المادة: أصول الفقه 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon asol 07.doc

العناصر:

رأينا في ما تقدّمه: أنّ الجملة في المنطق ثلاثيّة العناصر فهي تتألّف من مسند، ومسند إليه، ورابطة.

ولكن هي في اللغة العربية ثنائية العناصر، إذ هي تتألّف - في رأي القدامى - من مسند، ومسند إليه، ويتمّ الربط فيها بين المسند والمسند إليه عن طريق الإسناد المفهوم من حاقّ النظم والتأليف.

وهذا الفرق بين القضيّة المنطقيّة والجملة العربية في تحديد أركان الجملة هو الفرق بين الجملة في اللغات الهندية - الأوربية واللغات السامية حيث تذهب الاُولى إلى التثليث، والثانية إلى الاثنينية.

يقول الدكتور أنيس في كتابه (من أسرار اللغة)(1): وتختلف الفصائل اللغوية في تحديد أركان الجملة، فبينما نرى أن الفصيلة الهندية - الأوروبية تشترط في الجملة - لتمام فائدتها - أن تشتمل على مسند ومسند إليه، ثمّ على فعل من أفعال الكينونة يربط بينهما، نرى الفصيلة السامية تكتفي بالمسند والمسند إليه.

وهذا الفرق يرجع إلى الواقع الاجتماعي للناطقين بتلك اللغة وما يدور فيه من عادات وتقاليد وأعراف.

أي أنّ هذا ليس شيئا أساسيّا في نظام اللغة ينبع من طبيعة اللغة باعتبارها لغة.

وإنّما الأساسي هو أنّ الجملة هي وحدة الكلام التي يعبّر الإنسان عبرها عن معنى تام يختلف عن معنى الكلمة، ولا تفيده الكلمة إلّا إذا تحوّلت إلى جملة.

أقول هذا لكي أُفرّق بين الجملة والكلمة، فالكلمة - ذات المعنى الأسمى - تعبّر عن معنى إذا استعملت منفردة لكنّه لا يرقى إلى مستوى معنى الجملة، لأنّ المعنى في الجملة ينبع من طبيعة الجملة بما هي جملة، فقد أقول: (محمّد) واُريد به الاسم الخاص فهو كلمة، وقد أقول: (محمّد) واُريد به المنادى فهو الجملة، ذلك أنّ طريقة أداء النداء والتي يعبّر عنها في لغة علم اللغة بالتنغيم - حوّلت كلمة (محمّد) من كلمة مفردة تعطي معنىً خاصّا، إلى جملة تعطي معنى آخر اُفيد من الجملة باعتبارها جملة نداء، وهو معنى المنادى.

ومن هنا ذهب اللغويون المحدثون في تعريف الجملة مذهبا آخر يختلف عن مذهب القدامى، ويعتمد الإبتعاد عن قياس الجملة اللغوية بمقاس القضيّة المنطقية.

وعلى أساسه حدّد الدكتور أنيس أركان الجملة بقوله: إنّ الجملة في أقصر صورها هي: أقلّ قدر من الكلام يفيد السامع معنى مستقلا، بنفسه سواء تركب هذا القدر من كلمة واحدة أو أكثر.

وعلى أساسه أيضا عرفت الجملة في معاجم المصطلحات اللغوية والأدبية الحديثة بمثل التعريف التالي:

)-معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب) لمؤلّفيه: مجدي وهبة وكامل المهندس (2): الجملة: إمّا تامّة، وإمّا غير تامّة.

فالتامّة: هي مجموعة من الكلمات تؤدّي معنىً كاملا.

وعند اللغويين المحدثين: هي الوحدة الكلامية المكتملة إكتمالا نحويا، والمؤلّفة من كلمة أو مجموعة كلمات يتّصل بعضها ببعض اتّصالا نحويا.

وسوف نعرف هذا أكثر في ما يليه من حديث عن أقسام الجملة.

أقسام الجملة:

وأيضا نبدأ - هنا - بتقسيم القضية المنطقية ثمّ ننتقل منه إلى تقسيم الجملة العربية، ليتسنّى لنا أن نقارن إن أمكنت المقارنة.

)تقسيم القضيّة):

يقسّم المنطقيون القضيّة إلى قسمين رئيسين هما: الحمليّة والشرطيّة.

1- القضيّة الحملية:

وعرّفوها بالتي يحكم فيها بثبوت شي‏ء لشي‏ء أو نفي شي‏ء عن شي‏ء، مثل: (زيد كريم) و (خالد ليس كريما).

وتتألّف القضيّة الحملية من ثلاثة عناصر، هي:

أ- الموضوع، ويقابله في الجملة العربية المسند إليه.

ب- المحمول، ويقابله في الجملة العربية المسند.

ج- النسبة، ويقابلها في الجملة العربية الأسناد.

ويعبّر عن النسبة أو الاسناد في القضية الحملية منطقيّا بلفظ يخصّه.

والشأن يختلف عنه في الجملة العربية فإنّه لا يعبّر عن الاسناد بلفظ يخصّه وإنّما يستغنى عنه بنظم الجملة وتأليفها.

2- الجملة الشرطية:

وعرّفوها بالقضيّة التي يحكم فيها بوجود نسبة بين قضيّة واُخرى، أو عدم وجود نسبة بينهما، مثل: (إذا أشرقت الشمس فالنهار موجود)، و (ليس كلّما دقّ الجرس فقد حان وقت الدرس.(

وتتألّف القضيّة الشرطية من ثلاثة عناصر هي:

1- المقدّم، ويقابله في الجملة العربية (الشرط).

2- التالي ويقابله في الجملة العربية (الجزاء).

3- الرابطة، وهي أداة الشرط في الجملية المنطقيّة والعربية.

 (تقسيم الجملة العربية(:

التقسيم القديم - وهو المشهور - للجملة العربية هو تقسيمها إلى قسمين رئيسيين، هما الاسمية والفعلية.

1- الجملة الإسمية:

هي المبدوءة - تحقيقا أو تقديرا - باسم: مثل (محمّد رسول اللَّه) و (إنّ محمّدا رسول اللَّه).

2- الجملة الفعليّة:

هي المبدوءة - تحقيقا أو تقديرا - بفعل، مثل (يكتب محمود درسه) و (لم يكتب مصطفى درسه).

وقسّمها ابن هشام الأنصاري (ت 761هـ) إلى ثلاثة أقسام: الاسمية والفعليّة والظرفيّة.

وعرّف الاسمية بالتي صدرها اسم، والفعليّة التي صدرها فعل، والظرفية: المصدرة بظرف أو مجرور، نحو (أعندك زيد) و (أفي الدار زيد) إذا قدرت( زيداً) فاعلا بالظرف والجار والمجرور، لا بالاستقرار المحذوف، ولا مبتدأ مخبرا عنه بهما، ومثّل الزمخشري لذلك بـ(في الدار) من قولك (زيد في الدار)، وهي مبني على أنّ الاستقرار المقدّر فعل لا اسم، وعلى أنّه حذف وحده وانتقل الضمير إلى الظرف بعد أن عمل فيه(3).

وذكر ابن هشام: أنّ الزمخشري وغيره زاد الجملة الشرطيّة، والصواب - كما يرى - أنّها من قبيل الفعليّة.

ومن الواضح - في ظلال ما ذكر - أنّ النحويين العرب القدامى تأثّروا، وبشكل واضح، بفكرتي الاسناد والتعليق المنطقيتين، فافترضوا عدم خروج الجملة من هذين الاطارين، وفي حالة الوقوف على جملة لا إسناد فيها لابدّ من التقدير أو التأويل.

ومن هنا:

لمّا رأى النحاة انّ قسما من الجمل في اللغة العربية لا يصدق عليه الإسناد ولا التعليق المستعاران من المنطق، فرضوا مبدأ التقدير لكي تطرد قاعدة الاسناد وقاعدة التعليق.. وكان الأولى بهم منهجيا، بل المفروض أن يقسّموا الجملة العربية وفق ما وقفوا عليه من أمثلتها وجزئياتها في كلام العرب، لا على أساس من قياسها على قسمة القضيّة المنطقيّة، وذلك للفرق الواضح بين المنطق واللغة، وهو أنّ قضايا المنطق لا تعكس واقعا لغويا، وإنّما تضع منهجا علميّا لصياغة الحكم القائم بين شيئين في القضيّة الحملية الذي ينتهي إليه الباحث في أيّة مسألة فكرية ليرتّب صورة استدلاله من أجل الوصول إلى النتيجة المطلوبة.. وبصياغة الارتباط القائم بين قضيتين (في القضيّة الشرطيّة) في أيّة مسألة، وأيضا ليرتّب صورة إستدلاله من أجل الوصول إلى المطلوب.

فالمنطق يضع أمامنا صورة الاستدلال ويترك لنا اختيار المادة التي تقولب بتلك الصورة من أيّة لغة من اللغات، ومن هنا عبّروا عن هذا المنطق بـ(المنطق الصوري) و (المنطق الشكلي)، ومن هنا أيضا كان هذا المنطق منهجا علميا عالميا.

وتوضيحا لذلك نقول: من طرق المنطق للاستدلال الصورة التالية:

 

 القضيّة الصغرى       القضيّة الكبرى

             -  + -

الموضوع المحمول      الموضوع المحمول

 )      وهو محمول الصغرى (

          = النتيجة

 الموضوع             المحمول

 )وهو موضوع الصغرى)   (وهو موضوع الكبرى(

ونحن إذا أردنا أن نستدلّ على فكرة ما أو شي‏ء ما، كما لو أردنا مثلا أن نستدلّ على حدوث العالم وانّه مخلوق، وليس بقديم، نقوم بدورنا باستعمال اللغة التي نتكلّمها أو التي نختارها ونرتّبها وفق هذه الصورة.. فنقول باللغة العربية:

العالم متغيّر + كلّ متغيّر حادث = العالم حادث

وباللغة الفارسية:

عالم متقلب أست + همه متقلب مخلوق أست = عالم مخلوق أست.

وباللغة الإنجليزية:

Is created The world is changeable + Every changeable is created = The world

وهكذا باللغات الاُخرى.

ومعنى هذا أنّ اللغة التي تستعمل مادّة لصور المنطق هي اللغة العلميّة، ومن الممكن قولبة أساليب اللغة العلميّة وفق متطلّبات الصور المنطقيّة، ولكن من غير الممكن قولبة اللغة الاجتماعيّة في تحاور أبناء المجتمع وفق قوانين المنطق لأنّها سابقة عليها، ولأنّها تخضع في وضع أساليبها وتطوّرها للسنن الاجتماعية لا للقوانين العلميّة.

فالنظر إلى اللغة بعيدة عن المنطق هو المنهج السليم لمعرفة اللغة كما هي وبطبيعتها ولو اتّبع النحاة في تعريف الجملة وتقسيمها المنهج المشار إليه لتخلّصنا من مشكلة التقدير الصناعي الذي جاءنا بسبب مقايسة الجملة العربية اللغوية على القضيّة المنطقية العلمية.

والتقسيم السليم - لأنّه مأخوذ من واقع أمثلة الجملة العربية - هو أنّ تقسّم الجملة العربية إلى ما يأتي:

1- الجملة الاسنادية.

2- الجملة الشرطية.

3- الجملة الظرفيّة.

4- الجملة البسيطة.

والجملة الاسنادية هي التي تشتمل على مسند إليه ومسند.

والجملة الشرطيّة هي التي تشتمل على شرط وجزاء.

والجملة الظرفيّة هي التي تشتمل على ظرف أو جار ومجرور بعدهما اسم.

والجملة البسيطة هي ما سوى الثلاث، فقد تشتمل على كلمة واحدة إسما أو فعلا أو خالفة، وقد تشتمل على أكثر إلا انّها لا إسناد فيها ولا تعليق ولا ظرفيّة، مثل: جملة النداء (محمّد) أو (يامحمّد) وجملة الأمر (استقم) وجملة التعجّب (ما أكرم زيدا) و (أكرم بزيد) وجملة التحذير (إيّاك والأسد).. والخ(4).

وظيفتها:

قلت: إنّ الجملة هي الوحدة الأساسيّة في منظومة الكلام.

والكلام - طويلا كان أو قصيرا - يحمل فكرة مرتسمة في ذهن المتكلّم أو الملقي يريد نقلها إلى الآخر عبر الجملة الواحدة أو مجموعة الجمل التي تؤلّف منظومة الكلام.

ومن هنا يكون لكلّ جملة دور في إبراز الفكرة إلى الخارج ونقلها من الملقي إلى المتلّقي.

ويرجع هذا إلى أنّ الحوار بين الملقي والمتلّقي مترابط الأجزاء بحيث يفسّر بعضها البعض، ويساعد بعضها على فهم البعض.

 

الكلام

التعريف:

- في المعجم:

يقال: كلّمه كلما - بالتخفيف -، جرحه جرحا.

ويقال: كلّمه تكليما - بالتشديد - وجّه الحديث إليه.

وتكلّم تكلّما - بالتشديد أيضا - نطق بالكلام.

ونظرة تحليليّة قصيرة لما ذكر تسلّمنا إلى انّ لمادة (ك. ل. م) معنيين:

أحدهما نفيده من الفعل المجرّد، وهو الجرح.

وثانيهما نفيده من الفعل المزيد، وهو النطق بالألفاظ المعبّرة عمّا في النفس أو الذهن.

والمعنى الثاني هو المقصود هنا.

وعلى أساس منه جاء في (المعجم الوسيط):الكلام - في أصل اللغة - الأصوات المفيدة.

وهذا يعني أنّ الكلام اسم جنس يطلق على الكلمة والكلمات، والجملة والجمل.

ولكن بشرط أن تكون ذات دلالة تامّة.

- في النحو:

وعرّفه الجرجاني بأنّه ما تضمّن كلمتين بالإسناد.

وأضاف إليه في (الهادي) قيد الإفادة، قال: وهو (يعني الكلام) ما تألّف من مسند ومسند إليه وأفاد.

وفي (معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب) عرّف الكلمة Wordوالكلام Speechبأنّهما التعبير عن الفكرة أو الشعور أو الإرادة بنظام من الأصوات والرموز الدالّة على معانٍ.

وما نريده - هنا - من الكلام: الجملة الواحدة المفيدة، ومجموعة الجمل المفيدة التي ينتظمها اُسلوب واحد، والتي يمكن أن نعبّر عنها بمنظومة الجمل المفيدة.

التأليف:

يتألّف الكلام - في ضوء تعريفنا له - من أصوات ذات دلالات وتتكوّن دلالة الكلام من:

1- معاني مواد المفردات.Lexicology

2- معاني هيئات المفردات ) Morphologyقواعد التصريف).

3- معاني هيئات الجمل ) Syntaxeقواعد النحو).

4- معاني هيئات الأساليب ) Stylistigueقواعد البلاغة(.

الوظيفة:

الكلام - عمليّا - هو استخدام الأصوات والرموز اللغوية وفق ما لها من قوانين وأنظمة.

واللغة - باعتبارها وسيلة اتّصال - يتوصّل بها المتكلّم إلى الغايات التالية:

1- الإبانة والإفصاح عمّا في ذهنه من أفكار، وما في نفسه من شعور، ومايعتمل في داخله من إرادة.

2- نقل الأفكار منه إلى الآخر.

فوظيفة الكلام هي نفسها وظيفة اللغة.

 

الهوامش:

(1)- من أسرار اللغة ص 276.

(2)- معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ص 78.

(3)- مغني اللبيب 492.

(4)- اُنظر: دراسات في الإعراب للمؤلف ص 134-136.