المادة: العقائد 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon akeda 02.doc

- العصمة:

كيف يكون الإنسان معصوماً ولا يصدر منه الذنب؟

نطرح السؤال التالي:

هل تقدر على تناول السم المهلك أم لا؟

نقسم السؤال إلى قسمين:

أ- هل تقدم على تناول السم المهلك؟

ب- هل تقدر على ذلك؟

الجواب عن السؤال الأول قطعاً هو، لا.

والجواب عن السؤال الثاني هو نعم.

فإذا أردت أن تمد يدك إلى قارورة السم فهل أحد يمنعك أو يصدك عن ذلك وهل يوجد من يؤثر على إرادتك؟.

س- هل تمد يدك إلى سلك الكهرباء ذي التيار القوي؟

هل تقدر على ذلك؟.

إذن إذا كان هناك شيء يؤدي إلى الموت والى الخطر الحتمي وهو مهلك 100% بلا إشكال، فلا أحد من الناس العقلاء الواعين يقدم على هذا العمل. لكن هل يا ترى هو قادر على ارتكاب هذا العمل؟ الجواب: نعم.

فلماذا لا يقدم؟ لأنه يعرف التنيجة فلا يخاطر بحياته وإنما يحافظ على وجوده وكيانه.

والنبي أو المعصوم بشكل عام رغم قدرته على ارتكاب المعصية لا يقوم بالمعصية أبداً.

وهناك نتيجة علمية متقنة هي: إن كل عمل في هذه الحياة له ظاهر وله باطن، له وجه دنيوي وله وجه وراء هذا الستار المادي الدنيوي الظاهري. فإذا استطاع أحد أن يعرف المعادلة بين الظاهر والباطن ويعرف الصلة بينهما وان هذا الشيء الظاهري هو عين الشيء الباطن، فالرؤية والبصرعنده تتفتح آفاقها ويطل على عالم أرحب ليس هذا العالم المحدود. فإذا أزيح الستار من أمام عينيه واطلع إلى ذلك العالم الواسع، (مالهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا إحصاها) الكهف:49.

كل شيء محصي بشكل دقيق ومطروح أمامه بوجهه الحقيقي. فماذا يصنع الشخص. هل يقدم على الذنب وهل يقدم على العمل الذي تجسم أمامه بوجهه الباطني؟.

هذا ليس شيئاً نخترعه ونختلقه كما يزعم البعض.

وليس محاولة للرفع من مستوى الأنبياء والأئمة، فنقول بأنهم معصومون وأنهم قادرون على الذنب ويمتنعون عنه. وان وعيهم لحقائق هذه الأمور هو الذي يمنع من ارتكابهم المعاصي. لا، بل هناك حقائق وشواهد تاريخية.

نلاحظ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في إحدى خطبه، فيما يتعلق بموضوع عقيل، لما سأل منه شيئاً إضافياً من بيت المال.

يقول (عليه السلام): رأيت عقيلاً وقد أملق ورأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الألوان من فقرهم، كأنما سودت وجوههم بالعظلم حتى استماحني من بركم صاعا.. والله لان أبيت على حسك السعدان مسهداً أو أجر في الأغلال مصفداً، أحب إليَّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد.

هكذا ينظر المعصوم إلى الظلم. وعنده الظلم قبيح ومنفور ومستهجن إلى درجة انه يستعد أن يتحمل كل هذه المصائب ولا يظلم أحداً. لأن عنده الآثار السيئة المترتبة على الظلم، وان يقف أمام الله تبارك وتعالى ظالماً لبعض العباد أشد بكثير من هذا الذي يلاقيه ومستعد أن يلاقيه اليوم.

إذن المعصوم سواء كان نبياً أو إماماً حينما يمتنع عن المعصية، كبيرة أو صغيرة، عمداً أو سهواً، في شؤون الرسالة وفي غيرها، يؤمن إيماناً قاطعاً بمذهبه وبخطه وبرسالته من جانب، ومن جانب آخر يعلم علماً قاطعاً بالآثار السيئة المترتبة على الذنب والمعصية.

ونجد الصلة بين الإيمان العميق والعلم القاطع بالأثر السيء يساوي العصمة.

إذا عرفنا ذلك نشير إلى نقطتين:

1- الإنسان القدوة.

2- التسديد الإلهي.

- الإنسان القدوة:

المفروض أن النبي إنسان قدوة بعث لهداية الآخرين إلى الطريق الصحيح. وإذا هو قدوة فيكون داعية إلى الحق والى الخير بأفعاله وبسلوكه قبل أقواله. لأن النصيحة والإرشاد يؤثر متى كان الإنسان القدوة، الآمر أو الناهي يتجلى ذلك في سلوكه قبل أقواله. لو لم يكن كذلك، أي يطلب من الغير أن يمتنع عن شيء وهو يرتكبه أو يأمر بشيء وهو لا يؤديه، فمضافاً إلى التناقض السلوكي الموجود سوف لن يحصل التأثير المطلوب.

- التسديد الإلهي:

التسديد الإلهي مهمة جداً. لأن الله تبارك وتعالى اختار هذا الرسول، اصطفى واختار شخصاً لتحمل هذه الأمانة الإلهية ليبلغ رسالة السماء الىالناس، فبطبيعة الحال يحتاج إلى شيء من التسديد. وإلا لكان مثل الأفراد العاديين. أي يترك وشأنه، يعني الخذلان أي شيء يريد يفعل.

بينما التسديد يعنى التوفيق والتسهيل عليه ودعمه بطبيعة الحال يدعمه الله تبارك وتعالى بالمعجزة.

وأيضاً كما في آية التبليغ:

(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك.. والله يعصمك...)

فالتسديد الإلهي هو العصمة من الله تبارك وتعالى.

قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس) المائدة: 67. يعني لا تترك لوحدك.

قوله تعالى: (وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى) الأنفال:17. التسديدات الإلهية والإمداد الغيبي مستمر.

 إذن إذا كان الإمداد الغيبي أمراً وارداً ومعقولاً، فلماذا لا يسدد الله بمرحلة من السلوك الذي يكون الإقرار اللساني والاعتقاد القلبي ينعكسان على الجوارح. فتكون تصرفات هذا النبي وأعماله كلها تجسيداً حقيقياً لكل مظاهر الإيمان، العدل، الحكمة، الانفاق، والعفو وكل القيم الأساسية التي يدعو لها الرسول، نراها تتجسد في سلوكه وفي حياته.

ولذلك يكون إنساناً قدوة وفي نفس الوقت يكون مسدداً بالتسديد الإلهي.