mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 50.doc

بسم الله الرحمن الرحيم   

نتابع في محاضرتنا الأخيرة ما بدأناه من الحديث في المحاضرة السابقة، نقول نبدأ بالحديث أو بالأحرى نستمرّ في الحديث عن ظاهرة التوبة والمعطيات التربوية التي ينبغي أن تسلك في التعامل مع هذه الظاهرة ومدى ما يترتب على ذلك من معطيات مهمة بالنسبة إلى تعديل السلوك العبادي لدى هذه الشخصية، إن هذا الجانب كما لاحظتم يتصل بالتربية العبادية حيث قدمنا في محاضراتنا السابقة أكثر من ظاهرة ترتبط بهذا الجانب، أي التربية الشعائرية وما تنطوي عليه من المعطيات المتنوّعة حيث ختمنا ذلك بالحديث عن التوبة التي لا نزال نواصل الحديث عنها في هذه المحاضرة التي ننهي بها محاضراتنا عن التربية الإسلامية.

لقد بدأنا بالحديث عن التوبة بجملة ملاحظات انتهينا منها على الندم يجسد الخطوة الأولى من عمليات تعديل السلوك، إن الندم على الذنب في الواقع لا يجسد إلا بالنحو الذي قلناه في محاضرتنا السابقة أنه خطوة أولى ينبغي أن تتبعها خطوات أخرى في هذا الميدان، لذلك سوف نتوقف الآن عند توصية عيادية مهمة يقدمها الإمام علي (عليه السلام) في هذا الميدان، أي ميدان التوبة وما ينبغي أن يسلك حيال ذلك من ممارسات تفضي في النتيجة إلى تعديل السلوك، وهذا هو المعطى التربوي المهم الذي ينبغي علينا أن ندقق النظر فيه الآن ونقف عنده ونعني به المقولة الصادرة عن الإمام علي (عليه السلام) عبر حديثه عن التوبة والشروط المواكبة لها.

يقول الإمام علي (عليه السلام) وهو يعدّد شروط التوبة منها أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، والآن ما هي المعطيات الصحية لمثل هذه الممارسة التي طالبنا الإمام (عليه السلام) بها، لنتقدم بنموذج في هذا الميدان، لنفترض أن أحد الأِشخاص تعاون مع الظالمين ذات يوم فعمل في مؤسساتهم أو شاركهم في كلمة أو قصيدة أو ساعدهم بسلاح، ثم بدأ يحس بوخز الضمير فما هي خطوات التوبة في هذا الميدان؟

الخطوة الأولى: تتمثل في الندم على ما بدر منه.

الخطوة الثانية: أن يتحسس بالألم وكأنه جبل على صدره، ولعلكم تتذكرون هذا المثال أو التشبيه الذي قدمه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث حدثناكم عنه في محاضرات سابقة حينما قلنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شبّه الشخصية الإسلامية الواعية من حيث استجابتها لما صدر منها من ذنب، أنها تتحسس الذنب وكأنه جبل يجثم على صدرها، أما الشخصية العادية فتتحسس بالذنب وكأنه ذبابة يمرّ على وجهه، وفي حينه أوضحنا المعطيات المترتبة على السلوك الأول والمفارقات المترتبة على السلوك الثاني. المهم أن الخطوة الثانية هو أن تتحسس الشخصية بالألم وكأنه جبل على صدر التائب.

الخطوة الثالثة: إذاقة الجسم ألم الطاعة تكفيراً عن إذاقته حلاوة المعصية. ففي النموذج المتقدم كانت حلاوة المعصية تتقدم في العمل ضمن مؤسسة غير إسلامية، وكان المذنب يستهدف من عمله المذكور تأمين مرتّب شهري كما أن الكاذب أو الشاعر أو الخطيب الذي شارك الظلم في كلمته أو قصيدته أو خطبته كأن يستهدف إشباع رغبته إلى التقدير الاجتماعي أو يحظى بسمعة أو مكانة اجتماعية، كما أن الشخص الذي ساعده بالسلاح كان يستهدف تأمين حاجته وإشباعها إلى الأمن والراحة والحياة، كل هذه الأشخاص دفعت كل من الموظف والأديب والعسكري إلى التعاون مع الظالم وهو ما يجسد حلاوة المعصية، كما قال الإمام علي (عليه السلام) بصفة أن إشباع هذه الدوافع، أي الدافع إلى التقدير الاجتماعي أو الدافع إلى تملك المال أو الدافع إلى الأمن والحياة، هذه الدوافع وإشباعها تعد متعة نفسية حقيقة النماذج الثلاثة من خلال المعصية وهي التعاون مع الظلمة.

والآن فإن التكفير عن هذه المعصية ينبغي أن يتم من خلال ألم يتحمّله المذنب مقابلاً للمتعة التي حققها في معصيته، فالموظف الذي أشبع دافعه إلى تملّك المال من خلال المعصية ينبغي أن يتحمّل مرارة الفقر والخوف والقلق المترتب على هروبه من الدائرة مثلاً، والجندي الذي ساعد الظالمين بسلاحه تأميناً لحياته ينبغي أن يوجه سلاحه إلى آمريه الظلمة ويذيق حياته ألم الطاعة بأن يضحي بحياته أو بالهروب من ساحة المعركة متحملاً بذلك ألم التشريد أو التعذيب أو حتى السجن أو الإعدام.. الخ.

وأما الكاتب والشاعر فالمفروض أيضاً أن يتحملا نتائج الطاعة بما يواكبها من فقدان للتقدير الاجتماعي وبالمركز وبالسمعة التي انتشيا بها أثناء المعصية من خلال نشر الاسم أو الصورة في الصحيفة أو الإذاعة أو التلفاز فضلاً عن تحملها لسائر أشكال الألم من تشريد وجوع وذل وفقدان للمركز، والأمر نفسه يمكن أن نستشهد به بالنسبة إلى الممارسات المحرمة الأخرى كالممارسة الجنسية غير المشروعة بكلّ مستوياتها بدءاً من النظر وانتهاءً إلى العمل والعياذ بالله، حيث يمكننا أن نستشهد بنفس الخطوات السابقة التي ينبغي أن يسلكه الشخص وهو يبتعد عن المنبه الجنسي، ويذيق جسمه ونظره ألم الطاعة بدلاً من ألم المعصية.

طبيعياً إن إذاقة الجسم ألم الطاعة يظل ذا معطى صحي وأخروي أيضاً ليس في نطاق التكفير عن المعصية فحسب بل بنحو مطلق، فألم الطاعة حتى بالنسبة إلى من لم يرتكب المعصية يظل حاملاً معطياته المتنوعة في هذا الميدان، فإذا افترضنا أن شخصاً ملأ عينيه حراماً من امرأة، حينئذ فإن التوبة من المعصية المذكورة هي أن يدرّب ذاته على عدم النظر إلى المرأة الأجنبية وأن يتحمل الشدة المترتبة على ذلك بخاصة أن إشباع الدافع الجنسي والجمالي والعاطفي بنحوها غير المشروع قد رافقه تلذذ بالمعصية بشكل يكتسب سمة العادة التي يصاحب تغييرها نمط من الشدة كما هو واضح، بعكس المؤمن غير العاصي فيما أخذ على نفسه منذ البداية عدم تعريض الذات للمنبهات والمثيرات الجنسية، حيث يتجاوز هذه التجربة بصعوبة أقل في الواقع، ولكن مع ذلك فإن ألم الطاعة قد يعرّض المؤمن لشدة أكبر حجماً من الشدة التي تلازم التائب من الذنب، فإذا افترضنا أن أحد المؤمنين اضطر إلى أن يعمل في مؤسسة اجتماعية تحفل بكل ما هو مثير ومنبه جنسي حينئذ فإن ممارسته لتأجيل الإشباع غير المشروع يظل أشد ألماً من مذنب تائب لا يثير مثيراً جنسياً مماثلاً للمثير الذي واجهه المؤمن غير المذنب، والأمر ذاته إذا نقلناه إلى نطاق الموظف والشاعر والخطيب وو.. الخ.

المهم إن ما نستهدف لفت الانتباه إليه هو أن ألم الطاعة يظل معطى صحياً من حيث تحقيق التوازن الداخلي للشخصية،لذلك فإن مطالبة الإمام علي (عليه السلام) بإذاقة الجسم ألم الطاعة تظل من التوصيات العيادية التي ينبغي أن ينظر إليها من زاوية المبنى الصحي، بما يستتبع ذلك من تحقيق للتوازن الداخلي عند الشخصية، وسبب ذلك في الواقع أن التركيبة الإنسانية ما دامت تقوم أساساً على إشباع موضوعي للحاجات وما دام الإشباع غير المشروع يعد شذوذاً في السلوك، حينئذٍ فإن ألم الطاعة يقتاد الشخصية إلى النفور من المعصية كما قرّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، فإذا افترضنا أن أحد الأفراد عوّد نفسه على اغتياب المؤمن، ثم بدأ بتجربة جديدة هي التصميم على عدم الاغتياب من الآن فصاعداً، حينئذ فإن هذا التدريب على الطاعة في نهاية الأمر إلى أن تنفر من الاستماع إلى الغيبة، أي إن هذه الشخصية ستتحسس بالبرم وبالضيق من المجلس الذي أكل فيه اللحم الميت بعكس ما كانت عليه في أزمنة المعصية.

من هنا نكرر بأن مطالبة الإمام علي (عليه السلام) بإذاقة الجسم ألم الطاعة هو من التوصيات التي ينبغي أن ننظر إليه من زاوية المبنى الصحي بما يستتبع ذلك من تحقيق للتوازن الداخلي عند الشخصية، وهذا في الواقع يمثل جانباً من مفهوم التوبة وهو الندم على الذنب ثم بما يواكبه من الإحساس بالألم ومن تصميم على عدم العودة إليه، إلا أننا الآن ينبغي أن نتجه إلى الوجه الآخر من هذه العملية النفسية ألا وهو الصراع أو التأرجح أو التعلّق بين الرجاء والخوف حيث إن التوصيات الإسلامية تشير دائماً إلى أن الشخصية ينبغي أن تحيا بين الخوف والرجاء من النتائج المترتبة على ممارستها للذنب، ونظراً لأهمية هذا الجانب من حيث التوتر النفسي الذي تحياه الشخصية حينئذ ينبغي أن نلقي أيضاً إنارة عليه فنقول:

إن الاتجاهات النفسية والتربوية مثلاً تقول إن ما يميز الشخصية المريضة من الشخصية السليمة هو خلوّ الأخيرة من الصراع، فكيف يمكننا أن نوفق بين ذهابنا إلى أن الشخصية المؤمنة لا تحيا الصراع وبين قولنا أن التوبة تستدعي صراعاً بحيث ينبغي أن يحيا المؤمن صراعاً بين الرجاء والخوف وبين الرغبة والرهبة؟.

الإجابة على هذا السؤال تتوقف على أن نفرق أولاً بين أشكال الصراع، وثانياً ينبغي أن نفرز الصراع بمعناه العبادي عن الصراع بمعناه الأرضي. الصراع يعني في الواقع هو التردد بين أن نقدم على عمل وبين أن لا نقدم عليه، مثال ذلك أحد المؤمنين يجهل وظيفته الشرعية بين الذهاب إلى ساحة القتال أو العمل خارج الساحة، أو يجهل وظيفته الشرعية بين ضرورة ذهابه إلى ساحة المعركة أو عدم ضرورة ذلك، بحيث تغيم أمامه مرجحات أحد السلوكين ولا يعلم ماذا ينبغي أن يفعل؟! هنا تواجه مثل هذا الشخص جملة من الصراعات قد تقف فيه في نهاية الأمر إلى قرار ثابت في ترجيح أحد السلوكين، إما أن يتجه إلى الجهاد أو لا يتجه، وتحسم المشكلة ومثل هذا الحسم يتطلب وعياً عبادياً حيث تنار أمام الشخص وظيفته الشرعية. لكن بعض الأِشخاص يظل على جهل كامل بوظيفته الشرعية،في مثل هذه الحالة لا مفر من مواجهة الصراع، كما أن الحالة الأولى لا مفر فيها من مواجهة صراع أولي لحين اتضاح الموقف وبكلمة أخرى لا بد من الصراع في الحالتين ولكن لابد أن يتسم مثل هذا الصراع بكونه سمة صحية لا يختلف فيها اثنان لأن الخلو من الصراع بأي شكل كان في الواقع لا يمكن أن يتحقق لأي شخصية على وجه الأرض ما دام الإنسان بالضرورة لا يمتلك قدرة عقلية مطلقة في الإحاطة بحقائق الحياة.

إذن لابد من مواجهة بعض أشكال الصراع عند مواجهة أي عمل له خطورته في تحديد المصائر لهذا الشخص أو ذاك، وهذا القدر من الصراع يظل أمراً لا يختلف اثنان في ضرورته كما قلنا، وفي كونه سلوكاً اعتيادياً وصحياً لا غبار عليه، إلا أن السمة المرضية تبدأ عند الشخص مع سمة هذا النمط من التردد الذي لا يفضي به إلى اتخاذ موقف محدّد يحسم المشكلة، على أية حال هنا يثار سؤال في غاية الأهمية في ضوء ما فهمناه الآن من الصراع الدائر بين كونه صحياً وبين كونه مرضياً نقول السؤال يدور الآن على النحو الآتي: كيف يجتمع الخوف والأمل في آن واحد؟

عندما نتعامل مع الله سبحانه وتعالى عبر الاستغفار من الذنب أو بشكل مطلق هل هناك فارق بين تعاملنا مع الله تعالى وتعاملنا مع سائر ظواهر الحياة؟ وهل هناك فارق بين إقدامنا على عمل من الأعمال اليومية من حيث قناعتنا بالإخلاص في هذا العمل بحيث نحيا نفس السلوك المتأرجح بين مشاعر تحسسنا بأننا مقصرون مع أن ممارستنا لهذا السلوك يتم بإخلاص تام مثلاً؟

إن إثارة مثل هذه الأسئلة ذات أهمية كبيرة في الميدان التربوي وفي ميدان تعلم السلوك الصحي وانعكاس ذلك على سلامة الجهاز النفسي وعلى عدم سلامته، ولايضاح هذا الموضوع نقرأ التوصيات من جديد أولاً:

قال الإمام الباقر (عليه السلام): (ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران؛ نور خيفة ونور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا) إن هذه التوصية تنطوي على تحديد إحدى العمليات النفسية التي لا يفقهها علماء الأرض بطبيعة الحال، وهي توصية تجعل كلاً من الخوف من عقاب الله بحيث لو جاء العبد بعبادة الثقلين وهي توصية جديدة للقمان لابنه (عليه السلام) لكان خائفاً أيضاً ولو جاء بذنوب الثقلين لكان راجياً في الآن ذاته، لنتأمل من جديد كلاً من هاتين التوصيتين التي تلقيان إنارة كل واحدة على الآخرة، فإذا افترضنا أن أحد الناس مارس أعمالاً عبادية تساوي عبادة الثقلين لكان عليه أن يخاف الله من تقصيره في العبادة المشار إليها،وبالمقابل إذا افترضنا أن أحد الناس مارس ذنوباً توازن ذنوب الثقلين  لكان عليه أن يرجو الله في أن يعفو عنه، هذه الموازنة بين الخوف وبين الرجاء في أشد مستوياتهما تفصح عن نمط من العمليات النفسية التي تصل بين العبد وبين الله، وفق تأرجح أو صراع خاص يكتسب الفرد من خلاله أساساً صحياً يحقق له من التوازن الداخلي ما يخيل إليه انه افتقده في عملية التأرجح المذكور، ولكنه في الواقع يحقق التوازن بنحو يتصاعد العبد من خلاله إلى الذرى من تحرر جميع المكبوتات التي تراكمت في أعماقه بفعل متاعب الحياة وتجاربها اليومية التي تثقل أعماق الإنسان بما هو مؤذٍ وممزق ومقرف.

والحق إن التوازن الداخلي يتحقق عبر التعامل مع الله سبحانه وتعالى عندما نتحسس بأن ممارسة الطاعة مهما كبر حجمها تظلّ دون المطلوب ما دمنا أمام مبدع لا مثيل له ولا حدود لقدراته ونعمه فمثل هذا الانشداد إلى المبدع يكسبنا عافية في الواقع لا مثيل لها البتة، من هنا نقرر بأن الصحة النفسية في الواقع تكبر بقدر إحساسنا بالتقصير حيال المبدع المذكور، وبقدر ما نخاف الله سبحانه وتعالى في ذلك وبالمقابل فإن الصحة النفسية أو التوازن الداخلي يكبر بقدر ما نرجو ونأمل ونتوقّع من إحسان وعفو ومغفرة لذنوب حتى لو كانت توازن ذنوب الثقلين.

إن الصحة النفسية تتمثل في الواقع في ذلك التأرجح بين خوف له مسوّغاته كما ذكرنا لأننا مقصرون ومذنبون وبين رجاء له مسوّغاته أيضاً ما دمنا نعرف أن الأمل وحده سيعطّل تحركاتنا نحو المزيد من ممارسة العمل الخيّر وإن الخوف وحده سيعطّل تحركاتنا أيضاً، وبكلمة أشد وضوحاً إننا لو قمنا بممارسة واحدة وهي الأمل وحده أي أننا نطمأن كل الاطمئنان إلى أنه لا معاقبة علينا البتة حينئذٍ سنتعطل عن ممارسة أي عمل من الطاعة، والعكس إذا افترضنا أننا يأسنا تماماً من المغفرة حينئذٍ أيضاً سوف لا نمارس أي طاعة جديدة لأننا سلفاً نعرف أن العقاب الأخروي هو عقاب سلبي فلماذا الطاعة إذاً؟

إننا لنعتقد إن هذه التوصية، أي التوصية التي تؤرجح سلوكنا بين الأمل وبين الخوف تعد من أوضح الممارسات التربوية التي تدرب الشخصية على أن تتصاعد دائماً بممارساتها للطاعة وأن تتجنّب دائماً ممارساتها للمعصية لأن التأرجح بين الخوف يدفعها إلى أن تتجنب المعصية وبين الرجاء يدفعها إلى أن تمارس المزيد من الطاعة بالنحو الذي أوضحناه.

إلى هنا نعتقد أننا قد استطعنا أن نقدّم جانباً ولو عابراً من حديث التوبة ومعطياتها وما يترتب على ذلك من نتائج من خلال ما ينبغي أن يسلك خلال ذلك من طرائق تربوية تحدثنا عنها بالشكل الذي تقدّم الحديث عن ذلك.

الصحة النفسية

والآن بهذا الحديث ننتهي من محاضراتنا المرتبطة بالتربية الإسلامية ولكن قبل أن نودعكم في هذا الميدان نود أن نلفت نظركم إلى جانب مهم آخر لم تسمح به محاضراتنا بالتوفر عليه، ألا وهو أن نرسم للطالب بنحوٍ عام مبادئ الصحة النفسية أو المبادئ التربوية التي ينبغي أن تسلك لتحقيق الصحة العبادية والنفسية في هذا الميدان، ونحن نعرف جميعاً أن غالبية الاتجاهات الأرضية طالما ترسم هذه المبادئ تحت عنوان (مبادئ الصحة النفسية) وبالنسبة إلينا فإن المطلوب هو أن نقدم مبادئ الصحة النفسية والعبادية، أو لنقل مبادئ الصحة العبادية في التصور الإسلامي من حيث كونها تتضمن بالضرورة مبادئ الصحة النفسية أيضاً بالشكل الذي أكدناه في محاضراتنا السابقة، ولكن بما أن المجال لم يسع لأن نقدم مثل هذا الرسم لمبادئ الصحة العبادية حينئذ نحيل الطالب إلى قراءة نصٍّ إسلامي خطير كلّ الخطورة ولعلّ الغالبية ممن يعنى بالظاهرة الإسلامية لم يلتفت البتة إلى أهمية هذا النص الخطير الذي يرسم مبادئ الصحة النفسية والعبادية بشكل دقيق جداً، ألا وهو النص المتمثل في دعاء مكارم الأخلاق وهو أحد أدعية الصحيفة السجادية.

والواقع إننا قمنا بدراسة مفصلة لهذا الجانب إلا أن الوقت كما قلنا لم يسمح لنا بدراسة هذه المحاضرة المتصلة بدعاء مكارم الأخلاق، ولذلك نوصي الطالب بشكل مؤكد ونكرّر هذه التوصية ونقول إن الوقوف عند هذا النص العبادي أو هذا النص التربوي يشكّل أهمية كبيرة جداً في ميدان تعديل السلوك، ويوضح جميع مستويات السلوك الذي ينبغي أن نخطته لأنفسنا في تعاملنا مع ذواتنا ومع الآخرين ومع الله سبحانه وتعالى.

فمثلاً يتحدد بالنسبة إلى العلاقة بين الشخصية وبين تعاملها مع الآخرين وانعكاس ذلك على السلوك الاجتماعي بالشكل الذي أشرنا إليه في إحدى محاضراتنا حيث استشهدنا بنص يقول: (اللهم صل على محمد وآله ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها) إن هذا المقطع هو واحد من عشرين مقطعاً من الدعاء يتحدث عن تربية الذات التي طرحها علماء النفس وطرحناها أيضاً عبر محاضراتنا وحدثناكم مفصلاً عنها في محاضراتنا السابقة، وهكذا حينما نتابع سائر المقاطع التي يتضمنها هذا الدعاء حيث قلنا أنه يتضمن تعاملنا مع أنفسنا ومع الآخرين ومع الله سبحانه وتعالى، إنه يقدم لنا توصيات تربوية في تعاملنا مع الآخرين مثلاً من خلال قوله (عليه السلام): (اللهم صل على محمد وآله وسددني لأن أعارض من غشني بالنصح وأجزي من هجرني بالبر وأثيب من حرمني بالبذل وأكافي من قطعني بالصلة وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر وأن أشكر الحسنة وأغضي عن السيئة).

لاحظوا إن هذه الظواهر أو المفردات من السلوك المتصل بالغش وما يقابله بالنصح والقطيعة وما يقابلها من البذل والاغتياب وما يقابله من حسن الذكر، ومن ثم الشكر على الحسنة وان يغضى عن السيئة، إن أمثلة هذا السلوك حينما تمارسها الشخصية الإسلامية حينئذٍ ستصل إلى الذروة من تحقيق مفهوم السوية بمستوييها العبادي والصحي وهكذا حينما نتابع سائر المقاطع التي تضمنها هذا الدعاء، وإليكم مثلاً ما يرتبط بالتواصل أو التعامل مع الله سبحانه وتعالى، لنستمع جيداً إلى قول الإمام (عليه السلام) حينما يقول:

(اللهم اجعل ما يلقي الشيطان في روعي من التمني والتضني والحسد ذكراً لعظمتك وتفكراً في قدرتك وتدبيراً على عدوّك وما أجرى على لساني من لفظة فحش أو هجر أو شتم عرض أو شهادة باطل أو اغتياب مؤمن غائب أو سب حاضر وما أشبه ذلك نطقاً بالحمد لك وإغراقاً في الثناء عليك وذهاباً في تمجيدك وشكراً لنعمتك واعترافاً بإحسانك وإحصاء لمننك).

لاحظوا كيف أن هذه التوصية التربوية تنقل الشخصية من كونها تتمنى وتتضنى وتحسد وترتكب  فحشاً أو هجراً أو شتماً أو شهادة باطل أو اغتياب مؤمن أو سب حاضر.. الخ، كل هذا تحوله الشخصية من خلال هذا الدعاء إلى ممارسة سلوك مضاد هو الإغراء في الثناء على الله سبحانه وتعالى، الحمد لله سبحانه وتعالى، الذهاب في تمجيده سبحانه وتعالى، الشكر لنعمته سبحانه وتعالى، الاعتراف بإحسانه سبحانه وتعالى، الإحصاء لمننه سبحانه وتعالى. لاحظوا أن هذه الممارسات اللفظية التي يتعامل من خلالها غالبية الناس بعضهم مع الآخر من خلال الاغتياب ومن خلال اللفظة الفاحشة أو الشتم ومن خلال الحسد والتضني وما إلى ذلك.. لاحظوا كيف أن النص الإسلامي التربوي يحوّل هذه الممارسات من نطاقها الاجتماعي إلى نطاق التعامل مع الله سبحانه وتعالى فبدلاً من أن يذكر أحداً بسوء يحمد الله سبحانه وتعالى، وبدلاً من أن يشتم أحداً فإنه يغرق في الثناء على الله سبحانه وتعالى، وبدلاً من أن يحسد الآخرين يتجه إلى الله سبحانه وتعالى ويشكره على نعمه التي تفضّل بها على العبد وهكذا..

ولاحظوا أيضاً كيفية التعامل مع البيئة الخارجية بعد  التعامل مع الذات والتعامل مع الله والتعامل مع الآخرين يقول: (اللهم صل على محمد وآله واكفني مؤنة الاكتساب وارزقني من غير احتساب فلا أشتغل عن عبادتك بالطلب ولا أحتمل إصر تبعات المكسب، اللهم فاطلبني من قدرتك ما أطلبه وأجرني بعزتك مما أرهب وصن وجهي باليسار ولا تبتذل جاهي بالإقتار فأسترزق أهل رزقك وأستعطي شرار خلقك فافتتن بحمد من أعطاني وأبتلى بذم من منعني وأنت من دونهم ولي الإعطاء.. الخ)، لاحظوا أيضاً كيف يتعامل هذا النص تربوياً من خلال تحويل البيئة الخارجية المتمثلة في طلب الرزق، ويربطها بعدم الاشتغال عن عبادة الله سبحانه وتعالى، وكذلك بالنسبة إلى التعامل مع الناس حيث يستبدله بالتعامل مع الله من خلال البيئة الخارجية التي تفرض عليه حيناً أن يستعطي شرار الخلق مثلاً فيفتتن بحمد من أعطاه مع أن المعطي هو الله سبحانه وتعالى، وليس البشر المشار إليه.

المهم إن أمثلة هذه التوصيات التي لاحظتموها بدقة تظل في الواقع كما قلنا ونكرر تظل توصيات تربوية في غاية الأهمية بالنسبة لمن يستهدف تعديل سلوكه ومن يتطلع إلى المبادئ الصحية التي تحقق صحة نفسية وعبادية للشخصية.

من هنا سوف أتلو عليكم هذا الدعاء وأرجو منكم كما قلت أن تدققوا في كل فقرة منه واختتام محاضرتنا بهذا الدعاء سيكون بركة إنشاء الله لكم ولنا ولجميع المؤمنين ويكون في الواقع تذكيراً لكم بما ينبغي أن تسلكوه حيال الوظيفة العبادية الملقاة على عاتقنا جميعاً.

بسم الله الرحمن الرحيم

أَللّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَبَلِّغْ بِإِيماني أَكْمَلَ الاْيمانِ وَاجْعَلْ يَقيني أَفْضَلَ الْيَقينِ وَانْتَهِ بِنِيَّتي إِلى أَحْسَنِ النِّيّاتِ وَبِعَمَلي إِلى أَحْسَنِ الأَعْمالِ.

أَللّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتي وَصَحِّحْ بِما عِنْدَكَ يَقيني وَاسْتَصْلِحْ بِقُدْرَتِكَ ما فَسَدَ مِنّي.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِني ما يَشْغَلُنِي الاِْهْتِمامُ بِهِ وَاسْتَعْمِلْني بِما تَسْأَلُني غَداً عَنْهُ وَاسْتَفْرِغْ أَيّامي فيما خَلَقْتَني لَهُ وَأَغْنِني وَأَوْسِعْ عَلَيَّ من رِزْقِكَ وَلا تَفْتِنّي بِالنَّظَرِ وَأَعِزَّني وَلا تَبْتَلِيَنّي بالْكِبْرِ وَعَبِّدْني لَكَ وَلا تُفْسِدْ عِبادَتي بِالْعُجْبِ وَأَجْرِ اِلنّاسِ عَلى يَدِيَ الْخَيْرَ وَلا تَمْحَقْهُ بِالْمَنِّ وَهَبْ لي مَعالِيَ الأَخْلاقِ وَاعْصِمْني مِنَ الْفَخْرِ. 

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَلا تَرْفَعْني فِي النّاسِ دَرَجَةً إِلاّ حَطَطْتَني عِنْدَ نَفْسي مِثْلَهَا وَلا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظَاهِراً إِلاّ أَحْدَثْتَ لي ذِلاً باطِنَاً عِنْدَ نَفْسي بِقَدَرِها.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمَتِّعْني بِهُدىً صالِحٍ لا أَسْتَبْدِلُ بِهِ وَطَريقَةِ حَقٍّ لا أَزيغُ عَنْها وَنِيَّةِ رُشْدٍ لا أَشُكُّ فيها وَعَمِّرْني مَا كَانَ عُمْري بِذْلَةً في طاعَتِكَ فَإِذا كانَ عُمْري مَرْتَعاً لِلشَّيْطانِ فَاقْبِضْني إِلَيْكَ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُكَ إِلَيَّ أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ.

أَللّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنّي إِلاّ أَصْلَحْتَها وَلا عَائِبَةً أُؤَنَّبُ بِها إِلاّ حَسَّنْتَها وَلا أُكْرُومَةً فِيَّ ناقِصَةً إِلاّ أتْمَمْتَها.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَبْدِلْني مِنْ بِغْضَةِ أَهْلِ الشَّنَآنِ الْمَحَبَّةَ، وَمِنْ حَسَدِ أَهْلِ الْبَغْيِ الْمَوَدَّةَ وَمِنْ ظِنَّةِ أَهْلِ الصَّلاحِ الثِّقَةَ وَمِنْ عَداوَةِ الْأَدْنَيْنَ الْوَلايَةَ وَمِنْ عُقُوقِ ذَوِي الْأَرْحامِ الْمَبَرَّةَ وَمِنْ خِذْلانِ الْأَقْرَبينَ النُّصْرَةَ وَمِنْ حُبِّ الْمُدارينَ تَصْحيحَ الْمِقَةِ وَمِنْ رَدِّ الْمُلابِسينَ كَرَمَ الْعِشْرةِ وَمِنْ مَرَارَةِ خَوْفِ الظّالمِينَ حَلاوَةَ الْأَمَنَةِ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْ لي يَداً عَلى مَنْ ظَلَمَني وَلِساناً عَلى مَنْ خاصَمَني وَظَفَراً بِمَنْ عَانَدَنِي وَهَبْ لِي مَكْراً عَلى مَنْ كايَدَني وَقُدْرَةً عَلَى مَنِ اضْطَهَدَني وَتَكْذيباً لِمَنْ قَصَبَنِي وَسَلامَةً مِمَّنْ تَوَعَّدَنِي وَوَفِّقْني لِطاعَةِ مَنْ سَدَّدَنِي ومُتابَعَةِ مَنْ أَرْشَدَني. أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَدِّدْنِي لِأَنْ أُعارِضَ مَنْ غَشَّني بِالنُّصْحِ وَأَجْزِيَ مَنْ هَجَرَني بِالْبِرِّ وَأُثيبَ مَنْ حَرَمَني بِالْبَذْلِ وَأُكافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ وَأُخالِفَ مَنِ اغْتابَني إِلى حُسْنِ الذِّكْرِ وَأَنْ أَشْكُرَ الْحَسَنَةَ وَأُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَحَلِّني بِحِلْيَةِ الصّالِحينَ وَأَلْبِسْنِي زينَةَ الْمُتَّقينَ في بَسْطِ الْعَدْلِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ وَإِطْفاءِ النّائِرَةِ وَضَمِّ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَإِصْلاحِ ذاتِ الْبَيْنِ وَإِفْشاءِ الْعارِفَةِ وَسَتْرِ الْعائِبَةِ وَلينِ الْعَريكَةِ وَخَفْضِ الْجَناحِ وَحُسْنِ السّيرَةِ وَسُكُونِ الرِّيحِ وَطيبِ الْمُخالَقَةِ والسَّبْقِ إِلَى الْفَضيلَةِ وَإِيثارِ التَّفَضُّلِ وَتَرْكِ التَّعْييرِ وَالْأفْضَالِ عَلى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ وَالْقَوْلِ بِالْحَقِّ وَإِنْ عَزَّ وَاسْتِقْلالِ الْخَيْرِ وَإِنْ كَثُرَ مِنْ قَوْلي وَفِعْلي وَاسْتِكْثارِ الشَّرِّ وَإِنْ قَلَّ مِنْ قَوْلي وَفِعْلي وَأَكْمِلْ ذلِكَ لي بِدَوامِ الطّاعَةِ وَلُزُومِ الْجَماعَةِ وَرَفْضِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَمُسْتَعْمِلِي الرَّأْيِ الْمُخْتَرَعِ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْ أَوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ إِذَا كَبُرْتُ وَأَقْوَى قُوَّتِكَ فِيَّ إِذا نَصِبْتُ وَلا تَبْتَلِيَنّي بِالْكَسَلِ عَنْ عِبادَتِكَ وَلا الْعَمَى عَنْ سَبيلِكَ وَلا بِالتَّعَرُّضِ لِخِلافِ مَحَبَّتِكَ وَلا مُجَامَعَةِ مَنْ تَفَرَّقَ عَنْكَ وَلا مُفارَقَةِ مَنِ اجْتَمَعَ إِلَيْكَ. أَللّهُمَّ اجْعَلْني أَصُولُ بِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَسْأَلُكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَأَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ عِنْدَ الْمَسْكَنَةِ وَلا تَفْتِنّي بِالاْسْتِعانَةِ بِغَيْرِكَ إِذَا اضْطُرِرْتُ وَلا بِالْخُضُوعِ لِسُؤالِ غَيْرِكَ إِذَا افْتَقَرْتُ وَلا بِالتَّضَرُّعِ إِلى مَنْ دُونَكَ إِذا رَهِبْتُ فَأَسْتَحِقَّ بِذلِكَ خِذْلانَكَ وَمَنْعَكَ وَإِعْراضَكَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ. أَللّهُمَّ اجْعَلْ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ في رَوْعِي مِنَ التَّمَنِّي وَالتَّظَنّي وَالْحَسَدِ ذِكْراً لِعَظَمَتِكَ وَتَفَكُّراً في قَدْرَتِكَ وَتَدْبيراً عَلى عَدُوِّكَ وَمَا أَجْرَى عَلى لِسَانِي مِنْ لَفْظَةِ فُحْش أَوْ هُجْر، أَوْ شَتْمِ عِرْضٍ أَوْ شَهادَةِ باطِلٍ أَوِ اغْتِيابِ مُؤْمِنٍ غائِبٍ أَوْ سَبِّ حَاضِرٍ وَما أَشْبَهَ ذلِكَ نُطْقاً بِالْحَمدِ لَكَ وَإِغْراقاً فِي الثَّناءِ عَلَيْكَ وَذَهابَاً فِي تَمْجيدِكَ وَشُكْراً لِنِعْمَتِكَ وَاعْتِرافاً بِإِحْسانِكَ وَإِحْصاءً لِمِنَنِكَ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَلا أُظْلَمَنَّ وَأنْتَ مُطيقٌ لِلدَّفْعِ عَنِّي وَلا أَظْلِمَنَّ وَأَنْتَ الْقَادِرُ عَلَى الْقَبْضِ مِنّي وَلا أَضِلَّنَّ وَقَدْ أَمْكَنَتْكَ هِدايَتِي وَلا أَفْتَقِرَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُسْعِي وَلا أَطْغَيَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُجْدِي. أَللّهُمَّ إِلى مَغْفِرَتِكَ وَفَدْتُ وَإِلى عَفْوِكَ قَصَدْتُ وَإِلى تَجاوُزِكَ اشْتَقْتُ وَبِفَضْلِكَ وَثِقْتُ وَلَيْسَ عِنْدِي مَا يُوجِبُ لي مَغْفِرَتَكَ وَلا في عَمَلِي مَا أَسْتَحِقُّ بِهِ عَفْوَكَ وَمَا لِي بَعْدَ أَنْ حَكَمْتُ عَلَى نَفْسي إِلاّ فَضْلُكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَ تَفَضَّلْ عَلَيَّ. أَللّهُمَّ وَأَنْطِقْني بِالْهُدَى وَأَلْهِمْنِي التَّقْوَى وَوَفِّقْني لِلَّتي هِىَ أَزْكَى وَاسْتَعْمِلْني بِما هُوَ أَرْضَى. أَللّهُمَّ أُسْلُكْ بِيَ الطَّريقَةَ الْمُثْلَى وَاجَعَلْنِي عَلَى مِلَّتِكَ أَمُوتُ وَأَحْيا. 

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَمَتِّعْني بِالاْقْتِصادِ وَاجْعَلْني مِنْ أَهْلِ السَّدادِ وَمِنْ أَدِلَّةِ الرَّشادِ وَمِنْ صَالِحِي الْعِبادِ وارْزُقْني فَوْزَ الْمَعادِ وَسَلامَةَ الْمِرْصادِ. أَللّهُمَّ خُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ نَفْسِي مَا يُخَلِّصُها وَأَبْقِ لِنَفْسِي مِنْ نَفْسِي مَا يُصْلِحُها فَإِنَّ نَفْسِي هالِكَةٌ أَوْ تَعْصِمُها. أَللّهُمَّ أَنْتَ عُدَّتِي إِنْ حَزِنْتُ وَأَنْتَ مُنْتَجَعِي إِنْ حُرِمْتُ وَبِكَ اسْتِغاثَتي إِنْ كَرِثْتُ وَعِنْدَكَ مِمّا فَاتَ خَلَفٌ وَلِمَا فَسَدَ صَلاحٌ وَفِيمَا أَنْكَرْتَ تَغْييرٌ فَامْنُنْ عَلَيَّ قَبْلَ الْبَلاءِ بِالْعافِيَةِ وَقَبْلَ الطَّلَبِ بِالْجِدَةِ وَقَبْلَ الضَّلالِ بِالرَّشادِ وَاكْفِني مَؤُونَةَ مَعَرَّةِ الْعِبادِ وَهَبْ لِي أَمْنَ يَوْمِ الْمَعادِ وَامْنَحْني حُسْنَ الِإِرْشادِ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَادْرَأْ عَنّي بِلُطْفِكَ وَاغْذُني بِنِعْمَتِكَ وَأَصْلِحْني بِكَرَمِكَ وَدَاوِني بِصُنْعِكَ وَأَظِلَّني في ذَرَاكَ وَجَلِّلْني رِضَاكَ وَوَفِّقْني إِذَا اشْتَكَلَتْ عَلَيَّ اْلأُمُورُ لإِهْداهَا وَإِذا تَشَابَهَتِ الْأَعْمالُ لإِزْكَاهَا وَإِذا تَناقَضَتِ الْمِلَلُ لإِرْضَاهَا. 

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَتَوِّجْني بِالْكِفايَةِ، وَسُمْنِي حُسْنَ الْوِلايَةِ وَهَبْ لِي صِدْقَ الْهِدايَةِ وَلا تَفْتِنّي بِالسَّعَةِ وَامْنَحْني حُسْنَ الدَّعَةِ وَلا تَجْعَلْ عَيْشي كَدّاً كَدّاً وَلا تَرُدَّ دُعائي عَلَيَّ رَدّاً فَإِنّي لا أَجْعَلُ لَكَ ضِدّاً وَلا أَدْعُو مَعَكَ نِدَّاً.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَامْنَعْني مِنَ السَّرَفِ وَحَصِّنْ رِزْقي مِنَ التَّلَفِ وَوَفِّرْ مَلَكَتي بِالْبَرَكَةِ فيهِ وَأَصِبْ بِي سَبِيلَ الْهِدايَةِ لِلْبِرِّ فيما أُنْفِقُ مِنْهُ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاكْفِني مَؤُونَةَ الِاكْتِسابِ وَارْزُقْني مِنْ غَيْرِ احْتِسَاب فَلا أَشْتَغِلَ عَنْ عِبادَتِكَ بِالطَّلَبِ وَلا أَحْتَمِلَ إِصْرَ تَبِعاتِ الْمَكْسَبِ. أَللّهُمَّ فَأَطْلِبْني بِقُدْرَتِكَ مَا أَطْلُبُ وَأَجِرْني بِعِزَّتِكَ مِمّا أَرْهَبُ. أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصُنْ وَجْهي بِالْيَسارِ وَلا تَبْتَذِلْ جَاهِي بِالْإِقْتارِ فَأَسْتَرْزِقَ أَهْلَ رِزْقِكَ وَأَسْتَعْطِيَ شِرارَ خَلْقِكَ فَأَفْتَتِنَ بِحَمْدِ مَنْ أَعْطاني وَأَبْتَلِىَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَني وَأَنْتَ مِنْ دُونِهِمْ وَلِيُّ الْإِعْطاءِ وَالْمَنْعِ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَارْزُقْني صِحَّةً في عِبادَةٍ وَفَراغاً في زَهادَةٍ وَعِلْماً فِي اسْتِعْمالٍ وَوَرَعاً في إِجْمالٍ. أَللّهُمَّ اخْتِمْ بِعَفْوِكَ أَجَلِي وَحَقِّقْ في رَجَاءِ رَحْمَتِكَ أَمَلِي وَسَهِّلْ إِلى بُلوُغِ رِضَاكَ سُبُلي وَحَسِّنْ في جَميعِ أَحْوالي عَمَلي.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَنَبِّهْني لِذِكْرِكَ في أَوْقَاتِ الْغَفْلَةِ وَاسْتَعْمِلْني بِطاعَتِكَ في أَيّامِ الْمُهْلَةِ وَانْهَجْ لي إِلى مَحَبَّتِكَ سَبيلاً سَهْلَةً أَكْمِلْ لي بِهَا خَيْرَ الدُّنْيا وَالآخِرْةِ.

أَللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَد مِنْ خَلْقِكَ قَبْلَهُ وَأَنْتَ مُصَلٍّ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَهُ وَآتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا بِرَحْمَتِكَ عَذابَ النَّارِ يا أرحم الراحمين.

لقد قرأت عليكم هذا الدعاء بأكمله إلا أن التدقيق فيه كما لاحظتم سوف يستجرّكم إلى أن تستحضروا ذاكرتكم بما قدمناه في محاضراتنا الأولى عن التقسيم أو التصنيف الإسلامي للسلوك ومقارنة ذلك بالتصنيف الأرضي المعاصر حيث أوضحنا في حينه، أن التوصيات الإسلامية تقدم تصنيفاً للسلوك يستجمع جميع الأنماط بمستوييها العبادي والنفسي، ولكننا في حينه لم نستشهد بالتصنيف الذي قدمه الإمام زين العابدين (عليه السلام) في هذا المجال، فأنتم لاحظتم من خلال القراءة السريعة جداً كيف أن هذا الخطاب أو هذا النص التربوي يتضمن عشرين مفردة كل مفردة من السلوك تتفرّع إلى جملة ظواهر وكلّ واحدة من هذه المقاطع يفتتح بالصلاة على محمد وآله تمييزاً لمستويات كلّ ظاهرة وتفريعاتها حيث إذا دققتم النظر في ذلك لاحظتم كيف أن النص يبدأ من خلال بناء هندسي خاص في طرح هذه الظواهر من السلوك أو في طرح هذا التصنيف الذي خضع لعمارة هندسية محكمة من حيث التدرّج في طرح الظواهر والانتهاء منها إلى نتيجة محددة لا يمكننا الآن بطبيعة الحال أن نحدثكم عنها ولعلّنا نوفّق في محاضرات لاحقة إنشاء الله.

وهذا لا يعفيكم كما قلت وأكرر من النظر إلى هذا النص التربوي الخطير جداً، وأكرر أن هذا النص التربوي يحمل خطورة مهمة لا يمكننا أن نحدثكم عنها إلا إذا وفقنا إلى تفصيل الحديث عن ذلك مفردة مفردة، إلا أن الوقت لا يسعنا في ذلك.

المهم لقد بدأنا بالحديث عن التربية الإسلامية بالحديث عن التركيبة البشرية وقلنا أن الحديث عن التركيبة البشرية يقتاد المعني بشؤون التربية أن ينحو من خلال وقوفه على طبيعة التركيبة البشرية أن يسلك العمليات التربوية التي تتوافق مع إدراكنا لفهم الطبيعة المشار إليها، ثم تحدثنا بعد ذلك عن عنصري الوراثة والبيئة وما ينبغي أن يسلك حيالهما من العمليات التربوية لتحسين السلوك وتعديله.

بعد ذلك تحدثنا عن ميادين التربية كما تحدثنا عن أنماطها حيث بدأنا ذلك بالحديث عن مراحل التربية في مختلف المراحل التي تجتازها الشخصية بدءاً من الطفولة الأولى فالثانية فالمراهقة فالمرحلة الراشدة، فالمراحل الفرعية التي تنتظم كل مرحلة رئيسة. وقبلها قد حدثناكم عن المراحل السابقة أيضاً على الولادة وهي مراحل الانتقاء الزوجي فمرحلة الحمل فمرحلة النفاس إلى آخر ذلك، بعد ذلك تحدثنا عن تصنيفات السلوك وبينا التصنيفات الإسلامية مقارنةً بالتصنيفات الأرضية وفصّلنا الحديث عن ذلك وانتهينا إلى أن الإسلام في فرزه للمفردات المرتبطة بالسلوك يظل في الواقع يربط بين ما هو نفسي وبين ما هو عبادي وأنه لا سبيل إلى الفصل بينهما من حيث التصور العبادي، وإن كان من الممكن فصل ذلك من التصور الأرضي وانتهينا من ذلك إلى الحديث عن الدوافع وتصنيفها وما يتصل بها من عمليات تربوية ينبغي أن تسلك لتنظيم الدوافع والنفسية وانتهينا أخيراً إلى الحديث عن السمات الشعائرية وتحدثنا عن جملة من مفرداتها وانتهينا إلى مفهوم التوبة الذي يعد حسماً للسلوك التربوي المعدّل.

وبهذا ينتهي حديثنا عن التربية الإسلامية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..