المادة: أصول الفقه 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon asol 33.doc

تعريفهما:

ولما أشرنا إليه أكثر من مرّة من أنّ أسماء المفاهيم المعنوية تؤخذ في مرحلة متأخّرة من أسماء الأعيان الماديّة، لوجه شبه بينهما، تمثّل هذا - هنا - في مفهوم الإطلاق، ففي لغتنا العربية: الإطلاق يعني الإرسال للحيوان من وثاقه أو الشدّ عليه، يقولون (أطلق الفارس عنان فرسه) أي أرسلها وترك لها الحرية في الجري.

ومنه أخذ معنى الإطلاق كمفهوم معنوي، فما كان من شأنه أن يقيّد ولم يقيّد فهو مطلق.

ومن هنا اشترط في المطلق ليكون مطلقا أن يتّصف بشأنيّة التقييد، أي فيه صلاحية التقييد - تماما - كالذي مرّ أن اشترط في العامّ أن يكون فيه صلاحيّة التخصيص.

ومن هنا عرف المطلق بالتعريف الشائع لديهم بأنّه (ما دلّ على شائع في جنسه).

والمقصود بالاسم الموصول (ما) من عبارة (ما دلّ) المعنى ولكن باعتباره موضوعا للحكم كالرقبة في قولنا (اعتق رقبة) فانّها لمّا اُخذت - في هذا المثال - بلا قيد موضوعا لوجوب العتق كانت مطلقة، وفي قولنا (اعتق رقبة مؤمنة) فإنّها لمّا اُخذت - في هذا المثال - موضوعا لوجوب العتق أيضا ولكن بقيد الإيمان كانت مقيّدة.

وعرّفه الآمدي – الأحكام(1) - بأنّه: اللفظ الدالّ على مدلول شائع في جنسه.

وعلى أساس من تعريفه بأنّه (اللفظ) لم يفرّق بين موضوع المطلق والمقيّد وموضوع العامّ والخاص، واعتبرهما موضوعا واحدا، قال: وإذا عرّف معنى المطلق والمقيّد، فكلّ ما ذكرناه في مخصّصات العموم من المتّفق عليه، والمختلف فيه، والمزيّف، والمختار، فهو بعينه جارٍ في تقييد المطلق، فعليك باعتباره، ونقله إلى هنا.

أمّا على أساس انّ الإطلاق والتقييد من شؤون المعنى فلابدّ من التفرقة بينهما وإعتبارهما موضوعين.

وهو - أعني الفرق - أنّ دلالة العموم على الشيوع هي بالوضع ودلالة الإطلاق هي بالقرينة.

والمراد بالجنس - في التعريف المذكور - مطلق ما يكون جامعا بين الحصص التي تصلح الحصّة المسمّاة بالمطلق للإنطباق عليها، فـ(زيد العالم) مطلق، لإنطباقه على زيد الشابّ والشيخ والفقير والغني(2).

فليس المراد به الجنس الذي هو مصطلح منطقي.

والمراد بالشيوع في الجنس شموله لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه(3).

وعرّف الشيخ مغنية (في اُصوله) المطلق ب ما دلّ على الماهيّة بلا قيد.

والمقيّد بخلاف المطلق ولذا عرّفوه في مقابل التعريف المشهور للمطلق بأنّه مادلّ لا على شائع في جنسه.

وكلّ هذه التعريفات وأمثالها ممّا ذكر في المقام تتحرّك داخل إطار الفكر الفلسفي بما حوّل - كما سنرى - هذا الموضوع اللغوي الاُصولي إلى موضوع فلسفي يدور في فلك الماهيّة وما يرتبط بها من شؤون، مع أنّ مفهوم الإطلاق والتقييد من أبرز وأوضح المفاهيم العرفيّة.

ولعلّ هذا الإلغاز الفلسفي الذي منيا به جاءهما من وضوحهما وضوحا حجب بينهما وبين أن يعرّفا التعريف العلمي بعيدا عن الفلسفة ومعطياتها.

فالإطلاق هو الإطلاق، والتقييد هو التقييد كما يفهمها الناس والاُصوليون ليس لهم إصطلاح خاص فيهما، وإنّما استوردوهما من العرف واللغة، وبما للإطلاق من معنى الشيوع والشمول، ويقابله التقييد مقابلة التخصيص للعموم.

ألفاظ المطلق:

يريدون بها تلك الأسماء التي يطلق عليها لفظ المطلق، والذي ذكروه منها أربع مفردات، هي: اسم الجنس وعلم الجنس والنكرة المطلقة والمفرد المعرّف بأل.

(اسم الجنس):

تقدّم أن عرّفنا اسم الجنس في موضوع (ألفاظ العموم) بما عرّفه به النحّاة العرب، وبما عرّفه به علماء الاُصول من خلال ما أفادوه من تعريف الفلسفة له باعتباره يدلّ على الماهية، على اختلاف في تعيين الماهيّة التي يطلق عليها اسم الجنس:

- هل هي الماهية المطلقة (أي لا بشرط شي‏ء).

- أو الماهية مع وحدة لا بعينها.

والفرق في نقطة البحث بينه هنا وهناك هو أنّ المبحوث فيه هناك في موضوع (ألفاظ العام) هو اسم الجنس المعرّف، والمبحوث فيه هنا في موضوع (ألفاظ المطلق) هم اسم الجنس مطلقا، أي بلا قيد حتّى قيّد الإطلاق.

إلا أنّ الاُصوليين اختلفوا هنا في المقصود من الماهية الموضوع لها اسم الجنس المصطلح عليها فلسفيّا بـ(الماهية لا بشرط)، وذلك لأنّ هذا المصطلح - وهو الماهيّة لا بشرط - يطلق على ثلاثة أنواع من الماهيّة، فأيّها المقصود هنا؟

ولأجل أن نعرّف موقع كلّ واحد من هذه الأنواع الثلاثة التي تسمّى (الماهيّة بلا شرط) لنعرّف محطّ الخلاف، لابدّ من استعراض ما ذكر من التنويع الفلسفي للماهيّة، وكالتالي:

عرّفت الماهيّة بأنّها المقولة في جواب ما هو أو ما هي، في مقابل السؤال عن الوجود.

قال الجرجاني: ماهيّة الشي‏ء: ما به الشي‏ء هو هو.

وهي - من حيث هي - لا موجودة ولا معدومة، ولا كلّي ولا جزئي، ولا خاصّ ولا عامّ.

وقسّمت إلى قسمين رئيسين: المهملة واللابشرط المقسمي.

1- الماهيّة المهملة:

وهي المنظور إليها بما هي هي غير مقيسة إلى ما هو خارج عن ذاتها.. وتسمّى (الماهية لا بشرط) أي لا بشرط اقترانها بما هو خارج عن ذاتها.

2- الماهيّة لا بشرط المقسمي:

وهي المنظور إليها مقيسة إلى ما هو خارج عن ذاتها... ووصفت بـ(المقسمي) لأنّها المقسم لأقسامها الثلاثة المعروفة باعتبارات الماهيّة الثلاثة، وللتفرقة بينها وبين أحد أقسامها الثلاثة وهو (الماهيّة لا بشرط القسمي) الآتي.

وتسمّى الماهيّة لا بشرط أيضا - كما رأينا في عنوانها.

وتقسّم - أعني الماهيّة لا بشرط المقسمي - إلى ثلاثة أقسام هي: الماهية بشرط شي‏ء، والماهيّة بشرط لا، والماهية لا بشرط.

أ- الماهيّة بشرط شي‏ء:

وهي التي تنظر بالإضافة إلى الشي‏ء الخارج عن ذاتها مقترنة بوجوده كالرقبة المشروطة بالإيمان من قولنا: (اعتق رقبة مؤمنة) فإنّ ماهية الرقبة نظرت مقترنة بوجود الإيمان.

ب- الماهيّة بشرط لا:

وتسمّى أيضا (الماهيّة بشرط لا شي‏ء)، وهي: الماهيّة التي تنظر بالإضافة إلى الشي‏ء الخارج عن ذاتها مقترنة بعدمه كالنظر إلى ماهيّة الرقبة مشروطة بعدم الكفر.

ج- الماهيّة لا بشرط:

وتسمّى أيضا (الماهيّة لا بشرط القسمي) في مقابل (الماهيّة لا بشرط المقسمي)، وهي: الماهيّة التي تنظر غير مشروطة بوجود ذلك الشي‏ء الخارج عن ذاتها ولا مشروطة بعدمه.

نحو  وجوب الصلاة على الإنسان باعتبار كونه حرّا - مثلا - فإنّ الحريّة غير معتبرة لا بوجودها ولا بعدمها في وجوب الصلاة.

الخلاصة:

 

 

                           الماهية

  المهملة                                     لابشرط

 (لابشرط)                                   (المقسمي)

 

 

                          بشرط شى‏ء           بشرط لا                 لابشرط (القسمي)

 

ومنه نتبيّن أنّ مصطلح (لا بشرط) يستعمل كالتالي:

1- لا بشرط: أي لا بشرط شي‏ء خارج عن الماهيّة وذاتياتها.. وهي الماهيّة المهملة.

2- لا بشرط: أي لا بشرط شي‏ء من الاعتبارات الثلاثة.. وهي الماهيّة لا بشرط المقسمي.

3- لا بشرط: وهو لا بشرط القسمي، الاعتبار الثالث من الاعتبارات الثلاثة.

ومحطّ الخلاف بينهم في القسمين الرئيسيين للماهيّة:

- فنسب إلى المشهور ذهابهم إلى أنّ اسم الجنس موضوع للماهيّة المهملة.

- وحكي عن السيّد الحسيني المعروف بسلطان العلماء المتوفّى سنة 1064هـُ، أنّه ذهب - في حاشيته على المعالم - إلى أنّ اسم الجنس موضوع للماهيّة لا بشرط المقسمي.

 والفارق بينهما هو:

- على رأي المشهور يكون اسم الجنس موضوعا للمعنى المقيّد بالإطلاق.

- وعلى رأي سلطان العلماء يكون موضوعا لنفس المعنى.

ولهذا عرّفوا اسم الجنس على رأي سلطان العلماء بأنّه اللفظ الموضوع للماهيّة المهملة عن كلّ قيد حتّى قيد الإطلاق(4).

وسبب عدول سلطان العلماء عن رأي المشهور هو أنّ الماهيّة إذا لحظت بالنظر إلى ذاتياتها من دون نظر إلى غيرها، ليست إلا هي، لا يحكم بها ولا عليها.

وبعكسها إذا لحظت مع شي‏ء خارج عن ذاتها فإنّه يحكم بها وعليها. ويترتّب على هذا الفارق:

- على رأي المشهور، يكون المعنى حقيقة في المطلق، مجازا في المقيّد.

- وعلى رأي سلطان العلماء ومن تابعه: يكون المعنى حقيقة في المطلق والمقيّد معا.

ويترتّب عليه أيضا:

- على رأي المشهور: يمكننا إجراء أصالة الإطلاق في الفرد المشكوك فيه.

- وعلى رأي سلطان العلماء: لا يمكننا التمسّك بأصالة الإطلاق، بل لابدّ من التماس القرينة لإثبات بقاء ظهور المطلق في الإطلاق، ثمّ اجراء أصالة الإطلاق.

والقرينة - هنا - هي ما اصطلح عليه بـ(مقدّمات الحكمة).

 

الهوامش:

(1)- 3/ 2- 3.

(2)- منتهى الدراية 3/ 677- 678.

(3)- منتهى الأصول 1/ 467.

(4)- تهذيب الأصول 1/ 150 ومنتهى الدراية 3/682.