mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 008.doc

ثانياً مبدأ سرية التحرك:

اعتمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) السرية كأسلوب موقت لصرف أنظار طواغيت قريش الذين اتصفوا بالشدة لكل من يحاول المساس بعقائدهم ومصالحهم، وعقائدهم هي جزء من مصالحهم لأنها وسيلة من وسائل تحققها.

واعتمدت الرسالة مبدأ السرية بالإضافة إلى الهدف الدفاعي أغراضا ترتبط ببناء الكيان الإسلامي، فالسرية هي وسيلة لتمكين القيادة من الإشراف لتوجيه المسلمين الجدد وبنائهم بناءاً دقيقاً وأعدادهم للظروف الصعبة التي تنتظرهم فقد منحت سرية العمل فرصة كبيرة للقيادة للتفرغ في شؤون البناء التنظيمي للأفراد إذ في حالة المجابهة العلنية ما كانت القيادة لتجد الفرصة إلى ذلك ولما كان الأفراد يملكون الوقت الكافي لتعلم مبادئ الإسلام.

ومن نماذج التحرك السري في فترة الدعوة هو تحرك الإمام علي (عليه السلام) أثناء سيره إلى النبي الأكرم ومعه أبي ذر الغفاري رضوان الله عليه قال لأبى ذر، أني ذاهب إليه (إلى النبي (صلى الله عليه وآله)) فاتبع اثري فأني ان رأيت ما أخاف عليك اعتللت بالقيام كأني أريق الماء وان لم أر أحدا فاتبع اثري حتى تدخل (1).

والنموذج يكشف لنا عن طبيعة التحرك وطبيعة الالتزامات الأمنية التي كانت تفرضها الظروف السياسية في تلك الفترة. ويكشف لنا عن مستوى الوعي الأمني لدى الحركة الإسلامية وهي في بداية عهدها فالخوف الذي كان يسيطر على الإمام لم يكن الخوف على شخصه بل خوفه على الدعوة التي كانت في بداية انطلاقتها وقد تتعرض للحصار من قبل قريش وكان الإمام يخشى انكشاف التحرك من خلال معرفه مكان تواجد المسلمين ومعرفة الأعضاء الجدد الذين ينضمون إلى الرسالة. فتحركه السري كان يدل على انه لم يكن يرغب ان تعرف صلته بابي ذر فطلب منه أن يسير بعيداً عنه.

وعندما يصلان إلى المكان الذي يتواجد فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فان كان المكان تحت المراقبة أو ان أحدا من المشركين قريب من المكان فانه يخبر أبي ذر بتلك الحركة الرمزية وذلك لكي لا يعرف المكان المخصص لتجمع المسلمين.

وكتب التاريخ زهيدة في نقل مثل هذه الصور لكن هذه الحركة من الإمام علي (عليه السلام) تدل بصورة واضحة ان التحرك السري لم يكن اجتهاداً شخصياً من الإمام بل كان استراتيجية ثابتة في تحرك كل المسلمين لان إفشاء التحرك من قبل أي فرد في الجماعة كان من الممكن ان يؤدي إلى أضرار وخيمة.

فالصورة التي كانت في أذهان قريش عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه يريد ان يحصل بتلك الدعوة الزعامة أو المال وان البعض كان يعتقد بأنه كغيره ممن ظهر في مكة بمظهر الإصلاح والذين لم يحققوا غاياتهم فلاذوا بعد الفشل بالصمت فكانوا يقابلون الدعوة الإسلامية بالامبالاة، وما كان ذلك التوهم ليتحقق إلا بفضل السرية التي اتسمت بها تحركات المسلمين فلم يعرف عددهم ولا قوتهم. فمبدأ السرية كان من أجل التستر على العدد وعلى العدة كي لا يعرف حجم المسلمين ولا تعرف طبيعة تحركهم حتى لا يمكن إفشاله بالوسائل التي تمتلكها قريش. وعلى الرغم من ذلك فقد فشى أمر الدعوة وأصبح كل فرد في مكة وخارج مكة يحمل صورة مجملة عن دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهدافه ونتيجة هذه المعلومات القليلة انجذب البعض إلى الإسلام دون ان يكون هناك أي اتصال بينهم وبين المسلمين وتشير الروايات التاريخية ان أنباء الحركة الإسلامية وصلت إلى مناطق بعيدة فقيل عن إسلام طلحة انه كان في بصرى فسمع بخبر خروج نبي أسمه أحمد من راهب فلما قدم مكة سمع الناس يقولون تنبئ محمد بن عبدالله فأتى إلى أبي بكر فسأله فاخبره ثم ادخله على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاسلم (2) وعين ذلك ذكره بعض الرواة عن إيمان أبي ذر فهو أيضاً سمع بخبر الدين الجديد فأرسل أخيه إلى مكة ليتأكد من ذلك.

 

ثالثاً مبدأ الاتصال المنظم

 

فكثير من المسلمين الأوائل اسلموا عن طريق الاتصال المباشر أما من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو عبر الطليعة الأولى من المسلمين.

فعن طريق الاتصال اسلم معظم من آمن في بداية الدعوة وفي بعض الأحيان كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحدد اللقاء بمن يريد دعوته إلى الإسلام.

وفي بعض الأحيان يتقصد اللقاء بمن يريد من أجل دعوته إلى الإسلام. ويروي المدائني عن عمرو بن عثمان أن عثمان قال دخلت على خالتي أروى بنت عبد المطلب أعودها، فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجعل ينظر إلى فقال مالك يا عثمان؟ قلت أعجبت منك ومن مكانك فينا وما يقال عليك قال عثمان فقال لا اله إلا الله فالله يعلم لقد اقشعررت ثم قال؛ {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ} فورب السماء والأرض انه لحق مثل ما أنكم تنطقون ثم قال ؛ فخرج فخرجت خلفه وأدركته فأسلمت(3).

ولم يكن الأمر لينتهي عند إعلان الإسلام فبعد ان يسلم المرء يوكل أمره إلى أحد المرشدين ليقوم بتثقيفه الثقافة الإسلامية ويصبح هذا الكادر هو صلة الوصل بينه وبين النبي (صلى الله عليه وآله) في بعض الأحيان، فكلما نزلت آية قرآنية سارعت الكوادر والتقت بأفراد خليتها وقرأت ما انزل الله على رسوله من الآيات ولنا في حكاية عمر بن الخطاب صورة نموذجية عن طبيعة الاتصالات التنظيمية التي كانت تقوم عليها أوصال الحركة الإسلامية في عهد رسول الله.

فقد اندفع عمر بن الخطاب لقتل رسول الله (4) (صلى الله عليه وآله) بعد ان عرف مكان تواجده فلقيه في الطريق نعيم بن عبدالله وعرف أمره فأخبره ان الدين الجديد استشرى حتى إلى بيت أخته فاطمة مما آثار غضبه فانصرف عن نيته السابقة واتجه صوب دار سعيد بن زيد زوج أخته ودخل البيت عليهما فإذا عندهما من يقرأ عليهما القرآن فلما أحسوا دخول رجل غريب عليهم، اختفى قارئ القرآن وأخفت فاطمة الصحيفة وسأل عمر ما هذه الهمهمة التي سمعت فلما انكرا صاح بهما لقد علمت إنكما تابعتما محمداً على دينه وبطش بسعيد فقامت الزوجة فضربها فشجها فهاج إذ ذاك هائج الزوجين فصاحا به نعم أسلمنا فاقض ما أنت قاض. فخرج القارئ من مخبئه وهو الخباب بن الارت فقرأ عليه بعض الآيات من القرآن الكريم فلان قلب عمر للإسلام.

نستنتج من هذه الحكاية أمرين الأول السرية الكاملة التي كانت تحيط التحرك الإسلامي بحيث لم يكن عمر على علم بإسلام أخته وزوج أخته وهما قريبان إليه بالرغم من ان قريش في ذلك الوقت كانت قد وكلت ووزعت عيونها لرصد كل إشارة أو علامة وعلى رغم هذه المراقبة فان شدة التزام المسلمين بمبدأ السرية كان يبعد عنهم أنظار أقرب الناس إليهم فهناك أمهات لم تعرف خبر إسلام أبنائها إلا بعد فترة وبعد تفشي الخبر كأم مصعب بن عمير.

والأمر الثاني الذي نستنتج من الحكاية هو وجود مخطط تنظيمي يجمع أجزاء الكيان الإسلامي في هيكل تنظيمي واحد. فهناك عصب رسالي يمتد إلى كل خلية من خلايا الجسد الإسلامي ممثلاً بالدعاة والمبلغين الذين يتحملون مسؤولية تثقيف أبناء الحركة فالسابقون إلى الإسلام والذين تشربوا من الدين الجديد وتعلموا مبادئه ممن سبقهم يصبحون فيما بعد مرشدين لمن آمن حديثاً فيقومون بإرشادهم وتعليمهم وهذا النمط التنظيمي يشكل السمة العامة للعلاقة البنائية التي كانت قائمة بين أبناء الكيان الإسلامي الأول. فالرسالة لا تكتفي من الفرد بان يعلن إسلامه ويقوم بالعبادات فقط فبالإضافة إلى هذه الواجبات الدينية هناك مسؤوليته كمسلم نحو التجمع الرسالي وهي جزء من مسؤوليته الإسلامية. فهؤلاء المسلمون يتحولون بحكم أسبقيتهم للدين إلى مرشدين لمن يأتي من بعدهم.

وقد جاء القرآن الكريم ليصف لنا هذا الواقع.

 {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (5).

ونموذج آخر يرسم لنا الصورة التي كانت عليها الجماعة المسلمة عندما آمن طليب بن عمير جاء إلى أمه أروى بنت عبد المطلب فقال لها قد أسلمت وتبعت محمداً (صلى الله عليه وآله) فقالت أمه ان أحق من آزرت وعضدت ابن خالك والله لو كنا نقدر على ما يقدر عليه الرجال لمنعناه وذبنا عنه فقلت يا أم فما يمنعك ان تسلمي وتتبعيه فقد أسلم أخوك حمزة؟ فقالت انتظر ما يصنع أخواتي ثم أكون إحداهن (6) وظل يرغبها للإسلام قائلاً أني أسألك بالله إلا أتيته وسلمت عليه وصدقته وشهدت ان لا الله إلا الله. وأخيراً قالت فإني أشهد ان لا اله إلا الله وأشهد ان محمد رسول الله.

فدخول الفرد في الجماعة الإسلامية كان بداية لتحمله المسؤولية فبعد ان يعلن إسلامه، عليه أن يقنع الآخرين بالإسلام وكل من اغترف من هذا العين عليه أن يروي ظمأ الآخرين.

وكان حول رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفراد يعتمد عليهم في توجيه من يعتنق الإسلام حديثاً، وكان على رأس هؤلاء الموجهين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكان يقوم بدور المسؤول لعدد من الصحابة واعتاد النبي (صلى الله عليه وآله) على ربط بعض العناصر الجديدة بعلي بن أبي طالب (عليه السلام). عندما جاءه أبو سفيان بن الحارث يريد الإسلام التفت إلى علي وقال له:

علم ابن عمك الوضوء والسنة ورح به إلي.

ومع تزايد المرتبطين بالإمام علي (عليه السلام) بدا وكأنه كيان متميز وقد حظي برعاية رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان يهتف بعلي ورفاقه أمام الملأ يا علي أنت وشيعتك على منابر من نور مبيضة وجوهكم حولي في الجنة وهذه شهادة توثيق لتلك الجماعة المنتظمة في سلك الإسلام الصحيح.

إن وجود هذه الجماعة المؤمنة بخط الرسالة هي الضمانة لديمومية الإسلام وامتداد تعاليم النبي (صلى الله عليه وآله) بعد غيابه وهي أيضاً حصانة ضد الانحراف في غياب القائد. وظلت تلك المجموعة العين الحارسة على الإسلام والمدافعة عن مبادئه أمام التيارات المعادية والموجات الانحرافية المتسللة إلى داخل الصف الإسلامي.

أستراتيحية التربية

أصعب ما تواجهه الحركات البنائية في مراحلها الأولى هو كيفية السيطرة على أبنائها أثناء حضورهم الدائم في البيئة المتخلفة. فالفرد هو ابن المجتمع ومن الصعب تجريده عنه وعزله إلا بقوة ذاتية جبارة تحل في نفسه وتقف بمرور الزمن أمام سطوة البيئة الاجتماعية المتخلفة.

والإسلام نشأ في المجتمع الجاهلي وكانت مهمته الأولى هي بناء مجتمع صالح يتحلى بالفضيلة والخلق ومصدر هذا البناء هو أفراد نفس هذا المجتمع المتفسخ وكان لا بد لهؤلاء الذين آمنوا ان يبقوا ليؤثروا في الآخرين ويحولوا مجتمعهم المتخلف بالتدريج إلى مجتمع إسلامي رصين.

فكانت القيادة أمام مسؤوليتين، الأولى تستوجب عزل الطليعة الإسلامية عن المجتمع الجاهلي كي لا تتأثر بسلبياته وانحرافاته والمسؤولية الثانية هي حث هذه الطليعة للتجذر في أوصال المجتمع والتداخل مع أفراده.

وعلى هذه الاستراتيجية كان للمسلمين وقتين وقت يقضونه في المجتمع أما بالعمل أو الدعوة ووقت آخر ينعزلون فيه في شعاب الجبال يعبدون الله فيها، فهي فرصتهم الذهبية للتأمل في الكون والخلق وخالق الأرض والسماء وما أنعمه الله عليهم وما أصاب القوم من تكلس في الفكر فتمسكوا بالخرافة وتشبثوا بعبادة الأصنام. وفي تلك التأملات يكتشفون الفوارق الكبيرة بين عبادتهم لله الخالق وعبادة أولئك للأصنام.

يقول البلاذري؛ إن النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه كانوا إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشعاب فصلوا فرادى ومثنى، فبينما رجلان من المسلمين يصليان في إحدى شعاب مكة إذ هم عليهما رجلان من المشركين (كانا فاحشين) فناقشوهما ورموهما بالحجارة ساعة حتى خرجا وانصرفا (7).

ويذكر ابن هشام في سيرته مواجهة أخرى في تلك الفترة من الدعوة وهي التي وقعت بين مسلمين كانوا يعبدون الله في شعاب مكة وفيهم سعد بن أبي وقاص فإذا بجماعة من المشركين يظهرون عليهم وهم يصلون فاستنكروا عملهم وعابوا عليهم ما يصنعون وما لبث الطرفان أن دخلا في شجار عنيف واضطر سعد يومئذ أن يجرح رجلاً من المشركين (8).

وخشي الرسول (صلى الله عليه وآله) أن تتطور هذه المواجهة إلى مالا يحمد عقباه إذ كانت المرحلة تقتضي التخفي على المشركين والعمل بهدوء وسرية حتى تكتمل الطليعة فرأى من الأفضل أن تتم برامج التربية الإيمانية داخل البيوت ثم بعد ذلك اتخذ بيتاً فوق الصفا وتفرغ بصورة كاملة لبناء الأفراد الذين آمنوا.

دار الأرقم مركز للدعوة

مع التوسع في الدائرة البشرية كانت الحاجة تتزايد لاتخاذ مقر ثابت للدعوة، ينطلق منها المسلمون في تحركهم وتقام فيها دروس في العقائد ويتلقى فيها المسلمون الجدد التربية وقد ذكر اتخاذ دار الأرقم أغلب من كتب عن السيرة النبوية، لكن بعض مؤرخي الشيعة لم يأتوا على ذكره إلا إن كتاب أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين جاء على ذكر دار الأرقم في المجلد الثامن صفحة 372 وسماه بدار الإسلام. وكان لدار الأرقم عدة وظائف:

أولها:

التستر على التحرك الإسلامي وأبعاد الأنظار عما يجري من نشاط في ميدان الدعوة الإسلامية. فقد اختفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في دار الأرقم ولم يخرج منها إلا بعد أن قوي المسلمون وازداد عددهم أربعين رجلاً.

فقد كان لاختفاء النبي (صلى الله عليه وآله) في تلك الفترة أمراً هاماً بعد تفاقم الأحداث وبعد أن بدأت قريش تلمس وجود تحرك معادي لها وإلى جانب ذلك كان احتجاب العناصر الجديدة عن الأنظار مسألة ضرورية في تلك الظروف التي أخذت فيها بعض القبائل القرشية تضيق الخناق على أبنائها الذين أسلموا.

وكانت الاتصالات مع النبي (صلى الله عليه وآله) تتم بصعوبة قبل دخوله (صلى الله عليه وآله) لدار الأرقم لكن بعد اتخاذ المقر السري أصبح الاتصال أمراً ممكناً في أي وقت ودون خشية من العيون.

ثانيها:

مضى على بعثة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث سنوات لم يؤمن فيها إلا ثلاثين نفراً بسبب سرية التحرك والدعوة وكان لا بد من تجاوز هذه المرحلة والإعلان عن الرسالة وللوصول إلى هذه المرحلة كان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يعد صحابته إعداداً كاملاً حتى يتمكنوا من مواجهة أخطار المرحلة العلنية من الدعوة واستدعى ذلك، التفرغ الكامل والإقامة مع المسلمين في مكان واحد لتوجيههم والأشراف على تربيتهم وإعدادهم إعداداً نفسياً وحركياً للفترة القادمة.

فكان دار الأرقم، المكان المناسب لصقل النفوس وتهذيب الأخلاق بسبب احتجاز الأفراد عن البيئة الفاسدة ولتواجدهم حول قائد هم ومربيهم في كل الأوقات ومعايشتهم له في الليل والنهار في النوم واليقظة، في الأكل والشرب. فقد منحتهم هذه المعايشة فرصة الانصهار والالتصاق بقائدهم والاستلهام من أخلاقه الفاضلة فقد وفرت أجواء الدار والبرامج التي كانت تنفذ فيها السبيل إلى التأثر بشخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتجذر الإيمان في أعماق نفوسهم ثم صياغة شخصياتهم في قالب إسلامي.

ويختلف المؤرخون في طول الفترة التي مكث فيها رسول الله في دار الأرقم بين شهر وأربع سنوات وقيل إن الرسول (صلى الله عليه وآله) دخل دار الأرقم عدة مرات ومكث فيها مدداً مختلفة. المهم إن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يخرج من دار الأرقم إلا بعد أن أعد العدة وأكمل مهمات المواجهة التي كانت تنتظره لا محالة.

ثالثها:

نقطة اتصال: فقد شاع خبر الإسلام أرجاء الجزيرة العربية وكان هناك من يأتي إلى الحجاز ليتعرف على الدين الجديد يرسل إلى هذه الدار ليجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً مع أصحابه يعلمهم الإسلام فيتعلم بدوره منه. فمع انتشار أخبار الدعوة كان لا بد من إقامة مركز سري لاستقبال العناصر حديثة العهد بالإسلام. واستقر في الدار عدد من المسلمين وهناك عدد آخر كانوا يقومون بمهام الاتصال الخارجي، يخرجون لتنفيذ المهام ثم يلتقون في نهاية الأمر في تلك الدار التي اتخذت مركزاً لإدارة نشر الدعوة الإسلامية.

ـــــــــــ

الهامش

(1)- معروف الحسني، سيرة المصطفى: ص 139 وكذلك الاستيعاب: ج 4 ص 1654.

(2)- مستدرك الحاكم: ج 2 ص 369.

(3)- الاستيعاب: ج 4 ص 1779.

(4)- ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 85.

(5)- سورة الحشر الآية: 9.

(6)- الطبقات الكبرى: ج 4 ص 157. الاستيعاب: ج 4 ص 1779.

(7)- الأنساب: ج 1 ص 617.

(8)- تاريخ الطبري: ج 2 ص 318.