أستاذ المادة: عبدالهادي الفضلي
المادة: المنطق
الملف: ملف m003.rm

الغاية من تعلم المنطق

أوضح ابن سينا الفائدة المـطلوبة من دراسة وتعلم المنطق في كتـابه ( منـطق المشرقيين) بقـوله : نـريد أن نبين أنّا كيف نسلك من أشياء حاصلة في أوهامنا وأذهاننا إلى أشياء أخرى غير حاصلة في أوهامنا وأذهاننا نستخلصها بتلك الأولى .

وقال في كتـابـه الآخر (النجـاة)  تحت عنوان : (في منفعـة المنطق) : فالمنطق هو الصناعة النظرية التي :  - تعـّرف أنه من أي الصور والمواد يكـون الحد الصحيـح الذي يسمى بالحقيقة حداً ، والقياس الصحيح الذي يسمى بالحقيقة برهاناً .

- وتعـرّف أنه عن أي الصـور والمواد يكـون الحد الإقناعي الذي يسمى رسماً . - وعن أي الصـور والمواد يكـون القياس الإقناعي الذي يسمى ما قوي منه وأوقع تصـديقاً شبيهاً جدلياً  ،  وما ضعف منه وأوقع ظناً - غالباً - خطابياً .

- وتعـرّف أنه عن أي صـورة ومـادة يكـون الحـد الفـاسـد . . وعن أي صـورة ، ومادة يكـون القياس الفاسد الذي يسمى مغالـطياً و سـوفسطائياً ، وهـوالذي يتراءى أنه برهاني أو جدلي ، ولا يكون كذلك .  وأنه عـن أي صورة ومادة يكون القياس الذي لا يوقع تصديقاً البتة ولكن تخييلاً يرغب النفس في شيء أو ينفرها ويقززها أو يبسـطها أو يقبضها وهـو القياس الشعري . فهـذه فائدة صناعة المنطق .  ونسبتها إلى الرويّـة نسبة النحو إلى الكلام والعروض إلى الشعر لكن الفطرة السليمة والـذوق السليم ربما أغنيـا عـن تعلم النحو والعـروض وليس شيء من الفطر الإنسانية بمستغن في استعمال الرويـّة عـن التقـدم باعـداد هـذه الآلة إلا أن يكـون إنساناً مؤيداً من عند الله تعالى . فابن سينا - هنا - يقرر أن الحاجة إلى علم المنطق حاجة أساسية وماسـة لا يستغني عنها أحد إلا من كان مسدنداً في تفكيره من قبل الله تعالى . ويرجع هـذا إلى اننا عن طريق معرفتنا لقواعد المنطق نستـطيع أن ننـظم معلوماتنا على وفقهـا فتوصـلنـا إلى مجهولات تصبـح معلومات أخرى جديـدة نضيفها إلى المعلومات التي اوصلتنا إليها . هـذا ما عنـاه في (المنطق المشـرقيين) ، ثم فصله تفصيلاً وافياً في نص
(النجاة) .  وبلملمة ما ذكره المناطقة لفائدة المنطق ومن خلال تجارب المتعاملين مع المنطق دراسة وتطبيقاً نستطيع أن نقول : إن الفـائدة المتـوخاة من دراسة المنطق والمنفعة المقصـودة من تطبيقه في حيـاتنـا العلميـة تتمثل في النقط التالية :

1- من الواضـح أن جميع العلوم هي نتاج التفكيـر الإنسـاني ، ومن الـواضـح أيضاً أن الإنسان حينما يفكر قـد يهتدي إلى نتـائج صـحيحـة ومقبولة و قد ينتهي إلى نتائج خاطئة وغير مقبولة . فالتفكير الإنساني - إذن - معرض بـطبيعته للخطأ والصواب ، ولأجل أن يكون التفكير سليماً وتكون نتائجه صـحيحة ، أصبح الإنسان بحاجة إلى قواعد عامة تهيىء له مجال التفكير الصحيح متى سار على ضوئها . والعلم الذي يتكفل بوضع وإعطاء القواعـد العامـة للتفكير الصحيح هـو علم المنطق . فإذن حـاجتنا إلى دراسة علم المنطق شيء ضروري لا بد منه وذلـك لأجل أن يكون تفكيرنا العلـمي صحيحاً وذا تنائج مقبولة .

2- اننـا بتعلمنا قـواعد المنطق نستطيع أن ننقد الأفكار والنظريـات العلمية فنتبين أنواع الخطأ الواقع فيها ونتعرف أسبابها .

3- كذلك نستـطيع أن نميز المناهج العلمية السـليمة التي تؤدي إلى نتائج صحيحة منَ المناهج العلمية غيـرالسـليمة التي تؤدي إلى نتـائـج غيـر صحيحة .

4- نـستطيع ايضاً أن نفرق بين قـوانين العلوم المختلفة وأن نقـارن بينها ببيـان مواطن الإلتقاء والشبه ومواطن الإختلاف والإفتراق .

 والخلاصة : إن القيمة الدراسية لعلم المنطق هي بتـوفره على تكـوين قدرة التفكير السـليم في البحث والنقـد ، وتقييم الآراء والأفكار وتقـدير الأدلـة والبراهين في مختلف مجالات الفكر الإنساني  

 هـذه (أعني التعريف وبيـان الموضـوع وتوضيـح الفائـدة) ما يتـطلبه المنطق من المؤلفين أن يذكروه في مقدمات كتبهم العلمية .

 ولمـزيد الفائدة نضيف إليها الأمورالتالية لحاجة الطالب للإطلاع عليها ، وهي :

- تصنيفه .

- علاقته بالعلوم الأخرى .

- تبويبه .

تصنيف علم المنطق

 

 يقسم الأقـدمون العلوم من حيث الحـاجة إليها والفائـدة المقصـودة من تعـلمها ودراستها إلى قسـمين :

1- العلوم الآلية .

2- العلوم الاستقلالية . 

  - ويريدون بالعلوم الآلية : تلك العلوم التي لا تطلب لذاتهـا أو كغـاية ، وإنما تـدرس آلة  ووسيلة إلى علوم أخرى كعلم النحو بالنسـبـة لمن يـريد التخصص بعلم الفقه والإجتهاد فيه فإنه يدرس النحو كوسيلة من الوسائل التي يستعين بها على فهم النصوص الشـرعيـة الـواردة في القـرآن الكـريم والسـنة الشـريفة ، فعلم النحو بالنسبة إليه ولغـايته من دراسته علم الفقه يعتبر علماً آلياً .

 - ويقصدون بالعلوم الاستقلالية تلك العلوم التي تـطلب لذاتهـا لا آلة أو واسـطة  ووسيلة لعلم آخر ، مثل علم الفقه لمن يـريد التخصص فيه والإجتهاد به لأنه غايته المنشودة .

 وفي ضـوء هـذا ولحـاجـة جميـع العلوم إلى المنـطق صـنف العلمـاء المنطقيون علم المنطق في عداد العلوم الآلية . ويـرجع هـذا إلى أن كل علم من العلوم - نظرياً كان أو غير نـظري له مفـاهيمه ومصـطلحاته وهي - بدورهـا - تحتاج إلى تعـريف ولا تعـرف كيفية التعريف وطرائقه إلا من علم المنطق .

 وكـذلك في كل عـلم مسائل وقضـايا تحتاج إلى البـرهنة على صحتها أو بطلانها ولا تعرف طرق الاستدلال إلا من عـلم المنطق . فكـان عـلم المنطق بهـذا وسيلة أساسيـة لكل عـلم من العلوم ، بل آلة الآلات العلمية .

 وبهـذا يأتي إدراجه في قائمة العوم الآلية أمـراً طبيعياً وضـرورياً لا بـد منه .

 

علاقة عـلم المنطق بالعلوم الأخـرى

 

ومما تقدمه عرفنا علاقة عـلم المنطق بالعلوم الأخرى ، هي مجيئه آلة ووسيلة لجميع العلوم ليقوم بوظيفة تزويد العاملين فيها بقواعد التعريف وقواعد الاستدلال .

وله رأينا - فيمـا سبق - اعتبار الفـارابي المنطق رئيس العلوم واعتبـار ابن سينا له خادم العلوم ، ورئيس القوم خادمهم .

فعـلاقة عـلم المنـطق بجميع العلوم عـلاقة الجـذر الأساس بالشجرة :
 ساقها وفروعها وورقها وثمرها .

ومن هنـا وضع  في  شجـرة المعرفة موضـع الجذر ، والفلسـفـة مـوضـع الساق أو الجذع ، والعلوم الأخرى موضع الفروع والأوراق والثمار .