mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 15.doc

 لقاعدة (41)

السلام هو الأصل.. فلابد أن يضع الحاكم السلام نصب عينيه، ويعمل من أجله.. فبالسلام يتحقق الأمن والوئام وبالسلام يجد الحاكم فرصته الذهبية للبناء وا لإعمار.

لكن يجب أن يكون الحاكم على حذر إذا دعاه عدوه للسلام، فلايحسن الظن

به كثيراً. فيجب أن تكون استجابته حذرة.

(ولاتدفعن ضلحاً دعاك اليه عدوك، لله فيه رضاً)

* القاعدة (42)

على الحاكم أن يتجنب اراقة الدماء بدون حكم شرعي

(اياك والدماء وسفكها بغير حلها، فانه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها)

* القاعدة (43)

الحاكم وغيره سواسية في أحكام القتل إذا كان عمداً أو خطأ أو شبه العمد فعليه الدية لايختلف عن غيره من المسلمين.

(ولاعذر لك عند الله ولاعندي في قتل العمد، لأن فيه قود البدن وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك أوسيفك أويدك بالعقوبة فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة فلا يطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي الى أولياء المقتول حقهم)

* القاعدة (44)

وان أكثر مايدفع الحاكم الى الإنحراف والطغيان اعجابه بنفسه واطراء الآخرين له.

(وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء)

*ا لقا عدة (45)

على الحاكم أن يغدق على رعيته وأن لاينتظر منهم حتى كلمة الشكر، وان لايعدهم امورا لايستطيع تحقيقها.

(وإياك والمن على رعيتك باحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك فإن المن يبطل الاحسان)

* القاعدة (46)

على الحاكم أن يترك الأمور لتطبخ على نار هادئة، وأن لايتناولها قبل نضوجها، وليكن في تصديه لشؤون الدولة هادئاً رزناً غير متسرع ولامتباطىء.

(واياك والعجلة بالأمور قبل أوانها أو التساقط فيها عند امكانها، أو اللجاجة فيها إذ تنكرت، أو الوهن عنها إذا استوضحت، فضع كل أمر موضعه وأوقع كل عمل موقعه)

* ا لقاعد ة (47)

على الحاكم أن يأخذ من بيت المال سهماً مساوياً للآخرين من الناس، وأن لا يتستر على مايفعله المقربون اليه من انحرافات وليعلن عن فضائحهم أمام مرأى الأ خرين.

(واياك والإستئثار بما الناس فيه أسوة والتغابي عما تعنى به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك)

* القاعدة (48)

الغضب عدو الحاكم العادل، فليهرب منه كلما هاجمه. وأن لايصدر رأياً ولايتخذ موقفاً الا بعد أن يسكن غضبه.

(أملك حمية انفك، وسورة حدك، وسطوة يدك، وغرب لسانك، واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار)

* القاعدة (49)

ليتذكر الحاكم الآخرة، فهو أفضل علاج لحالات التكبر والغضب التي قد تسيطر عليه وتحرف به عن الجادة.

(ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد الى ربك.

* القاعدة (50)

على الحاكم الاستفادة من تجارب الحكومات والدول التي سبقته، وليأخذ العبرة من التأريخ.

(والواجب عليك أن تتذكر مامضى لمن تقدمك من حكومة عادلة أو سنة فاضلة).

 

السلطة التنفيذية

تنحصر السلطة التنفيذية في زمن الامام علي (عليه السلام) على كبار رجال الدولة الذين يقومون بأدوار تنفيذية وهم:

ا- الولاة

2- الوزراء والمشاورون.

3- رئيس الجند.

4- العمال.

5- الكتاب.

أولاً: الولاة: هم أعلى سلطة تنفيذية في الولايات التابعة للدولة الاسلامية، ويتمتع الوالي بصلاحيات واسعة في الولاية.

وأهم صفات الوالي ا- التقوى 2- الطاعة 3- اتباع الكتاب والسنة 4- نصر الله باللسان واليد والقلب 5- مقاومة النفس الأمارة بالسوء.

يقول الامام في عهده لواليه مالك الأشتر.

أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لايسعد احد الا باتباعها ولايشقى الا مع جحودها واضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بيده وقلبه ولسانه فانه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره واعزاز من أعزه وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات وينزعها عند الجمحات فإن النفس امارة بالسوء الا مارحم الله.

ثانياً: الوزراء والمشاورون وهم الذين يسدون للوالي بالرأي ويتناقشون معه في أمور البلاد والعباد وهم يتصفون بالصفات التالية:

ا- الكرم 2- الشجاعة 3- أبعد مايكون عن الحرص 4- ألا يكون وزيراً لحاكم سابق ولم يشارك أحداً في الظلم والتعدي على الآخرين 5- يمتلك الجرأة ا لأدبية.

أما الوالي فيقول كلمة الحق ولايعاونه في الظلم.

ثالثاً: رئيس الجند: وهو الذي يتولى ادارة الجيش ويتصف بمايلي:

ا- الحلم 2- العفة 3- بطيء الغضب 4- يقبل العذر 5- عطوف على الضعفاء 5- لايتساهل مع الأقوياء عند انحرافهم 7- لاتستثيره أعمال العنف 8- يتحدى الضعف ولايصيبه العجز.

رابعاً: العمال وهم عماد السواد والصدقات والوقوف والمصالح وغيرها، ويشترط في اختيارهم ا- أن يكونوا من أهل التجربة 2- من أهل السابقة في الاسلام 3- ومن العوائل المعروفة بالنزاهة والعفة والكرم.

خامساً: الكتاب وهم موظفوالديوان وحفظة سر الوالي. ويشترط في تعيينهم أن يكونوا ا- من ذوي السابقات الحسنة 2- أن يكون أميناً 3- ذو سمعة طيبة بين الناس 4- مشهور بالاستقامة 5- لايفشي اسرار الوالي حتى لو انقلب عليه.

ولضمان استقامة رجال الدولة يتم مراقبتهم عبر ثلاثة طرق:

ا- بواسطة الامام نفسه وقد اشتمل نهج البلاغة على عشرات النصوص التي هي رسائل محاسبة وعتاب موجهة من أميرالمؤمنين(عليه السلام) الى ولاته.

2- تشكيل اجهزة سرية تقوم بمراقبة كبار الموظفين والولاة.

3- عبر الوعي المستمر والنصح الدائم الذي يحرك الضمائر ويجعلها أقدر على المحاسبة.

 

السلطة القضائية

وهي السلطة المتمثلة بالقاضي الذي يقوم بأعمال الفصل في النزاعات والخصومات وقد أبرز الامام علي (عليه السلام) في أدبياته هذا الجانب الهام من أركان الدولة والذي يتوقف عليه العدل والمساواة وحل المعضلات ومواجهتها المواجهة السليمة.

وأول قضية حساسة تواجه مسألة القضاء هو اختيار القاضي، فاذا كان الاختيار صائباً استتب العدل وتعزز الامن والسلام.

يقول الامام في كيفية اختيار القاضي:

ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لاتضيق به الأمور ولاتمحكه الخصوم ولايتمادى في الزلة ولايحصر في الفيء الى الحق اذا عرفه، ولاتشرف نفسه على طمع ولايكتفي بأذى فهم دون أقصاه وأوقفهم في الشبهات وأخذهم في الحجج وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشف الأمور وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لايزدهيه اطراء ولايستميله اغراء وأولئك قليل .

 فهناك سبعة شروط لاختيار القاضي:

ا- أن يكون محيطاً بالقضايا مستوعباً لمداخلها ومخارجها 2- قوي الشخصية بحيث لاتدفعه الخصومات على تغيير سلوكه 3- لايصر على الخطأ بعد اكتشافه 4- لايضعف أمام المال والجاه بل يبقى قوياً ملتزماً بالحق 5- دقيقاً في معالجة القضايا والخصومات دون تسرع واضطراب 6- إذا اشتبهت عليه الأمور يتوقف في الحكم 7- إذا اتضح الحق فيلتزم به دون تردد.

ثم ينتقل الامام الى نقطة هامة أخرى هي كيف يمكن تأمين قضاء سليم وكيف يمكن تحصينه من الانحراف.

يقول الامام..

ثم اكثر تعاهد قضائه وافسح له في البذل مايزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك مالايطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك أغتيال الرجال له عندك فانظر في ذلك نظراً بليغاً.

فأولاً عليه أن يراقب القضاة مراقبة مشددة.

والثاني: تأمين الناحية المعيشية للقاضي بحيث يكون مكتفياً فلا يشكو الحاجة إلى أحد.

والثالث: منحه قدراً أكبر من الاحترام اللائق والمنزلة المناسبة للدور الذي يؤديه في المجتمع.

فإحاطة القاضي بالمال والإحترام هو حصانة للسلطة القضائية من الإنحراف والإنجراف.

 

السياسة الداخلية

تقوم السياسة الداخلية في الدولة الاسلامية على مبدأ التحابب والشعور المتبادل بالمودة والمحبة، وعلى هذه القاعدة وضع الامام علي (عليه السلام) أسس هذه السياسة مؤسساً بناءا شاهقاً للعلاقة بين الحاكم والرعية.

يقول الإمام: وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم، واللطف بهم ولاتكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان اما أخ لك في الدين أو نظيرلك في الخلق، يفرط بهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتي على أيديهم في العمد والخطأ. فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم.

فالعلاقة القاثمة ليست علاقة حاكم ومحكوم بل هي علاقة أب لأولاده يكن لهم الحب والعطف ويلطف بهم كما يلطف الأب بأبنائه واذا ما أراد معاقبتهم على أخطاء ارتكبوها فلايتجاوز الحدود، فلايكون عليهم كالسبع يريد التهامهم والانتقام منهم بل يكتفي في حدود التأديب.

وبالنص السابق يقلب الامام علي (عليه السلام) مفاهيم السلطة ويأتي بمفهوم ليس بجديد بل يحي تجربة الاسلام الخالدة في الحكم. فالحاكم هوأب قبل أن يكون حاكما، وعلاقاته بشعبه هي علاقة حب وعطف. وعلى قاعدة أبوة الحاكم ترسى جميع القيم والمثل المتعلقة بالعلاقة بين الحاكم والرعية.

وكما يرسم الأب سياسته في ادارة البيت على أساس من الحب والرحمة فكذلك الحاكم في خططه وسياسته فهو يعتمد هذه القاعدة أيضاً.

فالحب هو الجسر الموصل الى القلب.

وعندما يحكم الحاكم بقلبه الكبير وليس بسوطه الطويل يصبح حاكما على القلوب قبل أن يكون حاكماً على الأبدان.

ويتكون على شاطىء هذه العلاقة، مستوى عال من الديناميكية بين الحاكم والرعية فالحاكم بحاجة الى تعاون الرعية ومشاركتهم له كذلك الرعية بحاجة الى الحاكم ليقود المسيرة الى مافيه الصلاح والخير.

 

معايير السياسة الداخلية

وبعد ارساء العلاقة المتينة بين صنوف المجتمع على قاعدة الحب، يبادر الحاكم الى وضع سياسة معقولة ليسلكها مع ابناء بلاده.

يقول الامام:

وليكن أحب الأمور اليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، وأجمعها لرضا الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة، فالسياسة التي تقوم على ثلاث موازين، ميزان الحق، ميزان العدل، ميزان رضا الرعية هي الكفيلة بتحقيق التقدم والسعادة للأمة. فالحق يصد الحاكم عن الانحراف والعدل يصده عن الظلم ورضا العامة يصده عن الدكتاتورية .

ويقف رضى الناس معياراً هاماً يتوازن مع الحق والعدل لطرفي المعادلة التي تقوم عليها السياسة الداخلية.

 

الخاصة خطر على الجماهير

الخاصة وهي المجموعة المنتفعة الملتفة حول الحاكم، هي التي تشكل خطراً مستمراً على الشعب، لأن مصالح هذه المجموعة تتضارب دائما ومصالح الشعب.

تدأب الخاصة على الإمساك بالحاكم من تلابيبه وتسيره لخدمة مصالحها فهي إذن العقبة الكبرى في طريق العلاقات بين الحاكم والمحكوم ولذا لم ينس الامام (عليه السلام) من تحذير ولاته عن مسايرة الخاصة فيقول:

فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة، وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء وأقل معونة له في البلاء هوأكره للإنصاف وأسأل بالإلحاف وأقل شكراً عند الإعطاء وأبطأ عذراً عند المنع وأضعف صبراً عند ملمات الدهر من أهل الخاصة.

فأية فائدة ترتجي من أفراد الخاصة فهم في أوقات الضيق لايعرفون أنفسهم وفي أوقات الرخاء ينسفون العلاقة بين الحاكم وبين الناس بتصرفاتهم الغوغائية فهم رجال المصالح وليس رجال دولة ولارجال حكم.

يدورون به ما دارت معايشهم..

ويفهم من كلام أمير المؤمنين رغبة ملحة لاستبعاد طبقة الخاصة، فوجودها سيضر بمصلحة البلاد، وأول المتضررين من وجودها حول السلطة هو الحاكم نفسه. وعلى الحاكم أن يستبدل تلك العناصر الفاسدة بعناصر مخلصة.

يقول الامام:

والصق بأهل الورع والصدق ثم صنهم على أن لايطروك ولايبجحوك بباطل لم تفعله فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو وتدني من العزة ولايكتفي أن يثق الحاكم بالخاصة انهم من أهل الورع وحسب بل عليه أيضاً أن يروضهم على الصدق والواقعية في التعامل معه.

وأن تفهم أنه ليس بالشخص الذي يطير فرحاً بكلمة مديح، ويغير مواقعه بكلمة اطراء واحدة يسمعها من المتزلفين.. بل هو حاكم صارم يتعامل مع الاشخاص بواقعية وليس بالكلمات البراقة.

 

الرأي العام

وهو رأي الأكثرية من عامة الناس في الحاكم، فرضى القاسم الأعظم من الناس الصالحين في الحاكم ئشكل دليلاً واضحاً على سلامة نهجه أو العكس فكان لابد من احترام رأيهم وإعطائهم الاهتمام الكافي لأنه السبيل الى نجاح السياسة التي ينتهجها الحاكم مع رعيته، فكلما كانت هذه السياسة موافقة مع رأي الامة كانت أقدر على التنفيذ.

يقول الامام:

وإن الناس ينظرون من أمورك في مثل ماكنت تنظر من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ماكنت تقول فيهم، وانما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده.

وبهذه الكلمات يلخص الامام علي (عليه السلام) عناصر الرأي العام، وهي تتجاوز المقولات التي يتفوه بها الناس في وسائل الاعلام الى مايتوقعونه من الحاكم وهو عنصر لم يلتفت اليه أرباب علم السياسة.

فالرأي العام يتشكل بحسب هذه النظرة من عنصرين الأول: مايختلج في النفوس من هواجس وأفكار ورغبات، الثاني مايتم الاعلان عنه من أفكار ورغبات بشكل مسموع أو بشكل مرئي..

ولابد للحاكم أن يبحث عن الحقيقة اينما كانت حتى لو كانت مخبأة في النفوس. لأنه يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده.

 

الرعاية والضمان الاجتماعي

هنالك دائما طبقات محرومة في المجتمع بحاجة الى الرعاية الدائمة والاهتمام المستمر ويتحمل الوالي النصيب الاكبرمن المسؤولية في رعاية شؤون هؤلاء وهم أصحاب الحاجات والفقراء واليتامى والضعفاء.

ولكي يستطيع الحاكم من تأدية هذه المهمة عليه أن يشكل هيئة تقوم بأعمال الرعاية.

يقول الإمام:

وتفقد أمور من لايصل اليك منهم ممن تقتحمه العيون، وتحقره الرجال ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع اليك أمورهم ثم اعمل فيهم بالأعذار الى الله يوم تلقاه، فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج الى الإنصات من غيرهم.

ويقول أيضاً:

وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن (الشيوخ والعجزة) ممن لاحيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه.

وأيضاً:

ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لاحيلة لهم من المساكين والمحتاجين، وأهل البؤس (شدة الفقر) والزمني (ذوي العاهات) فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسما من بيت مالك، وقسماً من غلات صوافي الاسلام (الأراضي المفتوحة وغلاتها وثمراتها).

فاليتامى والمساكين والعجزة وذوو العاهات، وكل صاحب حاجة هم في رعاية الدولة الاسلامية، وعلى الحاكم أن يرسم برنامجاً لإدارة شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والمهنية وذلك بإنشاء هيئة مشرفة على أعمال الرعاية، وهذا مايسمى بالضمان الاجتماعي في المصطلح الحديث.

وتؤمن ميزانية المؤسسة التي تقوم بهذه الوظيفة من مصدرين اثنين الاول نسبة من بيت المال والثاني نسبة من واردات الاراضي المفتوحة وبذلك سوف تكون هذه الميزانية متحركة على ضوء الانتاج وبحجمها يتم تمشية أمور الناس المحتاجين.

 

التنمية الاقتصادية

تسعى الدول الى تكوين رساميل لها تتناسب مع حجم انفاقاتها، وتعتمد هذه الرساميل بالدرجة الأولى على الضرائب التي تضرب على أصحاب الانتاج. ومن ينظر الى موارد الدولة الاسلامية في عهد الراشدين لوجد ان المورد الرئيسي هو الضرائب المسمى بالخراج.

وقد أقر الامام أميرالمؤمنين بهذه الحقيقة عندما ذكر قائلاً:

الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، والخراج هو الضريبة التي توضع على الأرض المزروعة.

وبما ان الخراج محدود القيمة، فإن ميزانية الدولة ستكون محدودة إن توقفت عليه فقط، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن أخذ الضرائب الباهظة ربما سيؤدي الى تكوين دخل مناسب للدولة، لكن سيؤدي ذلك الى إفقار الطبقة المنتجة وبالتالي سيؤدي الى افلاس الدولة بسبب ضعف الانتاج.

ولمواجهة هذين المعضلين، يجب صب الاهتمام في زيادة الانتاج وهو مايراه الامام في رؤيته الاقتصادية.

 يقول في هذا المجال:

وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولاصلاح لمن سواهم الا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لايدرك الا بالعمارة.. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد.

يتضمن هذا النص الأفكار التالية:

ا- مسؤولية الدولة لاتتلخص بأخذ الخراج بل قبل ذلك عليها مسؤولية كبرى يجب أن تؤديها نحو أولئك الذين يدفعون هذه الضريبة، فعليها أن تتفقد أحوالهم، وترعى شؤونهم الصحية والثقافية، وترفع من مستواهم المهني لأن ذلك سيسبب في زيادة الانتاج وتحسينه وبالتالي سيتحسن وضع الانتاج.

2- اعطاءالاولوية في السياسة الاقتصادية للخراج، فالانتاج قبل الخراج، لأن الانتاج سيعمر البلاد هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى سيمكن عند زيادة الإنتاج طبقة الفلاحين من دفع الزكاة على افضل شكل.

3- الاعتماد على الضريبة دون الاهتمام بالانتاج سيؤدي الى الدمار، لأن أخذ الضرائب سيضعف القدرة المالية للمنتجين وبالتالي سيؤدي الى ضعف الانتاج.

وهكذا يضع الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) أمام الحكومة التي لم تعرف مصدراً للدخل غيرالخراج يضع أمامها مبدءا اقتصادياً هاماً سيكون حين تطبيقه أحد الحوافز المهمة في الثورة الاقتصادية. فالاهتمام بالانتاج هو عصب الاقتصاد والسبيل الى الثروة فالانتاج سيزيد من ثروة الفلاحين وسيمكنهم من دفع الزكاة وكلما زاد الانتاج ازدادت الزكاة. وهكذا تتحسن الحالة الاقتصادية وستحقق الدولة أرباحاً كبيرة لبيت المال يوزع قسم منه على الفقراء وقسم آخر تعيده الى عجلة الانتاج من جديد من خلال الاستثمارات المشروعة التي يذهب ريعها للفقراء أيضاً وهكذا تتحرك العجلة الاقتصادية من جيد الى أجود. محققة حالة من الاكتفاء الاقتصادي ومستوا عاليا من الانتاج الداخلي.

 

السياسة الخارجية

تقوم السياسة الاسلامية على مبادىء وقواعد رصينة، ويأتي على رأس هذه المبادىء السلام.

فالسلام أصل ثابت في العلاقات الخارجية، بخلاف ما يقال إن الاسلام دين الحرب، وبخلاف مايقال عن أمير المؤمنين(عليه السلام) انه رجل الحرب.

أجل هو رجل الحرب عندما يكون السيف هو الوسيلة الوحيدة لإعادة الحق إلى نصابه.. لكنه رجل السلم أيضاً.

يقول أمير المؤمنين(عليه السلام):

ولاتدفعن صلحاً دعاك اليه عدوك ولله فيه رضا، فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك، وأمناً لبلادك.

ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه فإن العدو ربما قارب ليتغفل بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن.

ويستمد أميرالمؤمنين سياسته هذه من القرآن الكريم حيث جاء معلناً (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) الانفال/61.

فالحاكم يتحين كل الفرص لتحقيق السلام ويزج بكل الوسائل المتاحة لديه للوصول الى علاقات سلام مع الدول المجاورة له..

ويبرر الامام هذه السياسة بالأسباب التالية

ا- السلام راحة للجنود

هناك حرب لابدّ منها وهي عندما تفرضها عقيدة الجهاد أو يفرضها العدو فرضاً وما أكثر هذه الحروب في تأريخ الاسلام، وما أكثر الحروب التي أبتلي بها الامام علي (عليه السلام) عندما فرضت عليه فرضاً.

وكان على الحاكم أن يستعد لتلك الحرب المفروضة عليه الإستعداد الكافي.

لكن هناك حروباً يمكن تجنبها ولاداعي لها، فلابد من تجنبها حتى يتفرغ الجيش للحروب التي لابدّ منها وهي الحرب التي تتصدى للأعداء الحقيقيين.

2- راحة للحاكم من الهموم.

فالإنشغال بالحروب سيجعل الحاكم متوثباً في كل وقت قلقاً في كل زمان الأمر الذي سيجعله مضطرب البال باستمرار.

3- وأمنا للبلاد.

الحرب تقضي على فرص الأمن، فالغارات التي يشنها العدو على حدود الدولة الاسلامية وأساليب الإغتيال والإرهاب ستهدد أمن البلاد وستجعل رعايا الدولة في حالة توتر مستمر بسبب انهيار الحالة الأمنية.

ومع انعدام الأمن تشل برامج الدولة في التنمية والتوعية وتنهار الخطط الاقتصادية وتتوقف التجارة.

 

الوفاء بالعهود والمواثيق

إن همة الحاكم نحو السلام لاتنتهي وهي لاتعني منح الثقة الكامله للأعداء.

بل عليه تنظيم العلاقة بينه وبين الدول في اتفاقيات ومعاهدات، وكان عليه الوفاء لهذه العهود والمواثيق.

يقول الإمام:

وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عدوك بالوفاء وارع ذمتك بالأمانة واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فانه ليس من فرائض الله شيء، الناس أشد عليه اجتماعا، مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين، لما استوبلوا من عواقب القدر فلا تغدرن بذمتك، ولاتخسيس بعهدك ولاتختلن عدوك، فإنه لا يجترأ على الله.

موقف أصيل ينبع عن مقدرة على التصرف، ويدل على رصانة في الفعل سياسي.

فأول مبدأ من مبادىء العمل السياسي هو الاستقامة والصدق في التعامل، و بخلاف ما تقوم عليه السياسة المبتنية على المصلحة الضيقة التي تدفع بأصحابها الى تغيير مواقفهم باستمرار والى اخفاء النوايا واظهار مالايعكس الواقع.

فالعلاقة السياسية التي تتبناها الدولة الاسلامية هي علاقة منتظمة قائمة على مبادىء وتتحكم بها ضوابط وقواعد ولايمكن للحاكم الانفلات منها متى شاء نتيجة رغبة قصير العمر أو مصلحة موقتة.