المادة: العقائد
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 009.doc

منهج ديكارت

لكي يتجرد هذا الفيلسوف الفرنسي الذي عاش في القرن السادس عشر بعد الميلاد من تأثير الأفكار الراسخة في ذهنه، والمترسبّة عن مجموعة التقاليد والقيم الموروثة، بدأ فلسفته من الصفر، أي أنه اعتبر كل ما تعلّمه من والديه، وأستاذه، ومطالعاته بمنزلة العدم، وتناسى كل تلك المعلومات، وراح يبحث عن قواعد جديدة لا يدعها ترسخ في ذهنه إلا بعد اليقين بها(1).

ولم يكن تشكيكه في قيمة المعلومات المترسبّة في ذهنه انضواءاً منه تحت راية السوفسطائيين الذين أنكروا الحقائق وقالوا: كلّ ما ندركه ونحسّ به فإنّما هو من صنع خيالنا وتصوّرنا... كلاّ، بل ليتخذ من الشك طريقاً إلى اليقين، ولهذا فقد سمّاه بـ (الشك الدستوري).

وكانت الخطوة الأولى التي خطاها في سبيل اكتساب الحقائق والإيمان بها إذعانه بجملة واحدة ((أنا أفكر، فأنا إذن موجود))، وهكذا بدأ يبني أفكاره الفلسفية انطلاقاً من هذه البداية اليقينية.

لقد نقلت عن (ديكارت) ثلاثة براهين على وجود الله تعالى، ولكن البرهان الواضح من بينها هو البرهان الآتي:

((إني أفكّر في وجودي هل هو مستقل، أم أنه مستمد من وجود آخر؟

لو كان وجودي مستقلاً مستنداً إلى نفسي، لكنت أستأثر بكل الكمالات لنفسي، ولم يكن يعتريني الشك والرجاء والحاجة، وبعبارة أخرى كنت أصبح إلهاً. ولكن حيث أني عاجز عن إعطاء الكمال لنفسي لا يعقل أن أكون سبباً لوجود نفسي.

هذا مضافاً إلى أني كنت قادراً على منح الوجود لنفسي، فالمفروض أن أكون قادراً على إدامة وجودي وحياتي... في حين أني أرى نفسي عاجزاً عن ذلك.

أستكشف من ذلك أن بقائي موجوداً مستند إلى وجود آخر، هو الله (أي الوجود الكامل القائم بذاته)، وحيث أنه قائم بذاته فهو حائز لجميع الكمالات بالفعل لا بالقوّة، لأن الكمال بالقوّة هو النقص بعينه.

وغني عن البيان أنّ انتساب وجودي إلى الوالدين لا يحل المشكلة... لأن ما يمكن إسناده إلى الوالدين هو الجسم فقط، في حين أنّا نبحث عن النفس(2).

هذا البرهان يقربُ إلى البرهان المذكور في احتجاج للإمام الصادق (عليه السلام) مع أحد الملحدين، وملخصه: - أن الإنسان إما أن يكون قد خلق نفسه أو خلقه الخالق، والفرض الأوّل باطل لأنه إمّا أن يكون قد خلق نفسه قبل أن يوجد، أو بعد أن وُجد. على الفرض الأوّل يلزم أن يكون فاقد الشيء معطياً إياه ومن البديهي أن (فاقد الشيء لا يعطيه). وعلى الفرض الثاني يلزم تحصيل الحاصل وهو محال.

لا يقال: خلقه أبواه.

لأنه يقال: تستمر سلسلة الآباء والأمهات حتى (آدم) و(حوّاء)، وليس لهما أبوان.

ولا يقال: خُلق من تلقاء نفسه.

لأنا أثبتنا: بطلان الصدفة.

إذن لا مفرّ من الإذعان بأن خالقاً حكيماً مدبراً عظيماً خلق الإنسان.

ــــــــــــــ

الهامش

 (1) - لمزيد من الاطلاع على فلسفة ديكارت يراجع، 1-أعلام الفلسفة كيف نفهمهم: تأليف هنري توماس. 2-قصة الفلسفة الحديثة: تأليف كرم ملحم كرم.$3-قصة الفلسفة: تاليف ويل ديورانت.$4-رينيه ديكارت أبو الفلسفة الحديثة: تأليف كما الحاج.

 (2)- سير حكمت درادروبا: تأليف محمد علي فروغي ج1/167.