المادة: علوم القرآن
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 07.doc

نواصل حديثنا عن القرآن الكريم من حيث علومه وتاريخه حيث تحدثنا في محاضراتنا السابقة عن ظاهرة الوحي أولاً من حيث أنماطه أي أشكاله الأربعة التي يتم الوحي من خلالها ونعني بها الوحي المباشر والوحي بواسطة ملك والوحي من خلال التكليم والوحي من خلال الرؤية وأن هذه الأنماط الأربعة تتم من خلال الوحي القرآني من جانب والوحي من غير القرآني من جانب وأن الوحي القرآني المتمثل في نمطيه المباشر الوسائطي من قبل الملك هو من الأمور الواضحة فيما تحدثنا عن ذلك مفصلاً في حينه وانتقلنا من بعد ذلك إلى الحديث عن كيفية الوحي أي من حيث كونه وحياً نزل متفرقاً أو بالإضافة إلى ذلك نزل جملة وأثبتنا في حينه أن القرآن الكريم نزل جملة ونزل متفرقاً بالنحو الذي أوضحناه آنئذٍ. وانتقلنا بعد ذلك إلى موضوع ثالث من علوم القرآن الكريم وتاريخه ألا وهو الطريقة التي جمع بها القرآن الكريم من حيث ترتيب سوره ومن حيث ترتيب آياته وقد أجلنا الحديث عن ترتيب آياته لأسباب أوضحناها في حينه وتقدمنا بالحديث عن جمع القرآن الكريم من خلال سوره وقلنا أن التفاوت في وجهات النظر يظل من الملاحظ بنحو يجعل الباحث غير مطمئناً إلى هذا الاتجاه أو ذاك بيد إن ما وصلنا إليه في حينه أن تصريح الإمام علي (عليه السلام) بأن القرآن الكريم الموجود بين أيدينا هو حجة علينا وأن الآثار الشرعية تترتب عليه حينئذٍ لأن اليقين يسبق طريقه إلى قلوبنا من خلال هذا التصريح وانتقلنا بعد ذلك إلى الموضوع الرابع والمتصل بالأهمية بدوره ألا وهو موضوع القراءات أو القراءة القرآنية الكريمة ومما لا شك فيه أن القرآن نزل لكي نقرأه من جانب ونتدبر دلالاته من جانب آخر لذلك فإن القراءة تأخذ مساحة كبيرة من الأهمية من حيث ضبطها دون أدنى شك بيد أن الملاحظ أن القراءة بدورها تحررت لوجهات نظر مختلفة من قبل الباحثين حتى أنهم لم يستطيعوا أن يحسموا الموقف بوضوح في هذا الجانب تماماً كما لوحظ عدم الحسم بالنسبة إلى طريقة جمع القرآن الكريم وترتيب سوره.

بيد أن المهم هو الآن أن نتابع حديثنا عن هذا الجانب وأعني به الموضوع الرابع من موضوعات علوم القرآن الكريم وتاريخه وهو موضوع القراءات وهذا ما يجرنا إلى أن نستعيد بعض ما حدثناكم عنه في المحاضرة السابقة حتى نصل بينها وبين ما نريد الآن أن نتحدث عنه لعلكم لاحظتم في المحاضرة السابقة ما توفر عليه الباحثون من الحديث عن كيفية جمع القرآن الكريم وعن الكيفية التي تم توثيق المصاحف من خلال ذلك  في عصر الحاكم الثالث بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد كان الرأي السائد في حينه هو أن التوحيد للمصاحف تم في عهد الثالث وذلك من خلال توحيد القراءة لا أقل وهذا موضع إجماع غالبية الباحثين وإلا فإن الحديث عن ترتيب سور القرآن الكريم وعن جمع هذه السور أو جمع القرآن بنحو عام يظل موضع تفاوت كبير بين الباحثين حيث لاحظتم في حينه أن بعضاً منهم ذهب إلى أن جمع القرآن الكريم  وترتيب سوره تم في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذهب نفر آخر إلى أنه تم في عصر الحاكم الأول وذهب نمط آخر إلى أنه تم في عصر الحاكم الثاني وذهب آخرون إلى أنه تم في الأعصر الثلاثة وذهب غيرهم إلا أنه تم في الأعصر الأربعة وذهب غيرهم أيضاً إلى أنه تم في عصر الثالث فحسب.

ولكن بالنسبة إلى توحيد المصاحف من حيث القراءة فإن الإجماع وشبه ذلك يتوفر إلى أن الثالث قد اطلع إلى توحيد القراءات وذلك من خلال تأليفه لجنة تقوم على ملاحظة المصاحف وتوحيد القراءات حيث قلنا في حينه أن الموجب أو المسوغ لتوحيد هذه المصاحف هو ما لوحظ من الاختلافات بين القراء سواءً أكانت هذه الاختلافات ملاحظة داخلة في المدينة أو كانت خارج ذلك هذا عصر الرواية القائلة بأنه في عصر الحاكم الثالث وصل إلى سمعه هذا الاختلاف بين القراء حتى حمله ذلك أن يقول لهم بما مؤداه أنتم تختلفون عندي فيكف بمن نأى عن عصرنا وهذا ما حدث بالفعل عندما جاء أحدث الأشخاص وهو حذيفة الذي كان يغازي أرمينية في بلاد الشام حيث لاحظ هناك أيضاً اختلافات واسعة بين القراء وأيضاً لاحظ عند عودته إلى الكوفة لاحظ الاختلاف ذاته وهكذا بالنسبة إلى سائر الأمصار حيث أن الاختلاف بلغ ذروته بالقراءة حتى وصل الأمر إلى أن يكفر بعضهم الآخر بقراءته وهذا ما جعل الصحابة يذهبون إلى الحاكم الثالث ويطلبون منه التوفر على توحيد المصاحف وهو ما تم بالفعل بالنحو الذي حدثناكم عنه في المحاضرة السابقة.

ولكن كما قلنا أن هذا التوحيد للمصاحف إذا كان قد اقترن بإجماع أو شبه إجماع بين الباحثين فإنه من الجانب الآخر يظل أمراً مشكوكاً فيه بالقياس إلى باحثين آخرين يرون أن كل شيء قدتم قبل هذا العصر أي أنه قد تم  في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن بغض النظر عن ذلك كله وفي ضوء التصريح الصادر عن الإمام علي (عليه السلام) بأن القرآن الكريم الذي وصل إلى عهد الثالث أنه حجة علينا حينئذ لا نعتقد أن البحث عن هذا الجانب يحمل ضرورة كبيرة ما دام القرآن الكريم بنحوه المتقدم يجسد حجة علينا وهذا وارد.

بيد أننا أردنا في الواقع أن نشايع علماء القرآن الكريم بالنسبة إلى متابعة الأحاديث المرتبطة بعلومه وفي تاريخه وفي مقدمة ذلك كما قلنا القراءات حتى يقف الطالب على تفصيل من هذا الأمر إنما نود الآن أن نلفت النظر إليه بعد هذه المقدمة التي استعدنا بها ما حدثناكم عنه في المحاضرات السابقة نقول إننا نود أن نلفت النظر في ذلك إلى نقطة مهمة جداً هي أن الاتجاه الذاهب إلى أن التوحيد المصاحف من خلال توحيد القراءة تم في عصر عثمان نقول أن هذه الوجهة من النظر تظل مقرونة بملاحظة  جد مهمة ألا وهي إجماع المؤرخين أو الباحثين على أن اختلاف القراءات قد بدأ بعد هذا العصر أيضاً بل ذهب البعض إلى أن هذا العصر أي عصر الثالث أيضاً وكبروا اختلاف في القراءة على الرغم من أن لجنة توحيد المصاحف قد اطلعت بهذا التوحيد  فما هو الدلالة على ذلك كله؟ الدلالة على ذلك كله هو ما ستلاحظونه من نشوء قراءات يطلق على بعضها القراءات السبع ويطلق على بعضها الآخر القراءات العشر ويطلق على بعضها الثالث ما يفوق العشر قراءات الخ. وستلاحظون مدى التضارب بين وجهات النظر في هذه القراءات من حيث التقديس لها حيناً ومن حيث رفضها حيناً آخر حتى وصل الأمر إلى أن البعض يربط بين هذه القراءات وبين حديث مشهور وارد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن القرآن نزل على سبعة أحرف نقول إن التقديس لهذا الجانب بلغ درجة أن يربط بين القراءات السبع مثلاً وبين الحديث المذكور وعلى العكس من ذلك تماماً نجد اتجاهاً آخر يرمي هذه القراءات بالسقوط ويتهمها بشتى الاتهامات المرتبطة بتجريح القراء أنفسهم  ..الخ.

نقول كل هذا التضارب في وجهات النظر يقتادنا إلى أن نسلط شيئاً من الإنارة على هذا الجانب من القراءات وفي مقدمة ذلك أن نتحدث أولاً عن الزعم الذاهب إلى أن القراءة وحدت بالفعل في عصر الحاكم الثالث بشكل تام بيد أن كثيراً من الباحثين يشككون في هذا الأمر ليس في توحيد المصاحف من حيث القراءة بشكل عام بل من حيث الخلل الذي واكب هذا النمط من النشاط المرتبط بتأليف أو توحيد المصاحف.

فالباحثون يرون أن هذه المصاحف التي وحدت قد واكبها اختلاف في القراءات بحيث أن الحاكم الثالث عندما رفعت إليه المصاحف قال أرى أن بهذه لحناً سيقومه حينئذ القراء فيما بعد مما يعني أن توحيد المصاحف قد واكبه أولاً نقص في أكثر من جانب ومنه هذا الجانب المتصل بلحن قراءة أو بلحن القرآن في بعض مواضعه هذا من جانب من جانب آخر يقول المؤرخون إن لجنة توحيد المصاحف كانت تتعامل بشكل متفاوت في إملاءها وكتابتها للقرآن الكريم حيث كانت اللغة التي يكتب بها القرآن الكريم متفاوتة أيضاً وذلك لجملة أسباب منها أن النقط والتشكيل في القرآن الكريم لم يكن له وجود آنئذٍ لذلك فإن اللجنة كانت مثلاً عندما تكتب العبارة القرآنية تكتبها بشكل خال من النقط ومن التشكيل مما يجعل القارئ فيما بعد متردداً في مقصوده  من هذه الكلمة أو تلك هذا من جانب ومن جانب آخر يعلل بعض الباحثين ذلك بأن العبارة القرآنية الكريمة التي تثبت بهذا الشكل الخالي من النقاط والتشكيل يسوغ هؤلاء ذلك بقولهم إن الرسم بهذا النمط الذي يرشح القارئ بأن يقرأ كلمة مثل فتبينوا أن يقرأها فتثبتوا أيضاً كل ذلك جعل النسخ العبارة القرآنية مقروناً بما له مسوغاته لوجود نص من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه قرأت بهما جميعاً أو أنه أكثر من قارئ قرأ بهما فلم يعترض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك.

ومن جانب ثالث يرى الباحثون أن بعض العبارات التي تقترن بما يطلق عليه بالتواتر ونحن نخالف بطبيعة الحال أمثلة هذا القول ولكننا نعرضه فحسب حيث يقول هذا النمط الثالث من الاتجاهات يقول أن بعض العبارات القرآنية الكريمة التي تحتمل أكثر من وجه تكتب أو ترسم بنمطين من الرسم ويستشهدون في هذا المقام بجملة نصوص ومنها ما ورد بالآية الكريمة القائلة (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب) حيث ورد في رسم آخر بعبارة وأوصى أي بالهمز وليس بالتضعيف.

وأخيراً يذهب هؤلاء إلى أن عثمان كان يرسل مع كل نسخة من المصاحف إلى هذا المصر أو ذاك كان يرسل قارئاً توافق قراءته قراءة ذلك المصر ومن المعلوم أنه بعث إلى خمسة أمصار هي المدينة وهي المصحف الخاص له ثم إلى كل من الشام والبصرة والكوفة ومكة وسنعرض فيما بعد إن شاء الله سبحانه وتعالى إلى هذه الظاهرة ونعقب عليها بما يتناسب مع الموقف إلا أننا عاودنا أن نشير الآن فحسب إلى أن هذا النمط من الرسم القرآني الكريم الذي اقترن بتفاوت كما لاحظتم بهذه العبارة أو تلك لنرى كيف أثره بالنسبة إلى الاختلاف الملحوظ بين القراء بالنحو الذي سنفصل الحديث عنه لاحقاً إن شاء الله تعالى.

ولعل الربط بين القراءات وبين الحديث المعروف الذي قرأناه وتحدثنا عنه في المحاضرة السابقة ونعني به الحديث النبوي القائل أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف حيث لاحظتم في حينه كيف ربط البعض بين هذه الأحرف السبعة وبين القراءات السبع بالشكل الذي سنوضحه أيضاً ولكن في حينه عقبنا على ذلك قائلين أن وجهات النظر أيضاً ظلت متفاوتة قبالة هذا الحديث حيث فسره البعض أن المقصود من الأوجه السبعة هي الأوجه القراءتية وفسر بعضهم أن المقصود من ذلك هو البعد الدلالي وفسر البعض الآخر منهم أن المقصود من ذلك هو البعد الأسلوبي حيث ناقشنا هذه المسائل في حينه وانتهينا إلى أن كل واحدة من هذه الاتجاهات يقترن بالإصابة في حالة ما إذا جمعنا بينها جميعاً وقلنا إن بعض النصوص كانت ناظرة إلى القراءة وبعضها كان ناظراً إلى الدلالة ونقصد بالدلالة ما ظهر من الإشارة إلى أن القرآن نزل على سبعة أحرف كل واحد لها بطن أو تأويل خاص وأما النمط الثالث فهو النمط الأسلوبي التي أشارت إليه أيضاً بعض الروايات القائلة أن القرآن نزل على سبعة أحرف قصص مثل جدل ...الخ.

وانتهينا من ذلك كله إلى أن الحديث القائل إلى أن القرآن نزل على سبعة أحرف إنما يعني ذلك أن قسماً منه نزل دلالياً وقسماً منه نزل لغوياً وقسماً منه نزل أسلوبياً أما الأسلوب فيتمثل في الأسلوب القصصي والجدلي وإلى آخره وأما الدلالي فيتضمن المصطلح الذي حدثناكم عنه في حينه وهو أن النص يحتمل عدة تفسيرات أو عدة تأويلات أي ما عبر عنه المعصوم (عليه السلام) بقوله أنه يشتمل على بطون من التأويلات يعرفها الإمام (عليه السلام) فحسب.

وأما فيما يتصل بالقراءة فقد ورد أكثر من نص يشير إلى هذا المعنى وهو أن القرآن الكريم لوحظ في قراءته مستويات من الأشخاص الذين يمثلون عجزاً كالعجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والأمي إلى آخره حيث يفسر نزول القرآن بسبعة أحرف أنه تيسير بهذه المستويات أو الأنماط من الشخوص.

كما فسر البعض الأخر ذلك باللهجات المختلفة التي كان العرب عليها آنئذٍ متفاوتين وهو أمر ما نزال نلحظه بطبيعة الحال حتى الآن في مختلف مجتمعاتنا وإن كان ذلك متفاوتاً عن السابق. المهم إن هذا الاتجاه المسوغ أو المفسر للقرآن بأنه نزل على سبعة أحرف أيضاً هذا الاتجاه لا يمكننا أن نقول بقراءة الوحدة لجملة أسباب أوضحناها في حينه ونضيف ونكرر ذلك الآن نظرا لأهمية هذا الجانب فنقول إن اللهجات أو اللغات التي كان العرب عليها آنئذٍ تبلغ العشرات دون أدنى شك.

فقد ورد مثلاً عن أحد المؤرخين قوله أن القرآن الكريم فيه خمسون لغة مثل لغة قريش والخزرج وقيس وجهرم واليمن وتميم وحمير ومدين وحضرموت والعمالقة وغسان ومذحج و..و..الخ. والأمر نفسه بالنسبة إلى اللهجات التي كانت تطبع مجتمعات العرب آنئذ وهذا من حيث المجتمعات العربية.

أما من حيث المجتمعات الأجنبية أو الأعجمية فهناك من غير العربية كما يشير المؤرخون لغة الفرس والحبشة والبربر والسرياينة والعبرانية والقبط.. الخ. فليقرأ مثلاً الكتب الموروثة التي أورثت لهذه الجوانب كالإتقان وسواه يجد نماذج متنوعة يستشهد بها هؤلاء من النصوص القرآنية الكريمة ومقارنتها بهذه اللغات واللهجات عربية وأجنبية أيضاً.

وهذا كله يستاقنا إلى أن نردد ما رددناه سابقاً من أن نزول القرآن بسبعة أحرف واستخلاص ذلك لغوياً يظل أيضاً مصحوباً بشيء من التشكيك في هذا الأمر إلا في حالة واحدة هي سبق أن أوضحناها أيضاً ونعني بها أن مصطلح السبع إنما هو مجرد رمز للكثرة وليست تحديداً إحصائياً لهذا الجانب ولكن هذا القول أيضاً بتعارض مع ما لاحظناه من تفسير السبع بالنصوص القائلة بأنه يتضمن دلالياً سبعة أنماط من التفسير أو التأويل أو النص القائل بأنه يتضمن سبعة أساليب قصصية وجدلية و..و.. الخ. ومع ذلك كله يمكننا أن نشير في نهاية المطاف إلى أن ثمة من المؤرخين ما يحدد بأن المقصود من السبع لغات هي لغات عامة وليست اللغات الفرعية التي تتوزع القبائل العربية آنئذٍ ولعل هذا القول يتسم بشيء من الصحة إذا أخذنا بنظر الاعتبار بأن ثمة لغات رئيسة جاء القرآن الكريم بها في مختلف نصوصه الكريمة.

وبهذا الاحتمال يمكننا أن نتجنب جملة إشكاليات وعودة على الذهاب إلا أن المقصود بسبعة أحرف سبعة قراءات من ذلك مثلاً ما قلناه سابقاً أيضاً ألا وهو أن ثمة حديث واضحا يقرر بجلاء أن القرآن الكريم نزل بحرف أو بلغة واحدة أو أن القرآن الكريم نزل واحداً من عند الواحد وإنما الاختلاف جاء من قبل الرواة فهذا الحديث يوضح بجلاء كما قلنا أن لغة القرآن الكريم هي اللغة واحدة وان القراء هم الذين أوجدوا هذا الاختلاف في القراءة هذا من جانب.

ومن جانب آخر هناك إشكالية أيضاً هذه الإشكالية تنسحب على من يذهب من أن المقصود من ذلك هو اللهجات وليست اللغات هنا أيضاً لا يمكننا أن نحل هذا الإشكال إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن اللهجات لا وجود لها في القرآن وذلك على سبيل المثال ورد أن بعض اللهجات تقرأ بدلاً من حتى حين تقرأها حتى حين هل يعقل أن القرآن الكريم نزل بهذه اللغة كلا نعم يمكن الذهاب إلى أن الإسلام سمح لأمثلة هؤلاء الأشخاص العاجزين عن أن يتحدثوا بلغة سليمة أو اعتادوا على أن يتحدثوا بهذه اللهجات من الممكن أن تقبل قراءتهم من القرآن الكريم أي تقبل قراءتهم ولا يعني ذلك أن القرآن نزل بلغتهم وهذا فارق كبير بين أن نقول أن الأجنبي مثلاً يسمح له بأن يقرأ وفق لهجته أما أن القرآن نزل وفق لهجته فهذا ما لا يمكن أن يقول به أحد البتة.

وفي هذا السياق يمكن أن يلحق بما تقدم ما يصطلح عليه بمجموعة من الظواهر المتصلة بالإمالة والفتح والإدغام والإظهار والإخفاء و الإقلاب والرم والإشمام.. و..الخ. مما يتحدث عنه المعنيون بهذا الشأن حيث ذلك كله جميعاً يظل مرتبطاً بطبيعة القارئ وليس بطبيعة النص القرآني الكريم الذي نزل واحداً من عند الواحد بالشكل الذي قلناه.

وقبل أن نختم حديثنا عن جانب نزول القرآن بسبعة أحرف قبل أن نختم الحديث عن هذا الجانب حيث أشرنا إلى أن القرآن الكريم كنص شريف وأن القراءة والسماع لهذه القراءة بأن تقرأ بهذا النحو أو ذاك شيء آخر ولكن في هذا السياق ينبغي أن نذكر أن المشرع الإسلامي حينما يسمح لهذا النمط أو لذلك النمط من الأشخاص الذين يعجزون عن القراءة بالشكل المطلوب عندما يرخص لهؤلاء بأمثلة هذا الترخيص حينئذ ينبغي أن نفرق بالواقع بين ترخيص يعذر به صاحبه وبين ما يذهب إليه  البعض من الباحثين بأن مطلق اللهجات واللغات مسموح بها.

نقول ثمة فارق بين هذا النمطين من الذهاب أو الترخيص حيث أن البشر جميعاً من حيث مخارج الحروف يتماثلون في قدرتهم على إخراج الحرف بالشكل الذي يتلاءم مع جهاز الفم وفق ما هو معروف عند اللغويين لذلك فإن التلفظ بحرف ما لا يصعب في الواقع على شخص دون آخر عربي كان أو أجنبي كل ما في الأمر أن العاهة اللسانية هي التي يعذر فيها الإنسان ولذلك ورد الحديث القائل بأن شين بلال هي سين لأن بلالاً كان يعاني من عاهة لسانية لا يستطيع من خلالها أن يتلفظ بحرف السين أما أن ينسحب هذا على مطلق الأشخاص بمجرد أنهم تعودوا على أن يتلفظوا هذا الحرف بشكل غير ما هو مناسب إلى مخارجه فأمر ينبغي التردد فيه دون أدنى شك.

من هنا فإن الترخيص العام الوارد عن المعصومين (عليه السلام) وهو التصريح القائل بأن القرآن نزل من واحد وبلغة واحدة نقول إن هذا التصريح قد قرنه المعصومون (عليه السلام) بحادثة اختلاف القراء حيث قالوا وإنما جاء الاختلاف من قبل الرواد فاقرؤوا كما علمتم. إذاً القراءة كما علمنا هي محل الترخيص الذي ورد في النصوص التي أشرنا إليها.

والآن نكتفي بالحديث عن الأحرف السبعة ونواصل الكلام بالنسبة إلى موضوع القراءات والاختلاف المترتب عليها حيث بدأنا في الحديث عن ذلك بالمحاضرة السابقة حيث قلنا أننا نتابع الحديث الآن عن هذا الجانب على أن نعبر فموضوع الحروف السبعة لنتحدث عن القراءة بنحوها المطلق وما واكبها من الاختلاف وانسحاب ذلك على قراءاتنا وهذا ما نبدأ به الآن فنقول:

يلاحظ أن الاختلاف في القراءات بدأ في الواقع في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذاته وليس كما يرى بعض الباحثين أو غالبيتهم أن الاختلاف في القراءة بدأ في مراحل متأخرة للأسباب التي ذكرت ومنها الأسباب التي يشير إليها المؤرخون أيضاً وهي دخول العنصر الأعجمي إلى الإسلام أيضاً وانسحاب ذلك على حدوث الاختلاف بالقراءة وما إلى ذلك.

نقول إن الاختلاف الواقع بدأ في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدلنا على ذلك من جانب أن اللغات العربية آنئذٍ واللهجات العربية آنئذٍ أيضاً كما لاحظتم قبل قليل هذه اللغات هي متفاوتة في طبيعة الحال حيث أنها تجاوزت العشرات كما صرح ذلك المؤرخون سواء أكانت في نطاق اللغة أو في نطاق اللهجة المهم إن ملاحظة هذا الاختلاف في القراءات ورد في نصوص متنوعة يشير المؤرخون منها على سبيل المثال أن جماعة جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقرأ كل واحد منها قراءة خاصة فأقرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جميعاً وهناك رواية تشير إلى أن أحدهم ذهب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال أقرأني ابن مسعود بكذا وأقراني أبي كذا وأقرأني  ثالث بكذا ..الخ. فأقر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القراءات جميعاً وهذا يعني أن التصريح الصادر منه (صلى الله عليه وآله وسلم) اقرأوا القرآن كما علمتم يعني هذا حتى مع فرضية الذهاب إلى أن القائل بأن القرآن نزل على سبعة أحرف والإجابة عن ذلك بأنه نزل بواحد من عند الواحد نقول حتى مع هذه الفرضية التي حدثت متأخراً فإن مجرد اقرأه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذا القارئ أو ذاك بقراءة متفاوتة عن القارئ الآخر كل ذلك يدلنا على أن مسألة أن نقرأ القرآن كما علمنا مسألة متفق عليها ولا مجال لأحد أن يشكك بذلك البتة وهو أمر يتوافق تماماً وما ألح المعصومون (عليه السلام) على هذا الجانب حينما قرروا بأن نقرأ كما علمتم حيث ورد هذا الحديث على لسان أكثر من معصوم (عليه السلام).

والآن إذا أدركنا أن الاختلاف في القراءة أمر له مسوغاته وأننا ينبغي أن نقرأ كما علمنا هل يعني ذلك أن أية قراءة علمناها يتعين علينا أن نلتزم بها وتصبح حجة شرعية علينا بطبيعة الحال كلا لأكثر من سبب وهو أن مسألة القراءة ذاتها تظل مقرونة بشيء من الضبابية وبشيء من الغموض لأن المسألة ليست مسألة لهجة فحسب أو مسألة لغة من اللغات السبع التي أشار المؤرخون إليها قديما بل المسألة هي أن نتبين بوضوح بعد أن نقرأ تاريخ القراءات وما واكبها من أحاديث متنوعة ومن تطويرات ومن مزاعم أيضاً حيث أن الكثير من القراءات تراها متسمة بالشذوذ مما يعني أن ثمة معياراً ينبغي أن نلتزم به في هذا النطاق فمثلاً سنرى كما نحدثكم إن شاء الله في محاضراتنا اللاحقة أن بعض المؤرخين أو المعنيين بالشأن القرآني الكريم يذكرون لنا على سبيل المثال أن الاختلاف في القراءة قد يجيء أو قد ينحصر في عدد أو رقم معين من ذلك مثلاً الاختلاف في إعراب الكلمة فحسب كما لو ورد قوله تعالى ويأمرون الناس بالبخل أو أن تقرأ بالبخل ففي مثل هذه الحالة نجد أن الاختلاف في إعراب الكلمة يفترق عن الاختلاف مثلاً في قوله تعالى إذ تلقونه بألسنتكم او تلقونه بتشديد التاء من حيث أن المعنى سوف يتفاوت تماماً بين القراءة الأولى وبين القراءة الثانية بينا لا يختلف بالنسبة إلى القراءة الأولى فسواء أقلنا البخل أو البَخل فإن المعنى يظل واحداً وهذا بعكس الآية القرآنية الثانية التي قرأناها عليكم.

وهناك نمط ثالث من الاختلاف مثلاً وهو عبارة فيقتلون ويقتلون مقابل عبارة فيقتلون ويقتلون فمع أن هاتين العبارتين إحداهما مبنية للمجهول حينئذٍ فإن تقديم أحدهما على الآخر يغير المعنى الدقيق دون أدنى شك صحيح من حيث المعنى العام لا نجد فارقاً بين تقديم الأولى والثانية ولكن من حيث العنصر البلاغي الدقيق التي يتسم به إعجاز القرآن الكريم نجد أن تقديم هذه العبارة على الأخرى أو تلك على سابقتها ينسحب على صياغة المعنى والدلالة أيضاً وهذا أمر له أهميته في ميدان الإعجاز القرآني الكريم.

أما في نحو القراءات التي يتصاعد بها الشذوذ لدرجة أن تبدل كلمة بأخرى فهذا ممالا يحتاج إلى التعقيب حيث ينبغي أن تحضر أية قراءة تسمح بمثل ذلك وهذا يعني بأن المقولة الواردة بأن اقرأوا كما علمتم ينبغي أن تخضع لمعيار محدد وهذا المعيار كما ذكرناه عابراً في محاضرة سابقة ونذكره عابراً الآن وقد نذكره مفصلاً في محاضرات لاحقة هذا المعيار هو التصريح الصادر عن الإمام علي (عليه السلام) بأن القرآن الكريم الذي وصل إلينا في عهده يظل حجة علينا ومن ثم أن الرواية الواردة عن حفص بقراءة أستاذه هو المنتهية في نهاية المطاف إلى الإمام علي (عليه السلام) أيضاً تظل هذه القراءة التي علمناها كما هو واضح.

على أي حال سنواصل الحديث إن شاء الله عن هذا الجانب في محاضرات لاحقة ونكتفي الآن بما قدمناه إليكم من الإشارات السريعة لهذا الجانب وإلى ذلك الحين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.