المادة: العقائد
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 010.doc

عمر الكون

وما دمُنا نناقش موضوع عدم أزلية الكون، فلا بأس بأن نلقي نظرة على التقديرات السائدة عن عمر الكون.

1- استناداً إلى ما ورد في (التوراة) فإن الاعتقاد كان سائداً بأن عمر الكون لا يتجاوز بضعة آلاف من السنين.

2- وتسربت هذه النظرة إلى الذهنية الإسلامية على يد كعب الأحبار ووهب بن منبه، فراحوا يقدرّون عمر الكون بسبعة آلاف سنة، وربما ذكروا تحديداً أخص فقالوا: إن ذلك بداية هبوط آدم إلى الأرض.

3- حدد العالم الفرنسي (بوفون) سنة 1778 ميلادية، عمر الأرض بـ7500 سنة.

4- بالتقدّم العلمي الحاصل في عصر النهضة الحديثة استطاع علماء الطبيعة من وضع أرقام جديدة لعمر الأرض اعتماداً على دراسة سرعة انحلال بعض المواد المشّعة كالراديوم واليورانيوم، فقالوا:

أ - عمر الأرض 3مليارات من السنين.

ب - إن الحياة دبّت على سطح الأرض منذ 1800 مليون سنة.

ج - إن الإنسان مشى على قدميه منذ أكثر من ثلاثة ملايين سنة.

5- وهناك افتراض آخر يقول: إن الكون وجد نتيجة لانفجار غير عادي وقع منذ 5 ملايين سنة.

كل هذه التقديرات تعني أن لهذا الكون بداية، وأنه لم يكن موجوداً منذ الأزل، فهو حادث وليس أزلياً.

العلم يبطل أزلية المادة.

لقد أسدت الجهود العملية بما كشفته من قوانين طبيعية في مختلف ميادينها، خدمة كبرى في تثبيت أقدام المعرفة على أسس قويمة، وأضافت - بغير قصد - أدلة أخرى جديدة لإثبات الحقيقة الإلهية المطلقة، تختلف بطبيعتها عن الأدلة الفلسفية التي سادت من قبل.

وهي تدل دلالة واضحةً على عدم صحة افتراض أزلية الكون والمادة.

ولنقرأ الآن ما يقوله العلماء من أهل الإختصاص حول افتراض أزلية المادة.

أولاً: قانون الحرارة الديناميكية يبطل أزلية المادة:

يقول الأخصائي في علم الحيوان والحشرات، السير أدوار لوثر كيل:

((قد يعتقد بعضهم أن هذا الكون هو خالق نفسه، على حين يرى البعض الآخر أن الاعتقاد في أزلية هذا الكون ليس بأصعب من الاعتقاد في وجود إلهٍ أزلي.

ولكن القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية يثبت خطأ الرأي القائل بأزلية المادة والكون فالعلوم تثبت بكل وضوح أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزلياً، فهناك انتقال حراري مستمر إلى الأجسام الباردة، ولا يمكن أن يحدث العكس بقوة ذاتية، بحيث تعود الحرارة فترتد من الأجسام الباردة إلى الأجسام الحارة.

ومعنى ذلك أن الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام وينضب فيها معين الطاقة ويومئذٍ لن تكون هنالك عمليات كيماوية أو طبيعية، ولن يكون هنالك أثر للحياة نفسها في هذا الكون.

ولما كانت الحياة لا تزال قائمة، ولا تزال العمليات الكيمياوية والطبيعية تسير في طريقها، فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزلياً، وإلا لاستهلكت طاقته منذ زمن بعيد، وتوقف كل نشاط في الوجود.

وهكذا توصلت العلوم - دون قصد - إلى أن لهذا الكون بداية(1).

وقال هذا نفس الشيء (السير جيمس):

((تؤمن العلوم الحديثة بأن عملية تغير الحرارة سوف تستمر حتى تنتهي طاقاتها كليةً، ولم تصل هذه العملية حتى الآن إلى آخر درجاتها، لأنه لو حدث شيء مثل هذا لما كنا الآن موجودين على ظهر الأرض حتى نفكر فيها؟

إن هذه العملية تتقدم بسرعة مع الزمن، ومن ثم لابد لها من بداية، ولابد أنه قد حدثت عملية في الكون يمكن أن نسميها (خلقاً في وقتٍ ما) حيث لا يمكن أن يكون هذا الكون أزلياً.. (2).

ويقول فرانك إللن عالم الطبيعة البيولوجية:

((إن قوانين الديناميكا الحرارية تدل على أن مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجياً، وأنها سارة حتماً إلى يوم تصير فيه جميع الأجسام تحت درجة من الحرارة بالغة الانخفاض هي الصفر المطلق، ويومئذٍ تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة، ولا مناص من حدوث هذه الحالة من إنعدام الطاقات عندما تصل درجة حرارة الأجسام إلى الصفر المطلق بمضي الوقت.

أما الشمس المستعرة والنجوم المتوهجة والأرض الغنية بأنواع الحياة، فكلها دليل واضح على أن أصل الكون أو أساسه يرتبط بزمانٍ ما من خطة معينة، فهو إذن حدث من الأحداث.

وقد أدرك (سير إسحاق نيوتن) أن نظام هذا الكون يتجه نحو الانحلال، ويقترب من مرحلة تتساوى فيها درجة حرارة سائر مكوناته، ووصل من ذلك إلى أنه لابد أن يكون لهذا الكون بداية...

وأيدت دراسة الحرارة هذه الآراء، وساعدت على التميز بين الطاقة الميسورة والطاقة غير الميسورة، وقد وجد أنه عند حدوث أي تغيرات حرارية، فإن جزءاً معيناً من الطاقة الميسورة يتحول إلى طاقة غير ميسورة، وأنه لا سبيل إلى أن يسير هذا التحول في الطبيعة بطريقة عكسية، وهذا هو القانون الثاني من الديناميكا الحرارية(3).

وقد اهتم (بولتزمان) بتمحيص هذه الظاهرة، وأثبت أن فقدان الطاقة الميسورة الذي يسير إليه القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية ليس إلا حالة خاصة من ظاهرة عامة تشير إلى أن كل تحول أو تغيّر طبيعي يصحبه تحلل أو نقص في النظام الكوني(5).

وبكلمة ثانية.

إن القانون المسمى بـ (قانون الطاقة المتاحة) أو (ضابط التغير) يصف لنا أن الحرارة تنتقل دائماً من (وجود حراري) إلى (عدم حراري)، والعكس غير ممكن، وهو أن تنتقل هذه الحرارة من (وجود حراري قليل) أو (وجود حراري عدم) إلى (وجود حراري أكثر).

وانطلاقاً من هذه الحقيقة القائلة بأن العمليات الكيماوية والطبيعية جارية، وأن الحياة قائمة يثبت لدينا قطعاً أن الكون ليس بأزلي، وإلا لكان من ا للازم أن يفقد طاقته منذ زمن بعيد، ولما بقي من الكون بصيص من الحياة)).

ولكن المادية الجدلية عندما تصطدم بهذه الحقيقة التي تنسف أهم ركيزة لها، تحاول التقليل من أهميتها، فتقول: إن قانون الموت الحراري للكون لا أساس له من الصحة، وهذا يشبه الاستدلال على الشيء بنفسه، وعلى صحة الدعوى بالدعوى نفسها، وهو لغو ومصادرة ولعب بالألفاظ.

فالقانون المشار إليه يقول: لو كانت المادة أزلية، أو كان الكون أزلياً لانتهى منذ زمن بعيد، وبما أن الحياة فيه ما زالت قائمة فهو يعني أنه ليس أزلياً ولا نهائياً، فقولهم المشار إليه ليس إلا مصادرة.

ومن جهة ثانية: إنه إذا كان المبدأ الأساسي الذي تقدمه المادية الجدلية هو أزلية المادية بصفة كلية، بحيث لا يشذ عنها جزء منها، فإن معطيات ذلك القانون يبطل هذه الكلية التي تريد المادية الجدلية فرضها.

وإذا صح عدم أزلية المادة ولو في أجزاء منها، فإن هذا يشير إلى أن مبدأ أزلية المادة بصورة كلية، قائم على غير أساس.

وإذا أمكن بمقتضى هذا القانون - أن تكون المادة حادثة في جانب من هذا العالم، فلماذا لا يمكن أن تكون كلها في أي جانب فرض، كذلك.

ومن جهةٍ ثالثة: فإن إعلانهم بأن الكون يمثل كليةً لا حد لها لعددٍ لا نهائي للمجموعات المختلفة كيفياً، وأن عدد الحالات الممكنة للمادة في الكون لا نهائية، ولا يمكن التوصل إليها مع أي مرور في الزمن، ما هو إلا رجم بالغيب، ودعوى إحاطتهم بالغيب، وكيف يحيطون بذلك علماً، مع اعترافهم بأنها لا نهائية ولا يمكن التوصل إليها.

ومثل هذا قولهم أن القانون الثاني المشار إليه، لا يحدد جميع التيارات الممكنة في المادة، ولم يفصحوا عن هذه التيارات.

ولكن يبدو أنهم يقصدون بها قوانين (بقاء المادة) مثل (قانون حفظ الطاقة)، و(قانون بقاء الكتلة)، و(قانون بقاء الأشياء)، و(قانون بقاء المادة)، وهي جميعاً تعني مضموناً واحداُ، هو أن التحولات الطارئة على المادة، لا يلزم منها اختفاء الطاقة والمادة، ولا تستدعي استحداثها من جديد عندما تتحول من نوع إلى نوع آخر، بل تبقى متناسبة في الزيادة والنقصان مع أي تحول وتغير.

وعمليات التحول من شكل لآخر، إنما تعني انبثاق معادلات جديدة أخرى.

ولكن ذلك سيبقى نظريات واحتمالات لاحظ لها من الواقع، بعد أن قضى القانون الثاني من الديناميكا الحرارية نهائياً على ما أسموه بقوانين المادة المذكورة التي برهن عليها - كما قالوا - ماير، وجول، وغيرهما في منتصف القرن التاسع عشر أن سبقهم إلى ذلك بالتخمينات حولها كل من ديكارت ولايبتز، وغيرهما.

وقد أشرنا من قبل إلى أن العلم يؤكد على أن الضوء والحرارة وإشعاعات الراديوم، وهي مادي - تضمحل وتتلاشى - ولا تترك أثراً.

ثانياً: الكيمياء الجيولوجية تبطل أزلية الكون:

يقول الدكتور (دونالد روبرت كار) الأخصائي وأستاذ الكيمياء الجيولوجية:

((تحدد عمر التكوينات الجيولوجية كمواد الشهب وغيرها، فقد أمكن باستخدام العلاقات الإشعاعية أن نحصل على صورة شبه كمية عن تاريخ الأرض، ويستخدم في الوقت الحاضر عدد من الطرق المختلفة لتقدير عمر الأرض بدرجات متفاوتة من الدقة، ولكن نتائج هذه الطرق متقاربة إلى حدٍ كبير، وهي تشير إلى أن الكون قد نشأ منذ نحو خمسة ملايين سنة، وعلى ذلك فإن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزلياً، ولو كان كذلك لما بقيت فيه أي عناصر إشعاعية، وهذا يتفق مع القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية، أما الرأي الذي يقول بأن هذا الكون دوري، أي أنه ينكمش ثم يتمدد ثم يعود فينكمش من جديد.. الخ فإنه رأي لم يقم على صحته دليل، ولا يمكن أن يعتبر رأياً علمياً، بل مجرد تخمين(5).

ويقول الدكتور جون كليفلاند كوثران من علماء الكيمياء والرياضة.

((وتدل الكيمياء على أن بعض المواد في سبيل الزوال أو الفناء، ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة، والأخر بسرعة ضئيلة، وعلى ذلك فإن المادة ليست أبدية، ومعنى ذلك أيضاً أنها ليست أزلية، إذ أن لها بداية.

وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على أن بداية المادة لم تكن بطيئة أو تدريجية، بل وجدت بصورة فجائية، وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه هذه المواد.

وعلى ذلك فإن هذا العلم المادي لابد أن يكون مخلوقاً، وهو منذ أن خلق يخضع لقوانين وسنن كونية ليس لعنصر المصادفة بينها مكان(6).

ثالثاً: علم الفلك يبطل أزلية المادة:

يقول الدكتور أيرفنج وليام أستاذ العلوم الطبيعية:

((فعلم الفلك يشير إلى أن لهذا الكون بداية قديمة، وأن الكون يسير إلى نهايةٍ محتومة، وليس مما يتفق مع العلم أن نعتقد بأن الكون أزلي ليس له بداية، أو أبدي ليس له نهاية، فهو قائم على اساس التغير، وفي هذا الرأي يلتقي الدين بالعلم(7))).

رابعاً: علم الطبيعة أيضاً ينفي:

قال الدكتور عالم الطبيعة (أدوين فاست):

((وعندما تحاول عقولنا المحدودة أن ترتد إلى الوراء وتبحث عن ساعة الصفر في تاريخ هذا الكون، نجدها تسلّم ضمناً بأن لهذا الكون بداية ولحظة معينة نشأت فيها الذرات الدقيقة التي تتألف منها مادة هذا الكون، ولا بد أن تكون خواص هذه الجزيئات التي تحدد سلوكها، قد ظهرت معها في نفس الوقت، ومن المنطق السليم أن يكون السبب الأول الذي أوجد هذه الجزيئات هو الذي أودع فيها صفاتها التي تحدد سلوكها(8)...))

ــــــــــــــ

الهامش

 (1)- الله يتجلى في عصر العلم ص 29.

 (2)- انظر: الإسلام يتحدى ص 55-56.

 (3)- المصدر ص 92.

 (4)- المصدر ص 93.

(5)- الله يتجلى في عصر العلم ص 87.

 (6)- الله يتجلى في عصر العلم ص27.

 (7)- المصدر ص 55.

 (8)- المصدر ص 99.