الصياغة الخاصّة:

ويقصد بها التكرار لأدوات نحويّة خاصّة، كالعطف مثلاً أو الشرط أو التقسيم... إلخ، وهذا نحو قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى).

فهنا تكرّرت الأدوات (أمّا) (من) مرتين كما لحظنا، أو تكرّرها ثلاث مرات كما في قوله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).

ففي هذين النصّين نجد أن طبيعة الأداة الشرطية (من)، والأداة التفصيلية (أمّا) فرضت النماذج المتقدمة من التكرار.

2- التكرار الدلالي

ويقصد به تكرار الموضوعات وليس الألفاظ، سواء أكانت هذه الموضوعات مقترنة بألفاظ متكرّرة أو غير مقترنة بها، وهذا من نحو ظاهرة (الإماتة والإحياء)، حيث تكرّر طرح هذا الموضوع في مواقع كثيرة من سورة البقرة، ممثّلاً في قصص ذبح البقرة، وتقطيع الطيور الأربعة وإحيائها، وإماتة أحدهم مائة سنة وإحيائه، وإماتة الذين قال الله تعالى لهم موتوا ثم أحياهم، ومناقشة إبراهيم (عليه السلام) مع أحدهم الذي زعم أنّه يحيي ويميت... إلخ. فهذه القصص جميعاً تعرض لموضوع متكرّر هو (الإماتة) ثم (الإحياء). فـ(التكرار) يرتبط بالموضوعات؛ بغض النظر عن الألفاظ المعبّرة عنها.

ما تقدّم يتّصل بـ(صياغة) التكرار...

أما ما يتّصل بـ(مستوياته) فنعرض له ضمن عنوان:

 مستوياته:

بالنسبة إلى المستويات التي يتم التكرار من خلالها، يظلّ حافلاً بأهميّة كبيرة في ميدان التعبير البلاغي، نظراً لكونها تتعرّض إلى التكرار ـ ليس من خلال الجملة أو العبارة فحسب ـ بل تتجاوز ذلك إلى تناولها للمقطع أو النصّ بأكمله: كما قلنا. ويمكن ـ في البدء ـ أن نقرّر بأنّ مستويات التكرار تتمّ بصورة عامّة من خلال نمطين:

1- التكرار الجزئي:

ويقصد به تكرار العبارة أو الجملة، متمثلاً في بعض النماذج التي تقدمت الإشارة إليها، مثل (الحذر، الحذر) (كلّهم أجمعون).

2- التكرار الكلّي:

ويقصد به أن يتم التكرار في مواقع متنوّعة من النص، بعضها خاص بالمقطع الواحد أو الأكثر، وبعضها يتم من خلال النص بأكمله، إلا أنّه في الحالتين نجد أن التكرار يخضع لوحدة عضويّة بين أجزائه المتكرّرة. لذلك يمكننا أن نشطر هذا النمط من التكرار إلى قسمين:

1- التكرار الموضعي:

ويقصد به ـ كما قلنا ـ أن يتم التكرار في جزء خاص من النص، ولكنّه يرتبط عضوياً بين أجزائه المتكرّرة... وهذا مثل موضوع (الإماتة والإحياء) حيث تكرّر في مواقع متفرّقة من سورة البقرة، ولكنّه يرتبط عضوياً فيما بينه وبين السياقات التي ورد من خلالها التكرار في أجزاء خاصّة من السورة الكريمة.

2-التكرار الشامل:

ويقصد به ـ كما قلنا ـ أن يتم التكرار من خلال النص بأكمله، وهذا ما نلحظه في سورة (الرحمن) مثلاً، حيث تكرّرت آية (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) في جميع السورة، لتشكّل رافداً تصبّ فيه موضوعات السورة جميعاً. والأمر كذلك بالنسبة إلى سورة (المرسلات) حيث جاءت الآية (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) متكرّرة في جميع أجزاء السورة الكريمة، لتشكّلك بدورها رافداً تلتقي عنده موضوعات السورة جميعاً... ولسوف نجد مزيداً من التفصيلات التي توضّح المسوّغات الفنيّة لهذا التكرار، عندما نتحدث عن (العنصر البنائي) للنص إن شاء الله.

ـــــــــــــــ

الهامش

(1)- سنوضّح لاحقاً أن أدوات من نحو (لكن) (بل) تشكل أدوات (استدراك) خلافاً لما يراه البلاغيون والنحويون.