المادة: علوم القرآن
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 25.doc

لا نزال نتحدث عن القصة القرآنية الكريمة بصفتها نمطاً من الأنماط البلاغية التي توفر القرآن الكريم على صياغتها حيث قلنا أن الإعجاز القرآني الكريم الذي ظهر للمجتمع الإسلامي في ذلك العصر هو الإعجاز البلاغي دون سواه من أنماط الإعجاز الأخرى التي اكتشفها هذا الجيل أو ذلك بعد جيل زمن الرسالة.

المهم أن القصة القرآنية الكريمة التي حدثناكم عنها عبر أكثر من محاضرة منذ الآن فلم نحدثكم أيضاً عنها ولكن من زوايا أخرى حيث تحدثنا في السابق عن لغة القصة القرآنية الكريمة وتحدثنا عن البناء القصة القرآنية الكريمة أما الآن فنتحدث عن عناصر هذا البناء وفي مقدمة هذه العناصر ما يطلق عليه مصطلح الشخصية أو البطل في الاصطلاح الأرضي من حيث القصة طبيعياً أن ثمة عناصر متنوعة تنظم القصة هي الشخصية والحدث والموقف والبيئة وهذا التفصيل في الواقع يمس مادة القصة فحسب وان الأساليب التي تصاغ وفقها هذه القصة أو تلك فإنها أيضاً تشكل من زاوية أخرى عناصر تدخل في صياغة القصة على نحو ما نحدثكم عن ذلك في حينه إن شاء الله.

المهم نريد أن نواصل الآن حديثنا عن عناصر القصة متمثلة أولاً في عنصر الشخصية والسؤال هو أولاً ما المقصود بالشخصية المقصود بالشخصية هو العنصر البشري الذي يتحرك في هذه القصة أو تلك وطبيعياً عندما نقول العنصر البشري فلأن غالبية القصص تعتمد على هذا العنصر وإلا فإن قصصاً متنوعة في القرآن الكريم تنتظمها شخصيات أو عضويات من غير البشر كالعضوية الملائكية مثلاً والعضوية الحيوانية...الخ.

ومن هنا فإن الحديث عن الشخصية يظل متنوعاً تبعاً لنمط الشخصية التي تنتظم هذه القصة أو تلك وهذا التقسيم لمادة القصة يقسم إلى شخصية وواقعة وموقف وبيئة إنما يظل تقسيماً يرتبط بطبيعة الحياة التي يتحرك فيها هذا البطل أو ذلك أو لنقل هذه الشخصية أو تلك فكل واحد منها على سبيل المثال يجسد شخصية بطبيعة الحال وكل منا يتحرك في مكان أو زمان خاص وهذا هو البيئة وكل منا تقع له بعض الحوادث وكل منا تقع منه المواقف وتصدر في الواقع المواقع والفارق بين الموقف والحديث أن الحدث هو ظاهرة مادية والموقف هو ظاهرة نفسية ومثاله على سبيل المثال عندما يسافر شخص من مدينة إلى أخرى فإن السفر يجسد حادثة ولكن عندما يتمتع ببهجة السفر فإن هذا التمتع هو في الواقع موقف.

إذاً الشخصية والحدث والموقف والبيئة تظل عناصر متآزرة فيما بينها ولكن نجد في حالات معينة أن طابع الشخصية يطغى على الحديث أو البيئة أو الموقف ونجد حيناً آخر أن الموقف والطاغي حيناً ثالث أن البيئة هي الطاغي وهكذا ولكن لا يعني أن كل واحد من هذه العناصر ينفصل عن العنصر الآخر إلا في حالات نادرة جداً حيث تتمحض القصة الواحد من العناصر المشار إليها.

المهم نعود الآن إلى الشخصية ونقول في صددها إن الحديث عن الشخصية عبر الصياغة القصصية يظل متسماً بأهمية كبير حيث أن الشخصية تعد هي المحور لكل حركة في الحياة إذا كنا نستهدف معنى الحركة التي تنتظم هذه القصة أو تلك وإلا فإن خلو القصة من حركة الشخوص يظل أمراً شبه ممتنع وأمراً باهتاً لا حيوية فيه إلا في نطاق محدود نشير إليه فيما بعد إن شاء الله من هنا نقول أن الشخصية تحتل أهم عنصر في الصياغة القصصية قديماً وحديثاً ولكن ينبغي أن نشير أيضاً إننا في سنواتنا المعاصرة بدأنا نلحظ جيلاً جديداً من القصص بخاصة قد أظهر هذا الجيل بعد الحرب العالمية الثانية وأصبح هذا الجيل ينظر إلى الشخصية من زاوية لا تكتسب نفس الأهمية التي كانت الأجيال السابقة تنظر إلى هذه الشخصية من خلالها هذا الجيل بطبيعة الحال قد يتسم ببعض موقفه بالصحة ويتسم بالجانب الآخر بالخطأ أما اتسام هذا الجيل بالصحة من جانب معين فلأن الحياة بطبيعة ما وصلت إليه في سنواتنا الحديثة والمعاصرة ونعني بذلك طغيان الطابع المادي وخلو الحياة من القيم ومرور المجتمعات المتنوعة بخيبة أمل أو بالأحرى مرور هذه المجتمعات بتجارب كالحرب العالمية الأولى مثلاً أو الحرب العالمية الثانية وما تلا ذلك من الحروب الباردة مثلاً التي كانت وما تزال تطبع المجتمعات الحديثة كل ذلك دفع هؤلاء القصصيون إلى أن يتحركوا من موقع جديد هو القلق والتمزق والتوتر واليأس من الحضارة ومن الإنسان أساساً حيث اتجهوا إلى التعامل مع الأشياء بدلاً من التعامل مع الشخصيات أي بدؤ وا يرون إلى أن الشخصية هي شخصية مهزوزة لا تستحق مثل هذا العناء الذي ترسمه القصص التقليدية ورأوا أن الأشياء المظهر بالطابع المادي الذي يطغى على المجتمعات المعاصرة فيرون أن هذه المادة هي التي تسير الإنسان ولذلك نجد هذا الجيل القصصي يتحدث عن الشيء أو يرسم الشيء بدلاً أن يرسم الشخصية ومن خلال هذا المنظار نقول أن من حق هذا الجيل أن يتحدث عن الشخصية بهذا النحو ومن الواقع هو ليس كذلك أن حيث ما يبتغي أن يرتب عليه من السلوك أساساً على تصرفات الشخصية معدومة الشخصية هي الأول والأخير في طبيعة تجربة الحياة من خلال التصور الإسلامي للحياة بطبيعة الحال ولذلك فإننا كإسلاميين نختلف عن الآخرين في تصورهم بهذا الجانب.

المهم أن هذا النمط من الأغراض عن الشخصية والتوجه نحو رسم الشخصية كي يظل في أحد مسوغاته ما لاحظناه قبل قليل أما من زاوية أخرى فإن أرسم للقصة من خلال طغيان عنصر الشيء بدلاً من طغيان عنصر الشخصية نقول هناك مسوغ آخر هو أن هؤلاء الحداثيين إذا صح التعبير إنما يستهدفون من وراء هذا التحول من رسوم الشخصية يستهدفون من ذلك من خلال جولة أخرى هدفاً آخر هو أن هذا التقسيم أو أن هذا التقديس للواقع في الشخصية لا يحمل مسوغاته بالشكل الذي وجوده في القصة الموروثة بخاصة حيث قدسوا الشخصية ورسموها وفق آلات مثيرة للإعجاب أو بالأحرى مثيرة للنظر بشكل يدع القصصيين إلى أن يتحدثوا عن الشخصيات شبه الأسطورية أو الشخصيات التي تتسم بسمات نادرة تبتعد عنها الواقع حتى تصل إلى النحو الأسطوري مثلاً.

المهم بغض النظر عن هذه الوجهات من النظر نقول ما دمنا نستهدف الإشارة إلى القصة القرآنية الكريمة من خلال توافقها على العنصر الشخصي من قول الهدف من ذلك هو أن نوضح الفارق بين تصور الأرضيين من الشخصية وبين تصور القصة القرآنية لها مع ملاحظة أنها عندما نقول أن القرآن الكريم إعجازي يتفاوت من حيث وجهة نظره على القصة الأرضية فلأننا من جانب آخر نقول أن القصة القرآنية هي فن إعجازي ترسم به النص القرآني الكريم كسائر عناصر الإعجاز البلاغي ليكن حجة على الآخرين بيد أن مجرد التفاوت وهذا هو ما تفضل الضرورة بطبيعة الحال إنه مجرد الضرورة بالتفاوت من وجهة القرآن الكريم وبين وجهة نظر البشر العادي إن هذا التفاوت بين وجهات النظر لا يعني أن ظاهرة الإعجاز البلاغي سوف تنهى من خارطة هذا الفن لمجرد التفاوت بين وجهات النظر لأن المهم هو عنصر الاشتراك متمثل في الظاهرة البلاغية أسلوبياً بخاصة فمثلاً عندما حدثناكم عن العنصر اللغوي في القرآن الكريم أننا قلنا أن القرآن الكريم يتجاوب بلاغياً مع ما هو مألوف بعصر زمن الرسالة ولكنه من جانب آخر يتمثل في إعجاز خاص يستقل وينفرد به.

إذاً ظاهرة الاستقلال والانفراد من جانب وظاهرة الاشتراك من جانب آخر لا تمثل هاتان الظاهرتان شيئاً يتعارض أحدهما تتعارض مع الأخرى فمثلاً إذا قلنا أن النثر في العصر الجاهلي أو في زمن القرآن الكريم كان يتوكأ على ثلاث ظواهر أو ثلاث ظواهر بلاغية هي السجع والتجانس والتوازن بين الجمل حينئذٍ نقول أن السجع والتجانس والتوازن يظل طابعاً واضحاً في القرآن الكريم فقوله تعالى في سدر مخضود وظل ممدود أو قوله تعالى وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناضرة هذه الأنماط من الصيغ التعبيرية تجسد الظواهر أو الطوابع المشار إليها فالسجع متمثلاً في تماثل الحرف الأخير في كل من كلمة سجع ونبع أو اناضر وناظرة أو ممدود منضود هذا التجانس في الحرف الأخير من الكلمة يمثل السجع والتجانس والى حرفين آخرين من غير الفاصلة أيضاً تجسد ظاهرة التجانس كحرفي الباء في نبأ وسبأ وهكذا بالنسبة إلى توازن الجمل حيث أن قوله تعالى في سبأ تتوازن هذه الجملة فيما بينها إذا ثمة اشتراك بلاغي بين هذه الطوابع التي لاحظناها ومن جانب آخر فإن الأسلوب الذي صيغت به هذه الظواهر الثلاث تظل متميزة بسمة التميز والتفرد كما هو واضح بحيث يعجز البشر بطبيعة الحال على الإتيان بمثل هذا الأسلوب من حيث الصياغة العامة وليس من حيث وجود الطوابع الخاصة التي أشرنا إليها.

المهم بغض النظر لم نعد إلى القصة القرآنية الكريمة فنقول إن القصة القرآنية الكريمة تمثل عنصراً بلاغياً يتوافق مع العناصر التي تنتظم مع القصة الأرضية ووجود شخصية وحدث وبيئة وموقف ووجود حوار وسرد ومن وجود حوار داخلي وخارجي ووجود للزمان وتقطيع لهذا الزمان بحسب الزمان النفسي والزمان الموضوعي إلى آخر ما هناك من طوابع فنية تسم القصة الأرضية تظل هذه العناصر مجسدة لطابع مشترك بين القصة القرآنية الكريمة وبين القصة الأرضية إلا انه في الوقت ذاته تظل الصياغة القرآنية الكريمة للقصة متميزة ومتفردة ولها معاييرها في الطابع الإجمالي والطابع الدلالي أيضاً فمثلاً كما سنرى بعد قليل وربما في المحاضرة اللاحقة إن شاء الله سنرى على سبيل المثال أن من جملة المبادئ القصصية الأرضية أو المبدأ الذاهب إلى أن أحب النص القصصي لا يحق له أن يتدخل في التعقيب على سلوك شخصياته بقدر ما ينبغي أن يصبح للشخصية لذلك تحدث هي ذاتها عما تخامرها من الأفكار أو عما يطبعها من السمات بينما نجد أن هذا المبدأ في الواقع من خلال القصة القرآنية الكريمة يظل مرفوضاً وذلك لسبب واضح هو أن صياغة القصة القرآنية الكريمة إنما تستهدف هدفاً خاصاً يظل هذا الهدف هو الأساس لكل عنصر تعبيري وتظل الوسائل الجمالية مجرد وسائل لتحقيق هذا الهدف.

من هنا فإن أية وسيلة تتطلع لتحقيق الهدف تظل حاملة مسوغها وهكذا ما يجعل التعقيب القرآني الكريم في كثير من القصص التي نستشهد إن شاء الله تعالى منها حينئذ سنوضح في حينه كيف أن هذا التدخل من القصة أو من صاحب القصة القرآنية الكريمة يفرض ضرورته للأسباب التي يوضحها فيما بعد إن شاء الله تعالى إذ يظل التوافق بين المنهج القصصي الأرضي مع المنهج القصصي للقرآن الكريم من جانب فارتضى وجوده لكنه من جانب آخر يظل التفاوت أيضاً فارضاً وجوده لأن الأساس هو ما يفصله القرآن الكريم من مبادئ وليس ما ترسمه القصة الأرضية لسبب واضح هو أن القصة الأرضية ما دامت تصدر عن البشر حينئذٍ فإن الخطأ الفني والفكري من الممكن أن يلحقها بعكس الصياغة القرآنية الكريمة التي تصدر من مبدع كال حيث يظل الفن الكامل أو بالأحرى يظل العنصر الجمالي الكامل والعنصر الدلالي الكامل هو الطابع للقصة القرآنية الكريمة.

المهم نعود من جديد لنتحدث عن عنصر الشخصية في القصة القرآنية الكريمة فنقول مع أن الشخصية الأرضية من جانب تمتلك الحق في أن تهمل الشخصية أو تركز على شيء للأسباب التي ذكرناها ولكن من جانب آخر قلنا أن رسو الشخصية يفرض ضرورته حتى لدى الأرضيين حتى في الاتجاهات القصصية الأخرى وفي هذا الميدان يمكن أن يتم التوافق بين نمطي القصة من خلال الإشارة إلى ظاهرة واحدة هي أننا عندما نشاهد أن بعض القصصيين عندما يحاولون تغييب الشيء على الشخصية فلأنهم في هذه الزاوية التي تتوافق مع النص القرآني الكريم يصدرون من النص الذاهب إلى ضعف الشخصية الإنسانية تتحقق يه الظواهر المادية فمثلاً بدلاً من أن يقول أقصوصة أن هذا البطل قد عدل عن الطريق وذهب إلى طريق آخر تقول القصة أن الطريق عدل بهذه الشخصية إلى طريق آخر أي هنالك فرق بين قولنا الشخصية عدلت عن طريقها وبين أن نقول الطريق عدل بالشخصية حينئذ في الحالة الأولى يكون زمام الأمر بيد الشخصية وأما الحالة الثانية يكون زمام الشخصية بيد الطريق أي أن الطريق جعل الشخصية مرغمة أن تسلك طريقاً آخر غير ما كانت ترغب بينما فالحالة الأولى نقول أن الشخصية هي التي اختارت الطريق وعدلت من الطريق السابق المهم في نطاق هذا التوافق حينئذ بين الاتجاهين الأرضي والقرآن الكريم من حيث صياغة الشخصية نقول من حيث الطابع يظل التوافق أمراً ملحوظاً في هذا الجانب ولكننا مع ذلك بغض النظر عن كل ما تقدم نود أن نتحدث عن صياغة القرآن الكريم للشخصية من خلال عنصر التفرد أو الاستقلال الذي يطبع الشخصية القرآنية الكريمة للشخص نفسه نتحدث بطبيعة الحال عن الطوابع المشتركة في هذا المجال ولعل أول ما يواجهنا في صياغة الشخصية قد تكون شخصية مفردة وقد تكون شخصية جماعية أي أن القصة قد تتحدث عن شخصية واحدة وقد تتحدث عن شخصيات متعددة والشخصية من زاوية أخرى قد تكون رئيسة تحوم الأحداث حولها جميعاً كقصة شخصية يوسف (عليه السلام) مثلاً وتكون هناك مقابلها كالشخصيات يعقوب والأخوة وامرأة العزيز وصاحبه السجن حيث تشترك هذه الشخصيات في أحداث ومواقف متنوعة إلى أنها تلقي بإدوارها على الشخصية الرئيس وتلعب دوراً ثم تختفي عن الأحداث والمواقف وتظل الشخصية الرئيسة هي المتحركة طول القصة كشخصية يوسف كما قلنا وهناك تقسيم آخر مقابل الشخصية المفردة والشخصية الجماعية تتمثل في الشخصية المحددة كشخصية يوسف نفسه والشخصية المبهمة أو بالأحرى الشخصية الجماعية المبهمة كشخصيات القصص التي تتحدث عن المجتمعات البائدة في قصص نوح وإبراهيم وما إلى ذلك من القصص التي تطرحها النصوص القرآنية الكريمة وهناك تقسيمات أخرى تتصل بالشخصية الثابتة والشخصية النامية أي الشخصية التي تأخذ منحة واحدة طوال حركة القصة مقابل الشخصية التي تأخذ شخصيات مختلفة أو الشخصية التي تظل من بداية القصة إلى نهايتها ذات طابع واحد في بعدها الإيديولوجي مثلاً أو الأخلاقي مقابل الشخصية التي تتقلب من حالة إلى أخرى فتكون في بداية القصة غيرها في نهاية القصة وهكذا هناك تقسيمات كثيرة جداً نجدها عند الحديث عن العنصر الشخصي أو عنصر البطل في القصة القرآنية الكريمة ومع أن هذه التقسيمات قد يراها الطالب من زاوية معينة أنها تتحدث عن القصة التقليدية ولكن في الواقع لا فرق البتة بين أحدث قصة يكتبها المعاصرين وبين القصة التقليدية في قسوتها وأقدم مستوياتها لأن المسألة تظل متصلة كما قلنا بالعناصر التي نود أن نشير إليها والتي تجسد مادة القصة وحينئذ فإن التقسيم سواء أكان تقسيما تقليدياً أو تقسيماً حديثاً لا قيمة له مقابل ما نود أن نتحدث عنه بالنسبة إلى القصة القرآنية الكريمة وما تستهدفه من إيصال دلالات خاصة من خلال الصياغة الجمالية البلاغية التي نود أن نشدد فيها ونؤكد عليها في محاضراتنا الخاصة بعلوم القرآن وتاريخه بالنسبة للشخصية الظاهرة الأولى التي تطرح في مجال البلاغة القصصية في صياغة الشخصية تتمثل أولا في أن كل قصة ينتظمها عدد نسبي من الأبطال أو الأشخاص فالحكاية مثلاً قد لا تتجاوز دائرة الشخص الواحد أو الشخصية الواحد والأقصوصة قد تتناول شخصيتين والحكاية يمكن أن تتناول ثلاثة أو أربعة...الخ.

وأما الراوية قد تتعدد فيها الشخصيات لتصل إلى العشرات والمهم العدد هو تحديد العدد يظل واحداً من الشروط البلاغية في حجم القصة ونوعها ولكن مع ذلك لا نعتقد أن المسألة هي بهذا الشكل فحسب بل إن السياق هو الذي يحدد عدد الشخصيات المطلوبة في هذه القصة أو تلك المهم أن النقطة الأولى التي نود أن نطرحها هو أن السياق هو الذي يحدد نمط الأشخاص ويحدد عددهم فمن حيث العدد لو وقفنا على سبيل المثال عند أول قصة قرآنية في سورة البقرة وهي قصة آدم (عليه السلام) لوجدنا أن هذه القصة تتضمن أربعة أبطال أو أربع شخصيات فحسب وهي شخصيات آدم والملائكة وإبليس وحواء وفي الواقع أن هذا العدد أي الأربع شخصيات فحسب دون سواها هو أدنى ما يتطلبه الموقف الذي تستهدف القصة القرآنية الكريمة فالقصة القرآنية الكريمة تستهدف لفت النظر للتجربة البشرية وما يطلق عليها مصطلح التجربة العبادية التي خلق الإنسان من أجلها حيث أن هذه الممارسة العبادية في الواقع تتطلب في البداية أن ينتظم هذا العدد من الأبطال الذي أن نحدثكم عنهم الآن فنقول أن آدم لا مناص من رسمه في القصة ما دام الأمر متصلاً بكونه أباً للبشرية وحواء أيضاً لا مناص من رسمها بصفتها تجسيداً للاتحاد بين كائنين يتوقف عليهما استمر التناسل البشري في العائلة وأما العنصر الثالث فهو العنصر الملائكي حيث كان رسمه ضرورياً أيضاً ما دام الموقف مرتبطاً بأول تجربة على الأرض حيث أن الملائكة وهم يبسطون علماً بما يستتبع هذه التجربة الأرضية من سفك دم وسواه حينئذ الملائكة بصفتها عنصراً واعياً لا تحدث الصراع بين الخير والشر بعكس البشر الذين ركبوا من العقل والشهوة حينئذ الملائكة مع إدراكها لهذا المعنى تتساءل عن السر الكامن وراء التجربة البشرية التي واكبها سفك الدم والإفساد كما هو منطوق القصة القرآنية الكريمة المشار إليها لكن مع ذلك كله أي مع كون الملائكة يمتلكون وعياً بالتجارب السابقة بما له ذلك الوعي أو المعرفة لذلك مع ذلك فإن رسمهم في هذه القصة هو ليس لإبراز هذا الجانب بل لإبراز جوانب أخرى تتسم بأهمية كبيرة نستطيع أن نسردها أو نعرضها وفق النقاط الآتية أولاً إن عملية المطالبة للملائكة بأن تسجد لآدم تظل تعبيراً له مغزاه.

المهم أولاً أن الكائن الآدمي عند الله سبحانه وتعالى في حالة نجاحه في ممارسة العمل العبادي يظل هو أكبر قيمة من الملائكة وهذا ما أوضحه الإمام علي (عليه السلام) في بعض نصوصه التربوية حيث يقرر (عليه السلام) قائلاً إن الله ركب في الملائكة عقلاً بلا شهوة وركب في البهائم شهوة بلا عقل وركب في نسب آدم كلتيهما فمن غلب عقله شهوته كان خيراً من الملائكة ومن غلبت شهوته عقله كان شراً من البهائم فهذا النص يحدد بوضوح أن الكائن البشري إذا أتيح أن يمارس وظيفته العبادية بالنحو المطلوب حينئذ يكون أفضل من الملائكة.

المهم إن عملية السجود لآدم (عليه السلام) من خلال عنصر الملائكة عنصر يمثل شخصي في القصة نقول هذا العنصر كان ضرورياً لأنه كشف عن هوية الكائن الآدمي الذي سجد ت الملائكة له حتى يتعرف دوره الخلافي الذي أوكل إليه ثانياً إن وجود هذه الشخصية الملائكية تكشف عن حجم المعرفة التي تمتلكها الملائكة في هذا الصدد صحيح إنها كانت على معرفة سابقة بتجربة خاصة على الأرض استهلت بسفك الدم لأن الله سبحانه وتعالى يظل وحده هو المحتفظ بالمعرفة المطلقة وإما كانت المعرفة التي تحدثت عنها الملائكة هي معركة محدودة لم تسمح لهم بأن يستكشفوا السر الكامن وراء الله سبحانه وتعالى للكائن الآدمي ثالثا كان رسم هذه الشخصية الملائكية مرتبطاً بأهم سمة تميز الإنسان عن غيره في تجربة الأرض حيث ارتبط وجود الملائكة بأحد العناصر التي استنزل العنصر البشري وترتب عليه الهبوط إلى الأرض ومن هنا نفهم ضرورة رسم الشخصية الرابعة ونعني بها شخصية إبليس بصفته الطرف الآخر من تجربة الإنسان في تجاذبه بين العقل والشهوة وبصفته الطرف الآخر من موقف الملائمة المتمثل بعملية السجود إذا عدد الأبطال في هذه القصة كان مرسوماً تستهدفه القصة من تجربة الخلافة الأرضية وملابساتها الذين أوضحناه وإذ نتجه إلى أقصوصة أخرى على سبيل الاتصال أقصوصة سليمان الواردة في سورة سبأ حيث تقول إن الله سبحانه وتعالى سخر لسليمان الريح ثم تقول:و من الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته...الخ.

إن هذه الأقصوصة أو الحكاية تتضمن ثلاث شخصيات أي شخصية بشرية هي سليمان (عليه السلام) وشخصية غيبية هي الجن وشخصية حيوانية هي دابة الأرض حيث أن لكل من هذه الشخصيات وظيفة أو بالأحرى إن ما تستهدف القصة أن تبرزه يتطلب هذه الشخصيات الثلاث أو هذا العدد من الشخصيات حيث يتصل شخصية الجن بتوضيح أن نعم الله سبحانه وتعالى إذا أسبغها سبحانه وتعالى على عبده فإنها تبلغ من السعة وهذا ما طلبه سليمان حينما قال في نص قصصي آخر أو حينما سأل الله أن يعطيه ملكا لم يعطه لأي أحد سواه نقول إن أعطى الملك من خلال تسخيره قوى غيبية بخلاف الشخصيات الأخرى إن هذا التسخير للقوى الغيبية يجسد تسويغاً واضحاً لأن يملك أو لأن يسلب لسليمان (عليه السلام) ملك متميز عن سواه بحيث أن الله سبحانه وتعالى سخر له عنصراً غير بشري أيضاً لإدارة هذا الملك وبالمقابل تماماً أرادت القصة أن توضح أن الله سبحانه وتعالى على ما يمنحه من سعة على هذا النحو حينئذ عندما توفي سليمان ما دل على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته وهي أصغر بالأحرى أذل حيوان غير موضوع في الحسبان البتة نجد مقابل التشخيص للجن إذ بالحيوان يستطيع أن يقضي على حياة سليمان المتسمة بذلك الملك الواسع.

إذاً هذه الشخصية الحيوانية وآية الأرض على ضآلتها كان لها تسويغ فني هو ملاحظة أن سعة والملك من دأبة وأن ما يقابل هذه السعة أو ما يقابل هذا الموقع الشخصي لسليمان (عليه السلام) فإن النهاية بالنحو الذي رسمته الأقصوصة المذكورة وإذ نتجه على سبيل المثال إلى القصص التي تتحدث عن الأنبياء (عليه السلام) والمجتمعات المنحرفة نجد أن هذه القصص لا تتجاوز شخصياتها الاثنتين شخصية النبي ذاته والشخصية الجماعية وهي الأمة المنحرفة قبالة ذلك مثلاً نجد أن قصة يوسف تتضمن عشر شخصيات ولهذا نفهم كيف أن القصة التي تتضمن شخصيتين مقابل المتضمنة عشر شخصيات هي أن طبيعة السياق فالتفكير بمصائر المنحرفين لا يستدعي أكثر من الاستشهاد بشخصية وبشخصية جماعية أي التي تباد لأنها لم تصنع الشخصية المرسلة من قبل الله.

وأما في قصة يوسف (عليه السلام) فإن أهدافاً متنوعة تتصل بالحسد وبالغيرة وبالصبر و...و... الخ. تجعل كل شخصية من هذه الشخصيات متطلعة بوظيفة خاصة تستهدفها القصة دون أدنى شك وسنوضح أدوار هذه الشخصيات إن شاء الله عندما نتحدث عن الشخصية الرئيسة في القصة والشخصيات الثانوية في القصة حيث تتطلع كل من هاتين الشخصيتين الى وظائف خاصة.

المهم بودنا أن نشير إلى أن صياغة القصة القرآنية الكريمة من خلال الشخصية تظل مرتبطة بنمط الهدف الذي تستهدفه القصة حيث تتطلب القصة أحيانا شخصيتين فحسب وقد تتجاوز كما لاحظنا في سورة يوسف قد تصل عشرة أشخاص وهكذا وهذا ما يستاقنا إلى أن نتحدث عن تنويع هذه الشخصيات في الفقرة الآتية عن الشخصيات وقد لاحظتم في قصة آدم تنوعاً للشخصيات كما لاحظتم في القصة التي تلتها ونعني بها قصة سليمان أيضاً تنويعا في الشخصيات فهناك شخصيات بشرية وهناك شخصيات ملائكية وهناك شخصيات حيوانية وهناك شخصيات مادية كالأجيال التي تردد أصوات داود وهكذا الحديث عن هذه الجوانب نتناوله إن شاء الله في محاضرة لاحقة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.